تتمتع جهود المحتل الصهيوني لتكثيف الاستيطان في الجولان السوري المحتل بدعم لاعب جديد نسبيا. بالإضافة إلى الدعم الأمريكي المعتاد، والذي يشمل بناء المستوطنات وليس فقط الدعم العسكري والاقتصادي بعكس ما قد يوحيه أحيانا التوبيخ المصطنع من الخارجية الأمريكية للكيان على بناء المستوطنات (وهذا ما فضحه تقرير هيئة الأبحاث لمجلس الشيوخ الأمريكي سنة 2020)،[1] قد أثبتت المسيحية المتصهينة قدرتها على جذب أموال طائلة لدعم الاستيطان الصهيوني (والأمريكي) في الجولان وعلى إنتاج وتعميم محتوى ثقافي يطمس واقع الاحتلال ويشترك مباشرة بالحرب على سوريا. فترى شركة “صهيون للبترول والغاز” (Zion Oil and Gas) أن مهمتها التبشيرية تقتضي استخراج النفط والغاز من بلاد الشام بدئا بالجولان وفلسطين كما توضح بدون أي خجل على صفحتها الرسمية.[2] كما وتضم الشركة بين مستثمريها الأساسيين ثالث أكبر صندوق استثماري بريطاني في أوروبا “بلو كريست كابيتال ماناجمينت” BLueCrest Capital Management (UK) والذي جعل من مؤسسه “مايكل بلات” (Michael Platt) أغنى مدير صندوق استثماري في العالم.
لاعب آخر ينشط بشكل أكبر في نشر نفس الأيديولوجية الداعمة للاستيطان الصهيوني في الجولان بلباس تبشيري يتمركز في الجولان أساسيا ويدير فروع في مناطق الانفصاليين الأكراد، ويحمل اسم “فرونتير ألايانس إينترناشيونال” (Frontier Alliance International). تنشغل هذه المنظمة، والتي تقوم المنظمة حاليا ببناء “مقر استراتيجي اقليمي” في الجولان السوري المحتل لإدارة مهامها بالمنطقة،[3] بالترويج للرواية الصهيونية وجمع الأموال لتكثيف الاستيطان في الجولان السوري المحتل وذلك عبر المنظمة نفسها وذراعها الذي يحمل اسم “التحالف العالمي لإسرائيل” (Israel Alliance International).[4] وما لا يقل ريبة عن دور هذه المنظمة في محور الاستيطان هو الدور المباشر الذي تلعبه في الحرب على سوريا منذ تأسيس المنظمة في عام 2011. تعمل المنظمة منذ ذلك الحين كذراع لجيش الاحتلال، وذلك كما تصرح على صفحتها الرسمية،[5] حيث تركز على دعم المسلحين في الجنوب السوري عبر التسلل من الجولان، ودعم الانفصاليين الذين يدعون تمثيل الأكراد في شمال-شرق سوريا. هذا الدعم الذي عادة يقدم بحجج فضفاضة كحقوق الانسان والديمقراطية هو بالفعل دعم استخباراتي وعسكري بالدرجة الأولى. فيظهر مؤسس المنظمة وعضو مجلس إدارتها الأمريكي “دالتون ثوماس” (Dalton Thomas) بعدة صور بلباس عسكري مع الانفصاليين الاكراد.[6] كما ويشاركه في إدارة المنظمة العضو المؤسس الملازم الكولونيل “ماركو مورينو”، وهو رئيس شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الاسرائيلي سابقا.[7]
إن دور المسيحية “الإيفانجيلية” المتصهينة في كسر وحدة الصف في كثير من الدول المستعمرة سابقا ليس جديدا، فكما جرت جيوش الغرب معها تبشيريين بمهمات “إنسانية” إلى دول تستعمرها أو تحاول استعمارها من الهند والصين إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية، تعمم المسيحية المتصهينة سردية تدعم الاحتلال في بلادنا وتشتت قوى اليسار التقدمية في أميركا اللاتينية وتشرعن الحروب الأمريكية لدى الداخل