نشرة “كنعان”، 6 مايو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6537

في هذا العدد:

الكتابة في المحرم (2)، عادل سماره

البحث عن جمال حمدان، مهدى مصطفى

فيلم “تذويب الجنود العراقيين: وحشية لا نظير لها، محمود القيعي

قراءة في كتاب: «المسيحيون المشرقيون ودول الخلافة الإسلامية: جدلية السلطة والدين»، لمؤلفه أنطوان ضومط، مراجعة محمد نورالدين

يوتيوب عادل سماره: في القومية والاستقلال والسيادة والتكامل والتبعية الطوعية

​https://youtu.be/3EJSEBDk-GM 

Shareفي القومية والاستقلال والسيادة – YouTube

✺ ✺ ✺

الكتابة في المحرم (2)

عادل سماره

من الذي كسر أنف قياديين في المقاومة للانتقال من مواجهة العميل غدار إلى الجلوس أمامه كالتلاميذ! أنظروهم في الكتابة في المحرم (1)

هذا بيان الفصائل:

■ ■ ■

تصريح صحفي

حول استدعاء الدكتور المناضل عادل سمارة على خلفية الدعوى المرفوعة ضده من قبل آمال سليم وهدان.

تؤكد فصائل المقاومة الفلسطينية والهيئات والشخصيات الوطنية التي اجتمعت في دمشق بتاريخ (10/3/2016م) أثناء التحضير لانعقاد ملتقى التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، على التالي:

وجه المجتمعون رسالة للدكتور يحيى غدار الأمين العام للتجمع تضمنت ما يلي:

ـ سحب الورقة المقدمة من آمال وهدان، والتي تحمل عنوان “صرخة وطنية” وعدم تداولها، لأن مناقشتها لا يمكن أن تكون داخل قاعات الملتقى، حيث أن الورقة تتضمن مواقف خلافية ومثيرة للجدل ولا نريد لاجتماعاتنا أن تنشغل بها، حيث أن الورقة تدعو للتعايش مع المستوطنين في فلسطين المحتلة. مما يعتبر خروجا على الثوابت الوطنية الفلسطينية.

ـ لقد سجلنا رفضنا لمشاركة من يحمل هذه الأفكار في الملتقى، خاصة وأنهم غير مكلفين من قبل أي هيئة أو إطار وطني فلسطيني في الأراضي المحتلة، وبذلك فهم لا يمثلون إلا أنفسهم.

ولهذا قرر المجتمعون اعداد وتقديم ورقة تحمل اسم “نداء فلسطين المقاوم”, وثم اعتمادها وقراءتها في الملتقى وألغيت ورقة “الصرخة ” المثيرة للجدل والمشبوهة.

إن فصائل المقاومة الفلسطينية والهيئات الشعبية والشخصيات الوطنية التي شاركت في الملتقى، تجدد موقفها الرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ولهذا نعلن تضامننا الكامل ووقوفنا إلى جانب المناضل الدكتور عادل سمارة، في مواجهته لدعاة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

القوى والهيئات والشخصيات:

ـ خالد عبد المجيد “أمين سر تحالف فصائل المقاومة الفلسطينية”

ـ د. ماهر الطاهر “عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”

ـ عمر الشهابي ” أبو حازم ” عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة”

ـ محمد عدلي الخطيب ” أبو فاخر” أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة”

ـ سالم خليّل “أبو جمال” عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني”

ـ د. غازي حسين ” عضو قيادي في منظمة الصاعقة”

ـ إسماعيل السنداوي أبو مجاهد “عضو في قيادة حركة الجهاد الإسلامي”

ـ محمد العبد الله الرفاعي ” أبو نضال” كاتب وناشط

ـ عبد الكريم شرقي “رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية”

دمشق:4/7/2016م المكتب الصحفي

✺ ✺ ✺

البحث عن جمال حمدان
مهدى مصطفى

هكذا هو قدر مصر، وهكذا هو قدر جمال حمدان، كلاهما مجبول من طينة فريدة.
الأولى شغوفة بالصبر، والثاني شغوف بفك وتركيب حركة الجغرافيا ومكر التاريخ.
والصبر أصل متين من أصول مصر الثمينة، وهي لا تراقب ولا تشاهد من موقف المتفرج، بل من موقف الفاحص المتأمل المنتظر، وفى لحظة مواتية تنقض على  «شياطين الإنس».
ومصر مسكونة بالتأمل والانتظار، وحمدان مسكون بحراسة الكنز.
يوما بعد آخر تتأكد أن محاولة بناء الأسوار الشائكة حولها، شمالا وجنوبا وغربا وشرقا، حقيقة واقعة، لكنها تنظر إليها كأسوار بيت العنكبوت، لأنها  أمة منبثقة ذاتيا، متماسكة عضويا،  أشبه بحجر ألماس، وعلى أبوابها أولياء وحراس.
عاما بعد آخر نتأكد أن وصية جمال حمدان واجبة التنفيذ.
في ذكرى هذا الشهيد الحى، في السابع عشر من إبريل من عام 1993 أستعيد بعضا مما كتبته قبل عام في مقالين تحت عنوان:” استعادة جمال حمدان”، وفى الاستعادة درس وتجربة، فقد اكتشفت أن “شياطين الإنس” يطحنون​​ نفس الشعير، ويأكلون من نفس الخبز.
يقول جمال حمدان”: «ببساطة.. إن مصر، أقدم وأعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم، غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر، مهما كانت قوة الضغط والحرارة. مصر هي “قدس أقداس» السياسة العالمية والجغرافيا السياسية”، ثم يؤكد: «فى كلمة واحدة.. شخصية مصر هي التفرد”، ويرى في النهاية.. “إن مصر بالذات محكوم عليها بالعروبة”.
ومرة أخرى يضع قانونها أمام الدنيا: “مصر تظل في النهاية وأساسا هي مصر، وتظل بوصلتها هي المصرية”، ويصفها بأنها ذات “التاريخ العريق، والأصالة الذاتية، والحضارة الانبثاقية”، وبذلك تختلف عن “دول بلا جذور جغرافية» والتى – أي هذه الدول – «كأنها الغراب الذي يقلد مشية الطاووس».
ولأن جمال حمدان ذو رؤية ثاقبة ونافذة، يرى أن مصر أم الدنيا من حيث الأمة الوسط، والأمة التى لعبت دورا فى كل العصور في الأبعاد المجاورة.
صحيح أنه ينظر إليها كآسيوية بالتاريخ، وإفريقية بالجغرافيا، ونيلية بالحياة، ومتوسطية أوروبية بالثقافة والحضارة، ولكنه يراها مثالا منفردا ووحيدا، وجديرة بأن تكون قلب العالم القديم والحديث.
وحسبما يشرح لنا نحن الأبناء: كانت تيارات العقائد والثقافات تهب من آسيا، وتشكل عمق الرؤية المصرية على مدى حقب طويلة، وتتمازج مع مصر بالسلالات، خصوصا فى الشام الجنوبية (فلسطين)، ثم الشام الكبير، وطريق البحر المتوسط، بينما كانت قاعدة الحياة تأتى من إفريقيا النيلية، وتتجه شمالا حيث المتوسط المربوط بمصر.
لكن حمدان يحذر المصريين من مرض “ الدوار الجغرافي”، مؤكدا أنه مع الدورات التاريخية المتلاحقة لم يحدث أن أصيبت مصر بهذا الدوار “ببساطة.. لأنها مركز الدائرة وقطب الرحى”، وحسب تعبيره الدقيق: “فإن مصر وحدها هي الجيروسكوب الراسخ والبوصلة القائدة” والجيروسكوب هو الذي يحدد مكان السفينة فى أى زمان، وأي مكان.
ومكان ومكانة السفينة المصرية محددان ومعروفان، وقادرة على الإبحار في قلب الأمواج العالية، وفى مواجهة العواصف العاتية.

✺ ✺ ✺

فيلم “تذويب الجنود العراقيين
وحشية لا نظير لها
لكن لماذا اليوم؟

نشرت قناة روسيا اليوم بالإنجليزية فيلما عن تذويب الجيش العراقي في معركة مطار بغداد بوحشية مطلقة. لكن بعد عشرين سنة!
لماذا اليوم يا روسيا.
لا تقل لي هذه المحطة لا ترتبط بالسلطة. غير صحيح وغالباً الفيلم بايدي مخابرات روسيا. لماذا الإخفاء حتى اليوم حين تناقضت روسيا مع امريكا تناحرياً.
لكن اين صداقتنا مع روسيا.
هذه الكلام لن يعجب عشاق اي سيد بل كل سيد. لكن من حقنا النقد. ومن واجبنا وضع الصديق في موقعه الطبيعي بدون جعله سيداً والأهم أن يعرف الجميع أنه بدون دولة عروبية كُبرى سيُهيننا كل بشر.
■ ■ ■

جريمةٌ ولا عقاب.. قناة “روسيا اليوم:” الإنجليزية تعرض فيلما وثائقيا عن حرب أمريكا على العراق.. حذّرت من مشاهد لا تقوى الأعصاب على احتمالها.. قصة “معركة بغداد” التي تمّت فيها إبادة القوات العراقية بالسلاح الإشعاعي “المدمّر” تؤجّج الغضب | رأي اليوم
جريمةٌ ولا عقاب.. قناة “روسيا اليوم:” الإنجليزية تعرض فيلما وثائقيا عن حرب أمريكا على العراق.. حذّرت من مشاهد لا تقوى الأعصاب على احتمالها.. قصة “معركة بغداد” التي تمّت فيها إبادة القوات العراقية بالسلاح الإشعاعي “المدمّر” تؤجّج الغضب

القاهرة – “رأي اليوم” – محمود القيعي:
عرضت قناة “روسيا اليوم” الانجليزية أخيرا فيلما وثائقيا قصيرا عن حرب أمريكا علي العراق في مارس / ابريل 2003، وقدمت له بأنه يحوي بعض المشاهد التي قد لا تقوي أعصاب بعض المشاهدين على احتمالها.
الفيلم نكأ الأحزان القديمة، وأجّج عاصفةً من الغضب.
الحديث الجديد عن الجرائم القديمة يؤكد قول الشاعر العربي القديم:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تَخفى على الناس تُعلمِ
برأي د.إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية فإن أهم ما جاء في الفيلم الوثائقي الذي بثته القناة الروسية هو ما يتعلق بمعركة “مطار بغداد” التي جرت فيها إبادة القوات العراقية التي كانت ترابط بالقرب من المطار للدفاع عن بغداد ضد أي غزو أمريكي محتمل، وفجأةً اختفت وتلاشت وكأنّ الأرض انشقت وابتلعتها ولم يعد هناك أثر لها ، وهو ما كان موضع استغراب العالم كله ودهشته.
وأضاف أنه تجمّع من الشواهد ما يدلّ على أن أمريكا استخدمت في معركة “مطار بغداد” سلاح اليورانيوم المنضب ، وهو سلاح اشعاعي مميت يقتل البشر في الحال، مشيراً إلى أنه باستخدامهم لهذا السلاح المحظور من أسلحة الدمار الشامل ، أصبح الطريق أمامهم مفتوحاً إلى بغداد لاحتلالها دون أن يتكبدوا من الخسائر في الأرواح والمعدات ما ظل الرئيس العراقي صدام يتوعدهم به ويحذرهم منه.
وقال إنه لم يرد في باله أنهم سوف يفاجئونه في حربهم معه باستخدامهم لهذا السلاح المدمّر الذي يصعب اقتفاء أي أثر له كغيره من الأسلحة التقليدية.
وقال أستاذ العلوم السياسية إن هذا الفيلم الوثائقي عن هذه الحرب المأساوية ذكّره بما حدث لأحد طلابه من المبعوثين اليمنيين النابهين الذي حضر الي من بغداد قرب نهاية صيف 2003، أي بعد شهرين أو ثلاثة من الحرب علي العراق ، للتسجيل للدكتوراه في العلاقات الدولية معه بجامعة اسيوط، وكان قد حصل علي الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بغداد في صيف هذا العام.
وتابع مقلد: “كان ذكيا ولماحا وممتلئا بالحماس والحيوية والنشاط ، وانتهيت معه من الاتفاق علي برنامج دراسته وعلي موضوع رسالته وعلي كل ما يمكن ان يسهل مهمته كباحث حضر الي بمشاعر كبيرة لا أستطيع ان أصفها،
وحكي لي كيف انه عاش فترة الحرب علي اعصابه ، خاصة انه كان يقيم في مسكن بالقرب من مطار بغداد ، وكيف انه افلت من الموت باعجوبة ، ومن هنا كان قراره بالمغادرة والحضور الي مصر لاستكمال دراسته في ظروف انسب لسلامته وسلامة زوجته التي حضرت برفقته لتدرس هي الاخري دكتوراه في المحاسبة بجامعة اسيوط… وفجأة ودون سابق مقدمات بدأت تنتابه اعراض آلام عنيفة في ذراعيه حتي لم يعد قادرا علي تحريكهما ، وذهب الي المستشفي الجامعي باسيوط ووصفوا له بعض المسكنات التي فشلت في تخفيف آلامه التي بدأت تتزايد وتنتشر.. ورحل الي القاهرة لمراجعة كبار الاساتذة المتخصصين، ومنهم اساتذة في امراض الدم ، وبتعرفهم علي خلفية الحالة ومن وجوده في العراق اثناء الحرب ، الخ ، رجّح بعضهم أنه تعرض لتأثير اشعاعي وربما من سلاح اليورانيوم المنضب الذي بدأ الكلام يكثر عن استخدام امريكا له،وفشل العلاج في محاصرة المرض وبدا يصيبه الهزال الشديد ، واضطرت اسرته لنقله الي الصين التماسا لفرصة اخيرة لانقاذه، وهناك ارسل لي بعض معارفه صورة له لم تحتملها اعصابي لبشاعتها، فلم يكن هذا الهيكل العظمي الذي نزل وزنه الي ثلاثين كيلوجراما هو من رأيته عندي في مكتبي قبل بضعة شهور في أسيوط،كان هنا شبحا مخيفا لا عَلاقة له بما كان عليه،وانتقل الي رحاب الله هناك وكم حزنت عليه”.
وقال إن ما جري له ودمره بلا رحمة لا بد أن يكون قد فعل الشيء نفسه مع اعداد لا حصر لها من العراقيين الذين تعرضوا لما تعرض له ، وربما لما هو أكثر وأفظع منه.
واختتم صابا جام لعناته على الحروب العدوانية الظالمة، وكل من يتسببون فيها أو يقفون وراءها في كل زمان ومكان، مترحما على ضحاياها ممن دفعوا حياتهم ثمنا لما لا ذنب لهم فيه.
سلوك معتاد
من جهته قال د. محمود عبد الناصر إن الولايات المتحدة الأمريكية دأبت على هذا السلوك في كل البلاد التي احتلتها، وهو استخدام هذا النوع من الأسلحة الذكية من وجهة نظرهم.
وذكّر عبد الناصر بالشعب الفيتنامي الذي لا يزال يعاني آثار الحرب الأمريكية عليه منذ أكثر من خمسين عاما، مشيرا إلى أن أمريكا استخدمت وقتها العامل البرتقالي orange agent
وهو مزيج من المبيدات العشبية لإبادة الغابات التي كان يختبئ بها الثوار الأفغان، والعامل البرتقالي كان يحتوي على مادة مسرطنة تسمى الدايوكسين Dioxin والتي تسببت ولا تزال تتسبب في أجيال مشوهة من الفيتناميين.
واختتم مؤكدا أن هذا حدث في فيتنام وأفغانستان والعراق ،وفي كل مكان حلت به أو ستحل به أمريكا.
معركة المطار
شهود عيان أكدوا أن معركة المطار فعلا كانت فاصلة في الحرب، حيث استغرب الجميع ما حدث، ظنا منهم أن تواطؤا حدث من أفراد الجيش العراقي.
العقاب
الكثيرون عبروا عن غضبهم من هذه الجريمة النكراء التي مرت، وأفلت المجرمون العتاة من العقاب، وبقي الضحايا وأهاليهم يتجرعون عذابات لا نهاية لها.

✺ ✺ ✺

قراءة في كتاب: «المسيحيون المشرقيون ودول الخلافة الإسلامية: جدلية السلطة والدين»، لمؤلفه أنطوان ضومط

  • أنطوان ضومط: المسيحيون العرب في ظلّ دول الخلافة

محمد نورالدين

هي أقرب إلى «مطالعة قضائية» بالتواريخ والوثائق والأسماء لمسار امتدّ بعد وفاة الرسول محمد إلى نهاية العهد المملوكي، توثّق لكل الاضطهاد الذي تعرّض له المسيحيون العرب على يد السلطة السياسية، التي حكمتهم باسم الدين وباسم المصالح فذهبوا ضحيتها ولا يزالون. في زمن استعار العصبيات الدينية والمذهبية والعرقية، التي تجاوزت خطوطها الحمر، في السنوات العشرين الأخيرة في الفضاء العربي والإسلامي، يأتي المؤرخ اللبناني أنطوان ضومط، أستاذ التاريخ العربي والإسلامي في العصور الوسطى وصاحب المؤلفات العديدة، ليحاول في كتابه الجديد «المسيحيون المشرقيون ودول الخلافة الإسلامية: جدلية السلطة والدين» (دار سائر المشرق) أن يرسم حدوداً بين النص والتطبيق في علاقة السلطة الإسلامية مع المسيحيين في المشرق العربي عبر العصور، وصولاً إلى نهاية العهد المملوكي. يفرز المؤلف بين فسطاط النص القرآني والنموذج النبوي وبين فساطيط ما كان لاحقاً في الدول الإسلامية التي تلت.

وتبدو ملحّة مثل هذه الدراسات والأبحاث في ظل «الاجتهادات» غير اللائذة بالنص القرآني والمصادر الأساسية التي تغرف من القراءة العمياء للتاريخ الإسلامي وبعض نماذجه المشوّهة التي بدت على فصام وتضاد مع التجربة القرآنية وتطبيقاتها في عهد الرسول العربي. ومثل هذا التبيان هو نتيجة «جهود حثيثة» ـــ كما يقول ضومط ــ لدراسة «المفاعيل الدينية في ممارسات السلطة السياسية وتأثيرهما على أوضاع المسيحيين في الدول الإسلامية» وكيف استُبدل مصطلح «أهل الكتاب» مثلاً، بـ «أهل الذمة» الذي لم يرد ذكره أبداً في القرآن.
يبدو الفصل الأول من الكتاب، المؤلف من سبعة فصول، كما لو أنّه خلاصة العلاقة بين السلطة الإسلامية والمسيحيين على مدى تاريخهم ودولهم. يعود الباحث إلى المصدر الأول للتطبيق النبوي حول المجتمع وهو «عهد الصحيفة» الذي أطلقه النبي في المدينة المنورة وعرف لاحقاً بدستور المدينة. لعل أهم ما في بنوده الـ 47 أنه اعتمد مصطلح «الأمة» بدلاً من النظام القبلي ولم يحصر تعريف المؤمنين بالمسلمين، وإنما اشتمل كل من «يؤمن بالله واليوم الآخر» من مهاجرين وأنصار ويهود يثرب. وعهد الصحيفة هو أول تنظيم سياسي اجتماعي ديني مكتوب، نصّ على أنّ كل المؤمنين أمة واحدة «بعضهم مولى بعض» أي إنّه أرسى المساواة التامة بينهم.
لكن نكث اليهود بعهودهم جعلهم خارج المجتمع الجديد الذي تحول إلى «إسلامي صرف»، مع أنّ النبي ــ بعد انفكاك هذا العهد مع اليهود ـــ لم يحاول أن يستبدلهم بالمسيحيين كجزء من الأمة، فقد عمل على منع التعدي على المسيحيين بكتب أكد فيها حمايتهم والبقاء على هويتهم الدينية، إذ «لا إكراه في الدين». ومن أبرز هذه الكتب عهد الرسول لمسيحيي نجران، وعهده إلى كل المسيحيين اللذين كتبهما بيده علي بن أبي طالب وفيهما حماية كاملة لهم ولدينهم.

يتوقف ضومط عند التحول في الموقف من المسيحيين عندما أصبح المسلمون لاحقاً قوةً كبيرةً، فتحولت السلطة إلى تيوقراطية لا تعتد بالمسيحيين، فكانت بداية مسار ضد المسيحيين يناقض العهود التي منحها الرسول لهم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك تعامل المسلمين السلبي مع المسيحيين في عهد الفتوحات في زمني أبي بكر وعمر بن الخطاب. ورأى الباحث أن السلطة في العهد العباسي، فشلت في إرساء العدالة بين مكونات المجتمع عندما تحولت إلى دينية في المظهر وزمنية في التطبيق العملي، فكان المسيحيون ضحية لمحاولات السلطة ترغيبهم أو ترهيبهم لدخول الإسلام. ولم يختلف الأمر في العهدين الفاطمي والمملوكي، ولا سيما الأخير لجهة تغلّب الزمني على الديني وتهميش الديني وإفراغه من أي مضمون قد يكون محرّكاً لتطوير المجتمع والسياسات، بل أيضاً إرهاق المماليك للمسلمين أنفسهم بالانتهاكات، فكيف بغير المسلمين؟
في الفصل الثاني، يعرض الباحث بداية المسيحية في المشرق العربي بدءاً من العام سبعين للميلاد، ومن ثم انتشارها في العراق وبلاد الشام مع المناذرة والغساسنة، وتحول الحيرة في جنوب العراق إلى مركز ديني مسيحي مهمّ أطل على الجزيرة العربية منذ بداية القرن الخامس. وفي اليمن كان انتشار المسيحية مع القرن الثالث بعدما عانى مسيحيو فلسطين من الاضطهاد الروماني، كما استُجلب مسيحيّو الحبشة للعمل كرقيق في اليمن والجزيرة. حتى يثرب (المدينة المنورة) نفسها كان فيها مع بدايات الإسلام، أسقف وثلاث كنائس على ما يروي المؤرخون. كذلك، انتشرت المسيحية في مصر مع بدايات المسيحية رغم الاضطهاد الروماني، بل كان عدد المسيحيين في القرن الحادي عشر فيها يفوق عدد المسلمين. ويكتب ضومط أنّ الفاتحين المسلمين عاملوا المسيحيين في مصر بالحسنى، خلا بعض الفترات في المرحلة العباسية والفاطمية. لكنه يلاحظ أنه كلما انتصر المسلمون في معركة، كانوا يتشددون ضد المسيحيين استشعاراً بفائض القوة المستجد عندهم. كذلك، يلاحظ أن المسيحيين عموماً عاشوا في المدن الإسلامية في أحياء خاصة بهم تخوفاً من تعديات السكان. وكان التعرض الأكبر للاضطهاد في لبنان على يد السلطات المملوكية. كذلك تتبع الباحث نشوء الكنائس في المشرق العربي.

وفي الفصل الثالث، يتوقف المؤرخ أنطوان ضومط عند بداية عهد الذمة لدى المسيحيين. يرى أنّ ما عاناه المسيحيون بعد العهد النبوي، تحول إلى تشريعات رسمية تتعارض مع ما جاء به الرسول من عهود للمسيحيين ولا سيما في نجران. ويقول الباحث إن مصطلح «أهل الذمة» لم يرد أبداً في القرآن الذي يطلق على المسيحيين واليهود مصطلح «أهل الكتاب». أما مصطلح الذمة، فيعني في المعاجم العربية المعاهد المسيحي على روحه وسلامته مقابل دفع الجزية، فيما لا يوجد أي فرق آخر بينه وبين المسلم في كل شيء آخر سواء في السلوك أو المظاهر الاجتماعية. لكنّ المسيحيين تعرضوا لتطبيق ما عرف بالشروط العمرية (العمرين ابن الخطاب وابن عبد العزيز) وكلها تفرض عدداً كبيراً من المحظورات على المسيحيين ومنها على سبيل المثال حظر بناء الكنائس ومنع إظهار الصلبان علناً وارتداء لباس خاص بالذمي، وأن يفسحوا في الطريق أمام المسلم. ويفصّل الباحث مطولاً في ما يطلق عليه «اضطهاد وإذلال» عمر بن الخطاب للمسيحيين في المجالات والسلوكيات كافة التي تتنافى مع ما عُرف عنه من صلاح وعدل بين الناس. يقول الباحث إنه مع أنّ هذه التعليمات كانت تتغير مع تعاقب العصور (عهد معاوية وابنه يزيد استثناء على حسن التعامل مع المسيحيين)، فإنها كانت تضعف اللحمة الاجتماعية. كما كان عزل الموظفين المسيحيين القلائل في بعض المناصب التقنية مثل الترجمة والإدارة إسقاطاً لنظرية المساواة بين أبناء المجتمع. بطبيعة الحال، هذا لا يلغي مواقف مشرفة لبعض العلماء مثل كتاب الإمام الأوزاعي للخليفة أبي جعفر المنصور الذي يدين المعاملة السيئة للمسيحيين بعد ثورة المنيطرة «المسيحية» في عام 759 ميلادية. ويقول الباحث إن من تربّع على عرش اضطهاد المسيحيين كان الخليفة المتوكل (846-861) الذي كان اضطهاده لهم مخيفاً. ويعطي الباحث علامة جيدة للفاطميين الذين تميز عهدهم إجمالاً بمنح الطمأنينة وحرية العبادة للمسيحيين، كما تم توزير بعضهم في عهد العزيز بالله وغيره. وعلى الرغم من التعامل التمييزي أحياناً ضد المسيحيين، فإنّ العهد الفاطمي ـــ قياساً إلى العهود الإسلامية الأخرى ــ يعتبر «من أسلس العهود في التعامل مع المسيحيين» وفق ضومط.

مصطلح «أهل الذمة» لم يرد أبداً في القرآن الذي يطلق على المسيحيين واليهود مصطلح «أهل الكتاب»

يفرد الباحث الفصل الرابع للحديث عن وضع المسيحيين في ظل الدولة المملوكية. يقول إن المسيحيين حينها عانوا تهميشاً كاملاً وازدادت درجة العداء الإسلامي لهم. يرى الباحث إن من ضمن الأسباب هو الدور الذي لعبه الصليبيون في إزكاء الشعور الديني الذي تلطّوا خلفه لتبرير غزواتهم الصليبية والمجازر التي ارتكبوها بحق المسلمين ومنها مجزرة القدس عام 1099. كما أن العديد من المسيحيين قدموا المساعدات للصليبيين ولا سيما في المناطق الساحلية. كذلك، قدموا المساعدات للمغول الذي جاؤوا، معتقدين أنّهم سيكونون خليفة الدول الإسلامية في المشرق العربي.
يخوض الباحث سجالاً حاداً وجاداً ومطولاً مع فقهاء وعلماء مسلمين وعلمائهم أمثال ابن تيمية، وتقي الدين السبكي، وضياء الدين ابن الأخوة وابن قيم الجوزية، في العهد المملوكي حول تعارض ممارساتهم واضطهاداتهم للمسيحيين مع أحكام القرآن والسيرة النبوية والعهود التي قطعت للمسيحيين. يقول ضومط في مكان آخر: «تحول العداء لغير المسلمين إلى ثقافة اجتماعية شبه عامة»، ويرى «أن الإذعان عدو الإيمان» والتطرّف لا ينتج سوى التحجّر الفكري.

في الفصل الخامس، يواصل الباحث الكلام على العهد المملوكي وكيف انتشرت فيه عهود الذمة الأكثر سوءاً ضد المسيحيين. يعرض بالتفصيل عدداً كبيراً من الوقائع الخاصة بهذا الشأن وكلها «تمت من دون مبرر شرعي». لكنّ كل ذلك لم يلغ في بعض الحالات توزير مسيحيين أو توليهم وظائف عليا جمعوا من ورائها أموالاً طائلة حسدهم المسلمون عليها وعملوا على الانتقام منهم وفتح الباب أمام مصادرة السلطات المملوكية لأموال وممتلكات الكثير منهم.
وفي الفصل السادس، نعثر على أغرب تمييز من قبل المماليك بين المسيحيين المشرقيين والمسيحيين من التجار الأوروبيين، إذ «حلّل» المماليك لهؤلاء التجار ما حرّموه على المسيحيين في بلادهم، فأعفي تجّار البندقية مثلاً من الجزية وسمح لهم بالإقامة في الفنادق وتشييد كنيسة ومنح السلطان المملوكي قنصل البندقية راتباً شهرياً. واعتبر ضومط أن هذه الاستثناءات تؤكد على تجاوز حدود الشرع، كما تفهمه الدولة تجاه المسيحيين، كرمى للتجار الأجانب.
وفي الفصل السابع والأخير، تطرّق الباحث إلى العلاقات الاجتماعية الشعبية المباشرة بين المسلمين والمسيحيين التي استطاع فيها المسيحيون التحلل من رقابة السلطة وممارسة أنماط الحياة، ولا سيما الأعياد الدينية مثل الميلاد والفصح، ومهنها بحرية تحت ما يمكن تسميته حالياً «نقابات المهن الحرة».
يخلص المؤرخ أنطوان ضومط إلى أن التطبيق الكيفي لعهد الذمة كان له أثر كبير في الخطاب المسيحي الذي لم يكن قادراً على التعبير عن نفسه. والسبب أنّ السلطة السياسية الإسلامية تفلّتت من الأحكام الدينية المنظمة للعلاقات مع المسيحيين. وقال إنّ ممارسات الحكام أساءت إلى الإسلام أكثر من دفاعهم عنه، وتفوق الزمني على الديني وانتهى «حلم المجتمع الأفضل». وقال إن العصور الوسطى احتوت على القليل من الإيمان والكثير من الظلام. وهذه الثابتة استمرت برأي المؤرخ في العالم العربي المعاصر وما «داعش» إلا تعبير صارخ عنها. وفي النهاية فإن الحاكم المستبد الملتحف بالدين لا هوية دينية ولا سياسية له. كذلك رجل الدين المتشدد الذي يتماهى مع القديم رُعباً من الحداثة.

الكتاب، باختصار، ليس فقط محاولة لتبيان علاقة السلطة بالمسيحيين، بل قراءة عقلانية في مسار التاريخ الإسلامي نفسه والصراعات بين مراكز القوى والعصبيات المذهبية والحركات الاجتماعية. وأهمية الكتاب أيضاً في دقته التوثيقية وفي العبر التي يفترض أن تستخلص من كل هذه العلاقة بين السلطة والمسيحيين، كما الأقليات الدينية والمذهبية الأخرى، من أجل محاولة بناء مجتمع يتساوى فيه الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو حتى السياسية. لقد فرش المؤرخ أنطوان ضومط في كتابه الجاد مائدةً دسمةً لما كانت عليه العلاقة بين السلطة و«الآخر» المسيحي. يبقى أن يتقدم «أولي الأمر» لوضع المدماك الصلب في بناء عمارة الحداثة مستفيدين من كل التاريخ ودروسه ومن تجارب الآخرين في العالم من دون خوف على ضياع الهوية والدين.

:::::

“الأخبار”، 29 نيسان 2023

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org