السنة الثالثة والعشرون – العدد 6503
في هذا العدد:
■ تداعيات الاغتيال والاحتلال، عادل سماره
■ هل كان الكيان في بكين! عروبيات (2)، عادل سماره
■ الزلزال والانزياحات السكانية: تغريبه سورية جديدة، زياد عصن
■ شاهد:
- عادل سماره: كلمة موجزة في تأبين المناضل العروبي الراحل ليث شبيلات
✺ ✺ ✺
تداعيات الاغتيال والاحتلال
عادل سماره
كلما نجح الكيان في اغتيال أسائلُ نفسي: لماذا يتمكن من ذلك؟
هل يرتد الأمر إلى ضعف الحس الأمني، أم إلى التأخر في التحفظ الأمني بعد عمل مكشوف للمرء منذ صباه وحتى تسنمه موقع قيادة حساساً، اي فجوة إهمال الحس الأمني، أم لأن لدى الكيان أدواته المدربة على الانخراط والتخفي ضمن القوى، أم لأن للكيان روافد تنسيق أمني وتقني معولم بما في ذلك تنسيق أمني عربي وإسلامي؟
هي أسئلة عديدة تتداعى ولا تنضب.
ولا أطمح/ع في الحصول على إجابة وافية بقدر ما أود فقط إثارة التساؤلات، وهذا الحد الأدنى من القلق.
هذا وإن كنت كما أرى في الأرض المحتلة كيف يتصرف العديد من الشباب بعلنية تامة تجعلهم أهدافاً مؤكدة الاغتيال. كما أرى العديد من المتحدثين قياديين ومحللين على الشاشات يبخلون على الشباب بنصيحة الحذر وعدم التهور.
لقد كتبت عديد المرات نقداً للعلنية بمستوياتها ومجالاتها وخاصة العلنية المسلحة، وكتبت عدم اتفاق مع الحديث عن قيادة موحدة لعديد الفصائل خاصة وأن هناك مدارات محيطة بهذا الفصيل أو ذاك مخروقة من العدو ناهيك عن جُنون الشعور بأن حارة معينة هي قاعدة آمنة للغواريين! ولهذا فالمناضلون فرديا اشفى واضمن.
أما حينما اغتيلت مجموعة من العرين بعد حديث لقناة الجزيرة فتذكرت قول سعد زغلول لزوجته: “مفيش فايده يا صفية”. ذلك لأن عدم معرفة العدو من الصديق، حالة الجزيرة/ بعد قرابة 30 عاما على دورها ناهيك أنها من إمارة قطر هو أمر جلل بلا مواربة. لذا، لا صعوبة في تقدير كيف وصلوا لرجل الجهاد قبل أيام؟
يذكرني هذا بخبر نُشر في إحدى كبريات الصحف الأمريكية إبان الغزو الأمريكي للصومال حينما كان الجنرال محمد فارح عيديد يُرهق الاحتلال هناك، حيث أذلَّ حُفاة الصومال جنود إمبراطورية الدم وسحلوهم في شوارعها الترابية فكتبت تلك الصحيفة ما مضمونه:
“بوسع طائرات التجسس والأقمار الصناعية الأمريكية التقاط صور واضحة مميزة لبيت أو سيارة…الخ، لكن لا يمكنها التقاط صورة واضحة أو تمييز شخص. لذا لم نتمكن من اصطياد عيديد لأن الصومال تخلو من المثقفين”. كلما أتذكر هذا أتذكر تقيُّح قطر بالمثقفين من مختلف الأقطار العربية. طبعا حديث الصحيفة الأمريكية مجازي. لاحقاً أُخبر العدوان عيديد مختىء في مستشفى فقامت طائر ة أف 15 بقصف المستشفي وقتل حينها 375 شخصاً كانوا فيه، ولم يكن الرجل هناك. (قصة قصف المستشفى وردت في مجلة New Left Review وهي مجلة بحثية رصينة). وطبعا رصدت امريكا 10 مليون دولار لمن يُخبر عنه ولاحقاً استشَهد.
