عدد خاص حول العلاقات الروسية – الصينية، إعداد د. زياد الزبيدي

مقالان للرئيسين الروسي والصيني

  • نحو تطوير العلاقات مع الصين، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
  • المضي قدما لفتح فصل جديد من الصداقة والتعاون والتنمية المشتركة بين الصين وروسيا، الرئيس الصيني شي جين بينغ

نافذة على الصحافة الروسية: اطلالة على العلاقات الروسية – الصينية، ملف من إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي

  • محور موسكو – بكين 2.0، تفتح زيارة شي جين بينغ لموسكو صفحة جديدة في العلاقات الدولية، ألكسندر دوغين
  • بدأت روسيا والصين المرحلة الثانية من إنشاء عالم متعدد الأقطاب، داريا فولكوفا ورافائيل فخروتدينوف
  • لماذا تحتاج الصين روسيا، غيفورغ ميرزيان
  • أمريكا تهاجم الصين، ميخائيل شيبانوف
  • زيارة قلبت موازين القوى في العالم، زيارة شي جين بينغ لروسيا: ما هي نتائجها؟ ميخائيل موروزوف
  • تحولات جيوسياسية عميقة وراء زيارة الزعيم الصيني، أندري فورسوف

✺ ✺ ✺

نحو تطوير العلاقات مع الصين

فلاديمير بوتين

جريدة الشعب الصينية

17/3/2023

بوتين يكتب: العلاقات مع الصين بلا محرمات.. ومنفتحون على حل سياسي في أوكرانيا.

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقال بمناسبة زيارة نظيره الصيني شي جين بينج إلى موسكو، الاثنين، إن العلاقات بين روسيا والصين “تسير دون محرمات”، وإن موسكو منفتحة على حل سياسي ودبلوماسي للأزمة الأوكرانية.

وكتب بوتين في مقال، نشرته صحيفة “الشعب” الصينية وبثه موقع “الكرملين”، أن موسكو ملتزمة بمبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة، والذي قال إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينتهكه بشكل صارخ.

وأعرب الرئيس الروسي عن شعوره بالقلق العميق إزاء “الأعمال غير المسؤولة والخطيرة” التي تعرض الأمن النووي للخطر، وعن رفضه للعقوبات الأحادية غير المشروعة، التي قال إنه يجب رفعها.

وفيما يلي، النص الكامل لمقال الرئيس الروسي:

يسعدني أن أغتنم هذه الفرصة لمخاطبة الشعب الصيني الصديق في واحدة من أكبر وسائل الإعلام العالمية وأكثرها موثوقية قبل زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينج إلى روسيا، إذ تؤكد هذه الزيارة المهمة من جديد على الطبيعة الخاصة للشراكة الروسية-الصينية، التي لطالما بُنيت على الثقة المتبادلة واحترام سيادة ومصالح كل منهما.

ولدينا توقعات كبيرة للمحادثات القادمة، ولا يساورنا شك في أنها ستعطي دفعة قوية جديدة لتعاوننا الثنائي، كما أنها تمثل أيضاً فرصة رائعة بالنسبة لي للقاء صديقي القديم الذي نتمتع معه بأكثر علاقاتنا دفئاً.

“شي.. صديق قديم”

لقد نشأت صداقتي أنا وشي جين بينج في مارس 2010 عندما زار موسكو على رأس وفد صيني رفيع المستوى، وتم عقد اجتماعنا الأول في أجواء عملية ولكنها في نفس الوقت كانت مخلصة وودودة، وأنا أحب هذا النمط من التواصل.

وأعلم أن الشعب الصيني يولي أهمية كبيرة للصداقات والعلاقات الشخصية، فليس من قبيل المصادفة أن يقول الفيلسوف (الصيني) كونفوشيوس: “أليس من دواعي السرور أن يأتي الأصدقاء من أماكن بعيدة”، فنحن نتشارك هذه القيمة في روسيا ونعتبر الأصدقاء الحقيقيين بمثابة الأخوة، فهناك الكثير من القواسم المشتركة بين شعبينا.

وبعد مرور 3 سنوات، وفي نفس الأيام تقريباً من شهر مارس، التقينا مرة أخرى في العاصمة الروسية، وكانت هذه أول زيارة دولة يقوم بها شي جين بينج لبلدنا بعد انتخابه رئيساً لجمهورية الصين الشعبية، وحددت القمة التي جمعتنا نبرة وديناميكيات العلاقات الروسية-الصينية لسنوات عديدة قادمة، وأصبحت دليلاً واضحاً على الطبيعة الخاصة للعلاقات بين روسيا والصين، وحددت مسار تنميتها المتسارعة والمستدامة.

وقد مَر عقد على هذه الزيارة، وهي الفترة التي تمثل لحظة عابرة في تاريخ بلداننا التي تشترك في تقاليد عمرها قرون من حُسن الجوار والتعاون، وخلال هذا الوقت، شهد العالم العديد من التغييرات، والتي غالباً ما لم تكن للأفضل، ومع ذلك، فإن الشيء الرئيسي لم يتغير، وهو الصداقة الراسخة بين روسيا والصين، والتي تزداد قوة باستمرار وتصب في مصلحة بلدينا وشعوبنا.

“العلاقات مع الصين تسير دون محرمات”

إن التقدم المحرز في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين يبدو مثيراً للإعجاب، إذ وصلت العلاقات الروسية-الصينية إلى أعلى مستوى في تاريخها، وباتت تكتسب المزيد من القوة، فهي تتفوق في جودتها على التحالفات السياسية-العسكرية في زمن الحرب الباردة، مع عدم وجود طرف يأمر باستمرار ولا أحد يطيعه، كما أنها تسير دون قيود أو محرمات، فقد وصلنا إلى مستوى غير مسبوق من الثقة في حوارنا السياسي، وأصبح تعاوننا الاستراتيجي شاملاً وبات يقف على شفا حقبة جديدة.

لقد التقيت مع الرئيس شي جين بينج حوالي 40 مرة ووجدنا دائماً الوقت والفرصة للتحدث في مجموعة متنوعة من الصيغ الرسمية وكذلك في المناسبات غير الرسمية، وتشمل أولوياتنا التجارة والشراكة الاقتصادية، ففي عام 2022، تضاعفت تجارتنا الثنائية، التي كانت كبيرة بالفعل بحلول ذلك الوقت، لتصل إلى 185 مليار دولار أميركي، وهو رقم قياسي جديد، ولكن لدينا الآن كل الأسباب للاعتقاد بأن هدف الـ 200 مليار دولار أميركي، والذي حددته أنا والرئيس شي جين بينج، سيتم تجاوزه في وقت مبكر من هذا العام وليس في عام 2024، كما أنه يجب الإشارة إلى أن معدل الدفع بالعملات الوطنية في تجارتنا المتبادلة بات ينمو، مما يزيد من تعزيز سيادة علاقاتنا.

ويجري تنفيذ الخطط والبرامج المشتركة طويلة الأجل بنجاح، ولن يكون من المبالغة القول إن خط أنابيب الغاز الروسي إلى الصين “باور أوف سيبيريا” قد أصبح “صفقة القرن” بالنظر إلى حجمه، كما زادت إمدادات النفط والفحم الروسي بشكل كبير، ويشارك المتخصصون لدينا في بناء وحدات طاقة نووية جديدة في الصين، بينما تشارك الشركات الصينية بنشاط في مشاريع الغاز الطبيعي المُسال، كما ينمو تعاوننا الصناعي والزراعي بشكل أقوى، فضلاً عن أننا نستكشف الفضاء الخارجي ونطور تقنيات جديدة معاً.

وتعد روسيا والصين قوتان لهما تقاليد قديمة وفريدة وتراث ثقافي هائل، والآن بعد أن تم رفع جميع القيود المتعلقة بالوباء، فإن من المهم أن نزيد التبادلات الإنسانية والسياحية في أقرب وقت ممكن، وبالتالي تعزيز الأساس الاجتماعي للشراكة الروسية-الصينية، وستلعب فكرة تخصيص بعض الفترات للاهتمام بموضوعات معينة دوراً خاصاً في هذا السياق، فعلى سبيل المثال، تم تخصيص السنتين 2022/2023 للتعاون في مجال الثقافة البدنية والرياضة، والتي تحظى بشعبية كبيرة بين مواطنينا.

وعلى عكس بعض الدول التي تدعي الهيمنة وتجلب الخلاف إلى التوافق العالمي، تقوم روسيا والصين حرفياً ومجازياً ببناء الجسور، ففي العام الماضي، تم ربط مناطقنا الحدودية بجسرين جديدين فوق نهر أمور، والذي كان بمثابة “نهر صداقة” منذ زمن طويل، ووسط “الأمواج والرياح” التي تجتاح الكوكب، نحن نتعاون بشكل وثيق في الشؤون الدولية وننسق مواقف سياستنا الخارجية بشكل فعَال، ونتصدى للتهديدات المشتركة، ونستجيب للتحديات الحالية، ونقف كتفاً بكتف، ونشجع بنشاط الهياكل الديمقراطية متعددة الأطراف مثل منظمة شنجهاي للتعاون والبريكس، التي أصبحت أكثر موثوقية وتأثيراً وباتت تجذب شركاء وأصدقاء جدد، كما يسير العمل الذي يهدف إلى تنسيق تطوير الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مع مبادرة “الحزام الواحد والطريق الواحد” في هذا السياق.

“نظام أمني إقليمي وعالمي عادل”

وقد ظلت بلداننا، بجانب الجهات الفاعلة ذات التفكير المماثل، تدعو باستمرار إلى تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلاً بناءً على القانون الدولي بدلاً من تبني “قواعد” معينة تخدم احتياجات “المليار الذهبي”.  

وقد عملت روسيا والصين باستمرار على إنشاء نظام أمني إقليمي وعالمي عادل ومنفتح وشامل غير موجه ضد دول ثالثة، وفي هذا الصدد، نلاحظ الدور البنَاء لمبادرة الأمن العالمي الصينية، والتي تتماشى مع المبادرات الروسية في هذا المجال.

