السنة الثالثة والعشرون – العدد 6519
في هذا العدد:
■ تطورات الكيان (حلقة 2):
- الأصل غير اليهودي للصهيونية (الجزء الثاني والأخير)، محمد ولد المى الياسينى، ترجمة مسعد عربيد
■ فنلندا تنضم إلى الناتو وفرنسا تعلن التمرّد على واشنطن، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
✺ ✺ ✺
تطورات الكيان (حلقة 2):
الأصل غير اليهودي للصهيونية[1]
الجزء الثاني والأخير
محمد ولد المى الياسينى[2]
عربي موريتاني في اميركا
ترجمة مسعد عربيد
المتطلبات الامبريالية والدوافع الدينية
تصوغ وتدفع الصهيونية البريطانية
تقدم بربارا تاكمان في كتابها “الكتاب المقدس والسيف: انجلترا وفلسطين منذ عصر البرونز إلى بلفور” تحليلا متماسكا للتناغم والتعايش المشترك للعبة المتبادلة بين الدوافع الامبريالية والدينية داخل الحركة الصهيونية البريطانية منذ أيام اوليفر كرومويل والبيوريتانيين، مرورا بدوافع اللورد بالمرستون واللورد شافتسبري وصولا إلى دوافع بلفور ووايتسمن. فقد اتجه الاستعمار البريطاني بأنظاره نحو الهند (درة التاج البريطاني) بعد أن خسر المستعمرات الأميركية وربما كان الطريق المؤدي إلى الهند هو الأمر الأكثر أهمية. أما حملات نابليون العسكرية لغزو مصر وفلسطين عام 1798 ـ 1799، والاستيلاء البريطاني على مالطا عام 1799، والغزو الفرنسي للجزائر عام 1830، والسيطرة البريطانية على عدن (اليمن) عام 1839، إضافة إلى تآكل قوة العثمانيين، كل هذا أدّى الى احتدام التنافس الانجليزي ـ الفرنسي على المسألة الشرقية والطريق المؤدي الى الهند. لقد اعتقد صانعوا السياسة الخارجية البريطانية بأن الحفاظ على الوحدة الجغرافية للإمبراطورية العثمانية الضعيفة والطيعة كان هو أفضل السبل لحماية الطريق إلى الهند من الأخطار الفرنسية والروسية. أما الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830، ومحاولة محمد علي بناء دولة إسلامية مستقلة تشمل مصر وسوريا وشبه الجزيرة العربية، فقد أدى كل ذلك إلى تفاقم أزمة اوربية حيال المسألة الشرقية دامت طيلة عقد الثلاثينات من القرن التاسع عشر. وقد خمدت نيران هذه الأزمة باسترداد العثمانيين لسوريا وشبه الجزيرة العربية وإرضاء محمد علي بولاية متوارثة في مصر. هكذا أصبحت الفرصة سانحة لبريطانيا لمحاكاة وتقليد سياسة نابليون تجاه اليهود في اوربا والإفصاح عن مخططات إقامة دولة يهودية في فلسطين تحظى على الأقل بموافقة ضمنية من القوى الاوربية الرئيسية الاخرى. وعلى حد تعبير أحد مراسلي لندن تايمز “إن مقترح زرع الشعب اليهودي في أرض آبائهم تحت حماية القوى الخمس لم يعد مجرد أمر تخميني بل أصبح اعتبارا سياسيا جديّا”[3].
عمل سكرتير الدولة اللورد بالمرستون بتعاون وثيق مع اللورد شافتسبيري (رئيس جمعية تعزيز المسيحية بين اليهود) على صياغة السياسة البريطانية الصهيونية في وقت لم تتواجد فيه حركة يهودية قابلة أو قادرة على “العودة” الى فلسطين. وحيث أنه لم يكن هناك بروتستانت في فلسطين أو في أي جزء آخر من الامبراطورية العثمانية، فقد عملت بريطانيا الانجيليكية على وضع اليهود العثمانيين تحت حمايتها الخاصة، مثلما حاولت روسيا وفرنسا توفير “حماية” مماثلة للأرثوذكس والكاثوليك العثمانيين في الأراضي المقدسة. منذ ذلك الحين يمكن اعتبار الصهيونية البريطانية أهم إرسالية تبشيرية للبروتستانتية في الأراضي المقدسة. فقد عيّنت بريطانيا في آذار (مارس) 1838 مساعدا لقنصلها في القدس والذي سرعان ما قدّم إلى القنصل العام في الاسكندرية إحصاء لليهود في فلسطين مقدرا عددهم آنذاك ب 9690 يهوديا[4]. أما الأسقف الانجيلي الأول فقد وصل إلى القدس عام 1842[5]. هذا وقد تم منح القنصل المساعد السلطة القضائية “في كافة البلاد ضمن الحدود القديمة للأراضي المقدسة”. وهكذا شكّل تعيين هذا الأخير الخطوة الأولى في الاستراتيجية البريطانية المصممة بعناية في استخدام اليهود للهيمنة الامبريالية بعد أن فشل نابليون في تحقيق الهدف ذاته. وفيما يلي اقتباس من مجلة بريطانية صادرة عام 1838 والذي يزيل الستار عن مخطط صهيوني بريطاني لتوطين اليهود في فلسطين “من أجل الحفاظ” على الامبراطورية البريطانية:
إن الاهتمام البائن للعيان والمتنامي في هذه المناطق والاستثمار الأكبر في رأس المال البريطاني واحتشاد غفور المسافرين البريطانيين والأجانب من كل بقاع المعمورة، قد حثّ وزير الدولة للشؤون الخارجية على إيفاد ممثل لحكومتنا بشخص نائب القنصل. وقد أبحر هذا الرجل متجها نحو الإسكندرية في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) حيث ستكون القدس مقر إقامته الدائمة، إلاّ أن سلطته القضائية ستشمل كافة البلاد الواقعة ضمن الحدود القديمة للبلاد المقدسة، وهكذا يكون مفوضا كما كان في المملكة السابقة لداوود والأسباط الإثني عشر. إن تربة ومناخ فلسطين ينفردان بتكيفهما للإنتاج الزراعي المطلوب للإيفاء بحاجات بريطانيا العظمى، كما يمكن الحصول على أفضل القطن جودة وبوفرة لا تضاهي، أما الحرير والفوه[6] فهما منتوجا البلاد الرئيسيان، ويظل زيت الزيتون، كما كان دوما، الثروة الحقيقية للبلاد. وهكذا يصبح الأمران الوحيدان المطلوبان إذن هما رأس المال والمهارات: فوجود إداري بريطاني وتعزيز أمن الممتلكات الذي سيقوم هذا بتوفيره سيغريهم [اليهود] لمغادرة هذه الجزر والتوجه لفلاحة فلسطين. وسيأخذ اليهود الذين سيعمدون لفلاحة ذاك البلد والذين سيجدون في القنصل الانجليزي وسيطا بين شعبهم والباشا، بالعودة بأعداد غفيرة وسيصبحون مرة ثانية مزارعي يهودا والجليل … لقد أدرك نابليون جيدا قيمة التحالف العبري وسعى لإعادة إنتاج مشهد السنهادريم القديم في العاصمة الفرنسية والذي إذا ما تمتع بقوة وعطف الامبراطور، لكان بوسعه أن يسن الشرائع والقوانين لعدد كبير من اليهود في كافة أرجاء المعمورة، وأن يقدم العون له دون ارتياب في مخططاته المتهورة ضد بولاندا والشرق… إن الذي صممه نابليون في عنفه ومطمحه ظانا بأنه سيتم “تدمير الأمم وليس مجرد قلة من الناس”، نستطيع نحن أن نقوم به بحكمة وشرعية من أجل صيانة امبراطوريتنا[7].
