لم يبذل الزعماء الغربيّون الذين اجتمعوا نهاية الاسبوع في هيروشيما باليابان تحت مظلّة القمّة السنوية لدول مجموعة السبع (G7) أي جهد في التمويه على عزمهم الأكيد للتوحد تحت راية الولايات المتحدة دفاعاً عن منظومة الهيمنة الغربيّة في وجه التحديات الاستراتيجيّة الثلاثة: العسكري الروسيّ، والاقتصادي الصيني، ودول الجنوب التي اختارت عدم الانخراط في حروب المحاور. وصدر بيان مفصّل عن القمّة، التي استدعت إليها المجموعة أدوات هيمنتها التنفيذيّة: كالاتحاد الأوروبي، والبنك الدّولي، وصندوق النقد الدّولي وغيرها، أعلنت فيه عن استمرار دعمها لأوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، فيما فرضت عقوبات اضافيّة ضد روسيا تشمل قطاعات الطاقة وسفن الشحن والطائرات وتجارة الألماس إلى الأفراد، وحذّرت الصين بوضوح من (تهديد) الهيمنة الأمريكيّة في المحيطين الهندي والهادي، أو المساس بفرموزا (تايوان)، واتخذت إجراءات ستمس الدّول الثالثة التي قد تساعد محور موسكو – الصين على تجاوز آثار الحرب الاقتصادية التي يشنها الغرب، بالإضافة إلى مواقف متصلبة أخرى تجاه مختلف الأزمات في العالم، بما فيها فلسطين واليمن وسوريا وإيران.
سعيد محمّد – لندن
من هيروشيما اليابانيّة جددت الولايات المتحدة، وكبريات الأنظمة التابعة في الغرب: كندا واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا عزمها الحاسم للدفاع عن نظام الهيمنة الدوليّ في مواجهة ما أسمته ب”التحديات العالميّة لهذه اللحظة” من التاريخ – أي (التهديدان العسكري الروسي، والاقتصادي الصيني) ، واتخاذ إجراءات في مختلف المجالات التي من شأنها تعزيز وحدة الغرب، حكومات ومنظمات، لردع الأطراف الثالثة التي قد تحاول لعب سياسات مستقلة سواء في أجواء الصراع القائم مع محور موسكو – بكين، أو المجالات الأخرى كنزع السلاح النووي، والصحة، والمناخ، والتعليم، وحقوق (المثليين ومتحولي الجنس)، وغيرها.
وقال بيان ختاميّ صدر عن الولايات المتحدة وحلفائها المنتظمين تحت مظلة مجموعة الدول السبع الغربيّة الكبرى (G7)، في ختام قمتهم السنويّة العاديّة التي عقدوها من 19 إلى 21 مايو / أيّار بهيروشيما وتوزعت على تسع ورشات عمل حضرها إلى القادة رؤساء الاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الدولية وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية، بأنّهم سيتخذون خطوات ملموسة لاستمرار دعم أوكرانيا في مواجهة الحرب (العدوانيّة) الروسيّة، وتعزيز النظام العالمي الحر القائم على احترام سيادة (القانون)، وأكدوا انهم سيعارضون بشدة أي محاولات أحاديّة الجانب لتغيير الأوضاع القائمة بالقوة أو الإكراه أو الاستيلاء على الأراضي بالقوّة في أي مكان في العالم (أي فيما يتعلّق بجزيرة فرموزا (تايوان)). وعلى الرّغم من تعدد العناوين التي غطتها القمّة، من الصحة إلى الذكاء الاصطناعيّ مروراً بالتعليم والأمن الغذائيّ والبيئة، فإن كل القضايا ربطت بشكل أو آخر بالتهديدات الاستراتيجية الثلاث الروسي والصيني وتفلت دول الجنوب.
وجدد البيان إدانة الغرب لروسيا، وأعلن عن تبني سلّة من الإجراءات لتعظيم تكلفة الحرب علي موسكو وتلك الدول التي تدعم المجهود الحربيّ الروسيّ، بما فيها ضمان التنفيذ الدقيق لحظر صادرات جميع العناصر الحيوية لآلة الحرب من التكنولوجيا والمعدات الصناعية والخدمات، وتنفيذ خطة محكمة للحد من إيرادات الخزينة الروسيّة من تصدير الطاقة والمعادن، والعمل معاً لتقييد التعامل في الماس المستخرج أو المعالج أو المنتج في روسيا (وهي واحدة من الصناعات التصديرية القليلة المتبقية في روسيا التي لا تزال سالمة نسبياً من العقوبات الغربية)، بالإضافة إلى الحد من استخدام البنوك الروسيّة للنظام الماليّ الدوليّ عبر فروعها في دول ثالثة (مع تزايد الحديث عن استفادة الروس من شبكة الملاذات الضريبيّة الآمنة التي تديرها بريطانيا بشكل رئيسي وتسمح بتبييض أموال الطبقات الأوليغارشيّة حول العالم)، وتبني سلسلة من التدابير لمنع تحايل الأطراف الثالثة على العقوبات الغربيّة المفروضة على الجانب الروسيّ، والتهديد باتخاذ خطوات ضد الدول أو الجهات الفاعلة في تلك الدّول التي تدعم الحرب الروسيّة.
وقد انضم الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي إلى قادة المجموعة خلال اجتماعاتهم في اليومين الأخيرين، حيث كرروا أمامه التزامهم بدعمهم لأوكرانيا مهما تطلّب الامر.
وبحسب خبراء في مجال صناعة الألماس فإن استهداف هذا القطاع في هذه المرحلة يأتي لمنع موسكو من تجاوز العقوبات الغربيّة من خلال استخدام الهند، التي تدير أكبر صناعة لتلميع الماس في العالم، كوسيط. وقد دعي رئيس وزراء الهند نارندرا مودي لحضور القمة كمراقب.
وقال مسؤول أمريكي أن بلاده ستطبق عقوبات جديدة على أكثر من 300 من الأفراد والسفن والطائرات المرتبطة بروسيا. وقال إن وزارة التجارة الأمريكية ستضيف أيضا 70 مجموعة روسية إلى قائمة سوداء لمنع تصدير المنتجات ذات التكنولوجيا الأمريكية إلى روسيا. وأعلنت بريطانيا أيضاً إنها تعد عقوبات جديدة تستهدف 86 شخصيّة وشركة روسية في الصناعات العسكريّة، ومجالات الطاقة، والمعادن، والشحن. وقال رئيس الوزراء البريطانيّ ريشي سوناك أن بلاده ستفرض من جانبها حظراً تاماً على واردات الماس والنحاس والألمنيوم والنيكل ذات المصدر الروسيّ.
وقد أعربت القمّة عن قلق القادة العميق إزاء تدهور الأمن الغذائي العالمي بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وأكدوا على أهمية استمرارية صادرات الحبوب من كييف عبر دول الاتحاد الأوروبيّ ومبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود التي تتوسط فيها تركيا، وأعلنوا عزمهم على العمل من أجل تحقيق أمن غذاء عالمي مرن قادر على التعامل مع الضغوطات التي قد تفرضها الصراعات اليوم ومستقبلاً.
أما فيما يتعلّق بالصين، التي تزعم الولايات المتحدة بأنّها التحدي الأخطر للهيمنة الغربيّة على العالم، فقد حذّرتها القمّة ضمناً من أي محاولة لتغيير الوضع القائم في جزيرة فرموزا (تايوان) التي تريد بكين استعادتها، وقال البيان الختاميّ بأن دول المجموعة تدعم أمن منطقة المحيطين الهندي والهادىء، وترفض مزاعم الصين بحقوق سيادية لها في بحري الصين الشرقي والجنوبيّ وبحر الفلبين الجنوبي، وأعلنت عن تنسيق الجهود بين الدول السبع لضمان ما أسمته الأمن الاقتصادي وتنويع الشراكات سعياً لإزالة مخاطر ميلان الكفة في التجارة لمصلحة الصين وتحكمها في سلاسل التوريد الأساسيّة للاقتصادات الغربيّة دون السعيّ لفك الارتباط نهائياً بالاقتصاد الصيني.
وندد البيان بما أسماه سياسات الصين السوقيّة وممارساتها التي تشوه الاقتصاد العالمي. وقال إن المجموعة ستتصدى للسلوكيات الخبيثة التي تتبعها الشركات الصينية، مثل النقل غير المشروع للتكنولوجيا أو سرقة البيانات، وستعزز قدرة الدّول على الصمود في وجه منهج الإكراه الاقتصادي الذي تتبعه بكين لتحقيق أغراضها السياسيّة، مع تجديد التأكيد على ضرورة حماية بعض التكنولوجيات المتقدمة من الوصول إلى أيدي الصينيين. كما وعد بالاستمرار بالتعبير عن القلق حول أوضاع حقوق الإنسان في أقاليم التبت وشينجيانغ وهونغ كونغ.
وقد تجاهلت القمة الجهود الصينية لوقف الحرب في أوكرانيا، فيما دعت القيادة الصينية إلى الضغط على روسيا لوقف عدوانها العسكري، وسحب قواتها فوراً وبشكل كليّ وغير مشروط من كامل الأراضي الأوكرانية.
وأعلنت القمة عن مبادرات لاستعادة التأثير الغربيّ على دول الجنوب لا سيما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنها رصد 600 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية في تلك الدول بعد أن استفردت الصين منذ بعض الوقت بهذا المجال. لكّن مقررات القمة ذهبت باتجاه فرض منهجيّة غربيّة ليبرالية في مختلف المجالات الأخرى بحيث يصبح هامش المناورة خارج حرب المحاور ضيقاً للغاية، حتى لدول مهمة مثل الهند، والبرازيل، وأندونيسيا التي تجنبت إلى الآن أي انعكاسات سلبيّة ملموسة إزاء حيادها بشأن الصراع في أوكرانيا.
وتضمنت المواقف الصادرة عن القمة أيضاً إشارات إلى وحدة الغرب تجاه الالتزام بنزع قدرات كوريا الشماليّة النووية والبالستية، وعزم متجدد لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي نهائياً – بالطرق السلمية إن أمكن -. وأدانت المجموعة ما وصفته بالانتهاكات والتجاوزات المنهجية لحقوق الإنسان التي تمارسها الحكومة الإيرانية، بما في ذلك قمعها للاحتجاجات النسوية الشعبية، وأعربت عن قلقها البالغ من نقلها الأسلحة إلى روسيا، ودعتها إلى ضمان أمن الملاحة في الإقليم، مرحبّة بالاتفاق السعودي الإيراني الأخير لتخفيف حدة التوترات في المنطقة.
أما فيما يتعلّق بسوريا فلا تزال المواقف الغربيّة تراوح مكانها مع توجيه للمجموعة في تنبيه المجتمع الدّولي بضرورة ألا يسمح بتطبيع العلاقات مع الدّولة السوريّة أو تقديم المساعدة في مجال إعادة الإعمار “إلا بعد إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو التوصل إلى حل سياسي” على حد تعبير الوثيقة النهائية للقمة التي أشارت أيضاً إلى أزمات أخرى في العالم العربي من اليمن إلى السودان، ومن ليبيا إلى تونس، مروراً بفلسطين، وأصدرت توجيهات بشأن كل منها.
هذا وتقرر أن تعقد القمة القادمة للمجموعة في إيطاليا العام المقبل.
::::
“الثقافة المضادة”
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/