تطورات الكيان الصهيوني حلقة (10) والأخيرة، عادل سماره

  • استبدال انتظار المسيح بالدولة الدينية

نعم، هناك زلزال داخلي في الكيان حكمته عوامل متأصلة نابعة من بنيته وترتد إلى ما قبل غزو فلسطين وعاشت معه حتى اليوم، هذا بعد أن كان يُزعم دوماً أن الزلزال مطلق خارجي. صحيح أن تحديات عربية حصلت ضد الكيان سواء حروب الجيوش أو رد ا؟ل؟م؟ق؟ا؟و؟م؟ة لكنها لم ترقى إلى زلزال حقيقي بعد.

لم يشكل مقتل رابين حراكاً للخروج على السياسة الحديدية التي أرساها موشيه ديان منذ ستينات القرن الماضي والتي لا يمكن بمقتضاها رفع الراية الاجتماعية طالما كانت الراية الامنية مرفوعة وهذا يعني توظيف الصراع العربي الصهيوني لتبريد الجبهة/التناقضات الداخلية في الكيان ولعل أوضح هذا التوظيف كان استخدام أثر الانتفاضة الكبرى 1987 وانتفاضة عام 2000 لخصي تحرك الشرقيين.

كما لم يتم الخروج على أن “الدولة” هي للجميع، هذا رغم التفاوتات الطبقية والعرقية واللونية داخل الكيان حيث بقي العامل الأمني حاكماً.

ولم يتم أيضاً، للسبب ذاته، نوعاً من إدارة الظهر أو الوقاحة ضد رئيس أمريكي وكأن الكيان غدا دولة ليست بحاجة لحماية حتى أمريكا، إلا حينما تصرف نتنياهو بعكس هذه القاعدة في علاقته مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

يرى كثير من الباحثين من الكيان بأن تفجير البرجين في أمريكا واحتلال العراق وتصفيته كدولة وكقطر عربي لها علاقة بما يجري اليوم في الكيان من باب أن هذا الضوء الأخضر من أمريكا قدم للكيان فرصة ووفر له مناخ الفتك بالفلسطينيين بدفع السياسات اليمينية إلى أعلى ما تطمح إليه. الأمر الذي حوَّل ما كان يُدعي يساراً في الكيان اي حزب العمل مثلا إلى التنافس اليميني مع اليمين.

يفتح هذا على مسألة هامة أخرى وهي أن أمريكا احتلال العراق هي امريكا المحافظية الجديدة أي الدين السياسي وهذه خلقت مناخاً أكثر مؤاتاة لانتعاش أقصى اليمين في الكيان لتحدي القوى الصهيونية المسحانية الاصولية (الدينية والعلمانية).

أي أنعش هذا بالطبع يمينية اليهود الشرقيين الذين هم أولا هكذا، وهم معنيين كذلك بقطع كل ما يشير إلى أنهم عرب كي يتميزوا عن العرب ولكن دون أن يفقدوا التقاط اية فرصة لتحسين وضعهم داخل البنية بمعنى أنهم عملوا ويعملون تحت سقف الدولة بكل خصائصها مما يعني الحذر من التعويل العربي عليهم.

ومع ذلك، كان على هؤلاء الشرقيين الإجابة على سؤال طرحه سامي شطريت في نهاية كتابه   “النضال الشرقي في إسرائيل-2005”:

“هل ينتظر الشرقيون حل الصراع مع العرب كي يحلوا مشكلة التمييز ضدهم

ام تحطيم لعبة الامن عن طريق انتفاضة جماهيرية راديكالية حتى اذا نشبت حرب تتسبب في انهيار النظام وقواه الأيديولوجية الهدامة سواء القوى الصهيونية المسحانية الاصولية ( الدينية والعلمانية)  او القوى الرأسمالية التي تستعبد المجتمع  وموارده لصالح اصحاب راس المال  في اسرائيل.  والعالم او القوى المتشبثة بالعنصرية الثقافية الاوروبية الامريكية! حتى لو قاد الى حرب الاخوة؟”

لماذا هذا التفكير؟

ذلك لأن خمسة عقود من محاولات التساوي مع الإشكناز لم تتحقق سواء بالقمع أو شراء القيادات أو توفير نصوص قانونية دون تنفيذها…الخ.

ولكن، ما هي رسالة الحزب الأقوى في الأوساط الشرقية “شاس”؟

  والتي يمكن تلخيصها في:” فشل الصهيونية وطرح البديل المتمثل في طريق التوراة والشريعة الدينية اليهودية السفاردية وكبح عملية التحول الليبرالي وتصفية دولة الرفاه “

لعل هذا هو المكون المحلي في نقل الكيان من الدولة الدينية العلمانية إلى دولة دينية بحتة حسب الشريعة الدينية اليهودية.

