حتى الآن لم يصدر نصاً صريحاً بما تم. ولكن مجرد جلوس أنظمة عربية لمحاورة الكيان عموماً وعلى أرض فلسطين خصوصاً فذلك يعني أن الكيان أصبح مندمجاً بشكل مهيمن على وفي الوطن العربي.
وبانتظار النص، إن حصل، ما يلي ما أعنيه بالاندماج المهيمن، وهذا من كتابي الخاص بالمصطلحات التي وضعتها وتعرض كثير منها للسرقة وعنوانه: ” في نحت المصطلح وتحرير المعنى”.
■ ■ ■
الاندماج المهيمن للكيان الصهيوني
كانت بداية حديثي في هذا الأمر إثر عقد منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق “إعلان المبادئ مع الكيان، المسمى اتفاقات أوسلو، والذي تعترف بموجبه م.ت.ف. بالكيان على المحتل من فلسطين 1948 بينما يسمح الكيان لهذه المنظمة بأن تنشط في المحتل 1967 كحركة سياسية خاضعة للدولة، للسلطة المركزية الصهيونية في تل أبيب. أي لا دولة فلسطينية ولا سيادة ولا من يحزنون، بل دولة واحدة لكل مستوطنيها والفلسطينيون طارئون إلى يوم محدد ليتم طردهم حين يكون ذلك ممكنًا. وحيث أُلحقت اتفاقات أوسلو ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي أكد تبعية اقتصاد المحتل 1967 للكيان، وبقاء جيش الاحتلال في المحتل 1967، وبقاء السوق المحلية مفتوحة لمنتجات الكيان مع تقييد دخول منتجات المحتل 1967 للكيان، فقد لاحظت أن هذا ربط للبنية التحتية المحلية بالكيان، وهذه المرة بالرضى من القيادة الفلسطينية. وأضفت على هذا بأن هذا هو بداية اندماج الكيان في الوطن العربي اندماجا مهيمنًا وأساس هذه الهيمنة اعتراف كل من يعترف بالكيان أن المحتل من فلسطين 1948 هو للكيان.
نقصد هنا تلك الخطط والمحاولات من الثورة المضادة لجعل الكيان الصهيوني كيانًا “طبيعيا” في الوطن العربي. ومن أجل ذلك يتم اعتماد التطبيع والتخلي عن مقاطعة الكيان وعقد اتفاقات تسوية معه، وإشراك الكيان في بنى تحتية مع الأقطار العربية، وخاصة المحيطة بفلسطين المحتلة (دول الطوق) مثل الكهرباء والطرق والاتصالات…الخ.
والاندماج المهيمن يعني التوصل إلى استسلام عربي تجاه الكيان؛ أي التخلي عن حق العودة وعن المقاومة وعن شن أيّة حرب تحريرية لتحرير فلسطين.
وفي حين أنه من الطبيعي أن يكون هذا مخطط الكيان والمركز الرأسمالي المعولم من أجل هذا الاندماج، فإن الآليات الخطرة في تنفيذ هذا المخطط هي:
• الأنظمة العربية الحاكمة والتابعة والتي هي جزء من الثورة المضادة.
• القوى السياسية التي اعترفت وتدعو للاعتراف بالكيان الصهيوني وهي:
• كثير من التنظيمات الشيوعية العربية بجناحيها الموسكوفي والتروتسكي.
• كثير من القوى والمثقفين اللبراليين المتغربنين والمتخارجين.
• الكثير من قوى الدين السياسي مثل حزب النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر وليبيا…الخ.
البرجوازية الكمبرادورية والطفيلية في الوطن العربي.
تقصد الصهيونية من تحقيق هذا الاندماج، أن تصبح دولة طبيعية في الوطن العربي لكي تتغلغل اقتصاديًا في الأسواق العربية فتصبح هي القوة الأقوى عسكريًا واقتصاديًا وخاصة تكنولوجيًا في الوطن العربي.
