نشرة “كنعان”، 1 فبراير 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6470

في هذا العدد:

التطورات في الجولان المحتل (الجزء الثاني): تعاظم دور المسيحية المتصهينة في الحرب على سوريا والاستيطان في الجولان المحتل، مختار السكرة

الأيديولوجيا/قوى المقاومة ومبدأ الهوية، ناجح شاهين

واشنطن: شكوك بفعالية إمدادات الناتو بدبابات لأوكرانيا، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

الرواية الفلسطينية في المنفى، د. عادل الأسطة

✺ ✺ ✺

التطورات في الجولان المحتل (الجزء الثاني):

تعاظم دور المسيحية المتصهينة في الحرب على سوريا والاستيطان في الجولان المحتل

مختار السكرة

تتمتع جهود المحتل الصهيوني لتكثيف الاستيطان في الجولان السوري المحتل بدعم لاعب جديد نسبيا. بالإضافة إلى الدعم الأمريكي المعتاد، والذي يشمل بناء المستوطنات وليس فقط الدعم العسكري والاقتصادي بعكس ما قد يوحيه أحيانا التوبيخ المصطنع من الخارجية الأمريكية للكيان على بناء المستوطنات (وهذا ما فضحه تقرير هيئة الأبحاث لمجلس الشيوخ الأمريكي سنة 2020)،[1] قد أثبتت المسيحية المتصهينة قدرتها على جذب أموال طائلة لدعم الاستيطان الصهيوني (والأمريكي) في الجولان وعلى إنتاج وتعميم محتوى ثقافي يطمس واقع الاحتلال ويشترك مباشرة بالحرب على سوريا. فترى شركة “صهيون للبترول والغاز” (Zion Oil and Gas) أن مهمتها التبشيرية تقتضي استخراج النفط والغاز من بلاد الشام بدئا بالجولان وفلسطين كما توضح بدون أي خجل على صفحتها الرسمية.[1] كما وتضم الشركة بين مستثمريها الأساسيين ثالث أكبر صندوق استثماري بريطاني في أوروبا “بلو كريست كابيتال ماناجمينت” BLueCrest Capital Management (UK) والذي جعل من مؤسسه “مايكل بلات” (Michael Platt) أغنى مدير صندوق استثماري في العالم.

لاعب آخر ينشط بشكل أكبر في نشر نفس الأيديولوجية الداعمة للاستيطان الصهيوني في الجولان بلباس تبشيري يتمركز في الجولان أساسيا ويدير فروع في مناطق الانفصاليين الأكراد، ويحمل اسم “فرونتير ألايانس إينترناشيونال” (Frontier Alliance International). تنشغل هذه المنظمة، والتي تقوم المنظمة حاليا ببناء “مقر استراتيجي اقليمي” في الجولان السوري المحتل لإدارة مهامها بالمنطقة،[1] بالترويج للرواية الصهيونية وجمع الأموال لتكثيف الاستيطان في الجولان السوري المحتل وذلك عبر المنظمة نفسها وذراعها الذي يحمل اسم “التحالف العالمي لإسرائيل” (Israel Alliance International). [1] وما لا يقل ريبة عن دور هذه المنظمة في محور الاستيطان هو الدور المباشر الذي تلعبه في الحرب على سوريا منذ تأسيس المنظمة في عام 2011. تعمل المنظمة منذ ذلك الحين كذراع لجيش الاحتلال، وذلك كما تصرح على صفحتها الرسمية،[1] حيث تركز على دعم المسلحين في الجنوب السوري عبر التسلل من الجولان، ودعم الانفصاليين الذين يدعون تمثيل الأكراد في شمال-شرق سوريا. هذا الدعم الذي عادة يقدم بحجج فضفاضة كحقوق الانسان والديمقراطية هو بالفعل دعم استخباراتي وعسكري بالدرجة الأولى. فيظهر مؤسس المنظمة وعضو مجلس إدارتها الأمريكي “دالتون ثوماس” (Dalton Thomas) بعدة صور بلباس

عسكري مع الانفصاليين الاكراد.[1] كما ويشاركه في إدارة المنظمة العضو المؤسس الملازم الكولونيل “ماركو مورينو”، وهو رئيس شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الاسرائيلي سابقا.[1]

إن دور المسيحية “الإيفانجيلية” المتصهينة في كسر وحدة الصف في كثير من الدول المستعمرة سابقا ليس جديدا، فكما جرت جيوش الغرب معها تبشيريين بمهمات “إنسانية” إلى دول تستعمرها أو تحاول استعمارها من الهند والصين إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية، تعمم المسيحية المتصهينة سردية تدعم الاحتلال في بلادنا وتشتت قوى اليسار التقدمية في أميركا اللاتينية وتشرعن الحروب الأمريكية لدى الداخل الأمريكي، فلا يغيب عنا أن المستشار الروحي لبوش الابن كان من المدرسة “الإيفانجيلية” نفسها. فتستقي “فرونتير ألايانس إينترناشيونال” فكرها من المبشر “هادسون تايلور” (Hudson Taylor) الذي نشط في الصين في القرن التاسع عشر (وحيث تنشط المنظمة حاليا)، وتسعى لنشر فكرها عبر التعاضد مع قوى سياسية وعسكرية واستخباراتية في دول المقاومة التي تسعى لضعضعة هذه الدول في وجه العدوان الأمريكي والصهيوني الذي تراه المنظمة كفتوحات، ومشروع الكنيسة السرية أو “الأندرجراوند” في إيران (Underground church) والتدخل في سوريا بدعم المسلحين هم خير أمثلة على ذلك.[1]

