- هل تموّل مدخرات أهل الجولان مشاريع الطاقة للكيان الصهيوني؟
مقدمة
منذ الحرب الكونية على سوريا والصمود السوري في مواجهتها، ومشاريع الاحتلال في الجولان السوري تتسارع على نحوٍ غير مسبوق. فقد بدأت مشاريع استخراج الطاقة (النفط والغاز والطاقة النظيفة – الرياح) في الجولان المحتل مع العدوان على سوريا وبعضها قبل العدوان. واليوم يشهد الجولان خطراً داهماً يتمثل في تكثيف نشاطات الاحتلال الذي استغل الأزمة في سوريا بنشر الجنسيات “الإسرائيلية” وتكريس سلطته المدنية بما فيها أجهزة الشرطة.
أما الخطر الأكبر فيكمن في خطف سياق المقاومة عن طريق منظمات غير ربحية ممولة أوروبياً (تحديدا المرصد لحقوق الانسان والجولان للتنمية)، والتي تدعم ما يسمى ب “الثورة” السورية منذ 2011، وتعمّم سياق الحقوق الفردية (حقوق الإنسان وما ذلك) الذي يُظهر الدولة السورية كمجرم ويتناسب تماما مع سردية الغرب ضد كل دولة تقاوم للحفاظ على استقلالها مثل سوريا وكوبا وغيرهما.
ترتبط هذه المنظمات، الممولة من مصادر عدة منها قطر وتركيا وبمنظمات أخرى في الداخل الفلسطيني تتبنى نفس السرديات وتتلقى أموالا غربية طائلة. وقد نجحت هذه المنظمات في استقطاب الجيل الشاب عن طريق النشاطات الثقافية، وخطفت المقاومة من القوى التقليدية التي كانت ولا زالت تقاوم الاحتلال في الجولان، وفقد السكان الذين لا يرون في العدوان على سوريا إلا مشروع جديد للاحتلال، فقدوا قدرتهم على التنظيم والمقاومة الجماعية. فبين جهود الاحتلال المكثفة، والمنظمات التي تقاوم سوريا (بحجة دعم الثورة) ضاعت وتشتتت جهود المقاومة التقليدية وأصبحت ببساطة بدون صوت تقتصر على الأقلية من السكان.
نأمل أن تضيء المقالات التالية على التطورات الهامة التي تجري على أرض الجولان السوري المحتل وتوسع الاستيطان ومشاريع استخراج الطاقة.
“كنعان”
✺ ✺ ✺
هل تموّل مدخرات أهل الجولان مشاريع الطاقة للكيان الصهيوني؟
منذ السنوات التي سبقت الحرب على سوريا يهرول الكيان الصهيوني لخلق واقع على الأرض يضع العصي في دواليب أي محاولة لإرجاع الجولان السوري المحتل التي قد تأتي لاحقا، وذلك عبر تكثيف الاستيطان والاستثمار في مشاريع اقتصادية. هذا الاندفاع غير المسبق للعدو تزايد خلال الحرب على سوريا، مع حصول حكومة “نتانياهو” (أو “ميليكاوسكي” كما هو اسم عائلته الأصلي) على اعتراف باطل من حكومة ترامب بسيادة الكيان على الأرض المحتلة وفتح باب الاستثمارات الخارجية، وها هو آخذ في الازدياد في ظل حكومة “نفتالي بينيت” والتي أعلنت في تشرين الأول من العام الجاري عزمها على مضاعفة عدد المستوطنين في الجولان خلال خمس سنوات، وتأسيس بلدتين جدد وتكثيف الاستثمار بالمشاريع الاقتصادية. افتتاحية جريدة ما يسمى باليسار في الكيان الصهيوني “هآرتس” في الثالث عشر من الشهر الجاري التي أدانت خطة حكومة بينيت على أراضي محتلة عام 1967 (طبعا لا ضير لديهم في احتلال فلسطين)، أعربت عن قلقها بأن اللجنة الخاصة التي قررت انشائها الحكومة للإشراف على مشاريع الاستيطان القادمة معفاة أيضا من الكثير من الإجراءات البيروقراطية التي قد تبطئ عملها.