نشرة “كنعان”، 18 فبراير 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6483

في هذا العدد:

أقيموا حائط الصد الثقافي واحذروا المنشبكين (حلقة 2-2)، عادل سماره

  • توظيف الزلزال لآخر سياسي

من هو جيش حل دولة للمستوطنين في أرض فلسطين التاريخية، محمود فنون 

تفجير واشنطن لخط السيل الشمالي يعزّز خيارات الرد الروسي بالمثل​​، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

✺ ✺ ✺

 أقيموا حائط الصد الثقافي واحذروا المنشبكين

(حلقة 2-2)

عادل سماره

سواء كانت الكارثة من الطبيعة، وهي كذلك، أو كان للبشر الوحشي مساهمة أو حتى رغبة فيها، فلنجمد قراءة المسببات ونتعامل مع المترتبات.

وكما ذكرت سابقا، اصطف الحكام العرب على أبواب الإدارة الأمريكية لأخذ التصاريح لتقديم ما يستر عورتها المكشوفة بالمطلق بإرسال بعض الدواء دون جرأة الحديث عن الغذاء إلا لُماماً وبالطبع لا حديث عن معدات ومال. وكان إصدار التصاريح تدريجياً ولئيما تركيعياً للراكعين. تابعوا متى وصلت طائرة من هنا او من هناك. وحدها روسيا والجزائر وإيران وفنزويلا التي لم تسأل أحداً.

لكن هناك الأخطر.

فما يلوح في الأفق أن هناك تجديد لمشروع الثورة المضادة عبر استثمار زقوميٍ للكارثة.

الشق الأول: أن يواصل الكيان اجتثاث شأفة النضال الفلسطيني وخاصة في الضفة الغربية ومراكمة سياسة الاقتلاع وإن على شكل خلق مناخ الانزياح الذاتي طالما أوان الاقتلاع ليس قائماً. وترافق مع هذا قيام أنظمة التطبيع بشجب النضال الفلسطيني علانية بينما خرسوا جميعا أمام مذبحة جنين قبلها بيوم واحد.

ولم يكن هذا ليحصل لولا أن الثورة المضادة نجحت في تحطيم الرابط والعمق القوميين منذ العدوان على العراق 1991 حيث جرى تشريع مشاركة جيوش وأنظمة عربية ضد جيش ونظام عربي وفي ذيل الأعداء المعولمين. وتلت ذلك حروب الربيع الخريفي العربي لاقتلاع الجمهوريات أي للإجهاز على كل قطر بذاته بعد الإجهاز على المشترك القومي.

وهذا يعني ان التطبيع بل إستدخال الهزيمة صار أمراً عادياً وصارت أنظمة التطبيع المباشر وغير المباشر مقبولة في ما يسمى النظام الرسمي العربي وتقوده ايضاً.

كانت هذه الخطوة/المرحلة الأولى لاجتثاث للعروبة ضمن سياسة مديدة بأن لا تكون هناك لا دولة عربية مركزية ولا وحدة عربية.

أما الخطوة الثانية فهي أكثر خبثاً. فإثر تحطيم البعد القومي لصالح القُطري بقيت فلسطين مشترَكاً على صعيد الشارع العربي، وهذا أمر يجب اجتثاثه طالما أن التطبيع لم يجتثه. صحيح أن التطبيع بقي رسمياً، ولكنه كان لصالح الأنظمة التي جعلته يتسلل إلى قتل اللاوعي. فليس منطقياً أن يكون النظام صهيونياً والشعب عروبياً. لكن هذا حصل ودخلت منتجات العدو السياسية والثقافية والسلعية إلى السوق العربية.

 باختصار، إن اي تعاطٍ رسمي مع نظام تطبيعي هو على الأقل عدم اعتراض على التطبيع وتطنيش للقضية الفلسطينية، وعلى مهل!!! 

وربما نصف التوافق بأنه: أنت تقوم بالتطبيع، وأنا اقبل بك على أن لا تفرض عليَّ التطبيع! وهذا يعني أنها أنظمة لدول لا رابطاً قوميا بينها وكأن الجغرافيا التي تربطها او تضمها هي محض صدفة!

لكن التصالح على مستوى الأنظمة لا يكفي لاجتثاث القضية وصهينة الوطن الكبير بأسره، اي لا بد من انتزاع القضية من الوجدان العربي.

