عام على الحرب الدفاعية الروسية: ملف خاص، (الجزء الثالث)، إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي

  • المفهوم الأمريكي “للنصر المبكر”: كيف يخطط الغرب لهزيمة روسيا في حرب استنزاف
  • كيف يمكن لروسيا أن تنهي الحرب في أوكرانيا؟

✺ ✺ ✺

(1)

المفهوم الأمريكي “للنصر المبكر” في حرب طويلة:

كيف يخطط الغرب لهزيمة روسيا في حرب استنزاف

فيكتور بيريوكوف، سياسي روسي، عضو البرلمان في مقاطعة موردوفيا

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 8/2/2023

غادرت أول دبابات Leopard 2 بالفعل إلى أوكرانيا – أدلى وزير الدفاع الكندي ببيانه في 4 فبراير.  في المجموع، تعتزم الحكومة الكندية نقل أربع دبابات من هذا النوع إلى أوكرانيا.  بدورها، تخطط ألمانيا لإرسال 88 دبابة ليوبارد 1 و14 دبابة ليوبارد 2. ومع ذلك، قد لا تكون هذه هي الأرقام النهائية – ذكرت صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية أن برلين يمكن أن تزود أوكرانيا بما يصل إلى 160 دبابة ليوبارد 1 من المخزونات الجاهزة.  هناك بالفعل نقاش في أوروبا والولايات المتحدة حول ما إذا كان سيتم تزويد كييف بطائرات مقاتلة، وليس هناك شك في أن الدول الغربية ستتخذ هذا القرار عاجلاً أم آجلاً.

ذكرت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية أنه تم التوصل إلى إجماع بين الحلفاء الغربيين على عدم تزويد أوكرانيا بمجموعة كاملة من الأسلحة فور بدء العملية العسكرية من قبل روسيا، بسبب مخاوف من رد قوي من قبل موسكو.  لذلك، يقدم الغرب الدعم لكييف بشكل تدريجي، ويقيم رد فعل روسيا على كل خطوة.

“تتمثل الإستراتيجية في زيادة الدعم الغربي ببطء ولكن بثبات، من صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة مثل Stinger إلى HIMARS، ومؤخراً صواريخ باتريوت أرض – جو والدبابات والعربات المدرعة.  لذلك، فإن تسليم الطائرات ليس سوى مسألة وقت “، – يكتب المنشور.

 كثيرًا ما نسمع من كل من المحللين والخبراء والمسؤولين الروس عن الخطوط الحمراء، والتي ينبغي أن تشير إلى حدود صبر روسيا، لكن هذا مفهوم غامض إلى حد ما، وكما نرى، فإن الكرملين لا يظهر تصميمًا على ردود الفعل السياسية والعسكرية غير العادية على تصرفات الغرب.  تم تجاوز الخطوط الحمراء مرارًا وتكرارًا، لكن لا شيء يحدث بعد ذلك، وتشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بهذا التردد من جانب موسكو.

 في هذا المقال، سنلقي نظرة على ماهية “استراتيجية النصر المبكر” الأمريكية في حرب طويلة، والتي تم تطويرها خلال الحرب الباردة، وكيف يتوقع الغرب هزيمة روسيا في أوكرانيا.

الحرب التكنولوجية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة

لا يمكن النظر إلى الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على أنها مجرد مواجهة سياسية وأيديولوجية – لقد كانت مواجهة متعددة المستويات والأوجه تضمنت المعلوماتية وكذلك الحرب التكنولوجية.  كان المكون الرئيسي لهذه الحرب التكنولوجية هو سباق التسلح.  كما يشير المؤرخ يوري بوكاريوف:

” منذ إمتلاك القنبلة الذرية، أصبحت السياسة الدفاعية للبلاد تعتمد على تطوير التكنولوجيا العسكرية أكثر من اعتمادها على النمو الكمي لترسانات الأسلحة.  لم تكن القيادة السياسية والعسكرية للاتحاد السوفياتي قادرة على إدراك هذه الحقيقة، لأن معيار النجاح كان عدد صوامع الإطلاق، ومدى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) وقوة الشحنات النووية، وليس دقة تصويب الرؤوس الحربية على الهدف، ودرجة حماية الصواريخ البالستية العابرة للقارات من الكشف، وإنشاء أنواع جديدة من الأسلحة… كان هذا النهج الكمي أساس العقيدة العسكرية الاستراتيجية للاتحاد السوفياتي، والتي بموجبها يجب أن تكون القوات المسلحة للبلاد “دفاعية بشكل كافي “.  أغفلت العقيدة إمكانية صنع الخصم أسلحة تجعل الضربة الانتقامية مستحيلة أو غير فعالة، وكذلك الأسلحة التي تضمن النصر دون استخدام القوة النووية أو حتى أي أسلحة تقليدية على الإطلاق.  استند التقييم المقارن للقوات النووية للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى نهج كمي بدائي، وكذلك الرأي المنتشر على نطاق واسع في الأدبيات الروسية بأن الاتحاد السوفياتي قد تغلب بسرعة على التراكم الكمي من الولايات المتحدة في مجال الأسلحة النووية. “

 كانت نتيجة هذا النهج هي التخلف التكنولوجي للاتحاد السوفياتي مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية في مجال صنع أسلحة استراتيجية.  يظهر هذا بوضوح في الجدول الذي قدمه المؤرخ يوري بوكاريوف.  حتى لو تكلمنا فقط عن الأسلحة النووية، ووسائل إيصالها وكشفها، والتي تم تطويرها بنشاط في الاتحاد السوفيتي، فإن تأخرنا كان متوسطه 5 سنوات.  باتباع هذه البيانات، يمكننا القول إنه لم يكن هناك اتجاه لاختصار هذا التأخر.