إن الحرب على سوريا هي عقدة تجتمع فيها عدة جبهات في آن واحد، ولذلك فهو ليس من المستغرب أن تتشابك جهود الغزاة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية التي تنشط بصيغة متشابهة في دول محور المقاومة وكافة الدول التي تسعى للحفاظ على استقلالها من الصين إلى فينزويلا. ولكن الخطر الحقيقي لمنظمات كهذه يكمن في أن تدخل سرديتها بيننا كحصان طروادة، وتحديدا من بوابة اليسار الليبرالي الذي يردد ديباجة الديمقراطية وحقوق الانسان بنسختها الساذجة كما تنطق بها وزارة الخارجية الأمريكية عند كل عدوان. فتظهر “المعارضة” السورية في الخارج والمنظمات المدنية في المناطق المحتلة بلباس ديمقراطي ومدافع عن الحرية يخولها بمقاومة الاحتلال الصهيوني والدولة السورية في آن واحد، بيد أن أفعالها ونشاطها على الأرض يصب في مصلحة الاحتلال والمشروع الليبرالي والإخواني في المنطقة بدون شك. هذا ما يضع منظمات مثل “فرونتير ألايانس إينترناشيونال” و”مراصد” حقوق الانسان والامبراطورية الثقافية التي يقودها عزمي بشارة في المنطقة ووزارة الخارجية الأمريكية في نفس الخندق، حيث إنهم يجتمعون على سردية ليبرالية تنبع من إرث فكري يفصل بين حرية الفرد وحرية المجتمع، كأن المواطن السوري والمرأة السورية مثلا يستطيعون أن يتمتعوا بالحرية إن كانت بلادهم مستعمرة! فرأينا “الديمقراطية” التي تأتي مع هذه السردية في العراق والتي تتماشى تماما مع حرب فتوحات الأسواق للمطامع الاستعمارية، فهي بالنهاية ثقافة سوق ليبرالية تظهر بأقنعة مختلفة مستوردة بكل سذاجة من قبل أنصاف المثقفين في بلادنا من قعر الثقافة الغربية إن صح التعبير، فهي لا ترقى حتى لتمثيل الثقافة الغربية بأبعادها العميقة.

✺ ✺ ✺

الأيديولوجيا/قوى المقاومة ومبدأ الهوية

ناجح شاهين

يعد مبدأ الهوية الأرسطي أساس عمل العقل الإنساني كله. ذلك أنه يؤكد على أن للواقع هوية ثابتة يمكن التعرف إليها باستمرار، وأن الشيء هو ذاته. في هذا المعنى دعونا نقول إن الشجرة شجرة، وهذا يمنع أن تكون عفريتاً، لأن القول بذلك ينسف هوية الشجرة. مثلاً عندما قال مفيد الوحش في مسلسل “نهاية رجل شجاع” لحبيبته لبيبة إنه يريد فنجان قهوة آخر لكي يشرب البحر معه، ظنت أنه جن. لقد انتهك مفيد مبدأ الهوية، وعدم التناقض معاً. ولكن إساءة فهم المبدأ قد تؤدي إلى “هوية أسطورية” إن جاز لنا هذا القول: هوية تتعالى على الواقع والتاريخ.

وإذا كان مبدأ ارسطو قد دشن فكرة الهوية الثابتة التي لا يجوز انتهاكها، فإن هيرقليطس أولاً ثم هيغل وماركس قد أوضحوا أن الهوية ثابتة على نحو نسبي وظاهري فقط، وأنها في حالة تحول مستمر، ولذلك فإن الهوية في الواقع “سيل” من الهويات. فكأن الهوية “الأولى” “أ” تصبح مع الوقت “أ1” ثم “أ”2 ثم “أ”3 …الخ ومهما بدا أن الشيء يظل هو هو، فإنه يتغير على نحو عميق ومستتر قد لا تدركه العيون غير المدربة.

وعندما يقول مناحيم بيغن في العام 1981 بعد تدمير المفاعل النووي العراقي: “اليوم انتقمنا من السبي البابلي،” فإنه يؤكد أن العراقيين المعاصرين ما زالوا هم هم البابليين، وأن المسبيين من القدس ونابلس والخليل هم اليهود المعاصرون ذاتهم. وهذه طريقة “مجنونة” في تطبيق مبدأ الهوية لإن العراق اليوم لا علاقة له بما جرى في الألف الأول قبل الميلاد، كما أن “إسرائيل” المعاصرة لا علاقة لها –مثلما أثبت جمهرة المؤرخين- باليهود الكنعانيين الذي تم سبيهم من جبال كنعان.

لكن لماذا نلوم بيغن المسكون بايديولوجيا مهووسة على ما ذهب إليه؟ إن جهات مهمة وفاعلة في صناعة السياسة العربية مثل فصائل السنة والشيعة -العراقية على الأقل- يمكن أن تذهب إلى ما ذهب إليه بيغن عندما تخبرنا أن واقعنا الحالي سببه ما جرى أيام بني أمية، وهو قول يجب أن يستدعي أكثر من ابتسامة ساخرة. إنه يستدعي الوقوف بحزم ضد فكر أسطوري غير عاقل ينتشر بيننا حتى في مستوى إعلام “المقاومة” وجمهورها. وبالطبع ليس لبني أمية علاقة سببية من أي نوع بما يجري اليوم. وعلى سبيل المثال يمكن أن يكون لهم علاقة بتشكل العباسية فكراً وسياسة وديناً، ولكن ليس لهم علاقة بالصراع في فلسطين أو لبنان أو العراق أو اليمن أو الصراع الخليجي ضد إيران المدعوم إسرائيلياً وأمريكياً.

“هوية” التاريخ تتغير تدريجياً، وعند لحظة معينة تنتهي مرحلة وتبدأ مرحلة جديدة لا صلة لها بالمرحلة السابقة. وبهذا المعنى فإن الحداثة الرأسمالية هي عالم مستقل بذاته، مشروط بقوانينه الخاصة ولا علاقة له بالمسيحية الأولى أو نظام العبودية أو الإقطاع. وبهذا المعنى أيضاً فإن الاسلام المعاصر هو شكل من الإسلام الذي تم بناؤه في زماننا هذا وهو ليس متماهياً في الهوية مع أي من أشكال الإسلام التي سادت في العصر العباسي أو ما بعده من عصور. ولسنا نود الخوض في هذا الموضوع الذي نفضل تركه لمن هم أهل له. ولكننا نقول هنا بسرعة إن فكرة مثل “الإنسان مخير فيما يعلم، مسير فيما لا يعلم” هي فكرة معتزلية أساساً، لأن المعتزلة قالوا “إن الإنسان يقدر على أفعاله” بينما اعتقد الأشاعرة و”أهل السنة والجماعة” أن الله هو السبب الوحيد لكل ما يحصل. وعلى الرغم مما ينسب إلى المعتزلة من “هرطقة” فقد تم تبني فكرتهم المحورية تلك، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من فكر السنة الوهابية المعاصرة.

