التعاقد: تدجين غيّب الحزب الثوري، عادل سماره

  • هلامياً ورخواً بل حزب إلكتروني

هذا خطاب لكل مناضل وقارئ العربية، والهدف منه تقييم العمل السياسي من قبل القوى السياسية في وطن تحت عدة احتلالات.

لا أريد هنا طرح تقييمي للوضع العربي فهذا في آخر كتبي بأن الأنظمة هي إمبريالية ذاتية لصالح الإمبريالية الأم وسأوفره للناس.

الحزبية العربية والأنظمة

بدأت الأحزاب العروبية /القومية تحديداً البعث والقوميون العرب ثم التيار الناصري كقوى ضد كافة الأنظمة العربية وبهدف إسقاطها وتوحيد الأمة أي كان تناقض الأحزاب مع الأنظمة تناحريا، ولذا كانت جميعها أحزاباً سرية تماما وعانت من القمع الفاشي.

كما كانت الأحزاب الشيوعية ضد الأنظمة لكن ليس على أرضية قومية ووحدوية بل على أرضية إيديولوجية ومواقف طبقية. لسنا هنا بصدد تحليل حدود طبقية المجتمع/ات العربية حينها ولا سيما من باب وجود بروليتاريا ومن ثم النضال من أجل الاشتراكية باعتبار أن المبنى الطبقي مبلور ومفروز.

ما نقصده أن الحريات كانت معدومة، ولا تزال، ولذا كان النضال سريا وقاسياً ومكلفاً، ولم تكن هناك مساحات سوى لقوى اجتماعية أقرب إلى العشائرية والوجاهية وقوى الدين السياسي إلى حد كبير.

بل إن كثيرا من القطريات العربية لم تكن قد دخلتها مسألة الحزبية والبرلمانية أصلا، ولذا ما نقصده أكثر هي مصر والمشرق.

كانت التجربة في مصر بعد الثورة مختلة جداً بمعنى أن النظام كان ضد الحزبية اصلا فأنشأ حزب السلطة الذي كان في أفضل ما وصل إليه الاتحاد الاشتراكي والذي كان تجميعاً حول النظام أكثر مما هو حزب بنظرية تقدمية واضحة على الأقل. كانت هذه خطيئة ناصر حيث حاول لاحقاً دمج الشيوعيين في حزب الدولة مما دفع بعضهم لحل نفسه لصالح النظام بدل أن يصر على درجة من التحالف مع النظام ودرجة من نقده وبالطبع كلف الرفض إدخال عناصره إلى سجن الواحات.

بالمقابل، كانت الأنظمة العربية وخاصة في سوريا والعراق والأردن قد دخلت تجربة الحزبية بمرونة برجوازية مداها الأعلى عدم التعرض للنظام. ففي الأردن مثلاً كان رد النظام على الأحزاب التي تنادي بإسقاطه وبالوحدة العربية هو قمعها وحظرها وترك الساحة لأحزاب الدين السياسي وخاصة بعد وزارة سليمان النابلسي في منتصف الخمسينات.

ولم تختلف سوريا والعراق عن الأردن إلى أن كانت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا وقرار عبد الناصر إلغاء الأحزاب مما فك التحالف بينه وبين البعث وحصل الانفصال وتلته الانقلابات التي انتهت إلى الحزب الواحد حزب السلطة.

وفي العراق قاد انقلاب الجيش إلى إطاحة النظام ومعه الحزبية الشكلية وتتالت الانقلابات ليستقر في السلطة الحزب الانقلابي وحده. ولم تكن الجبهات الوطنية في العراق وسوريا سوى فترينات.

يمكننا القول بأن هذه التجربة في مصر والمشرق انتهت مع بداية الستينات، وتكرست بعد هزيمة 1967.

تعاقد أحزاب وهيمنة الدين السياسي

بعد الفترة الانتقالية، إن صح التعبير أي بداية وحتى 1967 لم يقتصر أثر الهزيمة على الأنظمة وخاصة قومية الاتجاه بل على معظم الأحزاب القومية والشيوعية على الأقل في المشرق العربي.

يمكننا تسمية العلاقة بين الأحزاب وبين الأنظمة ب “التعاقد”.

أي انتقال الأحزاب من السرية وتبني مشروع إسقاط الأنظمة والتخلي عن شعار الوحدة العربية إلى التقدم بطلب ترخيص علني لهذه الأحزاب من نفس السلطة التي كانوا يناضلون لإسقاطها باعتبار أن التناقض معها تناحرياً.

ما حصل كان اتفاقا مباشراً بين السلطة والأحزاب بأن يعلن النظام فسحة “ديمقراطية” فيسمح النظام بموجبها للأحزاب بممارسة نشاط سياسي بأفق قُطري، وبعدم التفكير في تغيير النظام وحتى أن بعضها وافق على تغيير اسمه مثلا: حزب البعث الأردني أو العربي الأردني وذلك بهدف تكريس الدولة القطرية. وحين لا يعود مشروع الحزب إسقاط النظام وتحقيق الوحدة يكون قد جرى تدجينه وبالتالي يصبح الحزب نفسه ماكينة تدجين لعناصره للتخلي عن العقيدة القومية والاشتراكية ليصبح نضال الأحزاب لتحسين الأوضاع في البلد طبقاً لرؤية النظام وضمن ذلك برلمانات حتى لو انتخبت فبوسع النظام حلها بإرادة “سامية”.

 وبالطبع انسحب هذا التعاقد على مختلف الأحزاب القومية والشيوعية والدينية والقطرية المحلية. وهذا قاد لاستقرار الأنظمة من حيث السيطرة السياسية الاجتماعية متحولاً إلى حالة نسميها:

·         التجويف: تجويف الوعي الحزبي والطبقي الاجتماعي من اجل تسهيل

·         التجريف: تجريف الثروة.

وبالوصول إلى هذه الوضعية واستمرارها حتى حينه، فإن الوطن العربي بأكمله قد عاش القرن الأخير دون أن يحقق:

·         لا الوحدة

·         ولا بنية رأسمالية وسيطة على الأقل

·         ولا بنية اشتراكية

وترافق مع هزيمة 1967 بداية هيمنة أنظمة النفط وخاصة السعودية. وكانت الإمبريالية قد أنجزت ما بين 1967- 70 مشروعاً تكميلياً لسايكس بيكو في الخليج على شكل سايكس لوحده حيث منحت بريطانيا استقلالات لكيانات الخليج، عمان، البحرين، الإمارات الكويت، وقطر.

ترافق مع هيمنة الخليج ولا سيما السعودية وخُلُو بل احتكار الساحة السياسية الاجتماعية في مجمل الوطن لأنظمة وقوى الدين السياسي التي عبأت الفراغ يكل ما تحمله من إيديولوجيا غيبية ولا عروبية بشكل خاص. وبالطبع، كان ولا يزال خروج القوى القومية والشيوعية من الميدان وانحصارها قطريا وبشكل تعاقدي دور في انتعاش قوى الدين السياسي وتغولها حتى وصلنا إرهاب الدين السياسي والبحث اليوم في آليات استعادة الشارع العربي من أيديها.

تكمن خطورة قوى الدين السياسي العربية في تخارجها بخلاف مختلف قوى الدين السياسي على صعيد عالمي وخاصة إسلامي. فهذه القوى ضد العروبة بوضوح، اي لا وطنية، بينما في تركيا الاسلاميون قوميون وفي إيران دولة دينية والنظام إسلامي قومي.

ومن المفارقات أن قوى الدين السياسي ومعظم الأحزاب الشيوعية ضد المسألة العروبية!

