أقيموا حائط الصد الثقافي واحذروا المنشبكين (حلقة 2-2)، عادل سماره

  • توظيف الزلزال لآخر سياسي

سواء كانت الكارثة من الطبيعة، وهي كذلك، أو كان للبشر الوحشي مساهمة أو حتى رغبة فيها، فلنجمد قراءة المسببات ونتعامل مع المترتبات.

وكما ذكرت سابقا، اصطف الحكام العرب على أبواب الإدارة الأمريكية لأخذ التصاريح لتقديم ما يستر عورتها المكشوفة بالمطلق بإرسال بعض الدواء دون جرأة الحديث عن الغذاء إلا لُماماً وبالطبع لا حديث عن معدات ومال. وكان إصدار التصاريح تدريجياً ولئيما تركيعياً للراكعين. تابعوا متى وصلت طائرة من هنا او من هناك. وحدها روسيا والجزائر وإيران وفنزويلا التي لم تسأل أحداً.

لكن هناك الأخطر.

فما يلوح في الأفق أن هناك تجديد لمشروع الثورة المضادة عبر استثمار زقوميٍ للكارثة.

الشق الأول: أن يواصل الكيان اجتثاث شأفة النضال الفلسطيني وخاصة في الضفة الغربية ومراكمة سياسة الاقتلاع وإن على شكل خلق مناخ الانزياح الذاتي طالما أوان الاقتلاع ليس قائماً. وترافق مع هذا قيام أنظمة التطبيع بشجب النضال الفلسطيني علانية بينما خرسوا جميعا أمام مذبحة جنين قبلها بيوم واحد.

ولم يكن هذا ليحصل لولا أن الثورة المضادة نجحت في تحطيم الرابط والعمق القوميين منذ العدوان على العراق 1991 حيث جرى تشريع مشاركة جيوش وأنظمة عربية ضد جيش ونظام عربي وفي ذيل الأعداء المعولمين. وتلت ذلك حروب الربيع الخريفي العربي لاقتلاع الجمهوريات أي للإجهاز على كل قطر بذاته بعد الإجهاز على المشترك القومي.

وهذا يعني ان التطبيع بل إستدخال الهزيمة صار أمراً عادياً وصارت أنظمة التطبيع المباشر وغير المباشر مقبولة في ما يسمى النظام الرسمي العربي وتقوده ايضاً.

كانت هذه الخطوة/المرحلة الأولى لاجتثاث للعروبة ضمن سياسة مديدة بأن لا تكون هناك لا دولة عربية مركزية ولا وحدة عربية.

أما الخطوة الثانية فهي أكثر خبثاً. فإثر تحطيم البعد القومي لصالح القُطري بقيت فلسطين مشترَكاً على صعيد الشارع العربي، وهذا أمر يجب اجتثاثه طالما أن التطبيع لم يجتثه. صحيح أن التطبيع بقي رسمياً، ولكنه كان لصالح الأنظمة التي جعلته يتسلل إلى قتل اللاوعي. فليس منطقياً أن يكون النظام صهيونياً والشعب عروبياً. لكن هذا حصل ودخلت منتجات العدو السياسية والثقافية والسلعية إلى السوق العربية.

 باختصار، إن اي تعاطٍ رسمي مع نظام تطبيعي هو على الأقل عدم اعتراض على التطبيع وتطنيش للقضية الفلسطينية، وعلى مهل!!! 

وربما نصف التوافق بأنه: أنت تقوم بالتطبيع، وأنا اقبل بك على أن لا تفرض عليَّ التطبيع! وهذا يعني أنها أنظمة لدول لا رابطاً قوميا بينها وكأن الجغرافيا التي تربطها او تضمها هي محض صدفة!

لكن التصالح على مستوى الأنظمة لا يكفي لاجتثاث القضية وصهينة الوطن الكبير بأسره، اي لا بد من انتزاع القضية من الوجدان العربي.

والمعضلة أنه لا القمع، ولا التطبيع أنجز ذلك، لذا كانت المؤامرة الجديدة:

وهنا تم توظيف هائل للإعلام والمثقفين.

 إنها تلك المبالغة الهائلة في النضال الفلسطيني الحالي منذ سيف القدس وخاصة ظاهرة الفدائيين الجدد بشقيهم العمليات الفردية والزُمر، مبالغة بهدف إشعار الشارع العربي أن لا داع لتتعب نفسك فالفلسطينيون على بُعد خطوة من اقتلاع الكيان.

وفي حين كنت كتبت عام 2017 في كتابي “المثقف المشتبك والعمليات الفردية: روافع لتجاوز الأزمة”، فإن الثورة المضادة تستغل هذه الروافع لاقتلاع فلسطين من العمق الوجداني والثقافي والوعيوي العربي. وبالتالي يجري تعويد الشارع العربي على القعود أمام الشاشات الكاذبة بانتظار التحرير الذي كما هُيِّىء لهم به انه صار على بعد خطوة.

