إن كان خلافاً حقيقياً فهو بين حكام البلدين وليس بين الشعبين.
وإن كان خلافاً على “زعامة” الوطن العربي فهما يتنافسان ضمن الأفق المُصاغ أمريكيا والمُحدَّد إلى اي مدى وزمن.
تُهاجم أجهزة النظام السعودي الجيش المصري وتنتقد دوره في الاقتصاد. وهو كلام حق يُراد به كل الباطل. فلا يوجد لجيش اقتصاده خارج أو بهيمنة على اقتصاد البلد، ولكن الجيش السعودي بالمقابل هو جيش الأسرة الحاكمة ودوره تدمير أعرق قطر عربي هو اليمن بل ومختلف الجمهوريات. فهو إذن بلا اقتصاد وبلا وطنية. فديكتاتورية الجيش في مصر، وهي مرفوضة، ليست سبب الهجوم الرسمي السعودي، حتى لو كان الدافع السعودي هو الثأر من حملة محمد علي على الحجاز قبل قرنين. بل إن في الجيش المصري إضافة إلى مشكلة الاحتكار الاقتصادي مشكلة الارتهان للتمويل الأمريكي حيث يتكامل خلل الاحتكار وخطر التموُّل. وهذا النقد لا يمر في عقلية حكام السعودية.
التمهيد لهجوم آل سعود ضد الجيش المصري بل ضد كل من وصله فلسا واحدا من فائض نفط العرب الذي يغتصبه آل سعود كان منذ شهرين حينما تعنتر الوزير السعودي في وكر التآمر على البشرية في مؤتمر دافوس حيث قال بأن سلطة بلاده لم تعد تقدم مساعدات ولا تبرعات.
وربما كان أفظع ما صدر عن ذلك المؤتمر الرهيب في دورته لهذا العام:
1) بيان دعوة العالم لاعتناق المثلية ومضاجعة الصبية “قانونيا”
2) إعلان توقف “المساعدات- الرِشى” السعودية.
الآن، دعك من المثلية.
وهنا السؤال: أين ستذهب فوائض النفط العربي المنهوب على يد سلطة الرياض؟
لا يوجد عاقل يمكن أن يقول لنا: ستذهب للتنمية.
كلا، فالتنمية تحتاج قبل المال إلى قرار سياسي سيادي وإلى ثقافة في الاقتصاد السياسي تناقض منطق النظام الرأسمالي العالمي، وتتوجه للشعب من ألفها إلى يائها، وكل هذا غير متوفر في سلطة الرياض.
ولكن، لماذا تذكرت سلطة الرياض هذا الأمر اليوم؟ وهي سلطة يُزعم أنها ممتدة بما يقارب الامتداد الوهمي لما تسمى “إسرائيل”!
هنا يجب أن نفصل بين المساعدات وبين العدوان ضمن برنامج الإمبريالية وتوكيلاتها.
فما قدمته السعودية على مدار عمرها النفطي لم يكن مساعدات قط للعرب.
• ما قدمته ل م.ت.ف كان لتخريبها بالمال وليحل الدولار محل البندقية والقلم الإعلامي محل الزناد. وإلا، فهل يمكن أن تسمح أمريكا بفلس واحد يُوجَّه لمن يقاتل الكيان!
• كما أن مسرحية تقليص ضخ النفط في حرب تشرين/أكتوبر كانت كي تتمكن أمريكا من إنقاذ الدولار واحتواء أوروبا مجدداً. وإلا كيف يمكن لفيصل الذي ترجى جونسون قبل عدوان 1967 لتمدير مصر أن يقف مع مصر وسوريا ضد الكيان في حرب تشرين لا سيما وحلم الرياض إزاحة اي دولة عربية مرشحة أن تكون مركزاً! كما أن فيصل لم يكن مراهقا عام 1967 ونضج عام 1973!
• وكل ما تم تقديمه لأي بلد عربي غير نفطي وهي الدول المسماة “دول العجز الاقتصادي” كانت أموالاً لسد العجز وتثبيت الأنظمة وليس حتى للنمو والإصلاح فما بالك بالتنمية.
• أما الإنفاق الهائل فكان لتدمير سوريا حيث أنفق الخليج 2 ترليون دولار لثوار الدين السياسي وتمفصلاتهم من لبراليين وتروتسك، ومثليين، وطائفيين، وترك وكرد وشيشان…الخ.
