نشرة “كنعان”، 21 فبراير 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6485

في هذا العدد:

أقيموا حائط الصد الثقافي واحذروا المنشبكين (حلقة 5 الأخيرة)، عادل سماره

في تعرية الحداثة الأوروبية، ورفض تأويل الحكيم والعمامة

خطاب العمامة والتحليل المنشبك، عادل سماره

معادلة الفوضى بالفوضى” والتسويف لن يمرّ… والمقاومة جاهزة لكلّ احتمال، العميد د. أمين محمد حطيط

✺ ✺ ✺

أقيموا حائط الصد الثقافي واحذروا المنشبكين

في تعرية الحداثة الأوروبية، ورفض تأويل الحكيم والعمامة

حلقة 5 الأخيرة

عادل سماره

أعود إلى بداية هذه الحلقات، أي لوجوب الصد الثقافي. وهذا قد يدفع البعض للقول: ولكن المتوقع من سياق الحلقات أن يكون السؤال: ما العمل؟ وهذا توقع صحيح، ولكن، ما العمل هو مشروع جماعي لا فردي، هو محاورات وتكامل آراء في رؤية جماعية.

الصد الثقافي هو مقاومة عبر الإضاءة للمثقفين وللناس، وذلك للرد على:

• أخذ الثورة المضادة الزمام بيدها

• أخذ مثقفي الطابور السادس الزمام بأيديهم

لا يخفى على أحد أن الكيان يرمم ما اصابه منذ عام 2000 بسلسلة عدوان ضد سوريا، وهو عدوان ضد المحور بأكمله من جهة وحرب نفسية ضد الأمة نفسها. وبهذه الحرب النفسية يسحب البساط من تحت طرفي التصدي:

الفكري الثقافي

والنضالي ايضاً

فيُفقد الطرفين موقع قوتهما أي الناس مما يوجب علينا جميعا الشغل لاستعادة الشارع العربي حتى تكتمل جبهة التصدي فكريا ثقافيا جماهيريا وسلاحاً. فأي تصدي بدون ارتكاز على قاعدة شعبية متماسكة وظهير له لن يستمر. وبكلمة إن هدف العدو هو فك العلاقة الضرورية بين المقاتل وبين المجتمع بحيث يصبح المقاتل بلا ظهير فيكون حالة رائعة نادرة لكنها لا تتمدد فيتم تقويض تثميرها.

من هنا أهمية الفرش الثقافي الفكري وإيصاله للناس بكل طريقة ممكنه. وبما هو فكري ثقافي فإن دوره المباشر هو التصدي والرد على ثقافة الهزيمة وثقافة الكفر بالأمة وثقافة الدين السياسي وثقافة المركزانية الغربية كجامع لهؤلاء جميعاً خاصة وأنها تستميت لتكون النموذج الوحيد الذي على العالم مغادرة ثقافته وتاريخة كي يتمثلها!

ويكفي للرد على هذه الثقافة أن نقرأ المشهد الدولي اليوم حيث يضع الغرب كل العالم أمام أحد خيارين:

إما بقائه على العرش

أو الهلاك النووي.

وأوضح ما في المشهد الدولي حرب الناتو ضد روسيا وحرب الناتو عبر الكيان ضد سوريا وموقف الغرب من كارثة الزلزال وتحريكه كل من داعش والكيان حتى والزلزال طازجاً.

إن العتبة الأساسية للعبور إلى واقع آخر هي التصدي لثقافة الغرب الرأسمالي الامبريالي والمثقفين المنشبكين به وهم أنفسهم أدوات الأنظمة العربية والاستشراق الإرهابي، هؤلاء المثقفون هم أدواته التنظيرية.

في الرد على هؤلاء، كما أشرنا سابقاً، يجب تعرية دورهم الخبيث الذي يحصر الصراع بين الفلسطينيين والكيان علماً بأن الكيان هو أداة متقدمة للغرب بأسره ضد كل البلدان العربية! لذا، وبالمناسبة، تفعل الجزائر خيراً حيث تعمل على اقتلاع الكيان من إفريقيا.