وفي مجال أكثر أهمية – تحسين فعالية الرؤوس الحربية النووية – بلغ التخلف 10 سنوات.  على سبيل المثال، الرأس الحربي للصاروخ الأمريكي Minuteman 1 الذي تم نشره في عام 1962 يتوافق من حيث القوة والكتلة مع الرأس الحربي للصاروخ السوفيتي SS-N-8 mod 1 الذي تم نشره في عام 1973.

بدأ التخلف التكنولوجي للاتحاد السوفياتي مقارنة بالولايات المتحدة في الظهور بشكل أوضح في النصف الثاني من الستينيات من القرن العشرين.  يتعلق هذا التأخير، أولاً وقبل كل شيء، بالتكنولوجيا المتطورة للغاية.

 بعد التخلف في مجال الابتكار، أصبح الاتحاد السوفياتي معتمداً على استيراد المعدات والآلات والتقنيات الصناعية الغربية، ودفع ثمنها بالنفط والغاز.

في المواجهة مع الاتحاد السوفياتي، اعتمد الأمريكيون على الأدوات الاقتصادية والتكنولوجية.  اكتسبت هذه المواجهة طابعًا نوعيًا جديدًا مع وصول ريغان إلى البيت الأبيض.

في أوائل عام 1982، شرع الرئيس ريغان، إلى جانب كبار المستشارين، في تطوير استراتيجية تستند إلى هجوم على النقاط الاقتصادية الرئيسية والأضعف في النظام السوفياتي.

 على سبيل المثال، أشار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق كاسبار واينبرغر إلى ذلك –

” كانت الفكرة هي الرهان على قوتنا وضعفهم، مما يعني المراهنة على الاقتصاد والتكنولوجيا”.

اعتقد واينبرغر أن التقدم التكنولوجي الأمريكي في مجال الأسلحة، إذا ترك دون رادع، لن يمنح موسكو أي فرصة.

 في وثائق البنتاغون شديدة السرية، كتب وينبرغر عنها كشكل من أشكال الحرب الاقتصادية.  كان يعرف نقاط ضعف النظام السوفياتي وأراد استغلالها.

 ازدادت أهمية الحرب التكنولوجية في مجال التسلح بشكل حاد مع بدء المفاوضات السوفياتية الأمريكية بشأن الحد من الأسلحة الاستراتيجية.  بالذهاب إلى هذه المفاوضات، سعت قيادة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة إلى أهداف مختلفة.  في الاتحاد السوفياتي، بمساعدة هذه المفاوضات، كانوا يأملون في تقليل تكاليف سباق التسلح المرهق.  في الولايات المتحدة، استند الحساب إلى تقليل القوة الضاربة البدائية للقوات النووية لصالح أنواع أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية والمرونة في الأسلحة.

على سبيل المثال، خلق “تجميد” عدد صوامع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات عند مستوى 1608 للاتحاد السوفيتي و1054 للولايات المتحدة بموجب معاهدة SALT-1 وهمًا خطيرًا بالتفوق السوفياتي.  إذا كان لدى الولايات المتحدة بالفعل الكثير من صوامع الإطلاق، فإن حصة الاتحاد السوفياتي كان من بينها ما هو غير مناسب لأنواع جديدة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وكذلك الأنواع “الكاذبة” التي تم إنشاؤها بأمر من خروتشوف.

 بعد أن علموا بها من المنشقين السوفيات، سارع الأمريكيون إلى إعلان أنهم سيعتبرون ذلك “انتهاكًا لروح الاتفاقية المؤقتة إذا توسع الاتحاد السوفياتي وتعمق بشكل إجمالي بأكثر من 30٪ من صوامع الصواريخ الاستراتيجية”.  من أجل عدم تعريض “الانفراج” للخطر، اضطر الاتحاد السوفياتي إلى الموافقة.

أما بالنسبة لمعاهدة ستارت -2، فيُعتقد أنها أرست تكافؤًا تقريبيًا في الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.  لكن هذا وهم نشأ بسبب حقيقة أن الأمريكيين تمكنوا من فرض نظام على الجانب السوفيتي لحساب الأسلحة الهجومية الاستراتيجية كان مفيدًا لهم.  تم اعتبار وحدة START واحدة وسميت “منصة الإطلاق”.  تم اعتبارها: صومعة الإطلاق، أو قاذفة صواريخ باليستية عابرة للقارات (ICBM)، أو قاذفة SLBM، أو قاذفة ثقيلة.

