السنة الثالثة والعشرون – العدد 6506
في هذا العدد:
■ عروبيات 5: معنى العروبة اليوم – التنمية بالحماية الشعبية وفك الارتباط، عادل سماره
■ خطاب العمامة متين ولكن ما لزوم “اللغة“! ، عادل سماره
■ لماذا لا تقدم إيران سلاحاً لسورية؟ جاسر خلف
■ فـي الذكرى العشرين: انكسارات العراق بعد الحرب الأميركية الظالمة، خميس بن عبيد القطيطي
✺ ✺ ✺
عروبيات 5:
معنى العروبة اليوم
التنمية بالحماية الشعبية وفك الارتباط
عادل سماره
استكمالا لسؤال د. الصويص، عن ما هي العروبة التي أتحدث عنها.
وفيما بيّننا في الحلقة السابقة، ارتكازا على الاقتصاد السياسي، بأن الدولة القُطرية العربية ليست ناقلة للوحدة والاستقلال بل مؤكِّدة/مكرِّسة للتجزئة، فإن هذه الحلقة تبين أن الدولة، وخاصة مع تجربة فشل أنظمة بلدان الاشتراكية المحققة، بما هي رافعة طبقية سواء بالملكية أو التحكم البيروقراطي بالفائض ليست هي الرافعة الفعلية للثورة الاشتراكية حتى لو طبقت، كدولة طبقية، إستراتيجية فك الارتباط.
وبغض النظر عن تعدد وتفارق التسميات لبلدان الاشتراكية المحققة في القرن الماضي أو تسميتها ب رأسمالية الدولة، أو دول الانحطاط العمالي، او البيروقراطية…الخ، إلا أن بقاء القرار الاقتصادي الاجتماعي في يد الحزب وقيادته من الأعلى أي في السلطة ولَّد شريحة النومنكلاتورا التي سرعان ما اتضح بأنها: تتحكم بالفائض وإن كانت لا تملكه بالمعنى الرسمي وبالتالي كان سهلاً عليها مغادرة النظام الاشتراكي أو تقويضه من الداخل واغتنامه بديلا للدولة وللشعب وخاصة حالة روسيا الاتحادية في فترة يلتسين حيث وُضع مصير الاتحاد السوفييتي بيد خبراء اقتصاد رأسمالي أمريكيين ولا سيما جيفرش شاكس صاحب نظرية العلاج بالصدمة Shock Therapy التي كانت وهدفت أن تكون قاتلة. ولعل المفارقة أن هذا الرجل اليوم يلبس لبوس الاقتصادي الإنساني. وقد ساعده في دوره التقويضي لأسس النظام الاقتصادي الإشتراكي كثير من “الخبراء” الغربيين والروس ومنهم إيجور كيدار.
بكلام آخر، حل الحزب المبقرط والمدراء محل الطبقة العاملة في إدارة الاقتصاد والتحكم بالفائض وأصبح على الطبقة العاملة او الطبقات الشعبية أن تعمل وتُنتج وحسب ودون قرار لها لا في إدارة الاقتصاد ولا في قرار أو وضع وإقرار السياسات الاقتصادية. وهذا ما بدأ مع حكم خروتشوف وانتهت مهمته مع حكم جورباتشوف.
ولعل فهم انهيار هذه الدولة العظمى كأول تجربة دولانية إشتراكية بهذه الطريقة والسرعة ووقوف الطبقة التي يُفترض أن النظام نظامها مبهوتة عاجزة وحتى متشفية بانهيار دولتها، لعل فهم هذا كامن في الخلل المتأتي عن بقاء التحكم بالاقتصاد بيد سلطة الدولة من الأعلى التي تبين أنها تعبر عن مصالح طبقة كما اشرنا، تتحكم وإن كانت لا تملك بالمعنى القانوني. وكذلك استسلام حزب عريق وعجزه عن التصدي لرئيس الدولة والحزب وهو يهدم الدولة حجرا بعد حجر في عجز عن مواجهة هذا الحاكم لأن مقتضيات هيبة مركز الرئيس والأمين العام تقتضي القبول أو الصمت. وبالطبع، لا حاجة للشرح كم تدهور مستوى المعيشة والدخل وحتى الثقة بالنفس في الاتحاد السوفييتي في فترة حكم يلتسين.