وفي الرد على هؤلاء يجب كشف جوهر الديمقراطية الغربية التي يروجون لها في حين هي نفسها تلفظ أنفاسها هناك:

• فالأنظمة الغربية الرأسمالية هي مرنة وديمقراطية طالما أنت تسير في السكة الممدودة أمامك وتحديداً أن لا تُعيق خط الإنتاج لأنه خط التراكم، وبمجرد الخروج عن السكة تلقاك الشرطة بالهراوات، بل هي اليوم في لندن وباريس تحمل للمواطنين السلاح.

• الأنظمة الديمقراطية اللبرالية الأوروبية اليوم وتحت شيطنة روسيا ووقف شراء الطاقة منها تستغل المواطن هناك لصالح الشركات الأمريكية التي تشترك في أسهمها الأولغارشية المالية/السياسية الأوروبية نفسها. أما الحمقى الذي لا يفهمون الاقتصاد السياسي فيقولون:”إن قادة أوروبا يطلقون النار على أقدامهم”! هؤلاء لا يرون الاستبداد الاقتصادي ويثرثرون عن الاستبداد في بلدان العالم الأخرى.

مثقفو الطابور السادس: الخلط والتأويل

لا يتوقف هؤلاء عند الترويج للديمقراطية الغربية بدل البكاء على أطلالها. كما يروجون بأن الحداثة هي الأوروبية وحسب، وهذه حصرية العقل التابع. فالحداثة مسألة تاريخية عالمية ساهمت فيها مختلف الأمم وقامت عدة امم بتقويضها او وحشنتها. والحداثة الغربية هي طبعة ومرحلة من الحداثة استنفذت زخمها لتتحول إلى عكس ما حاولت وادعت. وهذا يشترط ان نتخلص منها نحن بما ان دورها تجاهنا كان استهداف الأمة العربية منذ ثلاثة قرون بالاستعمار والامبريالية والعولمة وتكثيفها بالصهيونية.

يقتضي تجاوزنا لهذه الحداثة خروجاً واضحا على لغتها وثقافتها وأطروحاتها التي تتسلل إلى حياتنا اليومية والنضالية كما لو كانت مطلوبة مرغوبة وذلك لفراغ الساحة من الوعي النقدي والتصدي لها. لذا ركزنا سابقاً على دحض أكذوبة “الدولة الديمقراطية الواحدة” بمختلف طبعاتها بما هي صياغة المركز الرأسمالي الغربي وحداثته السياسية التي تأخذنا إلى استجداء الوطن من ايدي المحتل عبر آليات تقود إلى خصي القدرة على المواجهة وحصرها في ديباجات لغوية فقيرة المحمول.

لعل ما نُشر يوم 18 شباط 2023 في الأخبار اللبنانية لشخصين بعنوان “العمل من أجل فلسطين في الغرب: إنجازات، مخاطر، وحل «الدولة الديموقراطية الواحدة”. نموذجاً على حملٍ انتفاخي.

ومنه ما ورد في ذات المقال وصف للعدو بالعنصرية والقمع… ثم تغطية ذلك الكلام الصاخب بالدس الخبيث:

ففي غياب مشروع سياسي لإزالة الاستعمار الاستيطاني العنصري في فلسطين، قد تذهب أية جهود أو تضحيات سُدى في حال تمّ استثمارها ضمن طرح استسلامي، مثل طرح الدولتين الذي يعترف بشرعية الدولة اليهودية، أن المشكلة ليست في وجود دولة يهودية بل في أفعالها.”

وهكذا ينتهي القصف المدفعي عن غيمة دخان تظهر من تحتها حقيقة المدعين أي “لا مشكلة في وجود دولة يهودية بل في أفعالها”! لاحظ أن الجملة أتت غامضة فمن الممكن نسبها إلى كاتبي المقال و/أو إلى دعاة حل الدولتين!!!!

تمام، طيب الله الأنفاس، فليس على هذه الدولة القبيحة سوى أن تمشط شعرها وتغطي عورتها المنفِّرة ولا تضربنا “نحن الأطفال الصغار”!!!

ما الفارق بين هذا القول وقول أمثال اصحاب هذه التنظيرات الذين تتكامل مقالتهم مع عرائض الآخرين، كما ورد في نهاية المقال، بأن المطلوب هو فقط أن يقول الصهيوني:

“خلاص لم أعد صهيونياً” و”يفوز بالإبل” طالما أن هؤلاء لا يرون مشكلة في وجود الدولة اليهودية وكأنها في بافاريا أو بيروبيدجان أو في سدرة المنتهى!