ولعل تتبع المسيحية أو الإسلام أو البوذية عبر التاريخ يمكن أن يكشف لأي عاقل أن فكرها كان متحولاً، وأن الثبات موجود فقط في عقول الواهمين الذين يظنون وجود نسخة خالدة من معتقدهم يمكن العودة لها في اي وقت. ولكن معاركة تاريخ الفكر والديانات تثبت لمن يريد مواجهة هذا الأمر أن القصة أكثر تعقيداً. ولو طلبنا من أي كان أن يشير إلى النسخة المسيحية أو الإسلامية “الأصل” التي يمكن العودة إليها، فإنه سيجد نفسه في متاهة لن يخرج منها أبداً.

المراحل التاريخية تنتج فكرها و “أيديولوجيتها” الخاصة بها. وعلى الرغم من احتفاظ الفكر بعنوانه القديم فإنه في الحقيقة يتحول ويصبح شيئاً آخر دون أن يدرك مجتمع المؤمنين ذلك. وذلك مفهوم بالطبع، ونستطيع أن نتسامح معه دون شك. ولكن انخراط قوى مثل حماس أو فصائل الشيعة في العراق في الصراع الأسطوري المستند إلى ثبات الهوية يضعها في سياق الظلام الاديولوجي، والاستعمار، وقوى النفط القروسطية، كما يضعها في السياق الآيديولوجي ذاته، وهو أمر خطير، لأنه يعني أن مسلمات الفكر التي ترفض العقل، والمنطق والعلم مرجعاً للجميع، وتظل هي سيدة الموقف في بلادنا على الرغم من الاختلافات السياسية التي تصل حد الاقتتال المريع.

ولذلك نتساءل بخوف: هل نحن في مواجهة قوى قروسطية موالية للسعودية والاستعمار الأمريكي- الصهيوني تقاتل قوى قروسطية موالية لإيران ومعادية للاستعمار الأمريكي-الصهيوني؟ إذا كان الجواب بالايجاب، فإننا بالطبع لا نستطيع إلا أن ننحاز إلى الجماعة الثانية مكرهين، لكننا نظل نرتجف هلعاً من غياب القوة السياسية/التاريخية التي يمكن أن تحول واقعنا اقتصادياً وايديولوجيا وفكرياً باتجاه التحرر من عصر الأسطورة الذي كان سائداً ما قبل أرسطو. نعم إن الخطاب السائد كله ينتسب إلى الزمن الذي يسبق أرسطو، ولا بد أن الالمام بأرسطو أو شيء من قواعده المنطقية يمكن أن يجنب قوى “المقاومة” الوقوع في ترهات من قبيل “التوارة تثبت أن فلسطين ليست لليهود”: إنه ليحز في أنفسنا أن الفكر المقاوم لا يعرف أن علماء “إسرائيل” أنفسهم لم يعودوا يقبلون التعامل مع التوراة على أنها نص تاريخي. إنها أسطورة مثل “جلجامش” و”البعل والعناة”، لا أكثر. لكن بلادنا تعيش هذه الأيام صحوة أسطورية مدهشة.

:::::

صفحة الفيس بوك للكاتب، 30 يناير 2023

Najeh Shahin

✺ ✺ ✺

واشنطن: شكوك بفعالية إمدادات الناتو بدبابات لأوكرانيا

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

          اتقّاد حماسة القادة الأميركيين، من سياسيين وعسكريين، لإعلاء آلة القتل العسكرية في أوكرانيا، وتزويدها بمدرّعات حديثة وأسلحة فتاّكة أخرى، جوبه بتحذير من أبرز أذرع وزارة الدفاع الفكرية، مؤسسة “راند”، ومفاده أنه يتعيّن على صنّاع القرار في واشنطن تفادي الانخراط في حرب طويلة، وكأنها تعيد إلى الأذهان تدرّج واشنطن في حربها على فيتنام.

          في أحدث دراسة صدرت عن المؤسّسة جاء بصريح العبارة إن “المصالح الأميركية تتحقّق بفضل الامتناع عن الدخول في صراع طويل الأجل”. وأضافت “راند” أن واشنطن “ليس في وسعها وحدها تقرير طول أمد الحرب، لكنها قادرة على اتخاذ إجراءات من شأنها إنهاء الحرب عبر مسار تفاوضي حتمي” (دراسة بعنوان “تجنّب حرب طويلة: السياسة الأميركية ووجهتها بشأن صراع روسيا وأوكرانيا”، كانون الثاني/يناير 2023).

          منذ مطلع العام الماضي، تحشد واشنطن دعم “حلفائها” الغربيين لمواجهة روسيا، اتعاظاً بتأكيد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أن الهدف هو “إضعاف روسيا، وأن يؤدي غزوها (لأوكرانيا) إلى فشل استراتيجي” (لويد أوستن، نيسان/إبريل 2022).

          وأتت دراسة “راند”، على الرغم من موضوعية استنتاجاتها، لتسليط الضوء على أولويات الاستراتيجية الأميركية في اتجاه مواجهة الصين، بحسب الاستراتيجيين الأميركيين، انطلاقاً من خشيتهم انعكاسات الحرب الأوكرانية على “انشغال كبار القادة السياسيين وتشتيت جهودهم” في وجهة غير محسوبة بدقة.

          قرار الإدارة الأميركية، ونجاح جهودها الضاغطة على حلف الناتو، من أجل إمداد كييف بمدرعات حديثة، وبأعداد متواضعة، لقيا صدىً وتأييداً من المؤسسات الإعلامية المتعددة، ومن سياسيّي واشنطن وعسكرييها على السواء.

          عبّرت شبكة “سي أن أن” الإعلامية عن رضاها كونه “قراراً بالغ الأهمية، وهدف الدبابات ضرب القوات الروسية بقوّة في هجوم برّي”. واستدركت بالقول إن إرسال 31 دبابة من طراز “آبرامز” الأميركية هو أمر “رمزيّ بصورة كبيرة، ووفّر مظلّة دعم الناتو لهذه الخطوة بشأن خرق الخطوط الحمراء” (26 كانون الثاني/يناير 2023).

          وأقرّت الشبكة لاحقاً بقصور نوعية الإمداد من دبابات “آبرامز” لأن “خدمتها وصيانتها، عبر المساحات الشاسعة لأوكرانيا، تُعَدّان تحدياً صارخاً”، على الرغم من أن وصولها “سيستغرق وقتاً، ربما شهوراً” (تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، 25 كانون الثاني/يناير 2023.