أفادت تجربة بلدان الإشتراكية المحققة أن توليد الحزب من الشعب وانفصاله على الشعب بيروقراطيا ومن ثم إستدواله كان مثابة خروج عن مداره وبالتالي تحكمه هو بالمدار، هذا التطور دفع باتجاه توفر آلية وضمانة أن يبقى الحزب متعلِّما من الشعب ليبقى التمثيل مباشرا وواسعا.
لقد نجحت الماوية في هذاالأمر، ولكن تيار “طرائقيو الراسمالية” Capitalist Roadersعاد وتغلب على الماوية التي فطنت للعودة إلى الشعب متأخرة عبر الثورة الثقافية التي لم تكلل بالنجاح. (أنظر كتابنا:هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة 2019 /مركز المشرق/عمان)
مأ أجادل من أجله هو: إن تبني إستراتيجية فك الارتباط De-linking طالما هي قرار من أعلى الدولة وحتى من الحزب منفصلة عن التغذية القاعدية الشعبية بل تحولها إلى آمر لهذه القاعدة لم تعد ضمانة لمواصلة الطريق إلى الإشتراكية، أو إلى ما بعد الرأسمالية كي لا يُقال بأن الكاتب متمترس ومتكلس عند الخيار الإشتراكي الذي فشل في بلدان معينة، هذا مع انني لم أجد ما هو أكثر إقناعاً من الطريق الإشتراكي بغض النظر عن تعدد آليات التطبيق.
وعليه، ولكي تبقى العلاقة والتغذية المتواصلة بين الطبقات الشعبية والسلطة فإن ما يُقتضى هو:
المرحلة الأولى: العمل على تعميق وبلورة موديل التنمية بالحماية الشعبية بحيث يكون الشعب:
· مقتنع بهذا الموديل ثقافة ووعياً
· ويمارسه بعيدا عن مقتضيات انخراط النظام السياسي الاقتصادي للبلد في السوق العالمية
وهذا المناخ الشعبي هو الذي يفرز الحزب ويغذيه بالعناصر والكوادر شريطة أن تبقى العلاقة مفتوحة بين القاعدة الشعبية والحزب والسلطة بمعنى أن تكون القرارات الاقتصادية خاصة بناء على رؤية ومصلحة الطبقات الشعبية.
المرحلة الثانية: أن ينخرط الحزب مع القاعدة الشعبية في تبني هذا الموديل وأن يواصلا الضغط على السلطة بحيث تقلل انخراطها في السوق العالمية وخاصة تقليص إلى حد الإنهاء لهيمنة قانون القيمة المعولم لصالح قانون قيمة محلي وصولاً إلى تبني السلطة إستراتيجية فك الإرتباط .
أي أن التنمية بالحماية الشعبية هي شرط نجاح الانتقال إلى فك الارتباط بما هي اي التنمية بالحماية الشعبية هي الناقلة والمناخ الشعبي الحامل لمنطق وضرورة فك الارتباط.
كنت قد طورت هذا المفهوم أثناء إعداد رسالتي للدكتوراة في بريطانيا في الثمانينات وحينما عدت إلى الوطن في أكتوبرعام 1987 وحصلت انتفاضة 1987 في شهر نوفمبر 1987 لاحظت أن الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع قد مارس بنفسه الحماية الشعبية، دون كتابي ودون اي معلِّم.
المرحلة الثالثة: وهي فك الارتباط بالسوق الدولية. وهي النظرية التي استقر عليها سمير أمين، من خلال تجربته العميقة في الاقتصاد السياسي والتي هي اتباع موديل يعمل بمنطق الفكاك مع السوق الدولية وليس القطيعة Autarkism كما يحاول البعض تشويه هذا الموديل.
وفك الارتباط هو المدخل الطبيعي والممكن للانتقال إلى الإشتراكية.