وماذا عن الاحتلال؟
قبيل احتلال العراق كانت فيالق من العراقيين تحج إلى البيت الأبيض تستجدي الاحتلال. أذكر أنني قبل الغزو ببضعة ايام شاهدت على فضائية سي.ان.أن محمد جعفر وهو نفسه كنعان مكية وهو نفسه سمير الخليل، مع بوش الإبن يدعوه لاحتلال العراق. وأنا أعرف محمد جعفر حين كنت في بريطانيا وأعرف حقده على العرب وعلاقاته العميقة مع الصهاينة وطبيعي ان يكون تروتسكي صهيونيا، ولذا لم أفاجئ حين أتى للكيان وعانقه إميل حبيبي وغيره!
ومع احتلال العراق جيىء بحكام جدد أوصلوا العراق لحاله اليوم!
بعد احتلال العراق فرَّط الأمريكي ببعض ما سرَّبه له حكام من العرب ضد العراق بأن لديه اسلحة دمار شامل. وكان التسريب حتى من حكام أقطار بعيدة عن العراق بمعنى لا وجود لتنافس بين البلدين. كان سبب التسري عمالة الحاكم المُخبر، وهدف التسريب كراهية هذا أو ذاك لصدام وحبذا لو أساس الكراهية في نقد سياسات وديكتاتورية صدام. هذا دون أن نغفل بأن احتلال العراق كان لتدميره وخدمة الكيان ونهب النفط الذي توضع حتى اليوم فلوسه في أمريكا ومن هناك يتم تسييل بعضه لنظام الفساد.
وحين يصل الأمر إلى دور كهذا من رجل سلطة، فمن المحتمل أن يتطوع لنفس الدور شخص عادي لدوافع مالية أو كره طائفي أو حزبي أو فكري…الخ وفي هذا يمكن قراءة ظروف اغتيال ا.ل.ش/.ه.ي. د. الأسود.
قد يكون الإخبار وتتبع رجل الجهاد من لبرالي او طائفي، أو يساري، أو متدين سياسي، او إقليمي أو مستعرب بالطبع. المهم أن طغيان اي ارتباط أو ولاء أو قناعة على الانتماء الوطني يُحيل المرء إلى وضاعة تصل العمالة. ولا يمكن فهم هذا النمط من الخيانة خارج درجة كبيرة من التخلف. فلا عجب، ألا نرى كل أوروبا على خلافاتها وتناقضاتها تقف خلف أوكرانيا!!!
أذكر شخصاً (هي/هو) عاش في الشام لسنوات ثم انتقل إلى الأرض المحتلة. كان لديه كراهية خاصة لسوريا من باب “الديمقراطية والحرية…الخ” إلى درجة مبالغ فيها. كان استنتاجي أن الشخص حاقد على القومية العربية. عُرضت عليه منحة دكتوراة عنوانها يوحي بأن رسالته ستكون مثابة تقرير إخباري عن المقاومة العراقية التي كانت تلجأ إلى الشام. اختار الشخص المنحة على الوطن، لذا، من أجله كان عنوان كتابي “التطبيع يسري في دمك”.
لعلَّ كعب أخيل في وضعنا العربي والفلسطيني هو غياب سطحية الوعي والانتماء حتى على تفارق موضوعات الوعي، وغياب قوة مثال، سواء دولة مركزية أو حركة ثورية قيادية وفاعلة لتكون نموذجاً إما يُحتذى أو على الأقل يُحترم. فتوفر هذين العاملين يلعب دوراً في الاستقطاب للأفضل ويكون مثابة علاج لإشفاء كثيرين مما علق بهم من ضياع وعدم اليقين الوطنيين. لأن اليقين الوطني عامل ردع عن السقوط. وإذا يكمن المقاتل خلف سلاحه والمثقف المشتبك خلف وعيه يكمن المواطن الوطني خلف وطنيته.
