نشرة “كنعان”، 19 مارس 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6502

في هذا العدد:

الأزمات البنكية وحرب العقوبات تكشف التبعية، عادل سماره

تحرير العقول من الاحتلال أم تحرير التاريخ: عروبيات (1)، عادل سماره

ما هي الأيديولوجية التي يناضل من أجلها الوطنيون الروس؟ مقالات في الأيديولوجيا الروسية الجديدة (الحلقة الثانية)، إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

اناتولي مياشيف

✺ ✺ ✺

الأزمات البنكية وحرب العقوبات

تكشف التبعية

عادل سماره

ما أن أُعلن إفلاس بنك وادي السليكون حتى استنفرت شركات التكنولوجيا العالية في الكيان وخاصة الناشئة منها حيث أصابها ذلك الانهيار بصدمات مزدوجة:

·        قلق إداراتها نفسها

·        وإعادة قراءة تراجع الاستثمارات في الشركات الناشئة “الإسرائيلية” بنسبة 42٪ في عام 2022 ، حيث كان الأمن السيبراني هو الأكثر تضرراً

وما أن حصل إفلاس بنك وادي السليكون حتى تدخل النظام البنكي في الكيان لإسعاف الشركات الناشئة وتهدئة روع المستثمرين فيها فساعدت LeumiTech الشركات الإسرائيلية الناشئة في نقل مليار دولار من SVB (بنك وادي السليكون). وهذا يعني أن هناك اندغام ما بين راس المال المالي وراس المال الصناعي وتحديدا في التكنولوجيا المتقدمة او ما يسمى عموماً الاقتصاد الجديد.

فقد صرحت شركة التكنولوجيا الفائقة التابعة لبنك لئومي إنها ستزيد من حجم الائتمان المتاح لشركات التكنولوجيا الفائقة التي فقدت الوصول إلى خطوط الائتمان الخاصة بها وهي بحاجة ماسة للسيولة بعد كارثة SVB وعليه، أدى انهيار بنك وادي السيليكون (SVB) إلى خلق فرصة للبنوك في الكيان لمساعدة الشركات التي لديها ودائع وائتمان لدى البنك الأمريكي.

كما أعلنت LeumiTech ، الذراع المصرفية لبنك لئومي والتي تركز على صناعة التكنولوجيا الفائقة ، أنه خلال الأيام القليلة الماضية ، تمكنت فرقها من مساعدة العملاء على تحويل ما يقرب من مليار دولار إلى إسرائيل كانت محتجزة في البنك المنهار. كما أعلنوا أنهم سيزيدون مقدار الائتمان المتاح لشركات التكنولوجيا الفائقة التي فقدت الوصول إلى خطوط الائتمان الخاصة بها وتحتاج بشدة إلى السيولة بعد كارثة SVB.

 كيف تمكنت فرق LeumiTech من مساعدة العملاء على تحويل ما يقرب من مليار دولار دولار إلى الكيان كانت محتجزة في البنك المنهار. فحينما ينهار بنك يتم إغلاقه ووضعه تحت الحراسة، بل إن ما قاله الرئيس الأمريكي أن الدولة تضمن كافة ودائع المساهمين وهذا ضمان أعلى مما كان يُقال في ازمة 2008 حيث كان هناك ضمانا لودائع كل من له 250000 دولار فما دون؟

هل مصدر المليار دولار هو عبر فرق LeumiTech التي كانت نشطة في كل من مقر الشركة في الكيان وفي المقر الرئيسي لبنك Valley Bank، وهو البنك الأمريكي الذي اندمجت معه Leumi USA والذي يمتلك فيه Leumi حصة 15٪.

لذا، حسب ما ورد في (Reuters):

“هذا وقت عصيب على صناعتنا وأصدقائنا في SVB. في أعقاب الأحداث الأخيرة، عملت فرق الخبراء في LeumiTech على مدار الساعة، في الكيان والولايات المتحدة، من أجل مساعدة الشركات الناشئة في الكيان و VC في تحويل الأموال بسرعة وأمان “.

و كتب تيمور أربيل سادراس، الرئيس التنفيذي لشركة LeumiTech ، على LinkedIn يوم السبت الماضي . لقد أعلنا الليلة أن LeumiTech ستزيد من الإطار التمويلي الشامل للإقراض التكنولوجي، لدعم الشركات النامية والشركات الناشئة التي تواجه صعوبات في استخدام خطوط الائتمان الخاصة بها في أعقاب أزمة SVB.

وهكذا، تم ضبط الوضع في شركات الكيان، ويبدو أن الأزمة في الولايات المتحدة بقيت محصورة قطاعياً، اي في قطاع التقنية المتقدمة وخاصة في مصرف وادي السليكون.

يفتح هذا على طبيعة الصراع العربي – الصهيوني بمعنى مختلف جوانب ومستويات الصراع.

فعلى سبيل المقارنة، لماذا أقلق انهيار بنك وادي سيلكون قطاع التكنولوجيا العالية في الكيان، بينما مرَّ على البلدان العربية مرورا عابراً.

في مقابلة مع اقتصادي مصري قال بأن المصارف المصرية لا توجد لها أرصدة في هذا المصرف القطاعي. وهذا قول صحيح، ولكن كان عليه أن يوضح بأن مصارف العرب خلف/وراء هذا التطور الاندماجي المتقدم بين راس المال المالي والتقني.

قد يرى البعض أن السبب كامن في اندماج الكيان في الاقتصاد العالمي. وهذا صحيح، ولكن الاقتصادات العربية واقتصادات بلدان المحيط مندمجة كذلك وبعمق. ولكن في أي مستوى؟

يعود مستوى الاندماج إلى عاملين:

الأول: مستوى التطور التكنولوجي في كل بلد على حده

والثاني: ثقافة السلطة الحاكمة من مدخل أو على أساس أين تستثمر وهل انخراطها مفتوح وتابع أم اضطراري. فالأنظمة العربية منخرطة في الإنفاق على الاستشراق الإرهابي ضد سوريا وتمنح ما في صناديقها السيادية لمصارف الغرب او سندات الحكومة الأمريكية والتي حينما تغضب أمريكا تصادرها، هكذا كانت السلبطة على 300 مليار دولار لروسيا، وهناك بقيايا أموال إيرانية منذ فترة الشاه. هذا ثمن الانخراط في السوق العالمية الذي حتى بوتين لم يوقفه.

وهذا ربما الفارق الأساس بين انخراط الدول في السوق الرأسمالية العالمية بمعنى هل انخرطت على أساس أو بمنطق السوق العالمية أم بمنطق متطلبات سوقها وضرورات تطورها.

