السنة الثالثة والعشرون – العدد 6523
في هذا العدد:
■ تطورات الكيان الصهيوني (حلقة 6): وجهة نظر أكاديمية – السقوط الخامس
■ هل تجرؤ على تذكر العراق؟ عادل سماره
■ رسالة مفتوحة إلى الأخ زياد نخالة! جاسر خلف
■ وثائق البنتاغون المسرّبة تكشف عمليات التجسّس والتضليل الأميركية، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
✺ ✺ ✺
تطورات الكيان الصهيوني
(حلقة 6)
وجهة نظر أكاديمية
السقوط الخامس
كنعان:
يلخص محمد جبيلي وجهة نظر بل ربما شكلاً من التنبؤ لدى البروفيسور دافيد باسيج”. وربما تكمن أهمية توقعات باسيج في تحقق كثير منها وخاصة ما يجري اليوم في الكيان من حيث انقسام الكيان إلى شطرين وتمترس كل طرف عند رؤيته.
وقد يكون للمرء أن يخلص من هذا الانقسام الكبير بالسؤال: كيف يرى طرفا الكيان الواقع المحيط بهما؟ أو لنقل، كأن طرفي الكيان يتخاصمان وكأنهما في عالم خالٍ إلا منهما! فهل هذا جنون انتحاري أم تيقُّن بأن اليهود يضعون العالم قيد رؤيتهم ومحققا لمصالحهم وحسب! هل يصل أحد إلى هذه الدرجة من العمى.
■ ■ ■
ما يلي تلخيص محمد جبيلي لكتاب باسيج.
منذ أيام وأنا منغمس بقراءة كتاب “السقوط الخامس” للبروفيسور “دافيد باسيج” الأستاذ الجامعي في الدراسات المستقبلية في قسم العلوم السياسية بجامعة بار إيلان الإسرائيلية وأحد أهم مفكري الكيان الصهيوني، و الذي كان قد تنبأ بثورات الربيع العربي، وبالحرب الأهلية في سوريا، وظهور فيروس يتسبب بوفاة الملايين و يتبعه انهيار اقتصادي عالمي.
سأقوم بمشاركتكم لأهم ما ورد فيه كون الكتاب ضخم، على شكل رؤوس أقلام لإيصال زبدة أفكاره:
– يتحدث الكتاب عن أن دولة إسرائيل قد دخلت فعلياً عصر الانهيار الطبيعي للأمم، و أنها مؤهلة لأن تشهد حرباً أهلية ستبدأ بشكل تدريجي و تنتهي بغضون 20 عاماً بتدمير الدولة الإسرائيلية من الداخل.
– يتوقع البروفيسور دافيد باسيج أن تنامي نزعات التطرف الديني داخل المجتمع الإسرائيلي ستؤدي لمواجهة حتمية مع المجتمع اليساري العلماني الإسرائيلي، تبدأ على شكل خلافات سياسية وتنتهي بشكل دموي ككرة ثلج متدحرجة تكبر من أعلى الجبل إلى أسفل الهاوية.
– يتوقع الكاتب أن تندلع الشرارة الأولى للحرب الأهلية الإسرائيلية حينما تقوم الشرطة الإسرائيلية بقمع مظاهرة ” لليمين المتطرف ” وليس لليسار، يبدأ فيها اليمينيون باستخدام القوة ضد جهاز الشرطة وتنتهي بسقوط عشرات القتلة والجرحى بين الطرفين قبل أن تعم الفوضى في كل مكان.
– يدق المؤلف ناقوس الخطر، ويسعى من وراء كتابه الذي يحتوي على 288 صفحة، إلى دراسة الواقع الإسرائيلي والتدقيق في السيناريوهات التي رسمها بشكل واقعي، قبل أن تتحول هذه السيناريوهات إلى أمر واقع لا يمكن التصدي له.
– البروفيسور دافيد باسيج يدمج في كتاباته المستقبلية بين الشواهد والمعطيات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والثقافية، ويرى أن هناك قواسم مشتركة تتكرر عبر التاريخ، ومن ثم يمكن الاعتماد على المعطيات الحالية لتوقع ما قد يحدث في المستقبل القريب.
