أقيموا حائط الصد الثقافي واحذروا المنشبكين (حلقة 5 الأخيرة)، عادل سماره

  • في تعرية الحداثة الأوروبية، ورفض تأويل الحكيم والعمامة

أعود إلى بداية هذه الحلقات، أي لوجوب الصد الثقافي. وهذا قد يدفع البعض للقول: ولكن المتوقع من سياق الحلقات أن يكون السؤال: ما العمل؟ وهذا توقع صحيح، ولكن، ما العمل هو مشروع جماعي لا فردي، هو محاورات وتكامل آراء في رؤية جماعية.

الصد الثقافي هو مقاومة عبر الإضاءة للمثقفين وللناس، وذلك للرد على:

• أخذ الثورة المضادة الزمام بيدها

• أخذ مثقفي الطابور السادس الزمام بأيديهم

لا يخفى على أحد أن الكيان يرمم ما اصابه منذ عام 2000 بسلسلة عدوان ضد سوريا، وهو عدوان ضد المحور بأكمله من جهة وحرب نفسية ضد الأمة نفسها. وبهذه الحرب النفسية يسحب البساط من تحت طرفي التصدي:

الفكري الثقافي

والنضالي ايضاً

فيُفقد الطرفين موقع قوتهما أي الناس مما يوجب علينا جميعا الشغل لاستعادة الشارع العربي حتى تكتمل جبهة التصدي فكريا ثقافيا جماهيريا وسلاحاً. فأي تصدي بدون ارتكاز على قاعدة شعبية متماسكة وظهير له لن يستمر. وبكلمة إن هدف العدو هو فك العلاقة الضرورية بين المقاتل وبين المجتمع بحيث يصبح المقاتل بلا ظهير فيكون حالة رائعة نادرة لكنها لا تتمدد فيتم تقويض تثميرها.

من هنا أهمية الفرش الثقافي الفكري وإيصاله للناس بكل طريقة ممكنه. وبما هو فكري ثقافي فإن دوره المباشر هو التصدي والرد على ثقافة الهزيمة وثقافة الكفر بالأمة وثقافة الدين السياسي وثقافة المركزانية الغربية كجامع لهؤلاء جميعاً خاصة وأنها تستميت لتكون النموذج الوحيد الذي على العالم مغادرة ثقافته وتاريخة كي يتمثلها!

ويكفي للرد على هذه الثقافة أن نقرأ المشهد الدولي اليوم حيث يضع الغرب كل العالم أمام أحد خيارين:

إما بقائه على العرش

أو الهلاك النووي.

وأوضح ما في المشهد الدولي حرب الناتو ضد روسيا وحرب الناتو عبر الكيان ضد سوريا وموقف الغرب من كارثة الزلزال وتحريكه كل من داعش والكيان حتى والزلزال طازجاً.

إن العتبة الأساسية للعبور إلى واقع آخر هي التصدي لثقافة الغرب الرأسمالي الامبريالي والمثقفين المنشبكين به وهم أنفسهم أدوات الأنظمة العربية والاستشراق الإرهابي، هؤلاء المثقفون هم أدواته التنظيرية.

في الرد على هؤلاء، كما أشرنا سابقاً، يجب تعرية دورهم الخبيث الذي يحصر الصراع بين الفلسطينيين والكيان علماً بأن الكيان هو أداة متقدمة للغرب بأسره ضد كل البلدان العربية! لذا، وبالمناسبة، تفعل الجزائر خيراً حيث تعمل على اقتلاع الكيان من إفريقيا.

وفي الرد على هؤلاء يجب كشف جوهر الديمقراطية الغربية التي يروجون لها في حين هي نفسها تلفظ أنفاسها هناك:

• فالأنظمة الغربية الرأسمالية هي مرنة وديمقراطية طالما أنت تسير في السكة الممدودة أمامك وتحديداً أن لا تُعيق خط الإنتاج لأنه خط التراكم، وبمجرد الخروج عن السكة تلقاك الشرطة بالهراوات، بل هي اليوم في لندن وباريس تحمل للمواطنين السلاح.