الأمريكي، فلا يغيب عنا أن المستشار الروحي لبوش الابن كان من المدرسة “الإيفانجيلية” نفسها. فتستقي “فرونتير ألايانس إينترناشيونال” فكرها من المبشر “هادسون تايلور” (Hudson Taylor) الذي نشط في الصين في القرن التاسع عشر (وحيث تنشط المنظمة حاليا)، وتسعى لنشر فكرها عبر التعاضد مع قوى سياسية وعسكرية واستخباراتية في دول المقاومة التي تسعى لضعضعة هذه الدول في وجه العدوان الأمريكي والصهيوني الذي تراه المنظمة كفتوحات، ومشروع الكنيسة السرية أو “الأندرجراوند” في إيران (Underground church) والتدخل في سوريا بدعم المسلحين هم خير أمثلة على ذلك.[8]
إن الحرب على سوريا هي عقدة تجتمع فيها عدة جبهات في آن واحد، ولذلك فهو ليس من المستغرب أن تتشابك جهود الغزاة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية التي تنشط بصيغة متشابهة في دول محور المقاومة وكافة الدول التي تسعى للحفاظ على استقلالها من الصين إلى فينزويلا. ولكن الخطر الحقيقي لمنظمات كهذه يكمن في أن تدخل سرديتها بيننا كحصان طروادة، وتحديدا من بوابة اليسار الليبرالي الذي يردد ديباجة الديمقراطية وحقوق الانسان بنسختها الساذجة كما تنطق بها وزارة الخارجية الأمريكية عند كل عدوان. فتظهر “المعارضة” السورية في الخارج والمنظمات المدنية في المناطق المحتلة بلباس ديمقراطي ومدافع عن الحرية يخولها بمقاومة الاحتلال الصهيوني والدولة السورية في آن واحد، بيد أن أفعالها ونشاطها على الأرض يصب في مصلحة الاحتلال والمشروع الليبرالي والإخواني في المنطقة بدون شك. هذا ما يضع منظمات مثل “فرونتير ألايانس إينترناشيونال” و”مراصد” حقوق الانسان والامبراطورية الثقافية التي يقودها عزمي بشارة في المنطقة ووزارة الخارجية الأمريكية في نفس الخندق، حيث إنهم يجتمعون على سردية ليبرالية تنبع من إرث فكري يفصل بين حرية الفرد وحرية المجتمع، كأن المواطن السوري والمرأة السورية مثلا يستطيعون أن يتمتعوا بالحرية إن كانت بلادهم مستعمرة! فرأينا “الديمقراطية” التي تأتي مع هذه السردية في العراق والتي تتماشى تماما مع حرب فتوحات الأسواق للمطامع الاستعمارية، فهي بالنهاية ثقافة سوق ليبرالية تظهر بأقنعة مختلفة مستوردة بكل سذاجة من قبل أنصاف المثقفين في بلادنا من قعر الثقافة الغربية إن صح التعبير، فهي لا ترقى حتى لتمثيل الثقافة الغربية بأبعادها العميقة.
[1] التقرير يفصل المساعدات الأمريكية بما يشمل المساعدات الاقتصادية، العسكرية وتمويل المشاريع الاستيطانية:
[2] https://www.zionoil.com/vision/
[3] https://www.golanheightslegacycenter.com/about
[4] https://israelallianceinternational.com/
[5] الصفحة التي تصف مهماتهم في سوريا كذراع لجيش الاحتلال الإسرائيلي:
https://www.faimission.org/israel
[6] https://twitter.com/DaltonLThomas/status/1188973079239806977/photo/4
https://twitter.com/DaltonLThomas/status/1188973079239806977/photo/1
https://twitter.com/DaltonLThomas/status/1188973079239806977/photo/2
[7] لقاء يجمع ثوماس ورئيس شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الاسرائيلي سابقا، الملازم الكولونيل ماركو مورينو: