الأصل غير اليهودي للصهيونية[1]
الجزء الأول
محمد ولد المى الياسينى[2]
عربي موريتاني في اميركا
ترجمة مسعد عربيد
ملاحظة من “كنعان”
كنا قد نشرنا هذه الدراسة سابقاً في مجلة “كنعان” الفصلية، العدد 113 ، نيسان 2003. ونعيد نشرها لأهمية المعطيات والمعلومات التي تقدمها للقارئ.
✺ ✺ ✺
تـعرّف وزارة الخارجية الإسرائيلية الصهيونية وتقدمها على أنها “حركة تحرر وطني” تهدف “إلى إعادة إقامة الشعب اليهودي” في وطنه ومواصلة السيادة اليهودية على أرض إسرائيل. كما تدّعي أن الصهيونية جاءت كرد على “الحنين” اليهودي لصهيون (التي تعتبر مرادفة للقدس)، وعلى معاداة السامية التي تعتبر جوهر “المسألة اليهودية” (الجماعات اليهودية التي تقطن المجتمعات غير اليهودية)، والتي يكمن “حلها الوحيد” في بناء “دولة يهودية على أرض إسرائيل بأغلبية يهودية”[3]. واستنادا إلى هذا التاريخ الرسمي، فإن الآباء المؤسسين للصهيونية يشملون موسس هس الألماني (والذي اهتز لما يسمى القذف بجريمة الدم في دمشق عام 1844)، ليو بنسكر الروسي (الذي أخذت به صدمة المذابح في روسيا عام 1881)، وثيودور هرتسل الهنجاري (الذي اضطرب نفسيا نتيجة قضية دريفس في فرنسا عام 1896).
إن الإدّعاء الكبير هنا هو أن اليهود هم وحدهم الذين ابتدعوا الصهيونية. فيزعم برنارد لويس (الذي يكال له المديح كعميد الدراسات الشرق أوسطية) بأن “أول مبشر عصري ب “الفكرة الجديدة التي تنادي ب “الإحياء” اليهودي في فلسطين كان حاخاما من البوسنة يدعى يهودا القالاي والذي تكونت لديه هذه الفكرة عام 1843. ويعتبر لويس مدينة فيينا مسقط رأس الصهيونية، وثيودور هرتسل الأب المؤسس لها، أما كتيب هرتسل “الدولة اليهودية” الصادر عام 1896 فيعتبره بداية تاريخ الصهيونية[4]. يكرر ناحوم جولدمان (الرئيس المؤسس للمؤتمر اليهودي العالمي) نفس الادعاءات ويتتبع “الفكرة الصهيونية” إلى عام 1897[5]، في حين تعتبر كلوود دوفرنوي أن هرتسل هو “نبي” الصهيونية و”حجر الأساس الذي تقوم عليه البنية الصهيونية بكليتها”[6]. أما مارتن بيرتز (رئيس تحرير مجلة الجمهورية الجديدة) فقد حاول التعمق أكثر في مقالة بعنوان “الصهيونية في عامها المئة” والتي كتبها عام 1997، إلاّ أنه لم يذهب إلى أبعد من منتصف القرن التاسع عشر فى بحثه عن أصل الصهيونية، حيث كتب أن موسس هس كان أول صهيوني “عصري”. وقد أبدى بيرتز بعض المكابرة عندما ذهب إلى الادعاء بأن ” دولة إسرائيل قد ولدت عندما أمر الصهاينة البريطانيين بالرحيل” الفوري من فلسطين و “أن إسرائيل كانت كيانا معاديا للإمبريالية”[7]
إن العديد من كتب تدريس الجغرافيا السياسية في الولايات المتحدة تردد المزاعم الصهيونية التي ذكرناها أو تلزم الصمت حيالها فلا تدخل مفردة “الصهيونية” في فهرس جغرافيتها السياسية (الوفيرة وذات الصلة الوثيقة بالموضوع)[8]. وحيث أنه من المستعصي إثارة الشكوك حول أهمية الصهيونية (كفكرة سياسية تقتضي فتح الأراضي والإستيلاء عليها وعلى تاريخ أهلها) بالنسبة للجغرافيا السياسية، فإنه بمقدور المرء أن يفترض أن العديد من الجغرافيين يقبلون المزاعم الصهيونية أو يلزمون الصمت حيالها خوفا من احتمال توجيه تهمة معاداة السامية لهم. وتستند هذه التهمة على أن “الأفراد أو الأمم” التي تقف ضد إسرائيل أو الصهيونية، إنما هي “معادية للسامية”[9] ما زال هذا السلاح السياسي المقرون بالشعور المتأصل بالذنب لدى الاوروبيين تجاه يهود بلادهم يضع إسرائيل والصهيونية فوق كل نقد في العالم الغربي. ففى الآونة الأخيرة اضطرت بعض الشخصيات البارزة إلى الإعتذار عن تصريحات وتعليقات “غير سليمة سياسيا” كانت قد أدلت بها مثل زوجة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير (شيري)، مؤسس شبكة الأخبار التلفزيونية الأمريكية تيد تيرنر, قسيس الكنيسة المعمدانية الجنوبية في الولايات المتحدة بيل جراهام، وعضو الكونكرس الامريكى جيمس موران [10].
لكن الهجوم المروّع فى الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 جاء ليسلط الأضواء على الصهيونية حيث أورد إبن لادن وآخرون من تنظيم القاعدة أن “ذريعتيهم” في أحداث الحادي عشر من أيلول هما: (1) دعم الولايات المتحدة للصهيونية وإسرائيل، و(2) الوجود العسكري للولايات المتحدة في شبه الجزيرة العربية. إن مركزية الصهيونية في أحداث الحادي عشر من أيلول و”الحرب ضد الإرهاب” التي تلتها لا بد أن تحث الجغرافيين السياسيين الأميركيين على إعادة النظر في مواقفهم التقليدية حول التاريخ الرسمى الصهيوني. لقد وصمت مثل هذه المواقف وما زالت المناهج التدريسية الاميركية والسياسة الاميركية حيال الشرق الاوسط. ففي أعقاب تلك الأحداث تم استدعاء برنارد لويس (الصهيوني البارز وهو في العقد التاسع من عمره) من ” تقاعده الرسمي منذ عام 1986″ ليتبوأ منصب مستشار الشرق الاوسط لدى حكومة الولايات المتحدة كما تم تقليده مقعدا في برنامج “لقاء الصحافة” الواسع الانتشار للشبكة التلفزيونية للأخبار[11].
تقدم هذه الدراسة محاولة تستند إلى مصادر أولية وثانوية لإعادة النظر في نشوء الصهيونية على ضوء الجغرافيا التاريخية والجيوسياسية لهذه الحركة. وستتمحور هذه الدراسة حول الأسئلة التالية: أين ومتى ولدت الصهيونية ومن ابتدعها؟ كما سوف تظهر أنه منذ عهد الإصلاح الديني فإن العديد من مخططات الاستيطان الصهيوني لفلسطين قد رأت النور وتطورت على أيدي اوربيين غير يهود (متدينين وملحدين على حد سواء) كانوا قد سبقوا كلا من يهودا القالاي (1798 ـ 1868) وموسس هيس (1812-1875) وثيودور هرتسل (1860-1904) الذين صادف ظهورهم مجرد بداية صهينة اليهود أنفسهم وانخراطهم المباشر في فكرة الصهيونية والتي كانت فى أصلها وأساسها فكرة غير يهودية.