– المؤلف استشعر أن البلاد على أعتاب حقبة جديدة، لا ينبغي أن تتسبب في انهيارها، بعد أن صمدت طوال 3 أجيال، قامت خلالها على أساس ميثاق المصير المشترك للشعب اليهودي، والذي هاجر من كل حدب وصوب ونجح في التماسك طوال هذه العقود.
– مع ظهور الجيل الجديد الذي ولد داخل إسرائيل، ولا يدرك طبيعة هذا الميثاق، فقد بدأ التحول، ويرى أنه ينبغي بناء ميثاق جديد يتناسب مع الجيل الحالي ويوحد جموع الشعب اليهودي.
– ينهي البروفيسور دافيد باسيج كتابه بالتذكير بحوادث تاريخية يعرفها اليهود جيداً:
# انهيار المجتمع الإسرائيلي، وتفكك قيمه الأخلاقية، وتدهوره إلى مرحلة التفكك والتفسخ المجتمعي، تذكرنا بالعصور التاريخية الأربعة لليهود، التي بدأت تنهار أولاً بسبب هذا الانحطاط الأخلاقي بالقيم والعادات والأعراف اليهودية التقليدية، والتفكك والتناحر الداخلي، الذي مهد إلى الهزيمة العسكرية على يد الأعداء من الخارج.
# الحكومة الحالية تجمع خليطاً غير متجانس من الحريديم والصهاينة القوميين، والليبراليين، قد لا يطول عمرها في ظل الحاصل بالآونة الأخيرة، ولو حاولت الحفاظ على بقائها وعدم تفككها، فهذا سيكون على حساب الكثير من الخطوط الحمراء بالنسبة لليهود، التي وضعها مؤسسو الدولة، مثل حرمة الدم اليهودي، وقيم نظام الحكم الديموقراطي، وغيرها.
# إن انهيار اليهود في عصرهم التاريخي الخامس سيكون انهياراً ذاتياً، نتيجة تخليهم عن ثقافتهم التقليدية، ووحدتهم، ونتيجة صراعاتهم الداخلية، وضعف الهوية والانتماء، وزيادة حدة توتر الحوار الداخلي بينهم، وزيادة الخلافات حول الأشخاص وليس حول الأفكار، وفشل التوصل لحلول بين الأحزاب والتيارات المختلفة، للمشاكل الداخلية الخاصة باليهود.
وأُنهي اقتباسي من أجمل وأهم جزء في الكتاب:
# ما يحصل اليوم في المجتمع الإسرائيلي، سيمهد للهزيمة العسكرية وخراب “الكيان الثالث” في تاريخنا.
# على غرار ما حصل مع أجدادنا من خراب لـ “الكيان الأول” على يد البابليين بهجوم من الشمال، وخراب “الكيان الثاني” على يد البيزنطيين الرومان بهجوم من الشمال، احذروا من خراب “الكيان الثالث” على يد أعدائنا بهجوم من الشمال.
✺ ✺ ✺
هل تجرؤ على تذكر العراق؟
عادل سماره
يمر سقوط بغداد وكأنه حادث سير! عرب يخافون من غضب أعداء العراق ومحتلي العراق وعرب ملأت الرشى أفواههم وعرب خانوا العراق: أسمت امريكا العدوان “حرية العراق”. رفضت روسيا والصين وألمانيا وفرنسا والهند رفضًا قاطعًا المشاركة في الهجوم. من بين القوى الرئيسية، بريطانيا فقط دعمت الولايات المتحدة. دون انتظار أي موافقة من الأمم المتحدة، وتجاوزا للمؤسسات الدولية، شنوا الحرب على العراق. هل تعرفون من دعم العدوان من العرب والمسلمين؟ لن أكتب تلافياً للعار!
