نشرة “كنعان”، 28 ابريل 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6531

في هذا العدد:

من حيفا … لمكة: هل هي إمبريالية دين سياسي! عادل سماره

نعم  إنه المؤتمر القومي العربي! عادل سماره

سلمى الخضراء في سفرها الأخير، رشاد أبوشاور

وثائق البنتاغون المسرّبة تكشف عمليات التجسّس والتضليل الأميركية،  د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

✺ ✺ ✺

من حيفا … لمكة: هل هي إمبريالية دين سياسي!

عادل سماره

كتبت في حلقة (9) من سلسلة “تطورات الكيان”

“…يمكن للمتتبع الحاذق وحتى للمرء السطحي أن يلاحظ بأن هذه المرحلة في المجتمع البشري تتسم بتناقضات عديدة لكنها تنفرد بإثنتين خطيرتين وغريبتين:

الأولى: تطور تكنولوجي هائل

والثانية: تردي أخلاقي هائل ايضا وهو اتساع ظاهرة الدين السياسي والتعصب الدموي على صعيد الكوكب وتحولها في نظر البشرية إلى أمر عادي. حيث المفترض تناقض المسألتين أو التطورين! فلا يجمع بينهما سوى عالم في لحظة فارقة تضعه على حافة البربرية.

ورد مؤخرا  في موقع (al-ain.com › article › indian-acquisition-israel  )

ما أُسمي “خصخصة” ميناء حيفا، لأن ملياردير هندي اشترى معظم حصصه. وهذا يطرح التساؤل التالي:

·       هل كان الميناء قطاعا عاماً

·       وهل هذه خصخصة

·       أم شكل متحور عن الإمبريالية على شكل قطاع عام رأسمالي معولم؟

بداية، ميناء حيفا ككل فلسطين مغتصب وبالتالي فآية علاقة لأية دولة مع الكيان هي عداوة لفلسطين والعروبة. كما أن خصخصتة تعني أن الميناء كان جزءً من قطاع عام، وهنا لا بد من التدقيق بأن وجود قطاع عام يعني لدى البعض أن “البلد” اشتراكي وهذا ليس صحيحاً وبالطبع يستغل الكيان هذه المسألة فهو يلعبها دائما: رأسمالي، اشتراكي، إمبريالي حسب اللحظة.

يقول خبر “الخصخصة” بأن هذه الصفقة نجاح لِ” مجموعة “I2-U2” التي تضم في صفوفها كلّاً من الهند، و”إسرائيل”، والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية.” وبأن هذا النجاح طرد الصين من حيازة الميناء.

والسؤال: هل عمل مجموعة كهذه هو خصخصة أم عولمة إمبريالية! ولا نقصد هنا فقط إمبريالية الولايات المتحدة، بل هناك، كما أعتقد، نشوء إمبرياليات مساعدة أو وكيلة، أو رثة، أو شريكة للإمبرياليات الفعلية التي تحدث عنها لينين. فكل دولة تحاول أن تصبح إمبريالية أو يمكن أن تحاول. ولو وسعنا التحليل لقلنا بأن هذا الشكل أي المجموعة أعلاه هو جزء من تحويل الكوكب باسره إلى “قطاع عام رأسمالي معولم” تستغله طبقة معولمة تتناقض وتتصالح هنا أو هناك. أي أننا في حقبة توسع وتوحش الرأسماليات وإن كانت بينها تناقضات وهذا طبيعي.

فطالما النظام الاقتصادي الاجتماعي لأية دولة هو رأسمالي، فمن الطبيعي أن تطمح في التحول إلى إمبريالية. فالدول كالنفوس طبقاً للآية القرآنية الكريمة “والنفس نزَّاعة للشِوى” أي للتعالي.

سيكون لنا حديث أوسع في هذا لاحقاً.

وهناك جانب مهم آخر لم ولن تتطرق له تحليلات هذه الصفقة وهو أن كلا السلطتين في الهند والكيان هما من أنظمة الدين السياسي المتراكب ذاتياً تحالفيا بين:

·       رأسمالية نيولبرالية معولمة الأطماع

·       وإيديولوجيا دين سياسي تعيد بناء الدولة على اسس دينية توراتية في الكيان وهندوسية براهمية في الهند.

