نشرة “كنعان”، 19 ابريل 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6524

في هذا العدد:

تطورات الكيان الصهيوني حلقة (7): وجهة نظر صحافية

الفلسطينيون يعون دورهم، رشاد أبوشاور

اشتباكات السودان ومخاطر التقسيم، عمر معربوني

✺ ✺ ✺

 تطورات الكيان الصهيوني  

حلقة (7)

وجهة نظر صحافية

قادة الموساد

كنعان:

يعقد ديفيد هيرست مقارنة بين الاستيطان الفرنسي في الجزائر، ومصيره، وبين الاستيطان الصهيوني في فلسطين.

في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن أي مستوطن مهما كان له تاريخ تقدمي، إن حصل، فإن مجرد قيامه بالاستيطان في وطن شعب آخر يتحول هو نفسه إلى ضارية إمبريالية. وهنا نستحضر قيام السلطات الفرنسية بعد هزيمة كوميونة باريس 1870. يشرح جيفري بايرن في كتابه (قِبلة الثورة: الجزائر، نزع الاستعمار، ومنظومة العالم الثالث، منشورات اكسفورد 2016) كيف لعب الكوميونيون المنفيون الى الجزائر دورا وحشيا ورجعيا ضد اهل البلاد وتحولوا الى ادوات في خدمة الدولة البرجوازية التي هزمنهم ونفتهم. (انظر تفصيلا كتاب عادل سماره، هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة 2020 ص ص 57-60). ولعل أفضل مثال على هذا هو بير بخروتشوف الذي يزعم الماركسية كما ورد في كتابه (بوروتشوف بير، القومية والصراع الطبقي: مقاربة ماركسية للمشكلة اليهودية (نيويورك، 1937)

“لم يكن البعد الجغرافي للاشتراكية اليهودية حالة استعمارية لأن أولئك السكان الأصليين لفلسطين “يفتقرون إلى الثقافة والهوية الوطنية/ يقصد الشعب العربي الفلسطيني” وبالطبع يرتكز على هذه الأكذوبة ليصل إلى هوس استعماري عنصري بقوله: كي يتمكن اليهود من تكوين مجتمع اشتراكي لا بد أن يسمح لهم العالم باغتصاب أرض شعب آخر يقصد ارض الشعب الفلسطيني! هذا وكأن العالم لن يدخل الاشتراكية إلا بشرط أن يدخلها اليهود!!!

عالج هذه المسألة عادل سماره في كتابه القادم قريبا بالإنجليزية

ARAB STATE ARAB’S ENEMY: Terrorist Orientalism Politicized Religion New Fedayeen

 ■ ■ ■

أولاً: ديفيد هيرست

كتب ديفيد هيرست في:

OPINION: When Zionism splits: Israel and the warning from colonial history – David Hearst: groups.outlook.com. 26 January 2023.

“…بالنسبة للشاباك، كان اغتيال رابين حادث سيارة بطيء الحركة. هنا ظهر بن غفير لأول مرة. ظهر على شاشة التلفزيون وهو يلوح بزخرفة غطاء محرك السيارة كاديلاك التي سُرقت من سيارة رابين: “وصلنا إلى سيارته وسنصل إليه أيضًا”.

قال يعقوب بيري، رئيس الشاباك في الفترة 1988-1994، إن اغتيال رابين قد غير عالمه كله: “رأيت فجأة إسرائيل مختلفة. لم أكن على علم بحدة الخلافات وكراهية الخلافات بيننا. كيف لنا تُرى مستقبلنا؟ ما الذي يجمعنا؟ لماذا أتينا إلى هنا؟ ماذا نريد أن نصبح؟ كل هذا كان بديهيًا وانهار كل ذلك. “

هناك شعور بالمرارة في جميع المقابلات الستة مع رؤساء الشاباك. إنهم لا يشعرون فقط بخذل الحكومات المتعاقبة. إنهم يشعرون بالخيانة ويقولون ذلك بصراحة. في عام 1996، عندما أدين ييجال عمير قاتل رابين، قال 10٪ من الإسرائيليين إنه يجب إطلاق سراحه. بحلول عام 2006، ارتفع هذا الدعم إلى 30 بالمائة.