أصدرت بريطانيا في آب (أغسطس) 1836 تعليماتها إلى سفيرها في تركيا بحثّ السلطان على السماح ليهود اوربا “بالعودة” إلى فلسطين. ونشرت تايمز اللندنية في آذار (مارس) وآب (أغسطس) 1840 المزيد من تفاصيل “مذكرة حول عودة اليهود” موجهة إلى القوى البروتستانتية في شمال اوربا ودول شمال أميركا (فكتوريا ملكة بريطانيا العظمى وايرلندا، وليم فريدريك الثالث ملك بروسيا، فريدرك وليم ملك هولاندا، جون تشارلز الرابع عشر ملك السويد والنرويج، فريدريك السادس ملك الدانمرك، ارنست اغسطس ملك هانوفر، وليم ملك ورتمبيرغ، والأمراء والحاكمين فى ألمانيا وكانتونات الفيدرالية السويسرية المتقبلة للديانة الاصلاحية وولايات أميركا الشمالية[8]. “تحثّ” المذكرة “القوى التي تمت مخاطبتها على اعتبار ما قد يصبح الواجب المتوخى للعالم المسيحي البروتستانتي تجاه الشعب اليهودي فى هذا الجدل القائم حاليا في الشرق”[9]. وتعبير “الجدل” أو الخلاف هذا يشير إلى حادثة اختفاء كاهن كاثوليكي، الأب توماس، في أحد شوارع دمشق بالقرب من دكان حلاقة يملكه يهودي، حسب رواية شاهد عيان رآه هناك يوم 7 شباط (فبراير) 1840. تم نتيجة لذلك اعتقال الحلاق اليهودي وتعذيبه. وكانت التهمة الموجه إليه هى أن اليهود قتلوا الأب توماس حسب شعائرهم مستنزفين دمه الذي استخدموه في احتفالات عيد الفصح[10]. وهكذا نقلت حادثة دمشق هذه حدة النزاع بين حركة الاصلاح ومعارضيها من اوربا الى الديار المقدسة في فلسطين.
خلافا لإعلان نابليون العلماني لليهود بأنهم “الورثة الشرعيون لفلسطين”، فإن المذكرة البروتستانتية (التي خاطبت اليهود بضمير الغائب) تستشهد بآيات من أسفار التكوين والخروج ومتّى واشعيا وارميا لتذكّر الملوك البروتستانت بأن اليهود “إخوتنا بالختان” وأنهم “شعب متميز” وأن الله “قد ميّزهم وضمهم بعهده” وبأن “لا فعل من أفعالهم مهما كان جائرا ومتمردا يمكن أن يلغى أو يبطل هذا العهد”. فبمثل هذه “الشريعة التي لا يمكن إبطالها خاطب الرب إبراهيم بما يخص أرض فلسطين، لقد منحت نسلك هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر العظيم، نهر الفرات”. وتنتهي المذكرة بالمناشدة التالية والمستلهمة من وعد كورش) سيروس) لإعادة المسبيين كما ورد ذلك فى آخر الاصحاح 36 من سفر أخبار الأيام الثانى:
كما تحركت روح سيروس، ملك الفرس، من أجل بناء هيكل الرب الذي كان في اوراشليم (الآيتان 22 و 23 من الاصحاح 36 من سفر أخبار الأيام الثانى) فمن منكم أنتم أصحاب المراتب العليا والأقوياء بين كل الأمم سينفذ الإرادة المقدسة لرب السماء، قائلا لاوراشليم “سيتم بناؤك” وللهيكل “سيتم إرساء أساسك”[11].
تم توقيع المذكرة، دون ذكر أيّ اسم، بعبارة “وقع وختم في لندن في الثامن من كانون الثاني (يناير) من عام ربنا 1839 باسم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب وبالنيابة عن الكثيرين الذين ينتظرون استرداد إسرائيل”. وفي إشعاره لاستلام المذكرة، أشار اللورد بالمرستون “إلى رسالة ومذكرة من بعض رعايا صاحبة الجلالة الذين يولون اهتماما شديدا لرفاهية ومستقبل اليهود المتوخى”. كما أنه لاحظ أن الملكة “سرت بالغ السرور باستلامها” المذكرة. وفي نفس العدد من تايمز اللندنية الصادر في 26 آب (أغسطس) 1840، نشرت رسالة إلى المحرر ذيلت بتوقيع إسم مختصر (ف. ب.) تثنى على “التعبير العام عن الاهتمام بالأمة اليهودية الذي أثارته المعاناة الجديدة لإخوانهم في دمشق”. تصف الرسالة اليهود بأنهم:
معرضون لنزوات وقسوة الأمم التى يقطنون ديارها، يهربون من الاضطهاد فى أمة ليواجهوا معاملة مشابهة فى أمة أخرى، ليس لديهم من مدينة يلجأون إليها طلبا للأمان ولا بقعة واحدة يدّعون أنهم يملكونها، إنهم في حالة يرثى لها أكثر من الهندي في الأدغال، أو العرب في الصحراء. فللطائر البري عشه، وللثعلب كهفه، وللبشر بلادهم، أما إسرائيل فليس لها الاّ القبر. هل لهذه الحالة أن تستمر؟ إنهم لا يعتقدون ذلك…… هناك أسباب سياسية تكمن خلف الأوصاع الراهنة في روسيا وتركيا ومصر والتي تجعل من مصلحة بريطانيا وأمم اوربية أخرى أن يعيدوا يهودا لأصحابها الشرعيين سواء بالإقتناء أوبالمعاهدات[12].
لقد عارضت الصهيونية البريطانية اندماج اليهود فى المجتمعات التى يعيشون داخلها وحرضت على انفصالهم بحجة أنهم كانوا متميزين. فقد نشرت التايمز اللندنية يوم 24 كانون الثاني (يناير) 1839 رسالة مطوّلة دون ذكر اسم الكاتب (“من مراسل “ربما كان شافتسبري) بعنوان “حالة ومستقبل اليهود” يهاجم الكاتب فيها فكرة وعملية ادماج (“ملغمة”) وتجنيس اليهود فى مجتمعاتهم وتصف “تجمعهم الطائفى الصغير بأنه كنيسة وشعب الله”، ويدعو إلى مصير “أكثر تجانسا” “لأبناء إبراهيم” الذين يقول فيهم سفر الأرقام 23:9 “الشعب الذي سيسكن منفردا بنفسه والذي لن يحسب بين الأمم”[13]. وفي نفس الوقت، أمر شافتسبري جمعية لندن لتعزيز المسيحية بين اليهود ببناء كنيسة انجيلية في القدس “على جبل صهيون نفسه إن أمكن ذلك”[14]. كما أنه أكد لبالمرستون أن الصهيونية “ستكون الوسيلة الأسرع والأقل كلفة” لاستعمار سوريا وبأنه لن يطلب من الضامنين أن يقدموا أية مبالغ مالية، وأن “المنافع الناجمة عنها (أى الصهيونية) ستعود إلى العالم المتحضر بأجمعه”[15]. كما قدم شافتسبري المزيد من التفاصيل للتدليل على أن خطة استيطان اليهود لفلسطين لن تتسبب للخزينة البريطانية بأية تكلفة:
سيعود [اليهود] على نفقاتهم الخاصة ودون مخاطر إلاّ تلك التي تحيق بهم، وسوف يخضعون لنمط الحكومة القائم حيث أنه ليس لديهم أية نظريات مسبقة مرضية، وحيث أنهم قد تدربوا في كل أماكن تواجدهم الأخرى على الطاعة الضمنية للحكم الإستبدادى، فإنهم سيسلمون بالملكية الراهنة للأرض في أيادي ملاّكيها الفعليين، وسيكتفون بالحصول على حصة من منتوجاتها بالوسائل الشرعية في الإستئجار والشراء. وحيث أنهم منفصلون، كما هو حالهم، عن كل شعوب الأرض و لن يستثغيثوا بأي تعاطف قومي أو سياسي أو دعم عندما يضلوا السبيل، فإن الضمانة التي أقترح إدخالها على المعاهدة التي سيجري تنفيذها تحت الحماية الخاصة لقناصل أمم متعددة ونوّابهم، ستكون كافية لتوفير الحماية لهم في ممارسة حقوقهم[16].