فالسلطة في الكيان لم تعد راضية عن نظام صهيوني علماني نصف ديني/سياسي ضد الإسلام العربي، بل تدفع باتجاه دولة توراتية. كما أن السلطة في الهند بقيادة مودي هي ضمن انظمة الدين السياسي وخاصة ضد الإسلام العربي بدءا من مكة وصولا إلى مسلمي الهند.

أي للتدقيق ضد الإسلام في مركزه العربي، لذلك شاهد الفيديو المرفق الذي (طبقا للترجمة) يدعو لاحتلال مكة وهدم الكعبة بزعم أنها فوق معبد هندي، تماماً كما يزعم اليهود بأن الأقصى فوق هيكل ما يسمى سليمان.

لا يمكنك في التحليل السياسي الاقتصادي تجاهل تواشج هذا مع الإيديولوجيا ودورها في التحفيز الاستعماري الإمبريالي.

وهذا ينقض ما ورد في خبر الصفقة والقائل: “… فهي تتخلى عن الجمود الأيديولوجي الموروث، وتتجنب رؤية الشرق الأوسط من منظور ديني، وتسعى جاهدة إلى تحقيق جميع الفرص التي تنتظر الهند في المنطقة”.

بل إن الصفقة هي اقتصادية إمبريالية ملفوفة بورق لامع من إيديولوجيا الدين السياسي.

كما ورد في الخبر بأن المجموعة “تخلق توازن قوى ضد القوى المستقلة النشطة في المنطقة، إيران وتركيا، وتعمل على استقرار المنطقة في عصر تنافس القوى العظمى””.

هنا نلاحظ الحَوَلْ التحليلي: فكيف يحصل “توازن” ضد قوى مستقلة ونشطة وفي نفس الوقت يؤدي إلى استقرار المنطقة في عصر تنافس القوى العظمى؟ فهل يعني التنافس أو يؤدي إلى توازن، وإن حصل، أليس مؤقتاً في عالم الرأسمالية في مرحلة الاحتكار! لكن ربما يقصد الكاتب أن التوازن هو بين المتنافسين على الوطن العربي بما هو في حالة شبه موات وبالتالي يمكنهم تقاسمها عبر توازن!

وهنا ايضاً يُطرح السؤال: هل تركيا وإيران مجرد قوى نشطة أم ايضاً لهما طموحات إمبريالية كغيرهما!

ومع ذلك يبقى التساؤل عن: الغائب الحاضر في الصراع والذي يجري الصراع على جسده وهو العروبة. فقد جرى ذكر امريكا، الهند، الكيان، الإمارات، تركيا، إيران، ولم يرد ذكر لا العرب ولا اية دولة عربية أخرى سوى الإمارات والتي على عروبة نظامها أسئلة كبيرة تؤدي إلى نفي عروبته!
هذا هو السؤال الخطير، فالوطن الكبير يُعرض هنا باعتباره منطقة لا دولانية تم اقتحامها ومن ثم يتم تقاسمها.

وعودة إلى الأنفاس الإمبريالية، لنرى التالي:

وكتب أداني/المياردير الهندي على موقع تويتر: “أشعر بالفرح لفوزي بمناقصة خصخصة ميناء حيفا في إسرائيل مع شريكنا غادوت… أنا فخورٌ بالتواجد في حيفا، حيث قاد الهنود، في عام 1918، واحدة من أعظم فرق سلاح الفرسان في التاريخ العسكري!…يشير … إلى الاستيلاء على حيفا من قبل اللواء الخامس عشر لسلاح الفرسان الإمبراطوري المكون من قوات، قدمتها الولايات الأميرية الهندية في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، حيث دفعت قوات الحلفاء العثمانيين خارج فلسطين وسيناء.”

يكاد هذا الضارية الإمبريالي أن يكرر “ها قد عدنا يا صلاح الدين”!

ليس لهذا الفخر سوى التفسير الإمبريالي الوقح، هذا من جهة، وكذلك الكاذب من جهة ثانية، فالجنود الهنود كانوا عبيداً للإمبراطورية الاستعمارية البريطانية وبالتالي، لا فخر في دور جنود من بلد في خدمة سيدهم من بلد آخر، وما أكثر الجنود من عديد بلدان العالم الذين لعبوا هذا الدور، وبالطبع كان عرب كثيرين جنودا في قوات الاستعمار العثماني.