في وقت لاحق، توصل مفتشو الأمم المتحدة إلى استنتاج مفاده أنه في الوقت الذي بدأت فيه العملية، لم يكن لدى بغداد برامج لصنع أسلحة دمار شامل، وأن صدام حسين لا علاقة له بالإرهابيين. لكن من كان مهتمًا بهذا بعد كل ذلك؟
في المجموع، بلغ عدد قوات الولايات المتحدة وحلفائها 309 آلاف شخص. كما كان هناك حوالي 70 ألف كردي عراقي في صفوفهم!!! واليوم رئيس العراق كردي. يقابلهم 375 ألف جندي في الجيش العراقي. ومع ذلك، لا يمكن مقارنة الأسلحة والمعدات. بسبب عامل المفاجأة، لم يكن لدى الطيران العراقي الوقت للرد. بعد أسبوعين، كان الغزاة في بغداد في 9 أبريل، سقطت العاصمة فعليًا دون قتال. وزع العراق 8 ملايين قطعة سلاح على الشعب وعليه كانت ال.م.ق.ا.و.م.ة. أُعدم صدام بتهمة الديكتاتورية وقتل عراقيين وللإهانة للعرب صباح يوم العيد وأُقيم نظام امريكي تماماً بغطاء طائفي راشي ومرتشي أي أُتبدل الديكتاتور بعملاء. لذلك العراق اليوم جائع وعطشان وبلا كهرباء وبلا عروبة.
✺ ✺ ✺
رسالة مفتوحة إلى الأخ زياد نخالة!
جاسر خلف
تمهيد ضروري
يعرف كل من تابع صفحاتي ومنشوراتي وآرائي انني من اشد المؤيدين للفدائيين ولذلك كنت و ما زلت من اشد المؤيدين لحركتكم بشكل خاص وبشكل علني وواضح. لكن ذلك لا يجب ان يمنعني من توجيه رسالة لكم. وأعتقد وآمل أن رأي جمهوركم يجب أن يهمكم.
أخي السيد أبا طارق زياد النخالة، تابعت حديثك مع قنوات عراقية يبدو أنها موالية للنظام نفسه. لا باس.
اكتب بصفتي فلسطيني وعربي ولا أكتب وكأني اتقصّد الرد عليك أو الترويج لك، وأنت تعرف كثرة المثقفين الذين يمدحون من يمنحون..
لفتني قولكم إن العراق مستقر!
طبعاً من باب المجاملة تقول ذلك، لأنك تعلم ان العراق مليء بالقواعد الأمريكية والتركية وحتى الصهيوموسادية وبشكل علني في شمال العراق وغير معلن في بغداد وذلك بمعية الكردصهاينة الذين ينحدر منهم “الرئيس” الذي قابلته حضرتك وأبدى تفهماً كما تقول.
والعراق أيضاً مليء بالفقراء وأمواله منهوبة. وفي حالة كهذه يكون الاستقرار في القمة فقط!
لقد تفضلت بالحديث وأكثر من مرة عن المحيط العربي والعراق العربي، وبصراحة هذا موقف منطقي ومنسجم مع شيء ما داخلك. أما حديثك عن الحشد الشعبي بأنه هزم الإرهاب، فهذا عمل بطولي ويستحق الثناء عليه، ولكن هل هي مهمة الحشد الوحيدة واليتيمة؟!
ماذا عن مقاومة الاحتلالات؟!
وخصوصاً أنك من وطن محتل وتعرف ما معنى الاحتلال!
شاهدتُ منذ 3 سنوات أحد مسؤولي الحشد يقول انا اتلقى الأوامر من الخامنئي! أليس هذا غريباً! فهل هو عربي أم إيراني؟ ومثلاً هل يتلقى الأمر من السيستاني كمرجع عراقي وهل القتال ضد الاحتلال يجب ان يرتبط بفتوى؟
حسناً ولماذا لا توجد ولم توجد فتوى بمحاربة الاحتلالات الأجنبية في العراق؟؟
وأقصد هنا الترك والأمريكان والصهاينة في شمال العراق.
لا شك أخي ابا طارق انت تعرف أن الحشد طلب من “البرلمان” أخذ قرار بمطالبة الأمريكان بالخروج وحصلت المطالبة، فماذا حصل؟!
