طمس الحقائق والأفق الضيِّق…عدو في البنية، عادل سماره

هكذا عن 5 حزيران

بمناسبة بطولة وعبقرية الجندي المصري يوم 3 حزيران 2023

أتسائل دوماً، تُرى: هل سمات التأريخ العربي كما هي الكتابة في وعن القرن العشرين والقرن الحالي؟

وأصل السؤال أو سببه ذلك التناقض في سرد “الحقائق” كما هي وليس الموقف منها وتحليلها.

في التحليل والموقف والتقييم نحن أحرار، ولكن في السرد أو إيراد النص، على المرء أن يكون خلوقا حتى قبل أن يكون علمياً. لأن تحريف الحقيقة أو خلق صورة لها من عنديات المرء هو دَوْس على عقل المتلقي!

لست ممن عاصروا هزيمة 1948 بوعي لأنني أكبرها بأربع سنوات فقط، بينما أكبُر حرب 5 حزيران بثلاث وعشرين سنة. لذا، وفي حدود ما عرفت أزعم انني اعرف عنها شيئا ما. ​​

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، حاولت، ولا أدري إن كنت نجحت، أن أجعل ما اكتب دقيقاً في سرد الحقيقة على أن اضع موقفي مهما كان حادَّاً إلى حد يستفز كثيرين. لا بأس، ولكن التحليل واتخاذ الموقف هو حق للمرء.

لقد كتبت أكثر من مرة بأن ” أي قطعة من الأرض العربية تُحتل تُقتطع من قطر عربي لا يمكن استرجاعها بغير الوحدة أو بعض الوحدة على الأقل”. وأقصد تحديداً بأن القطرية تقود فيما تقود حتى إلى ضياع الأرض. وهذا ليس مجرد تحليل بل تثبيت حقيقة من لواء إسكندرون إلى سبتة ومليلية إلى فلسطين إلى الأهواز…الخ.

هذا أمر واحد… هزيمة حزيران 1967:

ليس هذا تأريخ للحدث وإنما تذكير بالمناخ الذي حصلت فيه تلكم الحرب، بل العدوان. لماذا العدوان؟ لأن البلد العربي الأكثر قدرة على الحرب كان ضد الحرب حينها لأنه ليس جاهزا لها. هذا ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر لأنه كان على يقين من حقيقتين:

الأولى: إن الحرب مع الإمبريالية وليست فقط مع الكيان

والثانية: أن الوضع العربي كان “خداجا” أي غير ناضج وصلب لهذه المواجهة.

لذا، فإن مختلف القوى والأنظمة التي كانت تدفع باتجاه الحرب كانت إما مراهقة أو غير مسؤولة أو ليست قادرة على التحليل من مدخل ترابط الأمور ما يوجب التحليل من مستوى النظام العالمي وصولاً إلى منطقة الصراع.

ويبدو ان عبد الناصر كان يدرك أن بنية مصر نفسها غير جاهزة لكسب حرب فما بالك بتحرير فلسطين.

لذا، لم تكن الهزيمة أمراً خارج القدرة على فهم الإمكانية العالية لحصولها.

إن الأمر الواحد الذي أكتب بصدده هذا اليوم هو: ذلك الهجوم التهكمي والمتشفي والمتواصل ضد الجيوش العربية التي دخلت تلك الحرب!

بدل البحث في:

·        الخلل في بنى الأنظمة العربية التي هدفها التحرير

·       وعدم ردف الجيش بالشعب لأن هذه الأنظمة كانت مدعومة من الطبقات الشعبية لكن انتماءها للطبقة البرجوازية سواء الصغيرة أو التي كبرت.

·       والأنظمة العربية التي كانت في صف الأعداء.

·        وتماسك معسكر العدو من واشنطن لأوروبا إلى الكيان.

بهذا المعنى، لم يكن التقصير من الجندي العربي حتى في الأنظمة القُطرية التي قاتلت شكلياً، بل في النقاط أعلاه.

أذكر بعد نكبة 1948 أن الشارع العربي كان في نقده متجهاً ضد الأنظمة، وهو الموقف الصحيح. وربما تعود صحته إلى أن الأنظمة لم تكن على تلك القدرة لأدلجة الناس لصالحها أو لتعميتهم عن حقيقتها، وهذا بعكس ما بعد هزيمة 1967 حيث تراجعت حركة التحرر العربية قومية وشيوعية سواء بالاستتباع للأنظمة أو بالتراخي والانحصار قُطرياً. وبالمقابل تغولت الأنظمة رغم أنها خرجت من هزيمة فغطت نفسها بالقمع وتراجع حركة التحرر وتسخير الإعلام لصالحها…الخ أي باختار سيطرت الأنظمة وأدلجت الناس ضد الجيوش التي وإن قصَّرت فذلك بسبب الأنظمة نفسها!

كان مما ردده الناس إثر نكبة 1948:

“فلتحيا موسى شرتوك (رئيس وزراء الكيان حينها موشيه شاريت)

خوزق السبعة ملوك

أولهم ال ج…عبد الله

وآخرهم أع …فاروق”

و:

“صهيوني دبر حالك نفدوا الثوار…قائدهم فوزي باشا اسد كرار”

في تلك الحرب قاتل احمد عبد العزيز القائد المصري وحوصر معه عبد الناصر في الفالوجة ولم يستسلما، وقاتل عبد الله التل دفاعا عن القدس وحماها رغم خيانة قائد الجيش الأردني الجنرال الإنجليزي جلوب باشا. بل اذكر أن الجيش العراقي الذي قاتل في جنين والمثلث بتضحية هائلة وكان جنوده يرددون” ماكو أوامر”.

والأهم أن الدراسات الحديثة أكدت أن جيش الكيان كان متفوقاً عدة وعديداً على مختلف الجيوش العربية التي شاركت في الحرب.

ولكن بعد هزيمة 1967 وحتى اليوم تركز الهجوم على الجيوش! وهذا أمر ليس دقيقاً،

فهل يُعقل أن الجندي العربي الذي شارك بطولة عام 1948 كان جباناً في حرب 1967؟ وخاصة بان تسليحه كان أفضل؟

يعيدنا هذا إلى نقاط ثلاث أود الاختتام بها:

الأولى: أن الأنظمة العربية التقدمية لم تكن جاهزة لمواجهة العدو الممتد، كما اشرت، من واشنطن إلى الكيان.

والثانية: إن تبخيس الجيوش العربية التي أثبتت نفسها في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر لا معنى له غير الشماتة، وبأن حرب أكتوبر كان يمكن أن تلحق بالعدو ابعد من الهزيمة مما دفع أمريكا لدخول الحرب بالجسر الجوي ودفع جولدا مائير لتجهيز استخدام النووي إضافة لهذا دور السادات في تسهيل ثغرة الدفرسوار لصالح الكيان مما قلب الميزان في غير صالح الجيش المصري بقصدٍ لا يخرج عن الخيانة.

والثالثة: بأن تبخيس الجيوش لصالح ال.م.ق.ا.و.م.ة يقوم على خبث ضد العروبة.

تجاهل هذه الحقائق واللجوء إلى تبخيس دور الجيوش العربية ليس سوى ترويج وتعميق استدخال الهزيمة.

هامش: يوم الإثنين 3حزيران 1967 غادرت الجامعة اللبنانية إلى رام الله للقيام بدورنا في “ابطال العودة” حيث تأكد ان الحرب واقعة.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/