السنة الثالثة والعشرون – العدد 6491
في هذا العدد:
■ إمارة الكويت ومحدودية التابع، عادل سماره
■ عام على الحرب الدفاعية الروسية: ملف خاص، (الجزء الخامس والأخير)، إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي
- المجتمع الروسي بعد عام على الحرب
- عن العقلية الروسية
- العودة إلى الذات: عام على حرب الشعب وعام على الحرب من أجل “النخبة”
■ الاقتصاد والجغرافيا السياسية، الطاهر المعز
- العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا
✺ ✺ ✺
إمارة الكويت ومحدودية التابع
عادل سماره
لسنا بصدد طويل شرح. فمعظم الأنظمة العربية تسير طبقاً لتعليمات وتوزيع الأدوار الأمريكية. واليوم جاء الإثبات من سلطة الكويت. فبعد أن صدع رؤوسنا رئيس “برلمانها بعنتريات عروبية أغوت المثقفين المنشبكبن أُمرت امريكا الإمارة بأن تعلن أنها تسير بالتقويم الأمريكي. اي أصر الأمريكي على إذلال هذه العنترية. لذا لم تتواصل حكومتها مع سوريا بأي شكل. هذا مع العلم أن الكويت حتى وهي تزعم العروبة صرَّح أحد برلمانييها الطبطبائي أنه سلَّح 12 ألف إرهابي ضد سوريا! وهذا عدد يفوق حجم إمارة الكويت مقارنة بأي نظام تابع عربي آخر.
وللتذكير: حينما حرر العراق الكويت 1991 طُلب من إمارة قطر الحفاظ على علاقتها بالعراق لضرورة الاختراق التجسسي.
واليوم يتم تخصيص الإمارات للاندلاق على الشام للهدف إياه واسوأ.
ورغم منارات سلطنة عُمان وزعم الحيادية إلا أن امريكا أمرتها هذه الأيام خاصة بأن تسمح لطائرات الكيان بالمرور من أجوائها.
أما وزير خارجية نظام مصر فجرى إذلاله ليقول: زيارته لسوريا إنسانية! غريب هذا الخنوع واستمراء الذل والإذلال.!
وهذا يؤكد أن مختلف هذه الأنظمة باستثناء الجزائر تتحرك تجاه سوريا طبقاً لتعليمات أمريكا.
ورغم كل هذه المطواعية تقوم أمريكا بإرغام هذه الأنظمة على تصرفات معينة تُهينها قصداً.
لذا، علينا الحذر من الاندلاق الشكلاني من هذه الأنظمة على الشام فجميعها في مهمة واحدة الإجهاز على سوريا العروبية!
أما الحذر فيجب أن يكون من الإعلام والمحللين الذين يتغزلون ب “كرم” أنظمة عربية تابعة تجاه سوريا كالسعوية والإمارات…الخ. هؤلاء كّذّبة مأجورين مخروقين مهما علت نبرات اصواتهم.
✺ ✺ ✺
عام على الحرب الدفاعية الروسية:
ملف خاص (الجزء الخامس والأخير)
إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي
- المجتمع الروسي بعد عام على الحرب
- عن العقلية الروسية
- العودة إلى الذات: عام على حرب الشعب وعام على الحرب من أجل “النخبة”
✺ ✺ ✺
المجتمع الروسي بعد عام على الحرب
موقع Nezigar على تيليغرام
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
22/2/2023
يقول علماء الاجتماع أن النغمة العامة والأطروحات الرئيسية لخطاب رئيس الدولة قد بُنيت وفقًا لأمزجة وتوقعات المجتمع الأساسية.
هناك طلب كبير في المجتمع لإنهاء الحرب وبدء مفاوضات السلام، ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي نفسها بوضوح أن الغالبية العظمى من المواطنين يؤيدون إجراء هذه المفاوضات وفقًا لشروط روسيا لتحقيق الأهداف المحددة للحرب. من الواضح أن المرحلة الحالية من الحرب لا تستجيب لجميع هذه الشروط. بالإضافة إلى ذلك، يجب أيضًا مراعاة مستوى الوطنية والشعور بالفخر بين الروس الذي نما خلال العام الماضي.
تظهر الاستطلاعات في المدن الكبيرة والمناطق الحضرية في البلاد خلال الأشهر الثلاثة إلى الأربعة الماضية بوضوح أن المجتمع كان يهيمن عليه الرأي القائل بأن الحرب يمكن أن تستمر لفترة طويلة جدًا (عام أو أكثر). يعمل هذا الموقف، بطريقة أو بأخرى، على تقليل توقعات سرعة إنجاز العمليات الحربية في المجتمع الروسي.
في الوقت نفسه، لم يصبح هذا الموقف مهيمنًا، وتعتقد نسبة كبيرة من المستجيبين (حوالي 30-40٪) أن الحرب سوف تنتهي هذا العام.
يعمل الموقف العدائي العلني للدول الغربية تجاه روسيا وحقيقة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا على تشكيل توجه في ذهن الجمهور مفاده أن أهداف الدول الأوروبية، وخاصة الولايات المتحدة فيما يتعلق بروسيا، هي الأكثر تدميراً. هذا يوحد المجتمع الروسي ويعزز المستوى العالي من الدعم لقيادة البلاد.
في الوقت نفسه، يتسم المزاج الأساسي للمجتمع بالرغبة في تقليل مستوى القلق وعدم اليقين. في هذا الصدد، يقول علماء الاجتماع إن الأطروحات التي تحدث عنها رئيس الدولة ستعمل على استقرار المشاعر العامة وتقوية الرأي في ذهن الجمهور بأن التطور المتواصل للبلاد ممكن في ظروف الحرب والمواجهة الجيو- سياسية مع الغرب.
تظهر استطلاعات الرأي المغلقة في الأشهر الأخيرة أن عامل الدعم للمقاتلين وأسرهم يُنظر إليه على أنه ضروري للغاية ويتطلب التزامًا متزايدًا ليس فقط من السلطات الإقليمية، ولكن أيضًا من السلطات الفيدرالية. علماء الاجتماع واثقون من أن الغالبية العظمى من الروس ستدعم بنشاط أطروحة توسيع نطاق تدابير الدعم الاجتماعي للأشخاص افراد الإحتياط وأسرهم، ولكن ليس على حساب تقليل معايير ميزانية الدولة للسياسة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين الآخرين. في هذا الصدد، سوف يدعم المجتمع بالتأكيد فكرة إنشاء صندوق حكومي خاص لمساعدة الجنود وأسرهم، وسيتم اعتبار الأموال من خارج الميزانية في المقام الأول مصادر لتجديد موارد الصندوق.