ثم يعود كاتبا المقال للتغطية على سقوطهما في التمسك بدولة يهودية فيخلطا الأمور بالقول أن الخلاف:

“ليس خلافا طائفيا بين المسلمين والمسيحيين واليهود” ويُسهبان في هذا في رفض الدول الطائفية.

والسؤال: كيف يمكن القول أن لا مشكلة في وجود دولة يهودية، ثم القول برفض الدول الطائفية! ألا يجوز لنا الاستنتاج بأن هؤلاء يدعون إلى دولة دينية وليس الأصغر منها اي الدولة الطائفية. وأياّ كان قصدهما، فإن تناول القضية من باب ديني هو أمر خطير ومرض موروث عن الاستعمار البريطاني في الوطن العربي الذي تناول الأمة دينياً وفلسطين خاصة على اساس الأديان الثلاثة وليس على أن الصراع عروبي سياسي قومي من جانبنا ضد غُزاة صهاينة بغض النظر عن دينهم. بل ألم يولِّد التطبيع صهاينة عرباً وصل بهم الأمر الاستهانة بالأمة وشجب النضال الفلسطيني والصمت على مذبحة جنين! أليس هؤلاء من المسلمين!

ولكي نضع الأمور في سياقها الصحيح، فالخلافات بين الأديان والمذاهب هي ظاهرة عالمية وربما يعود هذا إلى رجال الدين الذين ولَّدوا من الأديان “الدين السياسي” للحيلولة دون تعايش الأمم بل لتدمير وتقويض التعايش الذي كان وهو التوليد الذي جعل من رجال الدين “مثقفين عضويين للنظم السياسية وللطبقات الحاكمة”. ألم يكن الشيخ قرضاوي مسلماً نادي بقتل ثلث الشعب المسلم السوري؟

مقال الأخبار هذا مليىء بالتلاعب اللغوي الذي لا يستحق الوقوف عنده، لذا نكتفي بذكر اثنتين حيث ورد :

“… وأمين عام ح. /ز/ب ا.ل.ل.ه…… الذي اعتبر في مقابلته مع الصحافي جوليان أسانج أن «الحل الوحيد هو قيام دولة واحدة على أرض فلسطين يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون بسلام في دولة ديموقراطية”.

وهل يمكن لسيد العمامة أن يضمن لنا تعايش هؤلاء على ضوء كل ما حصل على الأقل في استهداف الغرب للأمة العربية وصولا إلى حرب الاستشراق الإرهابي ضد سوريا؟ أليس مسلمو الدين السياسي هم الذين يذبحون السوريين المسلمين والمسيحيين حتى الآن. فهل يمكن توليد ديمقراطية اعتمادا على الأديان؟ هذا دون أن يغيب عن البال أن الديمقراطية هي منظومة علاقات سياسية واجتماعية بين الناس وليست نظاماً اقتصاديا اجتماعيا او بالأصح ليست تشكيلة اجتماعية اقتصادية. ولا يخفى على السيد أن هذه الديمقراطية فاشلة في النموذج الحداثي الغربي الذي صدرها لنا.

وماذا سيقول السيد إذا وُجد من ليس من أتباع هذه الديانات الثلاثة، مثلاً، شيوعي، أو غير متدين؟ فهل سينجح نموذجه؟؟

قبل شهر تقدم مسلم سويدي بطلب رسمي لحكومة بلاده بأن يحرق التوراة كما سُمح لآخر بحرق القرآن، فرُفض طلبه بينما قُبل طلب حارق القرآن الكريم! وهذه السويد وليست البنتاغون!

إن تلطي هؤلاء وراء تصريح للعمامة مع فصله عن منهج وأداء الرجل فيه عملية اغتيال له. فأهمية الرجل في تحرير الجنوب مما يُجيز له اي قول ونناقشه فيه.

صحيح أن الحل الديني هو اساساً موقف الجمهورية الإسلامية في إيران، وهذا موقف لها الحق فيه وليس لها الحق علينا فيه.  فالقضية بالنسبة لنا قضية صراع عربي ضد الغزاة من واشنطن دي سي عبوراً من أوروبا وصولا إلى مستوطنة “هرتسليا”. وخلال هذا وبعده فليؤمن من يؤمن وليكفر من يكفر، فالعلمانية هي الطريق الأدق بما هي دنيوية تسمح بالتدين لمن يشاء وكيف يشاء لا أن يحكم في الأرزاق والأعناق. وإذا كان السيد مع العلمانية فغيره وخاصة قوى الدين السياسي في الأديان الثلاثة لن يقبل بها.

