تداعيات الاغتيال والاحتلال، عادل سماره

كلما نجح الكيان في اغتيال أسائلُ نفسي: لماذا يتمكن من ذلك؟

هل يرتد الأمر إلى ضعف الحس الأمني، أم إلى التأخر في التحفظ الأمني بعد عمل مكشوف للمرء منذ صباه وحتى تسنمه موقع قيادة حساساً، اي فجوة إهمال الحس الأمني، أم لأن لدى الكيان أدواته المدربة على الانخراط والتخفي ضمن القوى، أم لأن للكيان روافد تنسيق أمني وتقني معولم بما في ذلك تنسيق أمني عربي وإسلامي؟

هي أسئلة عديدة تتداعى ولا تنضب.

ولا أطمح/ع في الحصول على إجابة وافية بقدر ما أود فقط إثارة التساؤلات، وهذا الحد الأدنى من القلق.

هذا وإن كنت كما أرى في الأرض المحتلة كيف يتصرف العديد من الشباب بعلنية تامة تجعلهم أهدافاً مؤكدة الاغتيال. كما أرى العديد من المتحدثين قياديين ومحللين على الشاشات يبخلون على الشباب بنصيحة الحذر وعدم التهور.

لقد كتبت عديد المرات نقداً للعلنية بمستوياتها ومجالاتها وخاصة العلنية المسلحة، وكتبت عدم اتفاق مع الحديث عن قيادة موحدة لعديد الفصائل خاصة وأن هناك مدارات محيطة بهذا الفصيل أو ذاك مخروقة من العدو ناهيك عن جُنون الشعور بأن حارة معينة هي قاعدة آمنة للغواريين! ولهذا فالمناضلون فرديا اشفى واضمن.

أما حينما اغتيلت مجموعة من العرين بعد حديث لقناة الجزيرة فتذكرت قول سعد زغلول لزوجته: “مفيش فايده يا صفية”. ذلك لأن عدم معرفة العدو من الصديق، حالة الجزيرة/ بعد قرابة 30 عاما على دورها ناهيك أنها من إمارة قطر هو أمر جلل بلا مواربة. لذا، لا صعوبة في تقدير كيف وصلوا لرجل الجهاد قبل أيام؟

يذكرني هذا بخبر نُشر في إحدى كبريات الصحف الأمريكية إبان الغزو الأمريكي للصومال حينما كان الجنرال محمد فارح عيديد يُرهق الاحتلال هناك، حيث أذلَّ حُفاة الصومال جنود إمبراطورية الدم وسحلوهم في شوارعها الترابية فكتبت تلك الصحيفة ما مضمونه:

“بوسع طائرات التجسس والأقمار الصناعية الأمريكية التقاط صور واضحة مميزة لبيت أو سيارة…الخ، لكن لا يمكنها التقاط صورة واضحة أو تمييز شخص. لذا لم نتمكن من اصطياد عيديد لأن الصومال تخلو من المثقفين”. كلما أتذكر هذا أتذكر تقيُّح قطر بالمثقفين من مختلف الأقطار العربية. طبعا حديث الصحيفة الأمريكية مجازي. لاحقاً أُخبر العدوان عيديد مختىء في مستشفى فقامت طائر ة أف 15 بقصف المستشفي وقتل حينها 375 شخصاً كانوا فيه، ولم يكن الرجل هناك. (قصة قصف المستشفى وردت في مجلة New Left Review وهي مجلة بحثية رصينة). وطبعا رصدت امريكا 10 مليون دولار لمن يُخبر عنه ولاحقاً استشَهد.

وماذا عن الاحتلال؟

قبيل احتلال العراق كانت فيالق من العراقيين تحج إلى البيت الأبيض تستجدي الاحتلال. أذكر أنني قبل الغزو ببضعة ايام شاهدت على فضائية سي.ان.أن  محمد جعفر وهو نفسه كنعان مكية وهو نفسه سمير الخليل، مع بوش الإبن يدعوه لاحتلال العراق. وأنا أعرف محمد جعفر حين كنت في بريطانيا وأعرف حقده على العرب وعلاقاته العميقة مع الصهاينة وطبيعي ان يكون تروتسكي صهيونيا، ولذا لم أفاجئ حين أتى للكيان وعانقه إميل حبيبي وغيره!

ومع احتلال العراق جيىء بحكام جدد أوصلوا العراق لحاله اليوم!

بعد احتلال العراق فرَّط الأمريكي ببعض ما سرَّبه له حكام من العرب ضد العراق بأن لديه اسلحة دمار شامل. وكان التسريب حتى من حكام أقطار بعيدة عن العراق بمعنى لا وجود لتنافس بين البلدين. كان سبب التسري عمالة الحاكم المُخبر، وهدف التسريب كراهية هذا أو ذاك لصدام وحبذا لو أساس الكراهية في نقد سياسات وديكتاتورية صدام. هذا دون أن نغفل بأن احتلال العراق كان لتدميره وخدمة الكيان ونهب النفط الذي توضع حتى اليوم فلوسه في أمريكا ومن هناك يتم تسييل بعضه لنظام الفساد.

وحين يصل الأمر إلى دور كهذا من رجل سلطة، فمن المحتمل أن يتطوع لنفس الدور شخص عادي لدوافع مالية أو كره طائفي أو حزبي أو فكري…الخ وفي هذا يمكن قراءة ظروف اغتيال ا.ل.ش/.ه.ي. د. الأسود.

قد يكون الإخبار وتتبع رجل الجهاد من لبرالي او طائفي، أو يساري، أو متدين سياسي، او إقليمي أو مستعرب بالطبع. المهم أن طغيان اي ارتباط أو ولاء أو قناعة على الانتماء الوطني يُحيل المرء إلى وضاعة تصل العمالة. ولا يمكن فهم هذا النمط من الخيانة خارج درجة كبيرة من التخلف. فلا عجب، ألا نرى كل أوروبا على خلافاتها وتناقضاتها تقف خلف أوكرانيا!!!

أذكر شخصاً (هي/هو) عاش في الشام لسنوات ثم انتقل إلى الأرض المحتلة. كان لديه كراهية خاصة لسوريا من باب “الديمقراطية والحرية…الخ” إلى درجة مبالغ فيها. كان استنتاجي أن الشخص حاقد على القومية العربية. عُرضت عليه منحة دكتوراة عنوانها يوحي بأن رسالته ستكون مثابة تقرير إخباري عن المقاومة العراقية التي كانت تلجأ إلى الشام. اختار الشخص المنحة على الوطن، لذا، من أجله كان عنوان كتابي “التطبيع يسري في دمك”.

لعلَّ كعب أخيل في وضعنا العربي والفلسطيني هو غياب سطحية الوعي والانتماء حتى على تفارق موضوعات الوعي، وغياب قوة مثال، سواء دولة مركزية أو حركة ثورية قيادية وفاعلة لتكون نموذجاً إما يُحتذى أو على الأقل يُحترم. فتوفر هذين العاملين يلعب دوراً في الاستقطاب للأفضل ويكون مثابة علاج لإشفاء كثيرين مما علق بهم من ضياع وعدم اليقين الوطنيين. لأن اليقين الوطني عامل ردع عن السقوط. وإذا يكمن المقاتل خلف سلاحه والمثقف المشتبك خلف وعيه يكمن المواطن الوطني خلف وطنيته.

لغياب قوة المثال وتحديداً غياب القناعة بأن الوطن فوق كل شيء، تداعيات عديدة تسمح للبعض بالتفريط والخيانة بناء على الخلاف الفكري أو الديني أو السياسي أو الشخصي أو الطائفي أو المذهبي. وهذه كلها وغيرها يغذيها معسكر الثورة المضادة مما يقود إلى سهولة اختراق طرف لصالح العدو ضد آخر وربما تطوع البعض للخيانة مدفوع بحقد أو تنافس من اي نوع. وحفاظاً على هذا الضياع يُصر الأعداء على تفتيت ما تبقى من الوطن العربي ويجدون من يلبي ذلك.

من هنا ولهذا وذاك، يبقى المشروع العروبي وحده الذي يغِّير ما بنا.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/