نشرة “كنعان”، 3 مايو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6535

في هذا العدد:

شذرات عن دُعاة وملتزمي التسوية: بعد فلسطين صعوبة الموقف السوري، عادل سماره

أرسولا والاستغراب الغريب، باديه ربيع

استشهاد الشيخ خضر عدنان: هل سيقود إلى مرحلة جذرية في الوعي والمقاومة؟! رشاد ابوشاور

ميلوني في لندن لتنذر أوروبا من الهجرة وتراجع الخصوبة، سعيد محمد

✺ ✺ ✺

شذرات عن دُعاة وملتزمي التسوية

بعد فلسطين صعوبة الموقف السوري

عادل سماره

“ولكن هيهات، فكم فارس تبقّى على ساحة الإلتزام”

أحمد حسين

يمكنني الزعم بأنني ممَّن واكبوا تحولات وارتدادات البعض من الالتزام بالتحرير إلى التورط في المفاوضات والتسوية وصولاً إلى إغواء آخرين أو الضغط عليهم لصالح التسوية والاعتراف بالكيان. وبالطبع كانت لهذا كلفته لأن أهل التسوية بيدهم مفاتيح الوظائف والمال والأعمال والأكاديميا والسلطة…الخ وربما الجنة!

دفعني لهذه الكتابة:

1-  ورود خبر أول أمس عن شخص ناشط فرنسي اسمه تيم مارتن أقنعه عروبيون بأن يزور الكيان، فاستجاب.

2- تدفق أنظمة التطبيع العربية على سوريا وتصدير بيانات لغوية وهذا خطير لأنه تدجين لسوريا لتدخل التسوية من باب موارب، بدل أن يُعلنوا الحرب لتحرير المحتل من سوريا مقابل ما أعلنوه من حرب حتى أمس على سوريا.

3- زيار الرئيس الإيراني لسوريا اليوم والتي حسب ما كتب الصحفي حسني محلي هدفها إقناع الرئيس الأسد بلقاء أردوغان قبل انتخابات تركيا، بعد أن فشل بوتين في ذلك وانعكاس هذا على فلسطين.

وتذكرت كيف كاد أهل التسوية عام 1995 الإيقاع بالمفكر المميز سمير امين ليأتي إلى الأرض المحتلة.

شذرات تسووية

من اللافت في القطاع الثقافي الفلسطيني وخاصة وكلاء الثقافة اللبرالية وشريحة البرجوازية التجارية وخاصة وكيلة البضائع الأجنبية أي الكمبرادور وهم أهل التسوية أنهم: لم ولا ولن يغيروا موقفهم من الاعتراف بالكيان حتى في اشد مذابحه ضد شعبنا وضد بلدان عربية ايضاً.، بينما يساريون يتحولون!

قد تصح إجابتي بأن أساس هذا الخلل في أن هؤلاء وُجدوا في مناخات نشوء وتربية وشغل تفتقر إلى الوطنية لأن القاعدة الأساسية كي تستقيم ابداً:”يجب أن تبدأ وطنياً”.

لن اروي مروية تاريخية عن أهل التسوية في فلسطين فهذه مسألة موسوعية. لكنني سأقتطف مما أعرف أنا نفسي.

لفت نظري منذ الشباب أن يقوم شاب فلسطيني في كلية بير زيت قبل أن تصبح جامعة 1961 ويكتب قصيدة رثاء بالإنجليزية ل جون كيندي الرئيس الأمريكي المُغتال رغم أن الإدارة الأمريكية عدوة للعرب وحاضنة للكيان!

أخذنا الزمن في طريقه.

وكنت كتبت لاحقاً في عدد من مجلة “الشراع” التي أغلقها الاحتلال وقدم 60 “مخالفة” وردت فيها ومنها 6 عني شخصياً. كان عنوان المقال “جهابذة الحوار الأكاديمي” وهو عن لقاء حصل بين أكاديميين فلسطينيين وصهاينة في مستوطنة رحوبوت 1982 غربي بلدة عمواس (التي هدمها الاحتلال هي وقريتي يالو وبيت نوبا فورا بعد حرب 1967) وهم جميعا من أساتذة جامعة بير زيت. بالمناسبة هذه القرى الثلاثة احتضنت رُفاة شهداء الصاعقة المصريين يوم 6 حزيران 1967 في تصديهم لدبابات امريكية غربية يقودها جنود الاحتلال.