✺ ✺ ✺
عن العقلية الروسية
أوليغ إيفانوف، رئيس مركز تسوية النزاعات الاجتماعية، ومؤلف قناة على تيليغرام
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
24/2/2023
مر عام على بدء الحرب في أوكرانيا. طوال هذا الوقت، لم يتوقف الغرب عن ترديد شعاراته المفضلة حول الثمن الباهظ الذي ستدفعه روسيا حتماً مقابل قرارها. حاليا، يتم إعداد الحزمة العاشرة من العقوبات ضد موسكو. وبحسب توقعات جو بايدن، كان من المفترض أن تؤدي العقوبات في غضون عام واحد فقط إلى تدمير إنجازات الاقتصاد الروسي على مدى السنوات الـ 15 الماضية. هدفهم الرسمي هو إجبار روسيا على التراجع إلى حدودها السابقة “، وقد عبّر”جو النائم “بشكل غير رسمي” وبصراحة شديدة في آذار / مارس الماضي في وارسو وقال “هذا الرجل لا يمكن أن يبقى في السلطة” في إشارة إلى الرئيس الروسي.
ومع ذلك، نرى اليوم أن الاقتصاد الروسي مستقر ويظهر ديناميكيات إيجابية، وتصنيف فلاديمير بوتين يتجاوز 80٪. الروس لا ينزلون إلى الشوارع، إنهم لا يقيمون “ميدان”، المجتمع متحد كما لم يحدث من قبل.
ما “الخطأ”، لماذا لا تعمل العقوبات الغربية؟
السر هو أن الغرب لم يفهم ولا يفهم الآن عقلية الشعب الروسي. يرجع هذا إلى حد كبير إلى حقيقة أن الخبراء في شؤون روسيا في الولايات المتحدة وأوروبا غالبًا ما يُعتبرون إما روس مهاجرين معارضين غادروا البلاد منذ سنوات عديدة، أو “علماء” محليين، وكقاعدة عامة، ليس لديهم سوى فهم نظري لروسيا. إنهم يعتقدون أنه على مدى 30-40 عامًا من تأثير القوة الناعمة للغرب، أصبحت روسيا دولة أوروبية، لذا فإن العزلة عن المجتمع الأوروبي هي أسوأ عقوبة يمكن تخيلها بالنسبة لنا. لكن الأمر ليس كذلك: لم تصبح روسيا دولة أوروبية، وبعد إعادة تطبيق سياسات “الستار الحديدي” من قبل الغرب، دعونا نأمل ألا تصبح كذلك أبدًا. ليس من قبيل الصدفة أن هناك قول مأثور “ما هو جيد للروسي، هو موت للألماني”: إنه يوضح تمامًا الاختلاف في العقلية بين شخص روسي وأوروبي.
يشار إلى أنه في مقابلة أجريت مؤخرًا، أظهر Andrzejczak، رئيس هيئة الأركان العامة البولندية، بشكل غير متوقع، معرفة عميقة بالعقلية الروسية. قال: “معايير الجيش الروسي، المجتمع الروسي مختلفة تمامًا عن المصفوفة الغربية. ليست هناك حاجة لقياس الروس بالمعايير الغربية. ما تراه – سلوكهم وأفعالهم ومقدار معاناتهم وما زالوا مستعدين للمضي قدمًا – هذا مختلف تمامًا عن المجتمع الغربي.
هذه كلمات صحيحة للغاية، خاصة فيما يتعلق بالمضي قدمًا من خلال الألم والمعاناة. هذه مفارقة وإيديولوجية روحية للشعب الروسي: كلما كان الأمر أسوأ بالنسبة لنا، كان ذلك أفضل. لأن المشاكل الوجودية الخطيرة فقط هي التي يمكن أن تعزز مجتمعنا، وتدفع الأمة إلى إنجازات عظيمة، كما حدث غالبًا في تاريخنا: سواء في زمن الحرب (حروب 1812ضد نابليون، 1941-1945 ضد هتلر) وفي زمن السلم (على سبيل المثال، خلال فترة إنشاء تعاونيات الفلاحين وفي عهد التصنيع).
هذا ما يحدث اليوم. أنا متأكد من أنه إذا لم تكن هناك انسحابات للجيش الروسي في مناطق خاركوف وخرسون العام الماضي، فلن تكون هناك عمليات هجومية ناجحة للقوات الروسية في دونباس وزابوروجي اليوم. إن الإخفاقات المؤقتة تدفعنا فقط إلى التعبئة وتحفيز الانتفاضة الروحية والوطنية.
لكن المجتمع الغربي لا يستطيع ولا يريد أن يفهم هذا. إن ضيق التفكير الجيوسياسي هو الذي يجعله يدفع عبر العالم بمفاهيم ونظريات “الحصرية”، و “المليار الذهبي”، و “منتديات الديمقراطيات”، و “التسامح”، و “الليبرالية الجديدة”، وعدم الالتفات إلى التقاليد والعادات في المجتمعات “الحديثة”.
ومع ذلك، فإن كل فعل يخلق رد فعل. من الواضح أن الحرب هي ردنا على الأعمال العدوانية للولايات المتحدة وحلفائها ضد بلدنا. الرد على تجاوز “الخطوط الحمراء”، ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا، وتوسع حلف الناتو إلى الشرق، ودعم “الميدان” الأوكراني، وتزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة، إلخ.
وهذه الإجابة موصوفة بإيجاز في العبارة الشائعة: “من أتى إلينا بسيف يموت بالسيف”.
✺ ✺ ✺
العودة إلى الذات: عام على حرب الشعب وعام على الحرب من أجل “النخبة”
كسينيا ألكساندروفنا، محررة في وكالة كاتيوشا للأنباء
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
24/2/2023
اليوم مر بالضبط عام واحد على دخول روسيا مرحلة جديدة في تاريخها.
لأول مرة منذ 30 عامًا، وقفت بلادنا ضد كتلة الناتو بأكملها، وانخرطت في معركة مع النخبة الموالية للغرب، والتي لم تكن مستعدة لها بشكل صحيح. لكنها خاضت المعركة في كل من أوكرانيا وداخل البلاد، خطوة بخطوة لتعود روسيا التي يتذكرها العالم. لقد مضى عام من الانتفاضة الوطنية غير المسبوقة وخيبة الأمل. العام الأول في طريقنا إلى ذاتنا في معركة لا يحق لنا أن نخسرها. تتحول العملية العسكرية إلى حرب واسعة النطاق مع الناتو على أراضي أوكرانيا. حرب لم تشهدها أوروبا منذ الحرب الوطنية العظمى. الحرب التي تشنها روسيا على جميع الجبهات – في دونباس وأوكرانيا، وداخل الدولة نفسها. يعتمد وجود البلد نفسه ومستقبل العالم كله على نتائجها.
كانت سنة مروعة. في العام الذي كانت فيه مدننا تحترق على طول الحدود بأكملها وتحترق الآن – في ذكرى بداية الحرب، قتل الجيش الأوكراني امرأة بالفعل في منطقة بيلغورود في الصباح. وأمس أطلقت النار على سيارة إسعاف في دونيتسك.
لكن، على ما يبدو، كان علينا أن نبدأ طريق التطهير من الأعلى. وإلا لن نعود إلى ذاتنا إلا بالألم والدم والعرق.
ثم بعد يوم حماة الوطن (الإسم الجديد الذي أطلق في روسيا على يوم تأسيس الجيش الأحمر – المترجم)، بدا كل شيء سهلاً. كان هناك حديث عن “اتفاقيات تحت الطاولة”، تم ذكر التواريخ في ثلاثة أيام، ثم بعد شهرين، الجيش يسير في كييف، وكان الجميع على يقين من أن كل شيء على وشك الانتهاء.