          لا يسود الإجماع بين القيادات العسكرية المتمرّسة بشأن “خرق الخطوط الحمراء”. فلقد أعرب الضابط المتقاعد في سلاح الجيش، دانيال ديفيس، عن اعتقاده أن التهويل هو “عملية إعلامية بحتة، ولن تُغيّر في الوضع الميداني الحقيقي”، فضلاً عن محدودية فعاليتها (موقع “بريتبارت”، 30 كانون الثاني/يناير 2023).

          ربما الأهم في التصريحات العسكرية المتتالية ما جاء على لسان الفريق المتقاعد من سلاح الجيش، مارك هيرتلينغ، و”المحلل العسكري” لدى شبكة “سي أن أن”، ومفاده أن تزويد كييف بمعدات عسكرية “فكرة خاطئة”.

          وأوضح هيرتلينغ في وقت سابق أن القوات الأوكرانية ما زالت تقاتل وفق عقيدة سوفيتية وتسليح غربي، الأمر الذي يضاعف تعقيدات مساعي التدريب والاندماج الميداني بالسرعة المطلوبة.

          أمّا ما يتعلق بتزويد أركان حلف الناتو، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وامتداداً بولندا، لكييف بعدد محدود من مدرّعاتها العسكرية فأضحى مثاراً للسخرية: بريطانيا، 14 دبابة تشالينجر “عقب مكالمة هاتفية بين (رئيس الوزراء) ريشي سوناك وزيلينسكي”؛ فرنسا، 10-12 دبابة لوكلير؛ ألمانيا، 14 دبابة من طراز ليوبارد؛ بولندا، 14 دبابة ليوبارد.

أمّا الدبابات الأميركية الموعودة، آبرامز، فسيتم نزع عدد من المواصفات التقنية، كالتدريع المتطور قبل دخولها الأراضي الأوكرانية، بينما أُحيلت دباباتها، من طراز “برادلي”، على التقاعد في الترسانة الأميركية، والتي مضى عليها نحو 40 عاماً من الخدمة الفعلية، وقد ترسل نحو 50 دبابة.

          اللافت أيضا ما نقلته يومية “إندبندنت” البريطانية بشأن دبابات “تشالينجر”، ومفاده أن رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، “أراد التخلص منها لاعتقاده أنها لم تعد مجدية في المعارك”، وأنه ألغى بند تمويلها خلال مراجعة لميزانية الدفاع البريطانية لعام 2021 (صحيفة “اندبندنت”، 18 كانون الثاني/يناير 2023).

          الدعوات الأميركية “الخافتة” للبيت الأبيض إلى السعي لإنضاج مناخ حوار تفاوضي بين موسكو وكييف جاءت على لسان أعلى القيادات العسكرية مرتبة، رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارك ميللي، يحث فيها على التفاوض، قائلاً إن “انتصار أوكرانيا قد لا يتحقق عسكرياً، وفصل الشتاء قد يوفّر فرصة (لها) من أجل بدء مفاوضات مع روسيا” (خطاب أمام “النادي الاقتصادي لنيويورك”، تشرين الثاني/نوفمبر 2022).

          لعلّها من الفرص النادرة أن يشهد المرء تبايناً واضحاً يصل إلى حدود الانشقاق بين توجهات القيادات العسكرية الأميركية وصناّع القرار السياسي، لكنها تدلّ على حقيقة الشرخ بين الطرفين في الفترة الزمنية الراهنة، وأن مستشاري الرئيس بايدن من “ثلاثي” المحافظين الجدد لهم الأولوية، كما يتردد بقوة، وهم: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية توني بلينكن، ونائبته فيكتوريا نولاند.

          وأكدت نولاند، في مثولها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، عزم الإدارة على استمرار دعمها أوكرانيا، التي “يجب الّا تبقى في قيد الحياة فحسب، بل أن تخرج من الحرب أشد بأساً وأكثر ديموقراطية ودولة أوروبية، وتخدم مصالحنا القومية” (نص شهادتها بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر 2022).

          وفي أحدث تصريح لها أمام تلك اللجنة في مجلس الشيوخ، أكدت نولاند مجدداً أن إدارة الرئيس جو بايدن تريد “ضمان حيازة أوكرانيا ما تحتاج إليه من معدات دفاعية، ليس بهدف تأكيد قدرتها على فرض انسحاب روسي فحسب، بل أيضاً من أجل ضمان عدم قدرة (الرئيس) بوتين على إعادة تشكيل قواته والتقدم مجدداً” (شهادة نولاند أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، 26 كانون الثاني/يناير 2023).

:::::

مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن

الموقع الإلكتروني:

http://thinktankmonitor.org/

✺ ✺ ✺

الرواية الفلسطينية في المنفى

د. عادل الأسطة

في إمعان النظر في دال المنفى يبدو لي أنه دال متحرك في المكان والزمان، فبعض ما كان منفى ما بين الأعوام ١٩٤٨ حتى ١٩٦٧ لم يعد، بعد هزيمة حزيران، منفى، إذ وحدت الهزيمة الوطن كله، وللمفارقة تحت الاحتلال.
ولكن هل يعني المنفى الإقامة خارج الوطن، حتى لو تمت الإقامة بقرار طوعي اختاره الشخص ؟
ما يلفت هو أن نصف الفلسطينيين ظلوا يعيشون خارجها ولم يتمكنوا من العودة إليها، فعاشوا المنفى بصوره المختلفة ؛ المنفى الموحش والقاسي والدموي أحيانا والمنفى الأقل قسوة ووحشية ودموية، وظل أبرز كتاب الرواية الفلسطينية بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ يقيمون في المنافي، وأخص هنا غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا وبعض الشعراء الذين كتبوا رواية واحدة ولم يكرروا التجربة، مثل يوسف الخطيب ومحمد العدناني، ومن قبلهم جمال الحسيني.
مع هزيمة العام ١٩٦٧ أخذ جيل جديد من الكتاب، بخاصة كتاب القصة القصيرة، يكتب الرواية، وهنا أذكر رشاد أبو شاور ويحيى يخلف وأمين شنار، والأخير شاعر وكتب رواية واحدة فقط. لقد ولد يخلف في سمخ وأبو شاور في زكرين وأجبرا على الرحيل عن قريتيهما بسبب حرب ١٩٤٨.
بالتأكيد كان هناك كتاب روائيون آخرون كتبوا روايات عديدة مثل أحمد عمر شاهين ووليد أبو بكر وفضل شرورو وغيرهم، ولم يعد من هؤلاء إلى فلسطين بعد اتفاق أوسلو إلا الثاني – أي وليد أبو بكر الذي كتب رواياته يوم كان يقيم في الكويت التي سافر إليها طوعا قبل هزيمة حزيران ١٩٦٧ وظل فيها دون أن يتمكن من العودة إليها بسبب احتلال قريته يعبد في الحرب فكتب رواياته حيث يقيم – أي في الكويت، ولا أعرف له رواية كتبت بعد عودته – أي بعد العام ١٩٩٣.
قسم من الجيل الذي عاش في المنفى وكتب الرواية بين ١٩٦٧ و١٩٩٣ اختلف مكان إقامته بعد أوسلو، فعاد إلى الوطن وواصل الكتابة وأصدر أكثر رواياته بعد عودته التي لم تكن إلى قريته التي ولد فيها. هنا أشير إلى يحيى يخلف الذي لم يكن قبل عودته أصدر سوى ثلاث روايات بعضها أقرب إلى القصة الطويلة، وحين استقر في رام الله أصدر ما لا يقل عن ست روايات كلها تندرج تحت جنس الرواية، ومن المؤكد أن عودته عودة إشكالية، وإذا دققنا في الزمن الروائي لرواياته، فبعضها يكتب عن تجربة المنفى والشتات ما بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ أو حتى ١٩٩٣.
مثل يحيى يخلف بعض الروائيين العائدين الذين كتبوا رواية أو روايتين أقرب إلى القصة الطويلة ثم كتبوا رواية أو روايتين بعد عودتهم إلى أرض الوطن بسبب اتفاق أوسلو، وهنا أذكر بالتحديد غسان زقطان وزكريا محمد، وإن لم يكتب الثاني في المنفى أي رواية بخلاف ما أنجزه بعد عودته، إذ كتب روايتين.
تختلف ليانة بدر عن يخلف في أنها في المنفى كتبت ثلاث روايات وعدت من كتاب المنفى، وحين عادت لم تنجز سوى رواية واحدة وعمل قصصي تشكل قصصه معا مادة لرواية.( هنا يجب التركيز على أن عودتهم تمت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لا إلى مدنهم وقراهم الأولى، ما جعل أحمد دحبور يستخدم باستمرار عبارة العودة الناقصة، ويكتب في العام ٢٠٠٠ قصيدة ” رائحة السفرجل ” ويقر فيها أنه ما زال في المنفى :
” أنت في المنفى وفي المنفى وفي المنفى وإن سميته وطنا ” )
الروايات التي كتبها هؤلاء في المنفى يمكن أن تدرس على أنها رواية فلسطينية تندرج تحت مسمى ” رواية المنفى ” بخلاف أكثر رواياتهم التي كتبوها بعد عودتهم حين استقروا في أرض الوطن، إلا إذا اعتبروا أن عدم عودتهم إلى مكان ولادتهم ليست عودة وأنهم ما زالوا يقيمون في المنفى.
غير أن هناك روائيين آخرين كثرا ظلوا يقيمون خارج فلسطين ؛ رشاد أبو شاور وفاروق وادي وفضل شرورو ومحمد الأسعد وحنان باكير وحسن حميد وعدنان كنفاني وسامية عيسى وغيرهم…..
إن الحديث أو الكتابة عن رواية المنفى الفلسطينية يجب أن يراعي ما سبق، بل ويجب أن يراعي أيضا الخوض في سؤال الهوية لرواية المنفى وكتابها.
وأنا أكتب بعض الفقرات على صفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ذكرت اسم الروائي إبراهيم نصرالله على أنه من كتاب المنفى، فاستفسر مني الكاتب الأردني محمد داوودية إن كان نصرالله يعد حقا من كتاب المنفى، فهو مواطن أردني يستمتع بكافة حقوق المواطنة الأردنية، وخضت، عبر الماسنجر، حوارا وديا مع الكاتب وأشرت إلى أن الموضوع شائك وانني عالجته في كتابي ” فلسطينية الأدب والأديب : سؤال الهوية ” ( ٢٠٠٠ ).
– هل ندرس روايات إبراهيم نصرالله على أنها روايات كاتب أردني بناء على مكان ولادته وإقامته وجواز سفره، أم ندرسها بناء على أصول أسرته وإقامته في مخيم لاجئين هو مخيم الوحدات، وأيضا بناء على أكثر موضوعات رواياته التي ركز فيها بوعي كامل واختيار تام على المأساة والملهاة الفلسطينية ؟
مثل ابراهيم نصرالله فاروق وادي ومحمد القيسي ومحمد القواسمة وجمال ناجي وليلى الأطرش وآخرين في الأردن، ومثله من قبل جبرا ابراهيم جبرا في العراق، وغسان كنفاني وسامية عيسى في لبنان، وحسن حميد ومحمود شاهين وعدنان كنفاني وفضل شرورو وآخرين في سورية، وأحمد عمر شاهين في مصر، وأفنان القاسم وابراهيم الصوص في فرنسا والقائمة تطول.
لقد درست روايات كنفاني وجبرا وأفنان القاسم تحت مسمى ” الرواية الفلسطينية في المنفى ” لا تحت مسمى ” الرواية اللبنانية ” أو ” الرواية العراقية ” علما بأن أكثر شخصيات روايتي جبرا ” صيادون في شارع ضيق ” و ” السفينة ” عراقيون وبيئتهم العراق.
ليس الغرض من الخوض في هذا الموضوع الشائك التركيز على إقليمية بغيضة قدر ما هو دراسة نتاج أدباء أصولهم أو أصول آبائهم تنحدر من فلسطين التي أجبروا على مغادرتها والإقامة في بيئة جديدة طارئة، حتى لو كانت بيئة عربية تعاملهم معاملة أبنائها الأصليين.
الحنين إلى المكان الأول أتى عليه في شعره أبو تمام ” وحنينه أبدا لأول منزل ” والإقامة في مخيم طاريء هي إقامة تشعر المرء بأنه طاريء ووافد وفي غير مكانه الأصلي، وهذا لا شك سينعكس على كتابته وحياته أيضا.
هل الأصح لتفادي الإشكاليات الإقليمية هو الحديث عن الموضوع الفلسطيني في الرواية العربية خارج فلسطين ؟
هذا سيثير المرء سؤالا آخر مهما هو :
– من هم الكتاب الذين خاضوا في الموضوع الفلسطيني أكثر من غيرهم ولماذا لم يخض فيه كتاب آخرون كثر؟