ونرى أن المشهد الجيوسياسي في العالم الخارجي يتغير بشكل كبير، كما يراهن التجمع الغربي الذي يتمسك بعناد أكثر من أي وقت مضى بعقائده التي عفا عليها الزمن وهيمنته المتلاشية على مصائر دول وشعوب بأكملها.

إن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في ردع روسيا والصين في نفس الوقت، وكذلك كل أولئك الذين لا يذعنون للإملاءات الأميركية، أصبحت أكثر شراسة وعدوانية من أي وقت مضى، كما يجري تفكيك هيكل الأمن والتعاون الدوليين، ويتم تعريف روسيا بأنها تمثل “تهديداً مباشراً” والصين بأنها “المنافس الاستراتيجي”.

موقف الصين متوازن

ونحن نقدر الموقف المتوازن الذي تبنته جمهورية الصين الشعبية بشأن الأحداث في أوكرانيا، وكذلك فهمها لخلفيتها التاريخية وأسبابها الجذرية، ونرحب باستعداد الصين للاضطلاع بدور بناء على صعيد تسوية الأزمة.

ونحن، مثل أصدقائنا في بكين، ندعو إلى الامتثال الصارم لميثاق الأمم المتحدة، واحترام قواعد القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني، كما أننا ملتزمون بمبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة، والذي ينتهكه حلف الناتو بشكل صارخ، ونشعر بقلق عميق إزاء الأعمال غير المسؤولة والخطيرة التي تعرض الأمن النووي للخطر، ونرفض العقوبات الأحادية غير المشروعة والتي يجب رفعها.

وروسيا منفتحة على الحل السياسي والدبلوماسي للأزمة الأوكرانية، حيث لم تكن موسكو هي التي أوقفت محادثات السلام في أبريل 2022، ولكن مستقبل عملية السلام يعتمد فقط على الإرادة للانخراط في مناقشة هادفة مع الأخذ في الاعتبار الحقائق الجيوسياسية الحالية، ولكن، للأسف، بالنظر إلى طبيعة المتطلبات المفروضة على روسيا فإنها تُظهر أن هؤلاء الذين يطالبون بها منفصلون عن هذه الحقائق ولا يهتمون بإيجاد حل للوضع.

إن الأزمة في أوكرانيا، التي أثارها الغرب ويؤججها بجدية، هي أبرز مظاهر رغبته في الحفاظ على هيمنته الدولية وعلى النظام العالمي أحادي القطب، ولكنها ليست الوحيدة.

ومن الواضح تماماً أن الناتو يسعى جاهداً للوصول العالمي لأنشطته كما يسعى لاختراق منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ومن الواضح أيضاً أن هناك قوى تعمل باستمرار على تقسيم الفضاء الأوراسي المشترك إلى شبكة من “النوادي الحصرية” والكتل العسكرية التي تعمل على احتواء تنمية بلداننا والإضرار بمصالحها، ولكن هذا لن ينجح.

وتشكل العلاقات الروسية-الصينية اليوم حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي والعالمي، كما أنها تدفع النمو الاقتصادي وتعمل على ضمان الأجندة الإيجابية في الشؤون الدولية، فضلاً عن أنها تقدم مثالاً على التعاون المتناغم والبنَاء بين القوى الكبرى. 

إنني على يقين من أن صداقتنا وشراكتنا القائمة على الاختيار الاستراتيجي لشعبي البلدين ستنمو أكثر وستكتسب القوة من أجل رفاهية وازدهار روسيا والصين، وستسهم زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية هذه إلى روسيا في ذلك بلا شك. 

✺ ✺ ✺

المضي قدما لفتح فصل جديد من الصداقة والتعاون والتنمية المشتركة بين الصين وروسيا

 الرئيس الصيني شي جين بينغ

الجريدة الروسية

وريا نوفوستي

20/3/2023

نُشر مقال موقع من الرئيس الصيني شي جين بينغ بعنوان “المضي قدما لفتح فصل جديد من الصداقة والتعاون والتنمية المشتركة بين الصين وروسيا”  في صحيفة (الجريدة الروسية) وعلى موقع وكالة أنباء (ريا نوفوستي) قبيل زيارة الدولة التي سيقوم بها إلى روسيا.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

تلبية لدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين، سأقوم قريبا بزيارة دولة إلى الاتحاد الروسي. لقد كانت روسيا أول دولة أزورها بعد انتخابي رئيسا قبل عشر سنوات. وعلى مدى العقد الماضي، قمت بثماني زيارات لروسيا. جئت في كل مرة بآمال كبيرة وعدت بنتائج مثمرة، فاتحا فصلا جديدا للعلاقات الصينية الروسية جنبا إلى جنب مع الرئيس بوتين.

إن الصين وروسيا هما أكبر جارتين لبعضهما البعض وتربطهما شراكة تنسيق إستراتيجية شاملة. ونحن دولتان كبيرتان في العالم وعضوتان دائمتان في مجلس الأمن الدولي. وتتمسك الدولتان بسياسة خارجية مستقلة، وتنظران إلى علاقاتنا باعتبارها أولوية قصوى في دبلوماسيتنا.

هناك منطق تاريخي واضح وقوة دافعة داخلية قوية لنمو العلاقات الصينية الروسية. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، قطعنا شوطا طويلا في تعاوننا واسع النطاق وخطونا خطوات هامة في العصر الجديد.

  • لعبت التفاعلات رفيعة المستوى دورا إستراتيجيا رئيسيا في قيادة العلاقات الصينية الروسية. وقد أنشأنا مجموعة كاملة من الآليات للتفاعلات رفيعة المستوى والتعاون متعدد الأوجه التي تعمل على توفير ضمانات منهجية ومؤسسية هامة لتنمية العلاقات الثنائية. وقد حافظت على مر السنين على علاقات عمل وثيقة مع الرئيس بوتين. واجتمعنا 40 مرة في مناسبات ثنائية ودولية. ووضعنا سويا خطة للعلاقات الثنائية والتعاون في مختلف المجالات، وتواصلنا في حينه بشأن القضايا الدولية والإقليمية الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، وقمنا بدور قيادي حازم من أجل النمو المستدام والسليم والمستقر للعلاقات الصينية الروسية.
  • عمل جانبانا على تعزيز الثقة السياسية المتبادلة وإقامة نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبيرة. وبتوجيه من رؤية الصداقة الدائمة والتعاون المربح للجميع، تلتزم الصين وروسيا بعدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث في عملية تنمية علاقاتنا. وندعم بعضنا البعض بقوة في اتباع مسار تنموي يتناسب مع واقعنا الوطني الخاص وندعم تنمية ونهضة بعضنا البعض. ولقد أصبحت العلاقات الثنائية أكثر نضجا ومرونة. فهي مفعمة بدينامية وحيوية جديدتين، وتقدم مثالا جيدا لوضع نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبيرة يقوم على الثقة المتبادلة والتعايش السلمي والتعاون المربح للجميع.
  • وضع جانبانا إطار تعاون شامل ومتعدد المستويات. وبفضل الجهود المشتركة للجانبين، تجاوز حجم التجارة بين الصين وروسيا 190 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، بزيادة 116 في المائة عما كان عليه قبل عشر سنوات. وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا على مدى 13 عاما متتالية. وشهدنا زيادة مطردة في استثماراتنا في الاتجاهين. ويمضي تعاوننا في مشاريع كبرى بمجالات مثل الطاقة والطيران والفضاء والربط البيني قدما على نحو مطرد. ويظهر تعاوننا في مجالات الابتكار العلمي والتكنولوجي، والتجارة الإلكترونية عبر الحدود، وغيرها من المجالات الناشئة زخما قويا. كما يزدهر تعاوننا على الصعيد دون الوطني. وكل هذا يعود بفوائد ملموسة على الشعبين الصيني والروسي ويعطي قوة دفع مستمرة لتنميتنا ونهضتنا.
  • عمل جانبانا على أساس رؤية الصداقة الدائمة وعززا باستمرار صداقتنا التقليدية. وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ20 لتوقيع معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بين الصين وروسيا، أعلنت أنا والرئيس بوتين تمديد المعاهدة وأضفنا إليها أبعادا جديدة. وأطلق جانبانا ثمانية “أعوام مواضيعية” على المستوى الوطني وواصلا كتابة فصول جديدة للصداقة والتعاون بين الصين وروسيا. وقام شعبا بلدينا بمساندة ومؤازرة بعضهما البعض في مكافحة كوفيد-19، الأمر الذي برهن مرة أخرى على مقولة “الصديق وقت الضيق”.
  • أجرى جانبانا تنسيقا وثيقا على الساحة الدولية وأنجزا مسؤولياتنا كدولتين كبيرتين. وتلتزم الصين وروسيا التزاما راسخا بحماية النظام الدولي الذي تمثل الأمم المتحدة نواته، والنظام الدولي المرتكز على القانون الدولي، والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وظللنا على تواصل وتنسيق وثيقين في الأمم المتحدة، ومنظمة شانغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، ومجموعة العشرين، وغيرها من الآليات متعددة الأطراف، وعملنا معا من أجل عالم متعدد الأقطاب ومزيد من الديمقراطية في العلاقات الدولية. ونشطنا في ممارسة تعددية حقيقية، وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، ومناصرة بناء نمط جديد من العلاقات الدولية ومجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.

بالنظر إلى الوراء في الرحلة غير العادية للعلاقات الصينية الروسية على مدى مسيرتها الممتدة لأكثر من 70 عاما، نشعر بقوة بأن علاقاتنا لم تصل بسهولة إلى ما هي عليه اليوم، وأن صداقتنا تنمو باطراد ويجب أن نعتز بها جميعا. لقد وجدت الصين وروسيا طريقا صحيحا للتفاعلات بين الدول. وهذا أمر أساسي لكي تصمد العلاقة أمام اختبار الظروف الدولية المتغيرة، وهو درس أثبت التاريخ والواقع صحته.

