السنة الثالثة والعشرون – العدد 6477
في هذا العدد:
■ تحليلات إرتدادية (2)، عادل سماره
- المكتب الأمريكي لإصدار التصاريح للحكام!
- الصين لا تتوجه شرقاً!!!
■ لسورية سلام، ناديا خوست
■ مقتطفات واسعة من كتاب: «دولة إسرائيل ضد اليهود» (الحلقة الأولى)، لمؤلفه سيلفان سيبل
✺ ✺ ✺
تحليلات إرتدادية (2)
عادل سماره
- المكتب الأمريكي لإصدار التصاريح للحكام!
- الصين لا تتوجه شرقاً!!!
كشفت الكارثة التي حلت بسوريا وتركيا أن سلطات الغرب وخاصة الأمريكية تحكم معظم أنظمة العالم وذلك ليس بالسطوة فقط بل بتطوع كثير من الأنظمة كأدوات لها ضد رعاياها وضد الإنسانية.
صحيح أن حرب العقوبات كانت مثالاً شديد الوضوح على هذه السيطرة، ولكن صحيح ايضاً أنه تمت التغطية عليها بخبث ماهر.
لكن كارثة سوريا خاصة كشفت بأن ثقافة الجريمة في الغرب الحاكم هي التي تسيطر وبشكل معلن بفجاجة.
كنت كتبت في كتابي Development by Popular Protection vs development by State 2005 …أن أمريكا هي الدولة المستقلة الوحيدة وأوروبا حكما ذاتيا وبقية العالم مستعمرات. وها قد اتضح هذا اليوم مع اختلاف ظهور قطبيات غير أمريكا ولكن لسن بقوتها بعد.
بعض دول العالم لم تفكر قط في مساعدة الشعب العربي السوري بل قامت فوراً بإرسال عواطفها وأموالها إلى تركيا وخاصة قطر قاعدة:
· قوى الدين السياسي عدو العروبة
· وقاعدة قوات أمريكا الجوية
· وقاعدة نخاسة مثقفي الطابور السادس
· وقاعدة فضائية التآمر “الجزيرة.
أما بقية دول العالم، فمنها من بادر لتقديم المساعدات لتركيا بعد مباركة أمريكا طبعاً. لذا حتى يوم أمس 9 شباط 2023 كان عدد الدول التي ساعدت تركيا سبعين دولة بينما التي ساعدت سوريا فهي أربع عشرة دولة فقط. وبالطبع، فالمساعدات لسوريا معظمها لم يذكر الغذاء بل تقيد بأوامر أمريكا أي بمواد طبية وأدوات طبية متواضعة! طبعاً لا نفرق بين ضحايا سوريا وتركيا، لكن حضارة الإنجلو ساكسون وعملائها يفرقون.
لقد وقفت معظم الأنظمة التابعة لأمريكا بل اصطفت لتأخذ الإذن الأمريكي في تقديم مساعدات لسوريا. لذا ما عليكم إلا ن تبدؤوا من اليوم الأول لتروا أن بضعَ أنظمة بادرت لمساعدة سوريا دون إذن أمريكي: الجزائر إيران وروسيا.
ثم أخذت تتلوها أنظمة أخرى بعد أن أخذت الإذن الأمريكي.
وكلما تأخر نظام تكون مساعداته شكلية لأن الحاجة الأعلى هي في اللحظات الأولى وكلما تأخرت المساعدة كلما كانت اقل فائدة وإسعافاً.
كثير من المساعدات دخلت إلى مواقع الإرهابيين أو عن طريقهم ومن معابر حددتها أمريكا كي لا تكون من خلال الدولة السورية وذلك ضمن مشروع إثبات أن الدولة فاشلة.
لم تُخفِ أمريكا وأوروبا موقفها بأنها ضد اية مساعدات لسوريا. هذا مع أن المساعدات واجب بلا مواربة وليست تبرعاً ولا مِنّةً.
وهذا يفتح على سؤال: اية شعوب تعيش هناك؟ وكيف تقبل أن تكون أنظمتها ذئاباً توغل في لحم الضحايا والمصابين.
