يُصرُّ الكيان على تصوير الصراع كأنما يقوم على اساس ديني بل على الأساس الديني وحده بقصد:
· الهروب من الرواية العلمية التاريخية المدعومة أركيولوجياً
· نسخ وزعم إنشاء وتبني مختلف الملاحم العربية القديمة في العراق وسوريا وحشوها في كتبه.
· استخدام الإعلام والمال والأكاديميا والسياسة لنسج كتابات ومؤلفات تعتمد التورة وما أُلحقق بها لتغييب الرواية التاريخية.
وعليه حتى اليوم كان هروب الكيان لصالح الرواية الدينية ناجحاً بدعم الغرب بأكمله عبر تزييف كاد يكون معولماً.
صحيح أن اليهود عموماً والحركة الصهيونية خاصة تمسكوا بالرواية الدينية اي التوراتية وما تلاها من تشريعات…الخ، ولكن كل هذا لم يكن ليلعب دوراً في إقامة الكيان قط لولا دخول الغرب بدءاً من بريطانيا وهولندا الإنجليكانيتين حقبة الرأسمالية بمحتوويها: الاقتصادي الإنتاجي محلياً والاستعماري خارجياً. ومن هنا كان التلاحم بين الرأسمالية وبين الصهيونية. وهذا يقتضي دقة في الرؤية بمعنى، أن الأساس في إقامة الكيان ليس لا التوراة ولا الحركة الصهيونية بل الحاضنة الرأسمالية الغربية حتى اليوم. وكل ما نشاهده اليوم من تصريحات وعنتريات قادة الحكومة الحالية في الكيان والتمظهر بالخروج على إرادة سيدها الغربي إنما من أهم أهدافه تثبيت الرواية التوراتية وإخفاء الحقيقة الكبرى وهي أن كامل هذا الغزو الاقتلاعي لفلسطين والتدمير واحتجاز التطور العربي لم يكن ليحصل قط لولا قوة الرأسمالية الغربية ولاحقاً في مرحلتها الإمبريالية واليوم العولمة. أي لولا الغرب الرأسمالي الإمبريالي لبقي أتباع هذه الديانة في المعبد المتخيَّل يرددون بكائيات على ارتباط مُدَّعى بقبيلة عربية قديمة انقرضت تماما قبل ثلاثة آلاف سنة حيث لا يُعقل أن انفجاراً نوويا أصاب تلك القبيلة الصغيرة فتطايرت شظاياها من راس الرجاء الصالح إلى مضيق برنج إلى بلاد الآسوج/السويد إلى كندا وتلونت بشرة كل شظية منها بلون بشرة أهل هذه المنطقة أو تلك. معروف طبعاً أن أدبيات الاستعمار البريطاني أصرَّت على قراءة فلسطين على أسس دينية وحتى مذهبية وذلك لأغراضها المنسجمة مع الهدف الصهيوني.
الأسير رقم 287 ورمضان:
إثر عملية للجبهة الشعبية ضد مطار اللد 11 كانون أول 1967، أُعتقلتُ مع الرفاق في 15 من نفس الشهر. وبعد ايام نُقلتُ مع بعض الرفاق من سجن رام الله إلى سجن صرفند قرب الرملة وهو بناية من مخلفات الاحتلال البريطاني وهي في مختلف المدن الفلسطينية واسمها “تاجارد”. وبعيداً عن تفاصيل الاعتقال والتحقيق والتعذيب…الخ، لفت نظري من حينها التالي:
لقد أعطوا كل رفيق رقماً بدل اسمه كي لا يسمع اياً منا اسم رفيقه ويعرف أنه معتقل، وكان رقمي 287.
ذات يوم في الصباح الباكر، أو نهاية الليل، لا أدري حيث كانوا يقيدون ارجلنا وايدينا ويعصبون عيوننا، فتح جندي طاقة/كُوّ’ة الزنزانه:
قال: إنتِ رمضان؟
لم أكن أعرف الأيام ولا التاريخ ولا أي شيء، ولذا لم أدري أن شهر رمضان حلَّ خلال الاعتقال. طبعاً اعتقدت انه تاه عن اسمي:
قلت: انا عادل.
وفجأة فتحوا الباب الحديدي وانهالوا على ضرباً.
قال أحدهم: “إنتي بدِّك توكل ولا مش بدِّك؟ اليوم رمضان. وطبعااً اعتبروا انني قصدت اذكر إسمي، مع انني حقيقة لم أقصد ذلك.
أدركت حينها أن رمضان قد حلّْ.
ومن حينها حتى اليوم لم أنسَ: لماذا هذا الاهتمام بصيام معتقل قيد التحقيق.
هذا يندرج في قرار الكيان تثبيت دينية الصراع ونفي كون الصراع سياسي اي عربي صهيوني.
لم تتغير رواية الكيان حتى اليوم، ولكن الذي تغير هو أن طبيعة النضال الفلسطيني والعربي ضد الكيان أكَّد أن الصراع ليس دينياً من جهة، وعرَّى فهم الكيان الاستشراقي الذي حاول إبعاد الصراع عن بعده السياسي الاقتصادي المصيري. وهذه التعرية أوصلته إلى فشله في تمرير دينية الصراع ليتخلى عن الاحترام الزائف والخبيث للدين الإسلامي والذي وصل في خبثه “الاهتمام بأسير مقطوع عن الوجود” وفي فترة لم يكن يعرف عن الأسرى لا أمم متحدة ولا أمنستي ولا الصليب الأحمر ولا “الذباب الأزرق” كما يقول المثل الشعبي.
ولذا، ومع سنوات وعقود الاحتلال، ومع تدهور الواقع السياسي الرسمي العربي وعجز22 رئيس بلدية عن التحرير، ها هو الاحتلال يُمعن في التمسك بروايته الدينية ويُمعن في انتهاك الدين الإسلامي والدين المسيحي وبكل فظاظة.
هكذا رايت الانقلاب تجاه رمضان 1967 و2023 كيف انتقل الكيان من “الحرص” على صيام اسير مُغيّب إلى انتهاك الأقصى ليس بالاعتداء على المصلين بل وأسوأ حيث سارت إحدى نساؤه عارية في ساحة الأقصى.
لا غرابة إذن بأن أحد أهداف ما يجري ضد الأقصى خاصة هو تثبيت ان الصراع ديني وتعبئة شارع السلطة الحالية دينياً لا سيما أن فلاسفة ورجال دين هم المنظِّرون لسياسات هذا الحكومة يقولون بوضوح أنهم باتجاه جعل الكيان دولة دينية مثل إيران! ويرون أن تحقيق وهم “إسرائيل الكبرى” لا يتحقق إلا بدولة دينية.
ولهذا ولانقسام الشارع في الكيان حديث آخر.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….