ولكي لا نظلم الرجل، فليس المطلوب منه أن يعالج كل شيء، بل المطلوب من مستشاريه الذين منذ عقود لم يُحاوروه في أهم قضيتين تدعمان دوره النضالي المشرف والشريف وهما:

• التنمية بالحماية الشعبية حيث تسند النضال بالشعب المُنتج والمعتمد على ذاته

• ورفض التطبيع بما هو استدخال للهزيمة.

لم نلاحظ استخدام صاحب العمامة لهذين الأمرين الستراتيجيين سوى في السنوات الأخيرة.

ومرة أخرى، وهذا ما قلته في نقاش: لو أن العمامة لم تقم إلا بتحرير الجنوب، فإن هذا لا يُنقص من مقام الرجل شيئاً.

بعد التلاعب بقول صاحب العمامة وخصي دوره وقامته لجأ مقال الأخبار لتحطيم تاريخ ا.ل.ح.ك.ي.م:

“… ولطالما أدركت وجوه عربية بارزة كثر هذا الواقع، ومنهم القائد….ا.ل.ح.ك.ي.م الذي قال في كتاب «الثوار لا يموتون أبداً» الذي خرج كحوار طويل مع الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو، إن «قيام دولة ديموقراطية وعلمانية هو الحل الوحيد»”

ترى، هل هذين مع دولة العمامة أم دولة ا.ل.ح.ك.ي.م!

بل الأهم: ما هذه القدرة على الإفتآت على الرجل ليبدو سلبيا درويشاً راهبا هكذا؟

أليس الحري البدء بتاريخ الرجل! وهو قيادة الكفاح ا.ل.م.س.ل.ح طوال عمره؟ كيف يمكن لأي نظيف أن يُجرد شخص أو حزب أو طبقة من تاريخه؟

هذا أولاً، وثانياً، هل الدولة التي تحدث عنها للصحفي الفرنسي هي دولة اليهود التي مرَّرها الكاتبان وبرراها؟ هي هي الدولة التي يرتكز دعاتها على وجود تغير في مزاج بعض الأوروبيين ضد الكيان او التي تنادي بها الأنجزة؟ أو دعاة دولة مع المستوطنين؟

ما هذه الجرأة على القول الحرام! سياق حياة ا.ل.ح.ك.ي.م وحزبه لا تعني سوى دولة ما بعد التحرير، دولة عربية يكون في كنفها كل من يسكن هذا الوطن وليس من يغزوه.

ولعل المقالات، أحياناً كالأمور أي في خواتيمها حيث ورد في مقالهما:

“…يأمل الناشطون في مبادرة الدولة الديموقراطية الواحدة، وفي مجموعات «الدولة الديموقراطية» الأخرى أن يؤول عملهم إلى تشكيل جبهة سياسية ذات رؤية استراتيجية تحررية واضحة وإلى توحيد الجهود النضالية حولها حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين.”.

كم هي سيئة الرائحة مفردة “ناشط” وكم هي غربية بامتياز! ولكن الأهم هو: بأية أدوات ستحرر فلسطين هذه الجبهة السياسية التي تتحدثون كغيركم عنها؟ إن لصق كلمات تحرير فلسطين وكل فلسطين ليست سوى القول لذاتكم، طالما لا بد من هتاف، فليكن، فليس على الهتاف مترتبات ولا حتى ضريبية!

ملاحظة: مضطر لعدم سؤال أحدهما: هل تذكر حين اتيت إلى رام الله فجأة فاحتضنناك ثم اختفيت فجأة؟ حبذا لو تواصل الاختفاء.

English Summary:

“Israel” is trying to exploit Syria’s predicament to restore its image, which has been shaken since 2000, and to use that as a psychological war against the Arabs. In this, it is served by the official Arab regimes and the intellectuals of the sixth column, and their promotion of Western democracy, which is crumbling in the West itself. They also interpret and distort H.a.b.a.s.h.’s position and that of al-S.a.y.y.i.d and employ them to serve the one-state solution, whose time has not yet come.

Premature promotion of a solution leads to promotion of non-resistance against an enemy that relies on force and only to pass his project. The proposition of these intellectuals frustrates the resistance, as they avoid the factors of strength on the Arab side, namely: the armed struggle and the inevitability of supporting the resistance with the popular support, especially because the conflict is Arab-Zionist and not Palestinian-Zionist.

✺ ✺ ✺

خطاب العمامة والتحليل المنشبك:

التحليل المنشبك رقَّاصْ يستثني الشعب ولذا هو خطير

أي تحليل يرتكز على بعد واحد هو أعرج، خطير، قصير النَفَس

عادل سماره

تسابق محللون لإبراز الأهم في حديث صاحب العمامة والعدوان ضد سوريا. طالب معظمهم بالرد فوراً وأكد آخرون أن الإمكانية متوفرة، وربما لأنهم سمعوا هذا من مصادر عليمة لقربهم منها إلى حد الانشباك. وحصر بعضهم الأمر في وجوب الرد ضمن جولة محدودة بمشاركة سوريا، الأرض المحتلة: ا.ل- ح/ز/ب واليمن والعراق. دعنا نقول بأن الجميع جاهز وقادر على الرد.

ودون الجدل في: هل من ضمان بأن الرد أو عملية واسعة لكن محدودة كسيف القدس يمكن وقفها عند هذا الحد، فإن ما يهمني هنا:

أولاً: إن كثيراً من المحللين يركضون رغائبياً باتجاه نهاية سريعة للصراع فيحصرون الرد في فريق واحد، وهذا يذكرني بما كنا نسمعه من أهلنا منذ 1948: “رح يرجعوا اللاجئين بعد ثلاثة أشهر.”!

وثانياً: ولأن لهؤلاء هذا التفكير الراكض إلى الأمام، فهم لا يضعون في الصراع سوى ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة!

وثالثاً وهو الأهم: حتى لو كنتم تقصدون وتجزمون بأن الصدام المطلوب حالياً هو في حدود ويمكن حصره هكذا، فلماذا التوهان عن ثلاثة عوامل من الحتمي أخذها بالاعتبار في مطلق وقت:

1) من الخطورة بمكان حصر التصدي في ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة وحدها أي تماماً كما عودتنا الأنظمة في الاعتماد على الجيوش فقط.

2) لماذا حتى اليوم لم يتم الشغل، مهما كان صعبا، على إسناد ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة بالشعب لتفعيله وليس إعفائه وإغفائه!! ف ا.ل.م.ق.ا,و.م.ة. ليست مجرد مقاول تُسند له مهمة مدفوعة الأجر لتغدو واجبه وحده. أليست مشكلة لبنان أن قرابة نصف الشعب ضد الوطن!! وللمقارنة لننظر للغرب حيث الشارع في أوروبا مع الأنظمة رغم أنها معتدية! والدليل أن الاحتجاجات لا تزال شكلية رغم الصعوبات. أي ان عدوان الناتو مسنود شعبياً.

3) معظم المحللين يتجاهلون أو يجهلون أن تقارب الأنظمة مع سوريا ليس خروجاً عن الأمر الأمريكي، بل بحسابات دقيقة في حدود ما تسمح امريكا. بل إن البعض يزعم أن هذه الأنظمة سوف تنقذ سوريا! وهذا خطير. هذه الأنظمة تستغل مأزق سوريا كي تركع. ولذا يجب نقد وتحريض وتحريك الشارع ضدها وضد التطبيع. وإذا كانت سوريا في وضع لا يسمح لها بصد هؤلاء أو هي سعيدة بهذا، فهذا ليس شأن المثقف المشتبك الذي عليه التأسيس دائما إلى ما بعد لأن الصراع طويل.

4) لأن موقف حركة التحرر العربية من التطبيع والمقاطعة مائعاً، لم نبني جبهة عربية ضد التطبيع ومن أجل المقاطعة ولذا يغيب موقف الشعب في الوقت العصيب.

خطير التفكير ببعد واحد وأخطر إذا قبض الشعب هذا البعد ولم يكن سندا وظهيراً ل ا.ل.م.ق.ا,و /م/ ة سواء بالمقاطعة وحرق بضائع الأعداء وتفكيك مفاصل مستعمراتهم لدينا الثقافية والاقتصادية والعسكرية…الخ. هذه هي حرب الشعب بدءاً بالحماية الشعبية في التنمية والصراع والتحرير.