وقد تبين ان كل شيء قد بدأ للتو. من المألوف الآن أن نقول أننا قبل عام كنا مختلفين. ربما، بالنسبة للكثيرين، كان هذا صحيحًا، فقد عاش الناس في عالمهم الصغير، دون أن يلاحظوا كيف يقترب العالم من الخط، والذي يوجد خلفه خيار بين “إنسان” و”مخلوق يحمل علامات البشر”، ولكنه خالي من الإرادة، ويتم التحكم فيه تمامًا ومُدمج في النظام العالمي تحت حكم ليس حتى الولايات المتحدة ولكن الشركات الخاصة.
لقد فهمنا بالفعل حينها أن الحرب في أوكرانيا ستغير كل شيء. حيث كتبت محررة وكالة كاتيوشا:
“في 24 فبراير، لم تبدأ روسيا نوعًا من العمليات في أوكرانيا ولا حتى حربًا مع الناتو على أراضي أوكرانيا، بل بدأت حربًا وطنية حقيقية مع الرايخ الغربي الجديد… لقد وقفنا مرة أخرى في طريق الرايخ الجديد ونحن ملزمون بالدفاع عن مستقبل أطفالنا ومستقبل العالم بأسره. نعم، هذه الحرب لن تكون سهلة ولن تكون سريعة، والسذاجة وتبسيط الأمور ليست مناسبة هنا، ولكن لا يوجد مكان للتراجع مرة أخرى – على المحك وجود روسيا ذاتها ووجود شعبنا. يجب فهم هذا الأمر وقبوله وتحمله.
علاوة على ذلك، نحن جميعًا – أناس عاديون ومسؤولون ورواد الثقافة – علينا ان نضيف بحلول 9 مايو (عيد النصر على النازية 1945-المترجم) يوم نصر حقيقي جديد.
لسوء الحظ، لم يفهم الجميع هذا. واصل “الخبراء” الحديث عن هراء عن “نصر سهل” حتى عندما أحرقت القوات الخاصة البريطانية دباباتنا في منطقة تشيرنيغوف، ووقعت مجزرة قرب كييف. السياسيون، بعد أن قرروا أنه يمكنهم الآن المضي قدمًا في مسعاهم، أطلقوا “بادرة حسن نية” وشطبوا جميع الضحايا ومآثر الهجوم في الشمال، بما في ذلك الإنجاز الأسطوري للمظليين في غوستوميل.
من يتذكرهم الآن؟
كان الأوليغارشيون منشغلين فقط بالعقوبات والمخاوف على اليخوت والقصور، دافع “المبدعون” عن أوكرانيا بدورهم، مع التأكد من أنهم، كما هو الحال دائمًا، لن يحصلوا على أي شيء مقابل ذلك، ويمكنهم الاستمرار في استنزاف الدولة بهدوء متذرعين ب ” الموقف الشخصي “.
هكذا بدأت هذه الحرب وهكذا تلقينا هزيمتنا الأولى. ليس في ساحة المعركة، بل في المكاتب. ولكن على هذا النحو، بعد الانسحاب، لم تعد الحرب مجرد “عملية خاصة” – بدأت حرب شعبية. في غضون وقت قصير جدا، بدأت جبهة شعبية تتشكل خلف الرجال. ولدت في كتابة حرف “Z” على السيارات، وفي المناطق المحاذية للجبهة، حيث تم إخلاء جنود مرتبكين لم يفهموا سبب وجودهم هناك، من المراسلين العسكريين الذين نقلوا الحقيقة حول الحرب والجيش، من العاملين في المجال الإنساني الذين نقلوا كل ما يحتاجه الجنود على الجبهة.
منذ تلك اللحظة التي أدركنا فيها أن جيشنا مختلف عما ظهر في العروض العسكرية، وأن العدو ينوي تدمير البلاد، دخلت روسيا في الحرب من أجل البقاء.
من أليوشكا في بيلغورود إلى متطوعي وجدات القوزاق ذوي الشعر الرمادي اللواتي يخبزن الفطائر ويخيطن الشباك للمقاتلين. دخلت روسيا أجواء الحرب ولكنها انقسمت. حدث بالضبط ما حذرت منه النائب السابق أوكسانا بوشكينا – حدث شرخ في البلاد. صحيح أن حلمها بملايين المثليين والجندريين و “الشباب التقدمي” الآخرين في الساحات ظل حلمًا. ما كنا نتحدث عنه بالضبط حدث – من جانب كان هناك الشعب، ومن ناحية أخرى مجموعة من المتخلفين “الوطنيون المرعوبون”.
كان أول وأكبر انتصار لنا حتى الآن – داخل روسيا. لقد تبين أننا أفضل مما يظنونه، وتشبثنا، كل واحد بموقعه. من الأسفل بدأ “الاختراق”، تلك الطفرة الوطنية غير المسبوقة. كل مدينة، بلدة، قرية لها أبطالها. أولئك الذين قاموا بعمل مآثر وضحوا بأرواحهم من أجل الوطن الأم. عادت للعمل العقلية الفذة والبطولة العسكرية، وأصبحت الوحدة في مواجهة الخطر والمساعدة في المصاعب، مرة أخرى، أكثر الأشياء قيمة بالنسبة للناس.
“لقد تغيرنا. التعبئة. المتطوعون. دعم الجبهة. عدم الثقة في المغرضين. ازدراء الغرب. السخرية من الذين غادروا. المصانع في ثلاث نوبات. وقفت البلاد. أصبح من المفهوم أن هذا سيستمر وقتا طويلا، ولن يكون الأمر كما كان من قبل “، كتب أندريه ميدفيديف.
في واقع الامر. نحن لم نتغير، لقد عدنا لذاتنا. لقد أرادوا لمدة 30 عامًا رؤيتنا وجعلونا مختلفين – ماشية برية غبية، نفط جديد، يمكنك إطعامهم أي شيء، جبناء، الذين يهتمون فقط بمؤخراتهم.
هذا هو السبب في أن “الوطنيين الخائفين” يعانون من نوبات غضب، وسوء فهم من قبل القيمين عليهم، وإستغراب الغرب – لقد توصلوا هم أنفسهم إلى صورة هؤلاء الروس وفوجئوا لأننا لا نتوافق مع تقاريرهم وعروضهم وصورهم، والناس لا يهتمون برواياتهم و”قادة” الرأي العام “المنفوخون” من قبل YouTube “. بطريقة أو بأخرى، ولكن كان على النخبة أن تستمع إلى رأي الناس، وحتى لو لم يكن في كل مكان وليس دائمًا، بل كان عليهم التوجه نحو الناس.
ثم كانت هناك معارك متفاوتة النجاح. تمكنا من تحرير ماريوبول ومنطقة لوغانسك. تم إقرار قانون تجريم المثلية الذي يحظر تمامًا دعاية المثليين، لإجبار القيّمين على التخلي عن “نجومهم” المفضلين الذين خانوا شعوبهم.