إن زيارتي المرتقبة لروسيا ستكون رحلة صداقة وتعاون وسلام. أتطلع إلى العمل مع الرئيس بوتين لنتبنى معا رؤية جديدة ومخطط جديد وإجراءات جديدة لتطوير شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في السنوات المقبلة.

ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يتعين على جانبينا تعزيز التنسيق والتخطيط. ففي الوقت الذي نركز فيه على قضية كل منا، أي قضية التنمية والنهضة، ينبغي أن نتحلّى بالإبداع في تفكيرنا، ونخلق فرصا جديدة ونعطي زخما جديدا. ومن المهم أن نعمل على زيادة الثقة المتبادلة وإبراز إمكانات التعاون الثنائي للحفاظ على العلاقات الصينية الروسية على مستوى عالٍ.

إن جانبينا بحاجة إلى رفع مستوى الاستثمار والتعاون الاقتصادي كيفا وكما وتعزيز تنسيق السياسات لتهيئة ظروف مواتية للتنمية عالية الجودة لتعاوننا الاستثماري. وإننا بحاجة إلى تعزيز التجارة البينية، ودفع تحقيق المزيد من تقارب المصالح ومجالات التعاون، وتدعيم التنمية التكاملية والمتزامنة للتجارة التقليدية ومجالات التعاون الناشئة. ونحن بحاجة إلى بذل جهود متواصلة لتحقيق المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بغية توفير المزيد من الدعم المؤسسي للتعاون الثنائي والإقليمي.

إن جانبينا بحاجة إلى تعزيز التبادلات الشعبية والثقافية وضمان نجاح عامي التبادلات الرياضية بين الصين وروسيا. وينبغي أن نستفيد استفادة جيدة من آليات التعاون دون الوطنية لتيسير المزيد من التفاعلات بين المقاطعات/الولايات والمدن التي تربطها علاقات توأمة. وعلينا أن نشجع تبادل الأفراد وندفع باتجاه استئناف التعاون السياحي. وعلينا أن نوفر مخيمات صيفية أفضل ومدارس مشتركة الإدارة وبرامج أخرى لتعزيز التفاهم المتبادل والصداقة بين شعبينا بشكل مطرد، وخاصة بين الشباب.

إن العالم يمر اليوم بتغيرات عميقة لم يُشهد لها مثيل منذ قرن من الزمان. والاتجاه التاريخي للسلام والتنمية والتعاون المربح للجميع لا يمكن وقفه. والاتجاهات السائدة المتمثلة في التعددية القطبية، والعولمة الاقتصادية، ومزيد من الديمقراطية في العلاقات الدولية هي اتجاهات لا رجعة فيها. ومن ناحية أخرى، يواجه عالمنا تحديات أمنية تقليدية وغير تقليدية معقدة ومتشابكة، وأعمال هيمنة وتسلط وتنمر ضارة للغاية، وانتعاش اقتصادي عالمي طويل وشاق. وتشعر البلدان في جميع أنحاء العالم بقلق عميق وتتوق إلى إيجاد طريقة تعاونية للخروج من الأزمة.

في مارس 2013، عندما ألقيت كلمة في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أشرت إلى أن ارتباط البلدان ببعضها البعض واعتمادها على بعضها البعض بلغا مستويات لم يسبق له مثيل، وأن البشر، الذين يعيشون في نفس القرية العالمية، أصبحوا بشكل متزايد مجتمعا ذي مستقبل مشترك ترتبط فيه مصالح الجميع ببعضها البعض بشكل وثيق. ومنذ ذلك الحين، اقترحت مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية في مناسبات مختلفة. وقد ساهمت جميعها في إثراء رؤيتنا لمجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية ووفرت سبلا عملية نحو تحقيقه. فهي تشكل جزءا من استجابة الصين لتغيرات العالم، وعصرنا، والمسار التاريخي. وخلال هذه السنوات العشر، ترسخت القيم الإنسانية المشتركة — السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية — بشكل أعمق في قلوب الشعوب. وإن وجود عالم منفتح وشامل ونقي وجميل ينعم بسلام دائم وأمن شامل وازدهار مشترك أصبح يمثل التطلع المشترك للمزيد والمزيد من البلدان. لقد أدرك المجتمع الدولي أنه لا يوجد بلد متفوق على البلدان الأخرى، ولا يوجد نموذج للحكم يمكن تعميمه على الجميع، ولا ينبغي لبلد واحد أن يُملي على النظام الدولي ما يريد. وأن المصلحة المشتركة للبشرية جمعاء تكمن في وجود عالم متحد وسلمي وليس منقسما ومتقلبا.

منذ العام الماضي، حدث تصعيد شامل للأزمة الأوكرانية. وتمسكت الصين دائما بموقف موضوعي ومحايد يستند إلى حيثيات القضية، وشجعت بنشاط محادثات السلام. وقد تقدمت بعدة مقترحات، وهي الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، واحترام الشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان، ودعم جميع الجهود التي تصب في صالح التسوية السلمية للأزمة، وضمان استقرار السلاسل الصناعية وسلاسل الإمداد العالمية. وأصبحت تُشكل المبادئ الأساسية التي تتبناها الصين في التعامل مع الأزمة الأوكرانية.

منذ وقت ليس ببعيد، أصدرنا موقف الصين بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، الذي يأخذ في الاعتبار الشواغل المشروعة لجميع الأطراف ويعكس أوسع فهم مشترك للمجتمع الدولي بشأن الأزمة. لقد كان بناء في تخفيف آثار الأزمة وتسهيل تسويتها السياسية. فلا يوجد حل بسيط لمسألة معقدة. ونرى أنه ما دامت جميع الأطراف تتبني رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، وتسعى إلى حوار وتشاور يقوم على قدم المساواة ويكون رشيدا وموجها نحو تحقيق النتائج، فإنها ستجد سبيلا معقولا لحل الأزمة، فضلا عن طريق واسع نحو عالم يسوده السلام الدائم والأمن المشترك.

لكي يدير المرء شؤون العالم بشكل جيد، يجب عليه أولا وقبل كل شيء أن يدير شؤونه بشكل جيد. وإن الشعب الصيني، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، يسعى في وحدة إلى دفع النهضة العظيمة للأمة الصينية قدما على نحو شامل من خلال المسار الصيني نحو التحديث. ويتميز التحديث الصيني النمط بالسمات التالية: تحديث عدد ضخم من السكان، وتحديث الرخاء المشترك للجميع، وتحديث التقدم المادي والثقافي الأخلاقي، وتحديث التناغم بين الإنسان والطبيعة، وتحديث التنمية السلمية. إن هذه السمات الصينية المميزة هي بلورة لممارساتنا واستكشافاتنا على مر السنين، وتعكس فهمنا العميق للتجربة الدولية. وفي المستقبل، سندفع قضية التحديث الصيني النمط بثبات، وسنسعى لتحقيق التنمية عالية الجودة وتوسيع الانفتاح عالي المستوى. وتحدوني الثقة بأن هذا سيجلب فرصا تنموية جديدة لروسيا وجميع بلدان العالم.

وكما أن كل عام جديد يبدأ بالربيع، فإن كل نجاح يبدأ بالأفعال. ولدينا كل الأسباب التي تجعلنا نتوقع أن تقدم الصين وروسيا، باعتبارهما رفيقتين على الدرب في رحلة التنمية والنهضة، مساهمات جديدة وأكبر لتقدم البشرية.

✺ ✺ ✺

محور موسكو – بكين 2.0

 تفتح زيارة شي جين بينغ لموسكو صفحة جديدة في العلاقات الدولية

 ألكسندر دوغين

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 22/3/2023

يُنظر إلى زيارة زعيم الحزب الشيوعي الصيني إلى موسكو في جميع أنحاء العالم على أنها زيارة رمزية.  ليس من قبيل المصادفة أن قادة الصين وروسيا استبقوا هذا الاجتماع بمقالات سياسية.  وصف بوتين كيف يرى العلاقات مع الصين.  وأعطى شي جين بينغ تقييمه لها.  وبشكل عام، تتطابق مواقف قادة القوتين العالميتين: الصين وروسيا هما أقرب الشركاء الاستراتيجيين، وهما ترفضان هيمنة الغرب الحديث وتدافعان باستمرار عن عالم متعدد الأقطاب.  الصورة الكاملة للعالم حاضرة في نصي كل من شي جين بينغ وبوتين.  إنه (أي العالم) بالفعل متعدد الأقطاب، حيث تعتبر الصين وروسيا والغرب الجماعي أكثر الأقطاب إستحقاقا.

في الوقت نفسه، يؤكد كلا الزعيمين، أنه لا الصين ولا روسيا تسعى إلى فرض نموذجها الخاص على الشعوب الأخرى، مع الاعتراف بحق كل حضارة في التطور وفقًا لمنطقها الخاص، أي أن تصبح قطبًا كاملًا له سيادة ونظام القيم الخاص به.

 يلتزم الغرب بالموقف المعاكس تمامًا، ولا يترك أي أمل في الحفاظ على النموذج أحادي القطب المتفكك الذي فقد مصداقيته تمامًا – بإيديولوجية (ليبرالية) واحدة، مع نظام السياسة الجنسانية، والهجرة غير المحدودة، والنزوح الداخلي التام، وسياسة النوع الاجتماعي وما بعد الإنسانية.

 ترفض روسيا والصين الهيمنة الغربية وتعلنان عن إرادتهما الراسخة لبناء عالم ديمقراطي وحر بالفعل ومتعدد الأقطاب.

 سيصبح اجتماع شي جين بينغ وبوتين في موسكو نوعًا من الختم الذي يختم وثيقة الدخول في عصر التعددية القطبية.

