نشرة “كنعان”، 1 يونيو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6556

في هذا العدد:

قراءات في الراهن العربي من النظري إلى التطبيقي (حلقة4)، عادل سماره

  • القومية الحاكمة والقومية الكامنة واختلافهما بين المركز والمحيط

الماركسية والموقف من القومية والصهيونية، د. موفق محادين

✺ ✺ ✺

قراءات في الراهن العربي من النظري إلى التطبيقي

(حلقة4)

القومية الحاكمة والقومية الكامنة

واختلافهما بين المركز والمحيط

عادل سماره

يُقر مختلف، بل العديد من، المفكرين والساسة بالمرحلة القومية كمرحلة تعبرها مختلف الأمم في فترات زمنية متفاوتة من حيث فترة دخولها أو امتدادها أو كونها أممًا قديمة (الصين، الهند، العرب، الأحباش) أو مُحدَثة (الولايات المتحدة، كندا). لذا، ليس من السهولة بمكان توفر إجماع على تعريف القومية ولا، بشكل خاص، على الموقف منها. لكنها تبقى مرحلة في تطور المجتمعات والفكر السياسي. 

ومع أن العالم لا يزال اليوم في مرحلة الدولة القومية، إلا أن الكثير من القوى والإيديولوجيات تقف من القومية، بمختلف توجهات المدارس والنضالات القومية، موقف العداء المطلق كما تفعل الحركة التروتسكية هادفة من وراء هذا الموقف، الذي يبدو فكريًا نظريًا، لخدمة الكيان الصهيوني الأشكنازي. فهي تعلم أن تحرير فلسطين هو عروبي في التحليل الأخير، ولذا تناصب المسألة القومية عمومًا العداء من أجل تشويه المسألة القومية العربية، وتغطي ذلك بقراءات مشوشة ومشبوهة لموقف ماركس من القومية وهو الموقف المحكوم بالظرف الأوروبي في حينه، وخاصة دور القوميات الأوروبية في موجة القومية الأولى كموجة استعمارية. وفي هذا تلتقي التروتسكية مع الإمبريالية في عدائها للقومية العربية ودعمها للكيان الصهيوني.

كما يقع الكثير من الساسة والمثقفين أيضًا في مغطس الخلط بين القومية والشوفينية، حيث يُعمِّمون الشوفينية على أي نضال قومي. وهذا اتضح في التقارير والتعليقات والتحليلات الإخبارية والإعلامية عموما عن الحرب الدفاعية الروسية ضد أوكرانيا، حيث جرى الخلط بين خبث وجهل ووعي من جهة وبين إيديولوجيا النازيين/الجدد القوميين الشوفينيين الأوكران من جهة ثانية وبين القومية عمومًا وإطلاق وصف  القوميين وفقط على الأوكران بقصد تعميم هذا النمط القومي العنصري على المسألة القومية في العالم عموماً! مما ساهم في الخلط النظري/السياسي. 

فالقومية، وخاصة في بلدان المحيط المستعمرات والمستقلة حديثًا، هي إيديولوجيا تحرر وطني تضم معظم الطبقات الاجتماعية غير ذات المصلحة مع المركز الرأسمالي الإمبريالي. وفي هذه الحالة من الخبل نعت القومية بأنها شوفينية أو رجعية أو خلطها/دمجها بالشعبوية. 

قد يقول البعض إن التحرر الحقيقي طبقي، أي على يد الطبقات الشعبية ولصالحها، وهذا صحيح. ولكن، في مرحلة التحرر الوطني والتحرير يمكن إنشاء تحالف واسع على مستوى قومي وخلال النضال يفتح الشعب الطريق للأكثر صدقا وفاعلية وجذرية.

تكمن أهمية المسألة القومية في أنها تخص الأمة بأجمعها، وفي مرحلة تاريخية محددة في تطور كل أمة، وبالتالي هي مختلفة من حيث علاقتها بالمجتمع المحدد عن الكثير من النظريات التي يمكن أن تبقى في المجرد وبالتالي ليس شرطًا أن يتعاطى المواطن معها أو يمسه كثيرًا تعاطي مواطنين آخرين معها.

نقطة نقاشنا هنا في اتجاه آخر، في ممارسة الانتماء القومي على أساسه الطبقي، وتحديدًا ما أزعمه بأن أساس الموقف القومي هو طبقي. ومعروف بالطبع أن مجرد مناقشة المسألة القومية من مدخل طبقي هو أمر جدلي جدًا، يُثير نقاشًا ويثير زعمًا بالتباس فكري وحتى تُهمًا بالخلط. 

لقد أشار ماركس إلى هذه المسألة فيما يخص التجربة الأوروبية الغربية، أو ما أُسمي عصر القوميات، نسميها موجة القومية الأولى. حينها أصرّ على أن القومية سلاح بيد البرجوازية. وكان هذا الاستنتاج طبيعيًا لسببين على الأقل:

■ الأول: لأن للطبقة البرجوازية مصلحة في السيطرة على السوق القومي من أجل تسويق بضائعها في سوق محمية لها. وهذا بالطبع رغم تبني الأنظمة الرأسمالية هناك الشعار اللبرالي المزيف حرية التجارة (تحرير التجارة الدولية Liberalization of International Trade.