أنشأ الصهاينة البريطانيون عام 1804 جمعية فلسطين في لندن بهدف الحصول على معلومات عن جغرافية وسكان ومناخ وتاريخ الأراضي المقدسة ومن ثم نشرها. وكان هذا جهدا جديا ومنظما من أجل إعادة كتابة (وفي حالات عديدة تشويه) الجغرافيا التاريخية لفلسطين من وجهة نظر البروتستانتية الصهيونية وحدها. وفي هذا الصدد فقد طلب من الباحثين أن يمتثلوا بمبدأين هامين لإرشادهم في أبحاثهم حول الأراضي المقدسة: (1) تجنب أي اتصال ممكن مع الأديرة وهيئات الرهبان الكاثوليك، و(2) تفحص كل المواقع على ضوء الكتاب المقدس الموضوع بين أيديهم[17]. وقد أخذت منشورات هامة بالظهور ونقل الأبحاث والمعلومات عن فلسطين التي تمت بفضل العون المالي البروتستانتي ابتداء ب “برسائل من مصر وايدوم[18] والأراضي المقدسة” التي أصدرها اللورد ليندسي والتي كانت الأولى في سيل من كتب الرحّالة إلى الأراضي المقدسة والتي بلغ عددها معدل أربعين كتابا سنويا لفترة أربعين سنة[19]. وقد ظهرت الفكرة التي اتخذت شكل الإنتداب البريطانيي في فلسطين فيما بعد، للمرة الأولى في المقالة التي ذكرت أعلاه في مراجعة اللورد شافتسبري لكتاب ليندسي والتي نشرت فيكانون الأول (ديسمبر) 1838 . توضّح هذه المقالة كيف أن الصهيونية ستخّلف لبريطانيا “عددا كبيرا من متمنيي الخير في كل شعب تحت السماء” (خصوصا بين ملايين اليهود في روسيا). كما شنت المقالة هجوما على الكاثوليك والارثودوكس “المهاجمين الرئيسيين لصهيونيتنا” والذين “ينتقصون من قدر العهد القديم بتفضيلهم العهد الجدبد بشكل حصري وازدرائي” والذين “ينسبون اسم الكتب المسيحية المقدسة إلى الأناجيل وأعمال الرسل فقط[20].
لكن صوت اليهود المعادين للصهيونية مثّل إحدى المشكللات التي واجهتهتا الصهيونية البريطانية. وقد عبر عن هذا الموقف ادوين مونتان وزير الهند في الحكومة البريطانية ومن ثم تسرب هذا الصوت الى الصحافة بفضل اسكندر ومونتفيور حيث كان الأول سكرتيرهيئة المندوبين اليهود والثاني رئيسها. ورغم جهود شافتسبري والكولونيل تشارلز تشرتشل لاجتذاب موسس مونتفيور (الذي أوفد إلى فلسطين ومصر عام 1838 حاملا معه خطة لشراء الأراضي والذي طالب عام 1841 بتنظيم التمثيل الدبلوماسي اليهودي)، فإن القادة اليهود الانجليز استمروا فى اعتبار”الصهيونية ضلالا مجنونا لجيش من المتسولين والمهووسين” وأنها قد تقوض تمتع اليهود بالمواطنة في الدول الغربية والتي حصلوا عليها بعد عناء كبير[21]. ولحل هذه المعضلة أشار الكولونيل تشارلز هنري تشرتشل، القنصل البريطاني في سوريا، عام 1841 إلى شرطين اثنين لا بد منهما لنجاح الصهيونية: “أولا أن يأخذ اليهود أنفسهم بزمام الأمر بشكل تام وبإجماع أصواتهم. وثانيا، أن تقدم لهم القوى الاوربية العون في مساعيهم هذه”[22]. إلا أنه عندما طلب من هيئة المندوبين اليهود في لندن أن تبادربالقيادة، رفضت هذه الهئية خطة تشرتشل مكتفية لذاتها بدور الدعم السياسي أو المساندة للصهيونية البريطانية[23]. ولدى الاصطدام بهذه الصعوبة في إقناع اليهود سياسيا، أخذت “جمعية لندن لتعزيز المسيحية بين اليهود” تتجه نحو تهويد الصهيونية وصهينة اليهود والمزيد من التركيز على يهود روسيا واوربا الشرقية.
تأسست “جمعية لندن لتعزيز المسحية بين اليهود” في أوائل عام 1809 كرد واضح على سنهادرين باريس الأعظم الذي أعلن نابليون قيامه عام 1807. وبحلول عام 1841 كانت هذه الجمعية قد عينت يهوديا متنصّرا، مايكل سولوموني اسكندر، ليحتل منصب أسقفها الانجيليكي في القدس[24]. وقد توخت الجمعية تعليم “اليهود كتبهم المقدسة” وأعمالهم وتوزيع هذه الكتب والأعمال في كافة أنحاء العالم حيث أنها قامت خلال العامين السابقين ( لعام 1838) ببيع ما يقارب من 5400 نسخة [عبرية من العهد القديم] بالإضافة الى الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم وكراسات وأعمال أخرى. وقد قدّرت هذه الجمعية أنها تحتاج إلى ما يقارب 20 ألف نسخة سنويا من أجل تثقيف يهود العالم حول الصهيونية[25]. كما كان للجمعية 23 فرعا في اوربا والشرق و49 مبشرا ووكيلا (24 منهم كانوا من اليهود المتنصرين) و 10 مدارس (اثنتان منهما في لندن وثمانية في ولاية بوسن)، علاوة على أنها عمّدت العديد من اليهود (عبر اوربا وروسيا) والذين أخذوا الآن “بالتبشير بالعقيدة التي كانوا قد دمّروها في يوم ما”[26]. وقد حطت الجمعية بأنظارها على يهود العالم، والذين يفترض أن عددهم قد بلغ ستة ملايين عام 1871[27]. أخذت الصهيونية البريطانية، بالإضافة إلى ذلك، بالربط بين الدين والسياسة في شخص لويس واي (المحامي وعالم اللاهوت) والذي تجول فى فرنسا وهولاندا وألمانيا وزار روسيا حيث اطّلع على الأوضاع الحياتية لليهود هناك. ويذكر أن القيصر الروسي اسكندر أبدى اهتماما بالخطة التي رسمها لويس واي لتوطين اليهود المعمدين في جنوب روسيا وبمذكرته التي أصدرها في أيلول (سبتمبر) 1818 بعنوان: “مذكرة حول حالة بنو اسرائيل”[28]. وهكذا أصبح المطلوب في هذه المرحلة هو توفير آليات الاستيطان الصهيوني في فلسطين حسب مخطط أكثر تفصيلا ودقة.
المخطط الصهيوني للمقدّم جورج جولر
لتهدئة سوريا والشرق بإقامة مستوطنات يهودية في فلسطين
بعد فشل الكولونيل تشارلز هنري تشرتشل في محاولة استدراج اليهود إلى الصهيونية، اتجهت بريطانيا إلى المقدم جورج جولر (1796-1869) بهذه المهمة. تبوأ جولر منصب حاكم جنوب استراليا بين الاعوام 1838 و 1841. وخلال فترة ولايته هذه تم توطين المجرمين البريطيانيين بمعدل 180 محكوما شهريا[29]. وبحكم كونه إداريا عسكريا محنكا وخبيرا في الإستعمار وحيث أنه أنشا مستعمرات استخدمت لتنفيذ أحكام العقوبات الجنائية في استراليا، فقد كان من المتوقع منه أن يساهم في إقامة مستوطنات يهودية في فلسطين. أصدر جولر عام 1845 تقريرا مفصلا بعنوان “تهدئة سوريا والشرق: ملاحظات ومقترحات عملية لتعزيز إقامة مستعمرات يهودية في فلسطين، العلاج الأكثر اقتصادا وعقلانية لبؤس تركيا الآسيوية”. قام جولر بزيارة الأراضي المقدسة عام 1849، وتقاعد من الخدمة العسكرية عام 1850، وفي عام 1852 أنشأ “جمعية تعزيز المستوطنات اليهودية في فلسطين” والتي تطورت لاحقا لتصبح “صندوق فلسطين”[30]. وقبل أن نشرع بخطة جولر، دعنا نلقي نظرة سريعة على السياسة البريطانية الاستعمارية الشائنة في “تحويل رجال عديمي الجدوى في بلد ما إلى مواطنين ناشطين [مستوطنين] في بلد آخر”[31]. كانت بريطانيا قد شرعت عام 1650 بالقبض على وترحيل “الأشخاص الفاسقين والخطرين” من البريطانيين إلى المزارع الانجليزية في أميركا. وكانت الغاية من سن قانون الإبعاد عام 1718 أن يشكل رادعا للمجرمين وأن يوفر للمستعمرات والمزارع القوة العاملة عن طريق إصدار أحكام ترحيل (قد تصل إلى سبع سنوات من الترحيل إلى أميركا) ضد مرتكبي السرقات الكبيرة والصغيرة أو أية جريمة سلب أو اختلاس للنقود أو السلع أو الممتلكات المنقولة. وقد تم ترحيل الآلاف من المجرمين البريطانيين (عبر تلك الرحلة البحرية العسيرة وغير الصحية والخطرة والتي كانت تستغرق شهرين أو ثلاثة) خلال القرن الذي سبق الثورة الأميركية والتى وضعت حدا لنقل المجرمين البريطانيين إلى المستعمرات الأميركية.
سنّت بريطانيا قانون الإبعاد عام 1784 بعد أن حط الكابتين جيمس كوك رحاله على الشواطئ الاسترالية عام 1770 وفي أعقاب الثورة الأميركية عام 1776 بغية إبعاد مجرميها إلى ويلز الجنوبية الجديدة، ذلك القانون الذي تم تمديده عام 1788. وحسب مقتضيات هذا التشريع قامت بريطانيا بترحيل حوالى 160000 من المحكومين إلى استراليا بين عامي 1788 و 1868[32]. وفى حين كانت بريطانيا منشغلة في تصدير الفلاحين الايرلندين وعمّال المناجم والفولاذ الويلزيين والمزارعين الانجليز، كانت أيضا تستقبل دفقا من يهود اوربا الشرقية في نهاية القرن التاسع عشر[33]. إلا أنه على خلاف التجار اليهود اللذين تم استيرادهم سابقا من امستردام، كان يتم زرع هؤلاء المهاجرين اليهود ذوي الدخل المتدني القادمين من اوربا الشرقية كمستوطنين في فلسطين. تلك كانت السياسة التي أنتجت زعماء الصهيونية اليهود مثل فلاديمير جابوتنسكي الذي خدم قيصر روسيا ثم ملك بريطانيا قبل أن يصبح رئيسا للمليشيات الصهيونية في فلسطين خلال فترة الإنتداب البريطاني[34].
أستثمر جولر في تخطيطه للمستعمرات اليهودية في فلسطين خبراته كما أنه تعلم من العقبة الرئيسية التي واجهها لدى توطينه للمحكومين البريطانيين في استراليا، وتحديدا إرادة المستوطنيين. لقد أصرّ على أن المخطط الاستعماري يجب أن يأخذ بعين الإعتبار “مشاعر” المستوطنين وكذلك “رغبات” البريطانيين. وكان يرى أن المستعمرات اليهودية في فلسطين سوف “تهدِّىء” أو “تخدر” سوريا والشرق. وبحكم عقليته الاستيطانية لمتعطشة للأرض، زعم جولر بأن 90 % من أراضي فلسطين كانت بوارا لا تدرّ ربحا وأنها بانتظار المستوطنين “المتحضرين” ليحولونها إلى أرض منتجة. وربما كان جولر هو الصهيوني الأول الذي بيّن وأرسى مفاهيم الخرافة الصهيونية بأن “فلسطين أرض بدون شعب” تنتظر “اليهود، الشعب بدون أرض”. يوجز جولر خطته الصهيونية الاستعمارية في العبارات التالية:
إذا ما اختزلت المسألة [تهدئة أو تخدير سوريا] إلى شكلها العملي فإنها تصبح مسألة استيطان [فلسطين]. إذ أن هناك بلدا خصبا تسعة أعشار أراضيه مهجورة. وفي مكان آخر، هناك أناس متحضرون من المرغوب أن يصبح هذا البلد شبه المهجور، وطنا لهم. يتطلب الاستيطان الناجح أمورا ثلاثة لا مفر منها أبدا. احتمال الإستيطان الآمن في المستعمرات ـ تسهيلات الإنتقال إليها ـ ثم الإرادة، أي التمسك باغتنام هذه الفرص …. وستكون إرادة هذا المستوطن المفترض منقوصة إذا ما قامت على أيّ مبدإ آخر. ليس هناك من بين معتنقي المذهب اليهودي والذي يستحق أن يبعث الى فلسطين، من يقبل هذه الهبة المقدمة بهذا الشكل المتقن. لا نستطيع، حتى وإن رغبنا في ذلك، أن نجبرهم على الإستيطان تحت قوة الإلزام وبالتالي فإنه يتوجب علينا أن نراعي بحذر مشاعرهم ورغباتنا أيضا[35].