 وأكد الزعيمان على الأهمية الإيجابية للخطة التي اقترحتها بكين لحل النزاع الأوكراني.  ذكر شي جين بينغ مرة أخرى الحاجة إلى السلام، واعترف بوتين بالمقترحات الصينية على أنها سليمة وعقلانية.

 شيء آخر هو أن الغرب ونظام كييف النازي رفضا بشكل قاطع خطة شي جين بينغ قبل البدء في مناقشتها أو النظر فيها.  لذلك، من غير المحتمل أن تكون لها تلك الأهمية الكبيرة.  لكن وجودها بالذات و إلتزام القوتين العظميين بها يتحدث عن الكثير.

 يتم تفسير كل من الصراع في أوكرانيا والتصعيد حول تايوان بشكل عام من قبل قادة روسيا والصين بنفس الطريقة، وإلقاء اللوم على السياسات العدوانية والاستفزازية للغرب.

الآن يجب أن تُقال بضع كلمات حول نظرة موسكو للزيارة. وجهة النظر السائدة على العموم تتزامن مع بيانات قادتنا –  هذا إعلان لعالم متعدد الأقطاب، قائم على أقوى اتحاد جيوسياسي وحضاري للصين وروسيا، وعلى استعداد لصد ضغوط الغرب المهيمن و دعوة الحضارات الأخرى للأنضمام إليه – الإسلامية، والهندية، والأفريقية، وأمريكا اللاتينية. و في وقت لاحق الغربية –  عندما تتخلى النخب الغربية عن العولمة والقطبية الأحادية.

 إن الاتفاق على خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا يؤكد أيضًا التقارب بين مواقفنا، على الرغم من التجاهل التام للمشروع الصيني من قبل الغرب ونظام زيلينسكي، فمن غير المرجح أن يكون له أي بعد حقيقي في المستقبل القريب.

 بالنسبة لموسكو، فإن زيارة الرئيس “شي” في مثل هذا الوقت العصيب مهمة للغاية.  إنها تدل على أن القوة العظمى – الصين – لا تتضامن إطلاقا مع محاولات عزل روسيا في الساحة الدولية، وهو ما يسعى إليه الغرب، وأن العلاقات بين الدول والشعوب تلامس ذروة تاريخية.

 هذه هي الطريقة التي يرى بها مجتمع الخبراء في روسيا زيارة شي جين بينغ.  هذه بادرة رمزية للتعددية القطبية، ممثلة بزعيمين عالميين متفقين تمامًا على المعايير الرئيسية للمستقبل.

ومع ذلك، تسمع أصوات أخرى في روسيا.  غالبًا ما يكون من المألوف سماع الموقف القائل بأن الصين تلعب لعبتها المستقلة، ولن تساعد روسيا حقًا في مواجهتها المباشرة مع الغرب، ومستعدة لبدء مفاوضات بشكل منفصل مع واشنطن.  كل هذا ممكن لأن الاقتصاد الصيني يعتمد بشكل كبير على الأسواق الغربية، والصين نفسها ليست مستعدة بعد لصراع مباشر مع الغرب وستحاول تأخيره قدر الإمكان أو تجنبه تمامًا.

لكن خلال هذا الوقت، قد تعاني روسيا من أوقات صعبة.  الموضوع الرئيسي لمثل هذه المخاوف هو عدم استعداد الصين لتقديم المساعدة العسكرية لروسيا.

 من وجهة نظري، تفسر هذه المخاوف من خلال حقيقة أن الكثيرين في روسيا لا يفهمون خصوصية السياسة الصينية، والتي تتمثل في تقييم بطيء ومتعمد للعديد من الخيارات المختلفة وتهدف في المقام الأول إلى حماية المصالح الوطنية للصين كدولة.  المراقبون الروس، الذين يخشون خيانة الصين، لا يفهمون الاستراتيجية الصينية نفسها، الحلم الصيني، الرامي إلى ازدهار “الإمبراطورية السماوية” وبناء نظام متناغم من العلاقات الدولية.

 تجد روسيا نفسها اليوم في مواجهة مباشرة مع الغرب. والصين تدرك جيداً أن روسيا بذلك تبعد الضربة عنها مما يعني أن حربنا هي حربها، أو بالأحرى تجنبها الحرب وتؤجلها.

 لا يمكن تحقيق الحلم الصيني إلا إذا كانت الصين تتمتع بسيادة جيوسياسية وحضارية كاملة، مما يعني أنها لا تتوافق مع الهيمنة الغربية والإملاءات الليبرالية.  لذلك، ستكون الصين إلى جانب روسيا ليس فقط لأسباب انتهازية، يمكن أن تتراجع عنها في أي لحظة إذا تحول الوضع في الاتجاه الآخر، ولكن بسبب التوجه الاستراتيجي نحو الاستقلال التام.  في الوقت نفسه، لا ينبغي للمرء أن يتوقع خطوات جذرية للغاية من الصين لدعم روسيا.  سيكون هذا  “غير صيني” تمامًا.

النوع الثاني من الانتقادات للعلاقات الروسية الصينية يأتي من حقيقة أن الصين عملاق اقتصادي وديموغرافي.  التقارب مع روسيا سيحول روسيا تلقائيًا إلى شريك صغير يعتمد عليها، قد تبدو أراضيه وموارده فريسة سهلة للصين النامية بسرعة.

هذا الخوف منطقي، لكنه عمليًا يتلخص في الإيحاء أنه مقارنة بالصين سيكون من الأفضل التعامل مع الغرب – وهذا هو المكان الذي ينعدم فيه المنطق.

 نحن في حرب مع الغرب، لكننا أصدقاء للصين.  علاوة على ذلك، يصر الغرب في علاقاته مع روسيا على خضوعها الكامل للنخب الليبرالية الغربية وممثليها الروس.  الصين لا تفرض شيئا واستراتيجيتها شفافة وعقلانية تماما.

 كان ينبغي أن يكون الرد على مثل هذا الخوف هو تعزيز الهوية الروسية، وتحقيق اختراق حاد في الاقتصاد والصناعة، وسياسة ديمغرافية كفؤة.  روسيا معرضة لخطر أن تصبح تابعة للصين فقط إذا ضعفت تمامًا وفقدت سيادتها.  لكن بوتين، على العكس من ذلك، يسعى إلى تعزيز هذه السيادة.  لذلك، سيتم احترام جميع قواعد المساواة والمنفعة المتبادلة في العلاقات الروسية الصينية.  والباقي يعتمد فقط على روسيا – تتصرف الصين بثبات وبشكل متوقع ومنفتح.  ليس لديها خطط إمبريالية فيما يتعلق بروسيا (او فيما يتعلق بالأمم الأخرى).

 على أي حال، فإن زيارة شي جين بينغ إلى موسكو تفتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية.  هذه هي النقطة الأكثر أهمية في تطوير الحوار والتعاون ليس فقط بين دولتين عظيمتين، ولكن أيضًا بين حضارتين.  لم يشر شي جين بينغ وبوتين مصادفة إلى الحاجة إلى تطوير التعاون الإنساني والمشاريع التعليمية والثقافية والعلمية المشتركة.

 من أجل التعرف على بعضهما البعض بشكل أفضل، من المهم بالنسبة للصينيين والروس ليس فقط التجارة، ولكن أيضًا أن يكونوا أصدقاء – لأن الشعوب والثقافات أصدقاء، يهتمون ببعضهم البعض، ويحاولون فهم بعضهم البعض.

 تعد الصداقة الشخصية بين شي جين بينغ وبوتين مثالا ونموذجًا أصليًا.  لكن من المهم ألا يقتصر محور موسكو وبكين على التواصل بين قادة الدول فحسب، بل من شأنه أيضًا أن يأسر النخبة الفكرية والمبدعين والعلماء والناس العاديين.  لقد أغلق الغرب نفسه أمام روسيا.  لكن الصين، الخارجة من الوباء، تفتح أبوابها للروس.

✺ ✺ ✺

بدأت روسيا والصين المرحلة الثانية من إنشاء عالم متعدد الأقطاب

داريا فولكوفا

رافائيل فخروتدينوف

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 23/3/2023

أصبحت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لروسيا “صفعة على وجه الأمريكيين” وتمثل مرحلة جديدة في تشكيل عالم متعدد الأقطاب.  تدرك الولايات المتحدة أن عصر هيمنتها قد مضى، لكنها ستقاوم ذلك بكل الطرق الممكنة.  توصل علماء السياسة إلى هذا الاستنتاج خلال نقاش حول دور روسيا في مستقبل العالم متعدد الأقطاب.

 قال غليب كوزنيتسوف، رئيس مجلس الخبراء في معهد البحوث الاجتماعية خلال الطاولة المستديرة، إن الاجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ أظهر مرة أخرى أن الغرب فشل في تحقيق أهدافه في عزل روسيا. كان عنوان الندوة: “روسيا في عالم متعدد الأقطاب: القيم المشتركة والثقة المتبادلة”.

 ووفقا له، من المستحيل إجبار كل الدول على الامتثال للقواعد التي يفرضها الغرب.  بالإضافة إلى ذلك، هذه القواعد غير مكتوبة في أي مكان، ومن السهل اعتبار أي دولة منتهكة لها.  لذلك، تعارض بكين أيضًا ما يسمى بالنظام القائم على تلك القواعد.

 قال ألكسندر أسافوف، مدير الندوة والمراقب السياسي لمحطة إذاعة “موسكفا جوفوريت”، إن إنشاء معالم نظام عالمي جديد هو في الوقت نفسه هدف مشترك لروسيا والصين، وهو ما يتوافق مع مصالح العديد من اللاعبين الآخرين.  ووفقا له، فإن معظم دول العالم مهتمة ببناء عالم “قائم على العدل والتعاون المتبادل”.

