تحرير العقول من الاحتلال أم تحرير التاريخ: عروبيات (1)، عادل سماره

قرأت بالصدفة مقالاً ل د. بسام أبو عبد الله/سوريا، في جريدة الوطن، دمشق الخميس 16 -3-2023

بعنوان تحرير العقول من الاحتلال. وهو بالحق عنوان أو موضوع هام.

لست بصدد تقريض ولا دحض ما كتبه د. بسام، ولكن وجدت أن بعضاً منه بحاجة لنقاش. ولا أكتب هذا إلا من أجل القراء العرب هم/هن لا أكثر.

ورد في مقالة د. بسام:

” اعتاد كثيرون عبر عقود من الزمن على تصديق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية، وكأنها كتاب مقدس لا يرقى إليه الشك”

وهذا صحيح تماماً، ولكن، للأسف لم يعد ما يُضللنا محصور في وسائل الإعلام الغربية والصهيونية فقط بل في وسائل إعلام صديقة عربية وإسلامية. ومن هنا، يصبح التحرير شاملاً، والتحرُّر من قبل الواعين واجباً لا يجامل أحداً حتى لو صديقاً من هذه القومية أو تلك مسلماً أو غير مسلم.

ثم يضيف:

“مناسبة الحديث عن تحرير العقول هو اللقاء الذي جرى يوم 8 آذار الجاري ليلاً بين صاحب العمامة ومجموعة كبيرة من الخبراء والمحللين السياسيين الأعضاء في الرابطة الدولية، الذين عقدوا مؤتمرهم الأول في بيروت يومي 7 و8 آذار الجاري، إذ ركز … على قضية تحرير العقول في معركتنا الكبرى التي نخوضها على صعيد الإقليم والعالم للخلاص من أشكال الهيمنة الأميركية…”

لست أدري ما هو وأين هو هذا الإقليم، ولا أدرى إن كان استخدام المصطلح من الكاتب أم من المكتوب عنه! الموجود هو الوطن العربي، والوطن الفارسي، والوطن التركي…الخ.

لذا فمصطلح الإقليم يدمج كل القوميات مع بعضها في تخليط غير منطقي، وحبذا لو أنها كأمم وإثنيات متصالحة ويعترف بعضها بالبعض الآخر!  بل الحقيقة أن القوميتين الفارسية والتركية تنكران وجود أمة عربية باستخدام الإسلام ضد العرب الذين هم فكر وفرسان الإسلام وقوة دفع وزخم هذا الدين وأهله. والطريف، حتى جولدا مائير التي انكرت وجود فلسطينيين لم تنكر وجود العرب، ربما بخبث صهيوني كي تبرر اقتلاع الفلسطينيين من فلسطين وطردهم إلى الوطن الكبير.

أنا أخشى أن مصطلحات كهذا اي الإقليم ان تطمس مجرد الحديث عن وطن عربي كما يفعل مركز “المهد Cradle في بيروت حيث ينفي وجود وطن عربي نفياً مدروساً بعناية طائفية قومية لا عروبية. لا أعتقد أن د. بسام كهؤلاء بالطبع. فهذا المركز يتحدث عن “غرب آسيا!!! وشمال إفريقيا.  مضحك والله! هذا يا عزيزي د. بسام هذا هو النقل والالتهام من الغرب صاحب مصطلح “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. لكنه التهام طائفي بغيض خبيث.

وطالما حديث العمامة عن العلم وللعلماء، ربما كان يمكن سؤال الجميع:

ايها العلماء المحترمين:

لماذا لم تقدموا استشارات ونصائح للعمامة منذ اربعين سنة عن ضرورة رفض التطبيع ووجوب التنمية بالحماية الشعبية وصولا إلى فك الارتباط وخاصة الاقتصادي بالغرب! لماذا لم يذكر الرجل هذه الأمور سوى ابتساراً منذ بضع سنوات؟ هل السبب لأن إيران نفسها منخرطة في الاقتصاد والنظام الرأسمالي العالمي وبالتالي ممنوع التفكير خارج هذا المربع! أم لأن سادة علماء إنما يتتلمذون على صاحب العمامة وفقط دون أن يقدموا له شيئاً! وهذا الشكل من العلاقة خطير لأنه تصفيقي. لا داع أن يأخذوا أطروحة سمير أمين في فك الارتباط ولا أطروحتي في التنمية بالحماية الشعبية فليقرؤوا الحوار الهندي والأمريكي اللاتيني مثلا. ولا بد أنهم قرؤوا، هذا مثار تساؤل.

وبالمناسبة، الحرب الإمبريالية الاقتصادية على إيران فاعلة لأن الانخراط الإيراني عميق في السوق العالمية واقتصادها يعمل بمنطق السوق وليس بمنطق تنمية بالحماية الشعبية ومن ثم فك الارتباط. قد يقول البعض بأن اقتصاد إيران إسلامي! كلا يا سيدي لا يوجد اقتصاد إسلامي ولا مسيحي ولا بوذي وأكيد ولا يهودي، هناك إما اقتصاد رأسمالي او ضد رأسمالي. فلا هبل ولا استبهال.

من اللافت، وربما الطريف في كتابات كثيرين من العرب ذوي الهوى الإيراني وجود لازمة هي:

كي تُبهِّر مديحك لإيران يجب أن تهاجم الشيطان صدام حسين!

لذا حينما ذكر د. بسام الإمام الخميني بأن جوهر مشروعه تحرير القدس ألحق ذلك باتهام صدام حسين بأنه بدأ الحرب مع إيران.

فكتب:

“…تحول الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لزعيم عربي أول، وصاحب القادسية عندما هاجم إيران في حرب ظالمة استمرت ثماني سنوات دمرت العراق وإيران آنذاك، وكان عنوان حربه «قومياً مذهبياً» ليكتشف الجميع لاحقاً أنها كانت تطبيقاً لنظرية «الاحتواء المزدوج» الأميركية لضرب قوتين أساسيتين في الخليج، وتدميرهما، ثم فيما بعد لم يشفع ذلك لصدام من أن يتحول لعدو أساسي للغرب فيما كان يعتقد أواخر السبعينيات أنه صديق ومقرب للغرب، أي إن مذهب صدام وإسلامه لم يكن لهما علاقة في الأول، ولا في الآخر.

كنت أنا وبتواضع ممن ابتهجوا للثورة الإيرانية، ولذا، حينما حصلت الحرب العراقية الإيرانية اعتبرت صدام هو المعتدي وكتبت كراسا في هذا الأمر. ولكن متابعة الموضوع وما كُتب عنه اتضح أن من بدأ الحرب هو الإمام الخميني.

فهو الذي نادى بتصدير الثورة “الإسلامية”. وإلى اين؟ إلى بلاد العرب بدءا بالعراق وكأن الإسلام إيراني والعرب كفرة! ألم يكن التصدير أحرى إلى تركيا حيث هي في الناتو ومعترفة بالكيان وفيها من الانفتاح والنخاسة الجنسية ما قاد إلى “خلجان متآكلة بالحتَّ-كما كتب الراحل الشاعر عبد اللطيف عقل”

 لا اريد مناقشة تصدير الثورة من حيث المبدأ، ولكن تصديرها هي حرب ثقافية. كما شاهدت عدة مقابلات مع جنرالات عراقيين منهم ضد صدام ومنهم معه يؤكد بعضهم أن إطلاق النار بدأ من إيران وبأن أول طائرة حربية من إحدى الدولتين ضد الأخرى كانت من إيران ضد العراق.

من هنا، فإن رد العراق كان برأيي حربا دفاعية. وللمقارنة، لماذا نعتبر حرب روسيا ضد الناتو في أوكرانيا دفاعية ولا نسمح لصدام بمثلها!