أصبح كونك وطنيًا في روسيا أمرًا طبيعيًا، وقد بدأ المسؤولون بالفعل في التنافس، أي منهم يحب روسيا أكثر ومستعد لمساعدة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
ومع ذلك، في الوقت نفسه، فقدنا منطقة خاركوف، وغادرنا مدينة خيرسون، ولم نحل المشاكل في الجيش، وأهمها التقارير، والتي بموجبها “لدينا كل شيء وكل شيء على ما يرام”، ولكن في الواقع غالبًا ما تكون الصورة عكس ذلك.
هذه التقارير الشجاعة على مدار العام أصبحت بلاءً حقيقيًا لروسيا، لأنه أصبح واضحًا أنه لا يمكنك كسب الحروب بإبداء الضعف والتراجع والعروض البهلوانية. كما لا يمكنك الفوز عليهم بالعروض الاحتفالية.
علاوة على ذلك، لا يتم كسب الحروب بالمفاوضات والتهديدات الفارغة. هنا، إما أن تكون فائزًا، أو يمسحون أقدامهم بك.
والمثير للدهشة، أن وزارة الدفاع كانت مصدر خيبة الأمل الرئيسية لهذا العام بالرغم من الدعم الساحق للجيش. انهارت الصورة التي تم إنشاؤها لآلة مثالية في الشهر الأول، واصبحت “العبقرية العسكرية” للقيادة، في مكان ما بشكل ظالم، مصدرا للنكات. إذا كانت سرية المؤسسة قد خلقت في وقت سابق هالة من “الجدية”، فقد لعبت أحداث الربيع معها نكتة قاسية.
كانت هناك محاولة لسد أفواه الجميع بالهستيريا “الجنود لديهم كل شيء” التي انتشرت في لقطات “المقاتلين المتشردين ” التي تحول مقاتلونا إليها بعد مغادرة تشرنيغوف وكييف.
بغض النظر عن الطريقة التي يصب بها الجنرالات وخبراء البلاط العسل في آذان الناس، لكن في شهر آذار (مارس) أصبح من الواضح بالفعل وجود مشكلتين لم يتم حلهما حتى الآن – الاتصالات والطائرات بدون طيار.
ومع مرور الوقت ازدادت الأسئلة. ذروة الانتقادات كانت التعبئة، التي تأخرت، بما في ذلك لأنهم فهموا عدم القدرة على تزويد المقاتلين بكل ما يحتاجون إليه. المواجهة بين “فاغنر” وجيراسيموف أنهت صورة الجيش. نتيجة لذلك، لم يتحول الوزير شويغو الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة إلى بطة عرجاء، بل إلى ميدفيديف بعد إصلاح نظام التقاعد.
بدأت كل الإخفاقات، من إعادة تموضع القوات إلى تزويد الوحدات التي كان من المفترض أن توفرها المصانع بالقذائف، تسقط على رأسه، مما تسبب في المزيد والمزيد من العداء في المجتمع.
كانت المحنة الثانية لروسيا هي النخبة، التي لم تكن ببساطة مستعدة للمواجهة. اتضح أن الأمر مضحك – النخبة هي التي استمرت في الحديث عن المواجهة مع الغرب، وعندما بدأت بشكل حقيقي وليس على شاشة التلفزيون، تبين أنهم غير مستعدين على الإطلاق.
فشل استبدال الواردات، عصيان المراسيم الرئاسية فيما يتعلق بالانفصال عن الغرب، “الإيمان المقدس” في المؤسسات والمنظمات الغربية، حيث يذهبون للانحناء حتى لو تم سبهم هناك، كما هو الحال في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أو السخرية منهم علانية، مثل اللجنة الأولمبية الدولية – لقد فعل المسؤولون هذا العام كل شيء، حتى يتمكن السكان من معرفة ماهيتهم.
مع الثقافة والأليغارشية أصبح كل شيء أكثر بساطة. إذا كان لا يزال لدينا عدد كافٍ من الوطنيين بين النخبة الإبداعية، وتم استبدال أولئك الذين غادروا دونيتسك مثل أباتشيف وكاتشور، فعندئذ من بين الأوليغارشية فقط، وقف بريغوجين علنًا مع روسيا، الذي راهن بثروته وحياته على النصر (قائد ومؤسس قوات فاغنر الخاصة-المترجم). البقية، في أحسن الأحوال، تظاهروا أنه لم يحدث شيء، وفي أسوأ الأحوال، بدأوا في دعم أوكرانيا من أجل التسول للحصول على جزء من ثروتهم المجمدة، التي هربوها إلى الغرب.
هكذا كانت السنة الأولى من الحرب، عملية عسكرية خاصة، إحياء روسيا. الحديث عن كل الأحداث هو ببساطة غير واقعي.
عامنا الأول عن قصص الأبطال، قيامة الشعب الروسي، البطولات، الدموع والفرح. عام خيبة أمل وحزن وموت جنود وقصف رهيب لمدن مسالمة. عام من النضال من أجل قيمنا وخيانة “الأصنام” وأكياس المال.
لم نكن مستعدين للحرب، والكثير منا ليسوا مستعدين حتى الآن، لكن الحرب لا تهتم بهم – بالنسبة لمن ينسونها، ستطرق بابهم من تلقاء نفسها.
صاروخ من الناتو، طائرة بدون طيار، هجوم إرهابي… ما زلنا لم نحل 80٪ من المشاكل داخل البلاد. نعم، وستستمر العملية العسكرية الخاصة نفسها لفترة طويلة.
يبدو أحيانًا أن الفجوة التي أمامنا غير مرئية. لكن يجب أن نفهم – كنا الوحيدين الذين تجرأوا على تحدي “العالم الجديد الشجاع”. كانت هناك دول أقوى وأكثر ثراءً في العالم، وأكثر عددًا ولها أيديولوجية واضحة. ولكن الروس هم الذين هبوا إلى المعركة مرة أخرى.
نعم، أيها الإخوة، الوحدة مرة أخرى على الدم، ومرة أخرى لدينا عام حافل لم تهيئنا له الحياة. نعم، والنخبة، في الغالب – ليس اولئك الذين حاربوا ضد نابليون. ولكن لا مفر من القدر.
لقد اختارنا الرب مرة أخرى لإيقاف الرايخ الجديد. هذا ما نعمل عليه. هذا يعني أنه ليس لديه أي شخص آخر يعتمد عليه، ويجب علينا جميعًا أن ننقل صليبنا، حتى بعد 50-70 عامًا سيخبر أحفادنا أطفالهم حول أساطير عائلاتهم عن أولئك الذين حاربوا ونجوا وفازوا.
لقد كان الأمر كذلك دائمًا، وسيكون كذلك هذه المرة.
