كتبت في حلقة (9) من سلسلة “تطورات الكيان”
“…يمكن للمتتبع الحاذق وحتى للمرء السطحي أن يلاحظ بأن هذه المرحلة في المجتمع البشري تتسم بتناقضات عديدة لكنها تنفرد بإثنتين خطيرتين وغريبتين:
الأولى: تطور تكنولوجي هائل
والثانية: تردي أخلاقي هائل ايضا وهو اتساع ظاهرة الدين السياسي والتعصب الدموي على صعيد الكوكب وتحولها في نظر البشرية إلى أمر عادي. حيث المفترض تناقض المسألتين أو التطورين! فلا يجمع بينهما سوى عالم في لحظة فارقة تضعه على حافة البربرية.
ورد مؤخرا في موقع (al-ain.com › article › indian-acquisition-israel )
ما أُسمي “خصخصة” ميناء حيفا، لأن ملياردير هندي اشترى معظم حصصه. وهذا يطرح التساؤل التالي:
· هل كان الميناء قطاعا عاماً
· وهل هذه خصخصة
· أم شكل متحور عن الإمبريالية على شكل قطاع عام رأسمالي معولم؟
بداية، ميناء حيفا ككل فلسطين مغتصب وبالتالي فآية علاقة لأية دولة مع الكيان هي عداوة لفلسطين والعروبة. كما أن خصخصتة تعني أن الميناء كان جزءً من قطاع عام، وهنا لا بد من التدقيق بأن وجود قطاع عام يعني لدى البعض أن “البلد” اشتراكي وهذا ليس صحيحاً وبالطبع يستغل الكيان هذه المسألة فهو يلعبها دائما: رأسمالي، اشتراكي، إمبريالي حسب اللحظة.
يقول خبر “الخصخصة” بأن هذه الصفقة نجاح لِ” مجموعة “I2-U2” التي تضم في صفوفها كلّاً من الهند، و”إسرائيل”، والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية.” وبأن هذا النجاح طرد الصين من حيازة الميناء.
والسؤال: هل عمل مجموعة كهذه هو خصخصة أم عولمة إمبريالية! ولا نقصد هنا فقط إمبريالية الولايات المتحدة، بل هناك، كما أعتقد، نشوء إمبرياليات مساعدة أو وكيلة، أو رثة، أو شريكة للإمبرياليات الفعلية التي تحدث عنها لينين. فكل دولة تحاول أن تصبح إمبريالية أو يمكن أن تحاول. ولو وسعنا التحليل لقلنا بأن هذا الشكل أي المجموعة أعلاه هو جزء من تحويل الكوكب باسره إلى “قطاع عام رأسمالي معولم” تستغله طبقة معولمة تتناقض وتتصالح هنا أو هناك. أي أننا في حقبة توسع وتوحش الرأسماليات وإن كانت بينها تناقضات وهذا طبيعي.
فطالما النظام الاقتصادي الاجتماعي لأية دولة هو رأسمالي، فمن الطبيعي أن تطمح في التحول إلى إمبريالية. فالدول كالنفوس طبقاً للآية القرآنية الكريمة “والنفس نزَّاعة للشِوى” أي للتعالي.
سيكون لنا حديث أوسع في هذا لاحقاً.
وهناك جانب مهم آخر لم ولن تتطرق له تحليلات هذه الصفقة وهو أن كلا السلطتين في الهند والكيان هما من أنظمة الدين السياسي المتراكب ذاتياً تحالفيا بين:
· رأسمالية نيولبرالية معولمة الأطماع
· وإيديولوجيا دين سياسي تعيد بناء الدولة على اسس دينية توراتية في الكيان وهندوسية براهمية في الهند.
فالسلطة في الكيان لم تعد راضية عن نظام صهيوني علماني نصف ديني/سياسي ضد الإسلام العربي، بل تدفع باتجاه دولة توراتية. كما أن السلطة في الهند بقيادة مودي هي ضمن انظمة الدين السياسي وخاصة ضد الإسلام العربي بدءا من مكة وصولا إلى مسلمي الهند.
أي للتدقيق ضد الإسلام في مركزه العربي، لذلك شاهد الفيديو المرفق الذي (طبقا للترجمة) يدعو لاحتلال مكة وهدم الكعبة بزعم أنها فوق معبد هندي، تماماً كما يزعم اليهود بأن الأقصى فوق هيكل ما يسمى سليمان.