أما نتنياهو، وخاصة في لحظة تهديد خصومه باقتلاع سلطته، فقال مفتخرا ومادحاً دور جنود هنود في احتلال حيفا، وبالطبع لا يمكن أن يذكر بأن ذلك كان في دورهم كعبيد لبريطانيا ولا كون ذلك الاحتلال تمهيداً لوعد بلفور.

والسؤال أخيراً: أين حكام العرب أمام كافة هذه التطورات والطموحات والتغولات من عديد بلدان العالم. معظم أنظمة العالم إما تبني أو حتى تتجاوز جغرافيتها بينما أنظمة العرب تهدم وتخرب وتبيع الوطن. هذا ما يدفعنا للعمل على إعادة البناء العروبي.

✺ ✺ ✺

نعم  إنه المؤتمر القومي العربي!

عادل سماره

حين تكون القومية هي قومية الأنظمة فهي قومية حاكمة جوهرها قطري وسطحها أو لغوها قومي. تقف على نقيض منها القومية الكامنة أي قومية الطبقات الشعبية التي هي وحدوية اشتراكية مؤمنة ولكن ليست من نمط الدين السياسي.

في المعسكر الأول، يقف المؤتمر القومي العربي ليس بكل أعضائه ولكن على الأقل بالذين وقَّعوا بيان المطالبة بالإفراج عن الشيخ الغنوشي ومن معه وبينهم من يقيم علاقة عميقة مع العدو التركي..

بداية من ناحية قانونية وسيادة الدول كان الأحرى بالرجال الثمانية أن يقولوا: يجب تقديم لوائح اتهام ومحاكمة الموقوفين للتأكد من براءتهم أو العكس. أما أن يحكم أهل البيان من بعيد فهذا انتهاك لسيادة الدولة التونسية.

ولنأخذ سوريا كمعيار، أليس في عهد حزب غنوشي حصل إرسال آلاف التونسيين لقتل العرب السوريين؟

ألم يتم إغواء وخديعة آلاف النسوة التونسيات لممارسة جهاد النكاح في سوريا؟

اليس ارتباط غنوشي مع قطر وتركيا بحد ذاته خيانة عروبية؟

ألم يتم اغتيال البراهمي وبلعيد في ظل حكم النهضة وشركائها؟

ألم يمنع حزب غنوشي إدراج مناهضة التطبيع في الدستور التونسي؟

 وبالمقابل أعاد الرئيس التونسي تبادل السفراء مع سوريا؟

كيف ينسى رجال هذا المؤتمر أنهم طالما دبجوا بيانات في “محبة” سوريا، فهل تنتهي كل الجرائم أعلاه ب “بوسة لحية”؟

هل يُعقل والرجال في العقد الثامن من العمر أن يضللوا الشباب العربي هكذا؟

هذا البيان من الخطورة بمكان بحيث يخرج عن اي انتماء عروبي وينتهي عثماني وقطري نفطي.

ينتهك هذا البيان حق تونس، وهي تُنتهك كثيرا هذه الأيام:

·        الضغط الأمريكي على تونس غضباً من نظامها

·        التهديد المتوقع من إرهابيي الدين السياسي من ليبيا مستغلين أحداث السودان

·        الضغط الأوروبي وتمنعات صندوق النقد الدولي

·        الضغط التركي عبر قوى الدين السياسي الإخوان.

·        وأخيرا بعث شيخ شيعي ليقيم مركزا شيعيا ً لصالح آل البيت لأنه “يحبهم!

في الحقيقة ربَّ بيان يقول لصاحبه: دعني”.

✺ ✺ ✺

سلمى الخضراء في سفرها الأخير

رشاد أبوشاور

منذ عرفتها عرفت أنها تحب السفر، وقبل سفرتها الأخيرة بفترة قصيرة وهي تسافر. تتوجه للمطار، وتصعد الطائرة، وتفتح كتابا يهمها أن تترجمه، أو شيئا منه لموسوعة عن الشعر العربي، أو القصة العربية، أو الحضارة العربية الإسلامية.

منذ سنة لم أزرها في (شقتها) لأن ابن عمها، صديقي المهندس سعيد الخضراء الذي يحمل الجنسية النمساوية، جنسية البلد الذي درس الهندسة في جامعاته، واستقر به بعد تقاعده، والذي لم يغب عن العاصمة عمان التي له بيت فيها، ويهمه أن يبقى على تواصل مع الأهل والصحاب فيها، وعبرها مع من بقوا في فلسطين..لم يحضر، ولأن الدكتورة سلمى وهنت صحتها وثقل سمعها.