يمكن معرفة مدى الانخراط التابع لرأسماليات المحيط إذا قرأنا أثر العقوبات/الحرب الاقتصادية على هذا البلد أو ذاك، أكثر من أخذ المستوى التكنولوجي بالاعتبار لأن هذا المستوى متعلق بمدى تطور التقنية والمعرفة في هذا البلد أو ذاك، وطبعا بلدان المحيط غالباً خارج هذا المجال.

هذا دون أن نغفل حتى في حرب العقوبات أن القرار السياسي لهذا البلد او ذاك يلعب دوراً في إثر العقوبات. لأن العراق كان منخرطا في السوق العالمية كان الحصار عليه   لثلاث عشرة عاماً حصار الحقيقي ولكن عمليا من الدول المجاورة له أي أن الأمر أمريكي والتنفيذ عربي وإيراني.  وحينما حوصت إيران كان التنفيذ عربياً، وها هي سوريا محاصرة والتنفيذ عربي إيراني!

ولعل مثال فنزويلا أكثر وضوحاً. فالموقف الثوري للراحل شافيز لم يقترن به موقف اقتصادي جذري بمعنى فك الارتباط بالسوق الرأسمالية العالمية أو حتى التوجه للدرجة الأولى لفك الارتباط اي التنمية بالحماية الشعبية لا سيما، ان الشعب كان جاهز لقبول فك الارتباط. وهذا يفتح على وسطية اشتراكية أمريكا اللاتينية.

ولأن فنزويلا بقيت تعمل سياسيا ضد الإمبريالية بيما اقتصادياً بقيت منخرطة في السوق العالمية كانت حرب العقوبات عليها قاتلة.

✺ ✺ ✺

تحرير العقول من الاحتلال أم تحرير التاريخ

عروبيات (1)

عادل سماره

قرأت بالصدفة مقالاً ل د. بسام أبو عبد الله/سوريا، في جريدة الوطن، دمشق الخميس 16 -3-2023

بعنوان تحرير العقول من الاحتلال. وهو بالحق عنوان أو موضوع هام.

لست بصدد تقريض ولا دحض ما كتبه د. بسام، ولكن وجدت أن بعضاً منه بحاجة لنقاش. ولا أكتب هذا إلا من أجل القراء العرب هم/هن لا أكثر.

ورد في مقالة د. بسام:

” اعتاد كثيرون عبر عقود من الزمن على تصديق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية، وكأنها كتاب مقدس لا يرقى إليه الشك”

وهذا صحيح تماماً، ولكن، للأسف لم يعد ما يُضللنا محصور في وسائل الإعلام الغربية والصهيونية فقط بل في وسائل إعلام صديقة عربية وإسلامية. ومن هنا، يصبح التحرير شاملاً، والتحرُّر من قبل الواعين واجباً لا يجامل أحداً حتى لو صديقاً من هذه القومية أو تلك مسلماً أو غير مسلم.

ثم يضيف:

“مناسبة الحديث عن تحرير العقول هو اللقاء الذي جرى يوم 8 آذار الجاري ليلاً بين صاحب العمامة ومجموعة كبيرة من الخبراء والمحللين السياسيين الأعضاء في الرابطة الدولية، الذين عقدوا مؤتمرهم الأول في بيروت يومي 7 و8 آذار الجاري، إذ ركز … على قضية تحرير العقول في معركتنا الكبرى التي نخوضها على صعيد الإقليم والعالم للخلاص من أشكال الهيمنة الأميركية…”

لست أدري ما هو وأين هو هذا الإقليم، ولا أدرى إن كان استخدام المصطلح من الكاتب أم من المكتوب عنه! الموجود هو الوطن العربي، والوطن الفارسي، والوطن التركي…الخ.

لذا فمصطلح الإقليم يدمج كل القوميات مع بعضها في تخليط غير منطقي، وحبذا لو أنها كأمم وإثنيات متصالحة ويعترف بعضها بالبعض الآخر!  بل الحقيقة أن القوميتين الفارسية والتركية تنكران وجود أمة عربية باستخدام الإسلام ضد العرب الذين هم فكر وفرسان الإسلام وقوة دفع وزخم هذا الدين وأهله. والطريف، حتى جولدا مائير التي انكرت وجود فلسطينيين لم تنكر وجود العرب، ربما بخبث صهيوني كي تبرر اقتلاع الفلسطينيين من فلسطين وطردهم إلى الوطن الكبير.

أنا أخشى أن مصطلحات كهذا اي الإقليم ان تطمس مجرد الحديث عن وطن عربي كما يفعل مركز “المهد Cradle في بيروت حيث ينفي وجود وطن عربي نفياً مدروساً بعناية طائفية قومية لا عروبية. لا أعتقد أن د. بسام كهؤلاء بالطبع. فهذا المركز يتحدث عن “غرب آسيا!!! وشمال إفريقيا.  مضحك والله! هذا يا عزيزي د. بسام هذا هو النقل والالتهام من الغرب صاحب مصطلح “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. لكنه التهام طائفي بغيض خبيث.

وطالما حديث العمامة عن العلم وللعلماء، ربما كان يمكن سؤال الجميع:

ايها العلماء المحترمين:

لماذا لم تقدموا استشارات ونصائح للعمامة منذ اربعين سنة عن ضرورة رفض التطبيع ووجوب التنمية بالحماية الشعبية وصولا إلى فك الارتباط وخاصة الاقتصادي بالغرب! لماذا لم يذكر الرجل هذه الأمور سوى ابتساراً منذ بضع سنوات؟ هل السبب لأن إيران نفسها منخرطة في الاقتصاد والنظام الرأسمالي العالمي وبالتالي ممنوع التفكير خارج هذا المربع! أم لأن سادة علماء إنما يتتلمذون على صاحب العمامة وفقط دون أن يقدموا له شيئاً! وهذا الشكل من العلاقة خطير لأنه تصفيقي. لا داع أن يأخذوا أطروحة سمير أمين في فك الارتباط ولا أطروحتي في التنمية بالحماية الشعبية فليقرؤوا الحوار الهندي والأمريكي اللاتيني مثلا. ولا بد أنهم قرؤوا، هذا مثار تساؤل.

وبالمناسبة، الحرب الإمبريالية الاقتصادية على إيران فاعلة لأن الانخراط الإيراني عميق في السوق العالمية واقتصادها يعمل بمنطق السوق وليس بمنطق تنمية بالحماية الشعبية ومن ثم فك الارتباط. قد يقول البعض بأن اقتصاد إيران إسلامي! كلا يا سيدي لا يوجد اقتصاد إسلامي ولا مسيحي ولا بوذي وأكيد ولا يهودي، هناك إما اقتصاد رأسمالي او ضد رأسمالي. فلا هبل ولا استبهال.