✺ ✺ ✺
الاقتصاد والجغرافيا السياسية
العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا
الطاهر المعز
فرض النظام النقدي الدولي الذي تم إنشاؤه في بريتون وودز سنة 1944 هيمنة الدولار مع إمكانية قيام المصارف المركزية بتحويل احتياطيات الدولار إلى ذهب (35 دولارًا للأونصة)، إلى غاية سنة 1971، في ذروة الحرب العدوانية على الشعب الفيتنامي، وبالتوازي مع بداية العلاقات السياسية مع الصين (دبلوماسية “كُرة المضرب)، بدأت الولايات المتحدة في تغيير القواعد الناتجة عن توازن القوى الذي خلقته الحرب العالمية الثانية، حيث أعلن الرئيس نيكسون عن إنهاء تحويل الدّولار إلى ذهب، في الخامس عشر من آب/أغسطس 1971، وهو ما سُمّي “صدمة نيكسون”، وفي العام 1974، بعد حرب السلادس من تشرين الأول/اكتوبر 1973، اتفقت الولايات المتحدة مع أُسْرة آل سعود التي تحكم أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، على بيع النفط السعودي بالدولار، حصريا، وأن يتم استثمار الفائض من الاحتياطيات السعودية من دولارات النفط (بترو دولار) في المصارف والشركات الأمريكية، وتمكنت السعودية من تعميم عملية بيع النفط بالدّولار على كامل أعضاء منظمة البلدان المُصدّرة للنفط (أوبك) ومنذ ذلك الحين، أصبحت تجارة النفط والمواد الأولية والسلع الأساسية الأخرى تتم بالدولار، ما عَزّزَ الهيمنة الأمريكية على المستوى العالمي، فضلاً عن استخدام الدّولار كعملة رئيسية للمبادلات والتحويلات المالية لنظام “مجتمع الاتصالات المالية العالمية بين المصارف “، أو ما يُعرف بنظام “سويفت”، والذي يضم إحدى عشر ألف مؤسسة مالية ومجموعة صناعية، وهو نظام يقع مقره الرسمي في بروكسل، ويُشرف مركز أمريكي يقع في فرجينيا على جمع وتخزين بيانات جميع المعاملات، ما يجعل من الولايات المتحدة مُشرفًا فعليا على التحويلات المالية العالمية، أو ما يزيد عن 45,3 مليون رسالة معاملات أو دَفْع يوميا، وتجري نسبة حوالي 42% من هذه المعاملات بالدّولار الأمريكي وقرابة 35% باليورو، عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، ولذلك فإن قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على مُستخدمي الدّولار أو مستخدمي نظام “سويفت” يعني خنقًا لاقتصاد البلد المعني بالعقوبة، وعندما بدأت الولايات المتحدة في عرقلة التجارة، أنشأت الصين نظامها الخاص للمعاملات والتبادلات المالية والتجارية، لكنه لا يزال ضعيفًا…
تمتلك الولايات المتحدة العديد من أدوات الهيمنة الأخرى، بما في ذلك مجموعة السّبع ( جي 7 )، وهي مجموعة غير رسمية تتكون من ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، كما أقرّت الولايات المتحدة قوانين، أصبحت تفوق في قُوّتها ونجاعتها القوانين والاتفاقيات الدّولية، فهي تتجاوز الحدود الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية، وتسمح بتطبيق القوانين الأمريكية على غير الأمريكيين وعلى التعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية التي تجري خارج حدود الولايات المتحدة، بمساعدة نظام سويفت والتعامل بالدّولار، اللّذَيْن يسمحان للولايات المتحدة بمراقبة تدفقات المدفوعات العالمية، نظرًا لأن المدفوعات بالعملات الأخرى تضطر بين الحين والآخر لتبادلها بالدّولار، ضمن عمليات تجارية أخرى، وبالتالي فإن المصارف ملزمة باللّجوء إلى المركز المالي بنيويورك، ضمن المعاملات بين المصارف، وبما أن بعض القوانين الأمريكية تُطَبّق خارج الحدود الإقليمية، فإن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على المصارف غير الأمريكية بحجة انتهاك الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة ضد إيران أو كوبا أو شركة صينية أو روسية … وبالتالي فإن الولايات المتحدة هي العمود الفقري للنظام المالي العالمي ولنظام المدفوعات المالية بين المصارف.
على الصعيد العسكري ، تقود الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي كرس دعايته لمحاربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي، وبعد انهيار جدار برلين واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لم تضع الولايات المتحدة حَدًّا لنشاط ولوجود الحلف بل على العكس من ذلك، تم تعزيز هذا التنظيم العسكري العابر للقارات، وارتفع عدد أعضائه من 16 سنة 1991 إلى 30 عضوًا سنة 2021، وتمثل عملية تعزيز وتوسيع حلف شمال الأطلسي، إحدى جذور أو أسباب الحرب الحالية في أوكرانيا، والتي بدأت إرهاصاتها قبل حوالي عشرين سنة، ثم بدأت تحضيراتها سنة 2014 ( انقلاب اليمين المتطرف على برلمان ورئيس منتخبَيْن ديمقراطيا، بدعم أمريكي/أطلسي/صهيوني) وانطلقت يوم الرابع والعشرين من شباط/فبراير 2022، وما الحرب العسكرية استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وترافقت هذه الحرب، منذ بدايتها باضطراب في حركة التجارة لأن الأسلحة فرضت نفسها في العلاقات الاقتصادية الدولية، من خلال التهديدات ضد الصين ومن خلال العقوبات الاقتصادية، والحظر ومحاولات الخنق، فخضعت الحرب التجارية لمنطق الحرب العسكرية، ولكنها ليست المرة الأولى التي ينتصر خلالها منطق القوة العسكرية على منطق المبادلات الاقتصادية والتجارية والمالية، فالحصار المفروض على كوبا مُستمر منذ ستة عقود، وعلى كوريا الشمالية منذ حوالي سبعة عقود، وعلى إيران منذ 45 سنة، فضلا عن حصار فنزويلا وسوريا وليبيا وما إلى ذلك، أما بالنسبة للحظر المفروض على العراق خلال تسعينيات القرن العشرين، قبل الاحتلال، فقد أودى بحياة ما بين 200 ألف و 500 ألف طفل، حسب مختلف التقديرات.