نظر زعماء الإصلاح الديني إلى اليهود كحلفاء محتملين ضد الكاثوليكية
ومهتدين احتياطيين للديانة البروتستانتية الجديدة
شكل الصراع بين الاصلاح الديني ومعاداته الحدث الايديولوجي الرئيسي في الجيوسياسة الاوربية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. فقد وقع اليهود الاوربيون خلال عصر الاصلاح ما بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا الغربية من جهة وبين الكاثوليك والمسيحيين الأرثوذكس في أوروبا الشرقية من جهة أخرى[12]. فقبل أن تطالب الحركة الاصلاحية بإحلال الكتاب المقدس مكان البابا كمرجع روحي، لم تتواجد في الفكر الكاثوليكي التقليدي فكرة “عودة اليهود” إلى فلسطين ولا مفهوم “الأمة اليهودية”[13]. لقد ابتدعت الحركة الاصلاحية هذه الأفكار وطورت فيما بعد ثيولوجيا الآخرة والتي تضمنت اعتناق اليهود للمسيحية كمقدمة للمجئ الثاني للمسيح. وشددت حركة الاصلاح الدينى بشكل خاص على الأصول الفلسطينية للمسيحية من أجل التقليل من قدر ادعاءات ومزاعم الكاثوليكية الرومانية. فقد أعار البروتستانتيون اهتماما أكبر للعهد القديم وبني إسرائيل التوراتيين والقدس وذلك نكاية فى الكاثوليك واهتمامهم بالعهد الجديد والبابا وروما[14]. وفي الوقت ذاته اندفعت القوى الاوربية الكبرى متنافسة على استخدام اليهود واليهودية كغطاء ديني وورقة توت لمخططاتها الهادفة الى استعمار الأراضي المقدسة في فلسطين في قلب الامبراطورية العثمانية الآخذة بالاضمحلال والعالم العربي الناشئ.
كان مارتن لوثر (1483-1546) مؤسس الحركة الاصلاحية أول من أبدى اهتماما سياسيا ولاهوتيا باليهود. فهو راهب ألماني وأستاذ في علم اللاهوت في جامعة ويتنبرغ . وكان محروما من الكنيسة بأمر البابا ليو العاشر (1520) كما اعتبره الامبراطور تشارلز الخامس (1521) خارجا عن القانون بعد أن نشر لوثر نقده للكنيسة الرسمية (وخاصة لبيعها صكوك الغفران) والمكوّن من 95 أطروحة وثبته بالمسامير على باب كاتدرائية ويتنبرغ يوم 21 تشرين الأول (أكتوبر) 1517. لقد رأى لوثر في اليهود حلفاء مرشحين ضد الكاثوليكية ومهتدين احتياطيين للديانة البروتستانتية الجديدة. وفي كتيبه “يسوع المسيح ولد يهوديا” (1523) ، ينصّب لوثر اليهود ورثة حقيقيين لسلالة بني إسرائيل التوراتيين وأقارب للمسيح بالدم (مع أن العديد من الأعمال العلمية المعاصرة قد أكدت على الأصل غير السامي وغير الإسرائيلي وغير الفلسطيني لليهود المعاصرين[15]. لقد مجّد لوثر في كتيبه هذا اليهود وكأنه أراد أن يغرس عقدة نقص دينية دائمة وشعور بالذنب بين أقرانه المسيحيين والذين وصموا اليهود بالأشرار آنذاك واعتبروهم رافضين ومضطهدين وقتلة المسيح. كتب مارتن لوثر:
“سوف أقتبس من الكتاب المقدس الأسباب التي دفعتني للاعتقاد بأن المسيح كان يهوديا مولودا للعذراء، والتى ربما أستطيع بواسطتها استمالة واجتذاب بعض اليهود لاعتناق المسيحية….أنا آمل أنه إذا تعامل المرء بأسلوب لطيف مع اليهود وشرح لهم الكتاب المقدس بحرص، فإن الكثيرين منهم سوف يصبحون مسيحيين حقيقيين ويعودون إلى عقيدة أجدادهم من الأنبياء والآباء…. علينا أن نتذكر، عندما يأخذ بنا الإعتزاز بموقفنا، أننا مجرد أغيار (غير يهود) حيث أن اليهود هم سلالة المسيح. إننا غرباء بالنسب في حين أنهم أقرباء بالدم وبالعمومة والأخوة للرب. وعليه، فإن اليهود هم في الحقيقة أقرب منا إلى المسيح كما يقول القديس بولس في “الرومانيون 9”. لقد أظهر الله هذا دوما بأفعاله حيث أنه لم يمنح لأية أمة من الأغيار هذا الشرف السامي كما منح اليهود، ولأنه لم يظهر بين الأغيار لا آباء توراتيين ولا حواريين ولا أنبياء بل عدد قليل جدا من المسيحيين الحقيقيين…. وعليه، فإنني أتوسل إلى البابويين الأعزّاء، حين يسأموا من شجبي كهرطقي، أن يغتنموا الفرصة لشجبي كيهودي[16].(16)
وفي عمل آخر محاب لليهود ومتحد للبابا والكنيسة الكاثوليكية الرسمية، قام لوثر بازالة تلك الأسفار من العهد القديم التي تسمى ابوكريفا البروتستانتية[17]. والتى لا تقبلها الشريعة اليهودية كجزء من الكتب العبرية المقدسة. ومنذ ذلك الحين استثنى الانجيل البروتستانتي هذه الأسفار الأربعة عشر واعتبرها ابوكريفا أي أسفار مشكوك في أصالتها. غير أن لوثر عاد وتراجع عن موقفه حيال اليهود وذلك ربما بعد محاولة دس السم له (التي تورط فيها طبيب يهودي بولاندي) عام 1525 وكذلك لأسباب تعود إلى قرار جون فريدرك بإبعاد اليهود عام 1536[18]. قام لوثر بعد ذلك بالتهجم على اليهود فنعتهم ب “الحشرات الطفيلية” ومعابدهم ب”أعشاش الشيطان للعجرفة والأكاذيب”[19]. وفي كتيبه “حول اليهود وأكاذيبهم” (1543) ، انتقد لوثر اليهود للتبجح بسلالتهم ونسبهم واعتبارهم أن الخلاص سيكون بناء على العرق لا على الفضيلة:
هناك أمر واحد يتبجح به [اليهود] ويتفاخرون به بدون حدود ألا وهو تحدرهم من أصل أوائل الناس على هذه الأرض من إبراهيم وسارة وإسحاق ورفقة ويعقوب ومن الآباء الإثني عشر أي من شعب إسرائيل المقدس… مقارنة بهم وفي نظرهم فإننا نحن الأغيار (غوييم) لسنا بشرا، وفي الحقيقة لا نكاد نستحق منهم أن يعتبروننا ديدانا حقيرة حيث أننا لسنا من ذاك الدم والنسب والمولد والسلالة الشريفة والنبيلة. تلك هي حجتهم، وأنا أعتقد حقا أنها أكبر وأقوى دافع لكبريائهم وتبجحهم … يتوجب عليّ أن أرد، قبل كل شيء، بأن السؤال هنا يدور حول ما إذا كان نبل الدم بحد ذاته يحمل تلك المصداقية أمام الله بحيث يكون المرء أو يصبح، عندئذ، شعب الله[20].
