رأسمالية كمبرادورية ريعية كمب/ريعية
وقطاع عام راسمالي معولم
نقصد هنا حكم أو سلطة طبقة رأسمالية مُركَّبة مزدوجة من الرأسمالية الكمبرادوريّة ومن الرأسمالية الريعية وهي حالة سائدة إلى حد كبير في بلدان المحيط وخاصة الوطن العربي إثر تلاشي قطب عدم الإنحياز . هذا من جهة ومن جهة ثانية، أين العرب في وضعية كون اقتصاد العالم مثابة قطاع عام راسمالي معولم؟
كلمة الكمبرادور هي كلمة في الأصل من اللغة البرتغالية ولكن الثورة الصينية في حقبة ماو تسي تونغ طورتها كمفهوم وتعريف ودور لطبقة رأسمالية في المجتمع قد تكون في السلطة وقد لا تكون قد وصلت السلطة ولكنها حين تصل السلطة تصبح اشد خطرًا على المجتمع.
فالرأسمالية الكمبرادورية طبقة تعيش أساسا على وكالاتها لاستيراد المنتوجات الأجنبية لترويجها في مجتمع بلادها مما يقود إلى احتجاز تطور الصناعات والزراعة المحلية في بلدان المحيط التي هي غالبًا في مرحلة الطفولة مما يقضي على الصناعة والزراعة المحلية أو يحتجز تطورها أو يرغمها على التكيُّف مع منطق مصلحة اقتصادات الدول التي تستورد منها هذه الطبقة الكمبرادورية. (منطق هي في لغة فلسفة الإقتصاد السياسي يكتبونها Logic وآمل أن استخدامي لها دقيقاً)
ولعل ما يوضح هذا هو التغير السالب الذي حصل في بنية التجارة في السوق العالمية، فبعد أن كانت بلدان المحيط، غالبًا حتى خمسينات القرن العشرين تُصدِّر لبلدان المركز منتجات زراعية وتستورد منتجات صناعية، أصبحت بلدان المركز هي التي تصدر كلتي المنتجات إلى بلدان المحيط. فرنسا من كبار مصدري القمح ومصر من كبار بل أكبر مستورديه!
وقد لاحظنا خلال أزمة جائحة كورونا ولاحقا الحرب الدفاعية الروسية في أوكرانيا ضد الناتو درجة انكشاف بلدان المحيط غذائيًا لأن بلدان إنتاج القمح وتصديره هي روسيا، أوكرانيا، ألمانيا، أمريكا، فرنسا…الخ.
أما الحليف المباشر والحميم لطبقة الرأسمالية الكمبرادورية خاصة والأخيرة في الحكم فهي الرأسمالية الريعية متلقية المال المتأتي من خارج العملية الإنتاجية أو من خارجٍ ما أي دول معنية بسيطرة أو هيمنة ما على بلد/بلدان أخرى، خاصة من المحيط وذلك عبر التمويل الأجنبي بما يسمى المساعدات أو تمويل الأنجزة…الخ.
في هذه الحالة تكون الرأسمالية الريعية هي متلقية سيولة مالية من خارج قطاعات الإنتاج أو من خارج البلد وتكون الرأسمالية الكمبرادورية ماسورة تصريفه إلى الخارج مجدداً! تعيش هذه الطبقة المزدوجة على غير إنتاجها وإنتاج البلد.
بهذا المعنى، فإن الأنظمة العربية والطبقة/ات الرأسمالية الكمبرادورية هي حقاً عدوة تنمية هذا الوطن. فهي أنظمة تُنفق على الواردات وليس على الإنتاج، بل حتى على الواردات المظهرية.
والسؤال: هل السبب هو توفر السيولة المالية في ايدي عدد من الأنظمة العربية أم أن هذه الأنظمة ضد تصنيع البلاد؟
هل من السذاجة طرح كلا السؤالين؟
كلا. تفيد تجارب الأمم أن توفر الفائض هو عامل اساسي في النمو والتنمية بل إن عدم احتفاظ أمة بالفائض هو خلل خطير في بنيةالاقتصاد وعامل فقر وتخلف وتبعية. فالدول أو الأمم التي تحكمت بالفائض هي التي تطورت. وهذا يعني أن الأساس كيف تتصرف هذه الأمة أو تلك بالفائض؟ هل بمنطق السوق الراسمالي العالمي أم بمنطق التنمية المحلية.
هنا تبرز أهمية الثقافة والانتماء القوميين بمعنى أن سلطة قومية الاتجاه تركز على الاحتفاظ بالفائض واستثماره محلياً.
ولأن الأنظمة العربية ضد التصنيع والتطور، لذا تركز على الاستيراد.
ولكن لماذا؟ ليس الأمر غباء بل الأمر طبقي يرتد إلى ما شرحناه سابقا عن دور القومية الحاكمة التي هي ضد الوحدة وضد التصنيع وبالتالي ترتعد من خلق طبقة عاملة لها مصلحة في الوحدة وقد تدفعها هذه المصلحة لصراع طبقي ضد البرجوازية.
القطاع العام الراسمالي المعولم:
إن ما أسميناه القطاع العام الرأسمالي المعولم هو المكوَّن من شِقَّيْن:
- الشق الأول هي الطبقة الرأسمالية /الإمبريالية الاحتكارية في المركز
- والشق الثاني هي الطبقة الرأسمالية الكمبرادورية الريعية في أو من المحيط.
وهذا يكشف خطورة هذه الطبقة في المحيط على مجتمعها حيث تلعب دور تخليد تبعيته
قد تحمل التسمية بعض التناقض، أي قطاع عام! ولكنه رأسمالي، أي لطبقة بعكس تسمية قطاع عام بالمعنى السائد، وكذلك معولم! لكن الأمر ليس هكذا. بدايةً هذا تكثيف للفصل الأول من كتابي “Epidemic of Globalization “.”وباء العولمة” الصادر عام 2001.
إنه قيام الرأسمالية ك “طبقة” مزدوجة التكوين أي من رأسمالية المركز المهيمنة ورأسمالية المحيط التابعة بتحويل العالم إلى قطاع عام لها بجزأيها وطبقا لمراتبيتها. إنه “ثمرة” تحرير التجارة الدولية التي حُررت لصالح هذه الطبقة المزدوجة و”ثمرة” ما يسمى القرية العالمية التي هي أيضًا أوتوستراد الحراك الحر لرأس المال وليس العمل والخدمات.
هذا المصطلح محاولة لصياغة رؤية للتطورات الجارية، وليس الأخيرة، للنظام الرأسمالي العالمي ودراسة أربعة تطورات مترابطة على المستوى العالمي، التطورات التي تعيد تشكيل هذا النظام: تبلور التسلسل الهرمي الطبقي على مستوى الطبقات الحاكمة على نطاق عالمي وتبلور تلك المصالح الاقتصادية في خلق قطاع عام رأسمالي للدولة/السلطة معولم تسيطر عليه و/أو تملكه و/أو تديره الطبقات الرأسمالية الحاكمة في المركز، وتتم خدمته وتنفيذه بطريقة متدنية من قبل الطبقات الرأسمالية الكمبرادورية الحاكمة في الأطراف. وكُرِّست هذه التطورات للمساعدة في تشكيل أيديولوجية، ولاحقًا نظام فاشي على المستوى العالمي ليحل محل ديمقراطية البرجوازية في المركز والمجالس العسكرية والرأسماليين الكمبرادوريين في المحيط. وأخيرًا، هذا المصطلح هو محاولة إثبات أن استراتيجية التنمية لا يمكن أن تنجح نظرًا لتدهور الدولة القومية المحيطية إلى دولة كومبرادورية، والتي لا تستطيع أن تلعب الدور البسيط للدولة القومية الفاشلة في الخمسينيات والستينيات. لذلك، فإن المطلوب من الأطراف هو استراتيجية التنمية من خلال الحماية الشعبية (DbPP Development by Popular Protection )، على المستويين الوطني والإقليمي. يجب أن يكون هذا متناغمًا مع رؤية لكيفية تحدي العمال لرأس المال – بقيام الطبقات الشعبية المستغَلة بتحدي الطبقات الرأسمالية الكومبرادورية الحاكمة على نطاق عالمي ولا يتم هذا بدون حزب ثوري بالطبع مهما تغنينا بثورية الطبقات الشعبية.
يعني هذا المصطلح تشكُّل دور جديد للدولة في المحيط “الوطنية” بعد عقود من فرض السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة حيث حدثت العديد من التطورات الجديدة في البلدان المحيطية. وتشمل هذه التطورات إخضاع معظم دول المحيط لإيديولوجية السوق. اعتماد “تحرير التجارة الدولية” وتطبيق العالم الثالث للسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة للبنك الدولي (WB) وصندوق النقد الدولي (IMF) والمؤسسات المالية الدولية الأخرى. بعد ذلك، اكتشف المزيد والمزيد من الطبقات الشعبية في العالم الثالث أن دولها قد فقدت سيادتها. أدركت هذه الطبقات الشعبية أن اقتصاداتها المحلية “الوطنية” لم تعد محمية من قبل الدولة القومية. لم تعد البرجوازية المحلية ” الوطنية” تحمي السوق المحلية “الوطنية” التي من المفترض أنها تحتكرها بعكس ما أشار التحليل الاقتصادي الكلاسيكي إليه كثيرًا بأن البرجوازية الوطنية تصر على السيطرة على سوقها المحلي “القومي الوطني” تحت ستار حماية اقتصادها الوطني ومن أجل مصالحها. لقد انهارت أسوار ودفاعات هذه البرجوازية الوطنية. هذا هو المعنى الحقيقي لـ “تحرير التجارة الدولية” وسياسة “الباب المفتوح”.
تعني السيادة المصممة حديثًا أن العالم أصبح قرية عالمية واحدة. لم يعد دور الليبرالية الجديدة محصورًا بالمستوى الاقتصادي والسياسي. لقد امتد إلى الثقافة كذلك. من خلال تعاقبها في التكيف مع التطورات الجديدة وتجديد نفسها، استوعبت الرأسمالية في المركز التهديد الذي تشكله موجة جديدة من التحرر الوطني والاجتماعي في بلدان المحيط. كرست الأنظمة الرأسمالية للمركز جهودًا كبيرة لاحتواء التهديد من المثقفين الراديكاليين من خلال دعم المنظمات غير الحكومية/الأنجزة، والتي هي جزء من “مشاة البحرية للثقافة الإمبريالية الأمريكية”.
إنه تحالف طبقي يتم تشكيله بين جميع الطبقات الرأسمالية الحاكمة، كلٌّ حسب قدرته الاقتصادية والسياسية والثقافية وكذلك موقعه في التقسيم الطبقي الرأسمالي العالمي. هذا يتضمن زيادة حادة في الفقر والبطالة حتى في المركز نفسه.
من سمات هذا القطاع السماح لرأس المال الأجنبي بشراء الأصول المحلية بتكلفة منخفضة. من المهم أن نلاحظ أن الملكية المشتركة الجديدة تقتصر على أصول العالم الثالث، ولكن ليس على أصول المركز، وإن حصل فبشروطٍ وتحت طائلة المصادرة بما يسمى عقوبات. في أسفل هذا الهرم من البنية الاجتماعية للتراكم توجد برجوازية العالم الثالث/المحيط التي يتمثل دورها في قمع جماهيرها. تضمن هذه الآلية دورها كوكيل مسؤول عن تسهيل وحماية انتقال الثروة إلى المركز. في مقابل أداء هذا الدور، تتلقى برجوازية العالم الثالث/المحيط المساعدة في شكل تدريب عسكري ومالي وشرطي. واختزال صندوق النقد الدولي إلى مجرد “دركي لرأس المال المالي”.
دفعت هذه الأحداث برأس المال المالي المعولم إلى موقع الصدارة، ولكن بينما يكون رأس المال المالي دوليًا، إلا أن جذوره المحلية “الوطنية” تتلاشى في حالة حصة العالم الثالث، وتصبح أقوى في حالة حصة المركز. وبعبارة أخرى، هي دولية في حركتها الحرة، لكنها محلية “وطنية” في إدارتها في المركز. وهذا يؤكد أنه قطاع رأسمالي معولم، ولكن مزدوج ومتفارق الملكية. وفقًا لذلك، لم يفقد رأس المال المالي في الأطراف جذوره فحسب، بل فقد الرأسماليون في المحيط جذورهم الوطنية وهويتهم. هذا، بالطبع، يعكس المصالح الطبقية.
على يد هذا القطاع جرى تفكيك القطاع العام الدولاني/الدولتي في بلدان المحيط وفي الكتلة الاشتراكية السابقة ودمجه في القطاع العام الرأسمالي المعولم.
من جهة، هو جزء من خلق قطاع رأسمالي عام معولم، وهو جزء من حملة أنظمة المحيط ضد شعوبها من جهة أخرى. بفقدانها للقطاع العام المحلي الدولاني، تفقد دول الأطراف مصدرًا حيويًا رئيسيًا للدخل وتصبح معتمدة كليًا على فرض الضرائب على مواطنيها وفرض وتنفيذ وصفات المصرف والصندوق الدوليين.
أحد مظاهر هذا القطاع هو نقل المركز لجزء من صناعاته إلى المحيط، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنه ينوي تطوير المحيط وفقًا للمركز نفسه (كما جادل ماركس ذات مرة).
أهم مكونات/مظاهر القطاع الرأسمالي العام المعولم هي الشركات متعددة الجنسيات في الخارج، والتي تدعمها الدولة، أو هي غالبًا توظف الدولة في خدمتها وانتشارها على الكوكب. لكنه كقطاع معولم يقتصر على الدول الأساسية التي لها مصالح في جميع أنحاء العالم ولها القدرة على الحفاظ على هذه المصالح بالقوة إن لزم الأمر.
ترافقًا مع اعتماد السياسات اللبرالية الجديدة، غدا هذا القطاع مضاربًا غير منتج. إن خضوع دول المحيط الحالي للسياسات النيوليبرالية التي فرضتها الدول الإمبريالية الأساسية قد فتح جميع الأسواق العالمية أمام الصادرات الإمبريالية وسهّل هروب الفائض العالمي إلى البلدان الأساسية، وخاصة الولايات المتحدة، وحتى للملاذات الآمنة التي هي أساسا لرأس المال من المركز.
أدى ذلك إلى تفكك الاقتصاد الوطني وتحدي أي تماسك للصناعات المحلية.
وترافق مع هيمنة هذا القطاع انتقال المركز إلى ما بعد الديموقراطية، أي التحضير النظري والعادي للفاشية. هناك بالطبع عدة شروط ضرورية لاستكمال الدولة الفاشية العالمية، بصرف النظر عن اللامركزية في المركز والمركزية المتزايدة في المحيط. أحد الشروط الرئيسية لهذا الشكل من الدولة، هو تقليص سيادة الدولة المحيطية إلى الحد الذي يتم فيه تقليصها إلى مستوى مستعمرة. يجب أن يكون لهذه المستعمرة جهاز قمعي قوي يعارض الطبقات العمالية والشعبية. هذه هي العوامل السياسية والاقتصادية اللازمة لوجود هذه الدولة الفاشية العالمية. ومع ذلك، فهي بحاجة إلى العوامل الفكرية والنظرية أيضًا. يتم تحقيق ذلك من خلال قدر كبير من الثناء الزائف على الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا هو السبب في أن بعض المثقفين يتظاهرون بأن هناك تحسنًا ديمقراطيًا جوهريًا يتطور في دول الأطراف.
ولكن من الناحية العملية، فإن النظام الاقتصادي/ السياسي العالمي يدمر الديمقراطية، في كل من المركز والمحيط. في المركز، تتركز الثروة في أيدي قلة، والأجور متخلفة باستمرار عن الأسعار، والحاجة المتزايدة للوظائف الثانية والثالثة للتعويض عن الأجور المنخفضة للأولى، ومن المفترض أن تعود المرأة إلى المنزل لتصبح “مسيحية طيبة دورها هو توفير التكاثر البيولوجي”. أما في المحيط، حيث الظروف تتدهور بشدة، هناك زيادة في الفقر وارتفاع في معدلات المواليد والبطالة. ترافقًا مع هذا، تشن الطبقات الحاكمة في كل من المركز والأطراف حملات استباقية ضد المثقفين اليساريين والقوميين من خلال تجنيدهم واستدراجهم إلى وظائف ذات رواتب عالية في المنظمات غير الحكومية/الأنجزة بهدف إبعادهم عن السياسة والثورة. هل هذا القطاع منسجم في داخله؟ الجواب كلا، لأن رأس المال، بل الرأسماليين، في تناقض وتنافس وحتى -اقتتال في ما بينهم، أي قلما “يتآخى اللصوص –ماركس”.
كانت سنوات عز هذا القطاع حينما تم التهام الكتلة الاشتراكية في السوق الرأسمالية العالمية، باستثناء بعض البؤر المتبقية (كوبا، كوريا الشمالية، ربما فقط).
اتضح أن انتقال الرأسمالية إلى الإمبريالية في طورها الاحتكاري (كما كتب لينين) وحتى المعمم (كما يصف سمير أمين) لا يعني نهاية المنافسة بل اتخاذها دورا وأطوارًا أعلى توحشا وضخامة بين الضواري؛ إنه تنافس في مستوى القضاء من أحدها على الآخر حتى وهو يحبو أو ينمو.
اتضح هذا في حدثين تاريخيين في القرن الحالي:
أزمة كوفيد 19، التي كشفت مدى جشع رأسمالية المركز، جشع كل دولة تجاه الأخرى وتجاه الأمم الأخرى، وحتى استغلالها لشعوبها كي تستحلبهم لجني الأرباح ومن ثم تحقيق التراكم من خلال شراء منتجات شركات الطبابة حيث تحول الاستهلاك من الرفاه والعلم والغذاء إلى الطبابة فبقي تدفق رأس المال إلى نفس الطبقة.
وأزمة الحرب الدفاعية الروسية ضد الإمبريالية بداية من أوكرانيا حيث يتضح يوما بعد آخر أن المركز الإمبريالي الغربي يهدف إلى تدمير روسيا والصين الرأسماليتين! فالاحتكار لا ينفي المنافسة لكنه يرفعها إلى أخطر منزلة عشرية. وهذا يعني الصراع داخل الجزء الرأسمالي المتقدم في القطاع العام الرأسمالي المعولم، أي أن حقيقة رأس المال لا تُكذَب نفسها، فهي في التحليل الأخير مذبحة ذاتية داخلية. وعليه، يغدو السؤال هل يدفع هذا روسيا والصين إلى خيار غير رأسمالي؟ ليس هذا مكان الإجابة، إن كان ذلك ممكنًا.
اتضح خلال هذه الحرب كيف أخذ هذا القطاع بالتفكك ضاربا بعضه البعض، تعطلت أو انقطعت شبكات التوريد التي كانت شبكة شرايين على صعيد معولم سواء للمواد الخام، وخاصة الريعي منها النفط والغاز وأشباه الموصلات…الخ، مما يعني انكسارات كبيرة في سلاسل التصنيع.
وعليه، فإن العدوان الاقتصادي ضد روسيا (ما يسمى بالعقوبات) يعني قيام روسيا بوقف صادرات المواد الخام الروسية وهذا يهدد بإحداث انقطاع في سلاسل التوريد للمواد الرئيسية، بما في ذلك الكوبالت والبلاديوم والنيكل والألمنيوم، ولنقل عموما الرقائق وأشباه الموصلات. هذا التشابك هو ما أسماه مايكل هدسون “صُنع في العالم” بدل أن كان “صنع في فرنسا” مثلاً.
وهذا ما أسميته عام 2001 في كتابي (Epidemic of Globalization Chapter One, p.p. 1-19, 2001)
تحوُّل العالم إلى قطاع عام رأسمالي معولم (GCPS- Globalized Capitalist Public Sector) لصالح تحالف طبقة/طبقات رأسمالية من مختلف البلدان لكن بدرجات. وهذا يعني أن محاولة خروج بلد من هذه الشبكة أمر صعب. وهذه الصعوبة هي المقتل لاستراتيجية فك الارتباط.
ربما هذا التشابك وغيره يغرينا بالقول: ولماذا بل وكيف يمكن توظيف هذا التشابك العالمي الذي خلقته الرأسمالية ليكون شيطانَ قتلها بمعنى توظيفه لصالح عالم اشتراكي؟ لهذا قول آخر.
إن مضمون القطاع العام الرأسمالي المعولم، أو آلية عمله، هي توسيع وعولمة اقتصاد التساقط (Trickle-down Economy) ليتسع من علاقة دولة استعمارية مع مستعمرتها، بل الطبقة الحاكمة التابعة في المستعمرة ليصبح اقتصاد التساقط المعولم Globalized Trickle-down Economy حيث تصبح أممٌ قليلة العدد تأكل على الطاولة وتملك القطاع العام الرأسمالي المعولم وأممٌ كثيرة العدد تجلس على الأرض ترمُّ الفتات. لكن أزمتي كوفيد 19 والحرب الأوكرانية تشيان بما هو أخطر.
لذا، كتبت سابقا أنه في هذه الظروف فإن الخروج من شباك النظام الرأسمالي العالمي، بل السوق الرأسمالية العالمية، يتطلب ثلاثة مقومات أو درجات:
- الانسحاب إلى الداخل استهلاكًا وإنتاجًا لتقوية السوق المحلية، بمعنى مقاطعة منتجات الأعداء والمنتجات التي لها بدائل محلية أو يمكن سريعا توفير تلك البدائل.
- التنمية بالحماية الشعبية، بمعنى وجود قوى شعبية طبقية تقوم بالمقاطعة وتطوير تبادل أو سوق محلية بقانون قيمة محلي تقطع مع السوق العالمية قدر الإمكان وتشكل بهذا ضغطا على السلطة كي تخرج من السوق الدولية. وبالطبع يكون الأمر أسهل إذا تبنت السلطة استراتيجية التنمية بالحماية الشعبية، ولكن غالبا تكون الدولة بيد طبقة انخراطية في السوق العالمية مما يجعلها ضد التنمية بالحماية الشعبية إلا إذا أجبرت على ذلك من تحت.
- فك الارتباط وهي اللحظة التي تتمكن الطبقات الشعبية بالحماية الشعبية حينها من فرض استراتيجيتها على السلطة أو قرار السلطة في الخضوع وإرغامها على تبني البديل، أي الحماية الشعبية، فتتبنى فك الارتباط.
والسؤال، هل هذه المقومات متوفرة في الوطن الكبير؟ هذا ما تضمنته الحلقات السابقة والتي ستأتي.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم… تابع القراءة….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/