من اللافت، وربما الطريف في كتابات كثيرين من العرب ذوي الهوى الإيراني وجود لازمة هي:

كي تُبهِّر مديحك لإيران يجب أن تهاجم الشيطان صدام حسين!

لذا حينما ذكر د. بسام الإمام الخميني بأن جوهر مشروعه تحرير القدس ألحق ذلك باتهام صدام حسين بأنه بدأ الحرب مع إيران.

فكتب:

“…تحول الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لزعيم عربي أول، وصاحب القادسية عندما هاجم إيران في حرب ظالمة استمرت ثماني سنوات دمرت العراق وإيران آنذاك، وكان عنوان حربه «قومياً مذهبياً» ليكتشف الجميع لاحقاً أنها كانت تطبيقاً لنظرية «الاحتواء المزدوج» الأميركية لضرب قوتين أساسيتين في الخليج، وتدميرهما، ثم فيما بعد لم يشفع ذلك لصدام من أن يتحول لعدو أساسي للغرب فيما كان يعتقد أواخر السبعينيات أنه صديق ومقرب للغرب، أي إن مذهب صدام وإسلامه لم يكن لهما علاقة في الأول، ولا في الآخر.

كنت أنا وبتواضع ممن ابتهجوا للثورة الإيرانية، ولذا، حينما حصلت الحرب العراقية الإيرانية اعتبرت صدام هو المعتدي وكتبت كراسا في هذا الأمر. ولكن متابعة الموضوع وما كُتب عنه اتضح أن من بدأ الحرب هو الإمام الخميني.

فهو الذي نادى بتصدير الثورة “الإسلامية”. وإلى اين؟ إلى بلاد العرب بدءا بالعراق وكأن الإسلام إيراني والعرب كفرة! ألم يكن التصدير أحرى إلى تركيا حيث هي في الناتو ومعترفة بالكيان وفيها من الانفتاح والنخاسة الجنسية ما قاد إلى “خلجان متآكلة بالحتَّ-كما كتب الراحل الشاعر عبد اللطيف عقل”

 لا اريد مناقشة تصدير الثورة من حيث المبدأ، ولكن تصديرها هي حرب ثقافية. كما شاهدت عدة مقابلات مع جنرالات عراقيين منهم ضد صدام ومنهم معه يؤكد بعضهم أن إطلاق النار بدأ من إيران وبأن أول طائرة حربية من إحدى الدولتين ضد الأخرى كانت من إيران ضد العراق.

من هنا، فإن رد العراق كان برأيي حربا دفاعية. وللمقارنة، لماذا نعتبر حرب روسيا ضد الناتو في أوكرانيا دفاعية ولا نسمح لصدام بمثلها!

وبالمناسبة، أنا لم أكن بعثياً، لا بعث سوري ولا العراق ولا الطبعة الأصلية للبعث والتي أراها من فضائل البعث. بل كنا نحن القوميين العرب والبعثيين على خصومة متخلفة بالطبع. ولكن، لأن صدام لا توجد له بكَّايات، ولأن الهجوم عليه يُثلج صدر إيران أرى أن كثيرين يهاجمونه لهذا الغرض.

أذكر عام 1965 كنت مطلوباً لمدير المخابرات الأردنية في رام الله محمد نور الدين أنا وبعثي من قرية مجاورة لقريتي. كنا على الباب بانتظار التحقيق متجادلين إلى قرابة الاشتباك بالأيدي. كان يكبرني بعشرة أعوام. إنتبه الرجل وقال: والله كلانا سخيف. كلانا بانتظار التعذيب ونقتتل!

أنا مثلك د. بسام لا أؤمن ب “إسلام صدام” لأنه دين سياسي استخدمه لهدف سياسي، ولكن ماذا عن إسلام إيران؟ أليس ديناً سياسياً؟ ألا ترى أن إيران باسم الدين تسيطر على اقتصاد العراق حتى تبيعه الطاقة التي لدى العراق منها أكثر مما لدى إيران؟ بعد أن دمرت أمريكا كل العراق وليس فقط المصافي.

 أذكر حينما قامت أمريكا عام 1991 باحتلال الكويت بعد أن حررها العراق في خطوة صحيحة عروبيا وخطأ توقيتاً وكنت حينها في لندن كان افتتاح بي بي سي لبدء العدوان بالجملة التالية:

“إنهم يفرشون بغداد بسجادة من القنابل” وها هي الكويت المحررة ترفض تقديم وجبة غذاء لأهل الشام الذين شاركوا الأمريكيين في إعادة قبيلة الصباح للكويت! أليس هذا عقل بدوي، لا عربي ولا عروبي؟

  أليست نصيحة المسلم الإيراني للمسلم العراقي أن يقيم مصافيا جديدة بدل أن يرسل النفط الخام لإيران لتنقيته لتبيعه مجدداً للعراق بأسعار خيالية مقارنة بسعر الخام؟ قد تقول لي، هذه مشكلة حكام العراق.  نعم صحيح، لكن هؤلاء الحكام هم جناح برجوازي طائفي لا قومي هو من العرب الشيعة موالي للفقيه وليس لعلي ولا لمحمد وفي ذيلهم ذيل سُني من نفس الطراز ناهيك عن الكرصهاينة.

مقابل نقدي يا عزيزي، هنا أوافقك على ما يلي من قولك:

“… أستطيع أن أضرب مئات الأمثلة والنماذج لتفكيك فكرة الطوائف والمذاهب والإثنيات وغيره من الأدوات التي تستخدمها وسائل الإعلام الغربية، ومراكز بحوثه لاحتلال عقولنا بأفكار مريضة لا أساس علمياً لها، فالانتماء الطائفي أو المذهبي يأتيك بالمصادفة التاريخية من أبويك، لكنه أمر لا يعني قوى الهيمنة والاستعباد سوى كأداة للتضليل والخداع والفتنة والسيطرة.

ولكن المشكلة ليست في وجود الطائفة كوجود كجزء من المجتمع والمذهب كجزء من الثقافة، بل في التطييف! لأن هذا ضد الطبقة وضد القومية والطائفية جاهزة للعمالة حال هُزمت.

لقد ختم د. بسام مقالته بالتالي:

“والذهاب نحو الانتماء الوطني والقومي، ولذلك فإن العروبة كوعاء ثقافي حضاري هي الحاضن الأكبر لكل هذا التنوع، والغنى في بلادنا.

نعم صحيح العروبة هي الوعاء للجميع، ولكن ألا تلاحظ أن هذا الموقف الصحيح يتناقض مع مصطلح الإقليم! الوارد أعلاه.

