عروبيات 4: معنى العروبة اليوم – الكيانات والكتل الكبيرة في عصر الدولة القومية، عادل سماره​​

استكمالا لسؤال د. الصويص، عن ما هي العروبة التي أتحدث عنها.

لا يخفى على أي متابع للتطورات الدولية بأن العالم يعيش عصر الدولة القومية سواء للأمة الواحدة أو لدولة متعددة القوميات والإثنيات كالوطن العربي.

إن ما يحكم هذه المسألة ويحسمها هو مدخل الاقتصاد السياسي لأنه يكشف لنا تحديا واضحا هو: إن عالم اليوم يبتلع أو يُلحِق الكيانات الصغيرة لصالح الكتل الكبيرة. وهذه معطاة جرى التسليم بها لدى منظِّري التنمية والاشتراكية منذ منتصف القرن العشرين بأن:

·       الدولة الصغيرة تابعة بالضرورة سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية.

ونضيف على ذلك هي مهددة طالما لا تجد حولها بلدا/بلدانا تتحالف أو تتحد معها أو تقيم معاً مشروع اعتماد إقليمي على الذات REGIONAL SELF RELIANCE.

يفتح هذا على حالة الوطن العربي، سواء الأقطار أو الكيانات التي هي من التجزئة بمكان بحيث لا يمكننا القول بأن هناك اقتصاداً عربياً بل اقتصادات عربية تفتقر إلى التكامل بالحد الأدنى، فكل قطر مرتبط من السوق العالمية بحجم تبادل يصل إلى 90 في المئة بينما التبادل البيني العربي يقارب العشرة في المئة. وربما لولا النفط لكان التبادل العربية أقل. وهذا أمر ناجم عن قرار الأنظمة العربية بالتمسك ومواصلة التفكك والتجزئة بل وحتى الحرب بمعنى عدوان قطر ضد آخر سواء انخراط أقطار ضد العراق 1991 أو انخراط اقطار بل كيانات ضد بعضها منذ 2011 نيابة عن الإمبريالية.

وإذا كانت هذه القطريات قد دخلت مرحلة الاستقلال، أو ما يسمى ما بعد الاستعمار، وهو استقلال سياسي غير مكتمل، فإن المستوى الاقتصادي في وضع اسوأ، وهما شقي الاستقلال اللذين كي ينتقل أي بلد إلى تطور حقيقي فهما يجب أن لا يُفصلا عن بعضهما البعض بمعنى وجوب ترابط التحكم بالجغرافيا وضمان السيادة مع التحكم بالفائض محليا بمنطق قانون قيمة محلي ومتطلبات الاقتصاد المحلي.

  وهنا يتضح غياب القرار السيادي في هذه القطريات الذي يوجب توجيه الاقتصاد إلى التكامل بمعنى أن غيابه/بل تغييبه قاد إلى ما اسميه تطوير اللاتكافؤ في الوطن العربي والذي له انعكاساته على التكامل السياسي. إن غياب التكامل الاقتصادي يقود إلى غياب السوق المشتركة والتي جرى التوافق عليها منذ الخمسينات أي مع عمر السوق الأوروبية المشتركة، ولكن لم يتحقق منها شيئاً لا سيما منذ هزيمة 1967 وتراجع المد القومي وتولي واجهة السياسة العربية قطريات الخليج التي تعادي القومية العربية بوضوح. وهو التولي الذي نخشى تجديده اليوم على ضوء ما ورد في الهدنة السعودية الإيرانية مؤخرا حيث اصرت السعودية على التمسك بالمبادرة العربية كي تضمن لنفسها قيادة الوطن العربي، ويا لطيييف! والغريب أن من كتبوا عن هذه الهدنة أغفلوا هذا الشرط الخطير سواء منهم مثقفي إيران أو مثقفي السعودية أو مثقفي الصين من العرب!!!

والحقيقة أن هذه الأنظمة تتبنى آلية باتجاه عدم التكامل الاقتصادي أي تطوير اللاتكافؤ كي لا تتكون علاقات اقتصادية بين الأقطار تُحتِّم إقامة علاقات سياسية اجتماعية/طبقية قومية وحدوية اي أن الاقتصاد يجري استخدامه لتغذية القطرية حتى تصبح هي الوضع الطبيعي وهذا يضعف النضال من أجل الوحدة أو الاتحاد. بل خلق برجوازيات تابعة وكمبرادورية تجد مصالحها في التخارج Externalization  مع ولصالح السوق الرأسمالية العالمية وتواصل العمل بمنطق هذه العلاقة التي تُقوِّض المشترك القومي وتحاول إخراج القطرية على أنها حالة طبيعية وبانها التطور النهائي لكل قطر عربي على حدة وكأن كل قطر أو كيان هو أمة تتجاور مع أمم أخرى بحكم الصدفة الجغرافية لا اكثر.