✺ ✺ ✺

معادلة الفوضى بالفوضى” والتسويف لن يمرّ… والمقاومة جاهزة لكلّ احتمال

 العميد د. أمين محمد حطيط*

من أكثر ما كان يباهي به العدو الصهيوني ويتبجح به في مواجهة العرب أنهم وفقاً لزعمه وادّعائه «قوم لا يقرأون واذا قرأوا لا يفقهون»، وبالتالي فإنه من الممكن كما كان يظن إنْ تكرر الفعل ذاته ضدّهم وتحقق بالتكرار النتائج ذاتها انْ لم يكن أفضل،
أسوق هذا الكلام الآن وأنا أربط بين ما خططت له «إسرائيل» في العام ١٩٧٥ ضدّ المقاومة الفلسطينية وحققته في العام ١٩٨٢ حيث أخرجت هذه المقاومة من لبنان جهاراً نهاراً على متن سفن أبعدت المقاتلين الى تونس، واليوم يبدو ان منظومة الاستعمار الاحتلالي بقيادة أميركا و»إسرائيل» تريد استعادة الخطة ذاتها ضدّ المقاومة في لبنان،
وللتذكير هنا أنه في العام ١٩٧٥ وبعد عملية فدائية ناجحة نفذتها المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة قال رئيس وزراء العدو يومها انّ «ردّ إسرائيل هو من نوع لم يفكر به الشيطان»، وبالفعل لم تمض أشهر ثلاثة على العملية الفلسطينية حتى استهدفت في لبنان حافلة فلسطينية أمطرها حزب الكتائب بوابل من الرصاص في محلة عين الرمانة، في عمل شكل الشرارة التي بها اندلعت الحرب الاهلية في لبنان، هذه الحرب التي فتحت الطريق أمام «إسرائيل» لتغزو لبنان مرتين الاولى في العام ١٩٧٨ حيث اقامت «حزامها الأمني» في الجنوب، والثانية في العام ١٩٨٢ حيث احتلت أكثر من نصف لبنان بما فيه بيروت والقصر الجمهوري وأخرجت كل منظمة التحرير وجميع مقاتليها من كلّ لبنان.
واليوم يبدو ان أميركا و»إسرائيل» وبخطة موحدة تريدان استعادة العمل العدواني ذاته بشكل منقح وضد المقاومة في لبنان، ولهذا وضعت «خطة بومبيو» التي تقود الى الانهيار الأمني الذي يغرق لبنان في الفوضى ويجبر المقاومة على السلوك الدفاعي لحماية نفسها وسلاحها الذي سيتحوّل رغما عن إرادة أصحابه سيتحوّل للداخل في مواجهات تدفع الى إنهاكه وتآكله، والأخطر تدفع الى تحوّله الى سلاح ميليشياوي فاقد الشرعية الوطنية، ما يسهّل نزعه بشكل ترتاح فيه «إسرائيل» على جبهتها الشمالية من عدو يؤرقها ويخسر محور المقاومة راس الحربة التي بها يهدد «إسرائيل» ويرعبها من تصور قدرة المقاومة على اجتياز الحدود والقتال على أرض الجليل الفلسطيني المحتل،
بيد انّ أميركا التي وضعت «خطة بومبيو» لتدمير لبنان والإجهاز على سلاح المقاومة فيه وتفكيك هذه المقاومة لإراحة «إسرائيل» غابت عنها مسائل أساسية أهمّها انّ المقاومة هي مقاومة لبنانيين لا يمكن ان يخرجوا من أرضهم وانّ المقاومة ليست حرفاً متروكاً من غير ارتباط ودعم، فهي مكوّن في محور ممتدّ من شاطئ المتوسط غرباً الى وسط آسيا شرقاً، وانّ المقاومة تملك من قدرات المناورة ما يجعل خطط العدو عاجزة عن النيل منها، وان للمقاومة قيادة رؤيوية ذات فكر استراتيجي تعرف كيف تقرأ وتفهم ما تقرأ وتخطط وفقا لما يفاجئ العدو، وان إسرائيل اليوم رغم مسرحيات التطبيع الجوفاء الفاشلة هي من الوهن في داخلها ما يجعلها عاجزة عن تكرار عدوان ١٩٧٨ و١٩٨٢ على لبنان لتحقيق النتائج التي تحققت يومها،