التنافس بين البروتستانت واليهود على الوراثة
العرقية والدينية لبنى إسرئيل التوراتيين
تعكس كتيبات لوثر تنافسا متزايدا بين المسيحيين البروتستانت واليهود على الوراثة الأثنية أو الروحية لبنى إسرائيل التوراتيين. لقد طور هذا التنافس (الذى بلغ أوجه لاحقا في البناء الاجتماعي لما يسمّى بالجنس الآري و الجنس السامي) خرافة من يسمون بالقبائل الضائعة، والذين وجدهم الاسبانيون والانجليز والكتّاب الاستعماريون الأوائل في السكان الأصليين للقارة الأميركية في حين أن معاهد الدراسات اللاهوتية والأنثروبولوجيا، إضافة إلى الفرضيات الأنثروبولوجية والأثنية الخاطئة، عممت هذه الخرافة في كافة أنحاء المعمورة[21]. في تلك الحقبة ذاتها (ما بين 1550 و1750) أخذ أغلب اليهود في اوربا الغربية يمرون بتجربتهم الإصلاحية أيضا: القبلانية اليهودية[22] التى طورت مفاهيم “الخصوصية اليهودية” و”الدم اليهودي” (وحتى الحامض الأميني اليهودي في هذه الأيام) كمبرر لتميّز اليهود عن غيرهم[23]. لقد استمرت سذاجة المؤرخين الاوربيين حول أصل اليهود ردحا طويلا بعد مارتن لوثر: كتب هنري ميلمان عام 1866 ان اليهود “ربما كانوا الجنس الوحيد النقي الذي يمكن له أن يتفاخر بالتاريخ البعيد”[24].
في خضم هذا البحث الحثيث عن الأسلاف والأصل القومي، قام مؤرخ العهد الأليزابيثي وليم كامدن بنبذ بروتس (حفيد حلبات حصان طروادة والذي يعتقد أنه أقدم جد معروف من السلف البريطوني) واختيار جومر (حفيد نوح) كأقدم بريطوني[25]. وبالمثل كتب ايليت سامس الأستاذ بجامعة كامبردج كتابا عام 1676 بعنوان “أسلاف بريطانيا القدماء ينحدرون من الفنيقيين”[26]. وما أن حل القرن التاسع عشر حتى كانت الحركة الانجلوـ اسرائيلية قد قطعت شوطا كبيرا في ادعائها المتشدد بأن الانجليز كانوا هم الأحفاد الساميين الحقيقيين لقبائل بني إسرائيل الضائعة إلى درجة أن الملكة فيكتوريا (1837ـ1901) اقتنعت بأنها سليلة داوود التوراتي. وتواصلت تجليات هاجس النزعة الاسرائيلية البريطانية المستحوذة بالسلالة التوراتية أو السامية إلى حد العام 1924 حين أصدر لورانس وادل كتابه “الأصل الفينيقي للبريطونيين والسكوتلانديين والانجلوساكسونيين”[27]. وكان من نتيجة هذه المنافسة في البحث عن تاريخ توراتي أو أصل سامي، أن تطورت العلاقات البروتستانتية اليهودية منذ ذلك الحين ضمن حلقة مفرغة من الحب والكراهية، متمثلة بالدعم المعاصر للصهيونية ودولة إسرائيل من قبل العديد من الأصوليين الانجيليين والذين ربما يضمرون مشاعر العداء لليهود. نسوق على سبيل المثال الاعتذار الذي تقدم به القس المعمداني الانجيلي بيلي جراهام (من جنوب الولايات المتحدة الأميركية) لليهود حول المحادثة التي أجراها مع الرئيس الأميركي نيكسون في مكتب هذا الأخير عام 1972 حول سيطرة اليهود على وسائل الإعلام الأميركية[28]. من الناحية الأخرى، يستشهد إسرائيل شاهاق ونورتن مزفنسكى بحادثة تدلل على كراهية الأصوليين اليهود “للمسيحية والمسيحيين”:
أزالت السلطات التربوية الإسرائيلية إشارة الزائد (+) الدولية من كتب الرياضيات الابتدائية التي تدرس في الصف الأول في المدارس الإسرائيلية. وكانت الحجة المزعومة أن إشارة الزائد هذه، والتي هي أيضا اشارة الصليب، قد تفسد الأطفال اليهود الصغار دينيا. وبدلا من الصليب الذي يثير مثل هذه الإهانة، استعاضت السلطات الإسرائيلية بحرف(T) [29].
ما زال يتواجد، حتى يومنا هذا، بعض بقايا ما يمكن تسميته الآن “الردة الاثنية” للبريطانيين بين الجماعات الأميركية البيضاء التفوقية الإنفصالية التي، كالعديد من اليهود، ابتدعت خرافةالانتماء المفترض الى سلالة بني إسرائيل التوراتيين. ويبدو أن أزمة الهوية لدى الطرفين مازالت تغذى الأدبيات المتعلقة بالكراهية في الولايات المتحدة مثل تلك التي نجدها في كتاب “معجم الكراهية الجديد” من منشرورات مركز سايمون ويزينثال وكذلك كتاب دافيد ديوك “التفوقية اليهودية”[30]. فعلى سبيل المثال يزعم بعض أعضاء “حركة الهوية المسيحية” أنهم ينحدرون من بني إسرائل التوراتيين في حين أن اليهود هم أبناء إبليس[31]. وبالطريقة نفسها تتبجح الحكومة الإسرائيلية زاعمة أن اليهود المعاصرين ينحدرون من أصل بني إسرائيل وتنشر التصريحات التي تكاد تنتحل “حقوق التأليف” للتوراة بالادعاء بأن اليهود “منحوا العالم كتاب الكتب الأزلي[32]“. أما ادوارد هاين فيكتب في كتابه “تماثل القبائل الإسرائيلية العشر الضائعة مع الانجلو- سيلتو – ساكسونيين” ما يلى: “لعل ما لا يمكن الإفصاح عنه هو التلميح بأن اليهود هم تجسيد ليهوذا وبنيامين”. ثم يزعم بأن “الانجلوساكسونيين متماثلون مع القبائل العشر الضائعة لأن كلمة “ساكسونيين” مشتقة من عبارة “أبناء إسحاق”[33].
