نشرة “كنعان”، 16 مارس 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6500

في هذا العدد:

عادل سماره:

  • جميل انهيار أمريكا لكن كلا بعد
  • الغاضبون من ذِكر: أل لغم

بوليفيا: عوْدَة حَذِرَة لليسار، الطاهر المعز

مؤتمر انتخابي تمهيدي لتيار اليمين المحافظ يكرّس انقسام الحزب الجمهوري،  د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

✺ ✺ ✺

عادل سماره:

  • جميل انهيار أمريكا لكن كلا بعد
  • الغاضبون من ذِكر: أل لغم

✺ ✺ ✺

(1)

جميل انهيار أمريكا لكن كلا بعد

تهتم السياسة النقدية في المقام الأول بإدارة أسعار الفائدة وإجمالي المعروض من النقود المتداولة ويتم تنفيذها بشكل عام عن طريق البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، او البنوك المركزية في هذا البلد أو ذاك. لذا، يقوم المركزي برفع الفائدة كي يمتص المعروض المالي الزائد في السوق. هذا دون أن نتسع في ما يترتب على ذلك.

أما السياسة المالية فهي مصطلح جماعي لإجراءات الضرائب والإنفاق التي تتخذها الحكومات

منذ عدة سنوات والمصرف الفدرالي الأمريكي يقوم برفع الفائدة كي يقلل السيولة المالية بين ايدي الجمهور. وبالمقابل تضطر الدولة لإنفاق موسع وخاصة بناء الحاجة سواء الحربية. وهكذا يضرب كل قرار قرار الآخر. لماذا؟

لأن الفدرالي مستقل عن السلطة، اي لا يحق للكونجرس محاسبته، وهذا بعكس الصين حيث البنك المركزي ملكية للدولة.

وهنا السؤال من الذي يتحكم بالاقتصاد الأمريكي؟

المصرف الفدرالي

أم الحكومة

ما ليس معروفا أن الفدرالي الأمريكي هو بنك خاص يعمل بموجب أوامر ومصالح النخبة المالية الغنية وهي واحد في المئة من الأمريكيين.

أي ان الدولة لا تتحكم بالمصرف الفدرالي.

الفدرالي بدوره يعرف بأن المصارف الصغيرة المفلسة يتم شراء موجوداتها بسعر ضئيل ، اي يبتلعها الكبار وبالتالي لا يقلق لا الفدرالي ولا السلطة بإفلاس بنوك صغيرة مهما نسمع عن إجراءات وقرارت واستنفار…الخ. وهذا مصير المصرفين المفلسين.

والسؤال: هل ستتسع ظاهرة الإفلاس؟

محتمل ذلك بالطبع.

ولكن بالمقابل، هذا لا يعني انهيار الاقتصاد الأمريكي حتى لو بمستوى 2008. فحينها غرفت السلطة من المال العام وغطت عجز البنوك وخاصة الكبرى قائلة (هذا أكبر من أن ينهار It is too big to fall) لذا ما تم ضخه في النظام البنكي وصل 6.7 ترليون دولار!

لعل الضرر الحقيقي كامن في مستويين:

تراجع الثقة في الدولار كعملة عالمية أولى

وتراجع الثقة في قوة أمريكا الحربية على ضوء بروز قطبيات كبيرة.

ولكن ليس إلى حد الانتهاء الأمريكي العاجل لأن القطبيات الأخرى لم تصل إلى درجة المنافسة الفعلية للدولار، بل إن الصين غير معنية بذلك بعد وخاصة على ضوء انخراطها في منظمة التجارة العالمية وتحولها إلى ورشة للعالم وبالتالي حاجتها لبقاء السوق الأمريكي الشره استهلاكياً اي ان الصين معنية بعدم انهيار امريكا على الأقل اليوم.

بل إن مختلف دول بريكس وغيرها مثل إيران ومصر والجزائر ونيجريا وإندونيسيا…الخ هي منخرطة في السوق الرأسمالية العالمية ولذا ليست نقائض بعد للرأسمالية الإمبريالية الغربية عموماً بغض النظر عن الحديث/الخطاب السياسي والإيديولوجي لهذه الدولة او تلك. وفي أحسن الأحوال هي منافس وليست بديلاً بالمعنى غير الرأسمالي.