والمعضلة أنه لا القمع، ولا التطبيع أنجز ذلك، لذا كانت المؤامرة الجديدة:

وهنا تم توظيف هائل للإعلام والمثقفين.

 إنها تلك المبالغة الهائلة في النضال الفلسطيني الحالي منذ سيف القدس وخاصة ظاهرة الفدائيين الجدد بشقيهم العمليات الفردية والزُمر، مبالغة بهدف إشعار الشارع العربي أن لا داع لتتعب نفسك فالفلسطينيون على بُعد خطوة من اقتلاع الكيان.

وفي حين كنت كتبت عام 2017 في كتابي “المثقف المشتبك والعمليات الفردية: روافع لتجاوز الأزمة”، فإن الثورة المضادة تستغل هذه الروافع لاقتلاع فلسطين من العمق الوجداني والثقافي والوعيوي العربي. وبالتالي يجري تعويد الشارع العربي على القعود أمام الشاشات الكاذبة بانتظار التحرير الذي كما هُيِّىء لهم به انه صار على بعد خطوة.

وفي حال خفوت أو توقف الهبة الفدائية الحالية تكون الثورة المضادة قد جهزت تفسيرها الخبيث على شكل:

·       كالعادة لم يحسن الفلسطينيون العمل ولا انتهاز الفرص

·       الفلسطينيون منقسمون

·       الفلسطينيون بالغوا في قدرتهم

·       الفلسطينيون زعموا انهم ليسوا بحاجة للعرب

وهذا يفتح على السؤالين مجدداً:

هل تمكنت الأنظمة العربية عبر تصهينها من اجتثاث شأفة القومية وشأفة عروبة فلسطين؟

في الحقيقة لا، ولكن الثورة المضادة حققت إصابات خطيرة في الأمة.

واليوم، يجري استثمار الكارثة على شكل خبيث ايضا ربما على النحو التالي:

·       إعادة سوريا إلى الجامعة العربية

·       تقطيع ولو تدريجي لتحالفها مع إيران

·       عدم طلب ذلك علانية وبفجاجة من سوريا

·       تطبيع علاقة سوريا مع أنظمة التطبيع

·       الحيلولة دون نشوء تحالف قوي بين سوريا والجزائر

·       مواصلة شيطنة إيران

·       الزعم بأن اتفاقاً رسمياً عربياً هو البديل لمحور ا.ل.م.ق.ا.و.م. وللوحدة ولتحرير الأرض العربية المحتلة، أي تكريس الوضع القائم ولكن بعد إخرجه بقشرة جديدة.

وهو جوهرياُ استبدال المشروع العروبي الشعبي بإجهاض ضخم تطبيعي رسمي.

والسؤال: كيف ستتصرف كل من سوريا والفلسطينيين؟

كيف ستوفِّق سوريا بين: حاجتها لوقف حروب هؤلاء الأوغاد،  والحصول على بعض ما تحتاجه لترميم جراحها وهو كثير، وكيف ستكسب من هؤلاء  دوراً في لجم تركيا أو تحويل موقفها إلى أفضل، وكيف ستتوصل إلى استعادة المحتل منها سواء من الكرصهاينة أو صهاينة إرهاب الدين السياسي في إدلب. وكيف ستوفق بين هذه التطورات وتحالفها الستراتيجي مع إيران وحتى مع روسيا. وهل ستنجح في الاقتراح على هؤلاء أن يتم التوجه نحو تحالف سلمي تعاوني بين إيران وتركيا والعرب؟

بالطبع إيران صاحبة قرار وتركيا صاحبة قرار، ولكن العرب لا! فطالما لا دولة عربية واحدة موحدة فدرالية سمها ما شئت سيبقى هذه التجمع الهلامي العربي إجهاضا ضخما تمتطيه امريكا واوروبا وتحركه ضد إيران.

ملخص موقف وتوجه هذه الأنظمة التابعة من سوريا: إما نحن وإما إيران.

كيف ستناور سوريا هنا؟ هل ستناور مؤقتا إلى ان تتعافى جزئيا ومن ثم تنتقل إلى الشرق وخاصة إذا ما صمد توجه تركيا إلى الشرق؟ وهل سوريا كتلة واحدة؟ ماذا عن سوريين غير عروبيين؟ سوريين مع التطبيع، سوريين من طراز الأنظمة العربية…الخ

وماذا عن الفلسطينيين؟ كيف سيواجهون العدو المدعوم غربياً وعربيا سواء بالتطبيع أو بفك فلسطين عن العمق العربي أو لجم ذلك العمق مجدداً.

ليس هذا المقال للإجابة على كل شيء، ولكن ليس أمام الفلسطينيين سوى مواصلة النهج والسير لأنه:

·       الطريق الوحيد الممكن

·       والطريق الوحيد لاستنهاض الشارع العربي، فالمساومة قاتلة لهم وللعمق العربي.

·       ومواصلة الاندماج في محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة مهما طرأت عليه من تغيرات محتملة ذلك أن التناقض في الوطن ومع الكيان والغرب تناحري.

·       كما أن الشارع العربي سيرى بوضوح أكثر أن هذه الأنظمة ليست سوى عدواً لهم وللأمة.

·       ولا بد من الاستفادة من الانقلاب اليميني الفاشي في الكيان على القانون ولكن دون أن يتم امتصاص موقف الفلسطينيين سواء في المحتل 1948 أو 1967 كذيولٍ للطرف الصهيوني ذي التطرف اليميني المُضمَر.

ومن هنا نعود إلى وجوب جبهة ثقافية عربية تتطور إلى حركة ثورية عربية. لا خيارا غير هذا مهما تواصل تأجيله.

English summary:

Post-earthquake developments threaten to liquidate the Palestinian cause after the Arab regimes uprooted the Arab nationalist dimension since 1991, when they participated in the destruction of Iraq with the armies of imperialism, thus opening the way for an Arab regime to destroy another to uproot the Arab nationalist link, for example, Syria, Libya, Yemen, and of course Iraq. With normalization as a project to bring about defeat, it would blacken Israel and integrate it to dominate the Arab world.

It is a division of labor: the entity crushes the Palestinians and the regimes uproot the national depth and the axis of resistance.

Is Syria prepared for steadfastness, is there normalizer and corrupt wings in power… etc? That’s left to be seen

Some propose reconciliation in the region with Iranian, Turkish, and Arab cooperation. This is good, but the Arabs have no value if they do not enter it unified.

✺ ✺ ✺

من هو جيش حل دولة للمستوطنين في أرض فلسطين التاريخية  

محمود فنون 

18/2/2023م  

في مؤتمر مرتب في جامعة القدس قبل أكثر من عشر سنوات تم طرح سؤال: هل لا زال حل الدولتين ممكنا؟ وكان السؤال يوحي بإجابة بالنفي. 

وقد دخلت قاعة المؤتمر صدفة حيث كنت اتجول في الجامعة ورأيت حشدا داخلا للقاعة فدخلت وجلست واستمعت وشاهدت اليافطات المرفوعة وعرفت من الداعين ومن المدعوين وكلماتهم.. 

وقد اجمع المتحدثون على وجود أزمة ومشكلة وانسداد أفق كثيف أمام حل الدولتين لشعبين وأن هناك مأزق لا بد من الخروج منه. وأن الحل الأمثل هو ” دولة واحدة للشعبين “ولأنني لم أستطع السكوت، رفعت يدي وطلبت مداخلة وبسبب الإلحاح ولأن منظم الندوة يعرفني سمح لي بدقيقة أو ما حولها لأن المجال ليس لأمثالي والمتحدثون مرتبون والمطلوب طرح أسئلة فقط. 

من خلال الحديث حملت الاردن مسؤولية ضياع الضفة الغربية وأن من واجبهم استردادها. 

رد عليّ وزير أردني بأن ليس الاردن وحده. فأوضحت ان ضياع فلسطين هو مسؤولية الحكام العرب والضفة الغربية يتحملها كل من الاردن وسوريا ومصر وكذلك قطاع غزة. 

وفهمت انهم يشكلون تلميحا عصابة لطرح حل الدولة الواحدة. 

بعد وقت طلبت من منظم المؤتمر وليد سالم ان يعطيني التسجيل فوعد واخلف 

بعد وقت كثر الحديث عن حل الدولة الواحدة. وعلمت عن ندوات ومؤتمرات ولقاءات وكتابات تعمل على هذه الفكرة. أي جوقة متوسعة فلسطينية وعربية ويهودية وأوروبية وامريكية، وأن المقصود نشر الفكرة عند الفلسطينيين من خلال هذه الجوقة التي يعمل معظمها في منظمات ما يسمى منظمات الأنجزة. 