لغياب قوة المثال وتحديداً غياب القناعة بأن الوطن فوق كل شيء، تداعيات عديدة تسمح للبعض بالتفريط والخيانة بناء على الخلاف الفكري أو الديني أو السياسي أو الشخصي أو الطائفي أو المذهبي. وهذه كلها وغيرها يغذيها معسكر الثورة المضادة مما يقود إلى سهولة اختراق طرف لصالح العدو ضد آخر وربما تطوع البعض للخيانة مدفوع بحقد أو تنافس من اي نوع. وحفاظاً على هذا الضياع يُصر الأعداء على تفتيت ما تبقى من الوطن العربي ويجدون من يلبي ذلك.
من هنا ولهذا وذاك، يبقى المشروع العروبي وحده الذي يغِّير ما بنا.
✺ ✺ ✺
هل كان الكيان في بكين!
عروبيات (2)
عادل سماره
تواصل وسيتواصل احتفال واحتفاء ومديح الكثيرين/ات بالتوافق السعودي الإيراني لا سيما ممن يعيشون ويعتاشون على مديح الأنظمة الثلاثة. فللسعودية ادواتها ساسة ومثقفين، ولإيران أدوتها ساسة ومثقفين وبالطبع للصين أدواتها ساسة ومثقفين وخاصة الذين ورثتهم عن الاتحاد السوفييتي.
خطير عروبي لا يشعر بضرورة تصالح الأعداء، ليس حباً في أيهما، ولكن حقناً لدماء الضحايا وخاصة نحن العرب لأن جميع الضحايا عرب من سوريا، العراق، اليمن، ليبيا …الخ. فلا يمكن لعروبي وشيوعي أن يرفض السلام، لا بل إن تمجيد الشيوعية للسلام يصل بالبعض أحيانا حد الابتذال. وحينما ينقلب الأعداء إلى أحبة بين يوم وليلة، فهذا مقبول لكنه مثار تساؤلات كيف يحل العشق محل الدم فوراً.
لعل نقدي على المحتفلين رقصاً بالتوافق كامن في التعامي عن ما أسميته “لغم” التوافق، أي إصرار السعودي على فرض موقفها المتبني للمبادرة العربية سيئة المضمون وخطيرة الهدف لأنها ببساطة طعنة للعروبة وتصفية لوطن العرب الفلسطينيين. وهذا مثار استغرابي لتطنيش فرق الرقص لهذا الأمر.
ليس التوافق فقط على ما بين السعودية وإيران. ولو كان حقاً كذلك فقط لما تم “دحش” المبادرة الرسمية العربية في التوافق.
لذا، فدحش المبادرة الرسمية العربية مقصود به:
· تطمين الكيان بأن التوافق لا يمسكم لا من قريب ولا من بعيد إلا إذا كنتم مصرين على كل فلسطين وأكثر. وبالطبع نعم يصِّرْ الكيان على هذا. ولذا، ثرثرة الكيان ضد التوافق هي غالباً ضمن اختراعه فزَّاعات.
· تطمين أمريكا بأن الكيان في الحفظ والصون.
· تأكيد التوافق بأن كل من وافق على هذه النقطة ليس مع تحرير فلسطين، أو ليس معنياً بالمشاركة في التحرير. دعك من العنتريات. ومن هو مع التحرير كان سيرفض وضع هذا البند.
· إن قبول إيران بوضع هذا البند ينطوي على:
أولاً: لا بأس ففلسطين قضية عربية وإيران ليست عربية.
ثانياً: موافقة إيران تعني تتويج السعودية على العرب فهي عربية لكن ليست عروبية ، وإلا لماذا وُضع البند وهو يخص كل العرب وليس السعودية وحدها؟
الصين دولة راسمالية عظمى، غير عربية طبعاً وبالتالي لا تشغل فلسطين في أجندتها سوى هامشاً صغيراً، بل إن مصالحها الاقتصادية مع الكيان واسعة جدا.
