كيف تواجه سورية الصعوبات في مرحلة” إزالة اثار العدوان”؟ د. أمين محمد حطيط

تضمن بيان عمان الذي أصدره وزراء خارجية مصر و السعودية و العراق اثر اجتماعهم بوزير الخارجية السوري، تضمن التزاما و تأكيدا عربيا على مواقف سورية السيادية المشروعة و التي قاتلت من اجلها خلال العقد الماضي في مواجهة الحرب الكونية التي استهدفتها و حشدت لها إمكانات اكثر من ٨٣ دولة اجتمعت تحت مسمى مزور “أصدقاء سورية” بقيادة أمريكا التي عملت باستراتيجية ” الفوضى الخلاقة ” لتدمير الدول الكبرى في غرب اسيا و لإقامة الشرق الاوسط الاميركي على انقاضها.

و بعد بيان عمان –الاول من أيار ٢٠٢٣ – لم يعد مهما كثيرا الإجابة علي السؤال : متى تعود الجامعة العربية الى سورية و تعيد تقديم مقعدها لها لإشغاله وفقا لما يفرضه حقها بالعضوية في هذا الجامعة ، هذا الحق الذي انتهك و انتهك ميثاق الجامعة بذاته يوم قررت اغلبية لم تصل الى الاجماع المنصوص عليه في الميثاق و قررت تجميد المقعد و حرمان سورية من حقها بإشغاله ، كان ذلك في مطلع الحرب الكونية عليها و استجابة للإملاءات الاميركية التي صدرت للعرب عملا باستراتيجية عزل سورية و استفرادها لتدميرها ، فاليوم ثبتت سورية و انتصرت دفاعيا و هزم العدوان الذي استهدفها و سقط المشروع الذي حمله هذا العدوان و وجد العرب انفسهم امام حقيقة لا يمكن الهروب منها مهما كانت المكابرة و مهما كانت الضغوط ، حقيقة انتصار سورية و حلفائها في محور المقاومة و بات التعامل مع هذه الحقيقة هو ما يمليه العقل و المنطق السليم .

فالذي يهم سورية ليس الشكل والقرارات التي تبقى حبرا على ورق، بل ما يعنيها هو العلاقات الجدية التنفيذية التي تعتمد لها الية تنفيذية مناسبة تخدم اهداف سورية الاستراتيجية والتي تتضمن حقها بوحدة أراضيها وسيادتها عليها من دون أي مس او انتهاك كما وحقها في الامن والاستقرار وتحقيق الرفاه الاجتماعي لشعبها. وطبعا حقها في لعب الدور الاستراتيجي الذي تؤهله له جغرافيتها السياسية من منظور ذاتي وإقليمي ودولي. وطبعا تكون العلاقات مع الدول العربية الأساسية ودول الجوار السوري هي التي تتقدم على ما عداها في شبكة العلاقات التي تهم سورية في المرحلة الراهنة وهذا ما تضمنه او أوحى به بيان عمان ٢٠٢٣ حول سورية.

هذه هي الأهداف التي عملت سورية خلال الحرب الدفاعية على تحقيقها ونجحت في ذلك نجاحا كان ثمنه باهظا بدون شك ولكن مهما كان قدر هذا الثمن يبقى اقل بكثير من الثمن الذي كانت ستدفعه لو انتصر العدوان عليها لأنها في تلك الحالة ستخسر وجودها بذاته. لكنها عرفت كيف تختار وعرفت كيف تدافع عن خياراتها وعرفت كيف تحالف من هم صادقون في دعم تلك الخيارات ووصلت الان الي الوضع الذي يمكنها من القول بانها انتصرت في المواجهة وانتقلت الى مرحلة جديدة هي مرحلة إزالة اثار العدوان واستعادة وضعها الطبيعي.