قد يكون هذا الكلام صادم عاطفيا للذين يودون انهيار أمريكا فورا، وهذا صحيح.

لكن العبرة هي في مكان آخر.

أي ليست العبرة في انتظار انهيار الإمبريالية لتحل محلها مجموعة رأسمالية أفضل شروطا بل إن المطلوب هو استراتيجية مختلفة في بلدان المحيط:

• تبدأ بالتنمية بالحماية الشعبية

• وصولا إلى فك الارتباط بالنظام الرأسمالي العالمي.

وبلورة نظام آخر مختلف نسميه حتى اليوم الاشتراكية.

(2)

الغاضبون من ذِكر: أل لغم

ال: “لَغَمْ/او اللُغم”


بعد أن أشرت إلى الطلب السعودي في توافقها مع إيران بأن تتمسك السعودية بالمبادرة الاستسلامية العربية والتي وافق عليها جميع الحكام العرب “الحكام البائدة والحالية”، والتي جوهرها ان “الاستسلام خيار إستراتيجي”، وصلتني هجومات مزدوجة من المثقفين المنشبكين:


*غضب منشبكو السعودية لأنني قلت أخطر ما في التوافق هو تسويد السعودية على الوطن العربي. فهم نظراً لأفيون الطرب على الاتفاق لم يستوعبوا، او رفضوا استيعاب أن ما يهمني كعروبي هو الوطن العربي، ولست ضد تصالح الطرفين بل أتمناه، إن خلصت النوايا، لكن علينا الحذر من دفع الثمن نحن كعروبيين.  وهذا يذكرني بكراس كتبه الراحل صادق جلال العظم في منتصف السبعينات بعنوان “كارتر والحقبة السعودية” أي سيطرة السعودية على القرار العربي وهي السيطرة التي قام عليها كل الخراب في الوطن العربي من حينه وحتى ايام قادمة، للأسف والمرارة. لكن للأسف أيضا، تدهور العظم العلماني/الماركسي إلى طائفي!
سيطرة السعودية تعني لا وحدة عربية ولا قضية مركزية اي فلسطين، ولذا التمسك بال مبادرة المذكورة يعني التطبيع والاعتراف بالكيان واندماج الكيان في الوطن العربي وعليه اندماجا مهميناً. فهل هذا قليل يا شباب.

* وغضبت مثقفو إيران من العرب أدوات لأنهم وصلوا بين العرب إلى اعتبار إيران لا يمكن أن تقع في اية هفوة فما بالك أن تخطئ أو تساوم أو تتملص أو تناور…الخ. فهي بالنسبة لهم “المهدي المنتظر لخلاص العرب قبل الفرس! وطبعاً في شخصية ولاية الفقيه والذي لا أدري كيف جرى تخليق هذا الدور لهذا الرجل! فهل هناك وصية من المهدي “المغيَّب” بولاية أحد بعده!
إيران دولة قومية تخدم نفسها بلا شك ولا اعتراض. وإيران كأية دولة حتى لو أقل من قوة إقليمية لها مصلحة في هيمنة على جوارها فكيف حين تكون إقليمية ومن يعتقد أن إيران بلا طموح هيمنة فعليه ان يفكر ولو استرشادا بمترنيخ أو كيسنجر أو حتى معاوية بن ابي سفيان، وإذا لم يقتنع فالله في عون من يقرؤون له.
لذا، لا يضيرها أن يكون الحل للصراع العربي الصهيوني ب”المبادرة العربية” فهو صراع عربي صهيوني. وستقول: هكذا اختار العرب. أو أنها ستراهن على أن هذا الخيار الرسمي سيفشل. نحن بدورنا نقول يجب أن يفشل وهنا الفارق واضح.
لذا، لا ندين إيران في توافقها مع السعودية على هذا الشرط لسبب واضح، لأن الصراع عربي صهيوني. ولو أنها تعتقد غير ذلك لوضعت في النص الذي جرى تسريبه لموقع في لبنان ينكر وجود أمة عربية (حتى الكيان لا ينكر وجود أمة عربية) واسم الموقع (المهد The cradle) أي لوضعت على سبيل المثال ما يلي:”تتحفظ الجمهورية الإسلامية الإيرانية على هذا الشرط دون أن تفرض حذفه”
ليسامحنا هؤلاء وأولئك، فالمثقف المشتبك ليس كالمنشبك. لذا لا يكتشف الألغام من لا يملك مِجَس كشف الألغام . فاللغم يرضي الكيان وأمريكا وأوروبا وروسيا وصين ما بعد ماو…الخ لكن نحن في وطن بكل من فيه عرب وأمم أخرى لا يرضينا. “رُفعت الأقلام وجفت الصحف”

