السنة الثالثة والعشرون – العدد 6566
في هذا العدد:
■ هجمة معولمة على عروبة فلسطين، عادل سماره
- الخطة والمؤامرة تتجدد
■ أيّام القمل، حكاية: رشاد أبوشاور
■ “مغامرة” الناتو الجديدة ضد روسيا: هجوم أوكرانيا المضاد، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
■ موقف الحركة التقدمية الكويتية تجاه الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث بشأن
القضية الفلسطينية
■ عادل سماره: مداخلتان على يوتيوب:
1) لا تصالح حتى لو تصالحت الأنظمة
2) في الرد على دُعاة الصراع بين القومي واليساري العربيين!
✺ ✺ ✺
هجمة معولمة على عروبة فلسطين
- الخطة والمؤامرة تتجدد
عادل سماره
تبدو ملامح تجديد خطة عالمية ضد العرب وفلسطين خاصة لقرن جديد.
كنت كتبت في أكثر من مقال وكتاب وبالعربية والإنجليزية أن قضية فلسطين الوحيدة في التاريخ التي أجمع ضدها كل العالم!
· الغرب الرأسمالي
· الكتلة الشيوعية
· كتلة الاشتراكية الدولية
· معظم الأنظمة العربية والإسلامية
من لم يقف ضد الكيان من العالم لم يعلن موقفاً حتى نقديا ضده. ولست هنا في سبيل تعداد الأسباب لكن المهم أن الجميع وقف لصالح الكيان.
وهذا يعني ان كون القضية عالمية أي عالمية لخدمة الكيان على حساب كل وطننا.
وأستطيع القول الآن أن كل هؤلاء وقفوا ضد الأمة العربية مما يكشف أن وراء الحجر سلسة جبال أي ان الهدف لم يكن فلسطين بل الحيلولة دون دولة عربية موحدة ومركزية.
ليس شرطا بالطبع أن هذا العالم كان سيهجم علينا، ولكن الكثير منه فعلها وكثير لا يضيره ضعفنا وقد يُفيده.
يتجدد هذا الخطر اليوم وبوقاحة.
أولاً: تبنت قمة الحكام العرب في الجزائر حل الدولتين وليس التحرير
ثانياً: في التوافق السعودي الإيراني تم الاتفاق على التمسك بالمبادرة العربية
ثالثاً: قبل ايام دعت الصين إلى حل الدولتين. والصين تعني البريكس وكثير من الدول الصديقة لهذا التجمع
رابعاً: وبعدها بيومين أعلنت امريكا والسعودية تجديد حل الدولتين.
خامساً: تركيا تقود الإسلاميين التابعين لها باتجاه استعمار الوطن العربي مع تحالفها مع الكيان والناتو
وفي أفضل الأحوال مع حل الدولتين.
يمكنك قراءة هذا تنافسا وسباقاً على خدمة الكيان والاستهانة بحق شعبنا وأمتنا، كما يمكنك توقع إجماع أو لقاء كل هؤلاء على تمرير هذه الجريمة المعولمة.
وهنا لا يكفي القول لقد صمد شعبنا وأمتنا أمام الخطة المعولمة الأولى وسيصد تجديدها. بل لا بد من التصدي الشعبي.
وهذا سيكون اختباراً لفريقين:
الأول: محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة هل جمعيه مع التحرير؟
والثاني حركة التحرر العربية هل بها عزيمة ومن ثم على الأقل موقفاً اي تحرير فلسطين.
وهنا يجدر التذكير بمراحل تحطيم الموقف العربي من الكيان:
· ولنبدأ بعد هزيمة 1967 حيث خرجت أنظمة من الصراع وسقطت في التطبيع والاعتراف بالكيان أي إصطفت مع العدو
· وبعدها سقطت كثير من القوى السياسية في إما التطبيع أو الاستسلام
· وبقيت جبهة الشعب العربي اي الطبقات الشعبية وهي الحصن الأقوى وإن كانت لا تزال أكثر صمتاً مما هو فاعلية لكنها لن تخضع للتطبيع.
لذا، فالهجمة الجديدة هي ضد هذه القلعة.
لا أزعم أنني قادر وحدي على وضع ما يجب لأن هذا واجب كل شخص. لكن ما أتمنى التفكير فيه ما يلي:
أولاً: تفكيك مفاصل الأنظمة القطرية الأمنية والسياسية والثقافية
ثانياً: مواجهة تبعية اي عربي:
· للغرب أي اللبراليين وما بعد البعديات، حداثة وغيرها،
· للصين باسم اليسار والشيوعية
· للترك باسم الخلافة لإعادة اغتصابها إلى جانب تصدير الإرهاب
· لإيران باسم رفض العروبة واقتلاع عروبة العرب الشيعة وتصدير “الثورة” بقيادة ولي الفقيه!
ثالثاً: تكثيف النضال الفكري والثقافي للعروبة
رابعاً: مواجهة مخاطر الإعلام الداعي للتبعية والممالىء للأنظمة وخاصة الذي يضخم نضال الشعب العربي الفلسطيني وكأننا وحدنا سنزيل الكيان لكنه يُعفي الأنظمة العربية من واجبها وينتزع القضية من عروبتها ويُعفي من يزعمون أنهم قيادة محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة بينما يكتفون بالقول من بعيد.
✺ ✺ ✺
أيّام القمل
حكاية: رشاد أبوشاور
شمّر أستاذنا أحمد العجوري قمبازه فظهر سرواله الأبيض الواسع حول خصره وفخذيه، والذي يضيق حول ساقيه، وينتفخ حول بطنه، ورفع ماكنة الحلاقة بيده، وخاطبنا:
_هذه ماكنة حلاقة، كنت أستعملها مع المقص قبل أن يحتل اليهود قريتنا عجّور، فأحلق الرؤوس وأشذّب الشوارب: عارفين شو يعني أُشذّب؟ يعني أقصقصها بحيث يكون شعر الشوارب غير متنافر، و..كان عندنا صابون نابلسي مصنوع من زيت الزيتون نغسل به رؤوسنا وأجسادنا، وبخاصة يوم الجمعة لأن الرجال يتوجون لصلاة الجماعة، والنساء يعتنين بأطفالهن فيدعكن رؤوسهم، ورؤوس البنات، دعكا يكاد يقشّر الجليد، وهكذا لا يقترب القمل من الرؤوس والأبدان.
حاليا يا شاطرين نحن في مخيّم الدهيشة ولا نملك صابونا نابلسيا نفرك به أبداننا ورؤوسنا، وتغسل به الأمهات والأخوات ملابسنا.
نفض رأسه: أساسا نحن بالكاد نملك ملابس تستر أجسادنا، فقد شرد الناس بأطفالهم حتى لا تقتلهم الطيارات والرشاشات..وهي أسلحة لا نملك ما نواجهها به.
ضغط على ذراعي ماكنة الحلاقة:
-بهذه سنواجه القمل..كيف؟ نحلق شعرنا على الصفر، وهيك يا شاطرين نحرم القمل من الاختباء بين الشعر لأننا حلقناه…
رفع ولد يجلس على حجر بجانبي إصبعه وسأل:
-والبراغيث يا أستاز؟
_القمل والبراغيث تتغذى من دمنا، ونحن دمنا ضعيف لأننا نأكل طعاما لا يشبعنا..يعني القمل يمّص دمنا، يعني لا يهمه أن نموت، وهكذا فهو يفعل بنا ما فعله اليهود الذين طردونا من قرانا وبيوتنا ورمونا تحت الخيام للبرد والجوع والقمل…
بجواره وضع حجرا كبيرا مرتفعا، وأشار لنا أن نتقدم واحدا واحدا لمواجهة القمل والبراغيث، فرفعنا أجسادنا عن الحجارة التي نجلس عليها رغم أنها غير مريحة وتزاحمنا أمامه، فانهمك في حلق رؤوسنا، وقرب أقدامنا تراكم شعر رؤوسنا الغزير بما فيه من قمل، أمّا البراغيث فكانت تتقافز وتتطاير بأجسادها الصغيرة التي تكاد لا تُرى، والأستاذ أحمد يردد بحماسة:
-لعنة الله على القمل وزمنه، أتعرفون ماذا سنفعل بهذا الشعر الذي يخفي داخله القمل والبراغيث؟
رفعنا نظرنا لنتلقف الكلمات من فمه:
_اجمعوا أعوادا جافة واشعلوا فيها النار ثم..لنرمي الشعر حتى تحرق النار القمل فلا يتكاثر من جديد..ولكن لا بد من أن نغتسل بالماء الساخن، وبالصابون النابلسي.
أحذنا نتحسس رؤوسنا بأصابعنا، وعندما انتهى الأستاذ أحمد من حلق رؤوسنا جميعا، أخذ في ترديد:
راس روس
دار دور
وهو يمرر راحة يده على رؤوسنا:
-حتى نعود لدورنا، ولأيام الصابون النابلسي..حتى لا يمص القمل دمنا، لازم نحلق شعرنا و..يلاّ فرصة: إلعبوا شوية وارجعوا إلى خيمة الدراسة.
وكأنما يُحدّث نفسه:
-هذه الأيّام، أيّام الجوع والقمل والعيش تحت الخيام ستمر، وستكبرون و..تقاتلون وتحررون قرانا ومدننا..سننتصر على القمل و..على من يحتلون قرانا ومننا.
*أنارشاد ولدت في قرية (ذكرين) القريبة من قرية (عجور)، هاجم قرانا اليهود واحتلوها في شهر تشرين أوّل، وكان أول مخيّم نقيم تحت خيامه هو مخيّم الدهيشة جار مدينة بيت لحم، ولأنني عشت بداية أيّام النكبة عام 1948، ولأن ذاكرتي تختزن شقاء تلك الأيّام والسنوات فأنا أكتب حكاياتها، وهذه واحدة منها.
أنا ولدت بتاريخ 15حزيران 1942، واليوم 15 حزيران 2023أُرسل هذه الحكاية للميادين لتتغرف الأجيال على بعض معاناتنا، و..على أننا كبرنا برؤوس ممتلئة باليقين بحتمية تحرير كل قرى ومدن فلسطين، كما حرر الأستاذ أحمد العجوري رؤوسنا من القمل..لروحه الرحمة.
*الميادين نت 16حزيران
✺ ✺ ✺
“مغامرة” الناتو الجديدة ضد روسيا: هجوم أوكرانيا المضاد
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
جاء “الهجوم المضاد” الأوكراني الأخير ثمرة تعهّدات “قمة مجموعة السبع”، في هيروشيما باليابان، برفع مستويات دعمها لكييف إلى معدلات عالية، لتحفيزها على تحقيق هدف الرئيس الأميركي جو بايدن المعلن باستنزاف روسيا “مهما طال أمد الصراع”. وفي حال فشله، كما هو متوقّع، سيستأنف الغرب استثماراً متعدّد الأوجه في سياق مشاركته المباشرة في الحرب على روسيا، ومدركاً خفايا تصريحات قادته العسكريين بأن ترساناته المتعددة أوشكت على الاستنزاف إلى حد بعيد.
تشير وسائل الإعلام الأميركية والغربية إلى زيارة قام بها الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلينسكي إلى الخطوط الأمامية في جبهة خيرسون، في الـ 8 من الشهر الجاري، للإطلاع على التطورات الميدانية، لطمأنة جمهورها الذي يعرب عن شكوكه في إعلان كييف المتواصل بتحقيقها إنجازات ميدانية “تصعب استساغتها”.
وتستدرك هذه الوسائل بأن زيلينسكي “سمع أخباراً لم يشأ سماعها” من قادته الميدانيين، بأن الهجوم المضاد لا يسير على ما يرام مع ارتفاع الخسائر البشرية والمادية، فضلاً عمّا أفادت به وكالات الأنباء من قدرة الجيش الروسي على تدمير عدد من المعدات الغربية الحديثة، ولا سيما دبابات برادلي الأميركية وليوبارد الألمانية وعربات الاستطلاع المدرّعة الفرنسية.
الجائزة الروسية الكبرى، بنظر الخبراء العسكريين، كانت تدمير رادار نظام الدفاع الجوي من طراز IRIS-T Hensoldt، الذي تسلّمته كييف مؤخراً، باستخدام طائرة مسيّرة انتحارية، مما أفشل خطة الهجوم العسكرية للواء 47 الأوكراني المجوقل الذي تمّ إعداده وتدريبه وتسليحه في دول الناتو الأوروبية، ليشمل عتاده “مناظير ليلية، معدات استشعار حرارية، ودبابات قتالية وعربات مدفعية من طراز HIMARS”.
لا تزال ارهاصات معارضة الأميركيين للحرب في أوكرانيا في مهدها، مقارنة بما واجهته آلة حربها المدمّرة في فيتنام من رفض واضح وصريح. ووجّه نحو 14 شخصية سياسية وديبلوماسية خطاباً مفتوحا للرئيس جو بايدن، نشرته يومية “نيويورك تايمز” في 16 أيار/مايو الماضي، يناشدونه التزام الحل الديبلوماسي وإنهاء الحرب في أوكرانيا، مذكّرين بتعهّد حلف الناتو للرئيس السوفياتي غورباتشوف بعدم التمدّد شرقاً. واعتبرت المجموعة حلف الناتو بأنه “أحد مظاهر عسكرة السياسة الخارجية الأميركية الموصوفة بأحادية التوجّه وتغيير النظم وشن الحروب الاستباقية”.
تضم المجموعة حديثة العهد، تحت مظلة “شبكة آيزنهاور للإعلام”، نخباً سياسية وعسكرية وأمنية وازنة، أبرزها العقيد لورانس ويلكرسون، والأستاذ الجامعي جيفري ساكس، وضابط مكتب التحقيقات الفيدرالي الأسبق السيدة كولين راولي، والديبلوماسي السابق ماثيو هو، والسفير الأميركي الأسبق في موسكو جاك ميتلوك، ومستشار الأمن القومي الأسبق وينسلو ويلر.
من الجائز القول إن “المساعدات المالية الأميركية لأوكرانيا”، والتي بلغت أكثر من 30 مليار دولار، قد أرخت ظلالها على المشهد السياسي الأميركي الذي يعاني من التضخّم وزيادة أسعار الوقود والطعام يرافقه خفض ملحوظ في ميزانيات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، فضلاً عن إفلاس مصارف مالية كبرى.
كما نشطت بعض النخب الفكرية في لفت الأنظار إلى خطورة الطاقم الثلاثي الذي “يدير السياسة الأميركية نيابة عن الرئيس الصوري”، بحسب توصيفهم، والمكوّن من المحافظين الجدد: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وزير الخارجية آنتوني بلينكن ونائبته فيكتوريا نولاند، وانضم إليهم مؤخراً مرشّح بايدن لترؤس هيئة الأركان المشتركة، شارلز براون، المعروف بتشدّده حيال الصين وروسيا.
تصدّع الثقة في عزم واشنطن “توريط” أوكرانيا ضد روسيا له خلفياته في صلب النخب السياسية والفكرية، وحتى العسكرية. في عنوان صادم للشعب الأميركي، الذي صدّق سردية البيت الأبيض طويلاَ، طالعتنا إحدى النشرات الموزونة بأن “فريق الرئيس بايدن يخشى تداعيات فشل هجوم أوكراني مضاد”، مستطردة أن ما يجري “خلف الأبواب المغلقة يقود إلى قلق الإدارة مما يمكن لأوكرانيا تحقيقه” من أهدافها المعلنة الممثّلة باستعادة مساحات واسعة في شرقيّ وجنوبيّ البلاد (نشرة “بوليتيكو”، 24 نيسان/إبريل 2023).
والنتيجة، بحسب النشرة، في حال تواضع إنجازات أوكرانيا فقد أعرب عدد من “مسؤولي الإدارة رفيعي المستوى” عن قلقهم في مواجهة “وحش ذي رأسيْن”، صقور وحمائم الطيف السياسي الأميركي والأوروبي، ولجوء الأخير إلى انتهاج مسار “المفاوضات” بين موسكو وكييف.
بالمقابل، تمضي النخب السياسية والفكرية المرتبطة بالمؤسسة الحاكمة في تأليب مشاعر الرأي العام ضد روسيا، واجتراح “انتصارات” وهمية لحلفائها في كييف. وزعمت نشرة المعهد الفكري لحلف الناتو، أتلانتيك كاونسيل، أن الحرب ستستمر “طالما أن روسيا يقودها (الرئيس فلاديمير) بوتين، وروسيا في حالة حرب معنا”، أسوة بالسردية الرسمية المؤيّدة لنهج “زعامة الولايات المتحدة للنظام العالمي الجديد، كونها القوة العظمى المتبقية” (نشرة “ذي أتلانتيك”، 9 حزيران/يونيو 2023).
وما فاقم القلق الأميركي المشار إليه تسريب “مذكّرة بالغة السريّة” من البنتاغون، انتشرت بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي، فحواها عدم تحقيق أوكرانيا أهدافها بعد إطلاقها للهجوم المضاد (“واشنطن بوست”، 10 نيسان/إبريل 2023).
وواصلت نشرة “بوليتيكو” الكشف عن جدل دوائر القرار المغلقة بأن مضمون التقييم الأميركي الأحدث لأداء أوكرانيا يشير إلى “إمكانية تحقيق كييف بعض التقدّم في الجنوب (زابوريجيا) والشرق (دونيتسك)، لكنها لن تستطيع تكرار النجاحات التي حقّقتها العام الماضي”، خصوصاً بعد تيقّن تلك الأوساط من أداء القوات الروسية “بتطبيقها الصارم لعقيدتها العسكرية ما أسفر عن إيقاع خسائر إضافية في صفوف القوات المهاجمة”.
تحاول النخب الفكرية الأميركية تصويب بوصلة الجدل اليومي باتجاه “التفاوض على وقف إطلاق النار، خصوصاً في حال فشل أوكرانيا بتحقيق انتصارات ميدانية ملموسة”. وتمضي لتسليط الضوء على عُجالة إنهاء الحرب في أوكرانيا لأن استمرارها “مرهق ومكلف ومخزون ذخائرنا ينفذ، ولدينا حالات طوارئ أخرى عبر العالم ينبغي علينا الإعداد لها” (ريتشارد هاس، رئيس “مجلس العلاقات الخارجية”، الذراع الفكري لوزارة الخارجية الأميركية، 24 نيسان/إبريل 2023).
كما يسود قلق مضاف داخل الإدارة الأميركية بشأن استمرار الكونغرس في المصادقة على مزيد من أموال الدعم لأوكرانيا، بعد نفاذ الجزء الأخير، والخشية أيضاً من انعكاس أي تراجع ميداني للجانب الأوكراني، كنقيض للهدف المعلن باستعادة شبه جزيرة القرم، على ميول أعضاء مجلس النواب في تركيبته الراهنة للتخلّص من الاستنزاف الأوكراني، وتحميل المسؤولية كاملة للإدارة والحزب الديموقراطي.
إنهاء الحرب أصبح أحد مكوّنات الجدل السياسي الأميركي، خصوصاً بين النخب السياسية والفكرية وبعض العسكرية، مسترشدة بصعوبات الموقف الميداني بعد الخسائر البالغة التي تكبدتها كييف، ومحذّرة من تكرار سوء تقدير سياسي وعسكري لما هو آتٍ، كما شهد العالم في الحرب العالمية الثانية حينما تكبّدت القوات النازية خسائر جمة استمر استنزافها 8 أشهر من أجل احتلال القاعدة البحرية السوفياتية في سيفاستوبول في جزيرة القرم.
أما “تسويق” إنهاء الحرب مع حفظ ماء الوجه لحلف الناتو وأوكرانيا فقد بدأ على قدم وساق في الدوائر المصغّرة والنافذة في صنع القرار بحيث “تصاغ في سياق وقف إطلاق النار للجانب الأوكراني، وليس كمنصة انطلاق مفاوضات سلام دائمة”.
ما تقدم من “سيناريوهات” إخراج لمأزق حلف الناتو وقوات كييف سوية يناقض الأهداف السابقة المعلنة باستعادة شبه جزيرة القرم والجمهوريات الأخرى التي انضمت إلى روسيا. ويلمس المرء عبر ذلك إقراراً صريحاً بأن تلك الأهداف أثبتت أنها “غير واقعية أسوة بهدف واشنطن المعلن لإلحاق الهزيمة بروسيا”.
ومهّد استاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد ستيفن وولت أرضية “التفاوض عبر قوة دولية عظمى”، أي الصين، قائلاً إن “ما تحتاجه أوكرانيا هو إحلال السلام، وليس المضي في شنّ حرب استنزاف طويلة الأجل”، خصوصاً في ظل عزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على “تحقيق أهدافه الاستراتيجية بحيادية أوكرانيا” (“فورين بوليسي”، 18 نيسان/إبريل 2023).
ما ينتظر مركز قرار حلف الناتو، الإدارة الأميركية، هو البت في مطلب توسيع نطاق الحرب لتضم دول أوروبا الشرقية، وهي مسألة سيتناولها قادة الحلف في القمة المرتقبة التي ستعقد الشهر المقبل في ليتوانيا، إضافة إلى وفاء واشنطن بوعودها لتسليح أوكرانيا بمقاتلات أميركية من طراز أف-16، التي لا تزال محط جدل داخلي تشوبه الخشية من انزلاق واشنطن إلى مواجهة مباشرة مع موسكو.
:::::
مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن
الموقع الإلكتروني:
✺ ✺ ✺
موقف الحركة التقدمية الكويتية تجاه الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث بشأن
القضية الفلسطينية
أعلن الرفيق شين جينبينغ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني مبادرة سياسية تجاه القضية الفلسطينية تحت عنوان الرؤية ذات النقاط الثلاث، وتتمثّل في:
أولاً، يكمن المخرج الأساسي لحل القضية الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانياً، من المطلوب ضمان احتياجات فلسطين اقتصاديا ومعيشيا، وينبغي للمجتمع الدولي زيادة المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين.
ثالثاً، من الضروري الالتزام بالاتجاه الصحيح المتمثل في مفاوضات السلام.
يجب احترام الوضع التاريخي القائم للمقدسات الدينية في القدس، والتخلي عن الأقوال والأفعال المتشددة والاستفزازية، والدفع بعقد مؤتمر سلام دولي على نطاق أوسع وبمصداقية أكثر وتأثير أكبر، وتهيئة ظروف لاستئناف مفاوضات السلام، وبذل جهود ملموسة لمساعدة فلسطين وإسرائيل على تحقيق التعايش
السلمي. إن الجانب الصيني على استعداد للعب دور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية ودفع مفاوضات السلام.