معقول ان حركة مقاومة ومسلحة تأتمر بأمر برلمان مليء باللصوص وأدوات الأمريكان والإيرانيين والترك والمتصهينين وربما صادف بينهم بعض العروبيين!
واصلت حديثك وقلت: “شعوب الأمة”. ولم تحدد أية أمة العربية أم الإسلامية، ربما ذوقاً منك لم تحرجهم بقول العربية، أو ذوقاً تجاه العرب لم تقل الأمة الإسلامية لأنك تعلم بانه لا توجد أمة دينية. لا إسلامية ولا غيرها وإلا كان من حق اليهود المطالبة بأمة ووطن. وهو ما يسعون لتثبيته.
وفيما يخص يوم القدس، يا استاذنا الفاضل أبا طارق:
القدس قصد بها سماحة السيد آية الله الخميني ان الصراع ديني، وليس قومياً وهذا فيه خلع وسلخ القدس وكل فلسطين من عروبتها.
مع كل الاحترام والتقدير للسيد آية الله الخميني وللجمهورية الإسلامية الإيرانية فإن الصراع هو سياسي قومي عربي ضد عدو لا قومية له بل هو أداة للغرب.
صراعنا غير محصور بالقدس والأقصى وخط أحمر متغير ومتبدل وليس بالصلاة والاعتكاف فيه. الصراع يستهدف القومية العربية كاملة بأرضها وشعبها ووجودها.
صدقت في قولك ان إيران تدفع المال والدعم والسلاح والمساندة…الخ. ولكن يا سيدي سورية وضمن إمكاناتها وظروفها ورغم الحروب عليها فهي تقدم لفلسطين والعروبة ما لا يقدمه أحد. معقول ولا كلمة عن سورية؟
صحيح أن إيران تدفع ولكن الصحيح أيضاً ان العراق في قبضة امريكا وإيران اقتصادياً والباقي تفاصيل..
الرحمة للشهيد البطل سليماني، لكن أجابتك عن سؤال أحد الشباب لماذا لم تتأثر المقاومة بعد رحيله؟ أكيد الذي سأل لم يقصد أن هناك مبالغة هائلة بدور الشهيد..
الحقيقة أن البعض يقوم بتضخيم بعض الرجال وبعض الإنجازات وبشكل أسطوري وخيالي..
ويميل البعض لاعتبار العرب هواماً وحتى ان الكثيرين يتجاهلون تماماً ان النواة الصلبة للمقاومة العربية العراقية ضد الاحتلال الأمريكي الأطلسي هم فدائيو صدام والحرس الجمهوري وليست المليشيات والعملاء الذين اتى بهم الاحتلال!!
ثم لماذا لم تميز بين الأنظمة العربية وبين العرب في حديثك عن اسئلة المصريين؟ وعن اموال إيران التي يتم تقديمها وهي من اموال العراق وبغض النظر إن كانت هذه الحقيقة ستزعج وتخنق البعض.. اريد ان اسألك:
ألا تعلم ان الذي أسس لبناء بيوت ودعم اسر الشهداء هو الشهيد صدام حسين؟
لماذا لم تذكر ذلك وككلمة حق وخصوصاً أنك التقيت بالأداة المسماة رئيس العراق؟
إيران تقلد صدام حسين ولكن ايضاً من أموال العراق. طبعاً سيغضب كثيرون من ذكر صدام. الرجولة والشرف تقتضي إعطاء المرء حقه وليس ذكر سيئاته فقط.
آمل ان تكون هفوة قلتها بأن “اسرائيل” بضعة ملايين..
كلا يا اخ زياد، هي مليار يسمونه المليار الذهبي هي كل الغرب. أما الطيب الذي سألك عن دخول العراق في المواجهة، حبذا لو قلت له: يا سيد.. اطردوا الاحتلالات وبذلك تكونون مع فلسطين. وفيما يخص وحدة الجبهات هل شاهدت تغريدة ابو مرزوق قبل يومين، حين ينكر ان حماس في أي محور! طبعاً فهي في محور من يمولها اي قطر، فمن يتمول يتمحور في جيب من يموله.