هناك بالطبع اختلافات كثيرة بين مستوطنين الأقدام السوداء (المقصود المستوطنين الفرنسيين في الجزائر/كنعان) والمستوطنين اليهود بقدر ما توجد أوجه تشابه. لم يلعب الدين دورًا محددًا في المشروع الفرنسي. لم يكن هناك قتل على نطاق صناعي للفرنسيين في أوروبا لتبرير إنشاء هذه المستعمرة.

ومع ذلك، فإن النقطة الحاسمة في المقارنة لا تزال صحيحة. عندما انقلبت منظمة الدول الأمريكية من تلقاء نفسها، فقد المشروع بأكمله. نقطة أخرى حيوية بالنسبة للفلسطينيين. لم تنتصر المقاومة الجزائرية ولا المقاومة الجنوب أفريقية عسكريا. كلاهما كانا متفوقين تماما. كان البقاء في الجوار، والمثابرة، ورفض الاستسلام هو الذي فاز بالقتال في كلتا الحالتين.

الشقوق الأولى

لقد بذل بن غفير جهودًا أكبر لنزع الشرعية عن إسرائيل منذ مجيئه إلى السلطة قبل بضعة أسابيع، أكثر من سنوات حملة حركة المقاطعة BDS. تصدر الدعائم الصخرية السابقة للدعم اليهودي في نيويورك لإسرائيل بيانات تتوسل نتنياهو لتغيير مساره.

إريك غولدشتاين، رئيس أكبر اتحاد يهودي في أمريكا الشمالية، “ناشد نتنياهو باحترام” للوفاء بتعهداته السابقة بأنه سيعطل القوانين التي تهدد استقلال نظام العدالة الإسرائيلي.

يجب أن تكون هذه إشارة تحذير لكل يهودي إسرائيلي ليس لديه جواز سفر أوروبي ولا يستمتع باحتمالية نشوب حرب شاملة مع 1.6 مليار مسلم حول العالم، حيث يبدو أن الحركة الدينية القومية عازمة على البدء.

يجب أن يفكروا في التعامل مع المستقبل مع الفلسطينيين على قدم المساواة، بينما لا يزال الصراع قائمًا على الأرض والجنسية وليس على الدين. لا يوجد سوى مقدار محدود من الوقت للقيام بذلك.

قال جيلون في The Gatekeepers: “كانت الخطة هي نسف قبة الصخرة وستؤدي النتيجة – حتى اليوم – إلى حرب شاملة من قبل جميع الدول الإسلامية، وليس فقط إيران وإندونيسيا أيضًا.”

لكن في بن غفير وسموتريتش، يواجه نتنياهو شكلاً مختلفاً من شركاء الائتلاف. هؤلاء المتخلفون من اليمين الديني القومي ليسوا مجرد جزء من الإصلاح السياسي الحالي المهتز السياسي في نتنياهو تجاوز موعد بيعه. إنهم شكل قيادة إسرائيل المستقبلية.

إذا كان محقًا قبل 11 عامًا عندما تم تسجيل هذه المقابلة، فهو أكثر صوابًا اليوم. مع وجود الحركة الدينية الوطنية في مقعد القيادة، فإن تنبؤ عامي أيالون هو نبوءة بصيرة: “نحن نفوز في كل معركة ولكننا نخسر الحرب”.

حدث ذلك في الجزائر. حدث ذلك في جنوب إفريقيا. سيحدث في اسرائيل ايضا.

ملاحظة:

الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع Middle East Eye.

ديفيد هيرست هو المؤسس المشارك ورئيس تحرير Middle East Eye. وهو معلق ومتحدث عن المنطقة ومحلل في المملكة العربية السعودية. كان الكاتب القائد الأجنبي لصحيفة The Guardian، وكان مراسلًا في روسيا وأوروبا وبلفاست. انضم إلى صحيفة الغارديان من The Scotsman، حيث كان مراسلًا تعليميًا.