 “نرى نهاية هيمنة الغرب وتدمير هياكل النظام العالمي المفروضة من قبله.  أخيرًا وليس آخرًا، يجعل ذلك سهلا حقيقة أن العديد من الدول تعتبر الرئيس الروسي شريكًا موثوقًا به “.  وأشار المحلل أيضًا إلى أن بوتين و”شي” وقعا بيانين مشتركين مهمين: بشأن تعميق الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين غداة دخول العلاقات بينهما حقبة جديدة، وخطة لتطوير المجالات الرئيسية للتعاون الاقتصادي الروسي الصيني حتى عام 2030.

 “لقد صُدم العالم بالاجتماع بين بوتين وشي جين بينغ.  زيارة الزعيم الصيني لموسكو في ظل ظروف حرب أوكرانيا والتوتر الدولي مهمة للغاية.

 إنها تلعب نفس دور زيارة ماو تسي تونغ للاتحاد السوفياتي في عام 1949 حين تم توقيع معاهدة السلام والصداقة بين الصين والاتحاد السوفياتي”، – قال أندريه أوستروفسكي، الأستاذ في قسم التاريخ الحديث والمعاصر للدول الآسيوية والأفريقية في جامعة موسكو الحكومية للتربية.

في الوقت نفسه، فتح التقارب بين روسيا والصين بحد ذاته المرحلة الثانية في إنشاء عالم متعدد الأقطاب.  “والآن نحن ننتظر انضمام دول أخرى إلينا.  يمكننا أن نرى التحول في “البريكس” BRICS – “ستتم إضافة أحرف جديدة بالتأكيد”.

 عالم السياسة والأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية مارات بشيروف : “بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون زيارة “شي” وتحركه نحو عالم متعدد الأقطاب بمثابة صفعة رنانة على وجه الأمريكيين”. وقال بشيروف: “لقد خسر الأنجلو ساكسون الحرب الاقتصادية الحالية ويخسرون الحرب الأيديولوجية”.

وأشار إلى أن “شي”، في مقال له نشرته Rossiyskaya Gazeta، ذكر: الصين وروسيا تدعمان بقوة النظام العالمي القائم على القانون الدولي، والمعايير والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية المبنية على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة و تهدفان إلى التعددية القطبية الحقيقية.

وأضاف جليب كوزنتسوف، في الوقت نفسه، أن نسخة النظام العالمي التي يفرضها الغرب لا تقبلها آسيا فحسب، بل أمريكا اللاتينية أيضًا.  “بالنسبة للنصف الجنوبي من العالم، ليس فقط سيادته مهمة، ولكن أيضًا الاندماج في فضاء واحدة.  وذلك يحتاج إلى حدود تجارية مفتوحة.  وفي الوقت نفسه، لا تريد أمريكا اللاتينية الانضمام إلى تكتلات عسكرية أو الانحياز إلى طرف في الصراع أو المشاركة في تطبيق العقوبات”.

في الوقت نفسه، فإن دول إفريقيا غاضبة أيضًا من محاولة عزل روسيا.  “إنهم يعتبرون ذلك هجومًا عليهم أنفسهم، لأن القيود تعرقل تنمية البلدان الأفريقية.  هذا هو السبب في أن السياسة الغربية تواجه الرفض في إفريقيا”، أوضح أندري ماسلوف، مدير مركز الدراسات الأفريقية في المدرسة العليا للاقتصاد.

“الاستقرار والسلام والعدالة وتعزيز الدولة – نحن متماثلون في هذه القيم.  في السنوات العشر المقبلة، يمكن القول أن أفريقيا هي مركز النمو الاقتصادي. وهي لا تزال قارة ذات معدل نمو سكاني سريع للغاية وهي مورد رئيسي للمعادن المهمة.  وستجذب إفريقيا الانتباه بديناميكية تطورها، وستكون هذه ميزة لصالحها”.

في غضون ذلك، وفقًا للخبراء، أدرك الغرب بالفعل حتمية ظهور عالم متعدد الأقطاب، لكنه سيتدخل بكل طريقة ممكنة لاعاقته.  وفقًا للأستاذ المساعد بجامعة موسكو الحكومية، بوريس ميجويف، فإن الولايات المتحدة تفقد موقعها القيادي الدولي، ولا يمكن لأمريكا أن تخضع معظم دول العالم.

 “ما يحدث الآن هو نسخة بديلة من الأحداث التي كان من الممكن أن تحدث في السبعينيات لو لم تتشاجر روسيا والصين.  حينها تمكنت الولايات المتحدة من المناورة وتكوين صداقات مع الصين.  الآن ينشأ عالم يعتمد فيه الكثير على الصين ودول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.  “تلعب روسيا دور المدافع في خلق هذا العالم”. (العلاقات الصينية- السوفياتية مرت بمراحل خطيرة بعد وفاة ستالين ويحمل بعض المؤرخين الروس سياسة خروتشوف وزر ذلك، وعجز بريجنيف بعده مما وصل بالبلدين إلى الاشتباكات العسكرية الدموية-المترجم).

✺ ✺ ✺

لماذا تحتاج الصين روسيا

غيفورغ ميرزيان

 أستاذ مشارك، جامعة العلوم المالية

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 23/3/2023

 تحتاج الصين بشدة إلى النفط والغاز والتكنولوجيا العسكرية الروسية

 لقد تم بالفعل وصف زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنها تاريخية – فقد أظهر الزعيم الصيني بوضوح دعمه لموسكو في جميع المجالات.  ومع ذلك، يمكن للمرء أن يسمع الرأي القائل بأن الصين في الظروف الحالية أكثر أهمية بالنسبة لروسيا من روسيا بالنسبة للصين.  ومع ذلك، هناك ما لا يقل عن خمس مجالات تحتاج فيها الصين بشدة إلى مساعدة روسيا.  ولا يتعلق الأمر فقط بالنفط أو الغاز.

بعد بدء الحرب، ازداد اعتماد روسيا على الصين حقًا – في المقام الأول في عمليات التصدير والاستيراد، وخطط التحايل على العقوبات، وتجارة المواد النفط والغاز، وما إلى ذلك. ومع ذلك، ازداد اعتماد الصين على روسيا أيضًا.  والآن، في الواقع، من الصعب للغاية على بكين حماية ليس فقط مصالحها في العالم، ولكن أمنها أيضا بدون الدعم الروسي.  فيما يلي بعض المجالات التي تشتد الحاجة فيها إلى روسيا من قبل الصين.

  1. الحملة من أجل نظام عالمي جديد

 الصين بحاجة إلى روسيا كجزء من سياستها العالمية الجديدة.

“قبل بضع سنوات، لم تظهر الصين الكثير من النشاط في مختلف المجالات الدولية.  كانت مهتمة بشكل أساسي بأمن استثماراتها المتنوعة العملاقة وقامت بالترويج لمشروع الحزام والطريق.  أي أنها انطلقت من مصالحها التجارية والاقتصادية.  وفي بكين كان هناك رأي مفاده أنه لا يستحق التعمق في القضايا الأمنية خارج الضمانات لمشاريعها الخاصة.  تشرح إيلينا سوبونينا، خبيرة العلوم السياسية في الشؤون الدولية لصحيفة VZGLYAD، لذلك، ظل الصينيون على مسافة من المشاكل الإقليمية والمشاكل المحلية لكل بلد على وجه التحديد.

 أما الآن فقد تغير الوضع.  لقد أدرك الصينيون أنه من الصعب الوصول لموقع القوة الاقتصادية العظمى (والأهم من ذلك، الحفاظ عليها) مع التصرف ك “قزم” في السياسة الخارجية.  لذلك، تعرض الدبلوماسية الصينية أكتافها وتدخل مناطق مختلفة من العالم.

 إلى أفريقيا، حيث يقدم الصينيون للدول مشاريع تنموية متنوعة.  إلى الشرق الأوسط، حيث اختبرت بكين بنجاح دور صانع السلام من خلال الوساطة في إطلاق عملية المصالحة السعودية الإيرانية.  حتى لأوكرانيا، التي قدمت بكين من أجلها خطتها للسلام.

 ومع ذلك، لا تحتاج الصين فقط للدخول، ولكن للدخول من موقع قوي ومتوازن.  وفي كلتا الحالتين، لا يمكنها الاستغناء عن شراكة وثيقة مع روسيا.

تواجه  الصين مشاكل فيما يتعلق بمحور القوة.  الصين ليست مستعدة، عسكريًا أو سياسيًا، لاستخدام قواتها المسلحة لحماية المصالح الوطنية، وكذلك حلفائها خارج شرق آسيا. بينما روسيا مستعدة.

 “روسيا هي الحليف الوحيد للصين التي تمتلك بالفعل قوات مسلحة جاهزة للقتال وأسلحة نووية، والتي تقوم بأعمال حربية، وإن كانت غير مباشرة، مع عدو الصين في شخص الولايات المتحدة،” يشرح إيفان ليزان، رئيس مكتب التحليل لمشروع SONAR-2050،  لصحيفة VZGLYAD.  “بالإضافة إلى ذلك، فهي حليف واضح في تطوير الأسواق الأفريقية، والتي تستخدم بشكل فعال القوة العسكرية (قوات Wagner)، مما يمهد الطريق للجيولوجيين والمديرين.”

 فيما يتعلق بالتوازن، هنا لا تحتاج الصين حقًا إلى الدعم الروسي فحسب، بل تحتاج أيضًا إلى الخبرة الروسية.  “تجربة السياسة الخارجية المتوازنة، عندما يكون من الممكن والضروري الحفاظ على العلاقات مع دول مختلفة (وهو طابع فريد للخط الروسي: إذ شكلت الولايات المتحدة بعض التحالفات ضد البعض الآخر، فإن موسكو تطور العلاقات مع الجميع).  بالنسبة لبكين، فإن التوازن أمر حيوي من وجهة نظر مصالحها التجارية، فضلاً عن مشاريع إنشاء خطوط النقل، “تشرح إلينا سوبونينا.