والأنكى، هو تهافت معظم الأنظمة العربية التي لم تجرؤ على تقديم مساعدة سوريا فوراً مما كشف بأن الوضع الرسمي العربي هو الأشد انحطاطاً على صعيد العالم. بل إن القلة من أنظمة العرب التي ساعدت سوريا زحفت على رموش حكامها كي يُسمح لها امريكياً. والمضحك أن ممثل كل نظام كان يقول :”هذه المساعدة بأمر جلالته، فخامته ههههههه”
لقد كان التعاطي مع الكارثة صورة طبق الأصل عن التعاطي مع حرب الإرهاب ضد سوريا سواء من أنظمة وقوى الدين السياسي العربية والإسلامية ومن قوى الاستشراق الإرهابي اي نظمة الغرب وخاصة أمريكا.
أوضحت الكارثة أن معظم هذا العالم تحت الاحتلال الأمريكي إما:
· بتحالف وتبعية حكام هذا البلد أو ذاك
· وإما رهبة من وحشية أمريكا خوف الحكام على عروشهم ومصالحهم كمغتصبين لسيادة شعوبهم
وفقط هي الأنظمة المستقلة والوطنية والتقدمية التي خرجت عن الطوق الأمريكي.
بقي أن نقول بأن القطبية/ات الأخرى لم تتبلور كما يجب بعد. لقد نقدنا تأخر الصين في تقديم المساعدات لسوريا، هذا دون أن نغفل أن الصين استخدمت الفيتو ضد محاولات أمريكا العدوان المباشر باسم مجلس الأمن ضد سوريا.
لقد إحتج بعض الرفاق على نقدنا للصين.
وهذا يعيدنا إلى تجربة بغيضة حصلت في عقود طويلة من القرن العشرين حيث كان الكثير من اليسار العربي مجرد ظلٍ للاتحاد السوفييتي حيث كانوا مجرد كمبرادور/مستوردي ثقافة وإيديولوجيا.
إننا نخشى من تبلور تيارات يسارية عربية تابعة للصين بنفس النهج السابق أو تابعة لإيران أو لروسيا. وهنا يجب التفريق بين الصداقة الندِّية وبين التبعية.
في السياسة وحتى في الإيديولوجيا لا توجد ملائكة. فمن تقدم له ظهرك يمتطيك ولا يقول لك انهض إلا إذا كان ثورياً حقيقياً وأممياً حقيقياً.
لم تُخفِ أمريكا أنها عدو لصين، ولم تخف أنها ستقاتلها، لذا كان يمكن للصين أن تنتهز فرصة العدوان الأمريكي على أطفال سوريا لتُغرق سوريا بالمعونات قبل الكارثة وخاصة حين الكارثة. وحيث تصرفت كدولة صغيرة عادية فإن هذا:
· إما يعني استصغار الصين لنا كعرب
· أو رهبة صينية من أمريكا.
كما يفتح على أسئلة عديدة أخرى.
لكن العبرة في النهاية، في وجوب تشديد الشغل لخلق وطن عربي موحَّد آخر وحينها سوف تتزلف لنا ليس الصين فقط بل أمريكا.
ملاحظة1: اصطفاف الحكام التوابع لأخذ الإذن الأمريكي لمساعدة سوريا ذكرني بمعاناة شعبنا تحت الاحتلال على جسور التطبيع بين فلسطين والأردن حيث وصفها الراحل الشاعر عبد اللطيف عقل في رائعته “الحسن بن زريق… ما زال يرحل”
“يكفيك ذلُّ التصاريح
على الجسرٍ
وقوفك في آخر الصف…”
ملاحظة 2: حول رأيي في الصين في كتابي: “صين إشتراكية أو كوكب إشتراكي”
✺ ✺ ✺
لسورية سلام
ناديا خوست
في الكوارث ظلم وحشي. لأنها تجرف الطبيب الضروري للإنقاذ، والغشاش الذي رفع أبنية قاتلة، ولا تستثني الأطفال. لذلك تستنهض الجوهر الأخلاقي، فتتوهج فضائل النخوة والشهامة. هذا ما تجلّى في سورية بعروض الايواء والإطعام والإكساء والنقل والتبرع بالدم.