لم يبتدع اليهود الصهيونية بل انجلترا الانجيليكية هي التي ابتدعتها
بدأت صهينة النخبة الانجليزية ونزعة حب اليهود حين نصب الملك هنري الثامن نفسه على رأس كنيسة انجلترا (الكنيسة الانجيليكية) عام 1534 وأصدر لاحقا أوامره بإيداع نسخة من التوراة والانجيل باللغة الانجليزية في كل كنيسة في انجلترا. وبظهور التفسير الحرفي (بدون الرجوع إلى رجال الدين) للكتاب المقدس وتأثيره على الثقافة الانجليزية ومع التركيز على العهد القديم أخذت حركة الاصلاح الانجليزية تشابه عملية تهويد زائفة للشعب البريطاني. وربما أخذت الثقافة الانجليزية التي اخترقتها، في تلك الفترة، تفسيرات جديدة وحرفية للكتاب المقدس، تنظر الى مفردات مثل “الساميون”، “العبرانيون”، “الاسرائيليون” و”اليهود” كمفردات مرادفة لبعضها البعض. وفى العام 1589 أصبحت الصهيونية ظاهرة للعيان في اتجلترا عندما أعدم حرقا بالنار رجل اسمه فرانسيس كيت لاعتناقه الصهيونية (“الإحياء”) التي كانت تعتبر آنذاك هرطقة[34]. وقد واصلت الصهيونية البريطانية نموها رغم الأحداث العارضة المعادية لليهود مثل قضية الطبيب الخاص اليهودي للملكة اليزابيث الأولى والذي “اتهم بالخيانة العظمى ومحاولة تسميم الملكة”[35].
بلغت الصهيونية ذروة جديدة مع ظهور البيوريتانيين والذين يعتبرهم بعض الصهاينة يهودا من الناحية العملية[36]. وقد استلهم البيوريتانيون الانجليز وتأثروا جزئيا بمواقف كالفين من الثروة وبتعاليمه التي تقول بأن النجاح المالي والكدح (المسمى بأخلاقيات العمل) هما أعظم وصايا الله[37]. كما آمن الكالفينيون بنظرية القضاء والقدر (والتي تقول بأن الله قد اختار الناس مسبقا بعضا منهم للخلاص وبعضا للإدانة الأبدية). واقترح البيوريتانيون المتعصبون تحويل يوم الرب الى يوم السبت واتخذوا لأنفسهم أسماء من العهد القديم، كما أن بعضهم اعتنق اليهودية في حين أنكرالبعض الآخر الطبيعة الإلهية للمسيح. إلاّ أن الأهم من هذا كله هو أنه تم السماح لليهود بالعودة إلى انجلترا عام 1655 (قام الملك أدوارد الأول بطردهم عام 1290 بعد أن ألغى كافة الديون التى كانت لهم علىالناس). وفي عام 1753 أقرّ البرلمان البريطاني (بمجلسيه) قانونا بمنح الجنسية لكل اليهود الذين أقاموا في بريطانيا لمدة ثلاث سنوات. ورغم أن هذا القانون قد حظي بالموافقة الملكية، إلا أنه تم الغاؤه لاحقا بسبب الحسد التجاري البريطاني والتحيّز الديني[38]. وفي مثال آخر، طالبت بعض الأصوات المعادية لليهود التخفيف من عبء المملكة حيال الشؤون الإرلندية ببيع جزيرة ارلندا لليهود[39]. على أية حال، فإن الميول البروتستانتية المحبة لليهود والتي بادر بها لوثر في ألمانيا عام 1523 استمرت تضرب جذورها في عمق انجلترا الانجيليكانية كما اتضح في خطاب الإيرل ميث الذي وجهه إلى ما يقارب ألفين من رجال الدين والأعيان الانجليز في لقاء في مبنى فيلدهول عام 1890: “ألم يكن ربنا ذاته يهوديا؟ لولا فضل هذا العرق لما كان للمسيحية أن تظهر. إن الفضل في التوراة، بعهديها القديم والجديد، يعود إلى اليهود”[40]. أما في الولايات المتحدة اليوم فيستطيع المرء أن يقرأ تكرارا ملصقات على العربات تعبر عن أقوال مماثلة: “إن ربي نجّار يهودي”.
أخذت الصهيونية البريطانية في التطور وسط تحولات جيوسياسية واقتصادية أوسع. وقد اشتملت أهم هذه التحولات على انتقال مركز الثقل الاقتصادي في اوربا من شواطئ البحر المتوسط (خاصة الشواطئ الايطالية) إلى المحيط الأطلسي (الشواطئ الهولاندية والانجليزية على وجه الخصوص) والسيطرة المتنامية للدول البروتستانتية على البحار في أعقاب تدمير الأسطول الحربي الاسباني على يد البحرية البريطانية وكذلك بسبب العواصف عام 1588. وقد لاذ اللاجئون (ومنهم الكثير من اليهود) بالفرار من الاضطهاد الديني الذي احتدم خلال وفي أعقاب ثورة هولاندا ضد اسبانيا حيث اندفعت أفواج المهاجرين من كافة أصقاع العالم الكاثوليكي إلى امستردام حيث تم إنشاء أول مصرف وطني في التاريخ (بنك هولاندا) عام 1604[41]. وازدهرت التجارة الانجليزية – الهولاندية في القرن السابع عشر حيت بدأت المركنتيلية بالتبلور متخذة شكل تجارة محمية من قبل الشركات المسجلة مثل الشركة الانجليزية لتجار المشرق (1825-1581) الشركة الانجليزية لشرق الهند (1600-1874) والشركة الهولاندية لشرق الهند (1602-1798)[42]. وفي غضون حرب التجارة الانجليزية – الهولاندية الواقعة بين عامي 1652 و 1654 سدد الانجليز ضربة قاسية للاقتصاد الهولاندي حين قرروا حصر المستوردات المسموح لها بدخول انجلترا بتلك التي تقوم بشحنها سفن انجليزية أو سفن الدول المنتجة لتلك السلع[43]. أما اوليفر كرومويل (المنتصر في الحرب الأهلية التي دامت ثماني سنوات والذي قام بمحاكمة وإعدام الملك تشارلز الأول) فقد رحب باليهود لأنه كان مصمما على استقدام التجار اليهود من امستردام إلى لندن بغية تقوية التجارة الانجليزية في وجه البرتغال واسبانيا حيث تقيم جاليات يهودية عرفت بالثراء والمهارات التجارية وشبكة العلاقات التجارية الخارجية[44]. ومع حلول الثورة الفرنسية عام 1789 وما تبعها من تألق نجم نابليون في أعقاب غزوه لمصر وفلسطين وإعلانه اليهودي ولجت الصهيونية الانجليزية والفرنسية إلى مرحلة جديدة من المزاحمة الحادة لاستمالة يهود اوربا وتوظيف المسألة اليهودية فى السياسات الداخلية والخارجية.
الصهيونية الفرنسية ومحاولة نابليون
تنفيراليهود من حكّامهم الاوروبيين والعثمانيين
مثّل نابليون إلى حد كبير، بحكم كونه حاكما اوربيا ملحدا، موقفا وسطيا بين المواقف الاصلاحية الدينية والمعادية لها حيال اليهود[45]. وقبل ارتقاء نابليون إلى مركز القوة، كانت الثورة الفرنسية عام 1798 قد أعتقت اليهود الفرنسيين حين قررت الجمعية العمومية الفرنسية يوم 24 كانون الأول (ديسمبر) 1789: “يتمتع غير الكاثوليكيين بكافة المناصب المدنية والعسكرية مثلهم في ذلك مثل المواطنين [الكاثوليك][46]. وقد لاحقت هذه السياسة الاجتماعية النظام الاوربي القديم طيلة عهد نابليون. ففي ظل النظام الاوربي النابوليوني أصدر العديد من الحكام أوامر بفتح المنعزلات (الجيتوهات) ومنح اليهود الحريات المدنية. ومن الأمثلة على ذلك الأوامر التى أصدرها الدوق بادن الأكبرعام 1809، وملك بروسيا عام 1812، ودوق ميكلينبرغ اشورين عام 1812، وملك بافاريا عام 1813[47]. إلاّ أنه مع انهيار نابليون حصل تراجع فى انعتاق اليهود وأعيد فرض القيود عليهم في البلاد المعادية للإصلاح الديني مثل الدول البابوية والنمسا وألمانيا (حيث نشبت أعمال الشغب المعادية لليهود عام 1818)[48]. وعلى الرغم من سياسة نابليون) أو ربما بسببها( في تحرير اليهود ، فقد اتضح أنه كان عازما على استخدامهم كطابور خامس عبر أوروبا والامبراطورية العثمانية. كان نابليون على يقين بالانهيار الوشيك للإمبراطورية العثمانية وشكل ذلك حافزا لحملته لغزو مصر وفلسطين 1798- 1799 إضافة إلى أن الحملة كانت جزءا من مخطط لتدمير القوة الانجليزية. كتب نابليون في دليل النظام العسكري لجيشه يوم 22 حزيران (يونيو) 1798:
إنكم على وشك أن تحققوا فتحا يستعصي تقدير آثاره على الحضارة والتجارة العالميتين. وسوف تسددون ضربة لانجلترا كفيلة بإصابتها في أشد المواقع إيلاما، في انتظار اليوم الذي تقومون به بتسديد ضربة الموت القاضية لها[49].
كاد نابليون أن يعتنق الاسلام خلال إقامته في مصر كما أعلن أنه صديق للإسلام والنبي محمد “الذي أكنّ له الحب” حسب قوله[50]. وقرر نابليون غزو فلسطين بعد أن حطمت انجلترا أسطوله على شواطئ الاسكندرية. وقد قيل إن قوات نابليون قتلت خلال حملة يافا ما يقارب 4000 جندي وعددا كبيرا من السكان المدنيين (بما فيهم يهودا فلسطينيين) كما أنها أصدرت أوامر بإعدام حوالي 2300 تركي بعد أن ألقى هؤلاء أسلحتهم[51]. وحين كان ينتظر الاستيلاء على عكّا والقدس (والذي لم يتحقق له)، أعدّ نابليون إعلانا يعد فيه اليهود منحهم الأراضي المقدّسة واصفا إياهم “الورثة الحقيقيين لفلسطين”. وفي هذا الاعلان تجلّت المنافسة الفرانكوـ انجليزية حين قال نابليون إن فرنسا ” تعرض عليكم [أي على اليهود] في هذا الوقت، وخلافا لكل التوقعات، إرث إسرائيل”. ثم تابع قوله: “إن فرنسا لا تناشدكم احتلال هذا الوطن، كلاّ، بل مجرد الاستيلاء على ما تم احتلاله وبضمانات ودعم تلك الأمة، والمحافظة عليه ضد كل الغازين”[52]. وبهذا الإعلان اعتبر “كل يهودي” مسبقا عميلا سرّيا لنابليون[53]. كما شكّل هذا الاعلان عنصرا هاما في دعاية نابليون لاستمالة يهود اوربا لما كان معروفا عن الرجل من الحاد وانتهازية اسطوريتين. فقد قال نابوليون يوما لمجلس الدولة:
يعود الفضل في إنهاء حرب فاندي إلى اعتناقي الكاثوليكية، أما الفضل في تثبيت أقدامي في مصر فيعود إلى اعتناقي الاسلام، وبتأييدي لسيادة البابا المطلقة حظيت بتأييد الكهنة في إيطاليا. وإذا قدر لي أن أحكم أمة من اليهود فسوف أعيد بناء هيكل سليمان[54].
استدعى الامبراطور نابليون عام 1806 مائة وأحد عشر مفوضا من أعيان اليهود في الجمعية العمومية من كافة أنحاء الامبراطورية الفرنسية وإيطاليا. كما قدم الدعوة لكل التجمعات اليهودية في اوربا لإيفاد ممثليها إلى اجتماع السنهادرين الأعظم الذي التأم شمله عام 1807. وقد أثارت الدعوة لانعقاد هذا المؤتمر ورطانة لغتها حيطة أعداء نابليون (روسيا والنمسا على وجه الخصوص) حيال الولاء السياسي لسكانهم اليهود ذوي الأعداد الكبيرة. وطلب نابليون من زعماء اليهود أن يناقشوا عرضا فرنسيا مقترحا بمنح الجنسية لكل اليهود إذا ما تعهدوا بالدفاع عن فرنسا في حربها ضد روسيا وفي معركتها الاقتصادية مع انجلترا بهدف منع السفن الانجليزية من حق استخدام الموانئ الاوربية. لقد انهمك نابليون في تصميم خدمة مصالح اليهود حتى يتسنى له:
الالتفات لمصالحه بتقديم تضحية بخسة بالكبرياء الوطني مقابل الاستفادة من نظام المراسلة السريع والواسع الانتشار بين اليهود في كافة أنحاء العالم والمتقدم على نظام المراسلة والسعاة عند نابليون نفسه، وكذلك مقابل الحصول على الشبكات والتشعبات السرية لتجارتهم والتي لا تتحكم بمصادر المعادن الثمينة فحسب بل جلّ التجارة الداخلية في اوربا والتي ربما قامت بانتهاك نظامه القاري[55].