✺ ✺ ✺

بوليفيا: عوْدَة حَذِرَة لليسار

الطاهر المعز

عرفت بوليفيا فترة فاقت القرن من عدم الإستقرار، وتمتلك البلاد رقما قياسيا بعدد الإنقلابات، ومعظمها بإشراف أمريكي، كما في بلدان عديدة من أمريكا الجنوبية والعالم، ولبوليفيا تاريخ عريق صنعته الشّعوب الأصلية لمنطقة جبال الأنديز وغابات ضفاف نهر الأمازون وغيرها من مناطق أمريكا الجنوبية التي حاول الإستعمار الأوروبي طَمْسَ معالمه، بداية من القرن الخامس عشر، حيث احتلت إسبانيا بوليفيا وكافة أمريكا الوُسطى والجنوبية، باستثناء البرازيل (التي احتلها البرتغال) وبعض جزر الكاريبي وبعض المناطق الصغيرة الأخرى التي احتلتها بريطانيا وفرنسا وهولندا… 

تستمد بوليفيا إسمَها من الجنرال “سيمون بوليفار” الذي ناضل من أجل تحرير أمريكا الجنوبية من الإستعمار الإسباني، واحتل المستوطنون الإسبان بوليفيا من سنة 1538 إلى سنة 1825، وأسّسوا مدينة سانتا كروز دي لا سييرا (ثاني أكبر مدينة حاليا بعد العاصمة لاباز) شرقي بوليفيا، في القرن السادس عشر، لاستغلال وتسويق ثروتها، قاموا ببناء كاتدرائية كبيرة في وسط المدينة ، كرمز للقوة الاستعمارية التي تدعمها الكنيسة الكاثوليكية. 

كانت منطقة سانتا كروز، شرق جبال الأنديز محطّة تجارية منذ القرن السادس عشر، وهي غنية بالمعادن والهيدروكربونات (الغاز)، وهي كذلك معقل سياسي لليمين الأشدّ تطرُّفًا، وانتُخِبَ لويس فرناندو كاماتشو حاكما لها، بِدَعْمٍ من الميليشيات اليمينية المتطرفة والفاشية التي أنشأتها أو دعمتها منذ بداية القرن الحادي والعشرين، القُوى اليمينية المَحلّية، ذات الثراء الفاحش، التي تطالب بالحكم الذاتي الإقليمي ضد الدولة المركزية، وأطلق زُعماء اليمين، ومن بينهم لويس فرناندو كاماشو، تحديات مستمرة للدّولة المركزية، إبّان حُكم الرئيس “إيفو موراليس”، ونظّم اليمين ( المدعوم عَلَنًا من قِبَل الإستخبارات والإعلام الأمريكيّيْن) الإضرابات والتجمعات الجماهيرية التي رافقها العُنف، وكانت محاولة “الانقلاب المدني”  واندلاع العنف، سنة 2008، بعد سنتَيْن من فترة رئاسة إيفو موراليس، بمثابة ذروة هذا الصراع بين الشق الرجعي والشق التّقدّمي، والذي أفضى إلى انقلاب 2019، المدعوم أمريكيا، والذي سُمِّي “انقلاب الليثيوم”، والليثيوم معدن ثمين، تحتوي أراضي بوليفيا على نصف المخزون العالمي منه، وهو ضروري للصناعات التكنولوجية الحديثة، ولصناعة بطاريات التجهيزات الإلكترونية والسيارات الكهربائية، وليس من باب الصّدفة أن يحدث الإنقلاب عندما كانت الحكومة البوليفية تدرس عُرُوضًا صينية وروسية لاستخراج الليثيوم، ما يسمح لبوليفيا (الدولة الصغيرة والفقيرة) بالتّأثير على سوق الليثيوم في العالم، واعتبَر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزيره للخارجية مايك بومبيو “إن ما حدث في بوليفيا (أي انقلاب 2019) أمر مُهِم للنّصف الغربي من الكرة الأرضية… فقد تجاوَزَ الرئيس البوليفي إِرادَةَ شعبه، ودَشّنت استقالته مرحلةً جديدةً، يُصغي من خلالها العالم أجمع إلى صَوْت الشّعب البوليفي”، وكانت حكومة الولايات المتحدة متخوفة من انتشار موجة التّأميمات في أمريكا الجنوبية، كما حصل في فنزويلا التي خنقت الولايات المتحدة اقتصادها المُعْتَمِد على النّفط.