خبيث وتضليلي هذا الموقف المستمر حتى اليوم، أي التغني بحرية التجارة إلى جانب التمسك العملي بالحماية! وهذه واحدة من أكاذيب رأس المال الكبرى ولكن المحاطة بهالة من خطاب بليغ مزيف.

■ والثاني: لأن الثورة الصناعية، وفي سياق تطورها التقني دفعت بالبرجوازية للبحث عن أسواق خارج السوق المحلي، سواء للتصدير أو للبحث عن المواد الخام وتصدير رأس المال، واليوم تصدير رأس المال العامل الإنتاجي والاستثمار الأجنبي المباشر…الخ؛ الأمر الذي أدى إلى حروب بينْ-أوروبية في منتهى الوحشية على المستعمرات، وبالطبع ضد شعوب المستعمرات أيضاَ، لتكون مرحلة الاستعمار الرأسمالي الغربي الأكثر دموية في التاريخ، وقد يكون لنا الزعم بأن الإنسانية لن تسمح لاحقًا بمثلها. من أجل هذا كان لا بد للبرجوازية أن تستخدم الشعور القومي لدى الطبقات الشعبية وكأنها تدافع عن الأمة، وهو استخدام خبيث لا يسمح ببساطة بأن يرفضه أحدٌ حيث يبدو كمن يتولى يوم الزحف! في حين هو مجند للحفاظ على نهب البرجوازية للأمم الأخرى.

ومع أن ماركس لم يُطوِّر نظرية ناجزة في القومية، وليس مطالباً كإنسان بإنتاج كل شيى، إلا أنه وباكراً كان قد وضع اسساً في المسألة القومية توضح موقفه وترد على الذين يُصرُّون على تناقض الماركسية مع القومية بالمطلق فيقول:

“إن صراع البروليتاريا مع البرجوازية، وإن لم يكن في الجوهر، ولكن في الشكل، هو في البداية نضال قومي. يجب على البروليتاريا في كل بلد، بطبيعة الحال، أن تحسم الأمور أولاً مع برجوازية بلدها “.

 أي ان النضال القومي للبروليتاريا حق وواجب لهزيمة البرجوازية والتي يراها ماركس هنا لا وطنية أو لا تخدم أكثرية الأمة، وإن لم يوضح ذلك.

ثم يواصل:

” ويؤخذ على الشيوعيين كذلك رغبتهم في إلغاء البلدان والجنسية. العمال ليس لديهم بلد. لا يمكننا أن نأخذ منهم ما لم يحصلوا عليه. بما أنه يجب على البروليتاريا قبل كل شيء أن تكتسب التفوق/السيادة السياسية، يجب أن تنهض لتكون الطبقة القائدة للأمة، ويجب أن تشكل هي بنفسها الأمة، فهي، حتى الآن بهذا المعنى قومية وإن لم تكن بالمعنى البرجوازي للكلمة”

وتعليقًا على ثورة كوميونة باريس، كتب إنجلز:

 “إن وحدة الأمة لم تتعرض أبدًا لأي تهديد، ولكنها كانت ستنظم على يد دستور الكوميونة. ففي جميع دعواتها إلى سكان مختلف المقاطعات الفرنسية دعت الكميونة جميع الكميونات الأخرى لاتحاد فدرالي مع كوميونة باريس من أجل ترتيب قومي تخلقه الامة الفرنسية لنفسها للمرة الاولى في تاريخها” ماركس إنجلز، البيان الشيوعي.

Marx and Engels, The Communist Manifesto. Ed. By Samuel J. Beer Appleton-Century-Crofts, Inc. New York. 1955. P. 21. 145Ibid, P. 29.

موثق في كتاب عادل سماره:

“Imprisoned Ideas: A Discussion of Palestinian, Arab, Israeli and International Issues”.  Part 5, The Communist Manifesto, Nationalism and Arab Nationalism, 1998, p.p.  128-130.

بدوره، فقد طوَّر لينين المسألة بشكل أكثر ميدانيا في قيامه بالفصل بين مستوين طبقيين من القومية:

“…وهذا يتطلب أيضًا أن نميز بين القوميات “من فوق” و “من أسفل”، علاوة على القوميات الإمبريالية والقوميات المناهضة للإمبريالية. لقد أدرك أحد المحللين الأوائل للقومية هذه الفروق بوضوح شديد (لينين 1964)، في إدانته لشوفينية الأممية الثانية المتدهورة ودعم حق الأمم المضطهدة في فصل الدولة”

.

)Reclaiming the Nation The Return of the National Question in Africa, Asia and Latin America Edited by Sam Moyo and Paris Yeros First published 2011 by Pluto Press 345 Archway Road, London N6 5AA and 175 Fifth Avenue, New York, NY 10010 (.

نلاحظ هنا الفارق فيما يتعلق بالقومية الحاكمة والكامنة بين المركز والمحيط. ففي حين تطابق موقف القومية الحاكمة والقومية الكامنة في أوروبا خلال الحرب الإمبريالية الأولى وحتى القوى الشيوعية خنعت للبرجوازية، فإن التناقض بين القومية الكامنة والقومية الحاكمة في الوطن العربي واسع وحداً.