أما المكون الخارجي المطابق فجاء من أقصى الغرب، اي من الولايات المتحدة. فكما ذكرنا في الحلقة الثالثة كانت رؤية الحاخام جينسبيرغ المُحاضر في جامعة في الولايات المتحدة للعالم الذي يقول في شرح المناهج المختلفة للمسيائية، إن اليهود الأورثوذكس (الحريديم وأتباع الصهيونية الدينية) يسعون إلى دولة يهودية تعمل حصرياً وفقاً لقوانين التوراة، وتختلف الآراء فقط في ما يتعلق بمسار الوصول إلى هناك. منوهاً أن اليهود الحريديم توصلوا إلى نتيجة مفادها أن هذا الهدف لن يتحقق إلا في زمن المسيح، وبالتالي فقد تبنّى موقفاً متحفظاً يقول: لسنا مجانين في إسرائيل، لكنها جزء من العالم الذي نحن فيه، وبالتالي لا يوجد خيار سوى العيش فيها والتعاون معها”.

هذا الانعطاف لصالح نسب دور للدولة في الخلاص، بدل الانتظار، هو تحريف وتكييف التوراة والشرائع طبقاً لرغبات الناس مما يؤكد أنها وضعية وأن التقديس مسألة شكلية يجري تغييرها طبقاً للمصلحة الأرضية مما يؤكد أرضانية/من أرضي التوراة والشرائع.

وهذا كما يقول موتي أنباري : “تؤمن الحركة الصهيونية الدينية، التي تعتمد أساساً على تعاليم الحاخام أبراهام إسحاق كوك، أن الحركة الصهيونية، وإسرائيل التي نشأت في أعقابها، تعكس عملية مسيانية ينفذها البشر. لن يرسل الله المسيح لتغيير النظام العالمي. هذه عملية أرضية، وليست إلهية، ويجب المشاركة فيها. هذا هو نهج “غوش إيمونيم” على سبيل المثال. نعم. بدأت حركة “غوش إيمونيم” في الظهور بعد حرب 1967، وكان مبدؤها التنظيمي هو أن العملية المسيحانية التي يتقدم بها الناس قد أحرزت تقدماً كبيراً في أعقاب تلك الحرب وغزو” إسرائيل”. هذا الفهم دفع شباب الحركة الصهيونية الدينية إلى إقامة المستوطنات والمشاركة في العملية. وهذا هو السبب أيضاً في أن التنازلات الإقليمية كانت دائماً تشكل أكبر تهديد لهم”.

لذا، فإن جينيسبرج لا يؤمن بالتغيير “من الداخل” من خلال آليات ديموقراطية، مثل الانتخابات والتشريعات وما إلى ذلك. إنه يدعو إلى فك الارتباط عن الدولة، والتحصّن في جيب ديني والانتشار لحظة الحقيقة، وفي ذلك الوقت سيكون من الممكن السيطرة على الدولة بالقوة من الخارج”

حتى الآن، نحن في الشق الأول من المبنى الإثني والفكري للحراك الجاري في الكيان هذه الأيام، والذي مضت عليه اشهر دون أن يفقد زخمه. وهذا الشق لوحده لا يستطيع تغيير الوضع وسيقود حتماً إلى ما يسمونه “حرب الإخوة”

فهو بحاجة إلى حليف من صلب المؤسسة الحاكمة المالكة في الكيان، اي من الرأسمالية النيولبرالية التي وصلت للسلطة مع الليكود منذ عام 1977 للمرة الأولى وتمكنت بين صعود وهبوط من أكل شعبية حزب العمل وما يسمى اليسار الصهيوني العلماني الديني ولو نسبياً. هي بحاجة لجزء من نقيضها أي الرأسمالي الذي يستعبد الآخرين الذين هم، أي الشرقيين، أكثريتة هولاء الآخرين. وهذا يشير إلى طبيعة التحالف إذن بين الليكود من مناحيم بيجن وصولاً إلى نتنياهو وبين معظم الشرقيين والمتدينين الذين يحتاجون بدورهم لجناح إشكنازي /دين سياسي في تنفيذ مشروعهم، ومن أجل ذلك يتغاضون عن كون هذا الجناح من نفس الرأسمالية التي تستعبدهم وهذا ينبهنا إلى أن هذا اليمين الشرقي يفتقر إلى مشروع ضد رأس المال بل يبحث عن مقعد أفضل فيه.

يردنا هذا إلى التحالف الذي حصل تقريبا عام 1972 بين الفهود السود وحركة متسبين اليسارية/تروتسك حيث اضفت عليهم طابعاً يساريا ولكن لا استمر الأثر اليساري ولا حتى الطرفين.

هذه التوجهات من داخل الكيان ومن خارجه وجدت ضالتها في اليمين الفاشي نتنياهو، وحليفيه بن جفير، وسومريش كحليف إشكنازي يكون هو قمة القيادة واليهود الشرقيين قاعدة الهرم وذلك للإمساك بالسلطة وتنفيذ رؤية الصهيونية الدينية التوراتية التي تغير الدولة ولا تنتظر المسياني وبالتالي القطيعة مع الصهيونية الدينية العلمانية واحتلال الدولة كما كررنا أعلاه.

تفتح طبيعة هذا التحالف على سؤالين:

الأول: هل يختلف هذا التحالف العريض من ناحية حياتية يومية اقتصادية عن الطرف الآخر؟

والثاني: إذا لم يختلف، ما هي المادة اللاصقة له كي يبقى بغض النظر إن كان سيسيطر أم لا والتي تميزه عن الطرف الآخر ويبرر بها إمساكه للسلطة؟

فيما يخص المستوى الاقتصادي الاجتماعي فإن التحالف الجديد لا يطالب إلا بقدر أكبر من الكعكة الاقتصادية سواء تحصيل الشرقيين على مساواة ما، وعنصرية ضدهم أقل، وتحصيل الرأسماليين على قمة السلطة الرأسمالية النيولبرالية بمعنى المصلحة الطبقية لشريحة من الطبقة نفسها، إذا أردنا استخدام نظرية نيكوس بولنتزاس في وجود شرائح في الطبقة الواحدة تصل أو تقترب مصالحها حد التناقض.

يبقى السؤال الثاني وهو المادة اللاصقة لهذا التحالف وهي الإمساك بالسلطة السياسية لتغيير الدولة إلى دولة دينية طبقاً للشريعة. وهذا يُبرِّد الصراع الطبقي أو حتى يحقنه بالتخدير لسببين:

·       لأنه يؤمن بالملكية الخاصة كونه دين سياسي

·       ولأنه يصر على اغتصاب كل الأرض مما يجعل من الصراع العربي الصهيوني عامل تبريد الصراع الداخلي في التيار/الطرف ومن ثم تقوية تماسكه.

أي ان هذا التيار يُبقي على نظرية موشيه ديان الأمنية عبر تسخين التناقض والصراع مع العرب، وفي الوقت نفسه يستخدم الدين في البقاء في السلطة عبر إحلال الدولة الجديدة التي صاغها لتحل محل المسيح المخلص، اي ليس تقريب مجيئه بل الاستغناء عنه.

وهذا يردنا إلى طرح هذا الطرف أو إيديولوجيوه إقامة دولة دينية على غرار إيران. ولعل الشبه بينهما ليس في دولة دينية بقدر ما هو في التقريب، أو عدم انتظار مجيء المسيح أو ظهور المهدي.

وفي حين أن اليهودية تنتظر عودة المسيح من السماء ترى الشيعية ألإثنا عشرية أن المهدي وُلد في زمن محدد لم يمت وإنما غاب على وعد أن يعود!

ورغم أن على هذا نقاش كبير بمعنى كيف يمكن كل هذا الغياب لأكثر من ألف سنة طالما أن المهدي بشر وهل بقي حياً، وهل في هذا أي نصٍّ لتأكيده في القرآن …الخ.

ولكن، أعتقد أن الذي صاغ مسار المهدي هكذا، هو الذي صاغ المخرج مؤخراً بعد إقامة الدولة الدينية في إيران ، والمخرج هو، كما يبدو، أن الزمن قد طال قبل عودة المهدي، وطالما أُقيمت الدولة الدينية فبوسعها الحلول ولو مؤقتاً محل المهدي المنتظر ولكن عبر فرز وليٍ للمهدي. هذا دون أن يُقدَّم من تبنى هذا التحول اي تفسير أو تبرير أو توثيق بأن المهدي طلب تولية ولي عنه حتى يعود.

لعل التشابه الأساسي بين دولة نتنياهو وفريقه وبين دولة ولي الفقيه هو في حلول قوى أرضية محل المخلِّص لتحكم وهي الدولة في الكيان، وولي الفقيه في إيران اي عدم الانتظار وبالتالي يجب الإمساك بالسلطة وتحويلها دينياً.

ولكي يحافظ هذا الطرف على تماسكه الداخلي ويحتفظ أيضا بالسلطة فهو حريص على إدامة الصراع مع العرب عبر تحريم ترك اي شبر من الأرض للفلسطينيين، وتجديد مشروع “إسرائيل” الكبرى إلى النيل والفرات ودمشق وحتى اعالي النيل وهذا يحقق لهذا التيار:

·       زخم تمسك جماهيره به طالما يصر على كل الأرض باعتبار ذلك أمر ديني لا جدال فيه وحصة المتدينين في هذا هي الأكبر

·       وزخم التحدي العربي في الصراع المفتوح والتناقض التناحري مع الكيان وهذا فيه حصة لكل من طرفي التحالف وذلك عبر عبارة “إبقاء العرب مرتعبين”

·       ويحقق للجناح الرأسمالي النيو لبرالي مصالحه الاقتصادية التي لن تُمس طالما الصراع الأمني قائم وطالما لا توجد نظرية اقتصادية تقدمية تتمسك بها القواعد الشعبية لهذا التيار وتنازعه سيطرته الاقتصادية والذي يمكن إذا بقي في السلطة أن يتبنى نظرية اقتصاد التساقط لإرضاء الشرقيين.

التطورات الأخيرة المؤاتية والمجافية

كان الربيع/الخريف العربي، إن لم نعد أكثر إلى الوراء، عامل تحفيز لهذا التيار في الكيان سواء بتدمير الجمهوريات العربية وليس جيوشها فحسب، وهوس أنظمة عربية جديدة للانخراط في التطبيع مع الكيان، كل هذا زاد من زخم التطرف الأقصى لدى الكيان على الرغم من وجود ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة. هذا إضافة لما أشرنا إليه وصول المحافظية الجديدة للسلطة أكثر من مرة في الولايات المتحدة وممالئة روسيا للكيان.

ولكن تطورات النظام العالمي ولا سيما الحرب في أوكرانيا وانحياز الكيان ضد روسيا لعب دوراً ملموساً في تغير محتمل في السياسة الروسية تجاه الكيان. كما أن دخول الصين إلى الوطن العربي والشرق الأوسط بزخم وخاصة بعد الهدنة السعودية الإيرانية وحديث وزير الخارجية الصيني عن التوجه لتجديد المفاوضات بين الكيان والسلطة الفلسطينية. وهذا التوجه وإن كان يعني في نظر كثيرين انفراجه إلا أنه لن يُرضي طرفي الصراع الرئيسيين اي الطرف العربي الفلسطيني المتمسك بتحرير فلسطين ولا الطرف الصهيوني المتمسك باغتصاب كامل الأرض، لكنه قد يلجم، ولو مؤقتاً الاندفاعة التطبيعية من عديد الأنظمة العربية.  

وبعيداً عن العوامل المؤاتية والمجافية هذه، فإن التغير في بنية النظام العالمي وتراخي بل تراجع قبضة الإمبريالية هو العامل الأشد خطراً على الكيان من حيث زخم الدعم الأمريكي له، وهو الزخم الذي لا بد ان يخف كواقع وليس كرغبة واختيار. هذا من جهة، ومن جهة ثانية ضعف احتمال أن توفر الصين للكيان نفس الحضانة الإمبريالية الغربية وذلك براغماتيا على الأقل مع انفتاح عدد كبير من البلدان العربية وإيران على الصين.

هذا يعني أن السيف القوي، بل السيف الذي طالما حسم، والذي طالما حمله الكيان اي سيف الإمبريالية ينثلم وإن تدريجياً.

وهذا يعيد طرح السؤال: هل يمكن للسلطة الجديدة في الكيان عدم أخذ هذا بالاعتبار ومواصلة الاستعراض بقوة الكيان في تحقيق لما حلم به شمعون بيرس عام 1985 اي وصول الكيان إلى عدم الاعتماد على الغرب؟ سواء بالنووي أو إضافة له قوة تدمير أخرى؟

لا يعتقد بهذا اي مراقب لما يحصل، وعليه يكون الفيصل في تغير الوضع العربي، وهذا ليس موضوعنا هنا، لكن ما يمكن توقعه، بناء على المعطيات أعلاه، هو استمرار التوتر داخل الكيان مستفيداً من “الهدنة” غير المعلنة بمعنى عدم تبلور ضغط م.ق.ا.و.م.ة ضد الكيان تدفع الميزان لصالح المعادلة التي طرحها موشيه ديان مما يكبح فريق الحكومة الحالية وعدم نجاح الضغط الأمريكي لكبح نتنياهو وإن من مدخل غير المدخل العربي.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/