لقد وجدت أن فك الاتباط بناء على تجارب دول الإشتراكية المحققة دون التهيئة له بموديل التنمية بالحماية الشعبية سوف يؤول، بل آل إلى الفشل لأن العلاقة بين القاعدة الشعبية والسلطة قد جفت وتبقرطت عبر استيعاب الحزب في السلطة وحصول انفصام بينه هو والدولة من جهة والطبقات الشعبية من جهة ثانية. أي بقول آخر، فإن هذا الموديل المركب من التنمية بالحماية الشعبية وبين فك الارتباط يقوم على جوهر اساس هو العلاقة الديمقراطية الموسعة بين السلطة والشعب.
أما كيف يُمارس هذا التواصل الديمقراطي فذلك عبر آليات تبتكرها كل تجربة على حدة مثلاً، وجود لجان شعبية تمثل مختلف القطاعات الإنتاجية/تعاونيات /جَماعيات Communes لتكون برلمان شعبي يوفر للسلطة رؤية تعبر عن حاجات وطموحات القاعدة الشعبية، وهذا غير البرلمان بالمعنى السياسي بل هي الأكثر ضمانة لإشراك الشعب عبر الديمقراطية الاقتصادية وهذا بالطبع بعكس تنزيل الأوامر أو الخطة من الأعلى إلى الأسفل عبر المدراء. إنه حلول الحزب الشعبي بين السلطة والشعب بدل المدراء. لذلك كان عنوان كتابي:
Beyond De-linking: Developing by Popular Protection vs Development by State
✺ ✺ ✺
خطاب العمامة متين ولكن ما لزوم “اللغة“!
عادل سماره
نقصد باللغة إما حشو الكلام أو كلام لا ينسجم مع الحقائق وكأن هناك من يُمليه على المتحدث!
في حديث العمامة أمس كان لافتاً تحدي الكيان بالرد على أي اعتداء على لبنان وعلى أي شخص هناك. هذا مهم جدا.
ولكن رقم 1: لماذا ينكر الخطاب وجود بنود سرية في هدنة إيران السعودية مع أن المركز الذي نشر جزءاً منها وهو The Cradle هو لبناني وإيراني ، وبالطبع غير عربي لأنه يسمي المنطقة “غرب آسيا وشمال إفريقيا” طبقاً لمنشوراته، فهل حصل من الصين على النص الذي أقر بطلب السعودية بالتمسك بالمبادرة العربية أي أن الكيان دولة شرعية على 78 في المئة من فلسطين. وبأن هذا تسويد للنظام السعودي على الوطن العربي، ويا للكارثة. أليس كل من صمت عن هذا البند هو مُعترف بالكيان! دعك بربك من المحللين الذين لن يقاربوا حتى اللوم فما بالك بالنقد، إنهم يصفقون عمليا على وجوههم. أنا كعروبي فلسطيني أكثر ما يهمني هذا البند. فهو لا يختلف عن شجب أنظمة عربية للنضال في القدس.
بل بالعكس، انتظرنا منك أن لا تنفي وجود بنود سرية، أو أن لا تبرِّىء أحداً. أو أن لا تذكر هذا الأمر، أن ترفض هذا البند لأنه مناقض ل.ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة. بل عدو لها. والله أعلم بقية البنود السرية. وأنت العارف تماماً أنه ما من اتفاق بين عدوين أو حليفين إلا وبه ملاحق لا تُعلن للناس ولذا ساد تقليد استعماري إمبريالي برفع الغطاء عن امور ما!!! بعد ثلاثين سنة فلماذا تُبرّىء الهدنة من بنود سرية!
الهدنة ضرورية لحقن دم العرب فوحده الذي يسيل. ولكن حين تؤكد الهدنة على “شرعية” الكيان فهذا التأكيد توقعنا أنه سيغضبك!!!
ولكن رقم 2: العراق. هل تعتقد أن هناك عراقاً اليوم؟ العراق نعم موجود على الخريطة، أي وجود ورقي وحتى عنكبوتي. سيقول البعض وماذا عن عراق صدام؟ ماشي كان كارثة، ولكن لنسأل ما هو العراق الذي تلاه! الفقراء من كل الشعب العربي العراقي طردوا الأمريكي واللصوص والفاسدين جنوا ثمرة الدم وأعادوا الأمريكي “رسمياً ومرجعاتيا وباتفاق”! هذه مراتبية الطائفية، الفقراء يقاتلون ويموتون والأغنياء يجنون الثمار، الطائفة حين تصبح طائفية تصبح دولة في الدولة بل كل طائفة دولة وحتى مجتمع طائفي”أغنياء/كمبرادور وشريحة وسطى وأكثرية فقيرة تعمل وتُسرَق).