ربما شعرنا في لحظة الزلزال الأولى بالغضب فصرخنا: حتى الطبيعة دون قلب! بعد حرب طويلة علينا، زلزال كبير؟ ومن الحب، خيل إلينا أن الدمار قصد المناطق التي عانت أكثر من غيرها من أوجاع الحرب ولها الحظ الأكبر من الفخر بالشهداء.
بعد لحظة فقط، خفّت سورية كلها إلى هناك لتعمل في الإنقاذ. تنصت لتلتقط رعشة الحياة تحت الأنقاض. تتبرع للجرحى بدمها. تلفّ البردان بمعطفها. وتنشر مظلتها على المتناثرين في الحدائق، وهي تخفي دموعها.
وكأن الأوجاع السورية الكبرى أزاحت اللثام عن أخوّة الأشقاء. فعادت الخريطة تنبض من دجلة إلى شاطئ الجزائر وبيروت وعُمان. تنشد أشعار أحمد شوقي والشابي، وموطني، وبلاد العرب أوطاني، ونحن الشباب. وغمرتنا لهفة الأصدقاء من فنزويلا إلى كوبا والصين وباكستان. وفي هذا السياق الوهّاج، جلَونا المفردات. فصحّحنا بالمنطق صيغة “مساعدات إنسانية”: فحيث تشيّد المخابر البيولوجية التي تستولد الأوبئة الفتاكة وتحمّل بها الطيور المهاجرة، لا تطلب رقة القلب! وهل العقوبات غير قتل جماعي، يقفل الشبكة المالية العالمية على المحاصَر فيمنع عنه الطعام والدفء والدواء، ويقطع طرقات الشرفاء إليه!
المساعدات إذن قرار أخلاقي وسلوك إنساني، يعبّران عن سياسة وفكر. هكذا تبدو فرق الإنقاذ الروسية في سياق إعادة مطار الجراح إلى العمل في حلب بمساعدة روسية. وطائرات النجدة الجزائرية في سياق موقف الجزائر النبيل في القمة العربية. وقافلة العراق البرية على المسار الذي عبرته القوات العراقية المشاركة في حرب تشرين، وعبره الناجون من التصفيات خلال الغزو الأمريكي. وإخوتنا اللبنانيون حيث يجب أن يكونوا. أما الدفء القليل الذي ننعم به، والبنزين الذي نتنقل به، فهو طوال الحرب من بلاد سليماني ونظامي كنجوي والخيّام. في الوقت الذي تسرق فيه الولايات المتحدة بقوة السلاح، علناً، القمح والنفط السوري.
كان أبعد من الخيال أن يحدث زلزال! وأي زلزال! لكن يبدو أن الشعب السوري يُمتحن دائماً بما يذكّره بأصالته! ولنا أن نزهو بأن قيادة الدفة السورية لم تفقد لحظةً شجاعتها، فسددت المؤسسات لتواكب الوجدان العام في الإسعاف والإنقاذ. وها هم الذين حملوا واجب إدانة الفساد، يحملون اللوحات التي تسجل التبرعات بالمأوى والنقل والمداواة! والسوريون يتألقون بجمالهم حتى جرحى ومنكوبين!
بقيت بعض مسائل للتأمل:
أولاً، هل سبب هذا الزلزال حركة الصفائح التكتونية، أم جريمة ارتكبها قطب يحرق الأرض كيلا يتراجع إلى قارته؟ تبيح الايديولوجيا العنصرية توظيف العلم في صناعة الكوارث. وليس مصادفة أن يقول شفاب مدير دافوس لا ضرورة لبقاء جميع سكان الأرض! ولا أن تستخدم كورونا في تجربة وباء شامل! فهل هذه الكارثة مشهد دام من الحرب العالمية؟ ألا يوحي تفجير المسيل الشمالي بتفجيرٍ مشابه يلغي مركز توزيع النفط والغاز المخطط في تركيا؟ تضاف هذه الأسئلة إلى تفجير برجي التجارة العالمية، وقتل الحريري، ونسف ميناء بيروت. وتضع ضرورة هزيمة الولايات المتحدة لحماية الحياة على الأرض.
ثانياً، تبيّن المأساة أن الأبراج لا تناسب بلاداً مهددة بزلازل طبيعية وسياسية وحروب. فلنأمل بألا يستنتج تجار العقارات نصب الأبراج بحجة ايواء الناس، بل أن يفرض العقلاء العمارة الأفقية والفراغات الخضراء التي تقلل ضحايا الكوارث وتنشر مساحات الأمان.
ثالثاً، نتمنى ألا نقع في فخ أفلام فيديو تستغل الكارثة فتلفّق احتفالات مقزّزة بإنقاذ طفل لتظهر لون خوذاتها. وقد سقطت قناة الميادين أمس في هذا الفخ.
:::::
صفحة الكاتبة على الفيس بوك
✺ ✺ ✺
مقتطفات واسعة من كتاب خطير يُشرّح إسرائيل
«دولة إسرائيل ضد اليهود»
كتاب جديد من تأليف: سيلفان سيبل
(الحلقة الأولى)
صدر هذا الكتاب في باريس عام 2020، وهو على درجة كبيرة من الأهمية، لأن مؤلفه، سيلفان سيبل، متابعٌ حثيث ودقيق للتطورات الجارية في المجتمع والدولة الإسرائيليين وداخل التجمعات اليهودية في الولايات المتحدة وفرنسا، وهي أكبر وأنشط التجمعات بين يهود الشتات وأكثرها تفاعلاً مع تطورات الأحداث في إسرائيل. شغل «سيبل» منصب رئيس تحرير صحيفة «لوموند» اليومية الفرنسية الشهيرة، وكان مديراً لتحرير المجلة الأسبوعية «كورييه أنترناسيونال». بحكم كونه مراسلاً لصحيفة «لوموند» في إسرائيل غطّى السنوات الأولى من الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، كما عمل مراسلاً للصحيفة نفسها في الولايات المتحدة خلال الفترة من 2007 إلى 2013.
يشرح المؤلف في مقدمة كتابه الأسباب التي دعته إلى تأليفه، فيتذكّر أحاديثه مع والده «الصهيوني» الطاعن في السن؛ من بينها ذلك الذي دار عام 1990 بعد سقوط جدار برلين. «ها أنت ترى بأننا ربحنا أخيراً»، قال له والده، وكان المقصود ﺑ «نحن» الصهيونية والصهاينة. إذ كان هنالك ثلاثة خيارات أمام والده، عندما كان شاباً، لكي يتحرر من معاداة السامية: البوندية (أيديولوجية عمالية قامت على أساسها الحركة النقابية البولندية)، والشيوعية والصهيونية. إختار الوالد الأخيرة، وها هو يتيقّن من حسن اختياره؛ فالبوندية لم تعمّر طويلاً، وها هي الشيوعية تنهار! يقول «سيبل»: أتذكّر بأنني صمتُ، ولم أعلّق بشيء على كلام والدي. فقد كان بيننا فجوة لا يمكن تجاوزها اسمها الصهيونية. قادتني حياتي في إسرائيل إلى إدراك عمق الهوّة بين «الصهيونية النظرية» و «الصهيونية الحقيقية» التي تتمسك بالعنصرية الإثنية وبطرد الفلسطينيين من أرضهم. هذه وغيرها جعلتني أبتعد عنها سريعاً. يضيف المؤلف: في عام 2005 نشرتُ كتاباً يُعالج في آن واحد تطور الصهيونية وتطور المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني. وفي عام 2014، طلب مني الناشر استكمال تلك المعالجة، لكني قاومت لفترة طويلة. لأن الأمر المحيّر في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي هو تواتر تطوراته بصفة شبه يومية. صحيح أن إسرائيل قوية بحيث لا تخسر، لكنها لا تستطيع أن تربح. والفلسطينيون بدورهم يربحون ولكنهم لا يستطيعون ان يخسروا. إذ أن مجرد وجودهم يجعل من المستحيل تحقيق انتصار «نهائي» إسرائيلي وهزيمة «نهائية» فلسطينية. يُردف المؤلف قائلاً: مع ذلك، بدأتُ أتذكّر تدريجياً أحاديثي مع والدي، وقادني ذلك إلى الإستنتاج بأنني كنتُ مخطئاً. فالأشياء كانت تتغير، وبرزت ظواهر وقوانين جديدة في إسرائيل لم يكن أحدٌ يتصوّر ـ قبل عشر سنوات ـ بأنها قد تحدث.