كنت أحتمي به، وأزورها معه، لأنني في حال زرتها بدونه فسأسمع زجرا وتأنيبا لا أستطيع الرّد عليه بسبب التقصير في زيارتها.

مرات أتجرأ وأزورها، ولكن مع أصدقاء يوسطونني لزيارتها، والتعرف بها عن قرب، وحمل ما تيسر مع أعمالهم الشعرية والنثرية لتقديمها لها، فتخفف الزجر وتحوله إلى لوم وعتاب أتملص منه بالضحك بحيث يطيش عني، فأنجو، وتنشغل هي بلباقة باستقبال ضيوفها، والتعرف بهم، وتتجاذب أطراف الحديث معهم حول الشعر، والأدب بشكل عام، ولا تنسى الضيافة فتنهض بين لحظة وأُخرى وتحمل صينية القهوة وبعض الحلوى، وقد اعتدت عليها رافضة لمساعدتها، فهي ترى في المساعدة تهمة لها بأنها متقدمة في العمر، وهذا ما لا تقر به.

عرفت فيما عرفته عنها أنها محبة للسفر، وقد نيّفت على الثمانين وباتت على تخوم التسعين، ولم أكن أجرؤ، لا أنا ولا صديقي سعيد، على سؤالها عن عمرها، وعمرها هو عمر شجرة معمّرة أعطت فصولا من الثمار والخصب، ولم تتوقف، وهي مع التقدم في العمر ظلت صاحبة مشاريع كبيرة تعجز عن النهوض بها مؤسسات كبرى، فما بالك بوزارات الثقافة في الدول العربيّة وهي فقيرة في الحضور والدور والعطاء.

كآخرين ممن عرفوها وصفتها بأنها مؤسسة اسمها سلمى الخضراء الجيوسي، ولم أجانب الحقيقة، فمن تابع نشاطاتها المتعددة التي لم تتوقف إلى ما قبل رحيلها بقليل، يردد هذا الوصف التقديري، هي التي رحلت يوم 20نيسان الجاري عن عمر بلغ ال97 عاما، لتلحق بقافلة من القادة الفلسطينيين الكبار، والأدباء الكبار، يتقدمهم عبد القادر الحسيني قائد الجهاد المقدس وبطل معركة استعادة القسطل التي وقعت قبل يوم واحد من مذبحة دير ياسين التي استشهدت فيها المعلمة حياة بلابسي وهي تعالج الجرحى، وكانت تربطها بسلمى صداقة ظلت تستذكرها دائما…

لمعت سلمى الخضراء كشاعرة في بداية حياتها الأدبية، فترة الستينات بديونها الشعري (العودة من النبع الحالم)، وكانت الحركة الشعرية العربية تخوض معركة الحداثة وقصيدة التفعيلة، ولكنها بعد انشغالها بالتنقل مع زوجها الديبلوماسي في عدّة بلدان، والعمل الجامعي كأستاذة جامعية، وانشغالها بأعمالها الموسوعية، تحديدا بعد الانهماك في مشروع (بروتا) لترجمة الأدب العربي للغة الإنقليزية منذ عام 1980،وهو المشروع الذي قدمت عبره أعمالا موسوعية عن الحضارة الإسلامية، ومختارات من الروايات العربية والشعر العربي وكتب السير.

بدعم من جامعة كلومبيا، وتشجيع من البروفسور إدوارد سعيد أشرفت على تقديم أنطولوجيا الأدب الفلسطيني الحديث، والتي ضمت مختارات شعرية، وقصصية، وسيريّة، لخمسين من المبدعين الفلسطينيين، ومن بينهم نقلت فصولا من كتابي(آه يا بيروت)، وقد صدرت الأنطولوجيا في ثلاث طبعات أعوام 1992،1993،1994 واستقبلت باهتمام وقدمت معرفة عن المستوى الثقافي للشعب العربي الفلسطيني، وما يتمتع به مبدعوه.

قدمت الدكتورة سلمى أعمالاً موسوعية منها (الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس)، وقد صدر في عام 1992، وكانت تختار الباحثين والمترجمين بعناية، وتدقق في عملهم، ومتابعة أعمالهم، حتى تصدر بمستوى لائق وموثق.