نظم اليمين المتطرف، خلال شَهْرَيْ تشرين الأول والثاني/اكتوبر ونوفمبر 2022، عصيانًا مدنيا، في هذه المنطقة الغنية، مُتعَلِّلاً بتأجيل الحكومة عملية التعداد السُّكَّاني في منطقة سانتا كروز، وأعلن شن “إضراب مدني” استمَرَّ لمدة ستة وثلاثين يومًا، أدّى إلى توقُّف نشاط مدينة سانتا كروز، المركز الاقتصادي للبلاد… 

ومن خلفيات هذا الصّراع كذلك، النّمو السّريع لعدد سكان مقاطعة سانتا كروز، منذ آخر تعداد سكاني للعام 2012، ويؤدّي ارتفاع عدد سُكّان الولاية إلى زيادة عدد المقاعد النيابية وإلى زيادة حصّتها من الموارد المالية، ونجح اليمين المتطرف في حشد جزء كبير من سكان الإقليم ( وهم أغنى من سكان المناطق الأخرى) من خلال اتهام الحكومة بتأخير التعداد السكاني لكي لا يرتفع عدد النواب ولا يرتفع حجم الموارد العامة العائدة لإقليم سانتا كروز، قبل انتخابات 2025، ولم يكتفي اليمين المتطرف بالدّعاية العُنصرية ضد السّكّان الأصليين (ومنهم إيفو موراليس) وضد الفُقراء وصغار الفلاحين، بل استخدم عصابات ومليشيات مُسَلّحة، تُمارس الإرهاب ضد السكان الأصليين والفئات الشعبية في مقاطعة سانتا كروز، ويتعرض المواطنون الذين يجرؤون على التعبير عن معارضتهم للميليشيات الفاشية بقيادة “لويس فرناندو كاماتشو”، حاكم منطقة سانتا كروز، للاعتداء في منازلهم أو في الشوارع ليلاً ونهاراً من قبل عصابات مُسلّحة بالمناجل والهراوات، تتنقل عناصرها بواسطة الدّرّاجات النارية…  

ينشر اليمين المتطرف الأفكار الأكثر رجعية ضد السكان الأصليين والعمال والفقراء ويطالب “بالاستقلالية” (في الواقع هي انفصالية) للحفاظ على الثروة ويدعو إلى “عدم مشاركة الموارد مع الفُقراء والكسالى العاطلين عن العمل في المناطق الأخرى”، ونجح اليمين المتطرف في تقسيم العمال والفقراء، وإشراك بعضهم في الاضطرابات العنيفة التي كان يقودها في هذه المنطقة، بهدف الإطاحة بالحكومة المركزية، ولا يتورّع اليمين المتطرف عن الإشادة بالعنف ضد الأهالي، والإشادة بالمليشيات والعصابات الإجرامية الفاشية، مما أدّى إلى ابتعاد بعض فئات اليمين التقليدي المُحافظ عنه، وبذلك تم عزل اليمين المتطرف وحرمانه من دعم القوى المحافظة في البلاد، وحرمانه من دعم الضّبّاط الرجعيين بجهاز الأمن، وهكذا ، فإن اضطرابات تشرين الأول والثاني/أكتوبر ونوفمبر 2022 لم تسفر عن انقلاب ثانٍ، مثل الانقلاب في 2019 الذي أطاح بالرئيس إيفو موراليس، ولذلك أيضًا لم يستمر الحكم اليميني المدعوم من قِبَلِ اليمين المتطرف واليمين المحافظ سوى 12 شهرًا فقط، وتمت هزيمته بانتخابات ديمقراطية، سنة 2020، أدّت إلى عودة الحركة الاشتراكية (ماس) إلى السلطة بعد الإطاحة بها في انقلاب عام 2019، ثم فقدت قوى اليمين المتطرف دعم الكثير من اليمين المحافظ، بسبب اتخاذ زعزعة الإستقرار كهدف بحد ذاته، وباعتقال لويس فرناندو كاماتشو لدوره في انقلاب 2019، حُرِمَ اليمين المتطرف في مناطق سانتا كروز وشرق البلاد من شخصية رمزية، رغم الدّعم الذي يحصل عليه اليمين المحافظ واليمين المتطرف في داخل البلاد وخارجها كالولايات المتحدة وبيرو وكولومبيا، قبل الإنتخابات الأخيرة، ويهيمن اليمين بأنواعه على الإعلام والجامعات … 