بعد ذلك، يستعرض المؤلف أبرز تلك الظواهر والتطورات التي تبرز من جهة، نقاط القوة التي أحرزتها إسرائيل في العقدين الماضيين؛ ومن جهة أخرى، التحوّل المتسارع الذي تشهده لكي تصبح دولة فاشية تسلّطية (عمادها القوة) حتى على مواطنيها المعارضين لسياساتها. ودولة فصل عنصري الأمر الذي يدفع إلى التردّي المتسارع لصورتها على الصعيد العالمي وفي أوساط الرأي العام العالمي ـ بما في ذلك داخل الولايات المتحدة وفرنسا، بخاصة فيما يتعلق بسياستها تجاه الشعب الفلسطيني الذي تحتل أرضه وتحاول القضاء عليه.
في ضوء التطورات والظواهر الجديدة، يقول المؤلف: «قرّرتُ في عام 2018 تخصيص كتاب عن المجتمع الإسرائيلي حصرياً». والحال يُعتبر هذا الكتاب وثيقة في غاية الأهمية لمعرفة النتيجة التي وصل إليها المشروع الصهيوني في فلسطين بعد ما ينيف عن سبعين عاماً على ولادته هناك، وتحديداً بعد إحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967. يستند المؤلف في ذلك على وقائع كثيرة جداً يُوردها، وإلى عشرات المقابلات التي أجراها مع مسؤولين وقادة رأي عام من اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا. يُساعد الكتاب على فهم خلفية التحوّلات الجذريّة التي شهدها ذلك المجتمع، خصوصاً في العقدين الماضيين اللذين تميّزا بالفترة الطويلة من حكم رئيس الوزراء السابق نتنياهو.
يختار المؤلف البدء بسرد أحداث عام 2018 للإشارة إلى نقاط الذروة التي بلغتها تلك التحولات ودلالاتها. جاء قرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب القاضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليكسر تحفظات أو تردد الإدارات الأمريكية السابقة في تطبيق ذلك القرار. شكّل ذلك النقل، مترافقاً مع عدم اعتراض أي من العواصم العالمية أو الأقليمية المؤثرة عليه «لحظة قوة» جمعت معاً شريكين يؤمنان بأن القوة، والقوة وحدها هي التي يجب أن توجّه سياسة بلديهما.
هذا «الإيمان» بالقوة والإعتماد عليها ليس جديداً على السياسة الإسرائيلية ؛ فقد تم الإعتماد عليها منذ قيام إسرائيل. لكن الجديد في الأمر هو تحول ذلك إلى شعار لدى الإسرائيليين فحواه «ما لا تحصل عليه بالقوة، فلسوف تحصل عليه باستخدام المزيد من القوة»! جاء هذا التطور تحت تأثير الشعور العالي بالثقة بالنفس، وبسبب عدم وجود محاسبة للجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين. وبهذا الصدد يكشف المؤلف «خلاصة تجربة» الإحتلال الإسرائيلي مع الإنتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 ـ 1990)؛ لقد أجبرت تلك الإنتفاضة الحكومة الإسرائيلية على الإعتراف ﺑ والتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعتبرها «إرهابية تخريبية»، وترفض مجرد الإعتراف بها. خلال الإنتفاضة الأولى لم تدخل دبابة إسرائيلية واحدة مدينة فلسطينية ـ دون أن يعني ذلك بان أساليب البطش والتعذيب والقتل والقمع وكسر أضلاع الأطفال وتدمير المنازل كان غائباً عن ممارسات الإحتلال في تلك الفترة بقيادة حكومة حزب العمال. لكن أركان نظام الإحتلال «تعلّموا الدرس». لذلك، عندما اندلعت الإنتفاضة الثانية (سنة 2000)، سارعت حكومة شارون إلى استخدام أقصى درجات العنف لوئد الإنتفاضة في مهدها، خوفاً من أن تقودها ـ كما الأولى ـ إلى «تقديم تنازلات» إلى الفلسطينيين. وعليه، قصفت طائرات ف 16 نابلس وجنين ودخلت دبابات الإحتلال مخيم جنين والمدن، وأرتكبت المجازر بهدف منع الإنتفاضة من الإستمرار والإمتداد والتطور.