لكن في حين رحب اليهود بتحرير نابليون لهم، فقد رفضوا صهيونية نابليون حيث نجد أن مجموعة يهودية في براغ هي الوحيدة التي رحبت بإعلانه بينما أعاد اليهود الفرنسيون تذكير نابليون بأن “باريس هي اوراشليمنا”. وأسوأ من ذلك، أعلن السنهادرين الأعظم في ديباجة قراراته المذهبية أن اليهود لم يعودوا يشكلون أمة موحدة. أما في موسكو فقد عقد المجلس الكنسي مقارنة بين اجتماعات السنهادرين الأعظم ومحاكم صلب المسيح سيئة الصيت وسخر من احتمال اعلان اليهود المسيح في شخص نابليون[56]. وكما ذكر أعلاه، فإن العديد من المضايقات التي فرضها الاوربيون (خاصة الألمان والروس) على اليهود خلال عهد صعود نابليون وبعد هزيمته على أيدي الجيوش الانجليزية ـ البلجيكية والروسية في معركية واترلو في بلجيكا يوم 18 حزيران (يونيو) 1815 ونفيه إلى جزيرة القديسة هيلينا حيث وافته المنية عام 1821، هذه المضايقات تم فرضها من أجل التصدي لمحاولات نابليون لإقصاء اليهود عن حكّامهم الاوربيين. من ناجية أولى، يبدو أن اعلان نابليون حول تبني الصهيونية وتأسيس الجمعية العمومية للأعيان اليهود والسنهادرين الأعظم كلها قد بلورت ما أطلق عليه لاحقا المسألة اليهودية (الجماعات اليهودية التي تقطن مجتمعات غير يهودية) وجعلت منها مثارا للنقاش فى السياسات الاوربية المحلية ومصدرا للمنافسة بين القوى الاوربية على ما يسمى المسألة الشرقية (والتي تعنى فى جوهرها تقسيم الامبراطورية العثمانية المنهارة بين القوى الاوربية الاستعمارية). ومن ناحية أخرى، فان إعلان نابليون حول الصهيونية وتأسيس جميعة أعيان اليهود والسنهادرين الأعظم كلها مثلت خريطة الطريق وأرست المعالم الأولية ل”لجمعية لندن من أجل تعزيز المسيحية بين اليهود” (1809) وأفكار ليو بنسكر حول “المؤتمر الوطني اليهودي” و”المعهد الوطني اليهودي” (1882) و”الجمعية اليهودية للاستيطان” (1891) لمؤسسها بارون موريس دي هيرش ومخططات ثيودور هرتسل ل “جمعية اليهود” و”الشركة اليهودية” (1896) وكذلك “دولة اسرائيل” المعاصرة وذراعيها “المؤتمر اليهودي العالمي” و”المنظمة الصهيونية العالمية”[57].
واجهت الصهيونية الانجليزية صدامها الرئيسي الثاني مع الصهيونية الفرنسية لدى صعود حليف فرنسا في مصر، محمد علي، وما تلا ذلك من صراع دام عقدا كاملا (1831 ـ 1841) مع الامبراطورية العثمانية وحلفائها من البريطانيين والبروسيين والنمساويين. واستمرت صهيونية نابليون مع صعود نابليون الثالث إلى السلطة في فرنسا (1848 ـ 1870)، وحرب القرم (1854 ـ 1856)، وشق قناة السويس (1854 ـ 1869)، وإنشاء التحالف الإسرائيلي العالمي في باريس عام 1860. وقد كتب المسيحي الفرنسي ابرام فرانسوا بتافيل مذكرة بعنوان “واجب الأمم فى إعادة الصفة القومية إلى الشعب اليهودى”. كما نشر ارنست لاهران (الكاثوليكي والسكرتير الخاص لنابليون الثالث) نيابة عن اليهود مناشدته الشهيرة بعنوان “المسألة الشرقية الجديدة: بناء القومية اليهودية”[58]. وقد كانت تلك المناشدة مصدر إلهام لموسس هس (1812-1875) اليهودي البروسي الهارب من القانون والمقيم في فرنسا آنذاك بتأليف كتابه “روما والقدس”. كانت الحكومة البروسية قد أصدرت حكم الإعدام بحق موسس هس عام 1849 إلاّ أنه لاذ بالفرار إلى جنيف. وعندما طالبت الحكومة البروسية تسليمه لقضائها هرب هس مرة أخرى ووجد ملجأه هذه المرة في باريس عام 1853[59]. كان هس أحد أوائل الزعماء اليهود الذين جندتهم الصهيونية الفرنسية في وقت أصرّ فيه اليهود على رفض الصهيونية كما في عهد نابليون الأول. وقد خاطب هس اليهود قائلا: “بدون بلد فإنكم أبناء غير شرعيين للبشرية”[60]. وقد أدّى تركيزه على “الصراع العرقي” أكثر من “الصراع الطبقي” إلى صدام مباشر مع معاصره كارل ماركس. كانت الفكرة الأساسية في كتاب “روما والقدس” أن اليهود سيبقون دوما غرباء. وإن قامت بعض الأمم بتحريرهم لدوافع إنسانية فإن هذه الأمم لن تحترمهم أبدا[61]. وقد حث هس (الذي عرف في فرنسا بالحاخام الشيوعي موسس) اليهود أن يحافظوا على ولائهم للاستعمار الفرنسي على غرار ولائه هو لذلك الاستعمار:”إنه لمن مصلحة فرنسا أن يقوم شعب متفان في ولائه للقضية الفرنسية باستيطان الطريق المؤدي إلى الهند والصين”[62]. لقد عمل موسس هس لصالح فرنسا كما عمل الحاخام هيرش كاليش لصالح بروسيا.
لم تتوفر للحركة الصهيونية أية قيادة يهودية رغم المحاولات الانجليزية والفرنسية المتكررة، منذ عهد الاصلاح الديني حتى صعود نابليون الثالث إلى السلطة في فرنسا والشروع بحفر قناة السويس. ولعل ما يضيف المزيد من التدليل على الأصل غير اليهودي للصهيونية، هي تلك الحقيقة البسيطة التي تقول بأن أفكار “العودة” كانت قد نمت أولا في انجلترا (والتي لم يكن فيها سكان يهود آنذاك) بدلا من ألمانيا وبولاندا أو روسيا (حيث تقيم أغلبية يهود اوربا والعالم). فقد مرّ ما يقارب من مائة عام منذ عهد اوليفر كرومويل حتى بلغ عدد اليهود اثني عشر ألفا فى انجلترا، كما مرت مائة عام أخرى ليبلغ عددهم خمسة وعشرين ألفا في حين أن الإحصاء السكاني للإمبراطورية الروسية لعام 1897 يظهر على أن عدد اليهود قد بلغ في تلك السنة5,189,401 يهوديا (أي ما يعادل 4.13% من مجموع سكان الامبراطورية)[63].
_______
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….
[1] نشرت هذه الدراسة في مجلة The Arab World Geographer Vol 5, No 1 (2002) pp 34-52 . وتقوم كنعان بنشر هذه الترجمة باذن مسبق من المؤلف. وقد احتجت الجمعية الجغرافية الإسرائيلية ومركز سايمون ويزينثال الصهيونى على السماح بتقديم هذه الدراسة فى الملتقى السنوي الثامن والتسعين لجمعية الجغرافيين الأمريكيين الذي انعقد بمدينة لوس آنجلس فى ولاية كالفورنيا من 19 إلى 23 آذار (مارس) 2002 (Association of American Geographers Newsletter 37(5):2,4, 2002). كما تمت محاولة تحريف وتشويه محتوى هذا البحث فى جريدة جروزالم بوست (20 مارس 2002) وعلى موقع الانترنت لمركز سايمون ويزينثال الصهيونى (20 مارس 2002) وفى جريدة لوس آنجلس تايمز (21 مارس 2002).) المترجم)
[2] أستاذ الجغرافيا في Department of Geography, Geology and Anthropology, Indiana State University,
Terre Haute, Indiana,USA
[3] Israel Ministry of Foreign Affairs. 2002. Facts about Israel. Retrieved October 31, 2002 from http://www.israel.org/mfa/go.asp?MFAH00080 on the World Wide Web
[4] Lewis, B. 1986. Semites and anti-Semites: An inquiry into conflict and prejudice. New York: W. W Norton & Company. Pages 68-69.