✺ ✺ ✺
الزلزال والانزياحات السكانية: تغريبه سورية جديدة
زياد عصن
تسجيل زيادة جديدة ومفاجئة في حركة النزوح الداخلي في سوريا من شأنه أن يؤدي إلى تعمق التأثيرات السلبية المتشكّلة خلال السنوات السابقة.
حتى وقت قريب، كان يُعتقد أن انحسار الحرب عن مناطق واسعة من البلاد، سيكون كفيلاً بإنهاء مشكلة النزوح الداخلي، والتي تسبّبت بزيادة الخلل الحاصل في التوزّع الجغرافي للسكان. إلا أنّ حجم الدمار الواقع على المساكن والبنى التحتية وعرقلة عملية إعادة إعمارها، عزّزا من فرضية ميل النازحين أكثر للاستقرار في المناطق التي نزحوا إليها، إلى أن وقع الزلزال الأخير، والذي يتوقّع له أن يسهم في حدوث انزياحات سكانية جديدة في المحافظات الأربع المنكوبة، بحثاً عن مسكن بديل أو عن الأمن، سواء داخل كل محافظة أو خارجها. أي إن بعض المناطق ستكون على موعد مع مزيد من الضغوط على القطاع الخدمي والموارد الطبيعية.
تذهب معظم التقديرات الرسمية والأممية إلى أن ما يزيد على ثلث سكان البلاد (6.7 ملايين شخص) اضطروا منذ العام 2011 إلى النزوح عن مناطقهم باتجاه مناطق أخرى داخل المحافظة نفسها أو في المحافظات الأخرى. فيما تشير التقديرات غير الرسمية إلى مغادرة حوالي 5.6 ملايين شخص البلاد، ليستقروا في دول مجاورة وأخرى كلاجئين.
ورغم تسجيل عودة أسر كثيرة إلى مناطق سكنهم الأصلية خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن ما يقرب من ربع سكان البلاد لا يزالون في دائرة النزوح الداخلي لعدة أسباب، منها ما هو متعلق بحجم الدمار الهائل الذي أصاب منازلهم ومناطق سكنهم الأصلية، ومنها ما هو متعلق بدخول النازحين في دائرة الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المضيفة. فضلاً عن عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق أخرى لا تزال خارج سيطرة الحكومة أو على تماس مع تلك المناطق.
تقلبات النزوح
اللافت في حركة النزوح الداخلية أنها لم تكن مستقرة، فهناك محافظات بدأت فترة الحرب بكونها جاذبة للسكان، ثم تحوّلت مع تطوّر مجريات الحرب إلى طاردة للسكان، كما هو الحال مع محافظة الرقة، وبعض المحافظات عادت لتصبح في ثالث تحوّل لها إلى جاذبة للسكان كريف دمشق، وحلب. وكما تخلص الاستنتاجات الرسمية، فإنّ الحجم الأكبر للنازحين تركّز بالدرجة الأولى في محافظات حلب، ريف دمشق، وإدلب. وتميّزت محافظات مثل اللاذقية، دمشق، طرطوس، السويداء بكونها أكثر المحافظات المستقطبة للسكان النازحين، مقابل حلب، إدلب، ريف دمشق، درعا، الرقة، دير الزور، التي صنّفت كأكثر المحافظات الطاردة للسكان.
وبحسب ما تشير دراسة بحثية غير رسمية، فإن “هناك خمسة عوامل تؤثر في قرارات الناس فيما يخص ترك منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى. وهذه العوامل هي:
-ترتبط معدلات النزوح ارتباطاً سلبياً برأس المال الاجتماعي. فقد لوحظت توترات بين النازحين والمجتمعات المضيفة، مع وجود منافسة على الموارد السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.
-ترتبط معدلات النزوح إلى منطقة محدّدة بالأداء المؤسسي فيها، إضافة إلى المستويات الأدنى من العنف، التميّز، الفساد، والمستويات الأعلى من سيادة القانون.