✺ ✺ ✺

ما هي الأيديولوجية التي يناضل من أجلها الوطنيون الروس؟ مقالات في الأيديولوجيا الروسية الجديدة (الحلقة الثانية)، إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

المجتمع الروسي بحاجة إلى أيديولوجيا توحد الشعب – اشتراكية ذات طابع روسي

اناتولي مياشيف، دكتوراه في التاريخ

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 14 /11/ 2022

 تمت كتابة هذه السطور في بداية شهر نوفمبر 2022 قبل التخلي عن خيرسون، ولم يتغير شيء حتى بعد انتقال الجيش الروسي إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبر.  أنا متأكد من أن هذا هو تفسير ما يحدث…

* * *

في 24 أكتوبر 2022 كتب الروائي الروسي ألكسندر بروخانوف كلمات بسيطة ومفهومة: “روسيا، التي تخوض حربًا دامية، تحتاج إلى جيش زمن الحرب، وتحتاج إلى اقتصاد زمن الحرب، وتحتاج إلى صناعة زمن الحرب، وثقافة زمن الحرب، وأيديولوجيا زمن الحرب، ومديري زمن الحرب، وقادة زمن الحرب.  روسيا بحاجة إلى نخبة زمن الحرب قادرة على قيادة البلاد إلى النصر “.

 في رأينا، بقي سؤال واحد مفتوحًا في ثلاث نسخ: من أين نبدأ؟  هل نحل جميع المشاكل دفعة واحدة؟  أي واحدة من سلسلة هذه المهام هي الرئيسية، القادرة على التمهيد لحل جميع المهام الأخرى؟

 ستكون إجابتنا لا لبس فيها: نحن بلد تخوض غمار حربً من أجل وجودها، حيث لا توجد أيديولوجيا للدولة، وبالتالي تفتقر إلى منظومة واضحة للأفكار وبرنامج عمل اجتماعي سياسي واقتصادي قائم على أسس علمية لقيادة البلاد التي تصبو بشغف – ولديها القدرة بالتأكيد – على تحقيق النصر.

 من أجل أن تصبح الأيديولوجية المهيمنة في الدولة، يجب أن يتجذر هذا النظام من الأفكار في الوعي العام، وهذا هو بالفعل أساس النهضة الروحية، أي ولادة ثقافة جديدة.  للأسف، في الوقت الحاضر يصعب تحقيق ذلك.  يقول ألكساندر بروخانوف لان التربة غير جاهزة لذلك.

في تاريخنا، كانت هناك حالات حددت فيها الدولة – في مفاصل حاسمة من وجودها – أهدافها في شعار واحد.

عندما بدأ الهجوم الألماني في فبراير 1918، صاغ لينين أيديولوجية روسيا الجديدة في ثلاث كلمات: “الوطن الاشتراكي في خطر!”  تمت الإشارة إلى أن وطننا الأم، وطننا، بلدنا، دولتنا، وشعبنا كله كان في وضع صعب – “في خطر!”

الرسالة وصلت أن ما يجب الدفاع عنه ليس القيصر مع حكومته الهاربة، وليس أصحاب المصانع ورؤوس أموالهم، ولا أصحاب الأراضي واملاكهم، بل الوطن، حيث يتحقق الحلم الروسي عمليًا – فكرة العدالة الاجتماعية، الوطن الاشتراكي.

 ستالين (عام 1941عندما هاجم هتلر الإتحاد السوفياتي-المترجم) أعلن الحرب المقدسة وطالب الشعب بإظهار “الغضب الشديد”، وصاغ الأيديولوجية في ست كلمات: “كل شيء للجبهة، كل شيء للنصر”.

وفي إطار برنامج الدولة الشامل والانقاذي والمنتصر هذا، فإن الشعار الذي نطق به مولوتوف في الساعة 12.00 ظهرا من اليوم الأول للحرب، “قضيتنا عادلة، العدو سيُهزم، النصر سيكون حليفنا!” بدا واضحًا ومفهومًا وبالتالي فعالًا للشعب السوفياتي.

هذه الأطروحة، التي كررها في أيامنا هذه حفيد رجل دولة بارز، ليست مفهومة وملموسة ومشتركة بين جميع الروس اليوم.  على العكس من ذلك، فإنه يثير الكثير من الأسئلة.

 أولاً، ما هي قضيتنا، وما السبب الذي سيثبت في النهاية أنها قضية عادلة؟  أليس هو نفس الشيء الذي فعلناه عام 1991، عندما دمرنا الدولة السوفياتية؟  أو هو العمل الذي كنا نقوم به خلال 30 عامًا، ندمر هويتنا ونسعى للاندماج في أسرع وقت ممكن في العالم الغربي بقيمه العنصرية الكارهة للبشر؟

 ثانياً، من هو عدونا في حرب اليوم، والتي يطلق عليها بثقة وإصرار الحرب العالمية الثالثة؟  أحفاد بانديرا، الذين تم تفضيلهم من قبل المجتمع الليبرالي بأكمله على مدى 30 الماضية، فقط، لمعارضتهم الاتحاد السوفياتي “الشمولي”؟

هل هم البولنديون والألمان والفرنسيون والأوروبيون الآخرون، الذين يكنون عداء كبير للثقافة الروسية، ويرفضون الروحانية الروسية ولكنهم في نفس الوقت يدمنون على الموارد الروسية؟

ام الأمريكيون، الذين أشعلوا النيران، واحتلوا، وقصفوا، ودمروا طوال تاريخهم القصير، لكنهم كانوا يعتبرون “شركاء” في أواخر العهد السوفياتي وما بعد الاتحاد السوفياتي؟

ثالثا، ماذا يعني النصر؟  ماذا سيمثل النصر؟  رفع العقوبات عن فريدمان وآفين؟  هل هو الوقت الذي ستضطر فيه أوروبا مرة أخرى إلى شراء الغاز والنفط منا؟  نحن نبالغ بالطبع، لكن هذا لأنه لم يقل أحد حتى كلمة واحدة عن مستقبل البلاد، ومتى تتغلب على العدو الخارجي، وتتوحد وتحقق السيادة الحقيقية…

حسنًا، ولا يمكنك، ان تكرر الاعلان واقناع المجتمع للمرة المائة في فترة تاريخية قصيرة جدًا بصحة وحرمة المسار المختار، دون الإشارة على الأقل إلى المعايير الرئيسية في هذا المسار بالذات.