[5] Goldmann, N. 1978. Zionist ideology and the reality of Israel. Foreign Affairs 57(1):70–82. Page 72.
[6] Duvernoy, C.1966. Le Prince et le prophète. Jerusalem: Le Département des publications de l’agence juive. Page 122.
[7] Peretz, M. 1997. Zionism at 100: The God that did not fail. New Republic 217(10–11):1–24. Pages 2,8.
[8] Pounds, N. J. G. (1963). Political Geography. New York: McGraw-Hill Book Company, Inc.
Prescott, J. (1972). Political Geography. London: Methuen and Co Ltd.
Norris, R. E, & Haring, L. L. (1980). Political Geography. London: Charles E. Merril Publishing Company.
Taylor, P. J. (1985). Political Geography: World-Economy, Nation-State and Locality. New York: Longman.
Wallerstein, I. (1991). Geopolitics and Geoculture: Essays on the Changing World-System. New York: Cambridge University Press.
Goldewska, A. and Smith, N. (1994). Geography and Empire. Cambridhe USA: Blackwell.
Glassner, M. I. (1996). Political Geography. New York: John Wiley & Sons, Inc.
Agnew, J. (1997). Ed. Political Geography: A Reader. New York: Arnold.
O’Tuathail, G. (1998). Rethinking Geopolitics. New York: Routledge.
Agnew, J., Mitchell, K., and Toal, G. (2003). Eds. A Companion to Political Geography. Malden, MA: Blackwell Publishing.
Cohen, S. (2003). Geopolitics of the World System. New York: Rowman and Littlefield Publishers.
Cox, K. (2003). Political Geography: Territory, State and Society. Malden, MA: Blackwell Publishing.
[9] Halkin, H. 2002.The return of anti-Semitism. Commentary 113(2):30–36.
[10] BBC News. (2002). PM’s wife ‘sorry’ in suicide bomb row.
http://news.bbc.co.uk/1/hi/uk_politics/2051372.stm
Billy Graham apologizes to Jews for his remarks on Nixon tapes. 2002. The New York Times. 3 March, Late Edition. Retrieved October 25, from http://www.nytimes.com on the World Wide Web
CNN. (2002). Ted Turner speaks out on Mideast conflict.
http://www.cnn.com/2002/US/06/18/ted.turner.terrorists/index.html
CNN. (2003). Moran steps down from leadership post: Lawmaker under fire for saying Jews push war with Iraq. Retrieved March 15, 2003, from http://www.cnn.com/2003/ALLPOLITICS/03/14/moran.remarks/index.html on the World Wide Web.
[11] AbuKhalil, A.2002. Bin Laden, Islam and America’s New “War on Terrorism.” New York: Seven Stories Press. Page 18.
Lewis, B.2002. Cleveland E. Dodge Professor of Near Eastern Studies, Emeritus. Retrieved October 23, from http://www.princeton.edu/~nes/profiles/Lewis.htm on the World Wide Web.
[12] Klier, J. D.1986. Russia gathers her Jews: The origins of the “Jewish Question” in Russia, 1772–1825. Dekalb, IL: Northern Illinois University Press. Page 9.
Lewis, B. 1986. Semites and anti-Semites: An inquiry into conflict and prejudice. New York: W. W. Norton & Company. Page 59.
[13] Sharif, R.1983. Non-Jewish Zionism: Its roots in Western history. London: Zed Press. Page 10.
[14] Epstein,L.J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origin and development of Israel. New York: University Press of America.
Tuchman, B.W. 198. Bible and Sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New Yor;: Ballantine Books.
[15] Dunlop, D. M. (1954). The History of the Jewish Khazars. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Koestler, A. (1970). The Thirteenth Tribe: The Khazar Empire and its Heritage. New York: Random House.
Patai, R. (1975). The Myth of the Jewish Race. New York: Scriber.
Shakir, A. (1981). Dawlat al-Khazar al-jadidah aw Isra’il. Edition: al-Tab‘ah 1. Bayrut: Dar Misbah al-Fikr.
Salibi, K. (1985). The Bible Came from Arabia. London: Jonathan Cape.
Salibi, K. (1988a). Secrets of the Bible People. London: Saqi books.
Salibi, K. (1988b). Conspiracy in Jerusalem: The Hidden Origins of Jesus. London: I. B. Tauris & Co. Ltd Publishers.
Bradley, M. 1992. Chosen People from the Caucasus: Jewish Origins, Delusions, Deceptions and Historical Role in the Slave Trade, Genocide and Cultural Colonization. Chicago: Third World Press.
Wexler, P. (1993). The Ashkenazic Jews: A Slavo-Turkic People in Search of a Jewish Identity. Columbus, Ohio: Slavica Publishers.
Wexler, P. (1996). The Non-Jewish Origins of the Sephardic Jews. New York: University of New York Press.
Wexler, P. (2002). Two-tiered Relexification in Yiddish: Jews, Sorbs, Khazars, and the Kiev-Polessian Dialect. Berlin: Mouton de Gruyter.
Rice, M. (1994). False Inheritance: Israel in Palestine and the Search for a Solution. London: Kegan Paul International.
[16] Luther, Martin. 1971a. The Christian in Society II, ed. Walther Sherman.Vol. 45 of Luther’s Works, ed. Helmut T. Lehmann. Philadelphia: Muhlenberg Press. Pages 200-201.
[17] عبارة عن اربعة عشر سفرا تلحق عادة بالعهد القديم ولا يعترف البروتستانت بصحتها ولا بصحة من كتبها ـ المترجم.
[18] Holmio, A. K. E. 1949. The Lutheran Reformation and the Jews: The birth of the Protestant Jewish missions. Hancock, MI: Finnish Lutheran Book Concern. Pages 108, 157.
[19] Putnam, B. H.1908. The enforcement of the Statutes of Labourers during the first decade after the Black Death, 1349–1359. New York: Columbia University. Pages 10-11.
[20] Luther, Martin. 1971b. The Christian in Society IV, ed. Franklin Sherman. Vol. 47 of Luther’s Works, ed. Helmut T. Lehmann. Philadelphia: Fortress Press. Pages 140,146.
[21] Godbey, A. H. 1930. The lost tribes: A myth. Durham, NC: Duke University Press.
[22] القبلانية هي فلسفة دينية سرية عند احبار اليهود وبعض نصارى العصر الوسيط. وهي مبنية على تفسير الكتاب المقدس تفسيرا صوفيا ـ المترجم. (منير البعلبكي: المورد ـ قاموس عربي ـ انكليزي، ص 141 دار العلم للملايين، بيروت، 1997) (المترجم
[23] Shahak, I., and Mezvinsky, N. 1999. Jewish fundamentalism in Israel. London: Pluto Press. Pages 11,62.
Wade, N. 2002. In DNA, new clues to Jewish roots. The New York Times, 14 May.