 وبشكل عام، وفقًا للخبيرة، “على خلفية تدمير النظام العالمي الحالي، تحتاج الصين إلى شريك مخلص وحليف يمكنه مقاومة الدول الغربية والدعوة إلى إنشاء عالم جديد ليس وفقًا للأنماط الأمريكية، ولكن مع الأخذ. في الاعتبار مصالح جميع الدول المؤثرة “.  هذه هي روسيا.

  • الاستقرار في آسيا الوسطى

 عند التفكير في العالم، لا تنسى بكين الإقليم.  على وجه الخصوص، ما يخص آسيا الوسطى.  تهتم الصين باستقرار منطقة آسيا الوسطى – وليس فقط لأنها ستصرفها عن التوسع في جنوب شرق آسيا.  أيضًا لأن عددًا من الأحداث في آسيا الوسطى قد يهدد أمن وسلامة أراضي الصين.

 “بالنسبة للصين، من المهم منع الولايات المتحدة وحلف الناتو من استخدام كازاخستان وقيرغيزستان كنقطة انطلاق لزعزعة استقرار الوضع في منطقة شينجيانغ الاويغورية ذاتية الحكم الذاتي (وهي منطقة يقطنها مسلمون في شمال شرق  الصين) ودعم الانفصاليين الأويغور.  بالإضافة إلى ذلك، تكمن المشكلة في تشغيل المختبرات البيولوجية الأمريكية في ألماتي، جفارديسكي، طشقند، “يشرح نيكيتا ميندكوفيتش، رئيس النادي التحليلي الأوراسي، لصحيفة VZGLYAD.

 أخيرًا، آسيا الوسطى هي المنطقة التي تأتي منها موارد الطاقة إلى الصين (على وجه الخصوص، من تركمانستان)، وأيضًا تنتقل البضائع الصينية من خلالها إلى أوروبا كجزء من طريق الحرير الجديد.  من المهم لبكين أن تضمن أمن هذا الفضاء، لذا تحتاج روسيا لتحقيقه.

يقول إيفان ليزان: “لقد أثبتت روسيا بالفعل أنها مستعدة لاستخدام القوة لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الخلفية للصين وتحقيق النجاح”.

“من الأسهل لموسكو وبكين تحقيق مهامهما في المنطقة من خلال تنسيق الجهود الدبلوماسية والسياسية بالدرجة الأولى. ومن خلال توحيد الجهود، يمكنهما تحقيق كل من جلاء قواعد حلف الناتو من آسيا الوسطى والنضال بشكل أكثر نشاطًا مع السلطات الوطنية ضد العملاء الغربيين والمتطرفين المدعومين من الولايات المتحدة، “يشرح نيكيتا ميندكوفيتش.

  • نفط وغاز آمنان

الصين هي مصنع العالم، مما يعني أنها بحاجة إلى تدفق موارد الطاقة شرط ان تكون رخيصة من حيث السعر وخالية من المتاعب من حيث أمن التوريد.  وإذا لم يكن لدى الصينيين مشاكل خاصة فيما يتعلق بالنقطة الأولى (يمكنهم دائمًا التفاوض مع مورديهم في الشرق الأوسط، وبشكل أساسي مع إيران)، فإن النقطة الثانية كانت مصدر قلق لبكين منذ فترة طويلة.

 “كل ما يأتي إلى الصين من الجنوب عن طريق البحر – وهذا جزء كبير من النفط والغاز والفحم – يمكن أن يعطله أسطول الولايات المتحدة وحلفائها.

 “لا سيما تلك الأحجام التي تمر عبر مضيق ملقا – أحد معوقات تجارة النفط والغاز العالمية، حيث تجري البحرية الأمريكية تدريبات منتظمة بذريعة مكافحة القرصنة”، يشرح إيغور يوشكوف، الخبير في الصندوق القومي لأمن الطاقة، والمحاضر في جامعة العلوم المالية،  لصحيفة VZGLYAD.  “وفقًا لذلك، إذا أغلق الأمريكيون هذا المضيق، فسيبدأ الجوع إلى موارد الطاقة في الصين”.

 “يوضح مثال تدمير نورد ستريم أن الولايات المتحدة يمكن أن تذهب بسهولة إلى تدمير مشاريع الطاقة من أجل ضرب العدو.  لذلك، يجب أن تهتم الصين ليس فقط بقضية التعاقد على أحجام موارد الطاقة التي تحتاجها في المستقبل، ولكن أيضًا ضمان أن مصادر الإمداد آمنة.  روسيا هي الوحيدة القادرة على تقديم مثل هذا الخيار “، يتابع إيغور يوشكوف.

 يمكن لموسكو إمداد الصين بالنفط والغاز، متجاوزة جميع أنواع الاختناقات وبلدان العبور غير الموثوق بها.  الإمدادات من روسيا محصنة ضد الضغط السياسي الأمريكي.  أخيرًا، هم (إذا كنا نتحدث عن الغاز الطبيعي المسال) محميون من أي تهديد بالاستيلاء عليها من قبل هجمات الأسطول الأمريكي.

  • الترانزيت، التجارة والإنتاج

 علاوة على ذلك، يمكننا التحدث هنا ليس فقط عن نقل موارد الطاقة، ولكن أيضًا عن الموارد المعدنية.  الآن تحصل الصين على الكثير من إفريقيا، ولكن كلما اشتد صراعها مع الولايات المتحدة، أصبحت الإمدادات الأفريقية غير موثوقة أكثر من حيث طرق التسليم.  لن تكون هناك مثل هذه المشاكل مع روسيا.

 في الوقت نفسه، لا يمكن حصر دور روسيا في توفير الموارد للصين فقط.

لا تحتاج بكين إلى موسكو كبائع فحسب، بل كمشتري أيضًا.  ليس سرا أن الولايات المتحدة تعلن بحكم الأمر الواقع حربا تجارية على الصين.  إنهم يحاولون الحد من تطور قطاعات “التكنولوجيا الفائقة” الصينية، بما في ذلك عن طريق طردهم من الأسواق الغربية.  وعلى الرغم من حقيقة أن أوروبا لا تزال تقاوم، فليس هناك شك في أن السلطات الأمريكية ستجبرهم – ببساطة لأن النخب الأوروبية ليست ذات سيادة.

 لكن السوق الروسية التي يبلغ عدد سكانها 150 مليون نسمة تتمتع بقدرة وسيادة خارجية، والأهم من ذلك أنها تعاني من فراغ بعد رحيل الشركات الغربية.  يقول إيفان ليزان: “يمكن لروسيا أن تصبح مشتريا موثوقًا به للمنتجات الصينية ذات القيمة المضافة العالية، بما في ذلك الآلات والأجهزة والمعدات”.  في الوقت نفسه، سيتعين على المصنعين الصينيين التنافس مع نظرائهم من الدول الأخرى الذين يريدون استغلال الفراغ الناتج – الأتراك والإيرانيون وحتى الأوروبيون الذين وجدوا طريقة للالتفاف على العقوبات.

 بالإضافة إلى ذلك، الصين تحتاج لروسيا لعبور البضائع الصينية إلى دول أخرى.  يعتقد إيفان ليزان أن “جسرًا بريًا (نطاقًا شرقيًا) وبحريًا (طريق بحر الشمال) لنقل البضائع الصينية إلى أوروبا، يكاد يكون من المستحيل تعطيل تشغيله، على عكس الممرات البحرية الجنوبية”.

 أخيرًا، تحتاج الصين إلى روسيا ليس فقط كمشتري أو بلد ترانزيت، ولكن أيضًا كمساعد في الإنتاج.  يتابع إيفان ليزان قائلاً: “كشريك في البحث والتطوير، فليس من قبيل الصدفة أن تواصل Huawei البحث والتطوير في روسيا”.

ومع ذلك، تعتبر مدرسة الفيزياء والرياضيات في الاتحاد الروسي واحدة من أفضل المدارس في العالم.

  • التكنولوجيا العسكرية

 يعد الجيش أحد أهم مجالات التعاون التكنولوجي.  من المستحيل أن تصبح قوة عظمى دون امتلاك قوات مسلحة قوية وحديثة.  ولا تزال الصين تواجه مشاكل معينة مع هذا.

 جيش التحرير الشعبي الصيني كبير – أكثر من مليوني شخص، و 13 جيشًا مشتركًا للأسلحة.  ومع ذلك، فإن المجمع الصناعي العسكري الصيني لديه اليوم عدد من نقاط الضعف التي لا يمكنه إغلاقها إلا بمساعدة شريك متقدم تقنيًا. هنا في هذه الحالة، روسيا فقط تستطيع القيام بهذا الدور (لأن بقية الدول ذات المستوى التكنولوجي هي دول غربية، مما يعني أنها في المعسكر الأمريكي).

 على سبيل المثال، لا تزال الصين تواجه مشاكل مع عدد من مكونات الطيران الحربي.  “ظلت الصين تحاول منذ 35 عامًا، دون جدوى، بناء محرك نفاث يستخدم في طائرات الجيل الرابع والخامس.  حتى أنهم حاولوا نسخ محركات طائراتنا – واتضح أن خصائص هذه المنتجات كانت أقل من تلك المنتجة في روسيا – قال الخبير العسكري أليكسي ليونكوف لصحيفة VZGLYAD. 

بنية المحرك – هو مدرسة فنية كاملة.  لا يمكنك الالتحاق بالصف الأول الإبتدائي والقفز منه إلى التخرج من الجامعة.  لذلك، عانى الصينيون لفترة طويلة، ثم اتخذوا القرار الحكيم بعدم المعاناة وشراء المحركات الروسية فقط “.

 لا تستطيع الصين حتى الآن إنشاء دفاعها الجوي الفعال متعدد الطبقات.  محاولات نسخ “تور” و “بوك” و “إس 300” الروسية انتهت دون نجاح كبير.  “أظهرت الاختبارات الميدانية أن الصواريخ الصينية الصنع تطير إلى مدى أقصر من الصواريخ الروسية، بل لديها أيضًا قدرة مختلفة على إسقاط الأهداف الجوية.  يوضح أليكسي ليونكوف أنه إذا كانت أنظمتنا متعددة القنوات لديها نسبة إصابة مستهدفة تبلغ 0.9 (أي في الواقع، صاروخ واحد لكل هدف)، فإن الصينيين يحتاجون إلى صاروخين لضرب الهدف. “لهذا السبب قرر الصينيون شراء هذه النظم منا فقط”.