انتفض فُقراء المُدُن والسّكّان الأصليون، بعد الإنقلاب مباشرة، ونظّموا مظاهرات ضخمة مُعارضة للإنقلاب، وقمع الجيش والشرطة والمليشيات اليمينية هذه المظاهرات بالرصاص الحي ما أدّى إلى قَتْل العشرات، وكان السكان الأصليون والفُقراء يُدْرِكون مدى شراسة اليمين المتطرف ومدى مُعاداته للكادحين والفقراء، بدعم أمريكي مُباشر (كما حصل في البرازيل)، وأسفرت النضالات التي جمعت العمال والفلاحين والسكان الأصليين وفئات من البرجوازية الصغيرة والفئات متوسطة الدّخل، عن اضطرار الإنقلابيين إلى تنظيم انتخابات، أزاحتهم من الحكم، بعد سنة واحدة، وعودة التيار الإشتراكي إلى السلطة.     ​​

من جانب السلطة الحالية، ورغم الشعارات الاشتراكية، فإن الانقسامات التاريخية التي تعرفها البلاد لا تزال قائمة بين المدن والريف، بين السكان الأصليين والجماهير والنخب، وبين الإعلام والجامعات والفئات الوسطى من جهة، واتحادات الفلاحين والعمال والنقابات وكذلك عُمال القطاع غير الرّسمي من ناحية أخرى، فضلا عن تناقض مصالح الرأسماليين الصناعيين ومالكي المزارع الكبرى ورجال الأعمال في القطاعات المالية وفي قطاعات المحروقات وما إلى ذلك ولكن التجربة أظهرت تحالف مختلف قطاعات الأثرياء ضد أي سلطة تقدّمية تحاول خفض أرباح الأثرياء، وما على السّلطة التي تعتبر نفسها تقدّمية سوى حشد القوى التي تعتبرها قاعدتها الطبيعية أو من صف حلفائها. 

لقد تمكّن اليمين المتطرف من إطلاق احتجاجات عنيفة سنة 2019 في جميع أنحاء البلاد، انطلاقًا من معاقله في المناطق الشرقية الغنية، بدعم من الجيش والشرطة، ونحج الإنقلاب ضد حكومة إيفو موراليس، مما أجبره على الاستقالة، ودعمت فئات عديدة من البرجوازية الصغيرة هذا التمرد على أساس رفض سلطة إيفو موراليس، وليس على أساس برنامج سياسي واقتصادي بديل، ليكون كبار الرأسماليين في قطاعات المال الصناعة والزراعات الكبرى والمحروقات، هم الرابحون الوحيدون. أمّا ما لم يكن ظاهرًا في ذلك الوقت فهو دعم وتمويل اليمين المتطرف الانقلابي من قبل الولايات المتحدة، فقد صرّح مؤسس ومالك  شركة السيارات الكهربائية “تسلا” ( إيلون ماسك) من خلال حسابه على شبكة تويتر إنه يحتاج إلى الليثيوم لصنع بطاريات للسيارات الكهربائية، ويوجد هذا المعدن بكميات كبيرة في بوليفيا، حيث أعلنت الحكومة تأميم مناجمه، لذلك قمنا بتنظيم انقلاب لنكون قادرين على استخراج واستغلال الليثيوم، بدون قُيُود… عندما يتم حرماننا من سلعةِ مَا، أو فرض شروط علينا مقابل الحصول على منتج ضروري، نذهب حيث يوجد ذلك المنتج ونحصل عليه بكل الوسائل … ”   

نصّب الانقلابيون السيناتورة “جانين أنيز”، وهي تُعلن إنها كاثوليكية محافظة للغاية، حصل حزبها على 4% فقط في الانتخابات السابقة، وقامت حكومتها بتفكيك الإجراءات التقدمية مثل تأميم المحروقات، وألغت الحقوق الجماعية للسكان الأصليين، وأعادت سلطة الأوليغارشية، وقمعت المتظاهرين وقتلت السكان الأصليين بالإضافة إلى ستة وثلاثين من المتظاهرين ضد الإنقلاب، وإصابة ثمانين بجروح ومئات المعتقلين والمنفيين، ولم تُقدّم حكومتها أي برنامج لمواجهة عدم الاستقرار الاقتصادي في البلاد، لكسب دعم السكان. على العكس من ذلك ، اتسمت حكومة الإنقلابيين بالفساد وعدم الكفاءة الإدارية والانخفاض الهائل في مستوى المعيشة وانخفاض معدل النمو، فخلال أقل من عام واحد، أصبح أكثر من 3 ملايين بوليفي (من 12 مليون مواطن وفق تقديرات 2021)، أو أكثر من 25% من السكان، غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وجابهت الحكومة الاستيلاء من سياساتها بموجة عنصرية خبيثة ضد السكان الأصليين، أثارها خطاب الكراهية من كبار المسؤولين في الدولة، فأدت هذه السياسة الرجعية إلى تحالف بين العمال والفلاحين، بدعم من جزء من البرجوازية الصغيرة التي خاب أملها من سياسة هذه الحكومة اليمينية، ما دعم احتجاجات الحركات الاجتماعية والنقابات العمالية، التي نصبت المتاريس في الشوارع ونجحت في تعطيل سلاسل التوريد. 

بعد عام من انقلاب 2019، حصل المرشح لويس آرس (وزير المالية السابق في حكومة موراليس، لكنه ليس عضوًا أو منتسبًا للحركة الاشتراكية)  الذي يدعمه إيفو موراليس، في انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2020، على 55% من الأصوات، وحصل منافسه كارلوس ميسا، الذي أيد الانقلاب دون أن يكون مُصَنّفًا من أقصى اليمين، على 29% من الأصوات، وفازت الحركة الإشتراكية (ماس) بالانتخابات في خمس من المقاطعات التسع، وبأغلبية في كلا مجلسي الجمعية التشريعية المتعددة القوميات، صوّت جزء من الفئات الوسطى التي دعمت الانقلاب اليميني سنة 2019 ، لصالح لويس آرس وبرنامجه لمحاربة الأزمة الاقتصادية. 

لا تزال البلاد تعاني من ندوب عميقة جراء انقلاب 2019، الذي أدّى إلى سجن العشرات من المسؤولين العسكريين السابقين ومن ضباط القوات المسلحة وقادة الشرطة، لدورهم في الانقلاب، ولكن عَزّز إيفو موراليس موقعه كزعيم للحركة الاشتراكية بعد عودته من المنفى وأعلن أنه سيكون مرشحًا في انتخابات 2025 

بعد عامين من بدء ولاية لويس آرس، فرض الرئيس ضريبة رمزية على الشركات الكبرى التي تستغل الثروات الوطنية الضخمة، وأعلن إن هدف حكومته الوحيد هو “تعزيز المكاسب السابقة في ظروف دولية صعبة”… 

بوليفيا هي دولة مصدرة للغاز وتستفيد من ارتفاع أسعار المحروقات التي مكنت الحكومة من تحويل العجز التجاري إلى فائض، فيما تدعم الدولة الإستهلاك المحلي للغاز، وتنتج البلاد معظم المواد الغذائية وتسيطر الحكومة على أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية في السوق المحلي، وبفضل الإجراءات الحكومية القليلة، كان معدل التضخم في بوليفيا سنة 2022 هو الأدنى في هذه المنطقة من أمريكا الجنوبية. 

✺ ✺ ✺

مؤتمر انتخابي تمهيدي لتيار اليمين المحافظ

يكرّس انقسام الحزب الجمهوري

 د. منذر سليمان

وجعفر الجعفري

التأم تجمع تيار المحافظين في الحزب الجمهوري في مؤتمره السنوي قبل بضعة أيام، معلناً بدء السباق الرئاسي إلى منصب رئيس الولايات المتحدة في العام المقبل، ومؤشّراً على مستقبل الحزب بين التشظي والتماسك في بنيته، وحظوظ مرشحيه المحتملين، وأبرزهم الرئيس السابق دونالد ترامب.