ووفقا لجولر فإنه يتوجب على بريطانيا العظمى أن تحصل على “الحماية وأن توفرها لكل بني اسرائيل الذين يرغبون فى الإقامة في فلسطين الخالية من السكّان”، وعليها أيضا أن تهيء اليهود لمحطة مستقبلهم بإعلاء شأنهم السياسي في انجلترا[36]. وقد كان من ضمن هذا السياق السياسي أن ارتقى بنيامين ديزرائيلي (اليهودي المتنصر) من عمله في مضاربات سوق البورصة والصحافة لتبوء منصب رئيس الوزراء البريطاني عام 1868 وفي الاعوام ما بين 1874 ـ 1880. إلاّ أن جولر قدّم، من وراء المخطط الكبير، بعض التفاصيل المثيرة للإهتمام حول ما أسماه “تمدين [أو تحضير] فلسطين والشرق بواسطة اليهود”. ولعله كان أول من وضع برنامج عمل لنظام “الييشوف” و”الكيبوتز” في المستعمرات اليهودية (كطبعة مستحدثة لنمط “كخيلة” و”اشتتل” في اوربا الشرقية) واللذان تم تطبيقهما لاحقا في الأرجنتين وفلسطين. أوصى جولر “بإقامة مستعمرة أو مستعمرات كبيرة بالقدر الذي تضمن فيه الإحترام والتأثير شريطة ألاّ تكون كبيرة لدرجة تستعصي معها إدارتها فيما يتعلق بالنظام الداخلي وتشغيل الأفراد أو توفير ضرورات الحياة”[37]. أما فيما يتعلق بسكّانها فيجب أن يتراوح عدد سكّان المستعمرة الواحدة ما بين 700 و 1200 من “الرجال الفعّاليين”، مشكّلين مع النساء والأطفال تجمعات تتراوح بين 3000 و 5000 نسمة. وتقام هذه المستعمرات ضمن مسافة 25 ميلا من الطرق البحرية في فلسطين حيث يتسنى لها أن تصدّر منتجاتها وأن تتمتع بحماية القوات البحرية البريطانية والتي كثيرا ما تتواجد على الساحل[38]. أما بالنسبة لأمن المستوطنين، فيقوم البريطانيون بوضع اليهود تحت حمايتهم كما فعل الفرنسيون والروس حيال الطوائف الفلسطينية التابعة للكنائس الكاثوليكية واليونانية. يجب أن تتشكل المستعمرة من ثلاث فئات من المستوطنين والذين يتمتعون بالحماية وامتيازات امتلاك الأراضي: (1) الأفراد أصحاب رأس المال الذي يفي بحاجاتهم ويتلقى هؤلاء ما لا يتجاوز 300 أيكر[39]، (2) ذوي رأس المال الأقل والذي يكفي لتوفير وسائل انتقالهم الى مواقع المستعمرة، هؤلاء يحصلون على ما لا يزيد على 50 أيكر، و (3) الأفراد ذوي الإمكانيات الضئيلة والذين سيتلقون نقلا مجانيا مع عائلاتهم وأمتعتهم التي يتم تحديد وزنها، هؤلاء يتلقون ما لا ينوف على 10 أيكر.
كما في عهد نابليون، تابعت بريطانيا دفاعها عن سياستها الامبريالية في حماية الوحدة الجغرافية للامبراطورية العثمانية المنهارة والتي شكلت الطرق الحيوية المؤدية الى الهند. فقد انفجرت الأزمة التركية ـ المصرية في ثلاثينات القرن التاسع عشر واندلعت حرب القرم في الخمسينات من ذلك القرن بسبب المسألة الشرقية ذاتها. كما رفضت بريطانيا عام 1844 مقترحا روسيا كان يقتضي التقاسم المتبادل للامبراطورية التركية: حيث تصبح روسيا حامية للمتلكات التركية الاوربية في منطقة البلقان، في حين تحتفظ انجلترا بمصر وجزيرة كريت، أما مدينة القلسطنطينية فتصبح مدينة حرّة “محتلة بشكل مؤقت”. وفي أعقاب حرب القرم قام هنري دونانت (ممثل “شركة جنوة لمستعمرات ستيف فى شمال إفريقيا وصقلية”) بإنشاء “الجمعية العالمية لإحياء الشرق” واقترح منح المستعمرات الزراعية اليهودية الأولى في فلسطين وضعا دبلوماسيا[40]. ومع قدوم الملاحة البخارية (السفن البخارية تعتمد على موانئ متعددة من أجل التزوّد بالفحم) واكتمال شق قناة السويس، أخذت الصهيونية ومصالح التجارة العالمية تقيم الترابط بين بناء المستودعات والمستوطنات بموازاة الطريق المؤدية إلى الهند والصين من جهة، وبين إقامة الدولة اليهودية في فلسطين من جهة أخرى كما أشار الى ذلك بحث توماس كلارك بعنوان “الهند وفلسطين: أو عودة اليهود من منظور علاقتها مع أقرب طريق إلى الهند”. أخذ الصهاينة يقدمون الحجج الزاعمة بأن الدولة اليهودية ستضع إدارة المواصلات البخارية البريطانية في أيادي صديقة بشكل تام[41]. وأضحت هذه الحجة أكثر قدرة على الإقناع حين اقتنى رئيس الوزراء البريطاني (اليهودي المتنصر) بنيامين ديزرائيلي حصصا في شركة قناة السويس بفضل العون المالي الذي قدمته له عائلة روثشيلد (عائلة يهودية تملك امبراطورية مصرفية في لندن).
تعاظم الدعم للمسعى البريطاني الصهيوني ولنظرية جولر في “إعلاء الشأن السياسي لليهود” في انجلترا عندما أصدر جورج اليوت (الأسم المستعار لماري آن افنز، وهي كاتبة غير يهودية اختلقت شخصية روائية يهودية نبيلة) رواية دانيال ديروندا عام 1876 والتي ركزت على الخيال القصصي الانجليزي حيال اليهود[42]. قدمت تلك الرواية اليهود بحلة جديدة على أنهم أبطال وطنيون صالحون أخلاقيون على الرغم من أنهم لم يكونوا مسيحيين مما شكّل تباينا صارخا مع التصور النمطي السابق فى اوربا: “قتلة المسيح، مرتدين، مرابين، أجانب دخلاء، ومهاجرين معدمين”[43]. ومرة ثانية، شددت رواية دانيال ديروندا كما فعلت من قبلها كرّاسة مارتن لوثر “يسوع المسيح ولد يهوديا” (1523)، شددت علىالنزوة التي تقول بأن اليهود المعاصرين متحدرون من سلالة بني إسرائيل التوراتيين وأن ” ثلاثة أرباع المسيحي يهودية”. كما أنها ركزت على فكرة “ضرورة التعويض عن إثم أخلاقي مستحق لليهود”[44]. ويذهب البعض إلى أن رواية ديروندا ولّدت في الصهيونية روحا يهودية قومية ودورا نموذجيا شكّل مصدرا لإلهام ثيودرو هرتسل[45]. وتناسقا مع الدعوات السابقة من قبل الكولونيل تشارلز هنري تشرتشل والمقدم جورج جولر في المطالبة بانخراط اليهود في الحركة الصهيونية، تفتتح ماري آن ايفنز رواية دانيال ديروندا بالدعوة الى خرافة تأسيسية أو ادعاء كاذب يقصد من ورائه إثارة حماس اليهود بعد محاولات عديدة فشلت في دفعهم إلى الإنخراط في الصهيونية: “لا يستطيع الناس فعل شيء دون التظاهر ببداية”[46]. وما إن أشرفت “الرواية الصهيونية”[47]على خاتمتها حتى اضحت رؤية ديروندا أكثر وضوحا حين قالت المؤلفة على لسانه “إذا ما قدّر لي البقاء”:
إني لذاهب الى الشرق للإلمام بأوضاع أبناء عرقي في بلدان مختلفة هناك … إن الفكرة التي تتملكني هي استعادة الوجود السياسي الشعبي، أن أشيد صرح أمتهم من جديد، أن أمنحهم مركزا قوميا، كما فعل الانجليز رغم أنهم أيضا مشتتون على سطح الكرة الأرضية. إنني أعتبر هذه المهمة واجبا: إنني مصمم على الشروع بها ولو بشكل واهن. إنني عازم على أن أنذر حياتي من أجلها. وقد أفلح، على الأقل، بأن أوقظ حركة ما في أذهان الآخرين كما تم إيقاظها في ذهني”[48].