ثانياً: تامير هايمان

الناصرة-“رأي اليوم” – من زهير أندراوس:

قال رئيس المخابرات العسكرية السابق الجنرال (احتياط) تامير هايمان إنّه لم يعد يثق في حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن المسائل الأمنية بعد محاولته إقالة يوآف غالانط من منصب وزير الأمن، مُشدّدًا على أنّ بعض الأضرار التي لحقت بالاقتصاد وتماسك المجتمع في إسرائيل، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، الناتجة عن مساعي الحكومة المتوقفة منذ ذلك الحين لإصلاح النظام القضائي، قد يكون لا رجوع فيها.

وفي مقابلة مع موقع (زمان يسرائيل) الإخباريّ-العبريّ قال هايمان إنّه ليس لديه تفسيرًا منطقيًا لسلوك نتنياهو الأخير، وأعرب عن أسفه “لعدم اليقين بعد عدم اليقين” في الأسابيع الأخيرة بينما تهز المظاهرات الحاشدة ضد الإصلاح القضائي الدراماتيكي البلاد، مُشيرًا إلى أنّه لا يوجد لديه أيّ تفسيرٍ منطقيٍّ لإقالة غالانط، علمًا أنّ نتنياهو قرر بعد عدّة أسابيع التراجع عن إقالة وزير الأمن.

ورأى أنّها حالة من عدم اليقين بعد عدم اليقين بعد عدم اليقين، وعندما أحاول أنْ أفسّر منطق هذا السلوك، يتبادر إلى الذهن احتمالان: أولاً، نتنياهو لم يعد عقلانيًا، وهذا يفسر كلّ شيءٍ. ثانيًا، لدى نتنياهو شيء مهم جدًا لتحقيقه لدرجة أنّه مستعد لتقبل كلّ شيءٍ، بما في ذلك الإحراج السياسيّ وعدم الاستقرار الداخلي والأزمة الاقتصادية وتدهور الوضع الأمنيّ”.

علاوة على ذلك، شدّدّ هايمان على أنّه على مدى الأشهر القليلة الماضية، تضررت عدة ركائز أساسية للأمن القوميّ الإسرائيليّ بالفعل، على الأرجح للمدى البعيد.

وكان هايمان قد قدّم تقريرًا لمعهد دراسات الأمن القوميّ حذّر فيه من أنّ خطط حكومة نتنياهو لإصلاح القضاء يمكن أنْ تؤدّي إلى تقويض الديمقراطيّة وتضع إسرائيل في مسارٍ تصادميٍّ مع الولايات المتحدة وربّما تعرض العلاقات الاستراتيجية الحاسمة مع أكبر حليفٍ لها للخطر، كما حذر من أنّ الاستقطاب المتزايد في البلاد يمكن أنْ يكون له تأثير ضار بشكلٍ كبيرٍ على أمن إسرائيل، على حدّ تعبيره.

وفي مقابلته مع موقع (زمان يسرائيل)، حذر هايمان من أنّ “الخلاف داخل الجيش الإسرائيليّ الناجم عن عملية الإصلاح الشامل هو صدمة ستترك بصماتها لفترة طويلة، وأعتقد أنّنا اقتربنا من نقطة اللاعودة، وستبقى الشقوق والانقسامات الداخليّة وعدم التماسك داخل الوحدات”، طبقًا لأقواله.

كما حذّر القائد العسكري السابق من أنّ العلاقات مع الولايات المتحدة قد تتزعزع. وقال إنّه على الرغم من التزام واشنطن تجاه إسرائيل وأمنها، بغضّ النظر عن الإدارات المختلفة، إلّا أنّ الأحداث الأخيرة، خاصّةً بعد انتقادات الرئيس الأمريكي جو بايدن القوية للإصلاح القضائي المخطط له، قد تجعل واشنطن تشكك في المسار القادم.

وتابع: “نحن ندرك منذ فترة طويلة أنّ هناك، على المدى الطويل، خطر فقدان الدعم الأمريكي القوي. ليس بالضرورة بسبب الأشياء التي تعتمد علينا، ولكن بسبب العمليات الأمريكية الداخلية. ما فعلناه الآن هو تسريع هذه العملية بطريقة مهمة للغاية”، حذّر القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكريّة في جيش الاحتلال.