 تحتاج بكين أيضًا إلى تقنيات روسية أخرى.  المحركات الخاصة للغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء، ونظام التشويش (ضد الأنظمة المضادة، ولا سيما طائرات صيد الغواصات)، إلخ.

 وموسكو مستعدة للمشاركة.  “على وجه الخصوص، نحن نبني بالفعل مع  الصين نظام تحذير مشترك للهجوم الصاروخي.  تبين أن خبرتنا المتراكمة أكبر بكثير من خبرة الصينيين “، يتابع أليكسي ليونكوف.

خاتمة

 من المفيد للصين أن تتعاون مع روسيا.  علاوة على ذلك، وبنفس الشروط، من أجل الحفاظ على المستوى المطلوب من الثقة في العلاقات مع موسكو.

 المهم الا ترتكب نفس الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون في التسعينيات (وضع روسيا في دور الشريك الأصغر) والتي يدفعون ثمنها الآن.

✺ ✺ ✺

أمريكا تهاجم الصين

 ميخائيل شيبانوف

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

21/3/2023

من المحتمل أن يكون جو بايدن قد نوى اللجوء إلى ابتزاز مباشر ل “شي” عشية وصوله إلى موسكو.

 إن غضب “شرطي العالم” من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو لا حدود له. الزعيم الصيني لم يراعي التحذيرات “الصادرة” مثل قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال فلاديمير بوتين.هذا زاد حنق العم سام لدرجة أن التهديدات بدأت، وهو ما ألمحت به واشنطن إلى بكين عدة مرات – الاتهام بخلق سلالة قاتلة من فيروس الكورونا COVID-19.

 لا يمكن أن يكون مجرد صدفة أنه في الوقت الحالي، عندما يراقب العالم بأسره المحادثات في موسكو، يصرح جو بايدن لأجهزة المخابرات الأمريكية بنشر الملفات التي جمعوها حول الأصل “الاصطناعي” للفيروس الذي أغرق العالم بأسره في الاكتئاب. وتسبب في حدوث ملايين الوفيات.

 من المهم جدًا أن الأمريكيين قاموا لبعض الوقت بالتمهيد الأولي لهذه المناسبة، و “تسخين” الموضوع تدريجيًا.  أولاً، تم التعبير عن البصمة الصينية في الوباء من قبل وزارة الطاقة الأمريكية، وهي وكالة لديها مصادر معلومات واسعة خاصة بها وتشكل إلى حد كبير أجندة الاقتصاد الخارجي.  ثم خرج رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، للإحماء، وحدد العنوان الدقيق للتسرب البيولوجي القاتل – مختبر في مدينة ووهان الصينية.  كل هذه حلقات “الرقص” حول التهمة التي يتم ترويجها كانت ذات طبيعة غير رسمية لافتراضات مفصلة مع تلميحات بعيدة المدى.

 وكما كان متوقعا، انضم أعضاء الكونجرس الأمريكي على الفور، مطالبين بالكشف عن كل ما تراكم لدى  وكالات المخابرات من “أسرار” حول هذا الموضوع.

 لكن البيت الأبيض عمل “وقفة فنية”، وتوقع على ما يبدو خطوات مقابلة من بكين.  علاوة على ذلك، عادت  إلى الظهور “معلومات مهادنة” في مجال الإعلام الدولي بأن لحم حيوان الراكون، الذي يباع بحرية في سوق ووهان، يمكن أن يكون بالفعل مصدر العدوى العالمية.

 لوحظ توقف الحملة العالمية المناهضة للصين التي تروج لها واشنطن.  هناك رواية ان بايدن، بعد أن استيقظ أخيرًا، اصر على محادثة هاتفية مع الرئيس “شي” حرفياً عشية سفره إلى موسكو.  من المحتمل أنه كان على وشك إعطاء الصين آخر تحذير أمريكي بشأن بدء الهجوم “الفيروسي” الخطير مع مطالبته بتعويضات بمليارات الدولارات عن الأضرار التي لحقت بالعالم مع التهديد باجراءات من المحكمة الجنائية الدولية نفسها.  لكنهم يقولون إن واشنطن كانت مستعدة لتقديم بادرة حسن نية وعدم نشر جميع المعلومات التي جمعتها في حالة إلغاء الزيارة إلى روسيا.

 من المعروف أن الابتزاز – هو الأداة المفضلة للسياسة الخارجية الأمريكية.  وعنوان الابتزاز في الصين هو نفسه كما في حالة روسيا، نخب الكومبرادور الصينية، التي يمكن أن تخسر الكثير، وبالتالي يجب أن تعمل ضد نظام الدولة الخاص بها، الذي أعلن أنه نظام معاد. (كومبرادور هو مصطلح سياسي يعني طبقة البورجوازية التي سرعان ما تتحالف مع رأس المال الأجنبي تحقيقا لمصالحها وللاستيلاء على السوق الوطنية-المترجم).

 وإذا كان شي جين بينغ على علم بجميع الاستعدادات الآمريكية، لكنه لم يؤجل زيارته، فإن التكريم والحمد له.  لكن موضوع المختبرات البيولوجية الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء العالم يجب التعبير عنه بقوة خاصة في موسكو مع مناشدة جميع الدول التي تسمح بتشغيل مثل هذه المعامل على أراضيها لوضع حد للتجارب الخطرة على العالم كله.

 ومع ذلك، فإن هذا النهج لاحتواء الصين المتطورة بالوسائل غير العسكرية ليس جديدًا ويعود إلى عهد دونالد ترامب.

 لذلك يجب أن تكون بكين مستعدة لمثل هذا الهجوم.  وبالنسبة لروسيا والصين، قد تقترب لحظة الحقيقة أكثر فأكثر، وهي اختبار حقيقي لاستعدادهما للوقوف “كتفا لكتف”.

✺ ✺ ✺

زيارة قلبت موازين القوى في العالم

 أكمل الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة الدولة التي قام بها إلى روسيا. ما هي نتائجها وماذا سيحدث بعد ذلك

 ميخائيل موروزوف

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 22/3/2023

من الممكن تماما أن نطلق على زيارة الزعيم الصيني حدثا تاريخيا.  قبل عشر سنوات بالضبط، زار شي جين بينغ روسيا لأول مرة كرئيس للصين، ليبدأ مرحلة جديدة من التقارب مع بلدنا.  والآن، بعد عقد من الزمن، ومباشرة بعد إعادة انتخابه لولاية ثالثة كزعيم للحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية، عاد إلى موسكو من أجل “تعميق الشراكة الاستراتيجية في حقبة جديدة.”

يشير اتجاه الزيارة الخارجية الأولى دائمًا إلى أولويات الدولة في السياسة الخارجية.  لقد أوضحت الصين هذه الأولويات بوضوح على خلفية التهديدات ضدها من الغرب والحرب التي تشنها دول ما يسمى بالعالم الديمقراطي ضد روسيا.  قال شي جين بينغ في موسكو: “لذلك، اخترت روسيا بلا شك لتكون المحطة الأولى في زيارتي الخارجية بعد إعادة انتخابي”.

 كل هذا تؤكده الكلمات التي قيلت خلال المحادثات الروسية الصينية حول الخيار الاستراتيجي للبلدين – “لتعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية في العهد الجديد”.

 “إن البلدين، باعتبارهما أكبر جارين وشريكين في التفاعل الاستراتيجي الشامل، يعتبر كل منهما الآخر أولوية في دبلوماسيتهما وسياستهما الخارجية.  اتبعت الصين دائما سياسة خارجية مستقلة.  وقال شي جين بينغ في موسكو إن تعزيز وتطوير العلاقات مع روسيا هو خيار استراتيجي للصين على أساس مصالحها الأساسية الخاصة والتوجه العام لتطور العالم.  وأضاف الرئيس الصيني “تبذل كل من الصين وروسيا جهودا لتحقيق التنمية الوطنية والنهضة، ويدعم البلدان التعددية القطبية في العالم ويساهمان في إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية”.

 لا تنوي الصين وروسيا، رغم تهديدات الغرب وابتزازه، إبطاء وتيرة التقارب.  وأكد الجانبان بشدة خلال الزيارة أن علاقاتهما ليست موجهة ضد دول ثالثة ولا تمثل تحالفا أو تكتلا عسكريا كما تفعل الدول الغربية.  لكن في الواقع، نحن نتحرك نحو توثيق علاقات التحالف في جميع المجالات.  في التعبير المجازي لـشي جين بينغ، “نحن نقف كتفا لكتف”.

 الاتفاقات التي تم التوصل إليها هي أيضا دليل على ذلك سواء تلك الواردة في الاتفاقيات الموقعة، وكذلك تلك التي لم يتم الإعلان عنها.  هذه الأخيرة تشمل المجال العسكري التقني.  “البيان المشترك لجمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي بشأن تعميق الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي لدخول عصر جديد” و “البيان المشترك لرئيس جمهورية الصين الشعبية ورئيس الاتحاد الروسي بشأن خطة تنمية المجالات الرئيسية للتعاون الاقتصادي الصيني الروسي حتى عام 2030 “.  تم وضع خطة لمواصلة تطوير العلاقات الثنائية والتعاون في جميع المجالات في المستقبل القريب.  سيكون من المنطقي الآن بالنسبة لروسيا والصين ألا تتوقفا فقط عن حساب حجم مبادلاتهما التجارية بالدولار، ولكن ان تتخليا عنه تمامًا في الحسابات المتبادلة.