إلا أنه بالرغم من الجهود المتعددة لخلق أو للتحريض على حركة صهيونية يهودية وقيادة يهودية قادرة وراغبة في التعاون على تنفيذ المخططات الاستيطانية في فلسطين التي اقترحتها بريطانيا، فقد ظلت الصهيونية من حيث الجوهر غريبة ودخيلة على جماهير اليهود الاوربيين قبل أن تقدمها بريطانيا فى أعقاب اغتيال القيصر الروسي اسكندر الثاني عام 1881 وما تلا ذلك من مذابح ضد يهود اوربا الشرقية وهجراتهم الجماعية إلى القارتين الاميركيتين.
الخاتمة
على ضوء هذا التحليل يستطيع المرء أن يطمئن إلى الإستنتاج بأن اليهود لم يبتدعوا الصهيونية. بل إن الصهيونية هي التي، بالأحرى، ابتدعت اليهود رغم أنه ليس كل اليهود صهانية كما أنه ليس كل الصهاينة يهودا. فقد اهتم البروتستانت في عهد الاصلاح الديني والمرحلة المركانتيلية باليهود لأنهم وجدوا فيهم ذخيرة دينية وسياسية ضد الكاثوليك كما وجدوا فيهم قادة للقطاع الرأسمالي الناشئ والمبني على أساس الفائدة أوالربا. إن كتابات مارتن لوثر الموالية لليهود (1523) وقرار اوليفر كرومويل بالسماح لليهود بالعودة الى انجلترا عام 1655، وشبه التهويد الذي المّ بالبيوريتانيين، ليست إلاّ أمثلة حيّة على ذلك. ومع حلول الثورة الصناعية وعصر الإستنارة الاوروبية، عزز نابليون انعتاق اليهود في محاولة منه للحيولة بينهم وبين حكّامهم الاوربيين والعثمانيين كجزء من مخططاته التي باءت بالفشل لتدمير قوة بريطانيا وروسيا وللسيطرة على اوربا. جاء البريطانيون، فيما بعد نابليون، ليعبّروا بوضوح عن مجموعة متشابكة من الدوافع الامبريالية والدينية بهدف تكييف المسألة الشرقية للتطابق مع المسألة اليهودية. من الواضح أن هذا كله قد تم قبل ولادة هرتسل (المؤسس المزعوم للصهيونية) عام 1860، وكذلك قبل أن يصبح تشجيع معاداة السامية آلية دافعة للصهيونية. ومع انتقال حماية الصهيونية والوصاية عليها من قبل بريطانيا إلى الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فإن الصهيونية لم تزل تشكيلة جيوسياسية (أكثر من كونها واقعا قوميا) تسهّل الهيمنة الغربية المتعددة الأطراف على الموقع الاستراتيجي للعالم العربي (المضائق والممرات المائية)، التراث الثقافي (التاريخ القديم والتوراتي)، الموارد الاقتصادية (احتياطي النفط وتعاقدات الأعمال)، وكذلك لإحتواء مخططات التوحيد الكامنة (سواء كانت قومية أو اسلامية). ولعل خير دليل على هذه الاستمرارية، هو الحرب الظالمة التى تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا (بالتعاون الكامل مع دول مجلس التعاون الخليجى)[49] لنزع أسلحة العراق والإستيلاء على موقعه الجغرافى وثروته النفطية والمائية وتراثه الحضارى والدينى في حين يتم الحفاظ على أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية في قلب المنطقة العربية.
✺ ✺ ✺
فنلندا تنضم إلى الناتو وفرنسا
تعلن التمرّد على واشنطن
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
بينما كانت واشنطن لا تزال تحتفي بانضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، تلقت ما يشبه الصدمة من عضو أساسي في الحلف، إذ أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون بعد زيارته الصين تمرّد فرنسا على انصياع الدول الأوروبية المعتاد لأوامر واشنطن.
ويبدو أن موقفه لن يكون منفرداً في ظل اجواء التململ والحنق التي تسود المسرح الأوروبي من سطوة واشنطن ومواقفها التي تنعكس سلباً على الاقتصاد الأوروبي.
جوهر تصريح ماكرون، وخصوصاً أنه لا يجب على أوروبا أن تتبع الموقف الأميركي في ملف تايوان، هو استعادة الدور الفرنسي السابق إبّان حقبة الرئيس الأسبق شارل ديغول، من أجل انتهاج سياسة “مستقلة” عن مصالح واشنطن، ومن دون الخروج رسمياً من حلف شمال الأطلسي. وقد أتبعه لاحقاً بدعوة أووبا إلى “تقليل” اعتمادها على الدولار الأميركي.
تعتقد أوساط النخب السياسية الأميركية أنّ واشنطن كانت مستاءة من تداعيات موقف فرنسا، خصوصاً في أعقاب خسارتها صفقة غواصات نووية تعمل بالطاقة النووية أبرمت مع أستراليا لمصلحة الولايات المتحدة، ولم تشأ الدخول في مواجهة مباشرة مع الرئيس الفرنسي، وآثرت “فرض” رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسيلا فون دير لاين، المقربة من واشنطن، على جدول زيارته للصين، لعلها تكبح اندفاعته، سواء ببعدها الذاتي باسم فرنسا أو بالنيابة عن دول أوروبا الأخرى.
وتشير تلك الأوساط أيضاً إلى تصرّف الصين الفوري بشأن فون دير لاين وعدم معاملتها وفق موقعها الرسمي، بل كأي زائر عادي، وهو ما علّقت عليه يومية “بوليتيكو” بأن مراسم استقبالها “اتسمت بالبرود الشديد، فيما أستُقبل الرئيس الفرنسي بحفاوة”.
في تفاصيل مراسيم الاستقبال، استقبلت وزيرة البيئة في الصين فون دير لاين، الأمر الذي لا يتناسب مع موقعها الرسمي، وذلك”نظراً إلى خطابها المعادي للصين”.
يُشار إلى أنّ رئيسة المفوضية الأوروبية قالت في كلمة ألقتها في بروكسل قبيل موعد الزيارة إن “أي خطّة سلام من شأنها تثبيت عمليات الضم الروسية هي ببساطة ليست خطة قابلة للتطبيق”، وأضافت أنّ “الأسلوب الذي ستواصل الصين التعامل به مع حرب بوتين سيكون عاملاً حاسماً في مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين”.
وزعمت أورسيلا فون دير لاين، في تصريحات لاحقة للصحافيين، أنها “حثت الرئيس شي على التواصل مع الرئيس (الأوكراني) زيلينسكي. وقد أعرب عن استعداده للتحدث إليه عندما تكون الظروف والأزمان مؤاتية” (شبكة “سي أن بي سي” الكندية، 6 نيسان/أيار 2023).
في المقابل، تجب الإشارة إلى توجهات الرئيس الفرنسي وتصريحاته قبل الزيارة، وترديده أن العصر الحالي يستدعي “إعادة إنتاج نظام دولي عماده السلام والاستقرار”، الأمر الذي فسّرته مراكز القوى في واشنطن بأنه يتساوق مع السياسة الصينية التي اعتبرت أن “المتغيرات الدولية الحالية لم تحدث منذ 100 عام”.
واعتبرت يومية “نيويورك تايمز”، نيابة عن النخب السياسية والإعلامية، أن زيارة ماكرون للصين “حميمة”، لكونها عُقدت في المقر الرسمي لوالد الرئيس الصيني، وأن “تفاوض الرئيسين دلّ على صداقة حميمة استثنائية” (“نيويورك تايمز”، 8 نيسان/أبريل 2023).