ويشارك في تحقيق هذا الهدف، إن لم يكن المخطِّط له، المركز الرأسمالي الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة التي تعتبر وجود الكيان الصهيوني في فلسطين أداة له وحليفا بينما تعتبر التوابع العرب أدوات من الدرجة الثانية وحلفاء شكليا لذر الرماد في العيون.
لكن تطورات المقاومة والممانعة أرست وجود معسكرين في الوطن العربي بعد أن كان المسيطر فيه فقط معسكر التوابع، أي:
• تمظهر معسكر أو حلف المقاومة بمعزل عن التفصيل في مكوناته
• وتمظهر محور المساومة والتطبيع
وهذا تطور هام في الوطن العربي، ليس حاسما ولا كافيًا بعد ولكنه مهم وتاريخي.
فالمقاومة وضعت الوطن العربي أمام مشهد من ضِدَّيْن، وسحبت من الكيان تفرُّده وسيطرته الحربية، فلم يعد قادرًا على إشعال الحرب أنَّى شاء. ولذا، يزيد تركيزه بدعم من المركز الرأسمالي المعولم على التغلغل الاقتصادي عبر متاجرة واستثمارات مشتركة مع أكثر عدد من البلدان العربية.
لذا يُعوض محور التبعية لجم التوسع الجغرافي الصهيوني بالتطبيع حيث يتوسع الكيان اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ودينيا على حساب الأمة العربية بتواطؤ الأنظمة العربية. وكما أشرنا سابقًا، فإن الإبراهيمية هي إحدى آليات توسع الكيان ثقافيا ودينيا. كما أن تشكيل ناتو عربي بقيادة الكيان، رغم إنكار من أعدُّوا له، هو أيضاَ لتوسيع هيمنة بل سيطرة الكيان وترفيع درجته ودوره كي يملأ بعض الفراغ الذي يُحدثه تخفيف الإمبريالية الأمريكية لاحتلالها الوطن العربي، سواء الاحتلال المباشر أو بالوكالة من أنظمة عربية. وضمن ترفيع دور الكيان وهم وتوهيم التوابع، وخاصة الحكام الخلايجة، بأن الكيان يمكن أن يشكل لهذه الكيانات غطاء حماية من إيران!
إنَّ مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي صممته الولايات المتحدة 1994، ولاحقًا تحوله إلى الشرق الأوسط الجديد والكبير، هي آليات لتحقيق هذا الاندماج المهيمن. ولعل أوضح مثال على ذلك اتفاقات الـ كويز QIZ التي عقدتها الولايات المتحدة مع مصر والأردن بحيث تستقبل الولايات المتحدة منتجات من هذه الدول شريطة أن تحتوي ما لا يقل عن 10 بالمئة من مكونات صادراتها إلى الولايات المتحدة من الكيان الصهيوني.
تهدف سياسة، أو مخطط، الاندماج المهيمن إلى خلق واقع يشتمل على تشارك مصالح قاعدية مع الكيان الصهيوني بحيث فيما لو قُطعت تتضرر قطاعات مجتمعية مما يدفعها إلى الاعتراض على وقف هذه المصالح المشتركة. فإقامة شركات كهرباء مشتركة أو خطوط اتصالات يقود وقفها في حالة تجدد وجدِّية الصراع إلى احتجاج المتضررين لأن هذا تشريك للبنية التحتية بين البلدان العربية وخاصة المحيطة بالكيان وبين الكيان نفسه. وهذا التشريك هو تشريك الحياة اليومية ومصالح الناس مع الكيان أي تبعيتها له كقطاعات شعبية عربية.
إن الهدف من الاندماج المهيمن في التحليل الأخير هو شطب حق العودة، واعتراف العرب بالكيان وكل ذلك لإبقاء السيطرة الرأسمالية الغربية على هذا الوطن وبقائه مجزًّا وبقاء الكيان الصهيوني حارسًا لتأبيد هذه التجزئة.

_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.