يعرف التيار بمجموعة “العمل السياسي للحركة المحافظة”، وحضور مندوبيه يُعَدّ بالغ الأهمية نظراً إلى تمثيلهم القاعدة الشعبية. وهم أيضاً الناشطون الذين يعوّل على تأييدهم كلُّ من رغب في ترشيح نفسه لدخول السباق الرئاسي.

قوبل حضور الرئيس السابق دونالد ترامب بحفاوة ملحوظة عند اعتلائه المنبر لمخاطبة الحضور الذي ضاقت به القاعة، بحسب المراقبين، على الرغم من الغياب أو المقاطعة لعدد من قادة الحزب البارزين: نائب الرئيس السابق مايك بينس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.

درجت العادة أن يعقد المؤتمر السنوي للمحافظين منذ تأسيسه عام  1973في ولاية ماريلاند القريبة من العاصمة واشنطن، بحضور نحو “10 آلاف عضو”. وعُقدت الدورة الحالية  أيضاً في منتجع بالقرب من واشنطن وحضره نحو 3،500 شخص، كدليل على مدى نفوذ ترامب، وربما هيمنته على مفاصل القرار في الحزب الجمهوري.

في استطلاع للرأي أجراه المؤتمر، الذي هو أقرب إلى مهرجان انتخابي، حصل الرئيس السابق ترامب على 62% من الأصوات، بخلاف توقعات، بل مراهنة مراكز القوى في الحزبين داخل المؤسسة الحاكمة على تهميشه واقصائه عن المشهد السياسي. وقالت كبرى وسائل الإعلام إن ترامب “ألقى بعضاً من أكبر خطاباته المخادعة، مرصّعة بمزاعم بعيدة كل البعد عن الدقة خلال ولايته الرئاسية” (موقع شبكة “سي أن أن”، 5 آذار/مارس 2023).

أمر لافت أيضاً كان رفض نائب الرئيس السابق، مايك بينس، دعوة المؤتمر، وإحجام منظميه عن تخصيص فقرات لقادة آخرين “أكثر اعتدالاً” في الحزب لمخاطبة الحضور. أمّا رئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، فرحّب بمشاركة ترامب في المؤتمر، ولا يزال يؤكد على ولائه للرئيس السابق. ومن بين الحضور النائبة السابقة عن الحزب الديموقراطي، تولسي غابارد، التي آثرت طرح رؤيتها المسقبلية لـ “سياسة خارجية مبنية على الحقائق” بالتساوق مع طروحات ترامب، وكذلك حثّت الحضور على العمل على إنهاء الدعم المالي الأميركي لأوكرانيا.

          نجم المؤتمر، بلا منازع، كان الرئيس السابق ترامب، “الذي خاطب الحضور في ليلة الختام، مقدِّماً ربما دفعة إثارة يتيمة” إلى جمهور التيار اليميني (صحيفة “نيويورك تايمز”، 6 آذار/مارس 2023).

          وأوضحت كُبرى وسائل الإعلام المرئي والمسموع مبرّر عزوف عدد لا بأس به عن الحضور، وأن مؤتمر المحافظين “يعاني انعدام اهتمام وانعدام حماسة لدى المشاركين، بدليل تراجع مبيعات التذاكر مقارنة بالأعوام السابقة” (موقع “شبكة الراديو العام”، 5 آذار/مارس 2023).

          غابت شبكة “فوكس نيوز” اليمينية عن تغطية مؤتمر المحافظين، في ظل اعتراف صاحبها روبرت ميردوخ بأن الشبكة ارتكبت خطأً في تبنيها سردية الرئيس ترامب بشأن حدوث تزوير في سجلات الناخبين. سِجلّ الشبكة في استضافتها الطامحين إلى دخول السباق الرئاسي كان يُعدّ أحد أكبر المؤشرات على شعبية ضيوفها في الأعوام السابقة. وتراجع أيضاً السجال السياسي المعتاد بين أقطاب الحزب، مثل راند بول، علاوة على “غياب” أبرز مراكز الفكر والابحاث اليمينية “مؤسسة هاريتاج” عن المشاركة (صحيفة “واشنطن إيكزامينار” اليمينية، 3 آذار/مارس 2023).