مع نظام الحسابات هذا، لم يتفوق الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة فقط من حيث عدد الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، ولكن أيضًا بمقدار 104 وحدات (ومنذ عام 1981 – بمقدار 254 وحدة) تجاوز العدد المسموح به بموجب معاهدة ستارت -2، التي خلقت للاتحاد السوفياتي مشكلة تدمير الأسلحة الهجومية الاستراتيجية “الإضافية”.  التخلف التكنولوجي للاتحاد السوفياتي عن الولايات المتحدة ملحوظ حتى مع مثل هذا النظام الحسابي.  من حيث نسبة الصواريخ متعددة الرؤوس النووية، كانت الولايات المتحدة أعلى مرة ونصف تقريبًا من الاتحاد السوفياتي، ولم يكن لدى الاتحاد السوفيتي قاذفات ثقيلة بصواريخ كروز بعيدة المدى.

 من المهم أن نلاحظ أن ما يسمى “باستراتيجية النصر المبكر” قد تم تطويرها أيضًا في عهد ريغان، والتي سنناقشها بالتفصيل أدناه.

 بشكل عام، كما لاحظ المؤرخ يوري بوكاريوف، كان الاتحاد السوفيتي قادرًا على الصمود في المواجهة العسكرية السياسية مع مثل هذا المنافس الاقتصادي القوي لمدة 45 عامًا فقط بفضل الإفراط في عسكرة اقتصاده.

الإستراتيجية الأمريكية “للنصر المبكر” في حرب طويلة

ضابط الاستخبارات العسكرية السابق وعضو مجلس السياسة الخارجية والدفاعية فيتالي شليكوف في كتابه “ما الذي دمر الاتحاد السوفيتي؟   هيئة الأركان والاقتصاد ” لاحظ أنه خلال رئاسة ريغان، طورت الولايات المتحدة مفهومًا (إستراتيجية)، أطلق عليه” استراتيجية النصر المبكر في حرب طويلة “، على الرغم من أن الأمريكيين أنفسهم أطلقوا عليها باختصار “استراتيجية النصر المبكر”.  استندت هذه الاستراتيجية إلى الزيادة الحادة في ما يسمى بمتعددة التطبيقات (أي أنها تتفوق عدة مرات في الفعالية على الجيل السابق من الأسلحة) الذي يلحق الضرر بخصائص الأسلحة التقليدية الحديثة والواعدة بشكل خاص.

 وفقًا لشليكوف، بدأت إدارة ريغان في زيادة الإنفاق العسكري بشكل حاد وإجراء تمارين تعبئة مختلفة في الصناعة، لكن المخابرات السوفياتية فشلت في الحصول على أي دليل على أن الولايات المتحدة كانت تزيد من قدرتها على التعبئة.  على العكس من ذلك، كانت هناك تقارير تفيد بأن الأمريكيين يواصلون تقليص طاقتهم الإنتاجية للأسلحة ذات دورات الإنتاج الطويلة، والتي تشمل على وجه الخصوص الدبابات والطائرات.

 تم حل هذا اللغز – لم تتضمن الإستراتيجية الأمريكية “للنصر المبكر” تعميم تعبئة للصناعة العسكرية بعد بدء الحرب.  الأساس المادي لاستراتيجية “النصر المبكر” هو التقدم، قبل بدء الحرب، تلبية احتياجات التعبئة الأساسية للسلاح، وفي مقدمتها الأحدث، ضمن الميزانية والتخطيط في أوقات السلم.

 على وجه الخصوص، وفقًا لنائب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون البحث والتطوير دي هيكس، “استراتيجية” النصر المبكر “تولي اهتمامًا أقل للحفاظ على مخزون الأسلحة التقليدية القياسية.  بدلاً من ذلك، تؤكد الإستراتيجية الجديدة على استخدام الأسلحة الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية في أقرب وقت ممكن ضد الأهداف الأكثر خطورة.  بعد هزيمة هذه الأهداف، ستتحول القوات المسلحة إلى استخدام الأسلحة والذخيرة التقليدية”.

 مفتاح “النصر المبكر” هو الأسلحة الموجهة بدقة.  لم تخطط الولايات المتحدة لزيادة قدرتها على إنتاج الأسلحة التقليدية وكانت ستحقق “انتصارها المبكر” بشكل أساسي من خلال الإنشاء المسبق لمخزونات الأسلحة، وخاصة تلك عالية الدقة، والتي كان من الممكن أن تجعل من الممكن تدمير جميع الأهداف الأكثر خطورة المخطط لها في مرحلة مبكرة من الحرب.

في نفس الوقت، إذا استجاب الاتحاد السوفياتي، كما هو متوقع، لذلك بإطلاق آلة التعبئة الضخمة الخاصة به، كما فعل أثناء الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية-المترجم)، وبدأ في إنتاج طائرات ودبابات جديدة وما إلى ذلك لتحل محل المفقودة، فعندئذ الولايات المتحدة لن تنافسه في هذا الصدد.  وبدلاً من ذلك، سوف ينشرون، على وجه الخصوص، الإنتاج الضخم للأسلحة عالية الدقة، التي تكون دورة الإنتاج التكنولوجي فيها أقصر بكثير من دورة إنتاج دبابة أو طائرة حديثة.

 “الآن، بفضل استراتيجية” النصر المبكر “، كانت الولايات المتحدة قادرة على تحديد مدة الحرب التقليدية وفقًا لتقديرها.

 تقريبًا، يمكن تخيل مثل هذا الصراع على النحو التالي: –

 في بداية الحرب، تقوم الولايات المتحدة، بفضل تفوقها في الأسلحة عالية الدقة، “بضرب” الأسلحة الهجومية السوفياتية التقليدية (الدبابات والطائرات والمروحيات والسفن)، دون أن تمس بالطبع القوات النووية الاستراتيجية للاتحاد السوفياتي، حتى لا تثير رد فعل نووي.

 ثم يأتي ما يشبه المأزق.  لم يعد الاتحاد السوفياتي لديه القدرة على شن أعمال حربية هجومية واسعة النطاق، ولكن لا يزال هناك جيش ضخم قادر على شن معارك دفاعية طويلة الأمد.  من ناحية أخرى، لا تملك الولايات المتحدة وحلفاؤها القوة ولا الرغبة في الاستيلاء على أراضي العدو والانخراط في معارك شرسة ضد عدو قوي عدة وعددا.

 ثم يضع الاتحاد السوفياتي قدراته الهائلة على التعبئة لإنتاج الأسلحة التقليدية ويرسل عشرات الآلاف من الدبابات والطائرات الجديدة إلى الجبهة، بينما تحشد الولايات المتحدة قدراتها لإنتاج الأسلحة عالية الدقة.

 يمكن أن تستمر مثل هذه الحرب، من حيث المبدأ، سنوات وسنوات بنجاح متفاوت.

 ومع ذلك، بالتوازي مع زيادة إنتاج الأسلحة عالية الدقة، بدأت الولايات المتحدة في إعادة بناء اقتصادها الضخم على أساس الحرب من أجل خلق تفوق ساحق في الأسلحة الهجومية التقليدية.  كيف يتم ذلك، أظهرت الولايات المتحدة كيف تستطيع ذلك بشكل مقنع خلال الحرب العالمية الثانية.  أي أن العامل الحاسم في الحرب هو إمكانات الاقتصاد بأكمله، وليس فقط الصناعة العسكرية “، – يكتب فيتالي شليكوف.

 قبل بضعة أشهر، أشار المدون “أتومنايا شيري”، الذي اقتبس من عمل شليكوف، إلى أن هذا النموذج الخاص للعمليات العسكرية يتم عرضه أمام أعيننا (في المعارك الدائرة في أوكرانيا-المترجم) بشكل عام، يمكن للمرء أن يتفق مع هذا، لأنه يمكن تتبع بعض المتوازيات بوضوح تام.

الصناعة العسكرية في عالم “ما بعد الصناعة”

 كانت الإستراتيجية الأمريكية “للنصر السريع” موجهة ضد الاتحاد السوفياتي، الذي كان يتمتع بإمكانات صناعية وتعبوية أكبر بكثير من روسيا اليوم.  ومع ذلك، لدينا الآن حقائق مختلفة قليلاً.  عند الحديث عن نزاع اليوم في أوكرانيا، تجدر الإشارة أولاً وقبل كل شيء إلى أننا نعيش في العالم “ما بعد الصناعي”، حيث لم يعد الغرب الحالي، بما في ذلك الولايات المتحدة، يتمتع بإمكانيات صناعية كما كان الحال في الثمانينيات، تمامًا كما هو حال روسيا الحديثة التي ليس لديها قدرات الاتحاد السوفياتي.

 أدت نهاية الحرب الباردة إلى انخفاض نسبي في الإمكانات العسكرية وتنفيذ إصلاحات عسكرية في الدول المشاركة في المواجهة.

 في أوائل التسعينيات، شكلت الولايات المتحدة عقيدة عسكرية جديدة، وخفضت الإنفاق العسكري بنحو الثلث، وأعادت هيكلة الصناعة العسكرية.  ومن بين 120 ألف شركة نفذت عقود عسكرية، بقي ربعها فقط في النصف الثاني من التسعينيات.

 على سبيل المثال، وفقًا لصحيفة The New York Times الأمريكية، قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أنتجت الولايات المتحدة 14400 صاروخ غير موجه شهريًا – وهذا يعادل، وفقًا لوسائل الإعلام الغربية، إنفاق الجيش الأوكراني في ساحة المعركة ليومين.  أجبرت الحاجة لإمداد القوات المسلحة في كييف البنتاغون إلى مضاعفة إنتاج القذائف ثلاث مرات في سبتمبر، ثم يتضاعف في يناير.  الهدف النهائي هو إنتاج أكثر من 90.000 قذيفة مدفعية شهريًا.  يهدف البنتاغون إلى زيادة إنتاج قذائف المدفعية بنسبة 500٪ في غضون عامين، وبذلك يصل إنتاج الذخيرة التقليدية إلى مستويات لم تشهدها منذ الحرب الكورية (1950-1953-المترجم).

إنه يستثمر مليارات الدولارات لتعويض النقص في الذخيرة الناجم عن الحرب في أوكرانيا ولتخزينها من أجل النزاعات المستقبلية “. – كتبت نيويورك تايمز.