رغم انقطاع الدكتورة سلمى عن الإبداع الشعري فهي عكفت على دراسة تطور الحركة الشعرية العربية فقدمت عملها الموسوعي الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث باللغة الإنقليزية، وقد ترجم للغة العربية وصدر في جزئين.

قدمت باللغة الإنقليزية عملا موسوعيا عن المدينة الإسلامية، وقد استقبل العمل باهتمام كبير، وبفوزه بأنه بقي في الصحافة البريطانية لعدة أسابيع في مقدمة الكتب الأكثر مبيعا في بريطانيا بحسب الصحف البريطانية، وكانت فخورة بما أنجزت وقد أطلعتني أنا والمهندس سعيد على الكتاب الموسوعي الضخم وبعض صفحات الصحف البريطانية التي احتفت بعملها الذي قدم لأول مرّة عملا كبيرا يُعرّف بالمدينة الإسلامية وهو ما كان مجهولا، وعرف بفضل ما بذلته الدكتورة سلمى من الجهد.

لقد عاشت الدكتورة سلمى الخضرا الجيوسي حياتها كما يقال باللهجة الشعبية الفلسطينية عرضين وطول، حياة ممتدة غنية منجزة، وعملت كمؤسسة تعجز عن تأسيسها دول، وكانت مؤمنة برسالتها لتقديم الوجه الحضاري الثقافي لأمتها، وقامت بدورها المشرّف بإخلاص وصدق ودأب، وجابت بلاد العالم، وكرّمت، ومنحت أرفع شهادات التقدير، والأوسمة، والجوائز…

عاشت الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي حياة غنية ممتدة بلغت ال 97عاما، ولذا يحق لوطنها، لأمتها، لثقافتها العربية الأصيلة أن تفخر بها، وأن تشكرها كثيرا على ما قدمته عن ثقافة أمتها، ودورها الحضاري التاريخي العريق.

شكرا دكتورة سلمى، ستبقين حيّة وحاضرة بكل ما قدمته، وستعيشين لزمن ممتد في ضمير أمتك وثقافتها. لروحك الرحمة والسلام، ولذكراك المجد والفخر.

✺ ✺ ✺

وثائق البنتاغون المسرّبة تكشف

عمليات التجسّس والتضليل الأميركية

 د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

               لم يحسم الجدل الداخلي الأميركي بشأن وثائق البنتاغون المسرّبة حديثاً أياً من التكهنات السياسية أو تداعياتها، وانحصر اهتمام المؤسسة الحاكمة في “قدرتها” الفائقة على إلقاء القبض على مشتبه به بسرعة ملحوظة.

            وأقرّ كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية بأن العملية “قد” تكون منظّمة لتسريب المعلومات السرّية التي من شأنها إلحاق الضرر بجهود الأجهزة الأميركية “وربما إعاقة التخطيط العسكري في أوكرانيا” لحلف الناتو بمجموعه.

            ورجّحت كبرى المؤسسات الإعلامية الأميركية مسؤولية الأمر إلى قيادة هيئة الأركان المشتركة، برئاسة مارك ميللي، خصوصاً أن “عدداً من الوثائق حمل أختاماً تشير إلى مصدرها الأولي هو دائرة الاستخبارات التابعة لهيئة الأركان، وتبدو كأنها وثائق إحاطة” لمسؤولين كباراً (شبكة “سي أن أن”، 10 نيسان/إبريل 2023).

            لعل الوثائق الأهم هي تلك المتعلقة بالكيان “الإسرائيلي”، والتي كشفت عنها يومية “نيويورك تايمز” وتتعلّق بوثيقة صادرة عن البنتاغون بعنوان “إسرائيل: مسارات تزويد أسلحة فتّاكة لأوكرانيا”، قالت إنها كانت بتاريخ 28 شباط/فبراير الماضي، وتتضمن جملة خيارات مقترحة لصنّاع القرار من أجل الحصول على “موافقة إسرائيل لتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية ودفاعية ومعدات أخرى ” بينها “بطاريات (باراك8) للدفاع الجوي وصواريخ (سبايك) موجهة ضد المدرعات” (صحيفة “نيويورك تايمز”، 9 نيسان/إبريل 2023).