وفي حال خفوت أو توقف الهبة الفدائية الحالية تكون الثورة المضادة قد جهزت تفسيرها الخبيث على شكل:

·       كالعادة لم يحسن الفلسطينيون العمل ولا انتهاز الفرص

·       الفلسطينيون منقسمون

·       الفلسطينيون بالغوا في قدرتهم

·       الفلسطينيون زعموا انهم ليسوا بحاجة للعرب

وهذا يفتح على السؤالين مجدداً:

هل تمكنت الأنظمة العربية عبر تصهينها من اجتثاث شأفة القومية وشأفة عروبة فلسطين؟

في الحقيقة لا، ولكن الثورة المضادة حققت إصابات خطيرة في الأمة.

واليوم، يجري استثمار الكارثة على شكل خبيث ايضا ربما على النحو التالي:

·       إعادة سوريا إلى الجامعة العربية

·       تقطيع ولو تدريجي لتحالفها مع إيران

·       عدم طلب ذلك علانية وبفجاجة من سوريا

·       تطبيع علاقة سوريا مع أنظمة التطبيع

·       الحيلولة دون نشوء تحالف قوي بين سوريا والجزائر

·       مواصلة شيطنة إيران

·       الزعم بأن اتفاقاً رسمياً عربياً هو البديل لمحور ا.ل.م.ق.ا.و.م. وللوحدة ولتحرير الأرض العربية المحتلة، أي تكريس الوضع القائم ولكن بعد إخرجه بقشرة جديدة.

وهو جوهرياُ استبدال المشروع العروبي الشعبي بإجهاض ضخم تطبيعي رسمي.

والسؤال: كيف ستتصرف كل من سوريا والفلسطينيين؟

كيف ستوفِّق سوريا بين: حاجتها لوقف حروب هؤلاء الأوغاد،  والحصول على بعض ما تحتاجه لترميم جراحها وهو كثير، وكيف ستكسب من هؤلاء  دوراً في لجم تركيا أو تحويل موقفها إلى أفضل، وكيف ستتوصل إلى استعادة المحتل منها سواء من الكرصهاينة أو صهاينة إرهاب الدين السياسي في إدلب. وكيف ستوفق بين هذه التطورات وتحالفها الستراتيجي مع إيران وحتى مع روسيا. وهل ستنجح في الاقتراح على هؤلاء أن يتم التوجه نحو تحالف سلمي تعاوني بين إيران وتركيا والعرب؟

بالطبع إيران صاحبة قرار وتركيا صاحبة قرار، ولكن العرب لا! فطالما لا دولة عربية واحدة موحدة فدرالية سمها ما شئت سيبقى هذه التجمع الهلامي العربي إجهاضا ضخما تمتطيه امريكا واوروبا وتحركه ضد إيران.

ملخص موقف وتوجه هذه الأنظمة التابعة من سوريا: إما نحن وإما إيران.

كيف ستناور سوريا هنا؟ هل ستناور مؤقتا إلى ان تتعافى جزئيا ومن ثم تنتقل إلى الشرق وخاصة إذا ما صمد توجه تركيا إلى الشرق؟ وهل سوريا كتلة واحدة؟ ماذا عن سوريين غير عروبيين؟ سوريين مع التطبيع، سوريين من طراز الأنظمة العربية…الخ

وماذا عن الفلسطينيين؟ كيف سيواجهون العدو المدعوم غربياً وعربيا سواء بالتطبيع أو بفك فلسطين عن العمق العربي أو لجم ذلك العمق مجدداً.

ليس هذا المقال للإجابة على كل شيء، ولكن ليس أمام الفلسطينيين سوى مواصلة النهج والسير لأنه:

·       الطريق الوحيد الممكن

·       والطريق الوحيد لاستنهاض الشارع العربي، فالمساومة قاتلة لهم وللعمق العربي.

·       ومواصلة الاندماج في محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة مهما طرأت عليه من تغيرات محتملة ذلك أن التناقض في الوطن ومع الكيان والغرب تناحري.

·       كما أن الشارع العربي سيرى بوضوح أكثر أن هذه الأنظمة ليست سوى عدواً لهم وللأمة.

·       ولا بد من الاستفادة من الانقلاب اليميني الفاشي في الكيان على القانون ولكن دون أن يتم امتصاص موقف الفلسطينيين سواء في المحتل 1948 أو 1967 كذيولٍ للطرف الصهيوني ذي التطرف اليميني المُضمَر.

ومن هنا نعود إلى وجوب جبهة ثقافية عربية تتطور إلى حركة ثورية عربية. لا خيارا غير هذا مهما تواصل تأجيله.

English summary:

Post-earthquake developments threaten to liquidate the Palestinian cause after the Arab regimes uprooted the Arab nationalist dimension since 1991, when they participated in the destruction of Iraq with the armies of imperialism, thus opening the way for an Arab regime to destroy another to uproot the Arab nationalist link, for example, Syria, Libya, Yemen, and of course Iraq. With normalization as a project to bring about defeat, it would blacken Israel and integrate it to dominate the Arab world.

It is a division of labor: the entity crushes the Palestinians and the regimes uproot the national depth and the axis of resistance.

Is Syria prepared for steadfastness, is there normalizer and corrupt wings in power… etc? That’s left to be seen

Some propose reconciliation in the region with Iranian, Turkish, and Arab cooperation. This is good, but the Arabs have no value if they do not enter it unified.

​_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….