ففي أوروبا في الحين المذكور، سقط اليسار وحتى الشيوعي في خدمة الدور الاستعماري والإمبريالي لبلدانهم مأخوذين طبعاً بأن هذا الدور هو سبب اساس في رفاه بلدانهم بما فيها اليسار نفسه أي أن نهب الأمم الأخرى في المحيط هو “إنجاز” لبرجوازيات الغرب أساساً مع حصة أقل، ولكن حصة، للطبقات الشعبية! بينما في الوطن العربي، فإن البرجوازية الحاكمة كمبرادورية طفيلية متخارجة المصالح، ولذا فإن موقفها ليس جاذباً للطبقات الشعبية، هذا وإن كان احتجاج هذه الطبقات ما زال شبه مكتوم.

من اللافت أن ما سعَّر الحروب الأوروبية/الأوروبية كحروب أوروبية/أوروبية وحروب في المستعمرات على هذه المستعمرات هو أن مستوى التطور الاقتصادي، وتحديدًا الصناعي، في أوروبا الغربية كان متقاربًا ولا يزال وهو ما خلق دافعًا للتصارع على الأسواق.

 وهذا يفتح على مسألة هامة لدى الاقتصاديين في مدرسة التبعية التي ذَوَت وانتقل معظم رموزها إلى مدرسة النظام العالمي اللتين تتقاربان في قراءتهما لأسباب لُحاق اليابان بأوروبا ومن ثم استنتاج مقولة “لا يابان بعد اليابان”؛ بمعنى أن أوروبا لن تسمح بتطور مناطق أخرى رأسماليًا، أي سوف تحتجز تطورها، وأن اليابان أفلتت في ظرف خاص، ولذا يمكننا تغيير هذا الاستنتاج، على ضوء التطور المتوازي لأوروبا الغربية، بأن قرار أوروبا هو: “لا أوروبا بعد أوروبا”.

          يلعب الاستعمار والتخلف والتبعية دورًا بارزًا، بل حاسمًا، في تطور المسألة القومية في المستعمرات. فإذا كانت أوروبا الغربية قد تطورت اقتصاديا ومن ثم اجتماعيا بدرجة كبيرة من التمحور على الذات والتحكم بالفائض وتحقيق معدلات تشغيل عالية، وتوفير أجور مقبولة حياتيًا وليست بالضرورة مقبولة من حيث كونها أجورًا، أي نتاج استغلال، فهذه أمور لم تتواكب مع المد القومي في المحيط الذي تواصل نزيف فائضه للمركز مما أضعف التراكم لديه لصالح المركز. 

          فالاستقلال القومي للمحيط كان بشكل أساسي استنهاض الثقافة القومية والهوية القومية لمواجهة التحدي الذي يتخذ شكلا قوميا، وربما دينيا ثقافيا، بينما هو أساسًا اقتصادي بأدوات عسكرية وثقافية وهدفه التراكم، أي نهب فوائض بلدان المحيط وحتى ثرواتها الطبيعية. 

لذا، ما إنْ طُرد المستعمِر سياسيًا حتى واجهت البلدان المستقلة حديثًا معضلة أن الاستقلال سياسيٌّ فقط. حينها عادت كل طبقة للبحث عن مكانتها الاقتصادية فكان لهذا تأثيره الطبقي الحاسم على المسألة القومية وخاصة في الوطن العربي.

حتى اليوم على الأقل، لم يُعلن نظام حكم عربي أنه ضد القومية العربية، ولكن معظم هذه الأنظمة مارست مواقف عملية ضد الوجود الجسدي للشعب العربي، ودخلت حروبًا في ذيل المستعمِر لتدمير قُطريات عربية واستخدمت جامعة الدول العربية لتبرير هذه الحروب ولاستدعاء الناتو لتدمير قطريات عربية كما حصل ضد العراق 1991 و2003

 (شاهد الفيديو: https://youtu.be/FOFY5oTgwkw)، وضد لبنان حينما طلبت ثلاث أنظمة عربية من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الإشكنازي مواصلة العدوان على لبنان لتدمير وتصفية حزب الله، واستدعاء الناتو لتدمير ليبيا كما حصل، والاستماتة (خلال عامي 2011 و2012) لتدمير سوريا. 

ملخص القول إن هذه الأنظمة، بما هي تمثل البرجوازية الكمبرادورية العربية التابعة، تمثل القومية الحاكمة التي هي قُطرية جوهريًا ومعادية للأمة العربية والوحدة والتطور والتكامل الاقتصادي العربي، بل وتحولت إلى إمبريالية ذاتية ضد الأمة ولصالح الإمبريالية الأم ومع ذلك تزعم أنها قومية. ومن هنا كان طبيعيًا وصفها بالقومية الحاكمة التي هي جوهريًا قُطرية.

وفي الجانب الآخر، فإن الانتماء القومي للطبقات الشعبية هو الانتماء الحقيقي، ولكنه كامن، بمعنى أنه ممنوع من التعبير عن نفسه ديمقراطيًا، بمعنى أنه لو كان له حق الاختيار لاختار الوحدة العربية. فما هو المانع الذاتي الذي يمنع عامل بلا عمل في مصر من العمل في الخليج؟! إن توسيع شبكة تشغيل عربية يخلق طبقة عمالية موحدة ويشكل قاعدة طبقية للمشروع الاشتراكي العربي، وهذه قوة القومية الكامنة ومصدر الرعب للقومية الحاكمة. ولذا يتم استبدال العمالة المصرية في الخليج بعمالة من جنوب شرق آسيا، لأن هؤلاء مؤهلون لتقبُّل القمع أكثر من العمال العرب الذين يمكن أن يطالبوا بشروط أفضل بحكم الرابط القومي.