وبالمناسبة، أنا لم أكن بعثياً، لا بعث سوري ولا العراق ولا الطبعة الأصلية للبعث والتي أراها من فضائل البعث. بل كنا نحن القوميين العرب والبعثيين على خصومة متخلفة بالطبع. ولكن، لأن صدام لا توجد له بكَّايات، ولأن الهجوم عليه يُثلج صدر إيران أرى أن كثيرين يهاجمونه لهذا الغرض.

أذكر عام 1965 كنت مطلوباً لمدير المخابرات الأردنية في رام الله محمد نور الدين أنا وبعثي من قرية مجاورة لقريتي. كنا على الباب بانتظار التحقيق متجادلين إلى قرابة الاشتباك بالأيدي. كان يكبرني بعشرة أعوام. إنتبه الرجل وقال: والله كلانا سخيف. كلانا بانتظار التعذيب ونقتتل!

أنا مثلك د. بسام لا أؤمن ب “إسلام صدام” لأنه دين سياسي استخدمه لهدف سياسي، ولكن ماذا عن إسلام إيران؟ أليس ديناً سياسياً؟ ألا ترى أن إيران باسم الدين تسيطر على اقتصاد العراق حتى تبيعه الطاقة التي لدى العراق منها أكثر مما لدى إيران؟ بعد أن دمرت أمريكا كل العراق وليس فقط المصافي.

 أذكر حينما قامت أمريكا عام 1991 باحتلال الكويت بعد أن حررها العراق في خطوة صحيحة عروبيا وخطأ توقيتاً وكنت حينها في لندن كان افتتاح بي بي سي لبدء العدوان بالجملة التالية:

“إنهم يفرشون بغداد بسجادة من القنابل” وها هي الكويت المحررة ترفض تقديم وجبة غذاء لأهل الشام الذين شاركوا الأمريكيين في إعادة قبيلة الصباح للكويت! أليس هذا عقل بدوي، لا عربي ولا عروبي؟

  أليست نصيحة المسلم الإيراني للمسلم العراقي أن يقيم مصافيا جديدة بدل أن يرسل النفط الخام لإيران لتنقيته لتبيعه مجدداً للعراق بأسعار خيالية مقارنة بسعر الخام؟ قد تقول لي، هذه مشكلة حكام العراق.  نعم صحيح، لكن هؤلاء الحكام هم جناح برجوازي طائفي لا قومي هو من العرب الشيعة موالي للفقيه وليس لعلي ولا لمحمد وفي ذيلهم ذيل سُني من نفس الطراز ناهيك عن الكرصهاينة.

مقابل نقدي يا عزيزي، هنا أوافقك على ما يلي من قولك:

“… أستطيع أن أضرب مئات الأمثلة والنماذج لتفكيك فكرة الطوائف والمذاهب والإثنيات وغيره من الأدوات التي تستخدمها وسائل الإعلام الغربية، ومراكز بحوثه لاحتلال عقولنا بأفكار مريضة لا أساس علمياً لها، فالانتماء الطائفي أو المذهبي يأتيك بالمصادفة التاريخية من أبويك، لكنه أمر لا يعني قوى الهيمنة والاستعباد سوى كأداة للتضليل والخداع والفتنة والسيطرة.

ولكن المشكلة ليست في وجود الطائفة كوجود كجزء من المجتمع والمذهب كجزء من الثقافة، بل في التطييف! لأن هذا ضد الطبقة وضد القومية والطائفية جاهزة للعمالة حال هُزمت.

لقد ختم د. بسام مقالته بالتالي:

“والذهاب نحو الانتماء الوطني والقومي، ولذلك فإن العروبة كوعاء ثقافي حضاري هي الحاضن الأكبر لكل هذا التنوع، والغنى في بلادنا.

نعم صحيح العروبة هي الوعاء للجميع، ولكن ألا تلاحظ أن هذا الموقف الصحيح يتناقض مع مصطلح الإقليم! الوارد أعلاه.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….