لم يقبل حُكّام الولايات المتحدة (الذين يمثلون مصالح مجمع الصناعات العسكرية والشركات العابرة للقارات) تراجعها وانحدارها البطيء والتدريجي، فهم اعتادوا على فَرْض مصالح الرأسمالية الأمريكية باستخدام منطق القوة، ويرفضون منطق المنافسة الذي قام على أساسه النظام الرأسمالي، ولا يعترفون به، وأظهرت الرأسمالية الاحتكارية الأمريكية استعدادها لسحْق أي منافس، ولو كان حليفًا مُقرّبًا، فقد دمرت الاقتصاد الياباني، بنهاية القرن العشرين، عندما بدأ يغزو السوق الأمريكية المحلية، وفرضت غرامات قياسية على المصارف والشركات الأوروبية (من أعضاء حلف شمال الأطلسي، مثل ألمانيا وفرنسا) عندما بدأت تُنافس المصارف والشركات الأمريكية، بل صرّح الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”: إن ألمانيا، تمامًا مثل الصّين، مُضِرّة بمصالح الاقتصاد الأمريكي، أما الإتحاد الأوروبي فقد فشل في تحقيق مشروعه في أن يصبح قوة جيوسياسية قادرة على تأسيس جبهة أوروبية موحدة للدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضائها ضد القوى العالمية الكبرى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، ويتظاهر الطّرفان الأمريكي والأوروبي بتجاوز أو تجاهل هذه الاختلافات، باسم التضامن “الغربي” ضد روسيا أو ضدّ الصّين، لكن الخلافات بين مصالح الطرفين يمكن أن تَبْرُزَ من جديد وتظهر على السّطح، بسبب تدهور الوضع الإقتصادي، وبسبب الغطرسة الأمريكية…
بخصوص العلاقات الأمريكية الصينية، تفاقمت النزاعات التجارية خلال أزمة 2008/2009، عندما ضاعفت الولايات المتحدة حواجز الحماية، بذريعة حماية الأمن القومي، واقترحت الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي اتفاقية تسمى “شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي”، تم وصفها ب “الناتو الاقتصادي”، أي توسيع حلف شمال الأطلسي إلى المجال الاقتصادي، لمواجهة الصين التي أصبحت منافسًا جادًا منذ بداية القرن الحادي والعشرين، كما اتسعت إرادة التّحرّر من الهيمنة “الغربية” إلى مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وبعض البلدان الأخرى…
أنْهَت الحرب في أوكرانيا الحقبة التي بدأت بانهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي، وأنهت مرحلة القواعد الليبرالية الجديدة كما حددتها منظمة التجارة العالمية، لكن لم يتغير أسلوب ونمط الإنتاج، بل بقي رأس المال الإحتكاري مُهيمنًا، ولا تزال المرحلة الإمبريالية المعروفة بالعولمة الرأسمالية سائدة، تحت هيمنة الإمبريالية الأمريكية، حتى لو بدأت هذه الهيمنة تتلاشى ببطء، وتغير تكتيك الإمبريالية الأمريكية من محاولة احتواء الصين وضمّها إلى النيوليبرالية، إلى إقصائها وإنهاك الإقتصاد الصيني وكذلك الرّوسي، بوضع الحواجز بينهما وبين الاقتصاد الأوروبي.
ترأست جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، يوم الثالث عشر من نيسان/ابريل 2022، مؤتمرًا حول “مستقبل الاقتصاد العالمي والقيادة الاقتصادية الأمريكية”. وقالت إن إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي تتطلب نقل أنشطة الشركات الأمريكية في الخارج إلى “الدول الصديقة”، وفي منتصف نيسان/أبريل 2022، بعد سبعة أسابيع من بدء الحرب في أوكرانيا، انضمّت إليها رئيسة المصرف المركزي الأوروبي (كريستين لاغارد، الرئيسة السابقة لصندوق النقد الدولي) وطلبت نقل أنشطة المجموعات الغربية الكبيرة وسلاسل التوريد، ولا سيما القطاعات التي تعتبر استراتيجية، إلى “الدول الحليفة” أو “الصديقة”، أي البلدان “الآمنة سياسيًا” …
بدأت الولايات المتحدة، منذ حوالي سنتَيْن، تعلن عن تفضيلها للاتفاقيات متعددة الأطراف (بدلاً من الاتفاقيات الثنائية) وتوقيع اتفاقيات تجارية بين “الدول الصديقة”، مع بعض “الإجراءات الوقائية” والتي غالبًا ما تتعارض مع القواعد التي وضعتها منظمة التجارة العالمية، حيث تم انتهاك هذه القواعد ولم يتم احترامها بالفعل، في آذار/مارس 2022، من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية عندما ألغت شرط الدولة الأكثر تفضيلًا في علاقاتها التجارية مع روسيا، وتعكس هذه الإجراءات الصلة بين الحرب العسكرية والحرب الاقتصادية، لأن مجمل هذه القرارات تخضع للإرادة السياسية.
تتضمن خطط الهيمنة التي وضعتها الولايات المتحدة بحجة “إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي” عيوبًا عديدة (وفق المنطق الرأسمالي نفسه) ما أدّى إلى رفض عدة دول في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية تطبيق بعضها، كالعقوبات على روسيا، مثلاً، بل إن بعض ما يسمى بالدول “الناشئة” قد دعمت روسيا سراً، فضلا عن اجتذاب مجموعة بريكس (التي تعتبر الصين وروسيا ركائزها) العديد من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، بما في ذلك تركيا والمكسيك والأرجنتين وإندونيسيا، كما ارتفع عدد الدّول التي ترغب في تجنب التجارة بالدولار وتعمل على تعزيز استخدام العملات المحلية في تجارتها ، فيما أصبحت بعض الدول الصناعية وبعض حلفاء واشنطن التقليديين مثل كوريا الجنوبية واليابان وحتى تايوان تنظر بريبة إلى “تسييس” سلاسل التوريد العالمية ومحاولة الولايات المتحدة إدخالها في صراع مفتوح مع الصين، لأن اقتصاديات الدول الآسيوية مُتشابكة مع الاقتصاد الصيني، ولا تزال هذه الدول مترددة في استخدام التدابير الاقتصادية لتحقيق أغراض جيوسياسية أمريكية، ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، عمدت عدة دول إلى زيادة احتياطياتها من العملة الصينية لأن “عَسْكَرَةَ الدّولار، وتَسْيِيسِه يزيد من مخاوف القادة السياسيين والمصارف والشركات في عدة دول ممن وثقوا في النظام النقدي العالمي، لأن رأس المال يريد الإستقرار، كشرط للإستثمار وجَنْي الفوائد.
مؤتمر ميونيخ 2023
مؤتمر ميونيخ للأمن هو مؤتمر سياسي وأمني عالمي، ينعقد خلال شهر شباط من كل سنة، بمشاركة زعماء عالميين، بهدف “المساهمة في حل النزاعات بالطرق السلمية”. انطلق سنة 1963 تحت عنوان “اجتماع العلوم العسكرية الدولي” ثم تم تحوير عنوانه ليصبح “ندوة دولية لمناقشة السياسات الأمنية” وهيمنت حرب أوكرانيا على جدول أعمال دورتي 2022 و 2023، وخلافًا للأهداف المُعْلَنَة لم يتم نقاش “حل النزاعات بالطرق السّلمية”، بل ركز التقرير ( 176 صفحة) الذي نُشِرَ قبل بداية المؤتمر (‘يوم 13 شباط/فبراير 2023) وكذلك مداخلات زعماء أمريكا الشمالية وأوروبا وأعضاء حلف شمال الأطلسي على تهديد “الأطراف التي ترغب في تغيير النظام الحالي وتسعى إلى تقويض الوضع الراهن وتغيير النظام الدولي بطرق مختلفة”، فيما اعتبر رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، “كريستوف هيوسغن” (مستشار السياسة الخارجية السابق لأنغيلا ميركل وسفير ألمانيا السابق لدى الأمم المتحدة ) روسيا والصّين مسؤولَتَيْن بشكل مُباشر على الوضع الدّولي المُتَفَجِّر…
بلغ عدد المُشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن 2023، أكثر من 700 مسؤول بالحكومات أو بالمؤسسات الدّولية أو المجالس النيابية ومن أرباب العمل والمنظمات “غير الحكومية” الكبيرة (بالإضافة إلى ألف صحفي )، مقابل خمسمائة في السنوات السابقة، من بينهم 150 مسؤولاً حكومياً رفيع المستوى، بما في ذلك 83 من وزراء الخارجية والحرب، في ظل الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة على مؤتمر ميونيخ، كما معظم المؤتمرات التي تجري وقائعها بالقارة الأوروبية، واستبعاد بعض الدّول التي تُعاديها الولايات المتحدة مثل إيران وروسيا، وتتجلى هذه الهيمنة في ضخامة الوفد الأمريكي، وهو الأكبر على الإطلاق، تقوده نائبة الرئيس كامالا هاريس (المُغرقة في الصهيونية) وبمشاركة وزير الحرب “لويد أوستن”، ووزير الخارجية “أنطوني بلينكين”، ونحو ستين من أعضاء الكونغرس، كما تظهر هيمنة الولايات المتحدة في اختيار السويد وفنلندا للحصول على جائزة “إيوالد فون كليست” (مؤسس مؤتمر ميونيخ) تكريما لتقدّم هاتَيْن الدّولتَيْن اللّتَيْن كانتا تدّعِيان الحياد، لعضوية حلف شمال الأطلسي، كما تتجلى الهيمنة الأمريكية في فَرْض موضوع “آليات تقديم الأسلحة والذخائر لأوكرانيا”، وكذلك مناقشة ملف “الشراكة العابرة للمحيط الأطلسي” وتكريس رؤى الولايات المتحدة في جميع المجالات، ما يزيد من تبعية السياسات الخارجية للإتحاد الأوروبي وارتباطها بمصالح الولايات المتحدة، بدل الدّفاع عن مصالح دول الإتحاد الأوروبي، المُتَضَرِّر الأكبر من الإستراتيجية الأمريكية…
أثارت العديد من الأطراف الأوروبية، خلال الدورة التاسعة والخمسين لمؤتمر ميونيخ 2023، تساؤلات حول مواقف حكومات الدّول الفقيرة من حرب أوكرانيا ومن روسيا، فقد تضرّرت دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب آسيا ومنطقة المحيط الهادئ بشدة من آثار الحرب في أوكرانيا، حيث أشارت العديد من مداخلات هذه الدورة إلى “الإرتباط الوثيق بين الأمن العالمي والازدهار الاقتصادي وتغير المناخ والمصالح الوطنية المتضاربة”، وإلى ” الشعور بأن قواعد النظام العالمي لا تطبق على الجميع على قدم المساواة… وإذا لم نعالج الاستياء الذي تشعر به بلدان في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية تجاه النظام الدولي، الذي لا يخدم مصالحها على الدوام؛ فإننا سوف نعاني في جهود كسب الأطراف ذات المواقف الحيادية كحلفاء في معركة الدفاع عن القواعد والمبادئ الأساسية”، وفق رئيس المؤتمر “كريستوف هيوسغن” الذي أشار كذلك إلى “تردد العديد من الدول غير الغنية وغير الأوروبية في دعم أوكرانيا وإدانة روسيا” ودعا إلى استخلاص الدروس قبل زيادة التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما أشار العديد من الصحافيين والباحثين إلى استخدام الصين وروسيا التعاون مع الدّول الفقيرة كجزء من تطبيقات النظام الدولي الجديد الذي تريدان إِرْساءَهُ، بالتركيز على “تأمين الفرص الاقتصادية وإعادة تشكيل قواعد التنمية لتشمل مجالات الصحة والأمن الغذائي والمناخ قبل تشكيل التحالفات السياسية” وفق وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) خلال زيارة العديد من دول إفريقيا على مرحلتَيْن بين أيار/مايو 2022 وشباط/فبراير 2023، ومن أهدافها تحضير القمة الروسية الإفريقية المُقبلة خلال شهر تموز/يوليو 2023، وهو ما يُزعج دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تستغل شركاتها ثروات إفريقيا، وترفض تغيير العلاقات الإستعمارية التقليدية التي تعتبر دول “الجنوب” مُسْتعمَرات من نوع جديد، خلافًا لروسيا والصين التي تستفيد من ثروات البلدان الفقيرة بشروط أقل إجحافًا من الشروط الأوروبية والأمريكية، وعدم التدخل في سياساتها الدّاخلية، لحد الآن.
ركز مؤتمر ميونخ للأمن التاسع والخمسون، الذي عقد في الفترة من 17 إلى 19 شباط/فبراير 2023، على ثلاثة مواضيع رئيسية: الحرب في أوكرانيا وضرورة مواجهة الصين وروسيا وأهمية الجنوب العالمي في الصراع بين القوى العظمى، وذلك، وقبل كل شيء “من أجل أمن الغرب لمواجهة المنافسة المتزايدة من الصين وروسيا”، وأعرب العديد من المتحدثين عن عدم رضاهم عن مواقف دول الجنوب فيما يتعلق بالصين وروسيا، ولخص الرئيس الفرنسي وجهة النظر الأوروبية بقوله: “إنني مندهش من مقدار فقداننا ثقة دول الجنوب … لقد فَقَدَ الغرب دعم دول الجنوب ولم نتمكن من الرد على اتهام الكيل بمكيالين، ولا سيما اتهامنا بعدم مساعدة الدول الفقيرة” وفق برقية وكالة الصحافة الفرنسية (فرنس برس أ.ف.ب. – 18/02/2023)، ومع ذلك، وفي غياب روسيا وإيران (لم يتم استدعاؤهما)، أصبح المؤتمر – كالعادة – منصة إضافية لمهاجمة معارضي السياسات “الغربية”، وللدفاع عن العالم أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ضد النظام متعدد الأقطاب الناشئ الذي تدعو له الصين وروسيا. من جانب آخر، تعترف عدة بيانات “بالحاجة إلى تغيير نهج التعاون الإنمائي مع بلدان الجنوب، لمواجهة النفوذ المتزايد لبكين وموسكو”، لكن هذه مجرد كلمات، دون أي وعود أو أي التزامات ولا موعد نهائي لإنجاز ذلك، والواقع أنه من العسير الإنتقال من الكلام إلى الفِعْل، لأن ذلك يتطلّب الانتقال من نموذج المانح الغني والمتلقي المُتَسَوّل، إلى نموذج قائم على الشراكة والمنفعة المتبادلة، والاعتراف بضرورة أخذ مصالح وتطلعات بلدان الجنوب على محمل الجد واحترامها، وهو ما لن يحصل في المستقبل المَنْظُور، لأن دول أوروبا وأمريكا الشمالية (وكذلك أستراليا أو اليابان …) دول إمبريالية تتميز سياستها بنهب الثروة والتدخل في الشؤون الداخلية وسياسات الدول الفقيرة، وتتميز بإشعال الحروب في البلدان التي لا تخضع لإملاءات الشركات متعددة الجنسيات، أو في الدول التي تطمح إلى الاستقلال، أو التي تُصَمّم برامج تنموية لاستغلال مواردها بنفسيها، فيتم اتهام الأنظمة الحاكمة بها بانتهاك حقوق الإنسان أو النساء أو الأطفال أو المُثُلِيِّين والأقليات الدينية أو الاثنية، وتخضع شعوبها لعقوبات شديدة وضغوط اقتصادية (بذريعة الضغط على النظام الحاكم ) ويمكن أن تصل الأعمال الانتقامية إلى أبعد من ذلك، كتنظيم الإنقلابات والإطاحة بالأنظمة أو العدوان العسكري والاحتلال.