 ربما سيتم مناقشة هذا الأمر على وجه التحديد خلال الزيارة المرتقبة لرئيس وزراء حكومة الاتحاد الروسي ميشوستين إلى الصين.  دعاه شي جين بينغ لزيارة الصين “في أقرب وقت ممكن” لاستعادة الاتصالات المنتظمة بين رئيسي حكومتي الصين وروسيا.  وفي الوقت نفسه، فإن حجم التجارة بين البلدين ينمو سنويا بنسبة 30 في المائة، وسيتم التغلب هذا العام على حاجز 200 مليار دولار أمريكي.

 وتشمل المحفظة الاستثمارية للجنة الحكومية الروسية الصينية للتعاون الاستثماري 79 مشروعًا تزيد قيمتها على 165 مليار دولار، ويمكننا أن نتوقع نموًا سريعًا في العلاقات الاقتصادية في جميع المجالات، بما في ذلك بناء منشآت الإنتاج الصينية في روسيا.

 “لقد ذهبت العلاقات الصينية الروسية إلى ما هو أبعد من العلاقات الثنائية وهي ذات أهمية حيوية للنظام العالمي الحديث ولمصير البشرية”.  وقال شي جين بينغ في موسكو “على مدى 10 سنوات، نما حجم التجارة بين بلدينا بنسبة 116٪، مما جعل من الممكن إعطاء دفعة كبيرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدين”.

 تحدث رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين مجازيًا عن الخلفية الأيديولوجية والأخلاقية للتقارب الروسي الصيني: “كتاب التغيرات، وهو رمز حقيقي لحكمة الحضارة الصينية The Book of Changes، يقول:” إذا كان لدى الناس قواسم مشتركة في النفوس، فإن قوتهم المشتركة كبيرة جدًا بحيث يمكنها قطع أقوى معدن، والتغلب على أي عقبة.  أنا متأكد من أن التعاون الروسي الصيني له بالفعل إمكانيات وآفاق غير محدودة “.

 كل هذا تسبب بالفعل في إثارة غضب شديد في الغرب.  في الولايات المتحدة، حاولوا في البداية التقليل من أهمية الزيارة.  ومع ذلك، على خلفية الإلغاء الأخير لرحلة وزير الخارجية الأمريكي بلينكين إلى الصين وعدم وجود اتفاق بشأن لقاء بين شي جين بينغ والرئيس الأمريكي بايدن، تم تقييم المزيد من التقارب الروسي الصيني على أنه تهديد.  أعلنت أوروبا بالفعل عن مراجعة العلاقات مع الصين.

 وفي الوقت نفسه، جلب شي جين بينغ معه إلى موسكو انتصارًا دبلوماسيًا مظفراً للصين – هو مصالحة السعوديين والإيرانيين.  لقد قلبت موازين القوى ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في سوق الطاقة.  لكن هذه مقدمة، مقارنة بما سيحدث بعد ذلك.  و صدى  رحلة “شي” لن يتردد في موسكو فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم.

 حاليا، فرضت 33 دولة فقط، تمثل ما يزيد قليلاً عن ثُمن سكان العالم، عقوبات على روسيا وأرسلت مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا: المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان والاتحاد الأوروبي.  رفضت بقية الدول، التي تشكل حوالي 90٪ من سكان العالم، أن تحذو حذوها.  التصويت على أي قرارات لا يحتسب.  وهنا في موسكو، أعلنت روسيا والصين عن الحاجة إلى نظام دولي أكثر توازناً، وصياغة تعاونهما بشكل لا لبس فيه بهدف إضعاف هيمنة الغرب في الشؤون الدولية. على ما يبدو، قريبًا لن تظل روسيا منعزلة، بل الغرب، بما يبديه من نفاق أخلاقي هو من يعاني من العزلة.

✺ ✺ ✺

تحولات جيوسياسية عميقة وراء زيارة الزعيم الصيني

أندري فورسوف

مؤرخ سوفياتي وروسي، فيلسوف، عالم اجتماع. دكتوراه في التاريخ.  مدير مركز الدراسات الروسية في معهد البحوث الأساسية والتطبيقية في جامعة موسكو للعلوم الإنسانية

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 28/3/2023

تلك العولمة، التي بدأت بالفعل بتدمير الاتحاد السوفيتي، وانتهت بوباء الكورونا، كانت عذاب العالم الرأسمالي.  العولمة التي ستبدأ الآن ستكون العولمة 2.0، إنها صباح كئيب لعالم جديد.  ستكون أكثر محدودية من القديمة.  ستكون هناك حركة أقل للأشخاص على شكل سائحين، وسيكون هناك المزيد من القيود الاجتماعية.  لكن سيظل العالم متحدًا، حتى لو تركت الصين وروسيا مشروع العولمة، فهما على أي حال، سيكونان مرتبطين به بطريقة أو بأخرى.

 إن مجرد وجود “المناطق الإقتصادية الكلية” الناشئة لا يتعارض مع العولمة الجديدة.  أنا دائما أعطي هذا المثال.  بمجرد أن بدأت السوق العالمية تتشكل في القرنين السادس عشر والسابع عشر – لذلك بدأ النظام العالمي في التبلور، وكان حافزا لظهور كيانات سياسية كبيرة، إمبراطوريات.  هذه إمبراطورية تشارلز الخامس في أوروبا وفي أمريكا الوسطى والجنوبية، هذه دولة إيفان الرهيب.  هذه هي الإمبراطورية العثمانية.  هؤلاء هم الصفويون في إيران، والمغول في الهند، والملوك في الصين.  هذا ما نراه الآن، تشكيل المناطق الإقتصادية الكبيرة كوحدات أساسية للعولمة الجديدة.  وفي الحقيقة، فإن النضال الحالي هو، أولاً، من أجل عولمة جديدة.  وثانيًا، يحاول كل لاعب رئيسي إنشاء “مناطق كبيرة ماكرو” لنفسه.

 على سبيل المثال، فشل البريطانيون في إنشاء منطقة ماكرو لأنفسهم.  لقد أرادوا أن ينهشوا قطعة لأنفسهم من الأراضي السابقة للاتحاد السوفياتي، من المعسكر الاشتراكي، أي من أوروبا الشرقية وما وراء القوقاز وآسيا الوسطى.

 حسنًا، لم ينجحوا مع أوروبا الشرقية، ولم ينجحوا مع آسيا الوسطى أيضًا.  المكان الوحيد الذي نجحوا فيه كان بمساعدة تركيا في منطقة القوقاز.  لكن هذا لا يكفي لإنشاء منطقتهم الكبيرة.  هذا هو سبب غضبهم الشديد.  إذا لم ينشئوا “منطقة ماكرو”، فسيكون لديهم “نزهة على هامش التاريخ”.

المواجهة الحالية بين النخب الصينية (شرق آسيا) والغربية، المنظمة في النوادي والمحافل وهياكل الشبكات (الأنجلو-أمريكية-يهودية في جوهرها) – هي أكثر عملية مثيرة للاهتمام وغير مرئية حتى الآن.

 للمرة الأولى، تواجه النخب الغربية خصمًا، على الرغم من أنه يمثل حضارة غير غربية، إلا أنه لاعب عالمي.  حتى الآن، كان الغرب الرأسمالي وحده عالميًا، معتمداً في توسعه على ثقافة عصر التنوير.

 بدأت النخب الغربية في إظهار علامات عدم الكفاءة وحتى الانحطاط على غرار Buddenbrooks، فقط بدلاً من أربعة أجيال هناك أربعة قرون. (رواية كتبها توماس مان عام 1901، وتؤرخ انهيار عائلة تجارية ثرية في شمال ألمانيا على مدار أربعة أجيال، وتصور بشكل عرضي أسلوب حياة وأعراف البورجوازية في  السنوات من 1835 إلى 1877 – المترجم).  بعبارة أخرى، في ظل الأزمة، يبدو أن اللعبة قد بدأت من جديد.  هل ستكون النخبة الغربية قادرة على إعادة تكوين نفسها وفقًا للظروف الجديدة، وتجديد نفسها وخلق أشكال جديدة من التنظيم (الذاتي)؟  وبناء معرفة جديدة عن العالم والإنسان كسلاح نفسي تاريخي؟  هذا سؤال واحد.

 السؤال الآخر – هل يستطيع اناس آخرون مؤهلون للعمل الاستراتيجي  استخدام المواجهة بين الغرب والصين، وحل مشاكلهم الخاصة، باستخدام – حسب مبدأ الجودو – قوة العدو.؟

 إن المواجهة التي تتكشف بين النخب الغربية، وفي مقدمتها الأنجلو ساكسونية اليهودية، والنخبة الصينية هي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العالمي، إنها صورة مثيرة تنتظرنا فيها العديد من المفاجآت.

 من نواحٍ عديدة، فإن هذا الصراع هو الذي سيحدد المستقبل – ما بعد الرأسمالية وبشكل عام.

 “زيارة الرئيس “شي” إلى موسكو هي، أولاً وقبل كل شيء، لفتة رمزية جيدة القراءة: دولة تطمح لمكانة المركز العالمي الثاني، تتلقى تفويضًا من الدولة، التي تصبح خليفتها، بينما القوى البحرية توحدت حول المركز الأول، والقوى القارية حول الثاني، الهيمنة في البحر والبر.(القصد ان الصين إستلمت الراية من روسيا لتصبح مركز الثقل الوازن ضد الغرب وشكلت معها وغيرها من دول آسيا قطبا “بريا” مقابل تجمع اليوكوس في المحيط الهادئ الذي يضم أمريكا وبريطانيا واستراليا-المترجم).

 أي أن أساس التمايز بين الأنظمة الفرعية العالمية المستقلة كان طبيعة البنية التحتية للنقل التي تربط المواقع المنفصلة للثروات والسلطة.

 لا إراديًا، يتبادر إلى الذهن السؤال المقدس حول احتمالات الصراع بين الحوت والفيل “- أندريه إغناتيف.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….