السؤال نفسه كان أثاره معين بسيسو في كتابه ” نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة ” ١٩٧١، حين لاحظ أن أبرز الكتاب العرب مثل توفيق الحكيم و نجيب محفوظ و يوسف إدريس لم يكتبوا في الموضوع الفلسطيني، فلم يذهب أي منهم إلى مخيمات اللاجئين في قطاع غزة ليعيش مع سكانها فترة ويكتب عن حياتهم فيها.
إن الكتاب الفلسطينيين الذين هجروا من وطنهم في العام ١٩٤٨ وأولادهم الذين ولدوا في المنافي هم أكثر من كتب في الموضوع، وكادت كتابتهم تقتصر عليه. أقول ” وكادت ” لأن قسما منهم خاض في موضوعات أخرى اجتماعية وانسانية لا حضور للموضوع الفلسطيني فيها. لا يعني ما سبق أن كتابا عربا آخرين لم يكتبوا في الموضوع الفلسطيني ويجيدوا في الكتابة فيه إجادة كبيرة. هنا أذكر إلياس خوري ورواياته ” باب الشمس ” ١٩٩٨ و ” أولاد الغيتو : اسمي آدم ” ٢٠١٦ و ” أولاد الغيتو : نجمة البحر ” ٢٠١٨، ولكن ما نسبة الكتاب العرب الذين كتبوا في الموضوع الفلسطيني إلى الكتاب الفلسطينيين الذين كتبوا فيه ؟
في الكتابة عن الرواية الفلسطينية في المنفى يجب الالتفات إلى ظواهر وقضايا كثيرة منها :
– التمييز بين روائي محترف وكاتب لم يحترف كتابة الرواية وإنما كتبها هواية أو كتبها إلى جانب كتابته جنسا أدبيا تخصص في كتابته.
هناك كتاب روائيون بدأوا يكتبون القصة القصيرة ثم تحولوا إلى كتابة الرواية، وهناك شعراء كتبوا رواية أو اثنتين أو ثلاث روايات، ولكنهم ظلوا يعدون أنفسهم شعراء، وهناك شعراء احترفوا كتابة الرواية وعرفوا كتابا روائيين، فهل نعد من كتب رواية أو روايتين أو ثلاث روايات كاتبا روائيا ؟
إن كثيرا مما كتبه هؤلاء يمكن أن يدرج تحت مسمى ” السيرة الروائية ” فهو أقرب إلى السيرة الذاتية التي صيغت بقالب روائي، وهؤلاء بالتأكيد يختلفون عن كتاب القصة القصيرة الذين هجروها إلى الرواية أو كتبوها إلى جانب كتابة القصة القصيرة.
في النظر في قائمة أسماء روائيين كتبوا الرواية خارج فلسطين لاحظت أن هناك أكثر من عشرين من اثنين وأربعين لم يتجاوز عدد ما كتبوا من روايات ثلاثا، وأن أكثرها لم يشكل تميزا في الشكل الروائي أو إضافة نوعية يمكن أن يشار إليها. إنها سرد عادي لتجربة ذاتية يمكن أن يقرأ القاريء مثله أو قريبا منه في روايات الروائيين المحترفين.
ملاحظات حول الموضوعات الروائية لرواية المنفى :
– شكلت حياة الفلسطينيين في البلدان العربية وما عاشوه ومروا به من أحداث، مادة أكثر الروايات التي أنجزها الروائيون الفلسطينيون في المنافي. لقد كتبوا عن حياة اللجوء في المخيمات ووصفوا مشاعر الحنين التي انتابت اللاجئين بعيدا عن مدنهم وقراهم، فاستحضروا فلسطين بمدنها وقراها وأهلها، وكتبوا عن علاقات اللاجئين باحوانهم العرب وأنظمة الحكم، سلبا وإيجابيا. كتبوا عن الحروب الأهلية وقسوة الحياة بعيدا عن المكان الأول، وقد تجسد هذا في روايات كنفاني وجبرا وآخرين كثر كتبوا رواية واحدة فقط مثل حنان باكير صاحبة الرواية الوحيدة ” أجفان عكا ” ومثل رواية ليانة بدر ” عين المرآة ” ومثل رواية حزامى حبايب ” مخمل ” وروايتي سامية عيسى ” حليب التين ” و ” خلسة في كوبنهاجن ” ومثل رواية جمال أبو غيدا ” خابية الحنين ” وبعض روايات رشاد أبو شاور مثل ” العشاق ” و ” ليالي الحب والبوم ” ورواية ليلى الأطرش ” رغبات ذلك الخريف “.
لكن الكتابة عن المنفى والإقامة فيه لم تكن الموضوع الوحيد الذي خاض روائيو المنفى فيه، فقد كتب قسم منهم عن فلسطين نفسها، كما في رواية رشاد أبو شاور ” وداعا يا زكرين ” وعن أماكن فيها ولدوا بعيدا عنها ولم يروها وعن أزمنة لم يكونوا شهودا عليها. كتب حسن حميد عن جسر بنات يعقوب وعن القدس ” جسر بنات يعقوب ” و ” مدينة الله “، وكتب إبراهيم نصرالله عن قرية أبيه واجداده وعن طبرية وعكا في زمن ظاهر العمر ” زمن الخيول البيضاء ” و ” قناديل ملك الجليل ” وكتب توفيق فياض عن فلسطين أيام الانتداب ” وادي الحوارث ” وحين تركت سحر خليفة فلسطين واقامت في الأردن كتبت عن عبد القادر الحسيني ” حبي الأول ” وعن انطون سعادة ” أرض وسماء ” ومن قبل كتب غسان كنفاني عن حيفا في زمني النكبة والهزيمة وعن ثورة ١٩٣٦ التي ولد زمن انطلاقتها.
تقاطعات رواية المنفى مع الرواية الفلسطينية داخل الأرض المحتلة، جمال ناجي واميل حبيبي :
التقاطعات بين رواية المنفى ورواية الوطن يعثر عليها المرء في ” متشائل ” اميل حبيبي ١٩٧٤ ورواية غسان كنفاني ” عائد إلى حيفا ” ١٩٦٩ وهنا يتجسد في عودة اللاجئين بعد هزيمة حزيران لرؤية بيوتهم، ويعثر عليها في ” المتشائل ” ورواية جمال ناجي ” غريب النهر ” فشتات العائلة الفلسطينية والتقاؤها بعد فترة زمنية طويلة موضوع حاضر في كلتيهما. حقا إن الشكل الروائي مختلف ولكن الموضوع متشابه. ( تراجع مقالتي في جريدة الأيام الفلسطينية ).
الكتابة عن بيئة المخيم أيضا حاضرة حضورا كبيرا في رواية الوطن في غزة والضفة الغربية وفي رواية المنفى، فالمخيم الفلسطيني موجود هنا وهناك منذ ١٩٤٨. لا يعني ما سبق عدم وجود اختلاف، فعالم المدينة والقرية الفلسطينية يحضر في رواية الوطن أكثر. إنه لا يحضر في عالم المنفى إلا من خلال الذاكرة. هناك روائيون كثر في مناطق الاحتلال الثاني كتبوا عن القرية الفلسطينية والحياة فيها وهذا ما لا نعثر عليه بالكثرة نفسها في رواية المنفى التي حضرت فيها بيئة المخيم أكثر. ماذا لو قارنا بين بيئة روايات أحمد حرب وصافي اسماعيل صافي وأحمد رفيق عوض مثلا، وهم نشأوا نشأة قروية والبيئة الروائية في روايات حزامى حبايب وسامية عيسى ؟!
الموضوع الاجتماعي في رواية المنفى والسؤال إن كانت الرواية فلسطينية :
تساءل نازك ضمرة وهو يكتب عن رواية جمال ناجي ” عندما تشيخ الذئاب ” عن هوية الرواية، وموضوعها يعالج قضايا اجتماعية، تساءل إن كانت روايته تعد أدبا فلسطينيا.
تجري أحداث الرواية في عمان ولا تأتي على الموضوع الفلسطيني ويمكن أن تحدث الأحداث فيها في أية بيئة عربية ويعيش شخوص هذه البيئة العربية أو تلك ما عاشه شخوض رواية ناجي، فليس هناك خصوصية فلسطينية لافتة فيها، وليس الأمر عموما كذلك في روايته ” غريب النهر ” المشار إليها آنفا.
ما كتب عن روايتي جمال ناجي يمكن أن يكتب عن روايتي ليلى الأطرش ” أبناء الريح ” و ” رغبات ذلك الخريف ” فالأولى تعالج موضوعا اجتماعيا عاما يتكرر في بيئات عربية من المحيط إلى الخليج، وتختلف الرواية الثانية التي تتبع فيها الروائية حياة عائلة فلسطينية اقتلعت في العام ١٩٤٨ من بيئتها وتشردت في المنافي العربية وتنقلت في العالم الواسع. موضوع الرواية الأولى موضوع ليس مقتصرا على الفلسطينيين وحدهم وليس له خصوصية، بخلاف موضوع الرواية الثانية.