ادعى الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، سنة 2019 ، “ملكية النفط السوري”، وأن الجيش الأمريكي (الذي يحتل شمال شرقي سوريا، في المناطق الزراعية الخصية والغنية بالنفط والغاز) لن يسمح للحكومة السورية باستغلال ثرواتها، في حين أن البلدين ليسا في حالة حرب رسميًا، ولم يتم الإعلان عن احتلال هذا الجزء من أراضي سوريا (بمعية جيوش فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها) لكنها لصوصية تتزعمها أكبر قوة عسكرية في العالم، فمن يُعاقب الولايات المتحدة أو يندّد بتصرفاتها الشبيهة بقطاع الطّرق؟
بينّت مداخلات العديد من رؤساء جمهوريات وحكومات أوروبا ومداخلة رئيسة الإتحاد الأوروبي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، اصطفاف الجميع وراء الموقف الأمريكي العدواني تجاه روسيا والصين والشعوب العربية وشعوب العالم، وأصبح هذا المؤتمر نسخة من مؤتمرات حلف شمال الأطلسي التي تهيّئ الرأي العام الأوروبي لحرب طويلة في أوكرانيا – رغم الأضرار والخسائر التي لحقت شعوب ومؤسسات أوروبا- بدليل التّركيز على زيادة الإمدادات والأسلحة النّوعية، وتكثيف الدعاية الإعلامية كجزء من المجهود الحربي، وفق الرئيس الفرنسي، فيما اعتبر “المركز الأوروبي للإستخبارات ولدراسات مكافحة الإرهاب” ( europarabct ) وهو مركز ألماني، يقع مقره في “بون”، عاصمة ألمانيا الغربية سابقًا، أن ارتفاع عدد أفراد وفد الولايات المتحدة “تأكيد على قيادتها النظام الدولي الجديد ذي القطب الواحد، بدون منازع، وإقصاء الإتحاد الأوروبي من سلطة القرار، بعد إقصاء روسيا وتوحيد أوروبا خلفها من جديد… فلم تظهر أوروبا في المؤتمر أي علامات على النأي بنفسها عن الولايات المتحدة أو التراجع عن الدعم العسكري لأوكرانيا، بل أظهر الإتحاد الأوروبي اصطفافًا غير مسبوق وراء الولايات المتحدة، ما يخدم مصالح مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية…” التي تُرسل معدّات وذخائر حربية بقيمة تفوق عشرات أضعاف ما يحتاجه اللاجئون الفلسطينيون أو الشعب السوري المنكوب بالحرب والزلزال أو الشعوب التي تُعاني من الحروب والكوارث الطبيعية…
هيمنت وجهة النّظر الأمريكية على المؤتمر، إذ يتوقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن حتمية “تزايد المواجهة بين الأنظمة الديمقراطية والاستبدادية”، ما اعتبرته مجلة “إيكونوميست” (على موقعها الإلكتروني يوم 21/02/2023) “تجاهلاً لموقف الدّول التي يقطنها معظم سكان العالم، وتجاهلاً للفوارق في تركيز الثروة بين الجنوب والشمال، ما يزيد من عدم الثقة في سياسات الولايات المتحدة وحلفائها…”، ما يُبَرّرُ اتجاه مجموعة بريكس أو العديد من الدّول الإفريقية نحو الحفاظ على علاقات قوية مع روسيا والصّين، وعدم الإنسياق وراء مواقف الدّول الغنية المُعادية لهما، لأن الصين وروسيا تقترحان أشكالا مختلفة من العلاقات والتعاون في مجالات البنية التحتية والزراعة والطاقة والتجارة، لذا تُعتَبَرُ حرب أوكرانيا نزاعًا مُسلّحًا كغيره من الحُروب التي أشعلتها الولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي في أنحاء أخرى من العالم، ويكمن الفرق في أن هذه الحرب تجري في أوروبا. أما شعوب الدّول الفقيرة فإن اهتمامها مُنْصَبٌّ على مواجهة أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والبطالة والفقر وارتفاع حجم الدّيون الخارجية…
خاتمة
استخدمت الولايات المتحدة الحرب في أوكرانيا كذريعة لتسريع تفتيت الإنتاج على المستوى العالمي، من خلال اقتراح الناتو الاقتصادي (مشروع نوقش في الولايات المتحدة منذ عام 2010) وهو مشروع موجه ضد الصين ويتضمن نقل الأنشطة إلى “الدول الصديقة “، ويستند هذا المشروع أيضًا إلى استبعاد روسيا، المنتج الرئيسي للحبوب والمحروقات (الهيدروكربونات) والمعادن النفيسة، وعلى أساس استبعاد الصين التي تعتبر “مصنع العالم”، لكن هذا المشروع الأمريكي والأوروبي القائم على العقوبات أصبح يُثير ريبةَ العديد من الدول المُسماة “ناشئة”، مما قد يُعيق تطبيقه ونجاحه.
من جهة أخرى، يزعم قادة وحُكّام الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، أنهم مُسْتاؤون وحساسون لمحنة الشعب الأوكراني، لكنهم لم يظهروا أي إحساس إنساني تجاه الشعوب الأفريقية أو الشعب الفلسطيني أو السّوري، حتى بعد الزلزال، فمنعوا عنه المساعدات الإنسانية والإغاثة طيلة أسبوع كامل،ويدّعي قادة أوروبا والولايات المتحدة الترحيب باللاجئين الأوكرانيين، فيما تعتقل سلطات بلدانهم وتُرحّل يوميا الفقراء الذين يعبرون البحار والحدود بحثًا عن عمل وحياة أفضل من بلادهم التي مزقتها الحرب والفقر ونَهْب الشركات متعددة الجنسيات أو “الغربية” لثرواتها.
إن كادحي العالم وفقراءه وشعوبه المضطهدة، كما عاملي وفقراء الدّول الرأسمالية المتطورة، يعلمون أن الرأسمالية لا تسعى سوى إلى زيادة أرباحها، وإن منطق رأس المال يتعارض مع المشاعر الإنسانية ومع مفاهيم العدل والمساواة. علاوة على ذلك، فإن هذا النظام هو الذي يفاقم أوضاع الشعوب والعمال والفقراء، فقد أدّت التفاوتات الاقتصادية إلى زيادة الفقر، ليتعرض أكثر من 1,2 مليار شخص يعيشون في 94 دولة للحرمان المالي والغذائي وللرعاية الصحية والطاقة سنة 2022، وفق بيانات الأمم المتحدة…
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org