            واستطردت الصحيفة أن الوثيقة هي عبارة عن “تحليل استكشافي” قام به البنتاغون للتوقف عند محطات الضغط الأميركي التي ستلبي فيها “إسرائيل” طلبها شريطة حصولها على “تأييد أميركي صارم” لدعم عملياتها داخل إيران، وستوفر تلك الأسلحة عبر طرف ثالث، ربما تركيا.

            صدقية محتويات الوثائق “بالغة السرّية”، كما وُصفت، لا تزال محط تكهنات من قبل المختصين بالشأن العسكري، ومنهم أطقم البنتاغون الذين أعلنوا بعد بضعة أيام بأنها “تبدو حقيقية”، إذ ساهم الناطق باسم البنتاغون في تعريفها كـ “خطر كبير جداً على الأمن القومي” (البنتاغون”، 10 نيسان/إبريل 2023).

تسريبات بيانات ذات أهمية ظاهرية تتضمن في العادة بعض الحقائق تغلّف الشأن الخاص، وتحميلها معلومات إما غير دقيقة أو كاذبة، بالإضافة إلى جهود التضليل لعدد من الخصوم، أبرزهم روسيا والصين وإيران. عند هذا المفصل، نشطت وسائل الإعلام الرئيسية في الترويج لتقييم مضمون الوثائق لتثبيت صدقيتها، أو بعضها.

على سبيل المثال، وصفت يومية “وول ستريت جورنال” بتاريخ 7 نيسان / إبريل الحالي بأن التسريب يشمل “أكثر من 100 صورة طبق الأصل لوثائق سرّية نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي”. وفي اليوم التالي، شددت صحيفة “نيويورك تايمز” على مضامين “الكنز الدفين”، كما سمّته، بأنها “أوضحت مدى قدرة الولايات المتحدة على تحذير أوكرانيا قبل بدء الغارات الروسية”، وأن “القوات العسكرية الروسية تجهد في تنفيذ مهام الحرب، وكذلك لتبيّن الثغرات العميقة في منظومتها العسكرية”.

بينما تبرّعت صحيفة “واشنطن بوست، بتاريخ 7 نيسان / إبريل الحالي، بوصف مضامين الوثائق المسرّبة بأنها تشمل “إحاطات استخبارية في عموم العالم وصولاً إلى مستوى تحديثات التكتيك الميداني، وتقييم قدرات أوكرانيا الدفاعية”. وأضافت استناداً إلى قراءتها ومصادرها الاستخبارية الخاصة بأن الوثائق “تضمّنت تقييمات أميركية بالغة السرّية حول الصين ودول أخرى”.

وعادت الصحيفة في اليوم التالي، 8 نيسان/إبريل الحالي، إلى إضفاء مزيد من لهجة التأكيد بصدقية مضامين الوثائق لتخبر قراءها بأن “الذعر ينتاب القيادات العليا” في البنتاغون، وبعضهم عبّر عن “ذهوله وغضبه الشديد” جراء الاختراق الأمني.

بعض الاختصاصيين في مجال البيانات السرّية أكدوا  أنه “من المعتاد إقدام الحكومة (الأميركية) على المبالغة في مدى الضرر المزعوم الناجم عن رؤية وثائق سرّية في متناول العامة”، مشيرين إلى تفاعلات 3 حوادث تسريب سابقة لوثائق عسكرية سرّية: الأولى في عام 1971 فيما عُرف لاحقا بـ “وثائق البنتاغون” عن الحرب الأميركية على فيتنام؛ والثانية لنشر المتعاقد مع وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودن، وثائق تبيّن مدى انخراط الأجهزة الأمنية في التجسّس على المواطنين الأميركيين؛ والثالثة لما قدمته المجندة في استخبارات سلاح الجيش، تشيلسي مانينغ، في مقاطع فيديو بيّنت ارتكاب القوات الأميركية مجزرة بحق صحافيين ومدنيين عراقيين في بغداد عن سبق إصرار وترصّد.

وخلصوا بالاستشهاد بتقييم وزير الدفاع الأميركي الأسبق، روبرت غيتس، للسردية الرسمية للحكومة الأميركية بهذا الشأن بأنها “مُتعبة إلى حد كبير” (نشرة “ذي انترسيبت”، 13 نيسان / إبريل 2023).