وقال هايمان، الذي يُدير اليوم مركز بحوث الأمن القوميّ، التابِع لجامعة تل أبيب، إنّ القيم المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي الآن موضع تساؤل. “لا يمكنهم الاستمرار في هذا الطريق. لقد أوضحت ذلك. آمل أنْ يعمل رئيس الوزراء للتوصل إلى حلٍّ وسطٍ حقيقيٍّ، لكن هذا لم يتضح بعد”، وفق تعبيره.

يُشار إلى أنّه حتى اللحظة، بعد مرور أربعة أشهرٍ على تشكيل بنيامين نتنياهو حكومته السادسة، لم يقُمْ البيت الأبيض، كما كان معهودًا، بتوجيه دعوةٍ لرئيس الوزراء لإجراء اللقاء التقليديّ مع الرئيس الأمريكيّ في البيت الأبيض، على الرغم من المحاولات الإسرائيليّة المتكررة للحصول على دعوةٍ.

✺ ✺ ✺

الفلسطينيون يعون دورهم

رشاد أبوشاور

الفتى عامر أبوزيتون فجر يوم 5يناير أصيب برصاصة في رأسه أودت بحياته، أطلقهاعسكري صهيوني أثناء اقتحام قوة عسكرية لشرقي مدينة نابلس.

الفتى في ال16 من عمره، اي ما زال في مرحلة الطفولة، وهو عند الفلسطينيين يحتسب شهيدا افتدى فلسطين بفتوته، وعند اليهود المُحتلين مجرّد فتى فلسطيني كان سيشكل خطرا على مستقبل الكيان الصهيوني ولذا وجب قتله..وكل فلسطيني محكوم بالموت في (ثقافتهم).

الصهاينة المؤسسون راهنوا قبل أن تنشأ دولة اليهود برعاية بريطانيا على اجتثاث عرب فلسطين من فوق أرضهم، ورميهم إلى بلاد العرب ليذوبوا بين ناسها، وهكذا سيندثرون وتخلو فلسطين منهم، ليهنأ بالعيش في ربوعها من تقذفهم أوربا متخلصة منهم، وليكونوا بكيانهم رأس جسر لها.

الحقد الصهيوني على عرب فلسطين يشمل كل الفلسطينيين من كل الأعمار، ولكنه يتصاعد بشكل سافر على أطفالهم، لأن هؤلاء الأطفال أفشلوا رهان الصهاينة الأوائل، وتحديدا من أسسوا الكيان الصهيوني برعاية بريطانية.

رفع الصهاينة شعارا لهم يجسّد نظرتهم للعرب بشكل عام: العربي الجيّد هو العربي الميّت..وساروا وفقا لشعارهم هذا بتعاملهم مع عرب فلسطين، فاقترفوا مذابح رهيبة قتلوا عبرها كل من طاله رصاص بنادقهم ورشاشاتهم وقذائف مدافعهم،وما تسقطه طائراتهم، ووصل الأمر بهم أن بقروا بطون النساء الفلسطينيات الحبالى عقابا لهن على حملهن، وتخلصا من الأجنة في أرحامهن، وهذا حدث في مذبحة دير ياسين وغيرها من المذابح التي لا تحصى ولا تعّد.

في مطلع هذا العام قتل جنود الصهاينة الطفل الفلسطيني آدم عيّاد من مخيم الدهيشة ، وهو أول مخيّم عرفته في حياتي وعشت فيه مع أسرتي من العام1949وحتى العام 1952 وانتقلت بعده إلى مخيّم النويعمة جار أريحا…

قتل جيش الاحتلال فؤاد محمد عابد من قرية كفر دان –جنين، وكأن وزارة الاحتلال برئاسة المجرم نتنياهو التي تعززت بمجرمين يوصوفون بالمتطرفين، في مقدمتهم بن كبير ومودريتش، وكأن قادة الكيان الصهيوني الذين سبقوهم اتصفوا بالإعتدال، وهؤلاء فقط المتطرفون!