[24] Milman, H. H.1866a. The History of the Jews: From the Earliest Period down to Modern Times. Volume 1. London: John Murray. Page 20.
[25] لبريطونيون هم واحد من الشعوب التي سكنت بريطانيا قبل الغزوات الانجلوساكسونية ـ المترجم.
[26] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books.
[27] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books.
Duvernoy, C.1966. Le Prince et le prophète. Jerusalem: Le Département des publications de l’agence juive.
[28] Freedman, S. G. 2002. Evangelicals, Jews build bridges. USA Today, May 7. Retrieved October 18, from http://www.usatoday.com/news/comment/2002/05/08/ncguest1.htm on the World Wide Web.
[29] Shahak, I., and Mezvinsky, N. 1999. Jewish fundamentalism in Israel. London: Pluto Press. Page 154.
[30] Simon Wiesenthal Center. 2001. The new lexicon of hate: The changing tactics, language and symbols of America’s extremists. A Simon Wiesenthal Center and Snider Social Action Institute report. 2nd Rev. Ed. Los Angeles: Simon Wiesenthal Center.
Duke, D. 2002. Jewish Supremacism: My Awakening on the Jewish Question. A New e-Book. Retrieved October 25, from http://www.davidduke.com/supremacism/preface.shtml on the World Wide Web.
[31] Beit-Hallahmi, B.1993.Original sins: Reflections on the history of Zionism and Israel. New York: Olive Branch Press. Page 188.
[32] Israel Ministry of Foreign Affairs. 2002. Facts about Israel. Retrieved October 31, 2002 from http://www.israel.org/mfa/go.asp?MFAH00080 on the World Wide Web.
[33] Hine, E.1999. Identity of the ten lost tribes of Israel with the Anglo-Celto-Saxons. (Abridged). CPA Books. Pages 13-14, 62.
[34] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America.
[35] Carmichael, J. 1992. The Satanizing of the Jews: Origin and development of mystical anti-Semitism. New York: Fromm International Publishing Corporation. Page 91.
[36] Zangwill, I. 1904. The East African question: Zionism and England’s offer. New York: The Maccabaean Publishing Company. Page 54.
[37] Webster’s New Encyclopedic Dictionary. 1993. New York: BD & L. Page 1529.
Weber, M. 1956. The Protestant ethic and the spirit of capitalism. Trans. Talcott Parsons. New York: Charles Scribbe’s Sons. Page 157.
[38] Milman, H. H. 1866b. The History of the Jews: From the Earliest Period down to Modern Times. Vol. 3. London: John Murray. Page 399.
[39]Milman, H. H. 1866b. The History of the Jews: From the Earliest Period down to Modern Times. Vol. 3. London: John Murray. Page 358.
[40] Anglo-Jewish Association and Russo-Jewish Committee. 1933. Reprint of reports of the public meeting at the Mansion House on Wednesday, February 1st 1882 and of the public meeting held at the Guildhall, London on Wednesday, Dec. 10th 1890: Concerning the treatment of the Jews in Russia. London: Joint Foreign Committee. Page 101.
[41] Barton, N. 1985. The world: A television history: The West and the wider world 1500-1800. Network Television/Goldcrest Television.
[42] Marlowe, J. 1972. Cecil Rhodes: The Anatomy of Empire. London: Paul Elek.
Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books.
[43] Roberts, J. M. 1995. The Penguin History of the World. New York: Penguin. Page 635.
[44] Sharif, R.1983. Non-Jewish Zionism: Its roots in Western history. London: Zed Press.
[45] Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press.
[46] Glotzer, S. 1997. Napoleon, the Jews and the constitution of modern citizenship in early nineteenth century France. Ann Arbor, MI: UMI Dissertation Services. Pages 28-29.
[47] Milman, H. H. 1866b. The History of the Jews: From the Earliest Period down to Modern Times. Vol. 3. London: John Murray. Page 412.
[48] Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press. Pages 182-187.
[49] Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press. Page 33.
[50]Bonaparte, Commander in Chief, to the people of Cairo. 1798. The Times, 30 October.
[51] Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press. Page 42.
[52] Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press. Page 55.
[53] Duvernoy, C.1966. Le Prince et le prophète. Jerusalem: Le Département des publications de l’agence juive.
[54] Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press. Page 82.
[55] Milman, H. H. 1866b. The History of the Jews: From the Earliest Period down to Modern Times. Vol. 3. London: John Murray. Pages 407-408.
[56] Klier, J. D.1986. Russia gathers her Jews: The origins of the “Jewish Question” in Russia, 1772–1825. Dekalb, IL: Northern Illinois University Press.
Crawford, Alexander Crawford Lindsay (Lord Lindsay). 1838. Letters on Egypt, Edom, and the Holy Land. The Quarterly Review 125 (Dec.):166–92.
Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press.
[57] Herzl, T. [1896] 1946. The Jewish state. Trans. by Sylvie D’Avigdor. American Zionist Emergency Council Ed. Retrieved October 19, from http://www.geocities.com/Vienna/6640/zion/judenstaadt.html on the World Wide Web.
Jewish Colonization Association. 1942. Jewish Colonization Association: Its Work in the Argentine Republic, 1891–1941. Buenos Aires: Ayucacho.
Pinsker, L. 1911. Auto-emancipation. Rep. in Ahad Ha‘am 1911. Pinsker and his Brochure. 2nd. Ed. Trans. Henrietta Szold. New York: Federation of American Zionists.
World Jewish Congress. 2001. Jewish Communities of the World. Retrieved October 19, from http://www.wjc.org.il/communities/jewish_communities_of_the_world/chartmap.html on the World Wide Web.
────. 2001. The First Zionist Congress and the Basel Program. Retrieved October 19, from http://www.wzo.org.il/home/movement/first.htm on the World Wide Web.
[58] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America. Page 40.
[59] Hess, M.1917. Rome and Jerusalem: A study in Jewish nationalism. Trans. with Intro. and Notes by Meyer Waxman. New York: Bloch Publishing Company. Page 22.
[60] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 228.
[61] Sokolov, N.1935. Hibbath Zion (the love for Zion) Stating the principles and activities of the Pre-Herzl Palestinophile (Hovevey-Zion=Lovers of Zion) Movement in Religion, Literature and Life about 1840–1897. Jerusalem: Rubin Press. Page 66.
[62] Hess, M. 1917. Rome and Jerusalem: A study in Jewish nationalism. Trans. with Intro. and Notes by Meyer Waxman. New York: Bloch Publishing Company. Page 167.
[63] Carmichael, J. 1992. The Satanizing of the Jews: Origin and development of mystical anti-Semitism. New York: Fromm International Publishing Corporation. Page 96.
Bureau des Archives Israélites de France. 1842. Archives Israélites de France 1840–1847. Paris: Bureau des Archives Israélites de France. Page 759.
Statistics of Prussian Jews. 1885. The New York Times, 6 January. Page 2.
Jewish Colonization Association. 1908. Recueil de matériaux sur la situation économique des Israélites de Russie, d’après l’enquête de la Jewish Colonization Association. Tome 2 de La Grande industrie. misère et bienfaisance. instruction. Paris: F. Alcan. Tableau 1.