ويبدو أن السعودية تتجه اليوم لدعم حكام العراق كتركيبة امريكية متراكبة مع طائفية مزدوجة سنية شيعية التي تنهب البلد الغني علانية فهل هذا دليل على التغيير في النهج!
يبدو أن تغييراً في الأجندة، يراه البعض في ربما استنكاف سعودي عن الملفات العربية، لبنان، سوريا، اليمن، م.ت.ف… الخ، ولكنه تغيير في الدور.
وبالطبع من الصعب أن تتكهن بتوجه اي نظام عربي، فما بالك بالسعودي لأن كل سياسات هذه الأنظمة سرية عن الأمة مفتوحة للأعداء.
قد يعتقد البعض أن السعودية سوف تتجه شرقاً أو تميل شرقاً وبالتالي هذا سيدفعها إلى تطوير ذاتي.
ولكن، السعودية لن تخرج من تحت مظلة الإمبريالية وحتى لو خرجت فلن يكون هواها إلا ضد الأمة العربية لأن عدوها المركزي هي العروبة. كما لم تكن سلطة الرياض عمياء عن بناء دولة على الأقل منذ 1973 حيث الفيضان النفطي. ويكفي للمقارنة اين وصلت إيران واين وصلت سلطة الرياض التي اموالها اضعاف إيران!
وعليه، هل الهجوم على الجيش المصري هو سحابة دخان كي تغطي ركوع سلطة القاهرة وتسلِّم الجُزر نهائيا للرياض لا سيما وان ذلك ضروري لتمرير التطبيع السعودي الى الكيان؟
هل تستغل الرياض الأزمة الاقتصادية الخانقة في مصر لتسهيل تمرير صفقة الجزر على أن تسعف حاكم مصر ببعض المال كي يُنفق على الأهرامات الأفقية، الطرق والمباني…الخ.
هل تقصد الرياض بتوجيه امريكا التبشير بحماية الكيان للسعودية من إيران وذلك “برأيهم” لأن مصر لم تعد قادرة ولا راغبة في لعب هذا الدور؟ وفي هذا الحال، لن تكفي كل موارد السعودية لِرَيْ عطش الكيان للمال ناهيك بأن الكيان ليس بحجم هذه المهمة؟ وبالمناسبة، كانت هناك بعض الأنباء بأن مصر ضد المشاركة في عدوان ضد إيران. لا ندري مدى الدقة في حصول مثل هذا الطلب.
لا شك أن الرياض ليست راضية عن المشاركة العسكرية المصرية الجانبية ضد اليمن، وبما أنها بصدد الخروج من وحل اليمن، فهي لم تعد بحاجة لدور مصر.
يمكن للتحليل ان يذهب مذاهب شتى طالما أن سياسة بلد كالسعودية لا تُصاغ محلياً كما أنها أحد بنود السياسة الخارجية الأمريكية مما يجعل التحليل ضرباً من التكهُّن ولكنه ضروري على الأقل من باب إحذر عدوك. وحذر العدو يدفع للتفكير في مطلق اتجاه.
وإذا ما صح قولنا بأن كلا النظامين مرهون بخطة عامة امريكية، فهذا يؤكد ايضاً تاريخ الاستعمار في تبني سياسية “فَرِّق تسُد” لتصبح فرِّق ايضا توابعك عن بعضهم. فتابع واحد تسهل قيادته عن اتحاده من آخر. فهل يجمع زير نساء غانيتين معاً!
ملاحظة1: حينما تدفقت فوائض النفط بعد 1973 دُهشت سلطة الرياض كيف تحتوي كل هذا، فكان كيسنجر بالانتظار حيث قال لهم: ضعوها لدينا وسنبني لكم بنية تحتية عصرية. وحصل، ولكن بنية تحتية من نمط الشوارع والعلب الإسمنتية والمول…الخ وليس لا القاعدة الصناعية ولا العلمية. ولا نعتقد أن فوائض ما بعد كوفيد19 وحرب أوكرانيا ستذهب في طريق أجدى.
ملاحظة 2: انتبهوا من محللين منشبكين محسوبين على العروبة بدأوا بالتهليل للرياض لمجرد أن الرياض همست لسوريا، ربما بكلام أمريكي! من يدري، وطبعا يهللون للقاهرة لأنها لم تقاتل سوريا. وكأن المطلوب بين الأنظمة العربية هو عدم الاعتداء!!!
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/