السنة الثالثة والعشرون – العدد 6541
في هذا العدد:
■ حول الحرب على غزة، عادل سماره
- العدوان: من أمريكا وشبه العلماني إلى امريكا والحاخام
- حرب أخرى بين غزة والبنتاغون: أخرسوا الوساطة والكذب
- ملاحظات على حرب البنتاغون على غزة
■ هل سيواصل كتّاب الإرتزاق كتاباتهم ضد سوريّة؟! رشاد أبوشاور
■ في ذكرى سايكس بيكو: الهويات القاتلة، موفق محادين
✺ ✺ ✺
حول الحرب على غزة، عادل سماره
- العدوان: من أمريكا وشبه العلماني إلى امريكا والحاخام
- حرب أخرى بين غزة والبنتاغون: أخرسوا الوساطة والكذب
- ملاحظات على حرب البنتاغون على غزة
✺ ✺ ✺
العدوان: من أمريكا وشبه العلماني إلى امريكا والحاخام
لا يتغير التحالف الأمريكي الصهيوني ولكن يتخذ عناوين متغيرة للجوهر نفسه. وكما أن اغتصاب فلسطين لم يكن لولا أوروبا، فإن عدوانه منذ 1967 لم يكن لولا امريكا وفي ذيلها أوروبا.
قبل ايام أشرنا إلى مقال يونا بن مناحم الداعي لغزوة جديدة للضفة الغربية، فإذا بها تبدأ بعدوان على غزة.
لكن لهذا العدوان سمات تختلف إلى حد ما عما قبله.
لذهاب جندي صهيوني لعدوان كجندي أو كعضو في فرقة اغتيال كان الجندي يسأل الحاخام، كما كتب عديد المرات “إسرائيل شاحاك”. كان ذلك في فترات حكم اليمين اللبرالي نصف الدين سياسي في الكيان. أما اليوم فيصل أمر العدوان من الحاخام مباشرة حيث أصبح في القيادة. فالسلطة الحاكمة الآن هي التي تتبنى تحويل الكيان من نصف سلطة دين/ سياسية إلى دولة دينية دولة توراتية، فالدولة الدينية هي النمط الأخطر تاريخيا، لكن عُتاتها لا يعرفون أن التاريخ ضدها.
هنا نحن أمام مزيج من الحقد، واستعادة دور العدوان المفتوح أو ما يسمى الردع، والقتل والحشو الدين/سياسي الأعمى. لذا كان العدوان على أسر شهداء ال.ج.ه.ا.د الإسلامي مباشرة. كان الاغتيال سابقاً يستهدف المناضلين في طريقهم إلى مكان ما، أو في ثكنات أو في الميدان. أما هذه المرة فأربعين طائرة تقصف منازل الشهداء فتقتل النساء والأطفال أيضاً. هذا معنى دولة الدين السياسي/التوراة أي قتل النسل ايضاً.
كما تزامن هذا أيضاً مع غزوة ضد أمين عام ال.ج.ب.ه.ة ال.ش.ع.ب.ي.ة ورفاقه في المعتقلات بحجة أن الكيان اكتشف شبكة من عناصرها تجهز لعمليات وقامت بأخرى.
والسؤال: ما معنى التحقيق مع سعدات ورفاقه والذين جرى اعتقالهم منذ ستة عشر عاماً؟ هل يُعقل أن عملاً سرياً ينسق أو يتلقى تخطيط وأوامر من المعتقلين أم أن الأمر إعادة انتقام باثر رجعي وخاصة بعد قانون الإعدام. هل يعقل أن خبرة عقود من العمل المسلح يمكن أن تعمل بمثل هذه العلنية أي التنسيق مع من هم داخل السجن!
من يتذكر من المناضلين أقوال المحققين لهم: “لو كنت أنا قاضيا لحكمتك بالإعدام”! فهل هذا ما يتم التحضير له؟ فقد ذكرت في مقالتي السابقة بأن “أن العدوان الموسع على الضفة لن يجدي لأنه لا يتجه إلى أهداف واضحة مواقع أو معسكرات فقد يقتصر على قوائم لمقاتلين أو تصفيات لم تتم لسبب أو آخر “. من هنا فإن ما يحصل لسعدات ورفاقه هو: “اعتقال على الاعتقال وتصفية حساب سابق”.
وماذا عن أمريكا:
وإذا كان الكيان بصدد إعادة الاعتبار للعدوان المفتوح أو الردع فإن أمريكا معنية أكثر بهذا العدوان لأنها بصدد تحقيق أمرين:
الأول: الإثبات بأنها ليست ضعيفة كما يثرثر كثير من محللي مراقص وكبريهات الإعلام في الوطن العربي.
والثاني: الإثبات أنها لم ولن تخرج من الوطن العربي قطعياً إلا بالقوة.
وهذا فيه رسالة للأنظمة العربية التي ربما تحاول الإفلات ولو النسبي من علاقتها مع امريكا، بمعنى نحن هنا وها نحن نعطي الكيان الأمر بالقتل المفتوح وهذا يمكن أن نكرره في غير مكان.
يبقى السؤال الأجوف: اين الرد ولماذا لم يحصل ومتى سيحصل؟
قد يكون رأيي مزعجا للكثيرين كالعادة:
ما يحصل في صراعنا مع الكيان والغرب ليس حرب دول. بل هو عدوان النظام الرأسمالي الإمبريالي وراس حربته دولة الكيان ضد قوى غِوارية/حرب عصابات ليس من مصلحتها الدخول في حرب جبهية على نمط دولة ضد دولة، بل تختار متى يمكنها الضرب سواء كرد مباشر على عدوان أو حتى بدون عدوان مباشر لأن دورها هو القتال الدائم لأن التناقض تناحري ولكن باختيار الوقت الأنسب تلافياً للدخول في مغامرة انفعالية من أجل تبريد شوق عاطفي للرد. ويبقى الصبر المُر هو الأفضل في صراع بدأ منذ قرن ولم ينتهي بعد لأن جوهره أن الوطن لنا فقط.
✺ ✺ ✺
حرب أخرى بين غزة والبنتاغون
أخرسوا الوساطة والكذب
الكتابة كالحرب لا تحتمل الكذب.
ما نقوله هنا ليس للحماسة والتطريب بل اغتنام اللحظة لتعميق الوعي لأن هذه المعركة ليست الأخيرة أبداً.
آن الأوان أن نجرؤ على قول ما يُحرج أدوات امريكا من الدرجة الثانية اي الأنظمة العربية بينما الكيان هو الأداة من الدرجة الأولى. فالعدوان بأمر وسلاح وأموال أمريكية بينما العدو يستخدمها من بعيد من الجو.
لا ننسى في هذه اللحظة ابداً أن انظمة التطبيع تتوسط لأن الاشتباك يفضحها ويختصر الطريق نحو قيام الشعب بالهجوم عليها فهي حريصة على تقصير وقت الاشتباك حتى اكثر من تعطش العدو لوقف المعركة. هي تُداس كرامتها وهو يُداس جُندُه.
حرِّضوا الشعب العربي على متابعة الحرب كي يُشحن ضد أنظمة التطبيع العلني والتطبيع الصامت التحتي والسرِّي.
اشرحوا للشعب العربي أن ما يسمى التصالح الرسمي العربي مع سوريا هو قشرة تافهة وشكلية وأكذوبة كي تخصي الوعي الشعبي العربي لتحل محل وجوب اختصار 22 رئيس بلدية في دولة عربية مركزية.
تذكروا هدنة السعودية وإيران التي احتوت التمسك بالمبادرة العربية المعيبة! هذه الهدنة بها الكثير الإيجابي، ولكن بها لغم ضد فلسطين والعروبة.
لن نخجل ومن ثم نكذب فلشعبنا وأمتنا حق معرفة كل شيء.
في هذه اللحظة ذات الوعي الشبق: قولوا الحقيقة للشعب العربي لأن هذا يُغرس عميقاً في وعي الأمة.
نعم نحن في الأرض المحتلة نرى ونسمع لكم أن تحسدوننا على لحظة الكرامة هذه. وأنتم في الوطن العربي: تجرؤوا على الكرامة.
ما يدور اليوم في غزة وفي الضفة وقبل ايام في الشام هو تكريس لحقيقة الصراع بأن الصراع هنا والقتال هنا وقيادة القتال هنا والاستشهاد والصمود هنا.
شكرا لسوريا التي توفر الصواريخ وشكرا لإيران على التبرع بالمال والسلاح. أما نحن فدمنا واجب،
لن نتعود الكذب:
يقول عراقي على الميادين: المقاومة الإسلامية في العراق جاهزة! هل يُعقل هذا من حكومة بريمر! مشكورين يا أحزاب الطائفية البغيضة، فقط حرروا العراق.
بالأمس رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني رفض ان للعراق علاقة باي محور وبأن عراقه في تحالف إستراتيجي مع أمريكا أي مع الكيان.
لا تكذبوا، لا تدنسوا لحظة شرف النضال بمنفخة تافهة. والله عيب.
من لديه حذاء إضافي فليضعه في فم دعاة “دولة مع المستوطنين /دولة مع أف 35” , فربما يشعر حاضنو هذه الدعوة بالخزي.
ملاحظة: أدناه فيديو من RT شرح تفصيلا خسائر الكيان من صواريخ العراق 1991 لكن العدو منع نشره وفيديو آخر صغير ومختصر وبالعبرية.
اذكروا للناس حقهم إن كنتم صادقين.
ملحق انظروا عسقلان تنهار:https://www.facebook.com/QudsN/posts/pfbid02n9Zxkppdrn2uKiT2MEFBfvBNDzu4jkdcKUcKutAHNwusXJbA1VHg4VDBs8GV5iFul
✺ ✺ ✺
ملاحظات على حرب البنتاغون على غزة
واضح أن الكيان يحاول الاستفراد ب.ا.ل.ج.ه.ا.د الإسلامي، وهي تقدم الشهداء والصواريخ معاً.
واضح أن الحرب الأمريكية بأدوات صهيونية هي أوضح اشكال التحالف حتى الاندماج.
واضح أن سوريا رغم جراحها قدمت الصواريخ لغزة مؤكدة تلاحم الجبهات وأن القتال وقيادة القتال في بلاد الشام خاصة فلسطين وسوريا.
واضح ان الشعبية والديمقراطية وفتح وحماس تقدم ما أمكنها.
واضح أن معظم الأنظمة العربية هي في صف الكيان، اي لم يتغير شيء يذكر في مواقفها فهي ملتزمة “بالمبادرة العربية” وواضح أنها تكذب إنها في محور المكالمة والمساومة.
واضح أن الحليف الإيراني في سوريا وفلسطين يقدم المال وبعض السلاح.
واضح ان الصديق الروسي ليس حليفاً كما امريكا والكيان
واضح إصرار الصين على التمترس في موقع شبه صديق أو صديق للطرفين.
ولكن:
مُبهم مُريب أن يُدعى لوحدة الدول الإسلامية؟ بينما أنظمة وقوى عربية وإسلامية لم تسحب خناجرها بعد من جسد سوريا وليبيا واليمن والعراق.
مُبهم ومريب أن يتم كلما “دق الكوز في الجرَّة” تعويم نظام بريمر الطائفي في العراق على أنه من محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة!
مُبهم ومريب مواصلة مشايخ الفتنة في مقارنات الشيعة والسنة كاختلاف الوضوء والتكبيرات، وأن عمر ضرب عائشة والمطالبة بالخلافة اليوم لعلي! وأن ابو بكر وعمر وعثمان لم يكونوا شرعيين!
مُبهم ومريب أن رجال الدين المنشبكين حكوماتياً لا يعظون الناس ضد التطبيع ولا يعظونهم بالمقاطعة ولا يحثونهم على التنمية والوحدة العربية ورفض شروط المصرف الدولي وصندوق النقد الولي ومواجهة الفساد.
ولكن جداً واضح أن مشايخ الفتنة والحكومات لا يمكن أن يقولوا في المرأة قولاً ذا قيمة بل ينكرون عليها المساواة والتمكين فما بالك بالتحرر.
أيها الناس: لن تنتصر أمة بنصفها أي بالذكور فقط ونصف وقتهم وجهدهم في قمع النساء. حولوا هذه العمائم إلى أطُرٍ لعجلات أطفالكم. وستجدون تحتها التلمود.
لذا، يجب ان نكتب بوضوح في لحظة شوق وانشداد العقل والقلب.
✺ ✺ ✺
هل سيواصل كتّاب الإرتزاق
كتاباتهم ضد سوريّة؟!
رشاد أبوشاور
من قبيل التذكير: وأنا أتردد على سورية أثناء ضراوة الحرب-ولا أقول العدوان- على سورية، وقصف أحياء دمشق، وتدفّق المرتزقة بلحى تغطي صدورهم، وبعضهم يلوح بالخناجر لإثارة الذعر في نفوس السوريين، ودفع بعضهم للهرب خارج سورية مع إغوائهم بمغريات مادية كبيرة في حال اندفاعهم هاربين من وطنهم سورية، من مدنهم وقراهم، وشتمهم لدولتهم…رفعت صوتي عالياً: سورية ستنتصر…
وها هي تواصل الانتصارات، وتراكمها، بعد 11سنة من القتال في الميادين السورية، بمعارك هائلة يخوض غمارها الحيش العربي السوري، الجيش الذي قاتل الفرنسيين في ميسلون بقيادة قائده ووزير دفاعه البطل يوسف العظمة الذي استشهد وهو يردد مقولته التي لا تنسى: لن يدخل الفرنسيون دمشق إلاّ على الدم..وبالدم، وبالسلاح البسيط قاتل الجيش العربي السوري الغزاة الفرنسيين حتى الاستشهاد، وهكذا تضمخت ميسلون بدم ابطال الجيش العربي السوري، ومن لبوا نداء يوسف العظمة للذود عن دمشق العريقة الشامخة، وهذا الدرس بقي في وعي وتربية جيش سورية في كل معاركه، وآخرها معركة دفاعه عن سورية الوطن، سورية العروبة، سورية آخر موقع قومي بين إقليميات منبتة، ضحلة الوعي، لا هويات ولا انتماء لها.
قلت مع آخرين اعتز بهم كتابا ومثقفين، وسياسيين منتمين: هذه معركة الأمة، ولن أقف، ونقف..متفرجين، فلا حياد والجهلة الهمج يُهددون دمشق، ويستبيحون أعرق مدن سورية، ويدمرون أريافها، وبالأصوات الواثقة، وبالكلمات الشجاعة تصدينا لحملات التزوير، فما يحدث ليس ثورة شعبية، بل مؤامرة على عروبة سورية، واستقلالية قرارها وخطّها ومسارها، ورفعها لراية العروبة، وتمسكها بالقضية الفلسطينية في زمن التطبيع المعلن و(المتخفي)، وفي زمن تبديد هوية الأمة وانتمائها…
من عاش مثلي في سورية يعرف استقلالة سورية اقتصاديا، وتعليمها المجاني لكل أبناء وبنات سورية، ولكل العرب الذين يقيمون في سورية، أُسوة بالسوريين، وفي مقدمتهم العرب الفلسطينيون، وهو ما قدمته سورية للعراقيين الذين تدفقوا إليها بمئات الألوف، والذين ردّوا على فضل سورية (بفزعتهم) معها لمواجهة دمار الزلزال وما ألحقه من خسائر في مناطق الشمال السوري…
لا أريد أن أتحدث عن (عودة) جامعة الدول العربية لسورية، فسيكتب الشرفاء كثيرا عن تحقق هذا الانتصار السوري بفضل شعب سورية الذي صمد وما يزال، والجيش العربي السوري البطل في الميادين، والقيادة العربية السورية وعنوانها الرئيس بشّار الأسد..وما تميزت به من صبر، وطول نفس، وكظم للغيظ، وجلد في ميادين المعارك، وقدرة على تحمل التدمير، والتخريب، وقطع الرؤوس، وأكل الأكباد…
وكل هذه الوحشية غير المسبوقة في الحروب صمت عليها بشاعتها (المثقفون) المستأجرون، ولم ترها عيونهم، ولا سمعت بها آذانهم، وواصلوا (تنظيراتهم) (للسورة) التي تحارب (النزام)!..وكانوا يراهنون على أن الدولة السورية ستنهار، والجيش العربي السوري سيُهزم، والشعب السوري سيتمزق في (كيانات) لأن هدف الحرب تمزيق سورية، وأن العلم الذي رفعه العملاء والمتآمرون بنجومه الثلاث كان يهدف إلى ثلاث كيانات حتى لا تقوم لسورية العربية قائمة بتحيلها إلى أشلاء، وحتى يندثر الصوت العربي الذي ينبعث من دمشق قلب العروبة النابض، و..يتحقق الهدف الأمريكي الصهيوني بإنهاء تواجد المقاومة الفلسطينية في قلب العروبة النابض (دمشق)، و..تتسيّد الإقليميات التي مصالحها فوق أي اعتبار، فلا عروبة، ولا فلسطين، ولا ما يجمع الوطن العربي الكبير، لأن دول ( الإقليميات) ستسود كما سادت دول الطوائف في الأندلس.
أخطر دور تزويري منافق مرتزق منحط لعبه من يوصفون بالمثقفين، منظرين، صحفيين، محللين، سواء على فضائيات التزوير والكذب والتحريض، أو على صفحات صحف التآمر الممولة علنا ممن يهدفون لإنهاء سورية كآخر قوّة عربية مستقلة مقاومة…
هل ستنتهي (مهمة) مثقفي الارتزاق بينما سورية تحقق انتصاراتها على كافة الصعد، وأهمها هزيمة مخططات الأعداء: أمريكا، الكيان الصهيوني، ودويلات التآمر التي باتت معزولة؟
سورية العروبة بخطها القومي، باستقلاليتها المدفوعة الثمن دما ودمار مدن، وتشريدا، وتمزيقا..تعود مرفوعة الرأس، وتواصل مرفوعة الراس، وبعد 11 عاما من المقاومة، وبدعم الأصدقاء تتقدمهم إيران، ومن بعد روسيا، وبرفقة التضحية والدم والبطولة للمقاومين اللبنانيين والفلسطينيين، تنتزع موقعها ودورها، وتواصل معركتها المفتوحة…
ماذا عن مثقفي التزوير والارتزاق؟! سيسعى بعضهم للتزلف لسورية، ولكنهم في قلوبهم وعقولهم المريضة لن يتوبوا عن دورهم كمرتزقة (يُزمرون) لمن يفع لهم، ولا يؤمنون بدور المثقف وشرفه ومصداقيته، وبأن هذه القيم هي جوهر حياته…
دمشق التي تجيد إدارة معركتها السياسية، لن تغفر (للمثقفين) المرتزقة، فهؤلاء خطر على وعي الأمة، وعلى ثقافتها، وعلى حاضرها ومستقبلها، ولا مبررات تبرر خياناتهم للوعي، وللدور اللائق بالمثقف المنتمي لأمة تخوض معركة وجودها وبقائها…
مثقفو الارتزاق في مأزق كبير، ولن يرحمهم شرفاء الأمة، فهم أنقسم من خانوا دمشق وفلسطين.
المثقفون الثوريون المقاومون سيبقون مستيقظين وبالمرصاد لمثقفي التزوير وبيع الضمائر، فلا مغفرة ولا صفح عنهم يا دمشق الحبيبة.
✺ ✺ ✺
في ذكرى سايكس بيكو: الهويات القاتلة
موفق محادين
التاريخ العربي ظل دوماً، إما تاريخ إمبراطوريات، وإما جغرافيات مستباحة للغزاة ولم يعرف أبداً تاريخ الكيانات الصغيرة كما هي الآن.
في مثل هذه الأيام من عام 1916، بدأ الاحتلالان البريطاني والفرنسي مفاوضاتهما حول تمزيق الشرق العربي (سوريا الطبيعية والعراق) وصولاً إلى تقسيمه بينهما في منتصف أيار/مايو من العام نفسه وذلك فيما عرف باتفاقية “سايكس بيكو”.
ورغم أن الطرف الثالث معهما فيما يخص مناطق أخرى من البلقان، وهو روسيا، فضح هذه الاتفاقية بعد عام واحد فقط، إلا أن العرب لم يأخذوا ذلك بعين الاعتبار مردّدين الكذبة البريطانية عن محاولة (البلشفيك) الروس ضرب الصداقة العربية البريطانية.
فبحسب كتاب أسعد رزوق (إسرائيل الكبرى، الصفحات 270 و362 و363) فإن مفوضية الشؤون الخارجية في حكومة الثورة الاشتراكية الروسية التي أطاحت بالحكم الملكي القيصري، فضحت الاتفاقية المذكورة وأعلنت انسحاب روسيا منها مؤكّدة السياسة الجديدة للثورة والقائمة على حق تقرير المصير القومي وذلك بحسب ما جاء في جريدة “البرافدا” الصادرة بتاريخ 23/11/1917.
يؤكد التاريخ السياسي للدول والكيانات والهويات حتى الحقبة الإقطاعية أن العالم برمّته لم يعرف الكيانات القومية أو الوطنية بالمعنى الحالي، فما عرفه العالم واحداً من شكلين لا ثالث لهما، الشكل الإمبراطوري الذي كان يشمل جماعات وقبائل وأطيافاً وأدياناً شتى، مثل الدول الأموية والعباسية والعثمانية والرومانية، وقبلها الفينيقيون، السومريون، الآشوريون، الكنعانيون، والحضارات الآرامية.
فيما يخص الأزمنة الحديثة عربياً، وإضافة إلى الدور الخارجي لأقلام الاستخبارات البريطانية والفرنسية في اختلاق الكيانات والهويات العربية الحالية واقتطاعها من لحم الأمة، يشار إلى افتقاد هذه الكيانات إلى الحد الأدنى من مواصفات وتقاليد الدولة الوطنية والقومية الحديثة، سواء في شكلها الأوروبي الناجم عن الثورات البرجوازية ودولها القومية على غرار دول وستفاليا، أو في أشكالها الأخرى الشرقية على غرار الصين وفيتنام، والدول التاريخية العميقة مثل إيران ومصر وتركيا والهند.
فالتاريخ العربي ظل دوماً، إما تاريخ إمبراطوريات، وإما جغرافيات مستباحة للغزاة ولم يعرف أبداً تاريخ الكيانات الصغيرة كما هي الآن، كما لم يعرف تحوّل أنماط الإنتاج الإقطاعية إلى أنماط رأسمالية متطورة تسمح بتذويب المجاميع الطائفية والعشائرية في شكل اجتماعي جديد باسم الشعب بالمعنى الحديث.
فالشعب أو الكيان ليس نصاً دستورياً أو رغبة نخبة هنا وهناك بل هو واقعة اجتماعية تحل فيها المواطنة الحقيقية كعنوان لوجود الشعب التاريخي محل المجاميع السابقة، وهذا لم يحدث حتى الآن في غالبية البلدان العربية التي تظهر فيها علامات التعصّب الطائفي والقبلي كلما ضعفت الدولة التي أخذت طابع الناظم المركزي الخارجي لمجاميع وتشكيلات شديدة الهشاشة.
العراق
كما غيره من البلدان العربية الحديثة، لم يكن كياناً بحدوده الحالية قبل اتفاقية “سايكس بيكو”، بل إن الاحتلال البريطاني عندما قرّر ترسيم حدود هذا البلد في إطار تمزيق الشرق العربي، أخرج من قائمة المرشحين لحكمه الشخصية الوحيدة التي كانت تعيش آنذاك في العراق، وهو طالب النقيب، وضمّت قائمة المرشحين: الملك فيصل الأول من أنجال شريف مكة في الحجاز، الأمير عبد العزيز آل سعود أول ملك للسعودية، وشاه إيران.
ويشار إلى أن النفوذ المالي والسياسي في بغداد نفسها آنذاك لم يكن نفوذاً عربياً، بل هو مقسّم بين عائلات من أصول تركية وكردية وبين عائلات يهودية كانت تسيطر على غرفة تجارة بغداد، وظلت كذلك حتى اندلاع ثورة تموز 1958 التي أطاحت بالحكم الملكي.
سوريا الحالية أو الشام بلغة السوريين القوميين
لم يتصرّف أهل الشام يوماً في الإطار المحلي الضيق بل بمنطق التقسيمات الإدارية التاريخية التي جعلت من دمشق وحلب ولايات تتبعها غالبية البلاد السورية. ولذلك وبعد هزيمة الاحتلال العثماني في الحرب العالمية الأولى بادرت رموز البرجوازية السورية الجنينية إلى عقد مؤتمر سوري عام بمشاركة مندوبين من لبنان وفلسطين (سوريا الجنوبية) والأردن (سوريا الداخلية) قبل الاحتلال الفرنسي لسوريا بعد معركة ميسلون.
وفيما قدّم المؤتمر السوري العام صيغة دستورية مدنية، قام الاستعمار الفرنسي بإلغاء هذه الصيغة واستبدلها بحكومات طائفية ممثّلة بالعلم ذي النجمات الحمراء الثلاث، الذي استعادته (المعارضة السورية) خلال العشرية السوداء الأخيرة بديلاً لعلم الوحدة السورية المصرية بقيادة عبد الناصر (العلم السوري الحالي).
الأردن وفلسطين
مثل غيرهما من البلدان السورية وعلى مدار قرون طويلة، لم تعرف الأردن وفلسطين أي شكل لكيان خاص بكل منهما، فقد كانتا جزءاً من ولاية دمشق ثم ولاية سوريا مع استثناءات بين الحين والحين لبعض المدن، مثل القدس لأسباب دينية، ومثل الكرك لأهمية قلعتها التاريخية بين سوريا ومصر وعلى طريق الحج الشامي.
وقد تميّزت العلاقة بين الأردن وفلسطين بأنها كانت علاقة أفقية، بالنظر إلى بعض الخصوصيات الجغرافية والقبلية والاجتماعية (شمال الأردن مع شمال فلسطين، البلقاء مع نابلس والقدس، الكرك مع الخليل، وهكذا…).
وقد تمثّلت مناطقهما في المؤتمر السوري العام وشارك العديد من ممثليها في الوزارة السورية الأولى في دمشق، ومن المظاهر الأخرى ذات الدلالة:
-أنّ أوّل حكومة في شرق الأردن كانت برئاسة رشيد طليع (درزي لبناني)، وبمشاركة شخص واحد من أهل الأردن، كما كان أول رئيس للدرك هو السوري فؤاد سليم، وقد توالى على رئاسة الحكومة شخصيات من سوريا أو من موظفي الانتداب البريطاني في فلسطين.
-أنّ العلم الأردني الحالي ذا النجمة هو علم أول حكومة في سوريا 1920 الذي اشتقّته من العلم العربي كما أقرّه المؤتمر العربي 1913، وهو العلم الذي اتخذه حزب البعث وكذلك فلسطين علماً لهما ولكن من دون النجمة التي أضافتها الحكومة السورية تمييزاً عن العلم العربي. وكان العلمان يُرفعان معاً على مباني الحكومة في دمشق وسائر البلاد السورية.
أي أن العلم الأردني هو علم أول دولة سورية، والعلم الفلسطيني هو العلم العربي وليسا تعبيرات عن تأويلات كيانية.
-وبالمثل ما يتعلق بالكوفيات ذات النقش الأحمر والأسود والأبيض، التي صارت مع الثقافة الكيانية ترمز إلى العصبيات المريضة، الأولى أردنياً والثانية فلسطينياً. فالكوفيات المذكورة فكرة بريطانية لتمييز البدو عن الفلاحين إلى جانب الطربوش الأحمر العثماني (طربوش أفندية المدن).
لبنان
-على مدار ألف عام على الأقل، كان لبنان كما بقية البلاد السورية جزءاً من التقسيمات والأجندات الإدارية، الأموية والعباسية والأيوبيّة والفاطمية والمملوكية والعثمانية، ولم تظهر هذه التقسيمات لمرة واحدة صورة كيانية لأي من المناطق المذكورة خارج ولايات وإيالات سوريا الطبيعية.
لكن ولاية دمشق ثم ولاية سوريا ظلتا العنصر الثابت في كل ذلك وشملت على الدوام مناطق من لبنان الحالي وشرق الأردن وفلسطين، إلى جانب ولايات شبه ثابتة (حلب) وأخرى متبدّلة مثل بيروت، صيدا، صور، وطرابلس.
ويعرف الباحثون أن الميناء الأساسي لدمشق كان صيدا ثم بيروت، كما كانت طرابلس تتبادل الأهمية مع أنطاكيا كموانئ لحلب والموصل.
-من لا يعرف أو ينكر فإن مناطق لبنان الحالي كغيرها من مناطق سوريا الطبيعية كانّت موضوع تجاذبات دولية طيلة القرون السابقة، وخاصة القرن التاسع عشر فصاعداً، حيث تصاعدت حدة المنافسة بين قوى الاستعمار الأوروبي على وراثة الاحتلال العثماني.
يشار هنا إلى التجاذبات الفرنسية والبريطانية والعثمانية وروسيا القيصرية، وكذلك فترة حكم محمد علي لمصر، وانعكاسات كل ذلك على مناطق لبنان الحالي وجوارها، من ضاهر العمر والجزّار في عكا إلى الشهابيين والمعنيين في جبل لبنان، إلى الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر وانقسام الأطراف المحلية بين الفرنسيين (الموارنة) والإنكليز (الدروز).
ثمّ إلى لبنان الصغير (متصرّفية الجبل) برئاسة أرمني من خارج لبنان، ثم لبنان الكبير بتوقيع الاستعمار الفرنسي (إعلان غورو) ومشاغبات بريطانية تذهب روايات إلى أنها دعمت محاولات (البيارتة) الاستقلال بولاية بيروت التي تأخّرت عن الموافقة على مشروع غورو.
بالتأكيد ظل لبنان في قلب هذه التوافقات عبر (دولة المصرف) الفرنسية قبل أن تزاحمها البرجوازية الشامية أيام خالد العظم وشكري القوتلي، ويمكنّنا هنا الاستعانة ببرنامج على قناة أم تي في، هو برنامج (صارو مية) والحلقة التي بثها البرنامج بعنوان (أثروا في لبنان) بتاريخ 15/7/2022، وفيها إشارات واضحة لدور مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري في صياغة ميثاق 1943، ودور نوري السعيد رئيس وزراء العراق في مشروع كميل شمعون واستدعاء القوات الأميركية، وهو الاستدعاء الذي شكّل سمة أساسية من سمات الليبراليين في لبنان.
وليس بعيداً عن الذاكرة هنا استدعاء العدو الصهيوني عام 1982 وبعده قوات المارينز الأميركية والقوات الفرنسية قبل أن تهزم في عمليات عسكرية نسبت إلى فصائل شيعية.
-لم يكن من باب الصدفة أن تتولى شخصيات من أي بقعة في سوريا الطبيعية، مواقع أساسية هنا أو هناك، مثل فارس الخوري اللبناني الذي تولى أكثر من منصب سياسي ودبلوماسي في سوريا، ومثّله شوكت شقير اللبناني الذي تولى قيادة الجيش السوري.
لبنان كغيره، خليط من المهاجرين
وذلك سواء من الوسط العربي أو أوساط كردية أو تركية وغيرها، وبالتالي فإن أي نزعات كيانية ذات بعد تأصيلي نزعات لا قيمة علمية أو تاريخية لها.
وإذا كان ميشال شيحا من أهم مهندسي الكيانية اللبنانية، فهو نفسه من أصول كلدانية عراقية عاش في كنف إخوانه المصرفيين من آل فرعون.
وإذا كان لبنان (دولة مصارف) فإن أبرز المصرفيين في تاريخه هو الفلسطيني يوسف بيدس.
-إن غالبية الشيعة يُنسبون إلى جبل عامل الذي ينسب بدوره إلى قبيلة عاملة اليمنية التي كانت تتخذ من شرق الأردن مقراً لها.
-كما أن الموارنة وإضافة إلى قدومهم على دفعات من سوريا الحالية إما للاشتغال بزراعة التوت وصناعة الحرير أو لعوامل متفرقة، فثمة روايات تردّهم وخاصة المردة كما غالبية الشيعة إلى الأردن، وتحديداً إلى الأنباط، وذلك وفق 3 روايات تاريخية للأب لامانس وثيودور نولدكه والبلاذري، كما ورد ذلك في الصفحة 265 من كتاب متى موسى (الموارنة في التاريخ) الصادر عن دار قدمس 2004.
كما ورد في كتاب حبيب الشرتوني الصادر في 2023 أن أصول عائلة الجميل تتراوح بين ثلاث روايات (مصر، قبيلة شمر في نجد، ومنطقة تعز في اليمن).
-أما العائلات السنية في المدن الساحلية فغالبيتها تعود إلى أصول كردية وألبانية وتركية، مثلها في ذلك مثل غالبية سكان القصبات العربية البحرية وفق قراءة للمفكر المصري، سمير أمين، الذي ذهب إلى أن التركيبة الديمغرافية العربية إلى ما قبل قرون قليلة كانت تتوزّع بين غالبية سنية غير عربية حليفة للحكم العثماني في القصبات والمراكز البحرية والبرية وبين فلاحين وجبليّين من المذاهب الأخرى.
إضافة إلى عشرات العائلات التي قدِمت من سوريا الحالية مثل الحريري وإدلبي وبركات وعيدو وحجار، ثمة عائلات قدِمت من مناطق أخرى عربية وغير عربية مثل المشنوق، حمادة، بريبر، فليفل، الحص، سلام، عيتاني، منيمنة، الوزان. ومن العائلات التي قدمت إلى لبنان أيضاً، العائلات الكردية: الصلح، بدارو، شبارو، مرعشلي، والعائلات التركية: دبيبو، بيرقدار، قاروط، الأحدب، أورفلي، دعبول، وكذلك عائلات من المماليك التركمان مثل: قباني، كبة، غلاييني، قمورية، مكاري.
في مواجهة التوطين المصطنع
يجدر التأكيد هنا بأن التشخيص لأصول التشكيلة الاجتماعية اللبنانية يعود إلى ظروف طبيعية تاريخية مغايرة شملت كل المنطقة عندما لم تكن الحدود الحالية للدول قد استقرّت بعد، أما المحاولات المشبوهة الحالية لتوطين السوريين وغيرهم في لبنان، فتأتي في سياق سياسي مصطنع وضمن معادلات طائفية كريهة مطبوخة في أقلام الاستخبارات الإسرائيلية والأطلسية.
بل إن أحد أهداف المؤامرة على سوريا خلال العشرية السوداء المعروفة، هو خلق بيئة هجرة في أكثر من منطقة بينها لبنان في سياق توظيف طائفي سياسي إسرائيلي – أميركي ضد بيئة المقاومة، واللعب بالديمغرافيا على مستوى الإقليم، وهو ما يقودنا إلى الاستنتاج بأنه بقدر الحاجة إلى تأكيد الإطار الطبيعي التاريخي لوحدة البلاد السورية رداً على اتفاقية سايكس بيكو وتبعاتها، فالحاجة الوطنية اليوم وبالقدر نفسه تستدعي التصدّي لمشروع التوطين المصطنع وغاياته المشبوهة.
:::::
“الميادين”، 6 مايو 2023
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org