-ترتبط ظروف المعيشة ارتباطاً إيجابياً بالنزوح، أي إن النازحين سيسعون إلى المواقع التي تضمن ظروف معيشة أفضل، بما في ذلك توفّر الاتصالات، والنقل، والكهرباء، والمياه، وفرص العمل.
-ترتبط معدلات النزوح ارتباطاً إيجابياً بالمستويات الأعلى للتنمية البشرية المقترنة بموقع معيّن، مثل توفّر البنية التحتية والموارد للخدمات التعليمية.
-ترتبط معدلات النزوح ارتباطاً سلبياً بمعدل الوفيات المرتبط بالنزاع في المنطقة التي ينزحون إليها.
وإضافة إلى الضغط الذي تشكّله على المرافق الخدمية والبنى التحتية والموارد الطبيعية في المناطق الجاذبة للسكان، فإن لظاهرة النزوح الداخلي تأثيرات اقتصادية واجتماعية عديدة تبدأ بالفاقد التنموي الكبير الذي تتسبّب به الظاهرة لمناطق النزوح، والذي سيحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة ترميمه، مروراً بالعطالة التعليمية والصحية التي ترافق عادة الكثير من النازحين وأطفالهم خلال فترة نزوحهم، وليس انتهاء بالضرر الحاصل في مؤشرات رأس المال الاجتماعي.
لكن لا يخفى أن للظاهرة بعض الجوانب الإيجابية، ولا سيما في المناطق التي تحوّل فيها النازحون إلى قوة تنشيط لاقتصاديات المنطقة، سواء من خلال إدخالهم لأنشطة اقتصادية جديدة والتوسّع بما هو قائم منها كما حدث في اللاذقية، طرطوس، والسويداء، أو من خلال تنشيط الأسواق المحلية من جراء الإنفاق المرتبط في بعض جوانبه بدعم خارجي من الأقارب والأصدقاء.
نزوح الزلزال
ومع تعرّض مناطق واسعة من البلاد لزلزال مدمّر، وما تبعه من انهيارات وتصدّعات في العديد من الأبنية، وانتشار المخاوف من حدوث زلزال جديد أو وقوع هزات ارتدادية كبيرة، فقد بدأت موجة جديدة من النزوح الداخلي. وقد أشارت التقديرات الأولية إلى نزوح ما يقرب من نصف مليون شخص في محافظات حلب، اللاذقية، وحماه. فيما المعلومات عن طبيعة النزوح المتشكّل في مناطق إدلب الخارجة عن سيطرة الحكومة لا تزال غير واضحة. وما يزيد من حدة المشكلة أن المحافظات الأربع شهدت على مدار سنوات الحرب موجات نزوح تباين حجمها تبعاً لكل محافظة.
ووفقاً لتقديرات أممية صدرت نهاية العام الماضي، فإن أكثر من 78% من حركات النزوح المسجّلة حصلت داخل المحافظات، حيث احتلت محافظتا حلب وإدلب معظم عمليات النزوح المسجّلة. كما أنّ أكثر من 81% من أعداد النازحين داخلياً توزّعت بين حلب وإدلب في مناطق شمال غربي سوريا. وكان لافتاً بحسب البيانات الأممية تسجيل حركات نزوح في مناطق لا تشهد أي عمليات عسكرية مثل محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري، حيث سجّلت في اللاذقية نحو 1100 حالة.
في عملية النزوح الجديدة، التي أعقبت اللحظات الأولى لحدوث كارثة الزلزال، يمكن تحديد توجّهاتها على النحو التالي:
-نزوح العديد من الأسر المتضررة داخل المناطق التي شملها الزلزال. وقد توزّعت أماكن إقامة الأسر المتضررة بين مراكز الإيواء التي افتتحتها الحكومة، والخيم التي نُصبت من قبل جهات أهلية ومجتمعية مختلفة، والمنازل المستأجرة أو لدى الأقارب والمعارف.