ولكنني واثناء استماعي لخطاب لمحمود عباس سمعته يهدد حكام الصهيوني بأنهم ” إن ظلوا يضعوا عقبات أمام حل الدولتين فإنه سيتجه لحل الدولة الواحدة ” وكان الطرح بهذه الصيغة كنوع من التسويق تحت صيغة التهديد.. 

إذن هناك جيش يتشكل لحمل صيغة الاعتراف بفلسطين كدولة للمستوطنين وبقاء استيطانهم. 

ونواة هذا الجيش موجودة حيث أن جيش أوسلو ينتقل تلقائيا ليكون جيش دولة المستوطنين فهو قد تلقى ذات الإعداد. 

قال الين بابه: أنا أناصر الشعب الفلسطيني فاطرحوا شيئا مقبولا كي أناصركم بصفتي نصير الشعب الفلسطيني. والحل الأمثل هو حل الدولة الواحدة. 

فالتف حوله جوقة من الكتبة وانصاف الساسة وأنصاف المثقفين وحرصا منهم على الحفاظ على منزلة الأكاديمي اليهودي أخذوا ينشرون أفكاره بيننا وهذا هو المقصود بالتحديد. أما هو فكذلك ينشر أفكاره بيننا فنحن المستهدفون ومعه بعض المشاهير الذين تبرعوا ببعض الكلمات في نقد سياسة حكام الكيان الصهيوني أمثال عميرة هيرتس وبعض الإعلاميين. 

هؤلاء يتقدمون من خلال مجموعات فلسطينية مرتبة لهم ومجندة عبر تراكم عشرات السنين لتخدم مثل هذه الافكار. 

وأكرر من تم تكويعهم في أقبية التحقيق والسجون، ومن تم تخويفهم وتهديدهم بالاغتيالات من الرموز والكوادر خارج فلسطين وممن تم إرسالهم ليتجندوا في صفوف الثورة في الخارج، وممن تم تجنيدهم أثناء عملهم في منظمات الأنجزة للتبعية المنية والعقلية الغربية، وممن وممن.. 

ولهذه الغايات فتحت مراكز وتشكلت مؤتمرات وصيغت بيانات للتوقيع عليها ونشرها وصيغت اوراق… 

وانتقلت العدوى بحماس وتشكلت مراكز علنية لإعداد وتدريب هذا الجيش وتشكلت اطر جامعة لهم تحت اسماء ومسميات شتى مدعومة من موازنات مشبوهة. 

فعزمي بشارة يتصدر القائمة ويمد خيوطه وخطوطه الى عدد من الدول العربية والجامعات والمعاهد ويصطاد من تسوّل له نفسه المكاسب والمغانم. 

كما تنشط دوائر باسم المقاومة والتصدي لمهمة إعادة بناء أطر فلسطينية بعد موت منظمة التحرير الفلسطينية ويلقبون أنفسهم بالقاب الوطنية كجواز مرور لهم ولأفكارهم لاصطياد مزيد من المريدين. 

وقد اشتهرت ورقة باسم صرخة من الاعماق كتبت لصبري مسلم وتروج من خلال أمل وهدان التي وصلت بها إلى مؤتمر مساندة المقاومة ويبدو انها اخترقته من خلال عدد من الشخوص الذين يسوقونها في محور المقاومة باسم لجان الدفاع عن سوريا وعلى رأسهم المدعو يحيى غدار. هذا المكشوف والمخفي أعظم وجماعة المسار وجماعة البديل وجماعة المؤتمر الفلسطيني. 

جماعات تصرف لها الموازنات وتؤسس لجيش يدافع عن برنامج تهويد فلسطين وعن الاستيطان والمستوطنات. 

إن أخطر مكونات هذا الجيش هو اختراق منتشر في أطر الفصائل الفلسطينية ومنهم من كانوا رموزا نقابية وجماهيرية وسياسية استدرجهم الاحتلال إلى قواعده بالترغيب والترهيب والإسقاط. 

ومنهم من يغطي على سقوطه بطروحات من قبل الفصائل جرى توظيفها لخدمة مواقفهم. 

وأشدهم خطورة من كانوا محسوبين على اليسار انتماء وثقافة. 