تشكل المصلحة المادية الحياتية والمستقبلية للطبقات الشعبية العربية، والتي مآلها إلى الاشتراكية والوحدة، عاملًا (بل هو الأساس) للتطوير العصري والطبيعي لمختلف أسس تكوين الأمم، بما هو العامل الأكثر دينامية اليوم أي المصلحة المادية للطبقات الشعبية في الوحدة أو الاتحاد العربي، لأنه يُعيد إليها حقها في الثروة العربية التي تتقاسمها أنظمة القومية الكامنة، وإن كان تقاسمًا لا متكافئًا. فما تحصل عليه أنظمة العجز العربي لا يساوي شيئًا مقارنة بما تحصل عليه دول الريع النفطي، ولكن الطرفين ينهبان حقوق الأمة وخاصة حقوق الطبقات الشعبية، كل طرف حسب فرصته. وبالطبع، فإن ما يحصل عليه حكام النفط من ريع هو الأقل مقارنةً بما تحصل عليه الشركات النفطية الغربية.

بقي أن نشير إلى أن أكثر طبعات القومية وضاعة هي ما نسميه الموجة القومية الثالثة، والتي هي تصنيع من أنظمة المركز الرأسمالي مستخدمة كمبرادور المذاهب والإثنيات والطوائف (كما أشرنا في الحلقة رقم 3).

✺ ✺ ✺

الماركسية والموقف من القومية والصهيونية

د. موفق محادين

لم تستهدف الماركسية وخاصة في الحالة العربية، كما استهدفت عبر التزوير والتشويش فيما يخص الموقف من المسألة القومية ومن الصهيونية وما يعرف بالكيان الإسرائيلي، حيث تم تصويرها كتصورات عدمية إزاء هاتين القضيتين، فماذا عن ذلك وفقا للحيثيات والوقائع التاريخية نفسها فضلا عن المقاربات النظرية التي تضع الماركسية موضوعيا في قلب الصراع مع الحركة الصهيونية وتمثلاتها، كما تظهر اهتمامها الكبير بحق تقرير المصير القومي.

ماركس – أنجلز، الأعمال المشتركة:

تبدأ كتابات ماركس – انجلز حول ألمانيا 1850 وتنتهي تحت عنوان واحد محدد هو الوحدة الألمانية “فعلى العمال ليس فقط استكمال إنشاء الجمهورية الألمانية الواحدة، التي لا تتجزأ بل محاولة تحقيق ذلك ضمن الجمهورية الممركزة القصوى للقوة بين أيدي الدولة ورفع أي حاجز بين المقاطعات”.

كما سمحت الدراسة العميقة للمسألة الأيرلندية والبولونية، ولدروس الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة الأمريكية، سمحت لماركس وأنجلس بإدخال تعديلات هامة على نظريتهما في المسألة القومية، فإذا كانا، في البداية، يجعلان التحرر القومي رهناً بتحرر الطبقة العاملة الاجتماعي فإنهما صارا لاحقاً، بعد تحليل خبرة ثورات 1848 – 1849 البرجوازية، يؤكدان أيضاً على الارتباط الجدلي، ارتباط نجاح الثورات الاجتماعية وتحرر البروليتاريا بحل المشكلات القومية الملحة.

لينين:

تنطوي كتابات لينين في “التطور اللامتكافيء” و “الدولة والثورة” و”الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” على التأكيد على الدولة القومية.

وفي كلمته أثناء المؤتمر الثامن للحزب (1919) سجل لينين انتقاداً صريحاً وقوياً لليساريين بسبب عدميتهم القومية مؤكداً أن إسقاط البرجوازية سيؤدي إلى تعجيل هائل في انهيار سائر أنواع الحواجز القومية دون إنقاص التمايز أو التحالف بين البشرية، وكان يرى أن “تشكيل دولة قومية هو الاتجاه الذي تتبعه كل حركة قومية… فيما تمثل الدولة غير المتجانسة قومياً حالة متأخرة أو استثنائية.

ولعل أهم المساهمات اللينينية على الإطلاق في المسألة القومية هي مساهماته في المؤتمر الثاني لأممية الشيوعية وخاصة حِواراته وردوده على “روي” الهندي وكارل راديك وسيراتي من إيطاليا.

الأممية والقومية:

سجلت الحركة الأممية موقفاً مبكراً وثابتاً من المسألة القومية، عبرت عنه الجمعية العامة للأممية الأولى في جنيف (1866) عندما أكدت على حق تقرير المصير في بولونيا، وأيرلندا، والبلقان. كما عبر عنه المؤتمر الاشتراكي الأممي عل لندن (1896) بتأكيده على حق تقرير المصير القومي.

وفي المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية “الثالثة” أكد المؤتمر على دعم الحركة القومية وليس الاعتماد فقط على النشاط الثوري للشيوعيين “اقتراح روي الهندي” واقترحت رئاسة المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية، بعد اختتام المناقشات حول المسألة القومية والكولونيالية، تشكيل لجنة خاصة لصياغة الأطروحات المتعلقة بهذه المسألة”.

كما ندد المؤتمر باقتراحات البوند، حول “الاستقلال الذاتي الثقافي القومي لليهودي” رافضاً اعتبار اليهود أمة وأعاد المؤتمر السابع للكومنترن (1935) التأكيد على فكرة التحالف مع القوى القومية.