 كم عدد القذائف التي تنتجها روسيا شهريًا، بالنظر إلى أن البلاد قد شهدت تراجعًا في التصنيع على نطاق واسع، ليس معروفًا على وجه اليقين.

لا توجد بيانات مفتوحة حول هذا الموضوع، لدينا فقط تقارير عن خطة مشكوك فيها من “مصادر” لم تذكر اسمها في وكالة ريا نوفوستي بأن “روسيا تنتج قذائف من العيار الثقيل أكثر من الولايات المتحدة”.  حتى لو افترضنا أن بيان المصادر المجهولة صحيح، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن القوات المسلحة الروسية تنفق كمية هائلة من القذائف – أكثر بكثير من القوات المسلحة لأوكرانيا، وبالتالي هناك شكوك جدية في أن  المجمع الصناعي العسكري الروسي قادر على إنتاج نفس العدد من القذائف شهريًا الذي تنفقه القوات المسلحة الروسية لنفس الشهر.

“لا يمكن مقارنة إمكانياتنا الاقتصادية والعسكرية، مع الغرب الجماعي الذي هو في حالة حرب معنا من خلال أوكرانيا.  الغرب قادر على محاربتنا، بمثل هذا النسق، لعقود من الزمان، ويزود أوكرانيا بمزيد من الأسلحة.  لا توجد لدينا مثل هذه القدرات.  يبدو أن مخزونات الأسلحة والذخيرة السوفياتية في المستودعات قد بدأت بالنفاذ.  يتضح هذا من وصولها للجبهة دبابات T-62، التي توقف إنتاجها في عام 1975، وحتى مدافع الهاوتزر D-1 من طراز عام 1943، “

كما ذكر على وجه الخصوص العقيد المتقاعد في مجال الطيران فيكتور الكسنيس.

 نرى حقًا كيف تظهر الأسلحة القديمة في الجبهة، والتي تتحدث، على عكس تصريحات بعض الخبراء الذين يحاولون إيجاد تفسيرات أخرى لهذه الحقائق، عن مشاكل كبيرة في المجمع الصناعي العسكري الروسي.  ومع ذلك، فإن فيكتور إيمانتوفيتش، يشير إلى أن “الغرب يمكنه أن يقاتل لعقود”، فإنه مع ذلك يبالغ إلى حد ما في إمكانيات الغرب.  لا في الولايات المتحدة ولا حتى في أوروبا، لم يكونوا مستعدين لصراع عسكري طويل الأمد، ومستوى الإنتاج العسكري الصناعي للغرب منخفض حاليًا، ومع ذلك، فإن القدرات الإجمالية والمحتملة لمجمعهم الصناعي العسكري هي في الواقع أعلى بكثير من تلك الموجودة في روسيا.

 خاتمة

بإيجاز، تجدر الإشارة إلى أنه بمساعدة أوكرانيا، يقوم الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون باستنزاف القدرات العسكرية الروسية واستنزاف جيشها في صراع طويل الأمد.  في الوقت نفسه، بينما تنفق روسيا مخزونها من صواريخ كروز، فإن الغرب ليس في عجلة من أمره لنقلها إلى أوكرانيا.  من بين الأسلحة عالية الدقة، لم تتلق القوات المسلحة الأوكرانية سوى HIMARS حتى الآن.

 تختلف آراء الخبراء حول السيناريوهات اللاحقة للصراع العسكري في أوكرانيا، ولكن يمكن تحديد سيناريوهين رئيسيين يتم ذكرهما في أغلب الأحيان.

 بعد السيناريو الأول سيتوقف الأمريكيون وحلفاؤهم في النهاية عن دعم أوكرانيا بسبب التكاليف الباهظة ويبرمون نوعًا من الاتفاق مع روسيا، ونتيجة لذلك سيتم تجميد الصراع وفقًا لـ “السيناريو الكوري”.

 وفقًا للسيناريو الثاني، ستزداد مساعدة أوكرانيا من قبل الغرب، ونتيجة لذلك ستضطر روسيا إما إلى خسارة معظم الأراضي الروسية الجديدة أو استخدام أسلحة نووية تكتيكية.

هناك أيضًا من يعتقد أن الإمكانات العسكرية لأوكرانيا قد استُنفدت في الغالب، وأن المساعدات الغربية غير كافية، والدليل على ذلك هو نجاح القوات الروسية والشركات العسكرية الخاصة “فاغنر”، على وجه الخصوص، في سوليدار وفي منطقة باخموت، إذن، في “حرب الإنهاك” ستنتصر روسيا في النهاية.

ومع ذلك، قد يكون هذا وهمًا خطيرًا، لأن مثل هذه الأحداث أدت بالفعل إلى “إعادة تجميع القوات في خطوط أكثر فائدة” بالقرب من إيزيوم وكراسني ليمان. (اشارة الى انسحاب الجيش الروسي من هذه المناطق في الصيف الماضي أمام الهجوم المضاد الاوكراني-المترجم).