           تعهّد ترامب في خطابه الذي استمر نحو 90 دقيقة، جملة قضايا، أبرزها، على الإطلاق، نيته مواجهة أركان “الدولة العميقة، بل طمسها”، وانهاء الحرب في أوكرانيا. وكعادته، طرح وعوداً برّاقة وكبيرة لما ينوي تحقيقه في حال انتخابه رئيساً للبلاد، أي “الرئيس 47” في ترتيب التناوب الرئاسي للكيان السياسي الأميركي.

          ووعد ترامب جمهوره بالسعي لإغلاق وزارة التربية والتعليم الفيدرالية، والتي ما برحت هدفاً دائماً في أجندة الحزب الجمهوري منذ تأسيسها خلال ولاية الرئيس الأسبق جيمي كارتر. ومضى ترامب في دغدغة عواطف المحافظين في هذا الصدد، عبر تعهّده “تغيير أسماء المدارس والشوارع من رموز الشيوعيين، وإطلاق أسماء الوطنيين الأميركيين العظام”، بدلاً من ذلك، على الرغم من إدراكه استحالة تحقيق وعده، وازدحام الأجندات السياسية المختلفة بقضايا أكثر جوهرية لعموم الناخبين.

          قرّر بعض المناوئين السياسيين للرئيس السابق حضور لقاء آخر يتزامن مع انعقاد مؤتمر المحافظين، تحت رعاية منظمة تعنى بالشأن الاقتصادي للمحافظين أيضاً، هي “نادي للتنمية”، ولم يُدعً إليه الرئيس ترامب. في جولة الانتخابات الرئاسية السابقة، أيدت المنظمة الاقتصادية ترشيح الرئيس ترامب، وتباينت رؤاها مع طموحاته خلال الانتخابات النصفية العام الماضي، على خلفية تعارض تأييد كل منهما لمرشحين يمينيين.

          انشقاق المجموعة الاقتصادية، وما تمثله من ثقل سياسي وثقل انتخابي، يؤشران على شرخ عميق في بنية الحزب الجمهوري وتوجُّهه ، في ظلّ حضور الرئيس ترامب مرشحاً منافساً للرئيس جو بايدن، وترويج البعض دخول حاكم ولاية فلوريدا والمؤيد السابق للرئيس ترامب، رون دي سانتيس، السباق الرئاسي على الرغم من تواضع تأييده، في المرتبة الثانية بنسبة 20%، في استطلاع مؤتمر المحافظين.

          بالعودة إلى استطلاع الرأي المذكور، وكسب ترامب دعم أغلبية معتبرة من قواعد الحزب بنسبة 62%، والهوة الشاسعة التي تفصله عن منافسه في المرتبة الثانية، بفوزه بنسبة 20%، فإن نتائجه تعزّز موقع الرئيس ترامب في قيادة دفّة الحزب المنقسم حالياً، وتنذر بتعميق الهوّة الحالية بين قياداته التقليدية “المؤسساتية” وتيار ترامب الشعبوي، والأعلى حضوراً وتأييداً.

          في المحصلة العامة، أثبت الرئيس السابق ترامب فشل مساعي خصومه ومناوئية لإقصائه عن المشهد السياسي، على رغم الجراح التي تلقاها في هزيمة بعض مرشحيه في الانتخابات النصفية. كما أن نسبة تأييده العالية حافظت على تماسكها السابق مع بعض الاختراقات البسيطة، الأمر الذي يقود إلى استنتاج أوساط واسعة من المراقبين أن يحقق مفاجأة فوزه على الرئيس جو بايدن في الجولة المقبلة، كما تدل المعطيات الميدانية والتحولات الديموغرافية وتراجع هيبة الدولة الفيدرالية، نظراً إلى فشلها في معالجة أبسط القضايا المصيرية، كحادثة انزلاق قطار محمّل بمواد كيميائية نفثت سموم احتراقها في مدينة “إيست بالستين” في ولاية أوهايو.

          كما شدّ الرئيس السابق ترامب الرحال إلى المدينة المنكوبة لمعاينة الأضرار، في مقابل تغيّب الرئيس بايدن عنها، وانعدام أي نيّات مركزية جادّة في تعويض المتضررين واحتواء الأزمة البيئية الناجمة.

:::::

مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن

الموقع الإلكتروني:

http://thinktankmonitor.org/

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org