ثم ان نتنياهو لا يريد تعديل “الدولة” كما تفضلتم بل يريد دولة دينية مثل إيران كما صرح قادة تيار الحكم الحالي في الكيان. دولة دينية تُسعد الكيان و هو ما يريده و يسعى له لأنه يريد حلاً دينياً في فلسطين لا قومياً عربياً.
هنا بالضبط يكمن الخطر في نزع عروبة القدس وفلسطين والعرب.
حتى أن الإعلام المدعوم ايرانياً يسير بشكل واضح تجاه نزع العروبة حتى عن الوطن العربي والأمة العربية… فنحن اسمنا الإقليم وغرب آسيا وشمال أفريقيا..
هذا دون أن ننسى ان الإسلام عربي أولاً وأخيراً ولغتنا لغة الله عز وجل. لذا نزل القرآن بها، وإلا لماذا لم ينزل بالتركية او الإنكليزية او الفارسية أو الفرنسية؟!
أخيراً وعالماشي، أجهزة أمن الكيان لم تمنع تدنيس الأقصى ولم تتراجع عن أية مخططات وأنا شخصياً لا أرى من ضرورة للمبالغات الإعلامية عن انتصارات لم تتحقق بعد ولكن نأمل بأنها ستتحقق بالعمل والمثابرة.
دمتم بخير.
✺ ✺ ✺
وثائق البنتاغون المسرّبة تكشف
عمليات التجسّس والتضليل الأميركية
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
لم يحسم الجدل الداخلي الأميركي بشأن وثائق البنتاغون المسرّبة حديثاً أياً من التكهنات السياسية أو تداعياتها، وانحصر اهتمام المؤسسة الحاكمة في “قدرتها” الفائقة على إلقاء القبض على مشتبه به بسرعة ملحوظة.
وأقرّ كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية بأن العملية “قد” تكون منظّمة لتسريب المعلومات السرّية التي من شأنها إلحاق الضرر بجهود الأجهزة الأميركية “وربما إعاقة التخطيط العسكري في أوكرانيا” لحلف الناتو بمجموعه.
ورجّحت كبرى المؤسسات الإعلامية الأميركية مسؤولية الأمر إلى قيادة هيئة الأركان المشتركة، برئاسة مارك ميللي، خصوصاً أن “عدداً من الوثائق حمل أختاماً تشير إلى مصدرها الأولي هو دائرة الاستخبارات التابعة لهيئة الأركان، وتبدو كأنها وثائق إحاطة” لمسؤولين كباراً (شبكة “سي أن أن”، 10 نيسان/إبريل 2023).
لعل الوثائق الأهم هي تلك المتعلقة بالكيان “الإسرائيلي”، والتي كشفت عنها يومية “نيويورك تايمز” وتتعلّق بوثيقة صادرة عن البنتاغون بعنوان “إسرائيل: مسارات تزويد أسلحة فتّاكة لأوكرانيا”، قالت إنها كانت بتاريخ 28 شباط/فبراير الماضي، وتتضمن جملة خيارات مقترحة لصنّاع القرار من أجل الحصول على “موافقة إسرائيل لتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية ودفاعية ومعدات أخرى ” بينها “بطاريات (باراك8) للدفاع الجوي وصواريخ (سبايك) موجهة ضد المدرعات” (صحيفة “نيويورك تايمز”، 9 نيسان/إبريل 2023).
واستطردت الصحيفة أن الوثيقة هي عبارة عن “تحليل استكشافي” قام به البنتاغون للتوقف عند محطات الضغط الأميركي التي ستلبي فيها “إسرائيل” طلبها شريطة حصولها على “تأييد أميركي صارم” لدعم عملياتها داخل إيران، وستوفر تلك الأسلحة عبر طرف ثالث، ربما تركيا.