[1] كما وذكرت الافتتاحية أمرا هاما يثير القلق، ألا وهو أن المعارضة للمشاريع تنبثق قي أغلبيتها من منظمات تعني في حماية الطبيعة والتخطيط المدني وما ذلك. إن أحد أهم نقاط الضعف الحالية للمقاومة في الجولان تكمن في خطف خطابها عن طريق أقله تعاضدت مع منظمات كهذه، بحيث أن مقاومتها تحاكي “اليسار” في الكيان الصهيوني تحت شعارات ليبرالية فضفاضة مثل حقوق الانسان والطبيعة والديمقراطية التي طالما مثلت تيار عزمي بشارة في الداخل الفلسطيني، والتي تضعف علاقة أهل الجولان بوطنهم عن طريق قطع علاقتهم بدولتهم من خلال دعم الثورة المزعومة في سوريا وتربطهم بالكيان ولو من باب “اليسار”. والنتيجة هي تطبيع غير مباشر ومقاومة مشتتة (وهذا ما يريده العدو تماما)، تغيب عنها تشابك المشاريع الاستثمارية بالمشروع الغربي في المنطقة وبالحرب على سوريا تحديدا.
في عام 2010، نجحت شركة “جيني إينيرجي” (Genie Energy) الأمريكية في اقناع مستثمرين عمالقة بالانضمام لمشروعهم لاستخراج النفط في الجولان، مثل “روبرت موردوك” (مالك الإمبراطورية الإعلامية العالمية) واللورد “جاكوب روتشيلد” (عملاق المصارف العالمي). كما ويضم مجلس إدارة الشركة نائب الرئيس الأمريكي السابق لبوش الإبن، “ديك تشيني”، والذي شغر مناصب إدارية سابقا في شركة “هاليبورتون” (Halliburton Company) والتي تورطت مباشرة في الحرب على العراق. ومنذ العام 2013، بدأت الشركة بالتنقيب فعليا عن طريق ذراعها في الكيان، شركة “أفيك للنفط والغاز” (Afek Oil and Gas). تسارعت الشركات منذ ذلك الحين للاستثمار في الطاقة في الجولان، بما يشمل ذلك النفط والغاز (كشركة “صهيون للغاز والبترول” الأمريكية – Zion Gas and Oil) وطاقة الرياح، وذلك برأس مال غربي-صهيوني. فتقوم شركة “إنيرجيكس” في الكيان، والتي تملك عدة مشاريع بالضفة أيضا مما جلب لها الإدانة من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ببناء توربينات ضخمة على الأرض المحتلة وذلك بشراكات عدة: منها الاستراتيجية مع عمالقة في سوق الطاقة كشركة “شيل” (Shell) الأمريكية وفي السوق المالية العالمية مثل “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley)، ومنها الإنتاجية مع شركات عالمية منها “جينيرال إليكتريك” (General Electric) الأمريكية و “سيمينز-جاميسا” الألمانية-إسبانية (Siemens-Gamesa). كما وتدير شركة “إينلايت” (Enlight Renewable Energy Ltd.) مشروعا مماثلا في نفس القطاع يفوق حجمه مشروع “إنيرجيكس” بعدة مرات.
وبالرغم من أن الحكومة السورية والسوريين في الجولان عارضوا هذه المشاريع، لم تنجح المقاومة حتى الآن ولو بإبطائها. الحملة التي تم تنظيمها في الجولان ركزت على شركة “إينيرجيكس” تحديدا بالرغم من أن مشروع “إينلايت” أكبر بكثير. كما أن الحملة كانت بقيادة منظمات مدنية مشبوهة مثل “المرصد العربي لحقوق الانسان” الممولة غربيا والتي تفتقر لحاضنة شعبية نظرا لمناصرتها للعدوان على سوريا منذ 2011 وتكاتفها مع ناشطين مدافعين عن الطبيعة في الكيان. مثلا، عندما احتج أهل الجولان على مساعدة الكيان للمسلحين في سوريا عن طريق مهاجمة سيارات الإسعاف التي تقلهم، أحتج “المرصد” على عنف أهل الجولان ضد “المحاربين السوريين” على حد تعبيرهم.[2] إن إعادة تنظيم المقاومة يقتضي أولا تنظيم الصف ضد الاحتلال، أي انتزاع سياق المقاومة من أيدي هذه المنظمات المشبوهة التي تخدم أجندات غربية علما أو عن سذاجة وتفرق الصف، ومن ثم التركيز على رأس الحربة بدلا من هذا المشروع أو ذاك فتتضح الصورة. ورأس الحربة هنا يكمن في مصادر التمويل والقوة العسكرية التي تحمي الاستثمارات في الاستيطان والاقتصاد.