آن الأوان لاقتراح أيديولوجية الدولة المنقذة والمنتصرة!  أيديولوجية بسيطة ومفهومة يشترك فيها ذلك الجزء من المجتمع الذي يريد أن يرى روسيا كدولة ذات سيادة وقوية وغنية وعادلة.  أيديولوجية توحد جزءًا كبيراً من المجتمع تحت شعار “نحن سنبني عالماً جديداً!”.  أيديولوجية تجعل الناس الذين يؤمنون بها هم أفضل جزء في المجتمع، ومثالًا ونموذجًا للأشخاص الذين لا يريدون وغير قادرين على الانصياع لروح ومبادئ وقيود برنامج الدولة هذا، والذي يحدد في الواقع الدافع وراء النشاط البشري!  حتى يتسنى لجميع المقيمين في دولة الاتحاد الروسي، الذين يعرّفون نفسهم بأنهم روس، ومواطنون روس، أن يكون لديهم معرفة بالمقياس الأخلاقي للسلوك الذي يمنح الحق في تلقي الحماية من الدولة، والأفضلية، والاعتراف، والأولوية وفي النهاية، دعم الدولة والامتيازات والجوائز.  حتى الآن، تعلمنا بشكل عام أي نوع من العالم يكون الجزء السليم من المجتمع الروسي مستعدًا بالفعل للتخلي عنه الآن وبدون تأخير: عن عالم بلا حب لوطنهم، دون احترام لشعوبهم والشعوب المجاورة، بدون مبدأ المساواة الشاملة بين الدول والشعوب، بدون عدالة اجتماعية، بدون قيم عائلية، بدون فضائل مسيحية.

من الصعب صياغة أيديولوجيا جديدة في ثلاث أو ست كلمات.  إن العقيدة الروسية، وأيديولوجية النصر، والحلم الروسي قد تم تطويرها باحتراف، وهي هياكل أيديولوجية تمت مناقشتها ببراعة، ومع ذلك، بالنسبة لعالم اليوم المضطرب، وحتى، وفقًا لمشاعرنا، الموجودة في نقطة الانقسام، فهي سابقة لأوانها، وبالتالي – إلى حد ما فهي ساذجة، ومن وجهة نظر تحقيق نتائج فورية – فهي إشكالية. 

نحن لا نستبعد أنه في ظل الظروف الحالية فإن الأكثر ملاءمة وفعالية ومنطقية هو التحول الإبداعي لإيديولوجية العالم الروسي إلى برنامج عمل سياسي.  علاوة على ذلك، مرت مرحلة البيان السياسي والاختبار العملي لإيديولوجية العالم الروسي في ساحات القتال في دونباس.  تسببت فكرة وحدة العالم الروسي وانتصار الروابط والقيم الحضارية التي تعود إلى قرون في تفهم ودعم ومساعدة الجزء “غير الغربي” من المجتمع الدولي، فضلاً عن الكراهية والخوف من الجزء الأصغر – الجزء الغربي.

لن ينجح نموذج التعبئة الراهن، الذي يفترض نقل الدولة بأكملها وتحويلها إلى قلعة عسكرية من أجل تحقيق النصر، بدون عنصر أيديولوجي.

 هناك شريحة من المجتمع، التي لا تقبل بشكل قاطع الأطروحة القائلة بأن الدولة بحاجة إلى أيديولوجيا كضمان للتطور الناجح للمجتمع، هي ببساطة مخادعة.  وراء إنكارها إيديولوجية الدولة المهيمنة، هناك محاولة قاسية لا هوادة فيها لغرس وتغلغل خطابها حول المجتمع: انهاء الحرب في أوكرانيا، والمفاوضات مع نظام زيلينسكي مع تنازلات متبادلة، واستئناف الحوار مع الغرب، والعودة إلى النموذج الاقتصادي “موارد رخيصة مقابل سلع استهلاكية رخيصة.”

 اما التناقض الظاهري بين الضرورة التاريخية لأيديولوجيا الدولة وحظرها في الدستور فسوف يزول بسهولة.  يجب أن تُعطى أيديولوجيا الدولة ببساطة شكل استراتيجية أمن الدولة القومي، التي تمت الموافقة عليها بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية.  في رأينا، إن التنفيذ الصارم من قبل السلطات والمجتمع والجيش للأحكام الرئيسية للاستراتيجية سيضمن تنفيذ أحد المتطلبات الرئيسية لنموذج التعبئة – إنشاء لجنة الدفاع الحكومية، التي يمكن أن يكون رئيسها بالتأكيد وحصريًا رئيس الدولة.  وهكذا تصبح الاستراتيجية التي أقرها رئيس لجنة الدفاع الحكومية هي أيديولوجية الدولة التي تناضل من أجل خلاصها وسيادتها.

نحن في حالة حرب، لذلك يجب أن يبدأ تشكيل أيديولوجية الدولة  بتقييم واقعي للوضع الذي وجدت بلادنا نفسها فيه.  وبهذا التقييم، فإن السلطات ملزمة بأن تعلن للمجتمع أنها لن تتسامح بعد الآن مع الأكاذيب المدمرة والخداع في العلاقات مع الناس.  خطاب بوتين في مؤتمر فالداي، مما لا شك فيه، يتخذ خطوة حاسمة في هذا الاتجاه.

 لقد تم تحديد نقطة البداية للانفصال الحضاري المأساوي اليوم: انهار التوافق و التوازن العالمي بالكامل مع انهيار الاتحاد السوفياتي.  أخيرًا، أشارت أعلى سلطة في البلاد بحزم ووضوح إلى موقف إيجابي بشكل عام تجاه التاريخ السوفياتي.  لن يكون من الصعب تحديد رسالة زعيم الدولة.  من الواضح أن ثورة أكتوبر الروسية العظمى وجدت إجابات ناجحة للتحديات التي واجهت الحضارة الروسية في بداية القرن العشرين: في السنوات الخمس الأولى فقط من السلطة السوفياتية، تم إعادة إنشاء إمبراطورية في شكل اتحاد سوفياتي.  استغرق الاتحاد السوفياتي 25 عامًا أخرى لإجراء التحديث، حيث أوقفت الحرب المقدسة والنصر العظيم مرة أخرى الحملة الصليبية للغرب وتحولت دولتنا إلى قوة عظمى تندفع إلى سبر اغوار الفضاء والذرة.  كان التسارع الذاتي بعد الانتصار كبيرًا لدرجة أنه كان من الممكن الفوز في مسابقة الفضاء ضد الأمريكيين، وعدم خسارة سباق التسلح الذي فرضوه، واستعادة المجر وتشيكوسلوفاكيا من العدو، وبدءًا من عام 1965، وإن كان لفترة قصيرة.، لبث نبضات جديدة في الاقتصاد الاشتراكي.  بعد الحرب العالمية الثانية، توقف العدو عن محاولة تدمير الدولة السوفياتية من الخارج وبدأ في تنفيذ خطة انهيار روسيا الكبرى من الداخل.

 بدأت قيادة خروتشوف في إعادة رسم الحدود بين جمهوريات الاتحاد (فقدت روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية شبه جزيرة القرم، وكانت خطط إنشاء جمهورية تسيلينا في كازاخستان حقيقية تمامًا)، وتدمير المجمع الاقتصادي الوطني الموحد (سوفناركوز) وإنشاء نسخة سوفياتية من المجتمع الاستهلاكي (كل واحد حسب احتياجاته بحلول الثمانينيات).  عندما شرع الغرب في تجهيز نظام عالمي جديد (بدون منافس في مواجهة الاتحاد السوفياتي، ولكن مع الهيمنة الأمريكية العالمية)، بما يتفق تمامًا مع الأيديولوجية الاستهلاكية السائدة، شرعت النخب السوفياتية السابقة التي ولدت من جديد على الفور في تحويل سلطتها إلى الاستيلاء على أملاك الدولة.  حسنًا، لقد قاس جزء كبير من المجتمع السوفياتي في ذلك الوقت نجاحهم في الحياة ليس من خلال “الاشتراكية المعتادة” في شكل الطب المجاني وأفضل تعليم مجاني في العالم متاح للجميع، وصناديق الأموال العامة وصناديق التنمية الاجتماعية في المؤسسات الاشتراكية، ولكن من خلال مجموعة مرغوبة من “الحكايات الرأسمالية” على شكل جينز وأنواع عديدة من النقانق.

لقد أدت الأيديولوجية الاستهلاكية إلى “تبريد” الشعب الإمبراطوري (يقصد الشعب السوفياتي-المترجم) “الحار والنشط”، الذي أطلق على نفسه منذ وقت ليس ببعيد بكل فخر “الشعب السوفياتي كمجتمع تاريخي جديد”.

 لقد تم استغلال أيديولوجية الاستهلاك نفسها بلا رحمة من قبل النخبة العالمية لـ “المليار الذهبي”، الذين آمنوا بإمكانية التغلب على كل الصعوبات الاقتصادية من خلال الاستغلال غير المقيد للموارد الروسية الرخيصة والعمالة الرخيصة في الصين.

 لقد تغلغلت أيديولوجية الاستهلاك في جميع مسام مجتمعات ما بعد الاتحاد السوفياتي، واخترقت المستوى العقلي: من اعتراف وزراء التعليم بأنهم يجهزون المستهلكين المتعلمين، إلى صرير الجمهور المبتهج “نريد أوروبا وسراويل داخلية ضيقة! “.  كان الحكيم أ. ج. توينبي مقتنعًا بأن “حضارات بأكملها غرقت في أزمة حادة لأن الأقلية الحاكمة بدأت فجأة تؤمن بالأساطير، التي أدخلوها هم أنفسهم إلى أذهان الجماهير من أجل التلاعب بها.”  نحن مقتنعون بأن الخطوة الثانية، التي تنشأ الآن منطقيًا من الاعتراف بالقيمة الحضارية للحقبة السوفياتية من التاريخ، يجب أن تكون إعلان الثلاثين عامًا الماضية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كخيار عام خاطئ وطريق مسدود حضاريا.

عند تشكيل أيديولوجية جديدة، من المهم للغاية تحديد مصدر الخطر الرئيسي، ومن هو العدو الوجودي.  أخيرًا، يتم التعرف على الغرب الجماعي الليبرالي المتحد على هذا النحو، وتسمى أيديولوجيته عبادة الشيطان.

خطاب بوتين الأخير في فالداي دفن آمال الأعداء، الخارجيين والداخليين، في احتمال صنع السلام والتوصل إلى حل وسط مع الغرب.  لقد أحرقت الجسور، ولم يعد هناك طريق للعودة، فهذه هي الأهمية التاريخية لخطاب فالداي الذي ألقاه الرئيس.

 مسألة آفاق روسيا في النظام الجديد للعلاقات الدولية، الذي يولد في خضم الألم والدم لاتزال غير واضحة.  من المرجح أن يتمحور التموضع الجيوسياسي الجديد حول القوة العظمى الأمريكية القديمة والزعامة الاقتصادية العالمية الجديدة للصين.

الولايات المتحدة “جددت دمائها” من خلال نقل الطاقات الإنتاجية، والتقنيات المبتكرة، والعمال المهرة من النموذج الاستعماري الجديد الأوروبي 2.0، ومع ذلك، هناك تزايد التناقضات الداخلية، وانخفاض كبير في مجال النفوذ، وانهيار دور الدولار مما جعل الولايات المتحدة تقول وداعا إلى الأبد لمكانة “المهيمن الوحيد”.  على العكس من ذلك، قد تحاول الصين القيام بدور قوة مهيمنة جديدة تهدد العالم بمحاولة جديدة للعولمة، الآن بالطريقة الصينية.

 مهمة روسيا، التي كانت أول من تحدى العولمة الأمريكيةُ ونجحت في الهروب من براثنها المميتة، هي الحفاظ على سيادتها وتعزيزها إلى أقصى حد في ظروف النمو السريع والتحول إلى مشروع صيني عالمي.

نجرؤ على القول أن العالم قد يعود في المستقبل القريب إلى مواجهة جديدة بين الرأسمالية والاشتراكية.  والرأسمالية وحدها، على ما يبدو، لن تكون شاملة، بل “حصرية” لطبقة محدودة من الأرستقراطيين والرأسماليين في الغرب.  وأمام أعيننا، يتم تدمير الطبقة الوسطى، ويتم نقل الوظائف الإدارية والتنظيمية من الدول إلى الشركات العابرة للقارات، ومن الواضح أن الدور التنظيمي للحكومة العالمية، التي شكلها بوضوح رأسمالي العولمة، محسوس “وفقًا للقواعد”.  لكن مثل هذه الرأسمالية ربما يجب أن تقاوم من قبل الاشتراكية، التي من الأنسب أن نطبق عليها الخاصية “الشاملة”.

للأسف، لم تعد روسيا حاملة للأفكار الاشتراكية.  تجسد الصين الراية والرمز والقوة الخلاقة وقوة الاشتراكية – وهي بالفعل ثاني اقتصاد في العالم، والثالث من حيث المساحة، والأول من حيث عدد السكان.

أعلنت الصين عن الهدف – إنشاء مجتمع اشتراكي متكامل، دولة غنية وقوية وديمقراطية ومتطورة ثقافيًا ومتناغمة وجميلة بحلول الذكرى المئوية لجمهورية الصين الشعبية في عام 2049.  بالإشارة إلى الحاجة للتطوير الإبداعي للنظرية الاشتراكية، يقترح الأيديولوجيون الصينيون التمسك بالقواعد النظامية الأساسية للاشتراكية: نهج موجه للشعب، ومبدأ “حكم الشعب للبلاد”، وسيادة القانون، وهدف التنمية هي رفاهية الشعب، وتعزيز الأمن القومي.