ستالين، الصياغة الثانية:

بالرغم من إشارات الصياغة الستالينية لمسألة الأمة لكتاب كاوتسكي، إلا أن هذه الصياغة اعتبرت أهم مساهمة ماركسية حول هذه المسألة حتى الآن.

وقد أقرها الحزب 1913 بعد تعديلات هامة أجراها لينين كموضوعة نظرية صالحة لاشتقاقات سياسية ونظرية لاحقاً.

وجرى طباعتها في كتاب خاص باسم “الماركسية والمسألة القومية” تمييزاً لها عن كتاب كاو تسكي “الاشتراكية الديمقراطية والمسألة القومية”.

وتتلخص في أن الأمة ليست ظاهرة اقتصادية من ظواهر الرأسمالية كما روجتها التصورات الرائجة لبعض القوى الشيوعية التقليدية، بل ظاهرة تاريخية اجتماعية، تضرب جذورها في التشكيلات ما قبل الرأسمالية، ولكنها تجد في الرأسمالية كسوق مركزي اجتماعي، ما يسمح لها بالتشكل كظاهرة سائدة.

وبالتدقيق في القراءة الستالينية من المسألة القومية لا نجد أي تعارض يذكر، فستالين يميز بين مرحلتين لتشكل الوعي القومي: الوعي القومي بذاته ما قبل تشكل الأمة والوعي القومي – الطبقي، بذاته ولذاته في حال الاستكمال القومي لشروط الأمة الرأسمالية.

أما العامل النفسي، فقد توقف لينين عند أهميته ولكنه لم يدرجه في العوامل الأساسية للأمة….

بعد هذا الاستدراك فإن الأمة كما صاغها مؤتمر البلاشفة هي محصلة لتفاعل عدة مقومات أساسية هي العلائم الأربع السابقة التي تصبح القومية بموجبها أمة وهي:

1. الأرض:

فالأرض تمثل القاعدة المادية لتشكل الروابط الاقتصادية بين أبناء الشعب، وميدان نشاطهم وتطورهم. وأخيراً فإن من الأهمية بمكان الأخذ بالحسبان أن الأرض القومية ليست مجرد بقعة جغرافية، وإنما ترتبط عضوياً بالنمط الاجتماعي للأمة التي تعيش فوقها.

2. اللغة:

ليس ثمة في العالم لغة قائمة بحد ذاتها. فما يوجد فعلاً ويتطور هو اللغات القومية بما هي محصلة ثقافية – اجتماعية، وليست إلا تجليات مختلفة للماهية الواحدة للغة – كونها أداة للتفاعل الاجتماعي الثقافي بين الناس. ومن المهم، على طريق رسم سياسة لغوية علمية، استجلاء العلاقة بين الماهية العامة للغة وبين خصوصياتها القومية، وأسباب ظهور اللغات المختلفة، ونقد الجذور المعرفية والاجتماعية للأخطاء أو للتشويهات المعتمدة في فهم العلاقة بين اللغة والمجتمع، اللغة والوعي والتفكير والنفسية.

ولعل الفيلسوف الألماني هردر أبرز من تصدى لدور اللغة في تحديد خصائص الأمة ذاهباً إلى القول: بأن كل أمة تتكلم كما تفكر وتفكر كما تتكلم.

3. السوق:

إن توحيد السوق الرأسمالي هو الذي ينقل القومية “بعواملها” الثلاثة قبل الرأسمالية إلى الأمة “بالعوامل الأربعة معاً” فوحدة السوق الرأسمالي بما تعنيه من تطور في مستوى تقسيم العمل والتبادل وتشكل طبقتين أساسيتين رأسمالية مستغلة، وأخرى مستغلة تبيع قوة عملها، هي التي تشكل العامل الأخير، العامل الاقتصادي، الذي ليس إلا نتيجة للتفاعل التاريخي للعوامل السابقة، لما يميز القومية تمييزاً جدلياً تاريخياً وليس ميكانيكياً عن الأمة الموحدة، وقيمة هذا العامل تكمن أيضاً في أنه الوحيد الذي يوحد المستغلين والمستغلين في طول البلاد وعرضها حول علاقات إنتاج متطورة تعزز من وحدة النسيج الاجتماعي للأمة ككل، بعد أن ساد الاقتصاد المغلق ما قبل الرأسمالي وسادت الطبقات المتفككة عبر مجموعة كبيرة من الأسواق الصغيرة الضيقة.

4. الطبقة القومية:

لما كان المجتمع منقسماً إلى طبقات، فإن واحدة منها تمارس في وقت ما الدور المسيطر سياسياً كطبقة قومية. ويؤكد ماركس – أنجلز أن هذه الطبقة في عصر الرأسمالية المتطورة هي الطبقة العاملة.

فعندما تفقد البرجوازية قدرتها على أن تكون قوة قومية تغدو الطبقة العاملة الذات الحقيقية للأمة حيث تتجسد فيها كل قوة الأمة وكل قدرتها على التطور إلى الأمام.

5. حق تقرير المصير القومي:

كما صاغ ماركس الخطوط العامة للتصورات الماركسية من مسألة الأمة، في عصر انتصار الرأسمالية، فإن تعديلات لينين على مساهمه ستالين، كما مر سابقاً، وغيرها من القراءات والملاحظات والمقالات المتعددة التالية، تستكمل القراءة والتصورات الماركسية للمسألة القومية في عصر انتصار الامبريالية أو الرأسمالية في مرحلتها الامبريالية.