كل الذين وافقوا على تبني فكرة الدفاع عن المستوطنين والاستيطان مهما كانت وسائل تزييفهم هم في صف العدو مهما كانت وسائلهم في التغطية على طروحاتهم: 

حق العودة أولا، أن تتخلى إسرائيل عن عنصريتها، أن تتخلى عن عدوانيتها، أن تتخلى عن خدمتها للإمبريالية، وان وأن.. 

علما انهم لا يوجهون خطابهم لليهود بل لنا، للجمهور الفلسطيني بالتحديد. 

ويرفعون عقيرتهم بشروطهم المسبقة لتأييد بقاء الاستيطان ويعلنون جهارا نهارا انهم لا يريدون تفكيك المستوطنات القائمة بل فقط تفكيك عنصريتها. 

لا أدرى عن صوابية هذا الشرط ولكنه استلاف من فكرة تفكيك عنصرية نظام حكم جنوب افريقيا مع بقاء البيض العنصريين على حالهم وحال امتيازاتهم. وهي استعارة مزيفة لواقع مختلف وهم يعلمون ذلك حق العلم. وقد قمت بتفنيد أراء عدد من تطوعوا للكتابة دفاعا عن بقاء الاستيطان في فلسطين وشملت ردودي الاسماء التالية وهم : 

سلامة كيلة وهو من أكثر من خرقوا رفاق في صفوف الجبهة الشعبية وغيرها من أشباه اليساريين، وماجد كيالي واحمد قطامش وصبري مسلم وامل وهدان ومحمود الشيخ واحمد حسدية وغانية ملحيس وراضي الجراعي وعوض عبد الفتاح. 

وهؤلاء جندوا مريدين ومريدات بل لجأ بعضهم الى ادبيات المقاومة وابتزها وجند أفكارا منها لتساعده في التحليل وبعضهم استخدم مقولات ومفاهيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بل ان أحدهم تطاول على الدكتور جورج حبش خدمة لتوجهه هذا. 

✺ ✺ ✺

تفجير واشنطن لخط السيل الشمالي يعزّز خيارات الرد الروسي بالمثل​​

د. منذر سليمان

جعفر الجعفري

لم تنعم المؤسسة الأميركية الحاكمة، بدوائرها المتعددة، السياسية والأمنية والاستخبارية والعسكرية، بهدوء من الانتقادات الشعبية، بعد سلسة تساؤلات حول أهليتها في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بشأن تداعيات المنطاد الهوائي الصيني، حتى حاصرتها اتهامات “شبه موثّقة” بارتكابها “جريمة” تفجير خطي السيل الشمالي ناقلي الغاز الروسي إلى موانئ ألمانيا، العام الماضي، والتي عالجتها بأسلوبها الروتيني المعهود: النفي ثم النفي حتى يقدّم الطرف الآخر دلائل دامغة، تصدر عقبها “بعض” الاعتراف مغلّفاً بادعاء البراءة.

في سياق التفاصيل، نشر الصحافي الاستقصائي الشهير، سيمور هيرش، بتاريخ 8 شباط/فبراير الجاري، تقريراً مفصلاً أرفقه بوقائع وحيثيات وتفاصيل وأسماء صنّاع القرار في غرف مغلقة، ويحدّد مسؤولية اتخاذ قرار التفجير بالرئيس جو بايدن، وتأييد فريقه الأمني المصغّر برئاسة مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان؛ ومسؤولين في قيادة الأركان المشتركة؛ ومندوبين عن وكالة الاستخبارات المركزية ووزارتي الخارجية والخزانة.

قوبل التقرير بعنوان “كيف أخرجت أميركا أنبوب السيل الشمالي من الخدمة” بتجاهل منسّق من قبل وسائل الإعلام الرسمية، المقروءة والمرئية. وانفرد عدد ضئيل من بين إعلاميها في سرد الخبر والتركيز على “الطرف الآخر” الرسمي ونفيه بشدة تلك الاتهامات، على الرغم من ذكر التقرير بدقة عالية “التسلسل التاريخي والزمني وآليات التنفيذ والوحدات العسكرية” التي نفذت الهجوم.