أما الدرس المستخلص بشكل نافر من هذه التطورات فهو هجوم قوى الدين السياسي إرهابياً على الجمهوريات، رغم عدم جذرية هذه الجمهوريات، وذلك بهدف اجتثاث شأفة العروبة كلياً. وهو هجوم نسميه الاستشراق الإرهابي أي:

·          تخطيط إمبريالي

·         وتجنيد وتسليح وتمويل وأدلجة رسمية عربية، حيث جرى حرق أهم عاملين للتنمية في اي بلد أي:  القوى الشابة والفائض المالي!

الأمر الذي لم تنتهي تبعاته بعد.

أحزاب الفضائيات واستدخال الهزيمة

لن نناقش هنا مسألة الفضائيات بسلبياتها وايجابياتها. لأن ما يهمنا انها قدمت مناخ عمل سياسي في الهواء وليس على الأرض. لذا واجه النضال معسكرين:

ا) الأول في السماء: قوى الدين السياسي التي رفعت التناقضات باتجاه الحل الإلهي وبررت لنفسها إلهاب ظهور الناس؛

ب) والثاني في الفضاء: حيث فتحت مجالاً للنشر والكتابة والمناكفات بحيث دخلت الناس في معارك شرسة شكلت:

بالنسبة للقوى السياسية مهرباً من التصدي ضد القمع الاستغلال وعذابات الواقع

وشكلت بالنسبة للأنظمة مناخاً مريحاً طالما الشغل والتناقض ليس على الأرض،

لذا نشاهد حروب الثقافة والتحليلات والفتاوى حيث تشمل الأقل وعياً والأكثر وعياً وفي أحيان كثيرة يتغلب الأول على الثاني، وفي النهاية ينتصر واحد ويُهزم آخر ثم يعود كلاهما للبيت فيأكل ويشرب ويضاجع ويتناسل.

وقد يكون تسمُّر الجمهور العربي أمام الشاشات في اشد التحديات قساوة دون أن يحرك شيئاً مكتفياً بما بذله من التحمس امام الشاشة كما يتحمس لكرة القدم.

لذا، جرى تدمير العراق واستبدال النظام بنظام عملاء طائفيين ولصوص يتعايشون مع عدة احتلالات بينما البلد بلا ماء ولا كهرباء بل تستورد حتى النفط والتمور من إيران. وكل هذا لم يحرك الشارع العربي.

وانتقلت الهجمة ضد ليبيا بغزو علني من الناتو ومباركة الجامعة العربية ومشاركة قوى الدين السياسي سنة وشيعة إلى أن انتهى البلد متقاسما بين ميليشيات من الدين السياسي. ولم يتحرك الشارع!

وكانت تجربة سوريا هي الأكثر فجاجة وفظاعة حيث كان الهجوم هذه المرةعربيا إسلاميا وطال القتل والتهجير قرابة نصف الشعب وجرى تجريب كافة أنواع الأسلحة: بارود، واقتصاد، ونفسي وجنسي…الخ. ولم يتحرك حتى شارع البلدان المشاركة في المذبحة.

إلى أن وصلنا اليمن، وكان العدوان رسمياً هذه المرة وليس من قوى الدين السياسي فقط، ولم يتوقف العدوان إلا بصمود البلد، ولكن التقسيم صار شبه مؤكداً وهذا بيت القصيد.

باختصار، فإن سمة المرحلة هي قيام أنظمة عربية إسلامية وقوى دين سياسي بتدمير الوطن إلى حد تحولها إلى إمبريالية على الذات وفي خدمة الإمبريالية الأم. ومع ذلك لا حراك.

وفي سياق هذه المذبحة الشاملة جرى طوي القضية الفلسطينية وتسويد التطبيع بفرعيه:

·         التطبيع العلني

·         والتطبيع غير العلني والذي هو بنفس الخطورة.

ولم يتحرك الشارع!

لا يمكن لأمة أن تستدخل الهزيمة بشكل جماعي ابداً، ولو كان هذا سيحصل لكان حصل في الأرض المحتلة. ولكن الأحزاب السياسية هي التي تعاقدت واستدخلت الهزيمة، فلم يعد لها من صوت. اللهم إلا في انعقاد مؤتمر ثلاثي للأحزاب العربية والمؤتمر القومي والمؤتمر الإسلامي لتصدر بيانا منمقاً وكان آخر “انتاجها” دعم قوى الدين السياسي في تونس!.

وقد تكون الفضيحة الأشد أن الأحزاب الناصرية في معظمها وقفت مع إرهاب قوى الدين السياسي.

هنا يظهر غياب أحزاب ثورية عروبية بالمعنيين القومي والشيوعي حيث خصاها التعاقد سواء بحصرها قطرياً أو بعماها الثوري النقدي فلم يعد لها اي تاثير على الشارع ولا حتى عزيمة محاولة التأثير.

لقد حلّت الفضائيات محل الأحزاب، وحلَّ المعلق السياسي أو المحلل محل المفكر أو الأمين العام للحزب فكانت النتائج إجهاضات ضخمة كما قال ماركس في جدل هيجل.

وأصبح نضال المرء بقدر ما يلمع على الفضائيات واصبحت قيادات الأحزاب في سباق على رضى اصحاب الفضائيات او الدول التي تمولها.

ولكن، من الذي كان ولا يزال يقود كل هذا الميمعة؟

إنه السيد مارك الذي يرغم كل من يكتب ومنهم كاتب هذا المقال على أن يكيِّف طرحه ليكون مقبولاً كما تمت تعبئة وشحن مارك نفسه أو اللجوء إلى فن التهرُّب والتمويه، وكل هذا لا يُعطي الطرح معناه الجوهري..

نحن إذن أمام علنية كلبشت العقل والنفس.

هل هناك طريق آخر؟

إذا صح زعمنا أن جميع الكتابات العلنية ورقية أو فضائية هي في حالة تعاقد مع:

·         السلطات الحاكمة

·         ملاك الصحف

·         جوجل وفيس وتويتر…الخ

نعم تعاقد، حتى لو غير مباشر اي حتى بالتلطيُف مع هذه السلطة أو تلك حتى دون حديث مباشر وتعهدات…الخ.

وعليه، كانت اليوم:

·         تعاقد حزبي مع الأنظمة

·         تعاقد حزبي مع المخابرات

·         تعاقد مثقفين مع اصحاب مواقع الإعلام

·         تعاقد مثقفين مع أنظمة ترشي بالأموال.

·         تعاقد نفسي اي بين الشخص وذاته وبالتالي إقناع النفس بأن هذا المستوى من “النضال” كافٍ وليس في الإمكان ابدع مما كان.

هذا حال مختلف المواقع الإلكترونية والورقية، وعليه، فإن أخطر ما يطرحه البعض: تشكيل حزب عروبي ثوري عبر الفضائيات والطرح المدجَّن!

وأعتقد، أن على كل من يسلك هذا السبيل ان يقول علانية للجيل الجديد: استفيدوا مما نكتب ولا تظهروا على السطح كي لا تكونوا محروقين مثلنا بلا فاعلية. وبدون هذا الصدق فإننا نخدع الجيل الجديد وُنطيل عمر النظام السائد.

هناك طريق آخر، إنه العمل السري لأن مجرد كونه سرِّياً فهو ضد النظام والثقافة السائدة والقوى المتعاقدة سواء مع النظام او الأجنبي. والعمل السري يعني المطاردة وعدم النوم والتوتر الدائم وعدم العيش حياة هادئة او مستقرة وأحيانا عدم الزواج وغالبا عدم الوظيفة…الخ. وما أكثر من وصلوا الطلاق في اسرهم بسبب هذا اللون من الحياة.

ولكنه بديل منتج وحقيقي ومبشّر وممتع. وطوبى لمن استطاع تحمله.

حتى القوى المتعاقدة بالعمل العلني بوسعها إقامة جهازين وتغطية النموذجين السري والعلني.

إن كل من يعمل بالتعاقد هو خطير على الجمهور إذا هيّأ للناس بأن: هذا هو النضال وليس اوسع ولا أعمق.

إن منشورا سريا واحداً في موقف محدد ولحظة محددة مؤثر جماهيريا أكثر من عديد المقالات في الصحف أو الصحافة الإلكترونية.

أذكر حين اصدرنا بيان العشرين في الأرض المحتلة 1998 واعتقلنا لأننا قصدنا وضع اسمائنا عليه وجرى اعتقالنا حيث قام مآت الشباب والفتيات بتصوير عشرات آلاف النسخ منه وتوزيعها. وهذا يدل على عطش الشعب لما هو حقيقي وجاد.

إن مرور عقود على العمل الثقافي والإعلامي الرخو أوصل الشعب إلى نسيان العمل السري فاقتصرت الحزبية على بُعد واحد هو العلني والمسموح به. وهوكما جادلت عرضة للتوقف والشطب سواء من مارك أو الديكتاتور. أو كما قال المتنبي:

فيُمسَكُ لا يُطال له فيرعى…ولا هو في العليق ولا اللجامِ

لو نظرنا لتجربة مصر 2011 حيث كانت جماهير هائجة كالعميان رغم جاهزيتها للموت، ولكنها لم تكن ترى لأن العين هي الحزب الثوري الذي لم يكن وليس موجوداً الآن. لذا كان الشعب يريد إسقاط النظام، بينما سيدة النظام هيلاري كلينتون بين الجماهير تخطب فيهم والقرضاوي يصلي فيهم!

لذا، ثار جدال بين رفيقين، لا محبة بينهما، على تقييم الكتابة والنشر العلنيين هل هي هُلامية أم لا. ورغم أنني لم أكن براغب في المشاركة في ذلك الجدل إلا أني مقتنع منذ زمن أنها رخوة ايضاً، ولكن ليس لدي بديلاً عنها. وكون البديل غائباً اشعر أنه من الخيانة بمكان تقديسها وكأنها غاية المنى هذا مع أنني من أكثر من يمارس هذا العمل واسست أكثر من موقع.

لعنة مناحيم بيجن في الأرض المحتلة

بعد خروجي من السجن عام 1973 عملت في جريدة الفجر التي كانت تملكها م.ت.ف. ككاتب صحفي ومحرر اقتصادي من 1974-1977. والصحافة في الأرض المحتلة هي حالة تعاقد بين مالك الترخيص وبين الرقابة العسكرية الصهيونية.

وهناك يمكن للمرء أن يكتسب خبرة التزويغ والالتفاف على الرقيب في أحيان ويفشل في أحيان أخرى. ورغم ذلك كانت الصحافة ضرورية.

ولكن كانت الفصائل الفلسطينية جميعها سرية تماماً، وبالتالي لم يكن هناك من اذىً من العلني على السرِّي. ولم تكن هناك صلة بين النشاطين. لكنني كنت حينها في المجالين معاً ولا يدري بذلك أحد غير الفصيل في الشام.

كانت الرقابة العسكرية الصهيونية على الصحافة قاسية جدا. كنا نغلق صفحات الجريدة مثلا الساعة الثانية عشرة ليلاً لتُرسل إلى المطبعة فيأتينا سائق اليسارة بأكثر من صفحة مشطوبة علينا حينها الاستماتة لتعبئة الفراغ.

كان محظوراً على الصحف وضع تهنئة بتحرير اسير، أو تعزية برحيل شهيد.

هذا إلى أن فاز حزب الليكود الصهيوني بزعامة مناحيم بيجن أشهر أعداء فلسطين وحصل حزبه في الانتخابات البرلمانية على أكثرية الأصوات والمقاعد وتسلم السلطة عام 1977.

وضع بيجن اسُساً جديدة للتعامل مع الإعلام والثقافة في الأرض المحتلة حيث لم تعد الرقابة تمنع التعازي والتهاني…الخ، وبالتدريج نشأت في الأرض المحتلة مجموعات من مؤيدي الفصائل كوجوه أو رموز اجتماعية سمح لها العدو بالتحرك وممارسة السياسة إلى حد ما وخاصة أن مؤيدي الحركة الوطنية كانوا منذ 1976 قد حصلوا على معظم مقاعد البلديات.

كان هدف بيجن تخليق بديل لقيادة م.ت.ف من فريق من الوطنيين ليكونوا مثابة “منطقة عازلة بين الكيان وبين الجمهور وحصان طروادة للتفاوض” وهذه هي الحال التي تمخضت عنها عام 1980 “لجنة التوجيه الوطني”. والتي أعطاها العدو فسحة للحركة.

تطورت هذه السياسة بالتدريج حتى صار بوسع اشخاص، مثقفين كُتابا سياسيين إعلان تأييدهم ل م.ت.ف وكان هدف الاحتلال ان يصبحوا بديلا ل م.ت.ف.

على ضوء هذه “المرونات” صار بوسع مخابرات العدو تحصيل معلومات عن مواقف المواطنين من خلال: من يهنىء هذا الأسير أو يعزي بذاك الشهيد ما هي علاقة القرابة أو التنظيم…الخ.

تواصلت هذه السياسة حتى خلال الانتفاضة الكبرى 1987 ولا سيما بعدها حين بدأ العدو في البحث عمن يؤدي دور المفاوضات فكان له من هذه الشخصيات سواء برجوازيين أو أكاديميين أو سياسيين او قدامى سجناء عددا شارك في المفاوضات.

كنت ممن استشعر خطورة هذه العلنية واستثمار الكيان فيها وخاصة بعد تدمير العراق وقول جيمس بيكر لممثلي الفصائل في القنصلية الأمريكية في القدس: “هزمناكم في العراق وهنا لا يحصل إلا ما نريد” وكان مؤتمر مدريد 1991.

كان المطلب الرئيس للكيان منذ رئاسة بيجن خلق بديل ل م.ت.ف وإن أمكن فقط من الأرض المحتلة. ولكن ما توقعته أنا نفسي أن المنظمة ستتحول إلى بديل لنفسها وتدخل التسوية، ونشرت ذلك في كتابي “الرأسمالية الفلسطينية من النشوء التابع إلى مأزق الاستقلال عام 1991. وكتبت فيه في ص294-95 إن منظمة التحرير ستدخل التسوية وتتحول إلى بديل لنفسها. وكانت اللعنات، متطرف، برجوازي صغير، هارب إلى الأمام، تروتسكي…الخ. وكانت طبعا أوسلو. لقد استخدم الكيان شخصيات الأرض المحتلة لإغواء وتهديد قيادة المنظمة بمعنى إما أن تأتوا أو يكونوا،…فأتوا.!

دعك من هذا، المهم أنه بعد أوسلو أصبح كل شيء علنياً. لذا تجد مثلا في رام الله مكاتب لعديد الفصائل عليها يافطات: مكتب منظمة كذا لتحرير فلسطين!

وفرَّخ هذا المناخ العلني مثقفين وأكاديميين هم/ن يقدمون مشاريع حلول جميعها ضمن الاعتراف بالكيان.

وهكذا أثمر التعاقد بشكل تدميري على يد بيجن ومن وقع في شباكه.

أما الثمر الزقوم فكان حتى بالاستعراضات للمسلحين في الضفة الغربية: ملابس عسكرية، خُوذ، اسلحة، تصريحات للإعلام لدرجة أن بعضا من الشباب احتجوا على تجاهل الإعلام لهم. وكان ما تبع ذلك اغتيال العدو لمجموعة بعد أخرى!

والسؤال: من يجرؤ على نقد هذا!

من يجرؤ على نقد من موَّل هؤلاء الشباب بالسلاح والمال وطلب منهم الاستعراض؟

وهكذا جر ى اجتثاث مجرد فكر العمل السري على الأقل في الأرض المحتلة.

وهكذا أيضاً وصلنا إلى تقديس العمل الكتابي والنشري الرخو والهُلامي والذي يتحكم به مارك وأضرابه!!!

هل نقول من ماركس إلى مارك؟

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….