لا يمكنك في التحليل السياسي الاقتصادي تجاهل تواشج هذا مع الإيديولوجيا ودورها في التحفيز الاستعماري الإمبريالي.
وهذا ينقض ما ورد في خبر الصفقة والقائل: “… فهي تتخلى عن الجمود الأيديولوجي الموروث، وتتجنب رؤية الشرق الأوسط من منظور ديني، وتسعى جاهدة إلى تحقيق جميع الفرص التي تنتظر الهند في المنطقة”.
بل إن الصفقة هي اقتصادية إمبريالية ملفوفة بورق لامع من إيديولوجيا الدين السياسي.
كما ورد في الخبر بأن المجموعة “تخلق توازن قوى ضد القوى المستقلة النشطة في المنطقة، إيران وتركيا، وتعمل على استقرار المنطقة في عصر تنافس القوى العظمى””.
هنا نلاحظ الحَوَلْ التحليلي: فكيف يحصل “توازن” ضد قوى مستقلة ونشطة وفي نفس الوقت يؤدي إلى استقرار المنطقة في عصر تنافس القوى العظمى؟ فهل يعني التنافس أو يؤدي إلى توازن، وإن حصل، أليس مؤقتاً في عالم الرأسمالية في مرحلة الاحتكار! لكن ربما يقصد الكاتب أن التوازن هو بين المتنافسين على الوطن العربي بما هو في حالة شبه موات وبالتالي يمكنهم تقاسمها عبر توازن!
وهنا ايضاً يُطرح السؤال: هل تركيا وإيران مجرد قوى نشطة أم ايضاً لهما طموحات إمبريالية كغيرهما!
ومع ذلك يبقى التساؤل عن: الغائب الحاضر في الصراع والذي يجري الصراع على جسده وهو العروبة. فقد جرى ذكر امريكا، الهند، الكيان، الإمارات، تركيا، إيران، ولم يرد ذكر لا العرب ولا اية دولة عربية أخرى سوى الإمارات والتي على عروبة نظامها أسئلة كبيرة تؤدي إلى نفي عروبته!
هذا هو السؤال الخطير، فالوطن الكبير يُعرض هنا باعتباره منطقة لا دولانية تم اقتحامها ومن ثم يتم تقاسمها.
وعودة إلى الأنفاس الإمبريالية، لنرى التالي:
وكتب أداني/المياردير الهندي على موقع تويتر: “أشعر بالفرح لفوزي بمناقصة خصخصة ميناء حيفا في إسرائيل مع شريكنا غادوت… أنا فخورٌ بالتواجد في حيفا، حيث قاد الهنود، في عام 1918، واحدة من أعظم فرق سلاح الفرسان في التاريخ العسكري!…يشير … إلى الاستيلاء على حيفا من قبل اللواء الخامس عشر لسلاح الفرسان الإمبراطوري المكون من قوات، قدمتها الولايات الأميرية الهندية في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، حيث دفعت قوات الحلفاء العثمانيين خارج فلسطين وسيناء.”
يكاد هذا الضارية الإمبريالي أن يكرر “ها قد عدنا يا صلاح الدين”!
ليس لهذا الفخر سوى التفسير الإمبريالي الوقح، هذا من جهة، وكذلك الكاذب من جهة ثانية، فالجنود الهنود كانوا عبيداً للإمبراطورية الاستعمارية البريطانية وبالتالي، لا فخر في دور جنود من بلد في خدمة سيدهم من بلد آخر، وما أكثر الجنود من عديد بلدان العالم الذين لعبوا هذا الدور، وبالطبع كان عرب كثيرين جنودا في قوات الاستعمار العثماني.
أما نتنياهو، وخاصة في لحظة تهديد خصومه باقتلاع سلطته، فقال مفتخرا ومادحاً دور جنود هنود في احتلال حيفا، وبالطبع لا يمكن أن يذكر بأن ذلك كان في دورهم كعبيد لبريطانيا ولا كون ذلك الاحتلال تمهيداً لوعد بلفور.
والسؤال أخيراً: أين حكام العرب أمام كافة هذه التطورات والطموحات والتغولات من عديد بلدان العالم. معظم أنظمة العالم إما تبني أو حتى تتجاوز جغرافيتها بينما أنظمة العرب تهدم وتخرب وتبيع الوطن. هذا ما يدفعنا للعمل على إعادة البناء العروبي.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/