لقد ذكرتم “انتصار” العراق كثيرا منذ سنين، فأين هذا الانتصار، ديمقراطية تحت الاحتلال؟ ما علاقة نظام العراق بالمحور! وبه قواعد امريكية كل قاعدة مثابة دولة وبه أضخم سفارة لأمريكا “الشيطان الأكبر” على حد زعم إيران!!! وبه عشرين قاعدة تركية، وبه دولة انفصالية للبرازاني، ومنه شريان النفط السوري المسروق والسوريون يتجمدون برداً. أين العراق وفيه النهرين وأنهار صغيرة والناس عطشى، وبه النفط وبلا كهرباء!!! هل حقاً انتصر العراق؟ وبه الحشد الشعبي الذي اعتمد إخراج العدو الأمريكي بتصويت البرلمان، وينتظر فتوى السيستاني ليقاوم الأمريكي! ولكن، من يقبل قواعد امريكا لن يضرب قاعدة التنف! هل هذا معقول! هل خرج الأمريكي ونظام الدين السياسي الطائفي في بغداد يستلم ثمن بعض النفط من امريكا؟ فمنذ اليوم الأول لاحتلال العراق فرضت امريكا ان تودع عائدات النفط لديها تلهف ما تريد ثم ترسل طائرة بالدولارات إلى بغداد وهناك يتقاسمها اللصوص. حبذا لو خلا حديثكم من هذين العيبين!
ملاحظة1: بوسع القاىء/ةأن يكتب The Cradle ليرى لوجو ومضمون هذا المركز.
ملاحظة 2: هذا الفيديو لرجل يقول إنه ايضا هو فاسد. لا اعرفه وأترك للناس الرأي.
✺ ✺ ✺
لماذا لا تقدم إيران سلاحاً لسورية؟
جاسر خلف
سؤال أو تساؤل للسيد ناصر قنديل رئيس تحرير جريدة البناء/بيروت
لا أدري إن كان حولك من يقولون لك: “على مهلك فللقارئ بصر وبصيرة”.
ففي مقالك اليوم 22 آذار 2023 وبعنوان “إيران قلب آسيا الإستراتيجي”
ورد ما يلي:
“…يبقى الأهم أن ما بنته إيران من مقدرات للمواجهة خلال أربعة عقود رسم قانون الحرب الحديثة، بصفتها حرب الصواريخ الدقيقة و الطائرات المسيّرة، التي يقول الخبراء اليوم إنها حرب القرن الحادي و العشرين، و إنها الحرب التي تشكل إيران فيها دولة أولى في العالم.
وهذا يمنح إيران فائض قوة في حساب الموازين المحدّدة لأي حرب، كما يبقى الأشد أهمية أن استقلال آسيا لا يستقيم مع بقاء كيان الاحتلال كقاعدة عسكرية متقدمة للغرب، و تبقى إيران أكثر دول آسيا وضوحاً و جذرية في خوض الصراع مع هذا الكيان. وهذا يمنح إيران قيمة مضافة لا يملكها سواها من دول العالم عموماً وآسيا خصوصاً، لجهة التموضع في خندق الاشتباك الأول مع الكيان”
جميل حتى الآن، ولكن، إذا كانت إيران بهذه القوة أي كما كتبت أنت:
“و إنها الحرب التي تشكل إيران فيها دولة أولى في العالم”.
فإذا كانت هكذا، و نحن نتمنى ذلك، و لكن، لماذا لا تقدم لسورية بعض هذه الأسلحة على الأقل لتحمي أجوائها من العدوان الصهيوني؟؟!.
وهذا لن يكون مِنَّة من إيران وذلك لسببين على الأقل:
الأول: أن سوريا الأسد الأب وقفت مع إيران ضد العراق شقيق سورية عربياً وبعثياً!!!
والثاني: لأن إيران وسوريا في محور المقاومة.
والثالث: لأن إيران تعتبر الكيان غاصب لفلسطين كما كتبت أنت وكما يقول السيد خامينئي أن الكيان غدة سرطانية.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، كتبت أنت في نفس المقال:
“و تبقى إيران أكثر دول آسيا وضوحاً و جذرية في خوض الصراع مع هذا الكيان”
هل لك أن تبين لنا هذا الوضوح وتلك الجذرية في خوض الصراع مع الكيان؟
أين ذلك؟
إن كنت تقصد تسليح حز ب الله فهذا صحيح والحزب يحمي لبنان وفقط، ومساعدة الفصائل الفلسطينية بنسبة أقل، فهذا صحيح، ولكن لا هذا ولا ذاك يدعم قولك بأنها الأكثر جذرية في خوض الصراع مع الكيان، إلا إذا كان الخوض في صراع الخطاب واللغة! هل هناك من شهيد واحد إيراني على حدود في فلسطين ولا نقول في قلبها!
لا نريد منها هذا، ولكن على الأقل لتقدم هذه الأسلحة أو بعضها لسورية حفظاً لكرامة سورية من جهة، ولقطع الطريق على الحروب التي تجري ضد سورية كي لا يتمكن الأعداء من ليس فقط إسقاط النظام بل حتى تقويض البلد.
اسمح لي أن أقول لك بصراحة، هذا الهتاف والمبالغة تدميري على وعي الأمة العربية لأنها حين تراه وترى القصف ضد سورية كما حصل اليوم ضد حلب، صدقني لن تصدقك. وأقول لك صراحة أن أهلنا في الأرض المحتلة يشعرون بما لا أود قوله لك حين تقول “سلام القدس عليكم وتضع كفاً عامودية واخرى أفقية!
✺ ✺ ✺
فـي الذكرى العشرين: انكسارات العراق بعد الحرب الأميركية الظالمة
خميس بن عبيد القطيطي
22 مارس، 2023
عشرون عاما مرت على أكبر عدوان في التاريخ الحديث بمآلاته القاسية وانكساراته الحادة على العراق الشقيق الذي كان ينعم بأحد أقوى النماذج التنموية في الوطن العربي، فجاءت آلة الحرب الاميركية في 19 مارس 2003م لتنسف كل حضارة العراق، كما فعل التتار في 13 فبراير عام 1258م، والمؤسف أن العدوان الاميركي أحدث خرقا للنظام الدولي، وتجاوزا للمجتمع الدولي بعد محاولات تزييف قام بها وزير خارجية أميركا ـ آنذاك ـ كولن باول أمام مجلس الامن الدولي بحجة امتلاك العراق اسلحة دمار شامل وهو ما ثبت كذبه لاحقا عبر وثائق ويكيليكس ووثائق عرضت في مجلس العموم البريطاني أثناء استجواب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير الذي ساند بوش الصغير في تلك الحرب الظالمة التي خلفت الكثير من التداعيات المأساوية على العراق برمته .
الحرب الأميركية على العراق جاءت بقرار أميركي خارج إطار النظام الدولي ولكن كيف للعالم أن يتصرف أمام تلك القطبية الأحادية التي قررت منذ بداية الاعداد للحرب مبدأ خطيرا في سياقات القانون الدولي والقانون الانساني الدولي جاء على لسان الرئيس الاميركي: (من لم يكن معنا فهو ضدنا) وهذه لغة تنم عن بلطجة وإرهاب دولي، وقد وجهنا حينها رسائل عبر وسائل الاعلام وصحيفة (الوطن) قبل الحرب وفي بدايتها محذرين الولايات المتحدة من هذا الانفلات اللامحدود الذي يزعزع السلم والامن الدوليين، ولكن للأسف انزلقت أميركا في هذا المستنقع العراقي الذي خلف حتى عام 2011م 461 ألفا من الضحايا الابرياء، وفي بعض التقديرات مليونا بين قتيل ومصاب إضافة الى ملايين المشردين وخسائر مادية تقدر بثلاثة تريليونات دولار، وانزلقت البلاد في حالة عنف طائفي، حيث فقدت كل وسائل الحياة الكريمة لدى الشعب العراقي الذي كان يعتبر من أكثر الشعوب تقدما ورقيا وعلما، هذا غيض من فيض عما خلفته تلك الحرب الظالمة .
الانكسارات في العراق لم تقف عند هذا الحد، فبعد سقوط بغداد في 9 أبريل أو بالأحرى مطلع مايو بعد هزيمة الجيش العراقي وإسقاط نظامه السياسي، بدأت سلسلة الكوارث تتوالى على العراق فقد اجتاح البلاد حالة من العنف الطائفي وأصبح القتل على الهوية في بلد كان يمثل نموذجا وطنيا لا يعلو فيه إلا لغة الوطن فتشكلت العديد من المليشيات، وبرزت حالة تشبه الحرب الاهلية من خلال تلك المواجهات لا سيما بعدما قرر الحاكم الاميركي للعراق تسريح الجيش العراقي وإزالة أي أثر للدولة الوطنية واجتثاث حزب البعث الحاكم وتصفية كل الرموز العراقية المادية ولم تسلم حتى الآثار العراقية، وتم وضع قائمة من المطلوبين من قيادات الدولة العراقية من وزراء وقادة عسكريين وعلماء في حالة تصفية بشرية لأي كادر بشري كان يمثل العراق، ومن المآسي كذلك استهداف علماء العراق بالخطف والقتل، وهاجر بعضهم لينجو بحياته ونسفت كل أواصر المجتمع العراقي، وعانت البلاد من مخلفات اليورانيوم ومخلفات الحرب التي سببت بعض الأمراض لاحقا حتى التربة في العراق لم تسلم من السموم والاشعاعات بعد تجربة كل أنواع الاسلحة، وقد زادت المآسي كذلك في المعتقلات والسجون الاميركية بالعراق والانتهاكات اللا إنسانية التي حدثت على مرأى ومسمع وسائل الاعلام، وأحداث سجن أبو غريب شاهد عيان عما حدث في تلك المرحلة الحالكة من تاريخ العراق .
وضعت الولايات المتحدة على رأس العراق حاكم مدني «بول بريمر» واستقطبت بعض الاسماء التي أرادت العمل مع الاحتلال وجاءت على ظهر الدبابة الأميركية؛ لتقود العراق الجديد.
العراقيون اليوم هم شهود على كل تلك الانكسارات التي حدثت بفعل الحرب الأميركية على بلادهم، فقد كان يراد للعراق أن يتحول من دولة حضارية قائدة الى دولة فاشلة وهو ما ورد في بعض تقارير الامم المتحدة ناهيك عن حالة الفساد المستشري والمحاصصة الطائفية المؤسسة دستوريا في العراق الجديد، كل ذلك، ولا نستطيع أن نغفل الدور العبثي الصهيوني والاختراق الذي وجد ضالته؛ لتأجيج حالة الطائفية والعبث بالعراق، وتعززت حالة المآسي في قضايا أخرى مثل؛ شكل الدولة المختلف عليه بهدف تقسيم العراق أو ما يسمى «فيدرلة» العراق وهلم جرا من تلك المآسي التي قررت تصفية العراق والسيطرة على ثروته وتركه يعيش في العصور الوسطى، في نكبة لا تختلف عن نكبة التتار التاريخية .
عشرون عاما من تلك الانكسارات الحادة التي تعرض لها العراق الشقيق والتي عانى فيها الشعب العراقي الويلات من مواجهات طائفية وهجرات قسرية واستهداف لكوادره وفشل حكوماته التي جاءت بعد الاحتلال في حالة عجز وفساد مستشر، لم يمكن من تحقيق أية نتائج ايجابية في بناء الدولة، وحاول العراقيون انتشال الدولة من تداعيات تلك الحالة لعودة العراق كقوة حصينة وبلد الحضارة وسند عروبي في قضايا أمته العربية، والعراق قادر بعون الله أن يعود الى واجهة الحضارة بإمكانات أبنائه وما ذلك على الله بعزيز .
:::::
جريدة الوطن https://alwatan.com
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org