هؤلاء الصهانية، قدماء وجددا، مغتاظون جدا من مقاومة الفلسطينيين، من أنهم أحياء يرفعون راية فلسطين ويقاومون ولا يندثرون، وأنهم بعنادهم ينجبون أجيالاً لا تنسى، ولا تندثر، بل وتولد وهي أمضى عزيمة، وأكثر صلابة وخبرة في منازلة المشروع الصهيوني، وأنهم لا يرهبون الموت، ولا يخشون جبروت البطش الصهيوني وقسوته ولؤمه، وأنهم بكل ما يفعلونه يوقظون العرب، ويحرّضون الجماهير العربية على مقاومة المشروع الصهيوني.

النبوءة الصهيونية، والمخطط الصهيوني..بالقضاء على جيل النكبة، وبمحو ذاكرة ما بعده من الأجيال الفلسطينية، كي يهنأ العيش للصهاينة على أرض فلسطين.. فشلت تماما، فالذاكرة الفلسطينية لا تنسى، والفلسطينيون يشحذونها، ويثرونها ويغنونها بالمزيد من الخبرات، والفلسطينيون رغم المذابح المتلاحقة تزداد أعدادهم لأن نساء الفلسطينيين لا يؤمن بتحديد النسل، وهن يرين أن من ينجبنهم سيواصلون حمل الراية وينخرطون في ميدان المقاومة لتحرير فلسطين.، لأنهم يولدون عشّاقا للحريّة.

مأزق الصهاينة يتجلّى في أنهم لم يتوقعوا ما كان ينتظر مشروعهم، ولا ما سيواجهه، ولا قدرات وطاقات وعزيمة عرب فلسطين، ولا خبراتهم المتراكمة التي يتوارثونها.

للفلسطينيين خصوصية امتلكوها من خصوصية فلسطين، من موقع فلسطين كقلب للوطن العربي يصل بين المشرق والمغرب، ولهم خصوصية تراكمت من معارك الصراع على أرضهم التي استهدفت أمتهم، والتي امتدت قرابة مئتي عام احتلالا صليبيا فرنجيا غربيا..واندثرت وزالت ببطولات الأمة كأنها لم تكن، وهم يباهون ببهدلة نابليون بونابرت أمام أسوار عكاء، والهزيمة الأولى التي أذاقوها له. قبل هزيمته الكبرى في روسيا.

إن توارث عرب فلسطين لدورهم، وعظمة تاريخهم، وانتسابهم إلى أمة عريقة، وإلى موقعهم الجغرافي الذي يضعهم في مقدمة من يتصدون لهجمات الأعداء والغزاة..يورث أجيالهم خصائص عظمة وكبرياء الانتماء، بما يترتب عليها من صلابة الروح والاندفاع إلى ميادين النزال الحضاري الذي يختبر مجددا، في كل طور، وأمام كل تحد..وتكون خاتمته الفوز الحتمي الذي لا خيار سواه.

العربي الفلسطيني يدرك بوعي ثاقب أنه لا يمكن أن يُعزل عن أمته، ففي هذا عزلته وموته، وفي هذا إفراغه للميدان لكل عدو غاز يقتحم الوطن العربي، وهذا ما لن يكون، رغم الغدر والخيانات والطعن المتواصل لظهره من (أُخوة) لا أخوّة دم معهم فمصالحهم تطغى على الأخوّة، والفلسطيني وهو يعاني لا يتنكر لأمته ويربي أطفاله على أنه العربي الوفي المخلص الذي لا يكفر بصلات الدم والتاريخ..ويدفع الثمن كاظما غيظه وألمه.

مع كل مقاوم يسقط في الميدان، ومع كل طفل وطفلة تبكي أرواحنا وتنوح، ولكننا نواصل حبس مظاهر ألمنا كشعب مقاوم لا ييأس، ونواصل معاركنا واثقين أن أمتنا لن تطيل تفرجها على دم أطفالنا الذين يحمون مستقبل أطفالها، وستندفع الى الميدان متجاوزة حكّام التبعية، لنيل شرف المشاركة في معركة اجتثاث وكنس الصهاينة الذين يحتلون قلب وطننا العربي الكبير.

وأنا أتابع معارك جنين ونابلس وسهول أريحا التي عشت في مخيماتها وكتبت عنها ولها مستلهما تاريخها العريق، وحارات القدس والخليل، أثق بأن الهوان والمذلة ليستا قدر أمتنا، وأن انتفاضة ملايين العرب وكسرهم للحدود المفتعلة للوصول إلى أرض المعركة الكبرى فلسطين لن تتأبّد، وأن عرب فلسطين سيواصلون قتال عدوهم وإنهاكه وإحباطه وتيئيسه رغم تآمر حكام التطبيع الإبراهيمي..حتى يوم الإنتصار الآتي حتما.

و..من مخيم جنين إلى مخيم عقبة جبر جار أريحا..وإلى مخيماتنا في القطاع، والفوّار جار الخليل، والدهيشة جار بيت لحم، وإلى اليرموك جار دمشق، إلى كل مخيماتنا في الشتات سيواصل الفلسطينيون القتال على ثرى فلسطين في الداخل وعبر الحدود..ولن ييأسوا، بل سييأس عدو أمتنا، ولذا يحق لنا أن نُردّد بيقين: فلسطين ستتحرر، وستعود جسرا يصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه..أي بها سيتحقق تواصل الجغرافيا العربية، وبغير هذا لن تنهض الأمة وتأخذ دوراً تفتقده في زمن التطبيع والتبعية…     

✺ ✺ ✺

اشتباكات السودان ومخاطر التقسيم

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

لم يكن مفاجئًا للمتابعين ما يحصل الآن من معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فمن المعروف أن هذه القوات أُنشئت لتنفيذ مهام من خارج الصندوق (القوانين) في اقليم دارفور والتي ما كان بمقدور الجيش السوداني تنفيذها.

في المرحلة الأولى من انشائها لم تكن قوات الدعم السريع سوى ميليشيا شبه عسكرية مشكّلة ومكّونة من ميليشيات (الجنجويد) التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في دارفور.
تأتمرُ قوات الدعم السريع بأمرِ الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسمِ حميدتي الذي برزَ بعدَ سقوط نظام البشير وصارَ في وقتٍ لاحقٍ نائب رئيس المجلس العسكري الذي ينوي قيادة البلاد في الفترة الانتقاليّة. خلال الاحتجاجات السودانية في عام 2019 وبعدَ الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش والذي مكّنه من الوصول للسلطة صارَ لقوات الدعم السريع صلاحيات أكبر ولعبت الدور الأبرز فِي القمع العنيف للمتظاهرين.

إلى جانب قوات الأمن الأخرى نفذت قوات الدعم السريع مجزرة القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019 والتي راحَ ضحيّتها ما يزيد عن 100 شخص من المُعتصمين العُزّل في العاصِمة. وصول الأمور الى مرحلة القتال سببه الأساسي هو الصراع على تقاسم النفوذ والمال، فمن المعروف أن حميدتي وعائلته يسيطرون على العديد من مناجم الذهب والأراضي الزراعية وقطعان الماشية.

أما الفريق أول عبد الفتاح البرهان فحتى توليه قيادة القوات البرية لم يكن سوى جنرال مغمور بدأ بترسيخ سلطته ونفوذه بعد عام ٢٠١٥ وبدأت فيما بعد تظهر شخصيته المرتبطة بالصراع الذي يمكن وصفه بمعركة كسر العظم بين رئيس الوزراء الحمدوك وبينه وبين قائد قوات الدعم السريع وهي معركة محورها السلطة والثروات.

اذًا الصراع لا يستهدف الانتقال بالسودان الى حال أفضل وهو صراع سيكون مكلفًا وغير قابل للحل أقله في المنظور القريب، وسيدفع الشعب السوداني ثمنًا كبيرًا بنتيجته.

بالنظر إلى طبيعة المعارك الدائرة يبدو واضحًا التقارب في ميزان القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أقلّه في عدد الأفراد فقوات الدعم السريع تتشكل من 100 الف مقاتل وهو العدد نفسه لقوات الجيش السوداني العاملة والذي يمكن أن يصل الى 250 الف في حال اعلان حالة الطوارئ واستدعاء الاحتياط وهو أمر متعذر حاليّاً لأسباب سياسية وقبائلية.

وبالنظر أيضًا إلى أن الجيش السوداني لا يمتلك إلا 75 الف مقاتل بسبب توزع 25 الف على الوحدات الإدارية وسلاحي الجو والبحرية وبذلك نستطيع الجزم أنه في حال طال زمن المعارك سيكون باستطاعة قائد قوات الدعم السريع أن يجند وبظرف شهر كحد أقصى ما مجموعه 25 الف مقاتل إضافي من إقليم دارفور مسقط رأسه.

طبيعة المعارك الحالية يمكن القول انها شديدة التعقيد بسبب حالة الالتحام وبسبب طبيعة انتشار القوتين حيث تتواجد قوات الدعم السريع في كل المناطق التي يتواجد فيها الجيش.

وفي حين أن حركة الجيش السوداني ثقيلة الى حد ما بسبب الاعتماد على الدبابات والمدرعات ستكون حركة قوات الدعم السريع أكثر مرونة بسبب الاعتماد على عربات الدفع الرباعي التي تصل الى 10 الآف عربة إضافة الى أن سلاح الجو لن يكون له تأثير كبير في معارك المدن بسبب حالة الالتحام.

وفيما سيكون الجيش مقيدًا بمجموعة كبيرة من القوانين الحاكمة ستكون قوات الدعم السريع خارج أي قوانين وأعراف عسكرية وهو ما نشأت عليه أصلًا.

تتجه المعارك إلى الشراسة والتوسع أكثر، وستكون الكلمة للبندقية لفترة ليست بالقصيرة في غياب أي إمكانية للتفاهم أو التأثير الخارجي سواء العربي أو الدولي وهو ما سيعقد الأمور أكثر.

بما يرتبط بالتقسيم، فليس خافيًا ولا سرًّا ما كّلف به برنارد لويس من الادارة الأميركية منذ عقود برسم خرائط بديلة عن خرائط سايكس – بيكو، وكل ما حصل على مدى العقدين الفائتين جرى لتحقيق عمليات تقسيم للمنطقة حيث كانت العديد من دول المنطقة مستهدفة وعلى رأسها سوريا ومصر والعراق والسودان.

– في مصر تم تجاوز المرحلة السابقة ويمكن القول إن الأوضاع مستقرة على المستويين السياسي والأمني بعد هزيمة الجماعات الإرهابية في سيناء، لكن بوجود اهتزازات دائمة تصيب الجانب الاقتصادي وهو جانب يشكل مخاطر مستقبلية على الأمن القومي المصري في حال تراكمت الأزمات ولم تؤدِ الاجراءات الى تجاوزها.

– في سوريا وعلى الرغم من وأد خطط تفتيتها وتحويلها الى امارات متناحرة لا تزال المخاطر موجودة بسبب الاحتلالات الاسرائيلية والأميركية والتركية ووجود جيوب كبيرة للجماعات الإرهابية وخصوصا في ادلب واريافها وارياف حلب اضافة الى المخاطر الأمنية وخصوصاً في الجنوب السوري.

– في العراق ورغم هزيمة تنظيم “داعش” الارهابي فإن التقسيم المذهبي الذي أرساه الأميركي عبر قوانين بريمر لا تزال تهدد العراق باحتمالات تقسيمه لكن بنسب ضئيلة في هذه المرحلة بسبب التحولات الجيوسياسية في الإقليم وعلى رأسها التقارب الايراني – السعودي.

– المخاطر الكبرى الآن تتهدد السودان وهي مخاطر مزمنة لكنها بعد اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع وبسبب ميزان القوى المتقارب والانقسامات القبلية فالسودان مهدد بالانقسام الى ثلاث دول في الحد الأدنى خصوصًا أن انفصال جنوب السودان شكل نموذجًا موجودًا وبسبب ارتباطات للقوى النافذة المتحاربة الآن بجهات خارجية ومن ضمنها علاقات علنية وسرية مع كيان العدو الاسرائيلي.
يبقى أن تقسيم السودان ستكون له تأثيرات خطيرة على الأمن القومي المصري وهي مخاطر اضافية لما هو قائم من فوضى في ليبيا.

:::::

موقع “العهد”، بتاريخ 17/04/2023

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org