صدقية محتويات الوثائق “بالغة السرّية”، كما وُصفت، لا تزال محط تكهنات من قبل المختصين بالشأن العسكري، ومنهم أطقم البنتاغون الذين أعلنوا بعد بضعة أيام بأنها “تبدو حقيقية”، إذ ساهم الناطق باسم البنتاغون في تعريفها كـ “خطر كبير جداً على الأمن القومي” (البنتاغون”، 10 نيسان/إبريل 2023).
تسريبات بيانات ذات أهمية ظاهرية تتضمن في العادة بعض الحقائق تغلّف الشأن الخاص، وتحميلها معلومات إما غير دقيقة أو كاذبة، بالإضافة إلى جهود التضليل لعدد من الخصوم، أبرزهم روسيا والصين وإيران. عند هذا المفصل، نشطت وسائل الإعلام الرئيسية في الترويج لتقييم مضمون الوثائق لتثبيت صدقيتها، أو بعضها.
على سبيل المثال، وصفت يومية “وول ستريت جورنال” بتاريخ 7 نيسان / إبريل الحالي بأن التسريب يشمل “أكثر من 100 صورة طبق الأصل لوثائق سرّية نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي”. وفي اليوم التالي، شددت صحيفة “نيويورك تايمز” على مضامين “الكنز الدفين”، كما سمّته، بأنها “أوضحت مدى قدرة الولايات المتحدة على تحذير أوكرانيا قبل بدء الغارات الروسية”، وأن “القوات العسكرية الروسية تجهد في تنفيذ مهام الحرب، وكذلك لتبيّن الثغرات العميقة في منظومتها العسكرية”.
بينما تبرّعت صحيفة “واشنطن بوست، بتاريخ 7 نيسان / إبريل الحالي، بوصف مضامين الوثائق المسرّبة بأنها تشمل “إحاطات استخبارية في عموم العالم وصولاً إلى مستوى تحديثات التكتيك الميداني، وتقييم قدرات أوكرانيا الدفاعية”. وأضافت استناداً إلى قراءتها ومصادرها الاستخبارية الخاصة بأن الوثائق “تضمّنت تقييمات أميركية بالغة السرّية حول الصين ودول أخرى”.
وعادت الصحيفة في اليوم التالي، 8 نيسان/إبريل الحالي، إلى إضفاء مزيد من لهجة التأكيد بصدقية مضامين الوثائق لتخبر قراءها بأن “الذعر ينتاب القيادات العليا” في البنتاغون، وبعضهم عبّر عن “ذهوله وغضبه الشديد” جراء الاختراق الأمني.
بعض الأختصاصيين في مجال البيانات السرّية أكدوا أنه “من المعتاد إقدام الحكومة (الأميركية) على المبالغة في مدى الضرر المزعوم الناجم عن رؤية وثائق سرّية في متناول العامة”، مشيرين إلى تفاعلات 3 حوادث تسريب سابقة لوثائق عسكرية سرّية: الأولى في عام 1971 فيما عُرف لاحقا بـ “وثائق البنتاغون” عن الحرب الأميركية على فيتنام؛ والثانية لنشر المتعاقد مع وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودن، وثائق تبيّن مدى انخراط الأجهزة الأمنية في التجسّس على المواطنين الأميركيين؛ والثالثة لما قدمته المجندة في استخبارات سلاح الجيش، تشيلسي مانينغ، في مقاطع فيديو بيّنت ارتكاب القوات الأميركية مجزرة بحق صحافيين ومدنيين عراقيين في بغداد عن سبق إصرار وترصّد.
وخلصوا بالاستشهاد بتقييم وزير الدفاع الأميركي الأسبق، روبرت غيتس، للسردية الرسمية للحكومة الأميركية بهذا الشأن بأنها “مُتعبة إلى حد كبير” (نشرة “ذي انترسيبت”، 13 نيسان / إبريل 2023).
وقد أجمعت كبرى وسائل الإعلام المقروء والمصوّر على تقييم الوثائق الصادر عن “مسؤولين أميركيين” بأنها “أصلية” تتضمّن بيانات حسّاسة عن الصين وميادين المواجهة العسكرية المقبلة معها في المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط وجهود مكافحة الإرهاب.
وتكشف أيضاً مدى تجسّس الولايات المتحدة على حلفاء رئيسيين، منهم “كوريا الجنوبية وإسرائيل وأوكرانيا”، وتداعياتها على مجمل السياسة الخارجية للولايات المتحدة (شبكة “سي أن أن”، 10 نيسان / إبريل 2023).
زعمت الولايات المتحدة أنها لم ترسل قوات عسكرية أميركية إلى أوكرانيا، بل اقتصرت مهام أطقمها المختصة على تقديم المشورة والإشراف على جهود التدريبات العسكرية المختلفة، لتضليل الرأي العام الأميركي بدرجة أولى. وما لبثت أن أشارت الوثائق عينها إلى أن لدى واشنطن وحلفائها نحو 100 عنصر من القوات الخاصة في أرض الميدان، فضلاً عن أعداد أخرى من “قوات المتعاقدين” الأميركيين الذين لا تشملهم السجلات الرسمية.
وفيما يتعلق بحجم الخسائر البشرية لقوات الجانبين، روسيا وأوكرانيا، أعلن القائد الأعلى للقوات الأوكرانية المسلحة، فاليري زالوجني، أن بلاده خسرت ما لا يقل عن 257 ألف عنصر، خلال زيارته لواشنطن ولقائه وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة في 16 كانون الثاني/يناير 2023.
يضاف إلى ذلك معدل الخسائر البشرية بين صفوف القوات الأوكرانية الذي يبلغ نحو 800 عنصر يومياً، أي بنسبة 7 إلى 1 من القوات الروسية، والذي يضيف 72 ألف قتيل أوكراني، على الأقل، منذ ذلك التاريخ.
أما خسائر الجانب الروسي، وفق المصادر الأميركية، فقد بلغت 181 ألفاً، بينهم 40 إلى 70 ألف قتيل (شبكة “أم أس أن”، 15 نيسان / إبريل 2023).
المتتبع للسردية الرسمية الأميركية، وعند مقارنتها ببعض تفاصيل الوثائق المسرّبة يجد كم هو الفارق بين المزاعم الرسمية والوقائع على الأرض.
فمثلاً، حافظت الرواية الأميركية على وصف الحرب الأوكرانية بأنها ليست حرباً بالوكالة، بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي سرعان ما بددتها وثائقها المسرّبة عن عمد أو للتضليل.
كما شددت واشنطن الرسمية وأخطبوط وسائلها الإعلامية أنه لا وجود للقوات الأميركية في ميدان المعارك، لتسارع قياداتها بالإقرار بأن لديها “100 عنصر” من القوات الخاصة.
وما فتئت وسائل الإعلام كافة ترديد مزاعم أن روسيا تنهزم أمام صلابة القوات الأوكرانية التي ستستعيد أراضيها في إقليم الدونباس وشبه جزيرة القرم، فيما تبيّن وثائقها الخاصة مدى التضليل الذي تسير وفق أيقاعاته من أجل استدراج روسيا إلى حرب مع “حلف الناتو” أو أميركا مباشرة.
في ظل تلك اللوحة من التناقضات الأميركية، وتجسّسها على حلفائها قبل أعدائها، يستعد عدد من كبار مسؤوليها للسفر إلى ألمانيا الأسبوع المقبل للمشاركة في لقاء يشمل نحو 50 دولة “لتنسيق جهود توريد الأسلحة والدعم إلى أوكرانيا”، وستواجه فيه مجموعة حلفاء قلقين من الوثوق بها.
في المقابل، تسعى واشنطن إلى توجيه البوصلة بشأن تزويد كييف بأسلحة متطورة، بما فيها منظومات للدفاع الجوي، خصوصاً في هذا الظرف الذي تعاني فيه أوكرانيا من نزيف بشري كبير وتواضع أعداد التجنيد الإلزامي بسبب خسائرها البشرية العالية.
:::::
مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن
الموقع الإلكتروني:
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org