ووجّهت شبكة “فوكس نيوز” سهام انتقاداتها إلى ” ماكرون لرفضه السير وفق الإيقاع الأميركي” بشأن تايوان، وطموحه إلى رفع مكانة بلاده على حساب أميركا عقب تصريحه لفريق من الصحافيين بأنه يتطلع إلى رؤية فرنسا “قطباً ثالثاً” على المستوى الدولي، بموازاة قطبي الولايات المتحدة والصين (شبكة “فوكس نيوز”، 10 نيسان/إبريل 2023).
أحد أبرز أبواق اليمين الأميركي المتشدد والمحافظين الجدد على السواء، إيبوك تايمز، حذرت حلفاءها الأوروبيين من الابتعاد عن السياسة الأميركية التي لن تسمح بنشوء “طريق ثالث لأوروبا”، في إشارة إلى نزعات فرنسا “المثالية” للسير بمسافة بعيدة عن الولايات المتحدة (صحيفة “ذي إيبوك تايمز”، The Epoch Times 7 نيسان/إبريل 2023).
ما يرجح فرضية إقحام واشنطن لفون دير لاين في زيارة بكين كقطب مستقل عن ماكرون هو الإشادة الأميركية بتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية بزعم “تحذيرها بكين مباشرة من توفير الدعم لروسيا في الحرب الأوكرانية”، واستبعادها أيضاً انفصام أوروبا عن الصين تجارياً.
لعلّ كلمة السّر في تقييم النخب الأميركية، كما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”، لمضمون البيان المشترك لرئيسي البلدين، هي طموحهما إلى نسج “شراكة استراتيجية عالمية” وترحيبهما بـ “عالم متعدد الأقطاب”، في ظل “جمود العلاقات الأميركية الصينية”.
فنلندا تتخلّى عن حيادها
لم يكن مفاجئاً إعلان فنلندا انضمامها رسمياً إلى حلف الناتو واقلاعها طوعياً عن سياسة الحياد، إضافة إلى جارتها السويد، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، نتيجة ضغوط علنية ومباشرة من واشنطن في سياق استراتيجيتها الكبرى لمحاصرة روسيا.
لم تُخفِ واشنطن أهدافها الكونية، وخصوصاً في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق، ولاحقاً روسيا الاتحادية، باعتمادها مبدأ ضرب الخصم في خاصرته الضعيفة، وإدامة استنزافه طمعاً في تشكيل منصة انطلاق إلى داخل أراضيه والعمل على تفتيت لحمة أواصره وقيمه.
وقامت الولايات المتحدة بدور نشط في دعم مجموعات محلية وتأييدها وتسليحها، بدءا من الشيشان في الزمن الغابر، مروراً بأوكرانيا، وليس انتهاءً بأذربيجان، بغرض تعطيل عجلة التطور المحلية والبناء الذاتي والنهوض الاقتصادي، والأهم دقّ إسفين في مدماك البنيان السياسي للدولة.
تدخّل واشنطن في الشؤون الداخلية لكافة بلدان المعمورة تجاوز التكهنات والتحليلات، وقطع الشك باليقين، نظراً إلى مكانتها العضوية في سياساتها الخارجية على مر العصور، ومنذ تشكل أركان الكيان السياسي الأميركي.
وارتأت مفاصل مراكز القوى السياسية والعسكرية والأمنية الأميركية الاعتماد شبه الكلي على حروب تشن “بالوكالة” رغبةً منها في تفادي إخفاقاتها المكلفة السابقة في فيتنام وأفغانستان والعراق، من دون التخلي عن تعديل رقعة وجودها العسكري في أي منطقة مرغوبة بـ “قوات خاصة” أو ما شابه.
ووجدت نخب واشنطن ضالّتها في ارتهان شرائح واسعة في البلدان المستهدفة لتوجهاتها في مقابل “إثراء شخصي” على حساب المصالح العامة. واعتبرت رضوخ فنلندا لسياساتها وعضويتها في حلف الناتو إضافة نوعية لمحاصرة روسيا، وامتداداً الصين، بمضاعفة مدى الحدود المشتركة، نحو 800 ميل، التي كانت يوماً مصدر استقرار، والقول إن “بحر البلطيق كان بحيرة روسية، يتحكم الناتو الآن في خاصرته الشمالية”، (يومية “فورين بوليسي”، 6 نيسان/إبريل 2023).
سياسات فنلندا الأمنية السابقة كانت موصوفة بالبراغماتية بين القطبين الدوليين، من مثل اعتمادها على نظام التجنيد الإلزامي، وقوامه نحو 22 ألفاً، وحفاظها على قوة أكبر من الاحتياط يصل تعدادها إلى 280 ألف عنصر، وتواضع انفاقها السابق على المسائل العسكرية بنسبة 1.6% من الناتج القومي إبّان الحرب الباردة، وبلوغه نحو 2% من ميزانيتها العامة، وهي النسبة التي حددتها واشنطن كحد أدنى لدول الحلف.
وعام 1992 أبرمت اتفاقية مع الولايات المتحدة لشراء “64 مقاتلة من طراز أف-18 أس” شكّلت اللبنة الأولى للانخراط العملي مع القوات الأميركية عبر تدريبات مشتركة ومناورات بحرية في مياهها، فضلاً عن تواصل شرائها معدات عسكرية أميركية صاروخية ومدرعات ومدافع ثقيلة وسفن حربية، وصولاً إلى إبرامها صفقة حديثة (2021) لشراء مقاتلات أميركية متطورة من طراز أف-35.
أمام هذا “الانتصار” الأميركي المرحلي بالوكالة، تجدر الإشارة إلى مشاركة قوات فنلندا العسكرية مباشرة في عدد من المغامرات الأميركية في العالم “منذ عقد الخمسينيات”، نذكر منها لبنان وكوسوفو والعراق ومالي والصومال وعموم الشرق الأوسط ومياه البحر المتوسط، وقريباً في أوكرانيا.
وقد استجابت لطلب واشنطن في شباط/فبراير 2022 للمشاركة في تدريبات مشتركة مع حلف الناتو، عملية “التجاوب القارص”، في النرويج، وبلغ عدد أفراد قواتها نحو 680 عنصراً، من بينهم 470 من سجلات الخدمة الإلزامية، ما أثار مجدداً الجدل الداخلي بشأن عضوية حلف الناتو.
وتشير البيانات الفنلدنية الرسمية إلى تأييد الغالبية العظمى من كبار السن، 70%، الانضمام إلى حلف الناتو ي مقابل معارضة معتبرة من جيل الشباب (صحيفة “هيلسينكي تايمز”، 28 نيسان/إبريل 2022).
تمدد قوات فنلندا العسكرية وتعدّد مهامها إلى جانب القوات الأميركية وفّر لها اكتساب خبرة ميدانية متواصلة، وجاهزيتها للانتشار في مناطق يحددها حلف الناتو، بقيادة واشنطن زادت، بيد إن الرهان على ممارسة فنلندا دوراً حاسماً في استهداف خاصرة روسيا على طول الحدود المشتركة لا يندرج في حُكم المسلّم به.
وحسمت صحيفة “نيويورك تايمز” بتاريخ 8 نيسان/إبريل 2023 جدل اشتباك قوات أوروبية أخرى مع القوات الروسية بالدلالة على متانة تحالف موسكو وبكين، إذ تعتبر “الصّين أولويتها الاستراتيجية مع روسيا في عدائهما المشترك” للاستراتيجية الأميركية التي تراهن على عدم تطور نتائج زيارة الرئيس الفرنسي لبكين كنموذج لفصل ارتباط أوروبا بالولايات المتحدة.