هذا الإيمان المطلق بقدرة القوة على تحقيق كل شيء (الذي كان موجوداً إصلاً زمن حكومات حزب العمال)، تعزّز أكثر فأكثر خلال حكم الليكود الذي بدأ منذ عام 1977، وأصبح يُشكّل جزءاً مهماً من عقلية أغلبية كبيرة من الإسرائيليين. في ضوء هذه العقلية المهيمنة، طوّر جنرالات الحرب الإسرائيليون ما أطلقوا عليه «عقيدة الضاحية» (نسبة إلى الضاحية الجنوبية في بيروت)، وطبّقوها على قطاع غزة، وهي عقيدة حوّلت جريمة الحرب المرتكبة ضد السكان المدنيين إلى استراتيجية رسمية لإسرائيل في «صراعها مع الإرهاب». بحسب قائد هيئة الأركان، الجنرال جادي إيزنكوت (2015 ـ 2019) تقول هذه النظرية بأنه في «الحروب غير المتناظرة»، عندما يسيطر العدو على وسط معادٍ لك، او يتمتع بدعم السكان، فإن القيام بأعمال تدمير كثيفة لبناه التحتية وسكانه المدنيين ـ من خلال تنفيذ واعتماد «القوة غير المتكافئة» ـ هي أعمال لا غنى عنها من أجل الوصول إلى أهدافك.
اليوم، يعلن الإسرائيليون بوضوح وعلانية رفضهم لقواعد القانون الدولي، بذريعة «رفض الذوبان العنصري الإثني أو الديني لبلدهم». وهذا يُغري زعماء أنظمة التطرف القومي في العالم، من أمثال زعماء الهند والبرازيل وبولندا والمجر؛ إذ أصبحوا يعتبرون إسرائيل قدوة ومثالاً في «الحرب ضد الإرهاب»، وفي احتقار القانون الدولي واعتماد القوة، بالرغم من احتجاج قوى عديدة في العالم ضد سياستها. ومن بين تفريعات سياسة نتنياهو ـ وهو ما سوف نأتي عليه لاحقاً ـ تحالفه مع حكومات ومسؤولين «معادين للسامية»، وفي الوقت نفسه عدم تورّعه عن إتهام كل من يهاجم الصهيونية بمعاداة السامية.
* * *
يحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان «فرض الرعب»، ويورد أمثلة كثيرة على ممارسات جنود «الجيش الأكثر تمسكاً بالقيم»، تقشعرّ لها الأبدان نظراً لوحشيتها ولإنسانيتها؛ وهي ممارسات لجنود الإحتلال ترتكب يومياً، حتى في الأوقات التي لا يكون فيها مواجهات واسعة بين هذا الشعب وقوات الإحتلال. حاضنة هذه الممارسات المقولة التي أوردناها قبل قليل عن «القوة والمزيد من القوة». أحدث هذا الإرتفاع، ذات المغزى لمستوى العنف الجسدي والنفسي ضد الفلسطينيين، أثراً على موقف الجنود الذين أصبحوا يُطلقون النار بسبب أو بدون سبب؛ يُشجّعهم على ذلك تغطية ضباطهم على جرائمهم. فجرائم قتل الشبان الفلسطينيين ـ التي تصل في بعض الأحيان إلى قتل 3 أو 5 منهم كل يوم ـ لا عقاب لها. والفلسطينيون الذين يتظاهرون ضد جدار الفصل العنصري يُقتل منهم واحد كل يوم على أقلّ تقدير. إنها أعمال بربرية بكل معنى الكلمة. والأمر الخطير في ذلك كله هو تعليم الجنود احتقار كرامة الفلسطينيين وحياتهم، وتعويد الجنود على ممارسة القتل بدم بارد، وبدون أي وازع أو ضمير وإنكار أي حق إنساني للفلسطينيين.
