أمَّا ولأن التاريخ أصبح مفعول به، رغم أن أي حدث في التاريخ هو فعل، اي حينها يكون التاريخ فاعلاً، ولكن كلما تقدمت وسائل الإعلام والتواصل وتعممت كلما صار التاريخ مطية بل ضحية يتلاعب بها من شاء وكيف يشاء، وفي وضع كهذا يضيع العالم تحت ضربات الجهلة ويصبح الحديث عن الإنسانية والموضوعية بلا معنى.
لعلَّ أول من أسس لتحريف التاريخ تحريفاً منهجياً هو الغرب الرأسمالي الإمبريالي سواء في دوائره السياسية أو الأكاديمية أو الاستشراقية خاصة التي التقطها إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق 1978” فلخصها في قيام الغرب بإعادة إنتاج خطابي/لغوي للشرق كيف رآه هو أو كيف ودَّ أن يراه.
وأعتقد أن سعيداً استوحى ما كتب مما ورد في البيان الشيوعي ماركس/إنجلز 1848 حيث وصفا تقدم الرأسمالية المتقدمة لدك حصون الأمم ما قبل الرأسمالية لتحولها على شاكلتها. للأسف يا عم ماركس دكتها ولم تحولها على شاكلتها.
ما أناقشه في هذه المقالة هو إفتآت الغرب والصهيونية على تاريخ الساميين في مستويين:
· اختراع فزَّاعة اللاسامية لصالح من ليسوا ساميين!
· وإخراج قرابة 98 في المئة من الساميين من ساميتهم وحصرها في اليهود.
· وتعميم سامية اليهود على كل أتباع الدين اليهودي رغم أن أكثرهم ليسوا قط ساميين. فمن يتابع تكوين الكيان يرى أنه أمام لوحة من مستوطنين أتوا أو أُستُجلبوا من قرابة مئة أمة، وما أشبه هذه التوليفة بتركيبة الأمم المتحدة. وقد يكون هذا سبب عدم إنتاج ثقافة مشتركة لهذا الخليط سوى ثقافة القوة المطلقة. إن هذا الافتآت والتزييف للتاريخ، ولا أقصد النصوص فقط، بل ألأفظع طمس هوية المجتمعات البشرية وخاصة المجتمع العربي مما يستوجب علينا إعادة السامية إلى وضعها الطبيعي وهي أن الساميين هم غالباً وربما حصراً هم العرب.
والمفارقة الهائلة أن الغرب والصهيونية لم يُجردوا العرب من ساميتهم وحسب بل عملوا على تصويرهم في مقدمة اللاساميين لأنها حصرت السامية في يهود العالم واستغلت الصراع العربي الصهيوني لتحويل الموقف العربي كأنه ضد اليهود لإلصاق تهمة اللاسامية بالعرب وطبعاً بكل من ينتقد الصهيونية.
ومن هنا أهمية إعادة السامية إلى فضائها الطبيعي والأصلي اي العربي “الإسلامي والمسيحي ” لصد مزاعم من يثرثرون بأنهم حُماة السامية وهم جوهرياً حُماة الاعتداء على الساميين الحقيقيين بطبعات من الحروب، السياسية والاقتصادية والأكاديمية والحربية والاستشراقية.
ولعل اشد عدوان هو الجاري حالياً ضد الوطن العربي على يد التحالف الخطير بين قوى الدين السياسي الإرهابية وبين المخطِّط الإمبريالي وهو العدوان المكون من آخر طبعة استشراق اي الاستشراق الإرهابي Terrorist Orientalism وهو فصل في كتابي القادم بالإنجليزية.
تفيد حقائق الواقع أن اللاسامية موجودة بحضور ثقيل وهائل ضد أكثرية الساميين اي العرب مما يعني أن اي متابع بحثي أو مؤرخ يتحلى بقدر من احترام وعيه وجمهوره أن يؤكد بأن اللاسامية نعم موجودة ولكن ضد العرب. وبأنها أخذت وتأخذ اشكالا عديدة ومتناسلة من اللاسامية الضد عربية:
· فاستعمار الوطن العربي هو لا سامية ضد العرب اتخذت الطابع الأشد عنفا وتعسفا حيث جزّأته واقتطعت منه فلسطين لصالح تجمع استيطاني بعضه سامي!