مشروع “إينلايت” على سبيل المثال يتم تمويله من قبل مجموعة مالية بقيادة “بنك هبوعليم”، أكبر بنك في الكيان الصهيوني، عن طريق قروض مريحة بقيمة 160 مليون دولار.[3] عدا عن جريمة الاحتلال الواضحة واغتصاب الأرض، وإدارة أموال المستثمرين الأمريكيين بالكيان الصهيوني بطرق غير مشروعة (“هبوعليم” و “ليؤومي”، أكبر بنكين في الكيان قد لوحقوا عدة مرات في أميركا بتهمة المساعدة في التهرب من الضرائب)،[4] يشكل “هبوعليم” المؤسسة المالية الرئيسية التي يتعامل معها السوريين في الجولان. الغالبية العظمى من السكان يضعون مدخراتهم في البنك نفسه ويأخذون القروض التي سُهلت مؤخرا ونمت بتضاعف، ليس بمحض الصدفة. وهنا تكمن فرصة تضيعها المقاومة المشتتة والمخطوفة من قبل المنظمات التي ترتل ديباجة الحقوق المدنية وتغيب مشروع الهيمنة الغربية على بلادنا اقتصاديا وسياسيا عن خط الصراع. إن ضرب المستثمرين هي الوسيلة الناجعة في ضرب مشاريع الشركات القائمة. فحتى لو لم تكن تمول البنوك التجارية المشاريع من المدخرات مباشرة، فإنها تجمع الاستثمارات بناء على مقدراتها من المدخرات والسيولة، وبذلك تستطيع المقاومة في الجولان أن تضرب مشروع “إينلايت” عن طريق تهديد “بنك هبوعليم”. ولربما تسهيل القروض للسوريين في الجولان الذين امتنعوا عن أخذ القروض حتى مؤخرا جاء كاستراتيجية لتنويمهم. كما وينطبق المنطق نفسه على المشاريع الأخرى، حيث إن عملاق الاستثمار العالمي “مجموعة فانجارد” (The Vanguard Group) هو ممول رئيسي لجميع مشاريع الطاقة في الجولان، وتشترك مجموعة “فينيكس” (The Phoenix Holdings Ltd) و”بلاك روك” (Black Rock Advisors UK) مع “بنك هبوعليم” في تمويل “إينلايت”. فضح المستثمرين هو جزء من المقاومة لمشاريعهم، خاصة في زمن تعتمد الشركات على سمعة أسهمها وأمنها كاستثمار، وفي مكان تصعب فيه المقاومة العسكرية لإضعاف المنظومة الأمنية والعسكرية الغربية التي تحمي هذه الاستثمارات الضخمة على الأراضي المحتلة وتضمن إيراداتها.
[1] https://www.haaretz.com/opinion/editorial/israel-must-not-forget-that-the-golan-heights-are-occupied-territory-1.10460012
[2] https://golan-marsad.org/wp-content/uploads/2021/01/Press-release-Ambulance-attack23-6-2015.docx.pdf
[3] “Enlight secures finance for Golan Heights wind farm.” Globes. July 9, 2018: https://en.globes.co.il/en/article-israeli-wind-turbines-farm-signs-financing-agreement-1001245127
[4] https://www.timesofisrael.com/israels-largest-bank-pays-870-million-to-settle-us-tax-evasion-probe/