بيد ان اميركا التي خططت وقادت العدوان والحرب الكونية على سورية، وإسرائيل التي كانت تمني النفس بسقوط سورية واندثارها، يبديان من المكابرة في رفض الإقرار بهزيمة العدوان ما يحملهما علي الاستمرار في العدوان و ان بأهداف تختلف عن سابقاتها. فأميركا تعتمد استراتيجية “إطالة امد الصراع” لتمنع سورية من الاستفادة من انتصارها و العودة الى حياتها الطبيعية و لذلك نجد كيف ان اميركا تبقي على احتلالها لقسم من الأراضي السورية في الشرق و الشمال الشرقي و تحتضن الحركة الانفصالية الكردية (قسد) و تنشط المجموعات الإرهابية (داعش) و تضغط علي دول عربية لحملها على رفض عودة سورية الي الجامعة العربية فضلا عن عرقلة و منع  عودة النازحين السوريين الى سورية و تستمر في شن الحرب الاقتصادية و الحصار بمقتضى ما تسميه “قانون قيصر “.اما إسرائيل فإنها تستمر في ارتكاب العدوان الناري المباشر على سورية بالطيران او المدفعية و الصواريخ لتوحي بان الحرب مستمرة و تدفع الإرهابيين الي التمسك بأوكارهم في الميدان خدمة للاستراتيجية الأمريكية أيضا .

لكن سورية التي اتقنت تخطيط دفاعها وفقا لجداول أولويات وضعتها واثبتت جدواها، تقوم اليوم أيضا باعتماد جداول أولويات تناسب “مرحلة العودة الي الحياة الطبيعية وتصفية اثار العدوان والعودة الى تثبيت شبكة العلاقات الدولية التي تعنيها وتخدم مصالحها لاستراتيجية و في هذا السياق تبدي سورية اهتماما بمسائل او ملفات أساسية خمسة كالتالي:

1) ترميم اقتصادها وتفعليه بالاعتماد على ما تبقى من قدرات اقتصادية و ما يتوار منها من الحلفاء و رغم صعوبة المهمة فان سورية توليها الاهمية القصوى لأنها تعلم بانها المدخل السليم للعودة الى الحياة الطبيعية.

2) تعزيز وتمتين اوصر تحالفاتها لاستراتيجية الإقليمية والدولية خاصة في إطار محور المقاومة في ظل المتغيرات الدولية التي يشهدها العالم في مرحلة الانتقال الى عالم متعدد الأقطاب والمجموعات الاستراتيجية، وهنا تبدو الاهمية الاستثنائية لزيارة الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي الى دمشق و ما ينتظر ان يتمخض عنها من اتفاقات و تفاهمات سياسية واقتصادية فضلا عما هو قائم في المجال الأمني و العسكري و هذا ما يغضب أعداء الطرفين.

3) تصفية الاحتلالات الأجنبية للأرض السورية، واجتثاث الإرهاب من اقليمها وهنا تبدو أهمية اللقاءات الرباعية التي تجمع مسؤولين سوريين الي اقرانهم في إيران وروسيا وتركيا من اجل ازالة الاحتلال التركي ووقف دعم تركيا للجماعات الإرهابية والاستثمار بالإرهاب،

4) تنشيط العلاقات السورية العربية، وهنا تبدو أهمية لقاء عمان الرباعي الذي انضم اليه وزير الخارجية السوري وشكل في شكله وما تمخض عنه نقلة نوعية في مجال العلاقات السورية العربية.

5) العمل على توفير الشروط والمقتضيات اللازمة لشبك العلاقات السورية مع القوى الدولية الفاعلة خاصة الشرقية منها وهنا تبدو أهمية العلاقات المميزة التي تربط دمشق بروسيا او التي يعمل الطرفان على تطويرها وتعزيزها، كما وتظهر في العلاقات السورية الصينية التي تتخذ مسارا إيجابيا مميزا يحرص عليه الطرفان بكل جدية واهتمام.

:::::

“البناء”، بيروت، 2023‏-5‏-3

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….