وأذكر في عام 1982 وقبيل الغزو الصهيوني للبنان بايام اجتمع في لندن 24 من رجال المال والأعمال والأكاديميين الفلسطينيين ومن بينهم الأكاديمي العربي الأمريكي إدوارد سعيد ورشح عنه أن الصراع مع “إسرائيل” لا يمكن حله عسكريا. وكان ذلك بالطبع في فترة تدهور وضع م.ت.ف.

هذا إلى عام 1983 اي 15 شباط حيث كتبت في مجلة الشراع العدد 50 ص ص 32-33 مقالا بعنوان “حوارات ووثائق المناطق المحتلة: هل هي بدايات نهج يميني جديد”، ذكرت فيه نقداً :

“… للقاء حصل في المناطق المحتلة بين أكاديميين ورؤساء بلديات وصحفيين وتجار ومثقفين برجوازيين وكتبوا عريضة ملخصها “وجوب الاستغناء عن الكفاح المسلح” وامتنعوا عن نشرها باعتبار التوقيت غير مناسب….كما تم توزيع عريضة في كانون ثانٍ 1983 باسم رئيس بلدية بيت لحم آنذاك إلياس فريج فحواها الدعوة لدعم تمثيل النظام الأردني للشعب الفلسطيني، وقيل أنها سُحبت من التداول. .. كما نشرت جريدة “الفجر” في نفس الفترة حديثا ل د. سليم تماري واساتذة آخرين حول استعداد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وخاصة الطلبة للتعايش مع اسرائيل…”

ولاحقاً، اجرى الصحفي الصهيوني حاييم هنجفي من منظمة ماتسبين جناح تل ابيب لقاء في جريدة “هآرتس” الصهيونية مع الشاعر محمود درويش 1987 حيث أعرب درويش عن استعداد الفلسطينيين للتفاوض والسلام مع الكيان. وقامت مجلة “المجلة” السعودية في لندن بترجمة اللقاء ونشرته وكان رئيس تحريرها حينذاك الصحفي الأردني صالح القلاب الذي لاحقاً أصبح وزير إعلام في الأردن. حينها رسم ناجي العلي نقدا لدرويش، وكتبت أنا في جريدة العرب عدة مقالات نقداً للتطبيع ولدرويش ودار سجال موسع بين مثقفين عرب ضد التطبيع ومثقفين عرب مع التطبيع انبرى فيه إميل حبيبي للدفاع عن التطبيع وطبعا عن درويش وفي النهاية أُغتيل ناجي العلي يوم الأربعاء 22 تموز 1987 الساعة الخامسة مساء على الرصيف في لندن.

وكعادتها دارت الأيام، وبعد تدمير العراق عام 1991 على يد 33 دولة بقيادة أمريكا وأنظمة عربية كان مؤتمر مدريد الذي دخله عدد من الأنظمة العربية وضمنهم فلسطينيون ذُلاً مع الكيان ونجمت عنه سلسلة المفاوضات العشر التي شارك فيها كثير من الأكاديميين والمثقفين والرأسماليين الفلسطينيين برئاسة د. حيدر عبد الشافي. وكانوا جميعاً مع التسوية والاعتراف بالكيان كتابة ومشافهة.

في عام 1995 دُعيت إلى مؤتمر في جامعة نانط في باريس ضد العولمة، وقدمت ورقة هناك وكان من المدعوين الراحل سمير أمين الذي كان يترجم حديثي مشكوراً إلى الفرنسية.

وبعد الحديث :

قال: سنلتقي في الضفة الغربية؟

قلت متعجياً: كيف؟

قال: دُعيت من أساتذة في جامعة بير زيت.

قلت: لكن هذا تطبيع!

قال: لكن الضفة محررة …هكذا خبروني!

شرحت له تفاصيل الوضع وبالطبع قرر رفض المجيء.

أما أعضاء جولات المفاوضات العشرة فلاحقاً لخَّص موقفهم د. جوزيف مسعد في مقال بعنوان “ساسة واقعيون أم مثقفو كمبرادور: المثقفون الفلسطينيون والنضال الوطني” نشرناه في كنعان العدد 85 نيسان 1997 ص ص 14-28.

وطبعاً كانت التسوية وكانت اتفاقات أوسلو وتزايد واتسع تيار التسوية وتزايدت طبعات الدعوات للحلول من دولتين، لدولة واحدة لدولة ثنائية القومية.

وضمن هذه الدعوات أوراق منها ورقة سلامه كيله، وكراسة كتبها أحمد قطامش 2012 وصولاً إلى دولة مع المستوطنين الواردة في ورقة “نداء وصرخة من الأعماق” يتصدر هذه الدعوة المدعو د. يحي غدار من لبنان ومعه فلسطينيين وعربا ومسلمين وتدعمه إيران نفسها حيث أقامت له شبه حزب اسمه “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” وبعد افتضاح الأمر تغير الاسم إلى “التجمع العالمي لدعم المقاومة”. .هذا مع العلم أن السلطة في إيران هي مع حل ديني ثلاثي في فلسطين! لا بد من معترضة هنا بأن كثير من الشرفاء افادوا بأن هذا الشخص ليس بكل تلك الأهمية! ربما. ولكن أن يعيش في لبنان وفي أوساط ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة الإسلامية ويُطلق دعوة كهذه وأن يخطب في طهران بحضور المرشد خامنئي الجالس في الصف الأول بين مستمعيه هو أمر يثير التساؤل بل الريبة.

قد يتسائل البعض وما العلاقة للرئيس الإيراني وللأنظمة العربية في زياراتهم لدمشق!

وهو سؤال مشروع شكلاً مغلوط عمليا ومنطقياً.

فلقاء الأسد/أردوغان، إذا صح أن هذا هدف زيارة الرئيس الإيراني، قبل إلتزام حقيقي من أردوغان بسحب قواته المحتلة من سوريا ووقف دعمه لإرهابيي الدين السياسي واقتلاعهم من إدلب، والخروج من خبث التكتيك مع قوات الاحتلال الأمريكي في سوريا والتي تحمي الكر-صهاينة أي بدون هذه الشروط الحتمية، فإن اللقاء هو تقويض لسوريا.

ذلك لأن اي تنازل من سوريا هو إجهاز على موقفها. والإجهاز على سوريا هو إجهاز على فلسطين وعلى معنويات من يمثلون اليوم بواكير ومقدمات تجديد المشروع العروبي.

أدناه الصورة مع الراحل سمير أمين في المؤتمر المذكور 1995.

✺ ✺ ✺

أرسولا والاستغراب الغريب

باديه ربيع


اعترض كثيرون على تهنئة ممثلة الاتحاد الأوروبي أرسولا فالدر لاين، للكيان
باحتلال فلسطين. فما وجه الغرابة؟ لا حاجة لقول بأن أوروبا هي التي أقامت الكيان وألمانيا خاصة هي التي تدفع له المليارات حتى اليوم بحجة دماء المحرقة.
لكن تخيلوا لو أن أوروبا، حتى دون أمريكا سوف تدفع مقابل ضحايا الأمم، فربما لا يبقى فيها التراب.
لماذا تتردد هذه النس/ذكورية في الاعتداء على العرب؟ فليست أول نس/ذكورية تُذلُّ ملوكا ورؤساء عرباً. من كونداليزا رايس إلى هيلاري كلينتون إلى سفيرات في لبنان (نورا مثلاً) والأردن والعراق ومصر والسعودية…الخ. هناك يأمرنهم بأنف عالٍ.
وليس ذلك التكبر فقط لأنهن يمثلن العدو الأكبر، بل لأنهن يعرفن أن الحكام
الذين يستقبلونهن لا يُعيرون نفس الاحترام والهيبة للنساء العربيات. ولذا ترسل أمريكا نساءْ إليهم بشكل مقصود حيث لا براءة في السياسة.
ولكن، إذا كان الحكام من الذل بمكان، فأين احتجاج النسويات الفلسطينيات والعربيات على هذه المرأة.
لماذا لم تُثر ضجة تُهينها مما قد يكشف عن مرضٍ نفسي وبنيوي فيها! فمن يدري.
هل هذا الصمت نتيجة اعتماد تمويلي نسوي غرقت فيه نسويات أل NGOs أو ما يسميها البعض الأنجزة؟
ولماذ لم تحتج الجمعيات النسائية في الأرض المحتلة والوطن العربي؟
إذا عجزت المرأة عن ثقافة الاحتجاج، فهل يمكن أن تتمتع بزخم الثورة؟
هل السبب طغيان التطبيع على القشرة النسائية؟
إن كان ذلك كذلك فلنا الويل لأن القشرة الذكورية تحتاج إلى كنس.

✺ ✺ ✺

استشهاد الشيخ خضر عدنان

هل سيقود إلى مرحلة جذرية في الوعي والمقاومة؟!

رشاد ابوشاور

استشهد الشيخ خضر عدنان القيادي في الجهاد الإسلامي، في فجر يوم 2أيّار، اليوم السادس والثمانين لإضرابه عن الطعام، ورفضه تناول المدعمات.

في كل مرّة كان يعتقل فيها كان يبلغ سجانيه ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله بأنه مضرب عن الطعام، لأنه يرفض السجن الإداري التعسفي، السجن الذي لا يعرف فيه السجين لماذا هو مسجون، وكم هي مدّة سجنه، لأنه سجن بلا تهمة محددة يبلّغ بها السجين، وهي قابلة للتمديد ودون تحديد.

في مرّات سجنه السابقة، والتي توجت بالإفراج عنه، كان الشيخ خضر أكثر قوة جسدية، وأكثر شبابا، ولكنه مع التقدم في العمر، وعدم قدرة الجسد على التحمل كما في المرّات السابقة، وبعد 86يوما من الجوع والمعاناة، وإصراره على مواصلة الإضراب رحل في فجر يوم 2 أيّار، ولعل التوقيت الذي غادرت روحه فيه جسده وصعودها إلى الباري جلّت قدرته فيه معنى خاص به، يكرمه، ويلهم شعبه، ففجر صعود روح الشيخ يبشّر شعب فلسطين بفجره الآتي بالتضحيات حتما، والذي لا حرية ولا تحرير لفلسطين بدون التضحيات الموجعة للشعب الفلسطيني المضحي الصبور الذي لم ولن ينكسر، رغم أنه وحيد في الميدان، ولا شريك له سوى حزب الله، وبعض الدعم من شرفاء الأمة، بمواقفهم المنحازة والمؤيدة في زمن (التطبيع) والتخلّي عن جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني ومن يدعمه ويسلحه ويموله: أمريكا، والمجرمة بريطانيا التي لم تتخل يوما عن دورها الشرير في التآمر على فلسطين وشعبها، وعلى كل قضايا التحرر العربي ( هل ننسى دورها في العدوان الثلاثي على مصر الناصرية عام 1956)..وجرائم أخرى كثيرة.

لقد رفض القضاء الصهيوني، قضاء الاحتلال، الإفراج بكفالة عن الشيخ خضر عدنان مرتين، وقضاته يعرفون أنه في حالة خطر، أي أنهم غطّوا وبرروا جريمة قتله، فهم مثلهم مثل بن كبير ومودريتش، وعتاة الصهاينة الذين انكروا وينكرون عروبة فلسطين، وشعب فلسطين العريق في أرضه، بل ويعملون على إلغائه، وتغييبه من الوجود، يغطيهم  من تنصلوا من عروبة فلسطين، وفلسطنوها، أي أقلموها، ثم طبّعوا وتخطوا شعب فلسطين ومقاومته، وتركوا الفلسطينيين في الميدان وحدهم، انطلاقا من مصالحهم كحكام لدول لا هوية ولا انتماء لها، حتى وهم يرون ضعف المشروع الصهيوني، وتصارع تجمع الكيان الصهيوني، وبدء تفكك الكيان الصهيوني، وعجزه عن ضمان حاضره ومستقبله، فما بلك بضمان أمن ( دولهم)؟!

ولأننا لسنا متفرجين على قضيتنا وشعبنا، فإننا نفكر ليل نهار بالأسرى، وبمقاومة شعبنا والمعوقات التي تعترض هذه المقاومة، وبالحصار الخانق على شعبنا، وبكل ما يتيح للعدو الصهيوني الاستفراد بأهلنا في داخل فلسطين التاريخية والجغرافية فإننا ونحن نثق بما يختزنه شعبنا من خبرات ثورية، وما راكمه من تجارب تلهم وتحّض وتضئ الطريق الصعب، نرى ونلمس أن شعبنا ما عادت تنطلي عليه أكاذيب (مسيرة السلام)، فالأرض تطوى من تحت الأقدام، والمناطق ج تسرق يوميا ويحرم الفلسطينيون من البناء عليها، ومناطق الأغوار تنهب أرضا وماء، وهو ما يدفع جيل الشباب للمقاومة في منطقة أريحا، وتحديدا في مخيم عقبة جبر أكبر مخيمات الأغوار، فهم يرون أنهم يطوقون ويعزلون ويحاصرون، وهم في منطقة أريحا بوابة فلسطين الشرقية، ويلمسون أن ما يفعله الاحتلال هو وضع وتنفيذ مخططات المعازل الخانقة لفلسطين، ولذا يقاومونه بضراوة. وهكذا تنضم أريحا ومخيماتها لجنين ومخيماتها، ولنابلس ومخيماتها، وللخليل ومخيماتها، وبيت لحم ومخيماتها، وبهذا التكامل تثور الضفّة الفلسطينية، ولثورتها ما بعدها امتدادا، وتحولا في الوعي والخطاب فمع الكيان الصهيوني لا سلام مخادع يسرق الوقت من الفلسطينيين بالتخدير وجرجرتهم بالسير وراء سراب سلام افتضح أمره على امتداد ثلاثة عقود منذ التوقيع في حدائق البيت الأبيض في أيلول 1993، والسير وراء (وسطاء الخداع) الأمريكان رعاة الكيان الصهيوني وحّماته ومموليه ومسلحيه وجر المطبعين العرب لمعانقة الصهاينة والتخلي عن عروبة فلسطين وشعب فلسطين الذي يخوض معركة الدفاع عن الأمة كلها على أرض فلسطين.

قتل الشيخ عدنان، وتركه يموت في السجن، جريمة نتنياهو وحلفائه الصهاينة المتدينين، وهي ليست جديدة، فمن قبل استشهد كثيرون تحت التعذيب في سجون الاحتلال، وتُرك كثيرون ليموتوا دون تلقي العلاج وبإشراف أطباء صهاينة مثلهم مثل قضاة محاكم الاحتلال، وكلهم مجرمون وقتلة، ونحن كفلسطينيين آن أن نرتقي بالوعي الثوري إلى حيث يأخذنا للقول بوضوح: هذا كيان احتلالي مجرم لا سلام معه، فهو يحتل كل أرضنا، ورغم تنازل بعض القادة الفلسطينيين، وتوقيع اتفاقات أوسلو، فإنه مارس الخداع برعاية أمريكية وغربية، وقتل من وقع معه وصافحه (أبو عمار) بالسم، وهو يهدم البيوت، ولا يكف عن نهب الأرض والماء والاقتصاد، ولا يردعه رادع، فلا رأي عام عالمي، ولا قرارات شرعية دولية تهمه، ولن تردعه سوى مقاومة جذرية شاملة في كل فلسطين، ويخوضها كل الفلسطينيين حيثما تواجدوا بكل ما يستطيعون، ومعهم كل المخلصين بغض النظر عن القناعات العقائدية، إسلامية أو قومية عربية أو يسارية.

 آن أن تنتهي حقبة الرهانات السياسية القاصرة النظر التي خسّرت قضيتنا، وأربكت شعبنا، وأدخلت الخلافات بين صفوفنا، وضيعت الكثير من وقتنا في الصراع على السلطة، ومكنت الانتهازيين من التلاعب في الوعي الفلسطيني، وغطّت (خيانات) المطبعين.

لروح الشهيد الشيخ الصلب خضر عدنان الرحمة وجنة الخلود. تضحيته لن تذهب سدى فهو سيسهم في تجديد الوعي وتعميق الصراع مع الكيان الصهيوني، و..لا بُدّ أن يُقرّب بين كل من يؤمنون بأن صراعنا مع الكيان الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود.

✺ ✺ ✺

ميلوني في لندن لتنذر أوروبا من الهجرة وتراجع الخصوبة

سعيد محمد

تشن رئيسة الوزراء الإيطاليّة، جورجيا ميلوني، حملة علاقات عامّة لتثبيت صورتها عند الأوروبيين كسياسيّة محافظة معتدلة لا فاشيّة متطرفة، وفي هذا الإطار التقت نظيرها البريطاني ريشي سوناك ضمن زيارة رسميّة إلى لندن استمرت يومين، طرحت فيها، إلى جانب وسائل تطوير العلاقات الاقتصاديّة بين البلدين، ملفات تتعلق بتهديدات (وجوديّة) تتعرّض لها القارة العجوز، بما فيها الحرب في أوكرانيا، وتدفق المهاجرين من الجنوب، وأيضاً انخفاض معدلات الخصوبة.

التقت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، نظيرها البريطاني ريشي سوناك مع نهاية الأسبوع الماضي (الخميس والجمعة) في زيارة رسمية أولى لها إلى لندن استمرت يومين يقول الخبراء بأنها تأتي ضمن حملة تسويق لإقناع أوروبا بأنها محافظة معتدلة سياسياً، لا فاشية متطرفة كما يصورها الإعلام. ويقود سوناك حكومة تمثل حزب المحافظين البريطاني اليميني الذي يهيمن على السلطة في المملكة منذ أكثر من عقد.

وأشادت ميلوني في تصريحاتها على هامش الزيارة “بالعلاقات القوية جدا” بين بريطانيا وإيطاليا، وقدّمت دعماً معنوياً لسوناك الذي يتعرّض لانتقادات من بروكسيل (مقر الاتحاد الأوروبيّ) بشأن سياسة حكومته احتجاز طالبي اللجوء الذين يعبرون القنال الإنجليزي من البرّ الأوروبيّ وترحيلهم إلى رواندا.

وقالت ميلوني مخاطبة سوناك: “إن التصدي للمهربين والهجرة غير الشرعية أمر تقوم به حكومتكم بشكل جيد للغاية، وأنا أتفق تماماً مع سياستك بهذا الشأن، وأعتقد أن هنالك العديد من الأشياء التي يمكننا القيام بها معاً”، هذا مع أن نص البيان المشترك حول الزيارة اكتفى بالإشارة إلى فرص التعاون بين البلدين بشأن الهجرة، تجنباً فيما يبدو لإثارة جدل مع بروكسيل بهذا الخصوص.

وبحسب مطلعين على تفاصيل الزيارة، فإن الملفات التي حملتها ميلوني معها تتعلّق بعدد من التهديدات (الوجوديّة) التي تواجهها القارة الأوروبيّة، وعلى رأسها تنسيق تدفق المساعدات العسكرية للنظام الأوكراني في مواجهته مع روسيا، إضافة إلى القضيتين المتشابكتين: تدفق المهاجرين من دول الجنوب على متن القوارب، وانخفاض معدلات خصوبة النساء في أوروبا.

والتزمت ميلوني، التي تقود – منذ أكتوبر / تشرين أوّل الماضي – ائتلافاً حكومياً من أحزاب يمينيّة، بسياسة سلفها الليبراليّ ماريو دراجي دعم نظام كييف وإمداده بالأسلحة على الرّغم من أن بعض مكونات حكومتها تتحفظ على ذلك، وانتقلت بذلك من مربّع مواقف اليمين الإيطالي المتطرّف التي انتخبت عليها إلى مواقف أقرب إلى الوسط، متماهية مع رغبات السادة الأمريكيين وبيروقراطية بروكسيل، والتيار الغالب على برجوازيّة روما.

أما قضيّة المهاجرين من دول الجنوب، والتي كانت الحكومات الإيطالية المتعاقبة قد لجمتها إلى حد بعيد من خلال التعاون الوثيق مع قادة الميلشيات الليبية المتنازعة لمنع الساعين إلى الهجرة شمالاً من ركوب القوارب، فإنها عادت لتسبب الصداع مجدداً لروما، لا سيّما وأنّ عدد المهاجرين الذي تمكّن من الوصول إلى الأراضي الإيطالية عبر البحر خلال الشهور الثلاثة الاولى من هذا العام زاد عن العدد الذي نجح بالوصول إلى بريطانيا وفرنسا معاً طوال العام الماضي (2022).

وكانت ميلوني قد أعلنت حالة طوارىء وطنيّة لمواجهة أزمة المهاجرين إلى إيطاليا. وهناك خشية عبّرت عنها عدة أطراف في روما من وصول ما قد يصل إلى مليون مهاجر من تونس إذا اهتز استقرار السلطة فيها، إضافة إلى حوالي 700 ألف آخرين موجودون بالفعل في ليبيا ويقنصون الفرص للهجرة شمالاً، و300 ألف قد يلتحقون بهم بسبب النزاع المسلح الأحدث في السودان. وستكون هذه الأرقام، إن تحققت، بمثابة كارثة ليس لإيطاليا وحدها، وإنما أيضاً لأوروبا وبريطانيا، حيث يكمل كثيرون رحلة الهجرة عبر إيطاليا نحو قلب أوروبا وشمالها الأكثر ثراء، إضافة إلى إصرار الكثيرين على الوصول في النهاية إلى الجزيرة البريطانية.

وتشكل مسألة هجرة بالقوارب من فرنسا عبر القنال الإنجليزي إلى بريطانياً همّاً لليمين البريطانيّ – على رغم محدوديتها بالمقارنة مع الأعداد التي تصل إلى مختلف دول الاتحاد الأوروبيّ كألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان -. وبينما رحّب اليمين الحاكم في لندن بحرارة بالمهاجرين الأوكران، وقدّم لهم تسهيلات غير مسبوقة، فإن ما يقلق السلطات هو القادمين من دول الجنوب – الذين لا يشبهوننا -. وعقدت لندن اتفاقاً مثيراً للجدل مع رواندا تعيد بموجبه، مقابل دعم ماليّ، تصدير المهاجرين (غير الشرعيين، على حد وصف الحكومة البريطانية لهم) إلى ذلك البلد الأفريقيّ، الذي لا يتمتع نظامه الحاكم بسمعة طيبة فيما يرتبط بحقوق الإنسان بعد حرب أهلية هناك ذبح فيها الملايين من الأبرياء.

وتأمل ميلوني بأن يكون التعاون الأوروبيّ في مسألة الهجرة بوابتها الشخصيّة لتحسن صورتها أمام الفرقاء الأوروبيين، إضافة بالطبع إلى محاولة حشد التأييد داخل أروقة الاتحاد لسياسات موحدة أكثر صرامة في التعامل مع المهاجرين غير الأوروبيين.

ويرتبط بملف الهجرة بما تسميه ميلوني “بالانتحار البطيء لأوروبا”، حيث تتراجع نسب الولادات في القارة العجوز إلى مستويات مقلقة، فيما تستمر معدلات الأعمار بالارتفاع بسبب تحسن مستوى الخدمات الصحية بشكل مضطرد.

وبينما كانت إيطاليا تاريخياً واحدة من أكثر المجتمعات الأوروبيّة خصوبة، فإن لديها الآن واحداً من أدنى معدلات الخصوبة في العالم عند 1.2 ولادة لكل امرأة. وانخفض عدد المواليد في العام الماضي (2022) إلى أقل من 393 ألف ولادة بتراجع عدة آلاف عن عددهم في العام 2021، وهو التراجع السنوي الرابع عشر على التوالي.

وانخفض عدد سكان إيطاليا منذ العام 2014 بنحو 1.4 مليون نسمة، ومن المتوقع الآن أن العدد سينهار من 59 مليون حالياً إلى أقل من 48 مليوناً خلال خمسين عام.

وبينما معدل الخصوبة في بريطانيا أفضل نسبياً من إيطاليا – عند مستوى 1.6 ولادة لكل امرأة – فهو لا يزال أقل بكثير من معدل الولادات اللازم للحفاظ على عدد السكان – أي 2.1 ولادة -.

وتنعكس هذه المسألة الديموغرافيّة سلباً على الاقتصادات، واضطرت عدة دول أوروبيّة إلى زيادة عمر التقاعد إلى ما معدله في الاتحاد الأوروبي 66 عاماً (68 عاماً في بريطانيا، وفرضت فرنسا مؤخراً زيادة من 62 إلى 64 عاماً) كي يكون بمقدور صناديق التقاعد الوفاء بالتزاماتها في ظل نقص المواليد وزيادة معدلات الأعمار.

ويجادل اليسار الليبرالي الأوروبي بأنّه ينبغي الترحيب بالمهاجرين إلى القارة إن ليس بسبب أخلاقيّ فعلى الأقل بسبب الحاجة لأيد عاملة جديدة تدفع اشتراكات صناديق التقاعد التي تموّل شيخوخة الأوروبيين. لكن اليمين الإيطالي تحديداً يعتبر ذلك هراء محضاً مع وجود ثلث الإيطاليين في سن العمل خارج التوظيف، وارتفاع نسبة البطالة بين الشبان الإيطاليين إلى نحو 25 بالمائة، ما يجعل فرص كسب الرزق أمام المهاجرين محدودة للغاية، أو هم ينتهون إلى قطاعات الجريمة، حيث أكثر من نصف جرائم السرقة والسطو في إيطاليا مثلاً يرتكبها مهاجرون.

خطّة ميلوني البديلة تقول بأنّه بدلاً من استيراد كتل سكانيّة ذات خصائص ثقافية وعرقية مختلفة عن المجتمعات الأوروبيّة فإنّه ينبغي تشجيع النساء الأوروبيّات على إنجاب مزيد من الأطفال – الذين يشبهوننا -، وتعتزم لذلك تبني عدة إجراءات تتضمن اعفاءات ضريبيّة بقيمة 10 آلاف يورو سنوياً لكل طفل حتى وصوله إلى الثامنة عشرة، وتسهيلات وحوافز إضافيّة للأمهات العاملات، وكذلك الحد من تسجيل الأزواج المثليين كآباء. لكّن، هذه الخطّة لا تحظى بتأييد اليسار الليبرالي الأوروبيّ، ويقود الحزب الديمقراطي الإيطالي – وريث الحزب الشيوعي الإيطالي وأكبر أحزاب المعارضة الآن – حرباً ضروساً ضدّها. ويبدو أن ميلوني تأمل بتعاون الأحزاب المحافظة الأوروبيّة – بمن فيهم محافظو بريطانيا – للدفع معها باتجاه بناء توجه استراتيجي لإنقاذ القارة من الهاوية التي يجرها إليها اليسار الليبرالي.

وإذا كانت مسألة هجرة القوارب حرجة وهامّة بالنسبة لحكومة سوناك بحكم الموقف الشعبوي العنصري للحزب الحاكم تجاه المهاجرين، فإن موضوع تحدي تراجع الخصوبة لا يبدو أولوية على الأقل في المدى القريب، حيث تواجه لندن تحديات اقتصاديّة عاجلة، وتراجعاً حاداً في التأييد الشعبي لليمين ما قد يتسبب بخروج المحافظين من السلطة في الانتخابات العامة المقبل بعد أقل من سنتين. ومع ذلك، فإن تحذيرات ميلوني قد تثير جدلاً مؤجلاً بين أجنحة الحزب الحاكم حيث يمين ليبرالي يريد تخفيض الإنفاق الحكومي على الطبقات الفقيرة، ويمين تقليديّ لا يمانع باجتراح طرق لزيادة انجاب البريطانيين البيضاوات حصراً كوسيلة لمحاربة الهجرة.

:::::

الأخبار “، اللبنانيّة، بتاريخ 1 مايو 2023

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org