من هنا تأتي أهمية ما أطلقه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير وهدّد به أميركا و»إسرائيل» عندما اكد في كلامه على ان المقاومة لن تنتظر ان تشيع الفوضى في لبنان وتنشب الفتنة التي تترجم حرباً أهلية في الداخل تجبر المقاومة على شهر سلاحها للدفاع عن نفسها. انّ المقاومة لن تنتظر نجاح كامل «خطة بومبيو» التي وصلت الآن الى مرحلتها الرابعة وهي تطرق باب الانهيار الأمني بعد ان نجحت في مراحلها الثلاث الاولى (الفراغ السياسي المستمر، والانهيار النقدي المتواصل، والانهيار الاقتصادي المتفاقم ) مراحل حققها الضغط والحصار الأميركي المتكئ على عملاء وفاسدين في الداخل اللبناني، انّ المقاومة لن تنتظر حدوث الانهيار الأمني الذي يغرقها بل انها ستقوم بالعمل الاستباقي الدفاعي ومن نوع اخر فما هو؟
من يقرأ بتمعّن في كلمات سيد المقاومة يجد انّ هناك خيارات عدة قد تلجأ المقاومة اليها كلها او بعضها ومن هذه الخيارات فتح جبهة الشمال التي تستجيب لمقولة: «إذا كان لا بدّ من استعمال المقاومة سلاحها للدفاع عن نفسها فلتستعمله بقرار منها وفي مسرح عمليات هي تختاره وفي توقيت هي تحدّده وفي الاتجاه الذي من اجله اعدّ»، وبالتالي هذا المحددات تقود الى القول بانه في طليعة الاعمال الاستباقية تأتي عملية فتح جبهة الشمال الفلسطيني المحتلّ، وبنار تصل الى العمق الصهيوني بما يؤكد مخاوف إسرائيل من مفاعيل الصواريخ الدقيقة.
وكذلك من خيارات المقاومة هو استغلال حالة الانقسام والتشتت الإسرائيلي، الحالة لتي تنذر بحرب أهلية كثر الحديث عنها من اهل الكيان الموقت انفسهم، استغلال يتم عبر تفعيل المقاومة في الداخل واظهار العجز الإسرائيلي عن تحقيق امن الكيان وإعطاء أوراق للمعارضة بوجه نتنياهوللانقضاض عليه وعلى حكومته،
ليس في هذا فقط تنحصر خيارات المقاومة انما هذه امثلة عنها ويبقى في جعبتها الكثير، ما من شانه ان يقطع الطريق في لبنان علي الفتنة والحرب الاهلية ويمنع تفكير «إسرائيل» وأميركا باستعادة سلوك ١٩٨٢ لتفكيك المقاومة،
ومن جهة أخرى فإنّ سيد المقاومة لم يقتصر في تهديده على محاولات الفوضى والفتنة الأميركية بل شمل التهديد أيضا محاولات التسويف لمنع لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية بعد ان حددت حدود حقوقه فيها، حيث انّ السيد حسن قام بإحياء المعادلة التي أدت مفاعيلها الي الوصول الى اتفاق \تفاهم حول تقاسم الثروة النفطية والغازية البحرية في الجنوب، المعادلة القائمة على القول:

«استخراج مقابل استخراج او تعطيل مقابل تعطيل»، ويكون لبنان في ذلك قد وضع في مواجهة أميركا و»إسرائيل» معادلتين:

واحدة اقتصادية وثانية امنية وأي من المعادلتين يؤدي خرقها الى انفجار وصدام، فهل يحصل الانفجار ام ترعوي أميركا وتدرك ان للمقاومة قوة تفوق الظن الأميركي، وان المقاومة تعيش زمن الانتصارات بعد ان ولى في فهمها وذهنها زمن الهزائم؟

الجواب متوقف على قرار أميركي وموقف يكون في اتجاه من اثنين: اما التوقف عن العمل بخطة بومبيو وترك لبنان يعالج شؤونه السياسية والاقتصادية واستثمار ثروته البحرية وعندها تسلم الامور، او الاستمرار بالحصار والتسويف والضغط والدفع نحو الفوضى وعندها سيكون الانفجار والصدام مع إسرائيل، كلا الامرين وارد والمقاومة كما تؤكد جاهزة لكل الاحتمالات.


*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي

:::::

“البناء”

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org