بينما تناولت هيئة تحرير صحيفة “واشنطن تايمز”، اليمينية، النبأ باقتطاف وبالتعليق على بعض ما جاء في التقرير، وكذلك نفي البيت الأبيض بأنه “كذبة مفبركة وخرافة كاملة”، قائلة: “في ظل هذا الزمن الذي يتميّز بعدم الثقة في الحكومة، فإن تفاصيل تقرير السيد هيرش تبدو أكثر صدقاً من النفي” الرسمي (صحيفة “واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

من بين المسائل الأساسية التي أبرزها تقرير هيرش تورط القوات العسكرية النرويجية مع القوات الأميركية في “زرع وتفجير العبوات الناسفة”، بالقرب من شواطئ جزيرة برونهولم الدانماركية، واسفر عن تدمير الأنبوبين في عرض البحر، وجاء متّسقاً مع الأهداف الأميركية المعلنة متمثلة بـ “قطع علاقة ألمانيا مع روسيا وإنهاء اعتمادها اقتصادياً على توريد الغاز الروسي الرخيص”.

هذه الجزئية “البسيطة” تؤدي بالجهود الساعية لتحديد هوية الجهات الفاعلة إلى التقرّب من السؤال الكلاسيكي: من المستفيد أو المستفيدين من تلك الفعلة، برد الاعتبار لعامل الربح المادي.

وعليه، تشير البيانات الاقتصادية للفترة الزمنية المباشرة بعد التفجير إلى ارتفاع معدلات المداخيل والأرباح لصادرات الطاقة لكل من النرويج والولايات المتحدة. واستطاعت النرويج الحلول محل المورد الروسي في تصدير الغاز بنحو 40 مليار دولار سنوياً. أما الولايات المتحدة فقد ضاعفت صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية، خصوصاً بعد افتتاح ألمانيا محطتي استقبال الغاز المسال، قبل نحو شهرين، وتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بأن واشنطن تبيع غازها لأوروبا بنحو 5 أضعاف السعر العالمي السابق.

تصنيف عملية التفجير، قانونياً وقضائياً، وبحسب المصادر الأمريكية، دفعت بعض النخب الأميركية إلى القول إنه “ينبغي على الشعب الأميركي مطالبة (الحكومة) تقديم أدلة بشأن ارتكاب الرئيس بايدن مغامرة في أعماق البحار ما يستدعي تفسير دولة نووية (روسيا) أن الفعل بمثابة إعلان حرب” (“واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

في الجانب الرسمي من المسؤولين الأميركيين انفرد عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، مايك لي، بانتقاد عملية التفجير، نافياً علمه وبعض زملائه بتلك الخطة. وأوضح بأنه “قلق لأنني لا أستطيع اسثناء فورياً لاحتمال قيام الولايات المتحدة بتفجير أنبوب السيل الشمالي”. وأردف قائلاً: “إن ثبت صحة (تقرير هيرش)، فنحن على أبواب معضلة كبيرة” (تعليق السيناتور على “تويتر”، 8 شباط/فبراير 2023).

ما قصده السيناتور مايك لي أن الإدارة الأميركية أخلّت بعرف التعامل السائد بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، في مسائل بالغة الحساسية، والذي يقضي بإبلاغ “مجموعة الثمانية” في الكونغرس بالخطط السرّية، والمكوّنة من: زعيمي الحزبين في كلا مجلسي الكونغرس، ورؤساء لجان الاستخبارات في المجلسين ونوابهم.

في هذا الصدد، تنبغي الإشارة إلى دراسة أعدتها “مؤسسة راند” لصالح البنتاغون ركزت فيها على استهداف روسيا عبر اتباع أفضل السبل لاستغلال مواطن ضعف “اقتصادها، وكذلك الثغرات السياسية والعسكرية”، في سياق المواجهة مع موسكو، وناشدت الإدارة الأميركية اتخاذ تدابير عاجلة من أجل “تقليص حجم صادرات (روسيا) من الغاز وإعاقة جهود توسيع طاقة الأنابيب” الناقلة له (دراسة بعنوان “توسّع روسيا: التنافس على أرضية مواتية”، أيلول/سبتمبر 2022).

أيضاً، نلفت النظر إلى “معرفة” مسبّقة للحكومة الألمانية بموعد التفجير وهوية الفاعل. إذ نشرت كبرى الصحف الألمانية “دير شبيغل” تقريراً في اليوم التالي للتفجير، 22 أيلول/سبتمبر 2022، يشير إلى تلقي الحكومة الألمانية “تحذيراً (خطياً) من وكالة الاستخبارات المركزية (الأميركية) من وقوع هجوم محتمل يستهدف أنبوب الغاز”، ونقلت الصحيفة كذلك على لسان “مسؤول رفيع” في الحكومة الألمانية يعرب فيه عن “الحنق الشديد” الذي تملّك مسؤوليها “لاستثناء مشاركتهم في تلك المعلومات”.