 هنا يمكننا الاستشهاد بكلمات عقيد الاحتياط في المخابرات إيغور ستريلكوف، الذي أشار، ردًا على الرأي القائل بأن باخموت أصبحت “نقطة رئيسية في الحرب”، ما يلي:

 “لماذا، يتساءل المرء، لم يتم تصخيم معارك مماثلة من أجل Severodonetsk و Lisichansk، وحتى بالنسبة لنفس Popasnaya، لم تصبح” نقاطًا رئيسية “بشكل مماثل؟  ومن حيث الوقت والنطاق وعدد القوات المشاركة – كان كل شيء متشابهًا للغاية.  بعد ذلك فقط، ساعد الشركاء الأوكرانيون المحترمون فجأة قيادتنا على تنفيذ “إعادة تجميع ناجحة” أولاً، ثم اتخاذ “قرار صعب”.

 السيناريو الثاني (سلبي بالنسبة لروسيا) متغير، والأخطر حسب رأي المؤلف هو تطور الأحداث التالي: الغرب، بقدر الإمكان، يستنزف القدرات العسكرية لروسيا، ثم تدخل القوات المسلحة البولندية، ورومانيا ودول البلطيق (وربما وليس فقط) في إطار “عملية حفظ سلام مشتركة” معينة.

الآن يبدو الأمر لا يصدق، لكن في وقت ما بدا أمرًا لا يصدق تسليم دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا والصواريخ القادرة على الضرب على عمق 150 كم.

 بشكل عام، يجب التأكيد مرة أخرى على أن حرب الاستنزاف العسكري غير مربحة لروسيا، التي لديها إمكانات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية-صناعية أقل من الغرب الجماعي (ناهيك عن عدم وجود أهداف واضحة وصورة إيجابية عن المستقبل).

 بالإضافة إلى ذلك، كلما طال الصراع في أوكرانيا، زادت احتمالية تدخل دول الناتو بشكل مباشر فيه.

(2)

كيف يمكن لروسيا أن تنهي الحرب في أوكرانيا؟

فيكتور بيريوكوف، سياسي روسي، عضو البرلمان في مقاطعة موردوفيا

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 11/2/2023

 لقد دخل القتال في أوكرانيا منذ فترة طويلة إلى مرحلة الحرب الموضعية – المواجهة المسلحة، حيث تسود العمليات العسكرية على جبهات مستقرة وطويلة، مع دفاع في العمق.  القتال يتم من أجل كل قرية وكل حي وكل شارع.  في هذا الصدد، يتساءل الكثيرون – إلى متى يمكن أن تستمر العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا؟

 السؤال منطقي، لكن لا إجابة عليه.

يفسر الركود الحالي على الجبهات بالعديد من العوامل – الظروف الجوية السيئة، والتكافؤ الفعلي للقوى، وما إلى ذلك، وهذا صحيح بشكل عام.  ومع ذلك، فمن الأهم بالنسبة لنا أن نحصل على إجابة لسؤال آخر، بدون إجابة يستحيل معها الحديث عن أي مهل واحتمالات – ما هي الخيارات المتاحة لإتمام العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا؟

 ذكرت سيناريوهات سلبية في المواد السابقة، على وجه الخصوص، في مقال “المفهوم الأمريكي” للنصر المبكر “في حرب طويلة: كيف يخطط الغرب لهزيمة روسيا في حرب استنزاف”، في هذه الحالة سنعتبرها مواتية نسبيًا سيناريوهات لإنهاء العملية العسكرية الخاصة، وكذلك الجوانب الإيجابية والسلبية لهذه السيناريوهات.

سيناريوهات إنجاز العملية العسكرية

 بادئ ذي بدء، يجب التأكيد على أنه، في رأي المؤلف، لا توجد خيارات إيجابية تمامًا لاستكمال العملية العسكرية في أوكرانيا.

 إذا أخذنا تعريف المؤرخ الإنجليزي “ليدل هارت” كأساس، الذي يعتقد أن الهدف من الحرب هو تحقيق حالة أفضل، ولو من وجهة نظرك، لحالة العالم بعد الحرب، فمن هذا الموقف يبدو من الصعب تحقيق النصر.  وهذا يعني أنه حتى بعد تحقيق نصر مشروط على أوكرانيا، قد تستمر روسيا في مواجهة وضع سياسي دولي صعب إلى حد ما، وينبغي أخذ هذه الحقيقة في الاعتبار.

 بالنظر إلى أن روسيا لم تضع بعد معايير واضحة لانتصارها في أوكرانيا، وأن أهداف الصراع العسكري تختلف باختلاف الوضع في ساحة المعركة والوضع السياسي الدولي، فإن سيناريوهات النصر الواردة أدناه هي نظرية.

السيناريو الاول ينص على تغيير الوضع القانوني للعملية العسكرية الخاصة (التي لم يتم تعريفها على الإطلاق حاليًا)، وإعلان الأحكام العرفية، وموجة أخرى من التعبئة، وتعبئة الجبهة الداخلية، أي الاقتصاد، مع الحشد لشن هجوم جديد واسع النطاق ضد أوكرانيا من أجل هزيمة الجيش الأوكراني والسيطرة عليها، إما بشكل كامل أو شبه كامل.

 لفترة طويلة، كان مثل هذا السيناريو قد تم تأييده، على وجه الخصوص، من قبل العقيد المتقاعد إيغور ستريلكوف، الذي يعتقد أنه يجب تعبئة الاقتصاد أولاً ويجب إعداد القاعدة المادية للتعبئة على نطاق واسع.

 يوفر هذا السيناريو تحقيق نصر سريع نسبيًا من خلال جهد قوي من قبل قوى الدولة.  في الواقع، الجيش الأوكراني، الذي لديه إمكانات تعبئة أقل من روسيا، يمكن “سحقه من قبل الجماهير”، ومن الناحية النظرية، يمكن تحقيق النصر بهذه الطريقة، لكن هذا السيناريو ينطوي على مخاطر وتكاليف كبيرة.

تشمل الجوانب السلبية لهذا السيناريو، أولاً، مخاطر حدوث أزمة في جهاز الدولة البيروقراطي.  أظهرت التعبئة الجزئية مدى عدم كفاءة آلة الدولة، وهناك شكوك جدية في أن روسيا قادرة على تجهيز وتزويد مليون مقاتل، على سبيل المثال.

 ثانيًا، هناك مخاطر انهيار الاقتصاد، الذي يعمل في نمط “زمن السلم” وغير جاهز للإفراط في العسكرة والانتقال إلى قاعدة عسكرية.

على وجه الخصوص، يمكن أن يؤدي انتقال المؤسسات المدنية إلى “الطابع العسكري” إلى عواقب غير متوقعة تمامًا.  تجدر الإشارة إلى أن اليابان لجأت ذات مرة إلى التعبئة الكاملة للاقتصاد – في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، تمكنت صناعة الطائرات اليابانية من إنتاج 100-200 طائرة فقط سنويًا، وفي

عام 1944، تمكنت صناعة الطيران اليابانية بالفعل من رفع الإنتاج إلى رقم قياسي بلغ 24 ألف طائرة.  ومع ذلك، كان نمو الاقتصاد الياباني غير طبيعي وواسع النطاق – نمت الصناعة العسكرية والصناعات الثقيلة بشكل أساسي بسبب التباطؤ في نمو القطاع المدني.  كانت عواقب ذلك مدمرة على الاقتصاد وأدت إلى النكوص للوراء لعدة عقود.

 في الظروف الحالية، عندما تجري روسيا أيضًا مواجهة اقتصادية مع الغرب، ومع الأخذ في الاعتبار أيضًا أن الإمكانات الصناعية للاتحاد الروسي الحالي محدودة، يمكن أن تنتهي مثل هذه التجارب بالفشل.

 ثالثًا، رد فعل الغرب على هذه الخطوة غير معروف، فهناك خطر من أن الرد على تعبئة أخرى وإعلان الأحكام العرفية سيكون نشر قوات الناتو في أوكرانيا.

 رابعًا، إن القيام بحشد واسع النطاق في غياب فكرة وهدف واضح للحرب، عندما لا يعرف العسكريون بالضبط ما يحتاجون إلى تحقيقه من أجل الفوز، يمكن أن يؤدي إلى احتجاجات غير منضبطة بين أفراد الإحتياط والعسكريين..

 السيناريو الثاني ينص على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية (TNW) وأسلحة الدمار الشامل (WMD) من أجل تدمير معاقل ومناطق محصنة للجيش الأوكراني، وقلب المد على الجبهات وإقناع الغرب وأوكرانيا بما يلي: إبرام السلام وفقًا لشروط روسيا (على سبيل المثال، الاعتراف بحدود جديدة للاتحاد الروسي، والوضع المحايد لأوكرانيا، وما إلى ذلك).  قد لا يتم إجراء تغيير في حالة العملية العسكرية وتعبئة إضافية في نفس الوقت.

إن الاستخدام الكفء للأسلحة النووية التكتيكية في ساحة المعركة، من الناحية النظرية، قادر على إلحاق أضرار جسيمة بالجيش الأوكراني وتغيير الوضع جذريًا، ولكن تظهر مخاطر جسيمة في هذه الحالة.

 يدعم استخدام الأسلحة النووية التكتيكية العقيد المتقاعد من الطيران فيكتور ألكسنيس، الذي يعتقد أنه في الوضع الحالي لقواتنا المسلحة، غير القادرة على هزيمة الجيش الأوكراني، ستضطر روسيا عاجلاً أم آجلاً إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في الجسور والأنفاق الاستراتيجية ومراكز النقل.

 يحتوي هذا السيناريو على الكثير من الجوانب السلبية – أولاً، لا يمكن أن يؤدي استخدام الأسلحة النووية التكتيكية إلا إلى كسر الجيش الأوكراني من الناحية النظرية، ومن الناحية العملية، سيعتمد كل شيء على الكمية التي سيتم استخدامها ومعرفة القراءة والكتابة للتطبيق.  وهذا يعني، من الناحية العملية، أن هذا قد لا يعطي التأثير المطلوب.  قوات الجيش الأوكراني مشتتة، ومن الصعب تخيل عدد الأسلحة النووية التكتيكية المطلوبة.

 ثانياً، هناك مخاطر تلوث المنطقة.  حتى إذا تم استخدام شحنات منخفضة الطاقة، فلا يمكن تجنب ذلك.  إذا تم شن ضربات على الجسور، فهناك خطر تلوث الأنهار.