فإذا كان ماركس – أنجلز قد توقفا بسرعة عند الجانب الرجعي في هذه المسألة، وفيما يخص سياسة الأمة الظالمة، دون أن يتعرفا على الآليات الداخلية لهذه السياسة عند البرجوازية الألمانية إزاء عمال باريس، كما عند البرجوازية الفرنسية إزاء عمالها وعمال العديد من القوميات التي قهرتها.

فإن المساهمة اللينينة الأساسية هنا، هي التعرف على الضرورة القومية عند الأمم والشعوب المظلومة بدلالة دينامية، وطبيعة الإطار القومي للبرجوازية الصاعدة للأمم الظالمة.

لقد تحدث ماركس – أنجلز – كاو تسكي كما تحدث ستالين عن ضرورة القومية لانبثاق وانتصار البرجوازية في المراكز المتطورة واعتبروها مرحلة إيجابية، أما لينين فتناول هذه الضرورة في البلدان الأقل تطوراً، وميز بين القومية في بلد أنجز ثورته القومية الديمقراطية البرجوازية وآخر بحاجة لذلك.

فعصر لينين هو عصر الرأسمالية في أعلى مراحلها، وهو عصر قانون التطور اللامتكافئ الذي يجعل من حرب الأسواق حرب الأمم الظالمة وحرب التحرر القومي والميل للانعتاق، حرب التحرر الاجتماعي أيضاً.

كتب لينين بعنوان (الثورة الاشتراكية وحق الأمم في تقرير المصير): “إن هدف الاشتراكية ليس فقط القضاء على تجزئة البشرية إلى دويلات وعلى أي انعزال بين الأمم، وليس فقط التقريب بين الأمم بل اندماجها… وكما أن البشرية لا تستطيع أن تدخل عهد القضاء على الطبقات إلا بعد فترة انتقالية تجتازها ديكتاتورية الطبقة المظلومة، فإن البشرية لا تستطيع أن تتوصل إلى اندماج الأمم الذي لاؤمناص منه إلا بعد فترة انتقالية من التحرير التام لجميع الأمم المظلومة، أي حرية انفصالها”.

الماركسية: المسألة اليهودية والصهيونية

عندما أعد ماركس هذا الكراس عام 1843 فلم يكن موجهاً لمناقشة الظاهرة اليهودية بل لنقد اليسار الهيغلي وهو ما ينفي عن هذا الكراس نزعاته الهيغلية.

وقد أختار دراسة (برونو باور) كنموذج لهذا اليسار فحيث أعتقد باور أن المسألة اليهودية مسألة دينية تحل بإلغاء الدين اليهودي والمسيحي على حد سواء وتحقيق العدالة عبر الإلحاد، أكد ماركس أن القضية ليست قضية دينية بل اجتماعية.

وكان مهتماً بالحديث عن روح اليهودية وجوهرها بما هي روح الرأسمالية وجوهرها الذي لا يتجلى في الأسفار والكتب المقدسة القديمة بل في المجتمع الرأسمالي المعاصر فالمال هو إله إسرائيل الحقيقي وقومية اليهودية هو قومية رجال المال.

وبالمحصلة فإن سر اليهودية يكمن في سيكولوجيا المنفعة الشخصية لليهودي العملي (رأي فورباخ أيضاً) فاليهودية لم تكن إلا التعبير الإيديولوجي للسمات الاجتماعية التي ميزت اليهود على امتداد تاريخهم، وكانت نتاج ظروفهم الاجتماعية، من جهة، والوسط الجغرافي، السياسي من جهة ثانية.

وبينما عبرت الكاثوليكية عن مصالح النبلاء العقاريين والإقطاعيين وعبرت (الطهرانية) أو (البورتيانية) عن المصالح البرجوازية أو الرأسمالية، عبرت اليهودية عن مصالح طبقة تجارية في عهد ما قبل الرأسمالية.

ولا تفسر محافظة اليهود على دينهم، المعبر الصادق عن مصالحهم الاجتماعية، كمجموعة متميزة نتيجة لإخلاصهم الديني، بل بالعكس، فإن محافظتهم كمجموعة اجتماعية متميزة هي التي تفسر تعلقهم بالإيمان.

وعلى حد تعبير كاوتسكي: ” فإن الله أصبح عند يهود فلسطين مصدراً هاماً لتأمين رزقهم”. وهو ما يفسر أيضاً دور الحاخامات في تكريس العزلة الاجتماعية وبالتالي الوظيفة التاريخية.

هذا عن رأي ماركس أما أنجلز، فاليهودية القديمة بالنسبة له مجموعة من القبائل الهمجية ومؤرخين يهود سرقوا كل تاريخ الشرق وأساطيره ونسبوه لتلك القبائل التي لم تكن أكثر من محميات عسكرية تؤجر نفسها تارة لمصر وتارة لفارس.

ولم يختلف رواد الفكر الشيوعي اللاحقين عن نظرة ماركس – أنجلز السابقة…فقد أكد لينين أن ما يسمى بالقومية اليهودية، إيديولوجيا بربرية رجعية تحاول إعادة التاريخ إلى الوراء… كما أتخذ موقفاً قاطعاً ضد كل إشكال التنظيم والتعبير اليهودي الخاصة.. بما في ذلك اتحاد العمال اليهود (البوند) الذي كان يدعو لاستقلال ثقافي ذاتي والذي اعتبره لينين اتحاد حاخامات وليس اتحاد عمال.

وتحت تأثير لينين، نددت الأممية الشيوعية 1920 بفكرة الأمة الوطنية وبالحركة اليهودية الشيوعية في كل مكان خاصة في فلسطين.

وكان ستالين، بموافقة لينين، قد أصدر كتابه الهام (الماركسية والمسألة الوطنية) رداً على اليهودي بوبر الذي أعتبر في كتابه (المسألة القومية والاشتراكية الديمقراطية) اليهود أمة… ويذكر هنا أن العديد من الاشتراكيين الطوباويين الأوائل مثل شارل فورييه أخذوا مواقف أكثر تطرفاً من اليهود واليهودية ودعوا إلى التخلص منهم بطردهم خارج أوروبا.

ولعل أبرز الماركسيين (اليهود) الذين عمقوا قراءة ماركس، هو أبراهام ليون بتأكيده على مسألتين وذلك في كتابه (المفهوم المادي للمسألة اليهودية):

1.    سر اليهودي في وظيفته كمرابي متجول (تاجر ما قبل رأسمالي) وليس سر الوظيفة في دينه.

2.    استمرار اليهود بدعم التاريخ لا بالرغم منه وبسبب الشتات لا بالرغم منه أيضاً.

الماركسية والصهيونية

لعل التصورات الماركسية ظلت وما تزال التصورات الوحيدة التي اعتبرت كل خاص يهودي هو خاص السيد العالمي، الإقطاعي ثم الامبريالي، وأن الحل الحقيقي لما عرف بالمسألة اليهودية وأخذ صورته المسوغة في الكيان الصهيوني الراهن، هو الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ليس كيهود من طينة طبقية أو قومية أو دينية محددة بل كمواطنين يعبرون عن قومية أو طبقية المجتمعات التي يعيشون فيها.

ورغم أن هذه التصورات كانت واضحة ومتوفرة للقارئ العادي إلا إنها تعرضت لحملات واسعة من التشكيك والالتباس ساعد في تكريسها الموقف السوفياتي المفاجئ من قرار التقسيم ودفاع بعض القوى الشيوعية عن هذا الموقف منذ عام 1947.

وقد وجدنا من الأنسب ومن الضروري في الوقت نفسه الوقوف عند هذه المواقف بما في ذلك التصورات السوفياتية الرسمية، التي آثرنا عدم متابعتها بعد قرار التقسيم، حيث أن وظيفة هذا الدراسة إلقاء الضوء على الموقف السوفياتي الصائب إلى ما قبل هذا القرار، الذي كان ينسجم برأينا مع الموقف الماركسي وتوجهات الكومنترن، كما سيلي:

وإذ قمنا بذلك، متقصدين نشر بعض الفقرات من بيانات الكومنترن والخارجية السوفياتية بالاعتماد على العرض الهام الذي قدمته مجلة الطليعة المصرية ودروزة والدكتور ماهر الشريف وسميح سماره فليس من أجل تبرير التصورات الماركسية وإنصافها، بل من أجل إعادة إنتاج هذه التصورات في الواقع الذي بات بحاجة إلى ذلك هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى.

فليس ثمة حل آخر لهذه المسألة في بعديها اليهودي والعربي إلا الحل الماركسي، حيث تذهب الحلول اليهودية والعربية السائدة إلى تكريس إسرائيل كخاص امبريالي بصرف النظر عن نسبة القوى التي تخدم هذا الطرف أو ذاك، فيما تذهب الحلول الدينية إلى إعادة إنتاج المسألة اليهودية بما يكرس إسرائيل كظاهرة من ظواهر الإيديولوجيا الطائفية المجسدة في دولة عرقية عدوانية، من جهة، وبما يفرغ الصراع في المنطقة من مضمونه الاجتماعي التاريخي من جهة أخرى.

لينين والصهيونية:

إذا كان ماركس قد خاض حربه ضد اليهودية على الجبهة الفكرية، فإن لينين اصطدم مع اليهودية خلال العمل من أجل إقامة حزب اشتراكي ديمقراطي مركزي لعامة روسيا حيث ظل البوند “الاتحاد العام للعمال اليهود 1897” يدعو للاعتراف به ممثلاً وحيداً وقومياً للعمال اليهود على أساس الاستقلال الذاتي القومي الثقافي داخل كل بلد، فقد اعتبر لينين فكرة وجود أمة يهودية، فكرة رجعية في جوهرها، ليس فقط عند إتباعها الثابتين من الصهاينة بل وعند أولئك الذين يحاولون توفيقها مع أفكار الاشتراكية الديمقراطية من البونديين.

وأضاف لينين في معرض نقده لمطالب البوند بالاستقلال الذاتي القومي الثقافي لليهود القاطنين فوق أراضي الإمبراطورية الروسية بأن الأجدر بدعاة هذا الشعار أن يصطفوا مع الحاخامات لا مع الاشتراكيين الديمقراطيين.

وحول فكرة الدولة اليهودية التي كان الصهاينة يرجونها في أوساط العمال اليهود الروس كتب لينين في الايسكرا:”إن الدولة اليهودية التي يزعمون أنها ستكون قاعدة انطلاق الثورة اليهودية لن تكون في الواقع سوى دولة برجوازية في خدمة البرجوازية الأوروبية بمفردها أو بمساعدة الزعماء العالميين من الصهاينة الذين سيلعبون دور خادم لرأس المال الأوروبي”. ولذلك، وبمبادرة من لينين رفض المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (1903) اعتبار البوند ممثلاً أساسياً للبروليتاريا اليهودية.

كما عارض لينين عام 1906 فكرة قبول ممثلين عن حزب “الصهاينة الاشتراكيين” الذي كان قد تشكل في مناطق جنوب روسيا في بداية عام 1905 في عداد وفد الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي الروسي إلى مؤتمر الأممية الثانية العالمي الذي كان يجري التحضير لعقدة في صيف عام 1907 في شتوتغارت. “وقد علق لينين على القرار الذي أصدرته اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي – الديمقراطي الروسي قائلاً: إن القرار المتخذ والقاضي برفض قبول الصهيونيين في عداد الاشتراكية الديمقراطية، حتى ولو كانوا يسمون أنفسهم بالصهيونيين الاشتراكيين، قد حلل إيديولوجية وتكتيك مختلف المجموعات “الاشتراكية” الصهيونية. وانتقد النظرية القومية المعادية للماركسية التي يتبناها الصهيونيون الاشتراكيون”

وكرر الموقف نفسه خلال الاجتماع الذي عقده المكتب الاشتراكي العالمي في تشرين الأول 1908 ولذلك فإن الحل الحقيقي للمسألة اليهودية هو في الاندماج، فالعداوة نحو الفئات السكانية اللامتجانسة عناصر غريبة وتند غم مع بقية جماهير الآهلين. هذا هو الحل الوحيد الممكن للمسألة اليهودية وينبغي علينا أن نؤيد كل ما ييسر إزالة الانغلاق اليهودي.

الأممية الثالثة:

شهد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية الذي انعقد في آب 1920، أول حوارات الأممية حول الصهيونية وقضية فلسطين، وصدر عنه أول نص رسمي للأممية الشيوعية حول ذلك من خلال النص المتضمن في موضوعات حول المسألة الوطنية ومسألة المستعمرات الذي تقدم به لينين وأقره المؤتمر بعد إدخال عدد من التعديلات، أبرزها: “يتوجب علينا أن نفضح باستمرار عملية الخداع التي تمارسها القوى الاستعمارية بمساعدة الطبقات صاحبة الامتيازات في البلدان المضطهدة، على جماهير الشغيلة في العالم أجمع وفي الأقطار المتخلفة خاصة، حيث يتظاهر الاستعمار بمنح بعض الدول استقلالها السياسي لينشئ شتى مؤسسات الدولة والحكومة التابعة له عملياً تبعية كاملة، اقتصادياً، مالياً، وعسكرياً وكمثال صارخ على عملية الخداع هذه – التي تمارسها على الطبقة العاملة في البلدان المضطهدة قوى “الحلفاء” الاستعمارية وبرجوازيات هذه البلدان نذكر مشروع الصهاينة في فلسطين حيث تعمل الحركة الصهيونية بحجة إنشاء دولة يهودية في فلسطين التي يشكل اليهود نسبة لا تذكر من سكانها على إخضاع السكان الأصليين من الكادحين العرب لنير الاستغلال الانجليزي. إن اتحاد الجمهوريات السوفياتية هو السبيل الوحيد إلى خلاص القوميات المستضعفة والمقهورة، في الوضع العالمي الراهن.

وفي الواحد والعشرين من أيلول 1920، عقدت اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية دورة، ناقشت فيها الطلب الذي تقدم به حزب بوعالي تسيون للانضمام إليها، وطلبت منه التخلص من الميول القومية الصهيونية حتى توافق على طلبه وعندما وافقت اللجنة على قبوله كعضو مراقب احتج الشيوعيون الإيطاليون على ذلك ونجحوا في استصدار قرار من اللجنة يدعو الحزب إلى حل نفسه وتغيير أسمه وقطع صلاته بالاتجاهات الصهيونية وإدانة المشاريع الصهيونية في فلسطين.

هكذا اتخذت الأممية الشيوعية، منذ ظهورها، موقفاً مناهضاً للصهيونية واشترطت على المجموعات اليسارية اليهودية، الراغبة بالانضمام إلى صفوفها، أن تتخلى عن الأفكار الصهيونية وتعلن إدانتها للمشروع الصهيوني في فلسطين. ومن جهة أخرى كانت الأممية الشيوعية قد دعت، في مؤتمرها الثاني، جميع الأحزاب والمنظمات الشيوعية، في البلدان المستعمرة والتابعة، إلى تقديم كافة أشكال الدعم لنضال الحركات القومية التحررية المناهضة للامبريالية. وكان ذلك يعني، في ظروف فلسطين المحسوسة، أن انضمام حزب العمال الاشتراكي إلى صفوف الأممية الشيوعية لا يمكن أن يتم إلا بعد تخلي الحزب نهائياً عن مقولة “الصهيونية البرولتيارية”. واعترافه بالطبيعة الثورية للحركة القومية العربية واستعداده لدعم نضالها المعادي للامبريالية والصهيونية.

:::::: 

موقع “اشتباك عربي”، العدد الخامس لمجلة اشتباك عربي، ابريل 2023

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org