وينطبق ما كتب عن روايات ناجي والأطرش على روايات إبراهيم نصرالله على الرغم من أنه صاحب مشروع روائي لكتابة المأساة والملهاة الفلسطينية منذ زمن ظاهر العمر – أي في بدايات القرن الثامن عشر. بل وينطبق أيضا على الروائي رشاد أبو شاور في رواياته الأربعة الأخيرة التي كتبها في القرن الحادي والعشرين، فروايتا ” وداعا يا زكرين ” و ” ليالي الحب والبوم ” تعالجان الموضوع الفلسطيني وتحتلف عنهما روايتا ” سأرى بعينيك يا حبيبي ” و ” ترويض النسر “.
سؤال الهوية :
أرق سؤال الهوية الكتاب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة وفي المنفى أيضا، ولعله من أكثر الأسئلة إلحاحا، لأنه مرتبط بحياة المنفى. وكنت توقفت أمامه في دراستي ” سؤال الهوية في الرواية العربية “، فكتبت عنه في رواية غسان كنفاني ” عائد إلى حيفا ” ورواية إميل حبيبي ” المتشائل “. يلخص سليم البيك في روايته ” تذكرتان إلى صفورية ” إشكالية هوية الفلسطيني في المنفى على النحو الآتي :
” في دبي ينظر إلى يوسف على أنه سوري، وفي سورية ينظر إليه على أنه فلسطيني، وفي قسم الأدب الفرنسي يكون الطالب الفلسطيني، وحين يستقر في باريس ويحصل على جواز سفر فرنسي يقرر زيارة قرية جده صفورية، ويتخيل يوسف أنه سينظر إليه هناك على أنه الفرنسي الذي يزور إسرائيل “.
كيف تعالج سامية عيسى في روايتها ” خلسة في كوبنهاجن ” سؤال الهوية ؟
ثمة أربع صفحات في الرواية أدرجت تحت عنوان ” أنا ضايع ” تناقش السؤال.
كانت منى تجري سؤالا مع اللاجيء الفلسطيني حسام من أجل بحثها عن معنى الهوية لدى اللاجئين في الشتات.
كان حسام لجأ من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى الدنمارك وشعر في بدايات اللجوء بذل غير طبيعي لأنه لجأ ” الطريقة الوحيدة اللي خلتني أبقى إنو أولادي صار إلهم اسم هون لما صاروا ياخدو جوائز عالمية بالملاكمة ورفعوا اسم الدنمارك لفوق. صرت أحس إنو لازم يصيروا دانمركيين. مش مهم أنا شو حاسس حالي. المهم هني صاروا بحسوا حالهم بشر”.
ويتابع الحديث عن الفرق بين حياته في لبنان وحياته في الدنمارك :
” كنت بحس بلبنان إني غريب وهون كمان بحس الشي نفسه مع إنهم ألطف، وهلق بس أروح أزور لبنان بضلني قاعد بالمخيم. بس بصراحة بشتاق لكوبنهاجن، وما بصدق ايمتى أرجع. وبس أرجع بحس أكثر إني غريب وبتضايق. أنا ضايع “.
وتأتي الرواية على اليهود الذين بدأوا يفدون إلى الدنمارك منذ القرن السابع عشر وتكاثروا بعد المحرقة واندمجوا وقدموا الكثير للبلد التي حمتهم من بطش النازية، وافتتحوا فيها اول مكتب للحركة الصهيونية في العالم في ١٩٠٢. وما زال يهود الدنمرك يواصلون نشاطهم في الحركة الصهيونية ” وما يتطلب منها حين تدعو الحاجة !”
والحكاية لها دلالاتها.
القدس في رواية المنفى :
من الموضوعات التي كتب فيها روائيو المنفى القدس.
لقد كتب كل من جبرا ابراهيم جبرا ونبيل خوري في ٦٠ و٧٠ القرن ٢٠ عن مدينة القدس وحياتهما فيها، وعاد عيسى بلاطة في نهاية ٩٠ القرن ٢٠ ليكتب روايته ” عائد إلى القدس ” مصورا طفولته فيها وكاتبا في الوقت نفسه عن الفلسطيني في منافيه في الغرب.
في القرن الحادي والعشرين خصت سحر خليفة القدس برواية ” صورة وايقونة وعهد قديم ” وكانت كتابتها في رواياتها السابقة قليلا ما تأتي على القدس. ولكن اللافت هو أن يخص الروائي حسن حميد المولود في سورية القدس برواية كاملة دون أن يكون عاش في القدس أو زارها، والرواية هي مدينة الله ” ولكنه كتب من منطلق أهمية المدينة وما تعنيه للفلسطينيين والعرب والمسلمين.
مثل حسن حميد الروائية ليلى الأطرش المولودة في بيت ساحور والمقيمة بعد حزيران ١٩٦٧ في الأردن وبعض الدول العربية التي عملت فيها إعلامية.
لقد زارت الأطرش القدس بعد ١٩٦٧ مرارا وخصتها برواية كاملة هي ” ترانيم الغواية “.
الحروب الأهلية :
قارب روائيو المنفى ما مر به الفلسطينيون في أماكن الشتات التي أقاموا فيها، فلم تكن علاقتهم بالأنظمة التي حكمت تلك الأماكن وببعض السكان علاقة حسنة، فقد وقعت اصطدامات اتخذت شكل حروب أهلية، كما حدث في الأردن في العامين ١٩٧٠ و١٩٧١ وكما حدث في لبنان في ١٩٧٥ حتى ١٩٩٠.
لقد خرج قسم من الفلسطينيين من هذين البلدين كما كما دمرت مخيمات أقاموا فيها بكاملها، مثل مخيم تل الزعتر الذي خصته ليانة بدر برواية كاملة أرخت لسقوطه هي رواية ” عين المرآة “، أما ما جرى في الأردن فقد قورب بحذر تقريبا وعلى استحياء، وهو ما نقرؤه على سبيل المثال في رواية حزامى حبايب ” مخمل ” ورواية جمال أبو غيدا ” خابية الحنين “، وقارب على فودة علاقة الفلسطيني بالمخابرات الأردنية في روايته ” الفلسطيني الطيب “.
والملاحظ أيضا أن بعض الروائيين ممن يقيمون في بلد عربي معين أنهم، حين كتبوا عن امتعاضهم من نظام الحكم في البلد الذي يقيمون فيه، لجأوا إلى التلميح لا التصريح، كما في رواية إبراهيم نصرالله ” عو ” وفي رواية رشاد أبو شاور ” ترويض النسر “.
النقد الذاتي :
مارس بعض كتاب المنفى نقدا ذاتيا للثورة الفلسطينية وبعض رموزها انعكس بوضوح وصراحة في بعض أعمالهم، ما دفع ناقدا مصريا لأن يكتب في الموضوع هو الناقد مصطفى عبد الغني.
من الروائيين الذين كتبوا في رواياتهم نقدا ذاتيا رشاد أبو شاور في روايته ” أيام الحب والموت “(؟) ويحيى يخلف في روايته ” نشيد الحياة ” وأفنان القاسم في روايته ” أربعون يوما في انتظار الرئيس “، ولكن هذا النقد كان صرخة عابرة، وبعض من كتبوا رواية ارتفع فيها صوت نقدي، مثل يحيى يخلف في ” نشيد الحياة ” سرعان ما خفت صوته فعاد ليكتب ممجدا الذين انتقدهم، كما في روايته التوثيقية عن سقوط طائرة الرئيس الفلسطيني أبو عمار / ياسر عرفات.
يندرج تحت هذا العنوان ما كتبه بعض الكتاب عن تجارب بعض الفلسطينيين في الدول الاشتراكية، حيث انتقدوا كسل بعض الطلاب الفلسطينيين الذين درسوا هناك واستغلوا انتماءهم للحزب وعلاقتهم بمسؤوليه في تلك الدول للحصول على الشهادة، ويبدو هذا في رواية محمود اللبدي الساخرة ” دكتور… ونص “.
الرواية – السيرة
كما كتبت سابقا فإن بعض الشعراء أو الكتاب كتبوا رواية واحدة كانت أقرب إلى السيرة الذاتية لفترة من حياتهم، وأرى أنها يجب أن تدرس تحت جنس السيرة الذاتية لا تحت فن الرواية. من الشعراء مثلا علي فودة صاحب ” الفلسطيني الطيب ” وراشد عيسى صاحب ” مفتاح الباب المخلوع ” ومحمد القيسي في أعماله ومنها ” الحديقة السرية ” وغسان زقطان في ” عربة قديمة بستائر “، ومن الكتاب أيضا الروائية ليانة بدر في ” نجوم أريحا ” وليلى حوراني في ” بوح “.