تفجير انبوبي الغاز يعد بمثابة “جريمة حرب” في العلاقات الدولية ونصوص القانون الدولي. القاضي اليميني الشهير والمعلق السابق في شبكة “فوكس نيوز”، أندرو بوليتانو، كان شديد الوضوح في توصيف العملية، بالقول: “من المنظار القانوني الصرف (فالعملية) تندرج تحت بند إعلان حرب ضد روسيا وضد ألمانيا. مهما تكن هوية الفاعل، وربما الاحتمال الأوحد هو الرئيس الأميركي نفسه، فقد تسبب في إلحاق الضرر بعشرات ملايين المواطنين الألمان والتسبب في ستمرار معاناتهم خلال فصل الشتاء”.

وأردف “إنه إعلان حرب لم يصادق عليه الكونغرس، وهي عملية عديمة الأخلاق بالكامل، وغير دستورية بكل ما للكلمة من معنى. وربما عملية إجرامية” (مقابلة أجراها بوليتانو مع شبكة “ذي بوست ميلينيا – The Post Millenia” الكندية، 13 شباط/فبراير 2023).

نسوق ذلك للتمهيد إلى استنتاجات توصلت إليها هيئة تحرير صحيفة “واشنطن تايمز”، في مقالها المنشور، تسلط فيه الضوء على قرار البيت الأبيض بالتخطيط لعملية التفجير وتنفيذها بسريّة عالية، من بينها: “ازدياد مداخيل الطاقة لروسيا بنسبة 28% في عام 2022، بالرغم من خسارتها لصادراتها الأوروبية”. ودقت هيئة التحرير ناقوس الخطر لدى صنّاع القرار في واشنطن بأن استهدافهم لروسيا دفعها إلى التوجّه شرقاً وتشكيلها حلف أوراسي، ما “ينذر بتهديد هيمنة الغرب على الوضع الجيوسياسي العالمي”. واردفت “كيف يمكن اعتبار ذلك في مصلحة الولايات المتحدة؟”

وأضافت الصحيفة اليمينية أن “تحقيقاً أجرته ألمانيا لم يتوصل إلى أي دليل يثبت تورط روسيا في الكارثة”، تواكبه تصريحات الرئيس جو بايدن العلنية بأنه “إن أقدمت روسيا على تنفيذ الغزو (لأوكرانيا) لن يكون هناك خط سيل -2 الشمالي بعد الآن. وسنقوم نحن بالقضاء عليه” (صحيفة “واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

إذن، ما هي طبيعة الرد الروسي وفق الحسابات الأميركية على عملية تفجير سرّية، استمرت من 26 إلى 29 أيلول/سبتمبر 2022، من دون ترك إي دليل يحدد هوية الفاعل: معادلة عمل تخريبي تقابله أعمال تخريبية ضد أهداف أميركية منها بناها التحتية، أيضاً من دون ترك أدّلة ميدانية. ولن تسلم منشآت مصافي النفط والغاز الأميركية من رد الفعل المنظور.

كما باستطاعة روسيا إعاقة سيل الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا وتدميرها لمنع وصولها إلى الميدان. وربما، بحسب البعض، تقدم موسكو على اختراق إلكتروني لشبكات النقل الأوروبية للتأثير على جهود إيصال معدات حلف الناتو العسكرية براً إلى كييف.

أشدّ ما تخشاه واشنطن، وامتداداً حلف الناتو، تراجع صدقية سرديتها بأنها تخوض “حرباً عادلة ضد خصم أو خصوم يريدون بها السوء”، وتزعزع قناعة جمهورها بأن عليه “التمسك” بالسردية الرسمية ورفض كل ما يصدر عن الطرف الآخر.

لعل تقرير سيمور هيرش يضع لبنة سنمّار الأولى في جدار الهيمنة الغربية، والأميركية تحديداً، على وسائل الإعلام والتوعية الجماهيرية، خصوصاً في ظل توفرّ بدائل أخرى متواضعة بالمقارنة.

:::::

مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن

الموقع الإلكتروني:

http://thinktankmonitor.org/

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org