 ثالثًا، يجب أن يقال عن الجانب الأخلاقي للقضية – لا تنس أنه يوجد في أوكرانيا فرعان من الشعب الذي كان موحدًا في يوم من الأيام، السلاف الشرقيون، لذا فإن استخدام أسلحة الدمار الشامل ليس مناسبًا ومسموحًا به.

 ورابعًا، هناك مخاطر من أنه في حالة استخدام الأسلحة النووية، ستنقل الدول الغربية الأسلحة النووية إلى أوكرانيا، التي من المرجح أن تستخدمها قيادتها السياسية ضد الأراضي الروسية دون تردد.

 السيناريو الثالث ينص على استمرار حرب الاستنزاف بالشكل الحالي على أمل إقناع الغرب وأوكرانيا الخاضعة لسيطرته عاجلاً أم آجلاً بالتفاوض من أجل تعزيز الوضع الراهن.

 في الوقت الحالي، تتخذ القيادة السياسية لروسيا خطوات لضمان عدم تأثير الحرب على غالبية السكان، وأن يعمل الاقتصاد في وقت السلم.  كتبت بالتفصيل عن مخاطر هذا السيناريو في مقال “المفهوم الأمريكي” للنصر المبكر “في حرب طويلة: كيف يخطط الغرب لهزيمة روسيا في حرب استنزاف”.

 في الوقت نفسه، فإن كلا السيناريوهين الثاني والثالث، رهنا ببعض الاتفاق على الوضع الراهن أو تجميد الصراع داخل الحدود الحالية، يشيران إلى خطر استئناف الصراع العسكري في المستقبل.  كما كتب كارل فون كلاوزفيتز:

“حتى الفعل الحاسم والنهائي للحرب بأكملها لا يمكن اعتباره شيئًا مطلقًا، لأن الدولة المهزومة غالبًا ما ترى فيه فقط شرًا عابرًا يمكن تصحيحه من خلال العلاقات السياسية اللاحقة”.

 إلى كل ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن روسيا دولة ذات تركيبة ديموغرافية سلبية، ويمكن أن تنتهي حرب طويلة ودموية في سياق أزمة ديموغرافية للشعب الروسي بشكل مأساوي.

 الصراع العسكري بالاتفاق؟

 في الوقت الحالي، تتطور الأحداث وفق السيناريو الثالث، ولدينا عناصر معينة من حرب تفاوضية.  على وجه الخصوص، في مقابلة حديثة مع وسائل الإعلام الغربية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منحه ضمانًا بعدم قتل الرئيس الأوكراني زيلينسكي.  إذا كان هذا صحيحًا، فسيكون من الواضح لماذا سار الرئيس الأوكراني بحرية في كل من إيزيوم وخيرسون، دون خوف على حياته.

 يشار إلى أن السكرتير الصحفي لرئيس روسيا ديمتري بيسكوف لم يدحض الاتفاقات بين بوتين وبينيت بشأن أوكرانيا.

” نحن لا نؤيد الكشف عن تفاصيل المحادثات بين رؤساء الدول.  لا نريد أن نفعل هذا حتى الآن، لذلك لن أدحض أو أؤكد ما قاله السيد بينيت ” “- قال بيسكوف. يمكن اعتبار هذه الكلمات تأكيدًا لكلمات بينيت، لأن أكاذيب السياسيين الغربيين غالبًا ما يتم دحضها من قبل الكرملين.

 من الواضح أن موسكو ما زالت تأمل في إمكانية إنهاء الصراع العسكري من خلال مفاوضات مع الغرب بشروط مقبولة لدى الاتحاد الروسي.  في الوقت نفسه، تعطي بعض الدوائر السياسية في الولايات المتحدة، حيث يتم اتخاذ جميع القرارات الرئيسية، إشارات معينة بأنهم مستعدون للتفاوض مع روسيا.  وهذا يشير بالطبع إلى الحزب الجمهوري وأحد قادته، دونالد ترامب.  كما يعطي رجل الأعمال والملياردير الأمريكي المدعوم من الحزب الجمهوري إيلون ماسك، الذي يمتلك شركة سبيس إكس، التي حدت مؤخرًا من استخدام أقمار ستارلينك الصناعية في أوكرانيا، إشارات معينة.

 ومع ذلك، مهما كان الأمر، فقبل وصول الجمهوريين المحتمل إلى السلطة في الولايات المتحدة الذي لا يزال بعيدًا، وخلال هذا الوقت يمكن أن يحدث أي شيء.

 المساعدات من الدول الغربية لا تزال في ازدياد.  يمكنك بالطبع الجلوس وانتظار تحسن الظروف، ولكن ما مدى إنتاجية ذلك؟  وإذا لم يصل الجمهوريون إلى السلطة على الإطلاق، أو غيروا رأيهم لسبب ما، فماذا بعد؟

 لا يزال الافتقار إلى أهداف واستراتيجيات وأفكار واضحة للمواجهة العسكرية والجيوسياسية، التي انخرطت فيها روسيا، يمثل مشكلة رئيسية لم يتم حلها.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….