ان الحفاظ على القيم الاشتراكية الرئيسية للصين هو في القضاء التام وغير المشروط على الفقر (في أكتوبر 2022، صرح شي جين بينغ أنه “على الصعيد الوطني، تمت إزالة” علامة الفقر “أخيرًا من 832 مقاطعة فقيرة، وقد تم إزالة ما يقرب من 100 مليون من سكان الريف. تم انتشال أكثر من 9.6 مليون شخص من الفقر، وتم نقل أكثر من 9.6 مليون شخص من المناطق الفقيرة إلى المناطق الغنية) وإنشاء طبقة وسطى يبلغ عددها نصف مليار (في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، ادعى شي جين بينغ أن الصين “أكملت بالفعل المهمة التاريخية لبناء مجتمع مزدهر من جميع النواحي “).

 إن إنشاء وتطوير الأيديولوجية الاشتراكية في الصين هو “عمل يهدف إلى إرساء الأساس الروحي للبلاد والأمة”.

في الواقع، الاشتراكية في الصين تتطور وفقًا لشرائعها القديمة المختبرة: كل ما هو مفيد للمجتمع هو اشتراكي، بما في ذلك اقتصاد السوق، والسيادة الوطنية، والجيش القوي، ومكافحة الفساد.  يجب أن نفترض أن أنصار العولمة الليبرالية اليوم، في رغبتهم لخلق ما يسمونه “الرأسمالية الشاملة”، يمرون بالدورة الثانية من الجحيم من جديد.

إلى ماذا أدت “القفزة” الأولى؟  عندما طور لينين نظريته عن الإمبريالية كمرحلة أخيرة من الرأسمالية – طرح الفاتيكان الفكرة الديماغوجية عن الكوربوراتية (اي حكم أصحاب الشركات-المترجم) والتضامن. التقط الفاشيون الإيطاليون هذه الفكرة على الفور، واستكملها النازيون الألمان بأفكار التفوق البيولوجي والثقافي للعرق الآري على الآخرين، ومعاداة السامية العرقية، والسلافوفوبيا (اي كراهية العرق السلافي بما فيهم الروس-المترجم)، ومعاداة الشيوعية.

 بعد أن دمر الاتحاد السوفياتي النازيين جسديًا وهزمهم أيديولوجيًا، بدأ الأمريكيون في نشر نظرية “الرأسمالية الشعبية”.

مع ازدهار الاستهلاك ثم حمى الائتمان، أخمدت الأوليغارشية المالية الصراعات الاجتماعية وركزت الأرباح في أيديها.  تزامنت نهاية “حقبة الازدهار للطبقة الوسطى” مع انهيار الاتحاد السوفياتي: انجرفت الأسواق بسلاسة إلى أزمة لا نهاية لها من فائض الإنتاج، وبدأت الفقاعات المالية في البورصات تنفجر، وانخفضت أرباح الشركات بشكل مطرد.  النخبة ما بعد السوفياتية، التي زودت الغرب بالموارد من أجل لا شيء، في الواقع، أطالت أمد عذاب الرأسمالية.  ومرة أخرى، من أجل الحفاظ على رفاهيتهم وهيمنتهم، يلجأ الرأسماليون المهيمنون إلى وسائل مجربة، يعيدون إحياء النازية سيئة السمعة من “مخازن جيدة التهوية ومحفوظة بعناية”: أنصار بانديرا في أوكرانيا (“أوكرانيا فوق كل شيء”) – المشاريع التي تم إنشاؤها ودعمها بشكل مصطنع من قبل الحكومة العالمية، هي مجرد أسلحة في أيدي العولمة.

 وهكذا فإن روسيا، بحكم مهمتها التاريخية لإنقاذ العالم من النازية، محكوم عليها بالعودة إلى “المسار الاشتراكي” مرة أخرى.  على الطريق الذي منه، بعد أن أشرفت الحضارة نفسها على شفا الانقراض، ابتعدت عنه النخب “السوفياتية المتأخرة وما بعد السوفياتية”.

يمكن أن تصبح أيديولوجية “الاشتراكية ذات الطابع الروسي” جذابة ليس فقط للصين.

 العنصر الهيكلي الإلزامي لمثل هذه الأيديولوجية هو المسار نحو التعددية القطبية وتعزيز السيادة الوطنية للبلدان ذات الهياكل الاجتماعية – الاقتصادية والاجتماعية – السياسية المختلفة.  لهذا السبب، بشكل عام، لم يدعم مودي (رئيس وزراء الهند-المترجم) الموالي للغرب، على الرغم من إدانته الحرب في أوكرانيا، العقوبات ضد روسيا.  بمجرد إعلان المبادئ الاشتراكية، أصبحت الهند خامس اقتصاد في العالم، والسابع من حيث المساحة، والثاني من حيث عدد السكان.  البرازيل، بقيادة أكبر سياسي يساري مناهض لأمريكا، وأحد مؤسسي البريكس، لويس دي سيلفا، هي الاقتصاد التاسع، والخامس من حيث المساحة والسابع من حيث عدد السكان. كما توجد ملامح اشتراكية واضحة في أكبر دولة أفريقية، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، التي تقدمت بطلب الانضمام إلى مجموعة البريكس.

 وفي جمهورية فيتنام الاشتراكية، وفقًا لدستور عام 1992، يعود الدور القيادي في الدولة إلى الحزب الشيوعي الفيتنامي، ويحدد الدستور الحالي للدولة النووية “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية” –  كوريا الشمالية كدولة اشتراكية ذات سيادة.

 إعادة فكرة العدالة الاجتماعية إلى مستوى النظرة العالمية، والاعتراف بالعداء لمصالح الأوليغارشية، وإدراك المصير المرير للأطراف الرأسمالية، يمكن لروسيا محاولة تنفيذ مشروع “الاشتراكية ذات الطابع الروسي” القريب نفسيا من شعوبها.

 ما الذي سيتغير مع الاعتراف بإيديولوجية بناء “اشتراكية بخصائص روسية” من خلال استراتيجية الأمن القومي للدولة في الاتحاد الروسي؟  الجواب بسيط: ستضفي الاستراتيجية الوضوح وعدم الغموض على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وستجعل السياسة الداخلية والخارجية للدولة قابلة للتنبؤ بها ومتماسكة ومنطقية.