ملحق بروائيين من المنفى :
– إبراهيم السعافين
– إبراهيم نصرالله
– إبراهيم الصوص
– أحمد أبو سليم ” كوانتوم “
– أحمد عمر شاهين
– أفنان القاسم
– بشرى أبو شرار
– توفيق فياض
– جمال أبو غيدا
– جمال ناجي
– حزامى حبايب
– حسن حميد
– حسين المناصرة
– حميدة نعنع
– حنان باكير
– خالد درويش
– دينا سليم حنحن.
– راشد عيسى
– رشاد أبو شاور
– سامية عيسى
– سعد الدين شاهين
– سحر خليفة
– سلوى البنا
– سوزان أبو الهوى
– شيراز عناب
– عبد اللطيف مهنا
– عدنان كنفاني
– علي فودة
– عيسى بلاطة.
– غسان زقطان
– فاروق وادي
– فضل شرورو
– فيصل حوراني.
– ليلى الأطرش
– ليلى حوراني
– محمد الأسعد
– محمد عيد
– محمد القواسمة
– محمد القيسي
– محمود شاهين
– محمود اللبدي
– نازك ضمرة
– نوال حلاوة
– هناء عبيد
– وليد سيف
– يحيى الشعار
– يوسف الخطيب


ملاحظة: هذه الملاحظات ليست نهائية، فهناك أسماء أخرى


٢٧ آب ٢٠٢١.

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org