وقد أجمعت كبرى وسائل الإعلام المقروء والمصوّر على تقييم الوثائق الصادر عن “مسؤولين أميركيين” بأنها “أصلية” تتضمّن بيانات حسّاسة عن الصين وميادين المواجهة العسكرية المقبلة معها في المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط وجهود مكافحة الإرهاب.

 وتكشف أيضاً مدى تجسّس الولايات المتحدة على حلفاء رئيسيين، منهم “كوريا الجنوبية وإسرائيل وأوكرانيا”، وتداعياتها على مجمل السياسة الخارجية للولايات المتحدة (شبكة “سي أن أن”، 10 نيسان / إبريل 2023).

زعمت الولايات المتحدة أنها لم ترسل قوات عسكرية أميركية إلى أوكرانيا، بل اقتصرت مهام أطقمها المختصة على تقديم المشورة والإشراف على جهود التدريبات العسكرية المختلفة، لتضليل الرأي العام الأميركي بدرجة أولى. وما لبثت أن أشارت الوثائق عينها إلى أن لدى واشنطن وحلفائها نحو 100 عنصر من القوات الخاصة في أرض الميدان، فضلاً عن أعداد أخرى من “قوات المتعاقدين” الأميركيين الذين لا تشملهم السجلات الرسمية.

وفيما يتعلق بحجم الخسائر البشرية لقوات الجانبين، روسيا وأوكرانيا، أعلن القائد الأعلى للقوات الأوكرانية المسلحة، فاليري زالوجني، أن بلاده خسرت ما لا يقل عن 257 ألف عنصر، خلال زيارته لواشنطن ولقائه وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة في 16 كانون الثاني/يناير 2023.

يضاف إلى ذلك معدل الخسائر البشرية بين صفوف القوات الأوكرانية الذي يبلغ نحو 800 عنصر يومياً، أي بنسبة 7 إلى 1 من القوات الروسية، والذي يضيف 72 ألف قتيل أوكراني، على الأقل، منذ ذلك التاريخ.

أما خسائر الجانب الروسي، وفق المصادر الأميركية، فقد بلغت 181 ألفاً، بينهم 40 إلى 70 ألف قتيل (شبكة “أم أس أن”، 15 نيسان / إبريل 2023).

المتتبع للسردية الرسمية الأميركية، وعند مقارنتها ببعض تفاصيل الوثائق المسرّبة يجد كم هو الفارق بين المزاعم الرسمية والوقائع على الأرض.

فمثلاً، حافظت الرواية الأميركية على وصف الحرب الأوكرانية بأنها ليست حرباً بالوكالة، بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي سرعان ما بددتها وثائقها المسرّبة عن عمد أو للتضليل.

كما شددت واشنطن الرسمية وأخطبوط وسائلها الإعلامية أنه لا وجود للقوات الأميركية في ميدان المعارك، لتسارع قياداتها بالإقرار بأن لديها “100 عنصر” من القوات الخاصة.

وما فتئت وسائل الإعلام كافة ترديد مزاعم أن روسيا تنهزم أمام صلابة القوات الأوكرانية التي ستستعيد أراضيها في إقليم الدونباس وشبه جزيرة القرم، فيما تبيّن وثائقها الخاصة مدى التضليل الذي تسير وفق إيقاعاته من أجل استدراج روسيا إلى حرب مع “حلف الناتو” أو أميركا مباشرة.

في ظل تلك اللوحة من التناقضات الأميركية، وتجسّسها على حلفائها قبل أعدائها، يستعد عدد من كبار مسؤوليها للسفر إلى ألمانيا الأسبوع المقبل للمشاركة في لقاء يشمل نحو 50 دولة “لتنسيق جهود توريد الأسلحة والدعم إلى أوكرانيا”، وستواجه فيه مجموعة حلفاء قلقين من الوثوق بها.

في المقابل، تسعى واشنطن إلى توجيه البوصلة بشأن تزويد كييف بأسلحة متطورة، بما فيها منظومات للدفاع الجوي، خصوصاً في هذا الظرف الذي تعاني فيه أوكرانيا من نزيف بشري كبير وتواضع أعداد التجنيد الإلزامي بسبب خسائرها البشرية العالية.

:::::

مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن

الموقع الإلكتروني:

http://thinktankmonitor.org/

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org