ورغم الجهود الحكومية والأهلية الكبيرة، إلا أن استيعاب حركة النزوح التي تمت داخل المناطق وتلبية احتياجات النازحين الغذائية وغير الغذائية، كانت أكبر من قدرة تلك الجهود، الأمر الذي تسبّب بثغرات كبيرة من شأنها أن تؤثر على بنية النسيج المجتمعي والوضع المعيشي للمتضررين النازحين ومستوى الخدمات المقدّمة لهم.
-في محافظة اللاذقية، وخصوصاً في مدينة جبلة التي نالها النصيب الأكبر من الزلزال، فضّلت الكثير من الأسر ترك منازلها في الحضر، سواء كانت سليمة أو متصدّعة، والتوجّه إلى الريف، حيث الاعتقاد أن فرص الأمان تبقى أكبر لاعتبارات متعلّقة بطبيعة الوضع العمراني للأبنية ووجود مساحات زراعية يمكن اللجوء إليها في حال حدثت هزات زلزالية وما إلى ذلك. وإلى الآن ليس معروفاً عدد النازحين باتجاه الريف، إلا أن هناك أعداداً كبيرة وفق المؤشرات الأولية. لكن هل ستستمر هذه الموجة من النزوح؟ أم إنها مؤقتة، ستنتهي مع تراجع المخاوف الشعبية؟
-نزوح بعض الأسر إلى محافظات أخرى بعيدة عن المناطق التي شملتها تداعيات الزلزال. فهناك أسر وصلت إلى دمشق وريف دمشق وغيرها من المحافظات البعيدة نوعاً ما. ومن المتوقّع، مع استمرارية الهزات الارتدادية، أن تزداد حركة النزوح هذه، وتالياً فإن الأمر سيكون مرهوناً بالوقت ومدى القدرة على تبديد المخاوف من الخطر الزلزالي، والأهم الإجراءات الحكومية التي سوف يتم اتخاذها في المناطق التي كانت مسرحاً للزلزال الأخير.
في المواجهة
تسجيل زيادة جديدة ومفاجئة في حركة النزوح الداخلي من شأنه أن يؤدي إلى تعمق التأثيرات السلبية المتشكّلة خلال السنوات السابقة. وعليه فإن الحد من هذه التأثيرات سيكون منوطاً بالإجراءات الحكومية من جهة، واستقرار الحالة الزلزالية في تلك المناطق، والتي ليس للبشر يد فيها، فيما ينتظر من الإجراءات الحكومية أن تتجه نحو:
-إعادة إعمار ما دمّره الزلزال من وحدات سكنية وبنى تحتية ومرافق خدمية، والذي ستكون له تداعيات إيجابية مباشرة على تشجيع النازحين للعودة إلى مناطقهم، ومن ثم الحد من حركة النزوح.
-المباشرة بتنفيذ مشروعات تنموية تساعد سكان تلك المناطق على تجاوز تداعيات الزلزال واستعادة حياتهم الطبيعية وتحسين الوضع الاقتصادي في تلك المناطق، وهو سيكون عاملاً أساسياً في جذب النازحين وتحقيق نوع من التوازن الديمغرافي. إذ إن استمرار معاناة المتضررين والتأخّر في معالجة مخاوفهم يتسبّب في تضخّم الكلفة الحكومية والمجتمعية.
-الاستفادة من تجارب الدول التي شهدت زلازل وتمكّنت من تحويلها إلى فرصة لطي صفحة الخسائر والآلام وإلى مرحلة أمل وتفاؤل في المقبل من الأيام. ومعظم تجارب الدول تبدو متشابهة، خاصة لجهة الشرائح والفئات الاجتماعية المتضررة وحاجاتها.
-العمل على إعداد رسائل إعلامية وتوعوية بين سكان تلك المناطق، تسهم في وقف حالة الخوف والذعر الحاصلة بعد الزلزال، وتعمل على إشاعة الحقائق والأدلة العلمية. وتعمل كذلك على نقل مطالبهم وطموحاتهم إلى المؤسسات الحكومية وضمان استمرار التعاضد الأهلي والمجتمعي.
:::::
موقع “الميادين”، 20 شباط 2023
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org