:::::
مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن
الموقع الإلكتروني:
_____
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org
[1] نشرت هذه الدراسة في مجلة The Arab World Geographer Vol 5, No 1 (2002) pp 34-52 . وتقوم كنعان بنشر هذه الترجمة باذن مسبق من المؤلف. وقد احتجت الجمعية الجغرافية الإسرائيلية ومركز سايمون ويزينثال الصهيونى على السماح بتقديم هذه الدراسة فى الملتقلى السنوى الثامن والتسعين لجمعية الجغرافيين الأمريكيين الذى انعقد بمدينة لوس آنجلس فى ولاية كالفورنيا من 19 إلى 23 آذار (مارس) 2002 (Association of American Geographers Newsletter 37(5):2,4, 2002). كما تمت محاولة تحريف وتشويه محتوى هذا البحث فى جريدة جروزالم بوست (20 مارس 2002) وعلى موقع الانترنت لمركز سايمون ويزينثال الصهيونى (20 مارس 2002) وفى جريدة لوس آنجلس تايمز (21 مارس 2002).) المترجم)
[2] أستاذ الجغرافيا في Department of Geography, Geology and Anthropology, Indiana State University,
Terre Haute, Indiana,USA
[3] Restoration of the Jews. 1840b. The Times, 17 August.
[4] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 191.
[5] Hechler, W. H. 1883. The Jerusalem bishopric documents. Arranged and supplemented by the Rev. Professor William H. Hechler, British Chaplain at Stockholm. London: Trubner and Co.
[6] نبات تستخرج منه مادة نستخدم في الصباغة- المترجم.
[7] Crawford, Alexander Crawford Lindsay (Lord Lindsay). 1838. Letters on Egypt, Edom, and the Holy Land. The Quarterly Review 125 (Dec.):188–190.
[8] Restoration of the Jews .1840c. The Times, 26 August.
[9] Restoration of the Jews. 1840a. The Times, 9 March.
[10] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America. Page 31.
[11] Restoration of the Jews .1840c. The Times, 26 August.
[12] Restoration of the Jews .1840c. The Times, 26 August.
[13] The State and Prospects of the Jews. 1839. The Times, 24 January.
Crawford, Alexander Crawford Lindsay (Lord Lindsay). 1838. Letters on Egypt, Edom, and the Holy Land. The Quarterly Review 125 (Dec.):188–190.
[14] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 192.
[15] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 192.
[16] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America. Page 35.
[17] Robinson, E. 1977. Biblical Researches in Palestine: Mount Sinai and Arabia Petra. Vol. I. New York: Arno Press
[18] ايدوم اسم يطلق على مملكة قديمة واقعة في جنوب البحر الميت –المترجم.
[19] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 191.
[20] المقصود هنا الكتب الاربعة الاولى في لعهد الجديد التي تتحدث عن حياة المسيح وتعاليمه وموته ثم قيامته وصعوده الى السماء وهي اناجيل يوحنا ومرقص ولوقا ومتى –المترجم.
[21] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 333.
[22] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America. Page 35.
[23] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America. Page 36.
[24] Hyamson. A. M. 1917. British projects for the restoration of the Jews. The British Palestine Committee, Publication No. 1. Leeds : Petty & Sons.
[25] Crawford, Alexander Crawford Lindsay (Lord Lindsay). 1838. Letters on Egypt, Edom, and the Holy Land. The Quarterly Review 125 (Dec.):188–190. Page 185.
[26] Crawford, Alexander Crawford Lindsay (Lord Lindsay). 1838. Letters on Egypt, Edom, and the Holy Land. The Quarterly Review 125 (Dec.):188–190. Page 184.
[27] Hechler, W. H. 1883. The Jerusalem bishopric documents. Arranged and supplemented by the Rev. Professor William H. Hechler, British Chaplain at Stockholm. London: Trubner and Co.
[28] Kobler, F.1975. Napoleon and the Jews. Jerusalem: Massada Press.
[29] Price, A. G. 1929. Founders and Pioneers of South Australia. Adelaide: F. W. Preece and Sons. Page 160.
[30] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America. Page 37.
Price, A. G. 1929. Founders and Pioneers of South Australia. Adelaide: F. W. Preece and Sons. Page 164.
[31] Shaw, A. G. L.1997. Convicts and the colonies: A study of penal transportation from Great Britain and Ireland to Australia and other parts of the British Empire. Victoria, Australia: Melbourne University Press. Page 17.
[32] Shaw, A. G. L.1997. Convicts and the colonies: A study of penal transportation from Great Britain and Ireland to Australia and other parts of the British Empire. Victoria, Australia: Melbourne University Press.
[33] Roberts, J. M. 1995. The Penguin History of the World. New York: Penguin. Pages 768-769.
[34] Duvernoy, C.1966. Le Prince et le prophète. Jerusalem: Le Département des publications de l’agence juive. Page 136.
[35] Gawler, G. 1845. Tranquilization of Syria and the East: Observations and practical suggestions, in furtherance of the establishment of Jewish Colonies in Palestine, the most sober and sensible remedy for the miseries of Asiatic Turkey. London: T. & W. Boone. Pages 8-9.
[36] Gawler, G. 1848. Organised Special Constables: A Very Efficient Bulwark in this Period of Serious Danger against Internal Anarchy and Foreign Invasion, with Further Remarks upon the Present Duties of Great Britain. London: T. & W. Boone. Page 25.
[37] Gawler, G. 1845. Tranquilization of Syria and the East: Observations and practical suggestions, in furtherance of the establishment of Jewish Colonies in Palestine, the most sober and sensible remedy for the miseries of Asiatic Turkey. London: T. & W. Boone. Page 12.
[38] Gawler, G. 1845. Tranquilization of Syria and the East: Observations and practical suggestions, in furtherance of the establishment of Jewish Colonies in Palestine, the most sober and sensible remedy for the miseries of Asiatic Turkey. London: T. & W. Boone. Pages 16-17.
[39] يساي الايكر ما يعادل اربعة آف متر مربع –المترجم.
[40] Duvernoy, C.1966. Le Prince et le prophète. Jerusalem: Le Département des publications de l’agence juive. Page 28.
[41] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 214, 216, 254.
Hess, M. 1917. Rome and Jerusalem: A study in Jewish nationalism. Trans. with Intro. and Notes by Meyer Waxman. New York: Bloch Publishing Company. Page 260.
[42] Eliot, G. 1900. The Writings of George Eliot. Boston: Little Brown.
[43] Epstein, L. J. 1984. Zion’s call: Christian Contributions to the origins and development of Israel. New York: University Press of America. Page 47.
[44] Tuchman, B. W. 1984. Bible and sword: England and Palestine from the bronze age to Balfour. New York: Ballantine Books. Page 237.
[45] Sokolov, N.1935. Hibbath Zion (the love for Zion) Stating the principles and activities of the Pre-Herzl Palestinophile (Hovevey-Zion=Lovers of Zion) Movement in Religion, Literature and Life about 1840–1897. Jerusalem: Rubin Press. Page 107.
[46] Eliot, G. 1961. Daniel Deronda. New York: Torchbooks.
[47] Leavis, F. R. 1960. George Eliot’s Zionist Novel. Commentary 30(4):317–25.
[48] Eliot, G. 1876. Daniel Deronda. Retrieved October 26, 2002, from http://www.lang.nagoya-u.ac.jp/~matsuoka/Eliot-Deronda.html on the World Wide Web.
Eliot, G. 1961. Daniel Deronda. New York: Torchbooks. Page 606.
[49] دول مجلس التعاون الخليجى هى: المملكة العربية السعودية، دولة الكويت، مملكة البحرين، دولة قطر، الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان.