نشرة “كنعان”، 17 مايو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6546

في هذا العدد:

بعد يوم من حرب الخمسة أيام، عادل سماره

هذه الحرب لن تنتهي، إلاّ إذا…، رشاد أبوشاور

متاعب الهجرة إلى أميركا: تدابير عسكرية لأزمة إنسانية، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

الولايات المتحدة – انهيار بطيء، الطاهر المعز

✺ ✺ ✺

بعد يوم من حرب الخمسة ايام

عادل سماره

كانت هذه الحرب بين امريكا والكيان من جهة، وبين غزة ممثلة في ا.ل.ج.ه.ا.د الإسلامي التي قدمت أكثر من ثُلَّةً من كوادرها بشكل خاص ومختلف الفصائل وخاصة ال.ج.ب.ه.ة. ا.ل.ش.ع.ب.ي.ة التي قدمت اربعة من مقاتليها وفصائل أخرى فتح والديمقراطية، وإلى جانب هؤلاء كانت تضحيات المواطنين وخاصة النساء والأطفال.

ولأن الصراع والتناقض تناحري، فإن التضحيات أمر طبيعي وواجب لا جدال في هذا.

ولأن القتال طال كل هؤلاء، يسعنا القول بأنها حرب وإن قصُرت الأيام.

لم يكن بالوسع تغطية كل ما يجب أن يُقال في هذه التغطية لفضائية فلسطين اليوم، إما لضيق الوقت أو لحساسية بعض الأمور التي قد تُحرج الفضائية نفسها أو حتى لأن أموراً أُخرى لا يسهُل ذكرها في الآن.

لن أذكر هنا سوى ما يمكن ذكره، هناك أقوال كثيرة فيما يخص مشاركة حركة ح.م.ا.س بشكل فعلي، وبالطبع تمت تغطية ذلك بالحديث عن غرفة العمليات المشتركة إلى جانب عدم مشاركة أي طرف آخر من خارج فلسطين المحتلة. أذكر هذه النقطة وأتركها للناس!

هذا مع أنني قارنت بين درجة المشاركة الفلسطينية وبين مشاركة ال ناتو NATO الذي قدم للكيان كل ما يحتاجه من السلاح سلفاً، وأعطاه أمر العدوان. وهذه مسألة يجب ذكرها من قبيل وجوب الإحاطة على الأقل.

لم يُغطي الإعلام منذ البداية بشكل عادل مشاركة الفصائل الأخرى وخاصة ا.ل.ش.ع.ب.ي.ة، وهذا ينسجم مع ما أعلنه الاحتلال بأنه يستهدف ا.ل.ج.ه.ا.د وحدها، نعم كان الاستهداف اساساً ضد ا.ل.ج.ه.ا.د ولكن إهمال ألاخرين أمر غير صحيح من جهة ويُظهر الاحتلال وكأنه يسيطر بشكل دقيق على كل مجربات الاشتباك مما يُقوي سمعته من جهة ثانية! ورغم أن مجريات العدوان تحدثت عن الصواريخ السورية إلا أن السيد ن.خ.ا.ل.ه والسيد ه.ن.ي.ة لم يذكرا سوريا قطعاً!. وقد يكون هذا مقبولاً لو لم يُوجه الشكر منهما لسلطات مصر قطب التطبيع العلني وسلطات قطر قطب التطبيع المخفي! قد يكون ل.ل.ج.ه.اد مبرراتها في شكر مصر وقطر لكن لا أعتقد أن ح.م.ا.س كانت موفقة في هذا الغمط.

ذكرت الميادين كثيرا منذ اليوم الأول للحرب بأن الكيان غدر بالشهداء الثلاثة حيث اطمئنوا بأنهم سيذهبون إلى مصر للتهدئة فانتهز الكيان الفرصة لاغتيالهم وأُسَرهم! ولكن السيد محمد الهندي قال ايضا على الميادين بأن الشهداء الثلاثة لم يكونوا ممن سيذهبون إلى مصر. وهذا يطرح عدة تساؤلات مثل: لماذا الشعور بالأمان وذهاب الثلاثة في نفس الليلة وإلى نفس بيوتهم! فهل كان هناك رصداً لهم؟ ولماذا تصرفوا بشكل علني لهذه الدرجة؟ وإذا ليسوا ممن كانوا سيذهبون إلى مصر، فهذا يعني أن الاختراق ليس من الجانب المصري بل اختراق داخلي. وينطبق هذا على الشهيدين الآخرين في خان يونس وهما من حاملي مهمة واحدة معاً!.

صحيح أن التهدئة بشرط تجنب الاعتداء على الميادين هو أمر غاية في الأهمية، ولكن كما قال الجميع بأن الكيان لن يتقيد في ذلك. أما الشروط الثلاثة الأخرى للتهدئة فلم تكن ممكنة ولذا، جرى تجاهلها.

من قبيل الأدب لا يُفضل لمن يتحدث أن يناكف زميله، وأقصد هنا النضال في الضفة الغربية، فليس حصرا في ا.ل.ج.ه.ا.د، والأهم من ذلك هناك أمر يخفى على الأكثرية، وهو أن العمليات الفردية التي قام بها رجال سرِّيون تماماً فاقت وتفوق العمليات المفارزية والتي كثيراً ما تطلق النار من بعيد وعرضت نفسها للانكشاف منذ أشهر مما جعل اغتيالها سهلاً، إضافة إلى ان معظم العمليات الفردية ليست من هذا الفصيل او ذاك والأهم أنها أعلى فاعلية أعلى بكثير وأقل كلفة من حيث الأرواح. فعملية فردية واحدة كانت تقتل من 1-4 أو 6. اذكر هذه المسألة لإبراز الحق وأخذ العبرة.

أختم بمسألة هامة ذكرتها في حديثي وهي المشروع الإعلامي الأنظماتي العربي سواء إعلام ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة أو الآخر فهو قد لعب ومنذ عامين تقريبا وحتى حينه دوراً خبيثاً في تصوير النضال الفلسطيني أنه قادر على التحرير ولا يحتاج أحدا إلى جانبه. وهذا مقصود به فك فلسطين عن العمق العروبي الشعبي خاصة وإعادة تثقيف الطبقات الشعبية العربية بأن كل قطر هو أمة منفصلة عن اخرى التي هي مجرد جار وُجد بحكم الجغرافيا لا أكثر وبالتالي ليس مطلوباً منه دعم الفلسطينيين ولو حتى بالطعام. وهذا بالطبع ضرب الهدف الأساس وهو الدولة العربية المركزية من أجل عدم القدرة على إنجاز المهمة المركزية وهي تحرير فلسطين. إن تركيز هذا التثقيف الخبيث هو خدمة قصوى للأنظمة التابعة والتي تقزمت إلى دور الوسيط الذي لا يفرض رأيه ولا يمكنه محاسبة الكيان على النكث بتعهداته! وهي خدمة للكيان سواء بوعي أو بلا وعي! لأن التحرير مهمة عروبية من جهة ولأن العدو طالما استهدف الوطن الكبير بأجمعه.

وللتذكير وخاصة الذين ينتقدون شعار “القرار الفلسطيني المستقل” وأنا من بينهم، فإن فك القضية عن عمقها العربي هو استمرار في القرار المستقل وستكون نتائجه أخطر.

✺ ✺ ✺

هذه الحرب لن تنتهي

إلاّ إذا…

رشاد أبوشاور

هذه الحرب لن تتوقف إلاّ إذا..وأقصد الحرب الممتدة حتى اليوم، والتي بدأت كحرب معلنة الأهداف، والأطراف عام 1948، وكشفت عن أهدافها التي لم تعد خافية بالنسبة لعرب فلسطين، ولكثير من العرب الذين استبشروا بأنها ستتوّج بهزيمة العصابات الصهيونية آنذاك،ثقة بالجيوش العربيّة المتواضعة، والتي قرارها لم يكن بيدها.

كانت العصابات الصهيونية تحارب بأسلحة متفوقة غربيّة، وبقرارات دولية منحازة، وبمخططات بعضها معلن، وبعضها خاف على الجماهير العربية، وإن كان عرب فلسطين قد اكتشفوا مبكرا طبيعة العلاقة بين بريطانيا المنتدبة على فلسطين وبداية التسلل اليهودي لفلسطين بغطاء بريطاني، وبرعاية بريطانية، وبمباركة أمريكية.

المعركة التي انفجرت إثر اغتيال قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة وهم في بيوتهم، بين أفراد أُسرهم( غدرا) ، ورأيي أننا يجب أن لا نُغدر، ولا ننام مطمئنين، فنحن المقاومين ننتمي لشعب طالما غُدر بالثقة بمن باتت أخوتهم غير مطمئنة، فهي انتقلت من أخوة دم ومصير واحد، إلى إدعاء بتعاطف من أخ لم يعد معنيا بمن يفترض أنه أخوه، ولا بأرضه التي هي قلب الوطن العربي، ولا بصراعه الاستراتيجي الذي يفترض أنه صراع أمة مع عدو غاز مدعوم بأعداء يقدمون له السلاح، والمال، والدعم الديبلوماسي، والإعلامي، لأنه باختصار خط الدفاع الأول عن مصالحهم الإستراتيجية في الوطن العربي الكبير، بثرواته، وموقعه الاستراتيجي، وامتداده الجغرافي، و..دوره في حربه مع القوى التي تهدد مصالحه سواء إبّان (الحرب الباردة) ، وما بعد الحرب الباردة التي يفترض أنها انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي، وتفكيكه، وإضعاف وريثته روسيا وتحويلها إلى دولة مستباحة بقيادة ضعيفة متخاذلة فتحت أبواب روسيا للناهبين، وضيّعت قوتها وهيبتها، ومسخت دورها، و..لكن روسيا استيقظت بقيادة راهنت على إمكانية التفاهم مع الغرب وقيادته المتسيّدة الإمبراطورية الأمريكية التي قابلت سعي روسيا لعلاقات قائمة على الاحترام بالاستهتار، وبخططها لمحاصرتها والتهيئة لتفكيكها ، فلم تجد روسيا خيارا أمامها سوى الدفاع عن سيادتها، وحدودها، وثرواتها، وتاريخها العريق سوى خيار الحرب على من جعلوا من أوكرانيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي، والذين هيمنوا على الحكم بانقلاب وبالانقضاض على السلطة، وبقيادات أدوات جلّها صهيونية _ وهذا ليس سرّا- فصارت قاعدة انطلاق للعدوان على روسيا، وانظروا إلى تدفق الأسلحة والمليارات من دول الغرب بقيادة الإمبراطورية لإدامة الحرب على روسيا، وهي في الحقيقة حرب الغرب على روسيا.

عربيا: نُظم الحكم اٌلإقليميّة اختار بعضها (التطبيع) مع الكيان الصهيوني، لأنها غير معنية بالأمن العربي، وبمصير الأمة العربيّة، وبمستقبل الأجيال العربيّة، وهي غير معنية بعروبة فلسطين، وبتحريرها، وهي التي تقاعست عن نُصرة فلسطين، ووضعت عرب فلسطين في مخيمات، وحصار، ومراقبة، وقيّدت دورهم تجاه وطنهم الذي احتُل ..ولكن الفلسطينيين لم يسكتوا، ولم يخضعوا، ومسيرتهم الكفاحية تشهد، فهم لعبوا دورا كبيرا في نشر الوعي السياسي، والشعور بالانتماء القومي، وجعلوا من قضية فلسطين قضية قومية، والتقطوا أنفاسهم مع ثورة تموز 1952، وصعود الوعي القومي …

انقلاب السادات على منجزات ثورة تموز الناصرية بعد رحيل ناصر، وإخراج مصر من مسار إلى مسار نقيض، من قائدة للأمة العربية إلى مطبعة مع الكيان الصهيوني، ومن العداء لأمريكا إلى 99%من أوراق الحل في يد أمريكا، و..إلى تصفية القطاع العام، وفتح أبواب مصر، وما استتبع الانفتاح والتطبيع ..ولكن شعب مصر أسقط التطبيع، وما زال يقاوم التبعية، ولم يدر الظهر للقضية الفلسطينية.

العدو الصهيوني في حالة حرب مستمرّة منذ 1948 وقبلها، وهو لم يستقّر، ولن يستقّر على أرض فلسطين، والفلسطينيون الذين اقتلعوا من أرضهم، واستحوذت العصابات على أرضهم ونهبت ثرواتهم، لم يتركوها لتهنأ وتتوطد في أرضهم، وظلّت كيانا في مهّب الريح،  رغم التطبيع مع السادات، ومن جاءوا بعده من الحكّام المطبعين الساعين للرضى الأمريكي والحماية الصهيونية.. الذن يرون في هذه الأيام، وما سبقها من معارك، وتفسّخ الكيان سياسيا واجتماعيا..وحاليا: عسكريا، أن هذا الكيان يتلقى ضربات الفلسطينيين، وكما حدث في معركة سيف القدس، ويقف عاجزا رغم حشد جيشه في مواجهة جنين ونابلس وأريحا والخليل وبيت لحم..والفلسطينيون يقاتلونه بجزء من قوتهم، لأن الفلسطينيين (اللاجئين) في الأقطار العربية محرومون من المشاركة، وهذا يحدث للجماهير العربية…

إذا كان قطاع غزة يقاتل هذه الأيام وحده، وببعض طاقته، في هذه المعركة المفتوحة ،معركة الثأر للشهداء، ويكشف عن بعض قدراته الصاروخية التي أرعدت فوق رؤوس سكّان تل أبيب، والتي باتت تدمّر بيوت الصهاينة وتدفعهم للهرب والإختباء، وتشرّدهم من مستوطناتهم بعيدا عن جحيم صواريخ غزة، فكيف ستكون المعركة إذا ما امتدت واستشرت نيرانها، وعلى كل الجبهات؟!

هذه معركة في سياق الحرب الكبرى، حرب تحرير فلسطين، وهذه المعركة التي تنحاز لها الجماهير الفلسطينية التي أكتوت بأكاذيب أوسلو، وجرائم العدو بعد أوسلو: قتلاً، ونهبا للأرض والماء، وتدميرا للبيوت، وزجّا في السجون، ومواصلة لحربه منذ 1948 التي لن تتوقف رغم وساطات ( أطراف) رسمية عربية دورها تخدير الفلسطينيين والجماهير العربية التي لا تنطلي عليها عبارات الحرص على الفلسطينيين، لأنها تُغيّب جوهر الصراع مع العدو الصهيوني، وهو الصراع الذي لن يُحّل إلاّ بتحرير فلسطين، وكنس الكيان الصهيوني من قلب الوطن العربي، وعودة عرب فلسطين إلى مدنهم وقراهم وحقولهم .

هذه المعركة ربما تتوقف بعد تلقين نتنياهو وزمرة الحاخامات أسرى الخرافات درسا فلسطينيا، ولكن الحرب التي تأسست بها دولة الكيان عام 1948، لن تتوقف، فهي حرب وجود وسيادة للأمة، وهي حرب خاتمتها المؤزرّة: تحرير فلسطين…

هذه الحرب هي حرب نهاية أكاذيب سلام أوسلو، وسلام التطبيع…

✺ ✺ ✺

متاعب الهجرة إلى أميركا:

تدابير عسكرية لأزمة إنسانية

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

            حرّكت إدارة الرئيس بايدن مواردها سريعاً صوب الحدود الجنوبية مع المكسيك قبيل تكهّنات بتدفق غير مسبوق من لاجئي أميركا اللاتينية قبل انتهاء مفعول المادة 42، في 11 أيار/مايو الحالي، من القانون المؤقت للرعاية الصحية للمهاجرين الذي أفرزته جائحة وباء كورونا، والذي يفتح كوة ضئيلة في قانون الهجرة الرسمي لاستقبال المصابين ومعالجتهم والسماح لهم بالبقاء “المؤقت”، باستثناء بتّ قضايا اللجوء السياسي.

            وقد جنّدت على الفور نحو 1،500 عنصر من القوات العسكرية الرسمية ليتخذوا مواقع مانعة على امتداد الحدود الجنوبية، وعزّزت قوات أخرى قوامها “2،500 عنصر من قوات الحرس الوطني ونحو 19 ألف ضابط من جهاز حرس الحدود” في مهام مراقبة واعتراض سيل المهاجرين، مكمّلة بعضها بعضاً.

            درج السياسيّون الأميركيون من الحزبين على المبالغة في أعداد المهاجرين واللاجئين من أميركا الوسطى والجنوبية، كلّ لتحفيز مناصريه ضد الآخر، وتكاد لا تخلو أجندة المرشحين لمناصب سياسية مهمة من لهجة التحذير من “خطورة الهجرة غير المشروعة على الداخل الأميركي”، وتحميلها مسؤولية آفات المجتمع من تصاعد موجات الجريمة المنظمة وتفشي المخدرات والاتجار بها.

            جوهر المسألة أن قوننة تلك القضية يبقى من صلاحيات الكونغرس لاستصدار تشريعات موازية وقوانين فعّالة، لكنه بمجلسيه لم يُقدم على “تنظيم” موجات العمّال الموسميين الآتين عبر الحدود الجنوبية، نظراً إلى الاستفادة القصوى لرؤوس الأموال من تلك اليد العاملة والرخيصة، وكذلك لنفوذ الشركات الكبرى الطاغي في واشنطن.

لا يحظى أولئك العمّال بأي رعاية أو حماية قانونية من سطوة أصحاب المؤسسات المشغّلة، علماً أن أجورهم المتدنّية ترفد الخزانة الأميركية باقتطاع الضرائب المستحقة منهم، وتشكّل حافزاً لأرباب العمل للإبقاء على تدني الأجور في قطاعات عدة من النشاطات الاقتصادية. على سبيل المثال، يشكّل مبلغ 15 دولاراً في الساعة الحد الأدنى للأجور “رسمياً”، لكن ذلك ينطبق على معدلات المعيشة لأكثر من 40 عاماً، بحسب الخبراء.

            من بين الإجراءات المرجّح إقدام الإدارة الأميركية عليها “للحد من موجات الهجرة” يبرز خيار إنشائها “مراكز جديدة لبت طلبات اللاجئين في كل من غواتيمالا وكولومبيا واستقبالهم”، مما يتيح لطالبي اللجوء السياسي “تقديم طلباتهم هناك قبل عبور الحدود الجنوبية” بحسب شبكة “أن بي سي”، بتاريخ 5 أيار/مايو الحالي.

            البيانات الرسمية الأميركية تشير إلى اكتظاظ نحو 40 ألف مهاجر “يخيّمون على الحدود شمالي المكسيك” بانتظار انتهاء مفعول قانون الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي سُمح للسلطات المحلية بموجبه بإعادة المهاجرين قبيل اجتيازهم الحدود الأميركية كـ “جزء من إجراءات احترازية لمواجهة جائحة كورونا”، كما جاء في النص الأصلي للمادة 42.

            البيانات الرسمية الأميركية لأعداد المهاجرين ترسم صورة مقلقة لجانبي الحدود الأميركية. وزير الأمن الداخلي السابق، جيه جونسون، قدّر المهاجرين شمالاً بنحو ألف شخص يومياً آنذاك، ليرتفع إلى ما بين 8 إلى 14 ألف في الفترة الحالية.

ووصلت معدلات الهجرة إلى الشمال نحو 13 ألفاً شهرياً عام 2019، لتصل إلى أكثر من 50 ألفاً شهرياً العام الماضي، بلغت نسبة ترحيل الأفراد أكثر من 91%، ونحو 65% للعائلات، بحسب دراسة أعدها “معهد كاتو” للأبحاث نشرها بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2022.

            المواجهات والإجراءات القاسية التي تعتمدها السلطات والهيئات الأميركية المتعددة لمنع تدفق المهاجرين، زادت وتيرتها في المرحلة الحالية بإعلان وزير الدفاع الأميركي ومسؤولين آخرين في إدارة الرئيس جو بايدن تعزيز “قوات الحماية” المحلية بقوات من الجيش النظامي الذين “سيكلّفون بمهام إدارية، ولن يشاركوا بشكل مباشر في جهود إنفاذ القانون”، بحسب الناطق الرسمي باسم البنتاغون، باتريك رايدر، بتاريخ 5 أيار/ماية الحالي.

            اللافت في هذا الشأن وعود الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية، وتعهّده بمعالجة جوانب الهجرة المتعددة، منها “استصدار تشريع يؤدّي إلى تجنيس نحو 11 مليون مهاجر يقيمون بشكل غير قانوني” في الولايات المتحدة، لكنه لم يصدره.

            ويتبادل الحزبان الاتهامات لتبرير عدم اتفاقهما على معايير واضحة بشأن مسألة الهجرة، لكن المرء يجد توافقاً وشبه إجماع بين مختلف التوجهات السياسية في الحزبين على إبقاء باب المهاجرين مفتوحاً “لمعالجة نقص معدّلات العمالة” الأميركية في نشاطات اقتصادية متعددة.

            أجرت منظمة “أطباء بلا حدود” دراسة عام 2017 استغرق إعدادها نحو سنتين، للتوقف على دوافع موجات الهجرة إلى الشمال، جوهرها تفشي عنف العصابات وارتكابها “جرائم القتل وأعمال الاختطاف والابتزاز والعنف الجنسي” لمواطني أميركا الوسطى، وخصوصاً غواتيمالا وهندوراس والسلفادور، أو ما يطلق عليها “دول المثلث الشمالي” لأميركا الوسطى.

            وأضافت دراسة المنظمة أن الولايات المتحدة والمكسيك، قبل تولي رئيسها الحالي منصبه في عام 2018، تعاملان “مهاجري المثلث الشمالي كمهاجرين اقتصاديين يجب اعتقالهم وترحيلهم بدلاً من توفير الحماية” والفرص البديلة لهم. وقد طالبت المنظمة حكومات البلدين بوقف إجراءات ترحيل المهاجرين إلى مناطق خطرة فرّوا منها أصلاً.

            يشار في هذا الصدد إلى زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المكسيك، في 20 كانون الثاني/يناير 2021، للمشاركة في قمة جمعت رؤساء أميركا والمكسيك وكندا، لمعالجة سلسلة من القضايا، أبرزها بالنسبة إلى واشنطن كانت “الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية، والاتجار بالمخدرات والأسلحة على الحدود الأميركية، ومخاطر انضمام المهاجرين إلى تنظيمات الجريمة المنظمة، ومناقشة العلاقات الصينية مع أميركا اللاتينية”.

            صراع مكتوم يجري الآن بين الولايات الجنوبية الحدودية والحكومة الفيدرالية، طمعاً في توفير الأخيرة المزيد من الموارد والخدمات لمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية الناجمة عن “استيعاب الآلاف” في النسيج الاجتماعي والصحي والتربوي.

            وهدّد حاكم ولاية تكساس غريغ آبوت بتسيير قوافل عربات محملّة بالمهاجرين من هناك لترحيلهم إلى مدن الشمال الصناعية، منها شيكاغو ونيويورك، مطالباً عمداءها بالضغط على “إدارة الرئيس بايدن لتحمّل مسؤولياتها” للحد من تدفق موجات الهجرة وتخصيص المزيد من ميزانيات الطوارئ الفيدرالية لذلك.

            لا يبدو في الأفق أي نية حقيقية لدى صنّاع القرار للتوصل إلى إجراءات وتدابير تنظّم موجات الهجرة، أو إنشاء حوافز اقتصادية في البلدان المعنية للنهوض الاقتصادي هناك، وهي مسألة تصب في صلب النظام الرأسمالي الساعي وراء تكديس الأرباح وتقليص الأجور في كافة النشاطات الاقتصادية.

            ما يمكن تلمّسه من خيارات أميركية متاحة هو إعادة إنتاج تدابير سابقة عنوانها نسج “اتفاقيات تعاون” بين واشنطن وبلدان أميركا الوسطى والجنوبية، وتحميل الجزء الأكبر من تداعيات هجرة الأيدي العاملة للحكومات المحلية، ورفدها بمكاسب شكلية مثل “مساعدة حكومة كولومبيا في استيعاب المهاجرين من فنزويلا، في مقابل توفير الأدوات التقنية والموارد البشرية الأميركية لها من أجل تشديد إجراءات المراقبة الحدودية”، وخصوصاً في ممرّ “داريان غاب” المحفوف بالمخاطر بين البلدين.

:::::

مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن

الموقع الإلكتروني:

http://thinktankmonitor.org/

✺ ✺ ✺

الولايات المتحدة – انهيار بطيء

الطاهر المعز

تعود مسرحية المُساومة بين الكونغرس والحكومة الإتحادية الأمريكية بشأن ارتفاع حجم الدُّيُون الحكومية وضرورة تصويت الكونغرس على رفع سقف الدّيون ( البالغة حاليا 31,4 تريليون دولارا)، مقابل تنازلات سياسية، ولا تمثل سنة 2023 استثناءً، بالتوازي مع خفض الإنفاق، باستثناء الإنفاق الأمني والعسكري، وخفض قيمة الضّرائب، خصوصًا على الثروات الطائلة والمصارف والشركات الكبيرة، ما خفض إيرادات الحكومة الإتحادية التي تقترض (وهي قروض مُقوّمة بالدّولار الذي تطبع منه الولايات المتحدة ما شاءت) فتراكمت القروض وارتفاع للسقف، لتغطية العجز المستمر والمتزايد الذي يمكن علاجه برفع الضرائب على الثروة وخفض الإنفاق العسكري، لكن مُجَمَّع الصناعات العسكرية والأثرياء يُمَوِّلُون الحملات الانتخابية لنواب الكونغرس وكذلك الانتخابات الرئاسية، ولذلك فإن وسائل الإعلام السائد والباحثين وأعضاء الحكومة الإتحادية ونواب الكونغرس يُساهمون في مسرحية المفاوضات من أجل رفع سقف الدّين العمومي، ويتجاهلون الزيادات الضريبية على أرباح الشركات والمضاربة بالبورصة ومجمل مكاسب رأس المال، بما فيها  الضريبة على الممتلكات والأسهم والسندات.

يُشكّل خفض الضرائب على الثروة أحد أسباب الثراء الفاحش لأغنى 10% من الأمريكيين الذين يمتلكون نحو 80% من الثروات المتأتي معظمها من الأسهم والسندات، وكذلك العقارات التي يعفي نظام ضريبة الأملاك الحالي من يمتلكون عقارات بقيمة تفوق 12 مليون دولار للفرد أو أكثر من 25 مليون دولار للزوجين…

يتم نقاش رفع سقف الدّيْن بالتّزامن مع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بذريعة مكافحة التضخم، ما يضر بمصالح المُقترضين لشراء مسكن أو سيارة أو غيرها، وما يضر بمصالح الدول التي اقترضت (بالدّولار) من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي…

يحب أنصار وزيرة الخزانة جانيت يلين: سيكون من الصعب للغاية استبدال الدولار كعملة احتياطية في العالم. لكن من الذي يجبر العالم على شراء وتخزين عملات احتياطية مثل الدّولار؟ تحاول الصين وروسيا ودول الجنوب استخدام عملاتها الخاصة في التجارة الدولية وبالتالي تجنب العقوبات الأمريكية وعسكرة التجارة الدولية التي يُتيحها استخدام الدولار.

هل هذه نهاية عهد الدّولار؟

أثارت استراتيجية توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، منذ سنة 1996 – بدلاً من حله بعد سقوط الاتحاد السوفييتي – تَخَوُّفات روسِيّة مَشْرُوعة، ما جعل روسيا تسعى للتحالف مع الصّين التي وضعت شروطًا مُجحفة، رفضتها روسيا إلى أن اضطرت إلى قبولها بعد تشديد الطّوق الأمريكي الذي كانت أهم مظاهره: الحرب التي أثارتها جورجيا ضد روسيا (2008) وانقلاب أوكرانيا (شباط/فبراير 2014)، وأدى هذان الحدثان إلى تقريب قوات الناتو من الحدود الروسية، فاستغلت الصين الفرصة لِفَرْض شروطها بشأن الاستثمار في روسيا وبشأن عُقُود المحروقات والمعادن والتجارة عبر الحدود المشتركة الخ كما دفعت الحرب في أوكرانيا والتهديدات ضد الصين إلى تسريع التقارب بينهما وكذلك مع الدول الخاضعة للحظر الأمريكي: إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية…

حاولت روسيا التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن توسيع الناتو، قبل الحرب في أوكرانيا، وقَدّمت خطّةً تم تجاهلها تمامًا من قِبَلِ الولايات المتحدة وسلطات الاتحاد الأوروبي، فيما نفذت الحكومة الأوكرانية خطة تطهير عرقي للسكان الناطقين بالروسية، مثل سكان دونباس، لإزالة أي أثر للإختلاط السكاني الذي كان يُشجّعه الإتحاد السوفييتي، وسَلَّمَ حلف شمال الأطلسي أسلحة اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، وأعلن ناطق باسم الجيش الأمريكي – خلال التدريبات العسكرية مع جيش كوريا الجنوبية – تنصيب رؤوس حربية نووية في كوريا الجنوبية لأول مرة منذ 40 عامًا، رغم الإلتزام بنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، الأمر الذي دفع الحكومة الصينية للرد، كما كان مُتَوَقّعًا، فيإطار الإستفزازات المستمرة ضدّ الصين، في المناطق والمَمَرّات المائية القريبة من حدودها، لأن الولايات المتحدة ترفض ظهور قوة اقتصادية أو عسكرية أخرى، لتستمر السيطرة الأمريكية على العالم ولو أدّى ذلك إلى تدمير جزء من العالم…

قد تكون هذه العجرفة الأمريكية دليل انهيار، ولو بطيء، فقد بدأت هيمنة الدّولار (أحد أهم مقومات القوة الأمريكية) تتآكل، حيث “تراجعت حصة الدولار من العملات الاحتياطية العالمية، سنة 2022، بمعدل 10 مرات أسرع من متوسط العقدين الماضيين، وفقًا لما ذكره بيبي إسكوبار (موقع غلوبل ريزيرش، كندا – نيسان/أبريل 2023)، وقد تصل نسبة انخفاض الحصة العالمية للدولار إلى 30% بحلول نهاية سنة 2024 ، إذا استمر أعضاء مجموعة “بريكس” ودول “الجنوب” في توقيع اتفاقيات التجارة بعملاتهم المحلية.

تتبنى الولايات المتحدة أساليب الجريمة المنظمة، فقد صادرت الأموال الإيرانية منذ أربعة عقود، وقرّرت، سنة 2022 مصادرة، أي سرقة، 300 مليار دولار من الأصول الروسية وسبعة مليارات دولار من الأموال الأفغانية، وأَدّت أعمال القرصنة هذه إلى تسريع اتجاه دول الجنوب لاستبدال الدولار بعملات أخرى وتجنب شراء البضائع الأمريكية والتعامل مع المصارف الأمريكية، وإذا ما استمر هذا الاتجاه، فإن الدّولار سوف يفقد مكانته كعملة احتياطية، وسوف ينهار الطلب على السندات المقومة بالدولار.

تشكل القوة العسكرية عنصرا هاما من عناصر الهيمنة الأمريكية (إلى جانب مكانة الدّولار في التبادلات التجارية والتحويلات المالية الدّولية) إذْ ارتفعت الميزانية العسكرية من 750 مليار دولارا سنة 2022 إلى 858 مليار دولارا مُعْلَنَة سنة 2023 وتمتلك الولايات المتحدة أكثر من 800 قاعدة عسكرية، ويمكن أن يتسبب انهيار مكانة الدولار في صعوبات مالية لميزانية تشغيل هذه المئات من القواعد في جميع القارات، وعلى أي حال فقد بدأ الانهيار، وإن كان بطيئًا، والسؤال هو: ما الذي سيتغير للمستغَلِّين والمضطَهَدِين والفقراء داخل كل دولة، وللشعوب الواقعة تحت الهيمنة والاستعمار مثل الشعب الفلسطيني؟

انخفضت حصة الدولار الأمريكي في الاحتياطيات الدولية لجميع دول العالم من حوالي 67% بنهاية سنة 2001 إلى 58,4% بنهاية سنة2022 وفق صندوق النقد الدّولي، وإذا ما سارت الأمور على هذا النّسَق، سوف تنخفض حصة الدولار الأمريكي إلى أقل من 50% في غضون 15 سنة، وتعزيز مواقع اليوان الصيني، غير أن الانخفاض يتسارع بفعل “العقوبات” الأمريكية ضدّ عدد من الدول التيقد تجد الحل (ولو جُزْئِيًّا) في استبدال الدولار الأمريكي بالعملات الوطنية، ما يُسرّع انهيار الدولار، ولو بصورة بطيئة وتدريجية، وفق وكالة بلومبرغ (27 نيسان/ابريل 2023)، فلا مصلحة للصّين في الإنهيار المُفاجئ، لأن قيمة احتياطيات المصرف المركزي الصيني من الذهب والعملات الأجنبية تبلغ 3,4 تريليون دولار، وبدأت الصين خفض قيمة حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية، بنسبة 16,9% خلال عام واحد، من 1,03 تريليون دولارا، بنهاية كانون الثاني/يناير 2022 إلى حوالي 860 مليار دولارا، بنهاية كانون الثاني/يناير 2023، ولا يزال الاقتصاد الصيني (كأي اقتصاد رأسمالي مُعَوْلَم) مرتبطا باقتصاد الولايات المتحدة والدول الرأسمالية الكُبرى… 

_______

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org