· إن وصف العربي بالإرهابي هو لاسامية
· وأي دعم أو احتضان أو غض طَرف عن أنظمة عربية تابعة ومضادة لوطنها هو لاسامية
· إن إنكار وجود وطن عربي وإلغائه في تسميات مثل “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” أو غرب آسيا وشمال إفريقيا أو المنطقة أو الإقليم هو إلغاء لوطن العرب وشكل من اللاسامية.
وعليه، لا توجد لاسامية ضد اليهود بل هناك الضد يهودية والضد صهيونية. ولذا فإن قلب الصورة بتحويل الضد يهودية والضد صهيونية كأنها لاسامية ضد اليهود هو تزييف يهدف التغطية على الصهيونية كإيديولوجيا ومن ثم حركة استعمارية استيطانية رأسمالية بيضاء.
لعل من مفارقات المرحلة أننا نرى تجليات لاسامية موجهة ضد العرب يمارسها:
· عرب ضد العرب
· وغير عرب ضد العرب ومسلمين ضد العرب.
· وحتى يمارسها مثقفون عرب ضد العرب وخاصة المثقفين المتعصبين قوميا لدرجة العمى حيث ينكرون مجرد حصول المحرقة ضد اليهود. وهي المحرقة التي جرى استثمارها وتحويلها من ضد اليهود إلى ضد الساميين. وهذا الإنكار هو خدمة للصهيونية سواء بنوايا مخلصة أو خبيثة.
· بل إن مثقفاً مركَّب الأصول بين لبناني وفرنسي – جلبير اشقر- وصل عدائه للعرب إلى الزعم بان الحاج أمين الحسيني هو الذي أوحى لهتلر بقتل اليهود!!!
هذه هي التجليات الحقيقية ل اللاسامية والتي هي أي اللاسامية هي جوهرياً لا عربية.
هناك أنظمة عربية ومثقفون عرب معادون للسامية/كعربية كما اتضح في الحرب المعولمة ضد العرب منذ 1991 ضد العراق بقيادة الإمبريالية وبعض العرب و2003 وخاصة منذ 2011 ضد سوريا وليبيا والتي قادها الأطلسي وشاركت فيها أنظمة عربية وإسلامية. صحيح أن العدوان السعودي الإماراتي ضد اليمن ليس لاسامياً، لكنه ليس أقل وحشية.
ربما يسع المرء القول بأن دراسة جديدة وعلمية لمسألة اللاسامية هي من أهم ما يجب القيام به.
صحيح أنه لا يوجد حتى اليوم تيار بحثي فكري لنسف اللاسامية الغربية الصهيونية وتصحيح الأمر بمعنى أن اللاسامية هي ضد عربية.
ولعل سبب كتابة هذه المقالة أن مقالة لكاتب غير عربي نُشرت بالإنجليزية، مؤخراً، تنتقد العسف الاستعماري الغربي ضد سوريا العراق وإيران وليبيا. ورغم أن المقالة توافق النقد الموجه لهذه الأنظمة من حيث ما تسمى “الديمقراطية والاستبداد” …الخ إلا أنها لا تتساوق مع التحريف الغربي الإمبريالي للتاريخ الجاري بل تُبدي تعاطفاً مع العرب وإيران مقابل كثير من المثقفين العرب الذين ابتهجوا لتدمير العراق وليبيا وسوريا وقد لا نُجانب الصواب لو قلنا إن هؤلاء لاساميين. وبالطبع مقالة الكاتب لم تتطرق إلى اللاسامية.
والحقيقة أن تحريف التاريخ الجاري هو ثالثة الأثافي وهو الذي يجعلنا على غير ثقة بكل ما كُتب من تواريخ لأن تسطيح التاريخ وتحريفه لم يعودا مرا صعباً. وهذا يقتضي طريقة مختلفة في الرجوع للتاريخ من منظور عدم التبني بسهولة بل أخذ العبرة من أجل عالم آخر.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….