• الأنظمة الديمقراطية اللبرالية الأوروبية اليوم وتحت شيطنة روسيا ووقف شراء الطاقة منها تستغل المواطن هناك لصالح الشركات الأمريكية التي تشترك في أسهمها الأولغارشية المالية/السياسية الأوروبية نفسها. أما الحمقى الذي لا يفهمون الاقتصاد السياسي فيقولون:”إن قادة أوروبا يطلقون النار على أقدامهم”! هؤلاء لا يرون الاستبداد الاقتصادي ويثرثرون عن الاستبداد في بلدان العالم الأخرى.

مثقفو الطابور السادس: الخلط والتأويل

لا يتوقف هؤلاء عند الترويج للديمقراطية الغربية بدل البكاء على أطلالها. كما يروجون بأن الحداثة هي الأوروبية وحسب، وهذه حصرية العقل التابع. فالحداثة مسألة تاريخية عالمية ساهمت فيها مختلف الأمم وقامت عدة امم بتقويضها او وحشنتها. والحداثة الغربية هي طبعة ومرحلة من الحداثة استنفذت زخمها لتتحول إلى عكس ما حاولت وادعت. وهذا يشترط ان نتخلص منها نحن بما ان دورها تجاهنا كان استهداف الأمة العربية منذ ثلاثة قرون بالاستعمار والامبريالية والعولمة وتكثيفها بالصهيونية.

يقتضي تجاوزنا لهذه الحداثة خروجاً واضحا على لغتها وثقافتها وأطروحاتها التي تتسلل إلى حياتنا اليومية والنضالية كما لو كانت مطلوبة مرغوبة وذلك لفراغ الساحة من الوعي النقدي والتصدي لها. لذا ركزنا سابقاً على دحض أكذوبة “الدولة الديمقراطية الواحدة” بمختلف طبعاتها بما هي صياغة المركز الرأسمالي الغربي وحداثته السياسية التي تأخذنا إلى استجداء الوطن من ايدي المحتل عبر آليات تقود إلى خصي القدرة على المواجهة وحصرها في ديباجات لغوية فقيرة المحمول.

لعل ما نُشر يوم 18 شباط 2023 في الأخبار اللبنانية لشخصين بعنوان “العمل من أجل فلسطين في الغرب: إنجازات، مخاطر، وحل «الدولة الديموقراطية الواحدة”. نموذجاً على حملٍ انتفاخي.

ومنه ما ورد في ذات المقال وصف للعدو بالعنصرية والقمع… ثم تغطية ذلك الكلام الصاخب بالدس الخبيث:

ففي غياب مشروع سياسي لإزالة الاستعمار الاستيطاني العنصري في فلسطين، قد تذهب أية جهود أو تضحيات سُدى في حال تمّ استثمارها ضمن طرح استسلامي، مثل طرح الدولتين الذي يعترف بشرعية الدولة اليهودية، أن المشكلة ليست في وجود دولة يهودية بل في أفعالها.”

وهكذا ينتهي القصف المدفعي عن غيمة دخان تظهر من تحتها حقيقة المدعين أي “لا مشكلة في وجود دولة يهودية بل في أفعالها”! لاحظ أن الجملة أتت غامضة فمن الممكن نسبها إلى كاتبي المقال و/أو إلى دعاة حل الدولتين!!!!

تمام، طيب الله الأنفاس، فليس على هذه الدولة القبيحة سوى أن تمشط شعرها وتغطي عورتها المنفِّرة ولا تضربنا “نحن الأطفال الصغار”!!!

ما الفارق بين هذا القول وقول أمثال اصحاب هذه التنظيرات الذين تتكامل مقالتهم مع عرائض الآخرين، كما ورد في نهاية المقال، بأن المطلوب هو فقط أن يقول الصهيوني:

“خلاص لم أعد صهيونياً” و”يفوز بالإبل” طالما أن هؤلاء لا يرون مشكلة في وجود الدولة اليهودية وكأنها في بافاريا أو بيروبيدجان أو في سدرة المنتهى!

ثم يعود كاتبا المقال للتغطية على سقوطهما في التمسك بدولة يهودية فيخلطا الأمور بالقول أن الخلاف:

“ليس خلافا طائفيا بين المسلمين والمسيحيين واليهود” ويُسهبان في هذا في رفض الدول الطائفية.