ونحن في الحركة التقدمية الكويتية في الوقت الذي نلحظ فيه بشكل ايجابي تنامي دور جمهورية الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني على الصعيد الدولي كقوة أساسية، خصوصاً في ظل تراجع الهيمنة الأميركية وبداية تشكّل عالم متعدد القطبية، مثلما شهدنا ذلك في المبادرة الصينية بشأن العلاقات
السعودية – الإيرانية، كما أننا في الوقت الذي نقدّر فيه بعض النقاط الواردة في الرؤية الصينية المتصلة بالقضية الفلسطينية، وتحديداً ضرورة تقديم الدعم الاقتصادي والمعيشي والمساعدات الإنسانية للشعب العربي الفلسطيني للتخفيف من معاناته، وبما يعزز صموده، وكذلك التأكيد على احترام الوضع التاريخي القائم للمقدسات الدينية في القدس، واستعداد الصين للعب دور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية، إلا أننا في المقابل نرى أن الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث تتجاهل أساس القضية الفلسطينية المتمثل في كونها قضية تحرر وطني في مواجهة كيان صهيوني غاصب زرعته الإمبريالية في
منطقتنا العربية ليتولى القيام بدوره الوظيفي في خدمة المصالح والمشروعات الإمبريالية الغربية وتثبيت هيمنتها على منطقتنا وبلداننا وشعوبنا، وذلك بالارتباط مع المشروعات التآمرية الإمبريالية منذ بدايات القرن العشرين ممثلة في وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو، التي استهدفت استعمار وطننا العربي، وتمزيق بلداننا، وتفريق شعوبنا، ونهب ثرواتنا… هذا ناهيك عن دور الكيان الصهيوني في التصدي لحركة التحرر الوطني العربي واستهدافها وإضعافها عبر العدوان الثلاثي على مصر في ١٩٥٦، وعدوان ١٩٦٧، واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، ثم احتلال لبنان في ١٩٨٢، وفرض اتفاقيات الاستسلام ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتمرير مشروعات تسيّد الكيان الصهيوني على المنطقة وتثبيت التبعية للإمبريالية تحت اسماء متعددة لما يسمى مشاريع الشرق الأوسط، وما ارتبط بذلك من مذابح وحشية وممارسات عنصرية بغيضة وتهجير تعرض له الشعب العربي الفلسطيني، وما نفذه الكيان الصهيوني من اعتداءات متكررة وجرائم واغتيالات وأعمال تآمرية امتدت إلى عموم منطقتنا العربية.
ونتيجة هذا القصور في الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث تجاه القضية الفلسطينية فإنها تنطلق على خلاف الواقع التاريخي من أنّ الأساس في القضية هو اختلاق الكيان الصهيوني نفسه، وإنما هو مجرد الاحتلال الصهيوني اللاحق للأراضي الفلسطينية في ٥ يونيو/ حزيران ١٩٦٧، وعدم قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة بعد ذلك التاريخ فقط، والتركيز على ما يسمى “حلّ الدولتين” الذي يقوم وفق ما جاء في الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث على “إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية”، وهي بالمناسبة أقل بكثير حتى مما جاء في قرار التقسيم الصادر في
٢٩ نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩٤٧، ما يعني تثبيت شرعية الكيان الصهيوني، وبذلك فإنها مجرد تكرار لما يسمى “المبادرة العربية” الميتة.كما تخلو الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث من أي إشارة إلى عناصر مهمة في القضية الفلسطينية طالما كررتها ما تسمى بالقرارات الدولية وهي: مسألة اللاجئين والحقّ في العودة والتعويض وحقّ تقرير المصير، وهذا الحق الأخير لا يتطلب فقط الاكتفاء بتقديم “المساعدات الإنمائية والإنسانية”، بل يتطلب أيضا ممارسة حق الدولة الفلسطينية في التسلح ودفع العدوان بالقوة لضمان
الاستقلال وعدم التحول إلى مجرد كيان وظيفي متواطئ شبيه بالسلطة الفلسطينية الحالية.
إننا من موقعنا كجزء من حركة التحرر الوطني العربية المقاومة للهيمنة الإمبريالية وللكيان الصهيوني الغاصب، مع تقديرنا العالي للحزب الشيوعي الصيني وجمهورية الصين الشعبية والصداقة بين الشعوب العربية والشعب الصيني، إلا أننا نختلف جذرياً مع الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث، التي نراها قاصرة عن رؤية أساس القضية ولا تستجيب على نحو متناسب مع نضال الشعب العربي الفلسطيني ونضال الشعوب العربية وقواها التحررية في مقاومة الهيمنة الإمبريالية والكيان الصهيوني الغاصب.
١٥ يونيو/ حزيران ٢٠٢٣
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org