 سيختفي المكون “التجاري” لـلحرب في أوكرانيا من قاموسنا: لا توجد صفقات للقمح نتعامل بها مع العدو والشركاء الطارئين. إعادة فرض حصار أوديسا، نيكولاييف، أوتشاكوف من البحر.  وبعد بيع الحبوب والأسمدة الروسية للراغبين في شرائها، يتم توجيه الفائض للاحتياجات الداخلية واحتياطيات الدولة. ولا بد من حظر تشريعي على تصدير الموارد (الغاز والنفط واليورانيوم والمعادن وغيرها) إلى دول غير صديقة.  اما سداد الديون الخارجية فيجب ان يتم عن طريق المقاصة المتبادلة من 300 مليار من احتياطي الذهب والنقد الأجنبي للبنك المركزي “المجمدة” من قبل الغرب، ولا بد من حظر خروج رأس المال من البلاد، وتوجيه جميع الموارد المالية المفرج عنها بعد ذلك إلى “ثورة الابتكار” في الاقتصاد الروسي.

كانت الشعارات “قضيتنا عادلة، سنهزم العدو، وسيكون النصر لنا!”، “وحدة الجبهة والداخل!”  تتجسد في برنامج عمل عاجل وفوري تحت رعاية “كل شيء للجبهة، كل شيء للنصر!”.  في حد ذاته، مثل هذا البرنامج لا ينظم فقط تسليم طائرات الاستطلاع والهجوم بدون طيار والصواريخ والمقذوفات عالية الدقة للجيش على الجبهة، ولكنه يحل أيضًا الكثير من المشاكل على طول الطريق: من معاقبة أولئك الذين أولًا وقبل كل شيء فضل تسليح الجيش الهندي بالدبابات الروسية T-72 بدل تسليح الجيش الروسي، وحول الطائرات والسفن المقاتلة الى خردة في التسعينيات قبل ان تشتري وزارة الدفاع مخزون المتاجر التي تبيع السترات الواقية من الرصاص، والخوذات، والقبعات، إلخ..

ستفرض الإستراتيجية نفسها وضع حد لجميع التصريحات “حول محادثات السلام” أو موافقة النظام النازي الأوكراني على “الاستسلام دون شروط مسبقة”، وستطمئن أولئك الذين ليسوا غير مبالين (خبراء الأرائك والهستيريين!) على مصير الدولة الروسية، حيث يمكن إعادة انتشار وحدات الجيش على الجبهة لأسباب عسكرية فقط، وليس لدوافع “سياسية”.  ستجعل الاستراتيجية من المستحيل “المناقشة” حول إقامة حفلات رأس السنة الجديدة أو ملء القنوات التلفزيونية ببرامج ترفيهية، لكنها ستجبر المحافظين على تخطيط النفقات فقط لصالح التعبئة والمشاركين فيها.

 يجب أن تؤهل الاستراتيجية بشكل لا لبس فيه ودون أي استثناءات جميع الوطنيين “المسالمين” و “الخائفين” والوطنيين “الكبار” الذين فروا من التعبئة، وغادروا “فجأة للعلاج” ولا يريدون التعاطف مع الوطن في أيام الأوقات الصعبة، الذين يختلفون مع صيغة “المواطن ملزم بالدفاع عن وطنه ودولته”، “عملاء الدول غير الصديقة” مع الاستنتاجات البديهية: “إذا كنت لا تريد الدفاع عن دولتك، فعليك العيش في دولة أخرى”.

 ستسمح الإستراتيجية، في النهاية، على الأقل بشكل مرتجل، بتحديد نطاق وحدود “الطابور الخامس”: كل أولئك الذين اختبأوا في أماكن ومواقع “جيدة التغذية” على أمل انتظار اللحظة الحلوة “للسلام” من أجل دفع الوطنيين “الجامحين” بكل شغفهم “إلى مقاعد البدلاء”.

ستجبر الاستراتيجية المسؤولين الحكوميين على القيام فوراً بالنشاطات التعبوية في مجالات الثقافة والتعليم. إن التهديد بالحرمان من التمويل من خزينة الدولة سيوقف على الفور الروسوفوبيا في المسرح والسينما والأدب في بلادنا.

 والمسؤولية عن اجتثاث الشيوعية، وإزالة الطابع السوفياتي ونزع الطابع الروسي عن الثقافة ينبغي أن يتحملها ليس فقط “المتخلفين والعاهات” من البلطيق وبولندا وأوكرانيا. في النهاية، النصب التذكاري لـدزيرجينسكي في لوبيانكا لم يدمره أحفاد ستيبان بانديرا، ولم يكونوا هم من رغبوا في التسعينيات في إعادة تأهيل الخائن أندريه فلاسوف…(الإشارة إلى قرار إزالة تمثال دزرجينسكي مؤسس ال KGB من أمام مبناها عام1991 عشية إنهيار الإتحاد السوفياتي – المترجم )

(فلاسوف جنرال روسي وقع أسيرا لدى الألمان عام 1942 وانضم إليهم وقاد جيش من العملاء ضد بلاده – المترجم).

 إن دونباس المتمرّد والبطولي يعيد بالفعل إحياء تقاليد الأدب الروسي العظيم الذي يمجد مآثر شعبه ووطنه.  لا يساورنا شك في أنه في المستقبل القريب سيحاول زاخار بريليبين أو سيميون بيجوف (كتاب روس وطنيون عملوا مراسلين حربيين على الجبهة- المترجم) إعادة التفكير في أسرار وجمال الروح الروسية!

وأول علامة على عدم التراجع عن التغييرات الهائلة في بلدنا، والدليل على أن نموذج التعبئة يجري تنفيذه بالفعل، يجب أن يكون إصلاحًا واسع النطاق لنظام التعليم بأكمله في البلاد.

تفترض استراتيجية أمن الدولة المستقبلية، في الواقع، أن تحقيق جميع أهدافها وحل جميع مهامها في مجتمعنا ممكن فقط من خلال بناء   شخصية جديدة – شخصية متطورة بشكل شامل، موهوبة بشكل إبداعي، نشطة اجتماعيًا، محبة لوطنها، عطوفًة على شعبها، تحترم دولتها وتثق بها.  للقيام بذلك، من الضروري جعل الامتحانات أحد أشكال التحقق من المعرفة، وتحرير الإمكانات الإبداعية للمعلمين والطلاب، واستبدال البكالوريوس والماجستير “بجلالة الخبراء” (متخصصون في مجالهم ووطنيون في أرواحهم).  في غضون ذلك، لاحظنا تراجع الدعوات للتخلي عن نظام بولونيا، والنية لزيادة ساعات التاريخ في الكليات الجامعية، على الأرجح، من العام الدراسي المقبل.  صحيح أن مفهومًا جديدًا لتاريخ روسيا للكليات غير التاريخية قد وُعد بإعداده بحلول العام الجديد.

 أتساءل ما نوع منهاج التاريخ الأصلي الذي كان يُدَرَّس في الجامعات حتى اللحظة مما أجبر الرئيس على التدخل والطلب من المؤرخين لتغييره بشكل عاجل…

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org