والسؤال: كيف يمكن القول أن لا مشكلة في وجود دولة يهودية، ثم القول برفض الدول الطائفية! ألا يجوز لنا الاستنتاج بأن هؤلاء يدعون إلى دولة دينية وليس الأصغر منها اي الدولة الطائفية. وأياّ كان قصدهما، فإن تناول القضية من باب ديني هو أمر خطير ومرض موروث عن الاستعمار البريطاني في الوطن العربي الذي تناول الأمة دينياً وفلسطين خاصة على اساس الأديان الثلاثة وليس على أن الصراع عروبي سياسي قومي من جانبنا ضد غُزاة صهاينة بغض النظر عن دينهم. بل ألم يولِّد التطبيع صهاينة عرباً وصل بهم الأمر الاستهانة بالأمة وشجب النضال الفلسطيني والصمت على مذبحة جنين! أليس هؤلاء من المسلمين!

ولكي نضع الأمور في سياقها الصحيح، فالخلافات بين الأديان والمذاهب هي ظاهرة عالمية وربما يعود هذا إلى رجال الدين الذين ولَّدوا من الأديان “الدين السياسي” للحيلولة دون تعايش الأمم بل لتدمير وتقويض التعايش الذي كان وهو التوليد الذي جعل من رجال الدين “مثقفين عضويين للنظم السياسية وللطبقات الحاكمة”. ألم يكن الشيخ قرضاوي مسلماً نادي بقتل ثلث الشعب المسلم السوري؟

مقال الأخبار هذا مليىء بالتلاعب اللغوي الذي لا يستحق الوقوف عنده، لذا نكتفي بذكر اثنتين حيث ورد :

“… وأمين عام ح. /ز/ب ا.ل.ل.ه…… الذي اعتبر في مقابلته مع الصحافي جوليان أسانج أن «الحل الوحيد هو قيام دولة واحدة على أرض فلسطين يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون بسلام في دولة ديموقراطية”.

وهل يمكن لسيد العمامة أن يضمن لنا تعايش هؤلاء على ضوء كل ما حصل على الأقل في استهداف الغرب للأمة العربية وصولا إلى حرب الاستشراق الإرهابي ضد سوريا؟ أليس مسلمو الدين السياسي هم الذين يذبحون السوريين المسلمين والمسيحيين حتى الآن. فهل يمكن توليد ديمقراطية اعتمادا على الأديان؟ هذا دون أن يغيب عن البال أن الديمقراطية هي منظومة علاقات سياسية واجتماعية بين الناس وليست نظاماً اقتصاديا اجتماعيا او بالأصح ليست تشكيلة اجتماعية اقتصادية. ولا يخفى على السيد أن هذه الديمقراطية فاشلة في النموذج الحداثي الغربي الذي صدرها لنا.

وماذا سيقول السيد إذا وُجد من ليس من أتباع هذه الديانات الثلاثة، مثلاً، شيوعي، أو غير متدين؟ فهل سينجح نموذجه؟؟

قبل شهر تقدم مسلم سويدي بطلب رسمي لحكومة بلاده بأن يحرق التوراة كما سُمح لآخر بحرق القرآن، فرُفض طلبه بينما قُبل طلب حارق القرآن الكريم! وهذه السويد وليست البنتاغون!

إن تلطي هؤلاء وراء تصريح للعمامة مع فصله عن منهج وأداء الرجل فيه عملية اغتيال له. فأهمية الرجل في تحرير الجنوب مما يُجيز له اي قول ونناقشه فيه.

صحيح أن الحل الديني هو اساساً موقف الجمهورية الإسلامية في إيران، وهذا موقف لها الحق فيه وليس لها الحق علينا فيه.  فالقضية بالنسبة لنا قضية صراع عربي ضد الغزاة من واشنطن دي سي عبوراً من أوروبا وصولا إلى مستوطنة “هرتسليا”. وخلال هذا وبعده فليؤمن من يؤمن وليكفر من يكفر، فالعلمانية هي الطريق الأدق بما هي دنيوية تسمح بالتدين لمن يشاء وكيف يشاء لا أن يحكم في الأرزاق والأعناق. وإذا كان السيد مع العلمانية فغيره وخاصة قوى الدين السياسي في الأديان الثلاثة لن يقبل بها.