وصلت هذه السياسة اللاقومية إلى عدوان أقطار وكيانات عربية حربياً ضد أقطار عربية أخرى وذلك دائماً في ذيل الغزو العسكري المباشر كما حصل ضد العراق 1991 وصولا إلى تدميره عام 2003 أو عبر الطبعة الجديدة للاستشراق أي الاستشراق الإرهابي الذي ديباجته النظرية وخطته العسكرية من جانب الإمبريالية ومادته البشرية وتمويله من القطريات العربية وخاصة النفطية/الريعية فكان وليده إرهاب قوى الدين السياسي التي أسقطت النظام الليبي ودمرت ليبيا ودمرت اليمن وسوريا ولم تتوقف بعد.

 قد يقول البعض بأن كوبا دولة صغيرة وصمدت في مواجهة الحصار والعدوان الإمبريالي الأمريكي، وهذا صحيح نسبياً بمعنى أنها حظيت بالحماية السوفييتية حتى 1991 ومن ثمَّ تمكنت من الصمود الصعب ولذا، فهي ترى مستقبلها في تحولات أمريكا اللاتينية، هذا ناهيك عن أن كل أمر هو نسبي. لذا، فإن أي تغير في أنظمة امريكا اللاتينية هو بالضرورة مغرٍ لكوبا بالتحالف مع بلدان هذا التطور.

ولو قرأنا شعار الصين الحالية فهو شعار قومي وإن كان عنوانه اشتراكي وهو: “الاشتراكية بخصائص صينية”. إنه الارتكاز على الوطن اولا وأساساً حتى لو كانت في النظام توجهات اشتراكية (انظر كتابنا: صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي 2022)

وعليه، فإن أكثر وطن بحاجة للتحول من كيانات صغيرة أو متوسطة الحجم السكاني و/أو الجغرافي هو الوطن العربي الذي لم يتجاوز بعد التجزئة التي فرضها الاستعمار والإمبريالية والتي تحولت مؤخراً إلى ايدي أنظمة تقوم بدور الإمبريالية على وطنها ولصالح الإمبريالية دون تكليف الإمبريالية أي جهد أو ثمن.

بل إن الإمبريالية والأنظمة الوكيلة بتنفيذ مصالح الإمبريالية تقوم بمزيد من تفتيت الوطن العربي بمخططين خبيثين ولكن واضحين:

·       موجة القومية الثالثة: اي تصنيع قوميات وإثنيات في أكثر من قطر عربي لتفكيكه من الداخل إلى دويلات تحكمها شرائح رأسمالية كمبرادورية وطائفيين وقوى دين سياسي مجتمعة أو ثنائية أو منفردة. إن العراق ولبنان وسوريا واليمن ومصر أمثلة واضحة. وهذا ما تم تطبيقه على الاتحاد السوفييتي بعد تفككه وعلى يوغسلافيا.

·       الاستشراق الإرهابي: وهي الطبعة الجديدة من الاستشراق والتي هي كما اشرنا:

o      مشروع/خطة/إستراتيجية رأسمالية إمبريالية صهيونية لتدمير الدول الجمهورية العربية.

o     تخدمها أنظمة وقوى الدين السياسي من الوطن العربي برفدها بمادتها البشرية اي جيوش الإرهابيين وكلفتها المالية اي الريع النفطي.

وعليه، فإن هذه المخاطر لا يمكن مواجهتها بتجزئة حركة التحرر العربية ابداً، بل بحركة عروبية شعبية تقدمية واشتراكية تنطلق من توضيح بأن التطور والتنمية والاستقلال مستحيلة دون وحدة الوطن بأجمعه.

من يتابع تطورات الصراع في امريكا اللاتينية يجده بين القوى التقدمية التي تدفع باتجاه امريكا اللاتينية في مواجهة الامبريالية الأمريكية أو على الأقل الكتلة البوليفارية في مواجهة الإمبريالية ألأمريكية.

إن النمو والتطور الذي نراه عياناً في الكتل الكبيرة كالصين والهند وروسيا هو من الوضوح بمكان لدعم ما نطرح. بل حتى الأمم القومية القديمة المحيطة بالوطن العربي الفارسية والتركية والإثيوبية هي أمثلة على بناء الدولة الإقليمية القوية رغم ما في كل واحدة منها من تعدد قوميات وإثنيات اكثر من التعدد في الوطن العربي وخاصة من حيث الامتداد الزمني للحاضنة اللغوية والتاريخية والثقافية وحتى الدينية.

 وهذا يقتضي منا البحث عن التحالف مع هذه الأمم وليس التبعية. فقد كتب البعض في السنوات الأخيرة عن تحالف تركي إيراني عراقي سوري، كما طرح الراحل أنيس النقاش، وكتبت ردا عليه. إن مشكلة هذا الطرح في تساوقه مع وارتكازه على تجزئة الوطن العربي بينما تتكامل داخليا كل من تركيا وإيران مما يقود هذا الشكل إلى تبعية سوريا لتركيا ولو بالعدوان والعراق لإيران كما نلاحظ هذه التبعية في الوقت الحالي وهذا سنكتب عنه لاحقاً بالتفصيل.

 وهذا يقتضي التكامل الاقتصادي العربي أولاً وليس تبعية أو ربط قطر عربي باي من هذا الجوار على حساب تكامل هذا القطر مع الوطن العربي. لأن اي ارتباط أقوى مع اي جار هو تعميق للتفكك العربي وقضاء عليه. 

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….