يتطرّق المؤلف إلى سياسة «إظهار الحضور» المنتهجة والمتمثّلة بتسيير دوريات إسرائيلية في المدن الفلسطينية ـ كالخليل مثلاً ـ من أجل القيام بأعمال التخويف والرعب والمداهمة في منتصف الليل بدون سبب، والإعتقالات الكيفية إلخ..ويستشهد المؤلف بأقوال رئيس جمعية «كسر الصمت» (المشكّلة من ضباط وضباط صف وجنود سابقين يحتجّون على ممارسات جيش الإحتلال) الذي يؤكّد بأن القصد من تلك السياسة إفهام الفلسطينيين بأنهم تحت المراقبة الدائمة.
يؤكّد المؤلف بأن لا شيء من تلك الممارسات القمعية التي تستهدف إذلال الفلسطينيين يجري بالصدفة، بل مخطط لها بعناية تامة. ويعطي مثالاً على ذلك التعذيب النفسي الوحشي الذي يُمارس على مئات العمال الفلسطينيين العاملين فيما وراء الخط الأخضر فجر كل يوم عند نقاط التفتيش. يكون هناك أربع بوابات مغلقة. فجأة يظهر ضوء أخضر فوق واحدة من هذه البوابات ـ مثلاً البوابة (أ) ـ فتفتح ويُسمح لعشرة اشخاص بالمرور. ثم تُغلق البوابة بدون تفسير. بعد ذلك يتدافع الناس نحو البوابة (أ) إعتقاداً منهم بأن المرور ممكنٌ من خلالها… لكن، بعد نصف ساعة أو أكثر تُفتح البوابة (ب)… وهكذا..يتم ذلك كلّه على يد جندي أو جندية من الشباب «يتسلّى» بتعذيب العمال نفسياً، بينما الأمر يتعلق بأجرة يوم عمل. مع مرور الأيام، تُصبحُ نقطة التفتيش شيئاً معقّداً ووحشياً ويقود إلى بؤس معنوي… إنها قصة عادية تجري يومياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكن ما يبدو من تصرّف الجنود على أنه عادي روتيني هو في حقيقة الأمر مُفكّرٌ به وأجريت عليه تجارب مرات ومرات، واعيد تقييمها؛ والهدف منها هو جعل حياة الناس غير محتملة ولا تُطاق. ويعود «الفضل» في هذه التجارب «الوحشية» إلى مارتن سيجلمان، أستاذ علم النفس في إحدى الجامعات الأمريكية؛ إذ بدأ بتجاربه هذه على الحيوانات ثم جرّبها على البشر.
لا يقتصر العنف الوحشي الممارس ضد الفلسطينيين على جنود الإحتلال، بل يرفده أعمال عنف المستوطنين المحمية من طرف قادة الحركات الدينية المتعصّبة وسلطات الإحتلال.
وبما أن إسرائيل أصبحت «بطلة الحرب على الإرهاب»، فإن جميع أعمال القمع المفروضة على الفلسطينيين تخاض تحت رآية أيديولوجية «الحرب ضد الإرهاب»، وهو ما يعني بأن الشعب الفلسطيني هو «شعبٌ إرهابيّ». يترتب على ذلك اعتبار أي عمل عنيف فلسطيني (وليس فقط المقصود هنا «تفجير» أو «إطلاق نار») بل رمي حجر أو صفعة توجهها فتاة إلى ضابط صف… هو «إرهاب»؛ بل تطور الأمر إلى حد اعتبار المقاومة السلبية أو القيام بمسيرات هو «عمل إرهابي»! وهو ما يعني ـ من وجهة نظر سلطات الإحتلال ـ بأن الصراع ضد الإرهاب عبارة عن مشكلة فنية ليس أكثر! ومن تداعيات ذلك أن الخبراء الإسرائيليين لا يطرحون على أنفسهم إطلاقاً سؤال عن مدى شرعية الوسائل التي تستخدم في هذه الحرب.
يتحدث المؤلف بعد ذلك عن جرائم وممارسات إسرائيل ضد قطاع غزة، ويصل إلى الإستنتاج بأن الهدف منها هو الوصول إلى «الموت البطئ» للفلسطينيين هناك.
:::::
المصدر: “الهدف”
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org