ولكي لا نظلم الرجل، فليس المطلوب منه أن يعالج كل شيء، بل المطلوب من مستشاريه الذين منذ عقود لم يُحاوروه في أهم قضيتين تدعمان دوره النضالي المشرف والشريف وهما:

• التنمية بالحماية الشعبية حيث تسند النضال بالشعب المُنتج والمعتمد على ذاته

• ورفض التطبيع بما هو استدخال للهزيمة.

لم نلاحظ استخدام صاحب العمامة لهذين الأمرين الستراتيجيين سوى في السنوات الأخيرة.

ومرة أخرى، وهذا ما قلته في نقاش: لو أن العمامة لم تقم إلا بتحرير الجنوب، فإن هذا لا يُنقص من مقام الرجل شيئاً.

بعد التلاعب بقول صاحب العمامة وخصي دوره وقامته لجأ مقال الأخبار لتحطيم تاريخ ا.ل.ح.ك.ي.م:

“… ولطالما أدركت وجوه عربية بارزة كثر هذا الواقع، ومنهم القائد….ا.ل.ح.ك.ي.م الذي قال في كتاب «الثوار لا يموتون أبداً» الذي خرج كحوار طويل مع الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو، إن «قيام دولة ديموقراطية وعلمانية هو الحل الوحيد»”

ترى، هل هذين مع دولة العمامة أم دولة ا.ل.ح.ك.ي.م!

بل الأهم: ما هذه القدرة على الإفتآت على الرجل ليبدو سلبيا درويشاً راهبا هكذا؟

أليس الحري البدء بتاريخ الرجل! وهو قيادة الكفاح ا.ل.م.س.ل.ح طوال عمره؟ كيف يمكن لأي نظيف أن يُجرد شخص أو حزب أو طبقة من تاريخه؟

هذا أولاً، وثانياً، هل الدولة التي تحدث عنها للصحفي الفرنسي هي دولة اليهود التي مرَّرها الكاتبان وبرراها؟ هي هي الدولة التي يرتكز دعاتها على وجود تغير في مزاج بعض الأوروبيين ضد الكيان او التي تنادي بها الأنجزة؟ أو دعاة دولة مع المستوطنين؟

ما هذه الجرأة على القول الحرام! سياق حياة ا.ل.ح.ك.ي.م وحزبه لا تعني سوى دولة ما بعد التحرير، دولة عربية يكون في كنفها كل من يسكن هذا الوطن وليس من يغزوه.

ولعل المقالات، أحياناً كالأمور أي في خواتيمها حيث ورد في مقالهما:

“…يأمل الناشطون في مبادرة الدولة الديموقراطية الواحدة، وفي مجموعات «الدولة الديموقراطية» الأخرى أن يؤول عملهم إلى تشكيل جبهة سياسية ذات رؤية استراتيجية تحررية واضحة وإلى توحيد الجهود النضالية حولها حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين.”.

كم هي سيئة الرائحة مفردة “ناشط” وكم هي غربية بامتياز! ولكن الأهم هو: بأية أدوات ستحرر فلسطين هذه الجبهة السياسية التي تتحدثون كغيركم عنها؟ إن لصق كلمات تحرير فلسطين وكل فلسطين ليست سوى القول لذاتكم، طالما لا بد من هتاف، فليكن، فليس على الهتاف مترتبات ولا حتى ضريبية!

ملاحظة: مضطر لعدم سؤال أحدهما: هل تذكر حين اتيت إلى رام الله فجأة فاحتضنناك ثم اختفيت فجأة؟ حبذا لو تواصل الاختفاء.

English Summary:

“Israel” is trying to exploit Syria’s predicament to restore its image, which has been shaken since 2000, and to use that as a psychological war against the Arabs. In this, it is served by the official Arab regimes and the intellectuals of the sixth column, and their promotion of Western democracy, which is crumbling in the West itself. They also interpret and distort H.a.b.a.s.h.’s position and that of al-S.a.y.y.i.d and employ them to serve the one-state solution, whose time has not yet come.

Premature promotion of a solution leads to promotion of non-resistance against an enemy that relies on force and only to pass his project. The proposition of these intellectuals frustrates the resistance, as they avoid the factors of strength on the Arab side, namely: the armed struggle and the inevitability of supporting the resistance with the popular support, especially because the conflict is Arab-Zionist and not Palestinian-Zionist.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….