عن الدم الفلسطيني المستباح…، اسيا العتروس

 إذا لم يكن ما تعرضت له أمس الضفة الغربية المحتلة من قصف جوي بالأباتشي واغتيالات بالرصاص استهدف مخيم جنين، جريمة حرب وجريمة تصفية بطيئة فبماذا يمكن تصنيف ما حدث؟…

الدم الفلسطيني الذي يراق على عتبات المخيمات والمدن الفلسطينية لا يمكن أن يتحول إلى ماء ولا يمكن أيضا أن يستمر إلى ما لا نهاية، تماما كما أنه لا يمكن لسياسة صمت المقابر أن تبقى سائدة فيما يتواصل انتقام الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية..

ليس في هذه المقدمة ما يمكن أن يستهوي أغلب المنابر الإعلامية التي غيبت القضية الفلسطينية وغرقت في الأزمات اليومية المحلية وكل المآسي التي حولت أنظار مختلف الشعوب العربية المنكوبة التي بات اهتمامها معلقا على ملاحقة رغيف مطعم بالمرارة لم يعد متوفرا، وبيت مهدد لم يعد آمنا، وتأشيرة سفر بلا عودة إلى أوروبا ترفض أن تأتي هربا من الجوع أو الفقر أو الصراعات أو الحروب الأهلية أو الظلم أو الاستبداد أو غيرها من الأسباب التي منحت سلطات الاحتلال ما تحتاجه من الأقنعة للتستر على انتهاكاتها وجرائمها ضد الإنسانية وما تقترفه  يوميا في حق الفلسطينيين..

فجر أمس استفاق أهالي مدينة جنين عنوان كل الملاحم البطولية مجددا على وقع قصف الأباتشي وطائرات الـ أف 16 والرصاص الحي بدعوى ملاحقة النشطاء الفلسطينيين..، وعادت إلى الأذهان كل المجازر السابقة التي شهدها مخيم جنين الذي بات يعرف بجنين غراد وقوافل الشهداء التي لم تحرك ساكنا لدعاة العدالة والإنسانية في عالم تقوده المعايير المزدوجة والقيم الخاضعة للتصنيفات الجاهزة للتسويق لفائدة الأقوى على حساب المستضعفين..

طبعا، حتى هذه المرحلة تبقى كل السيناريوهات قائمة ولا أحد بإمكانه التكهن بما يمكن أن يذهب إليه جنون الاحتلال وجبروته أو ما إذا يمكن أن يشن عملية عسكرية مفتوحة ويقدم على إعادة احتلال الضفة ذلك أن سيف الاستيطان يظل مسلطا على الرقاب والمشاريع التوسعية تتمدد كالسرطان والتهويد وتدنيس المقدسات بزعامة قطعان المستوطنين يفاقم معاناة الفلسطينيين الذين نسيهم العالم في ظل الانصراف إلى توفير الدعم المطلوب وتوفير المساعدات العسكرية لأوكرانيا في حربها المستمرة مع روسيا وما تسجله من سخاء الغرب والعرب لضمان تفوق كييف..

والأكيد أنه لولا الصمت الدولي المريب ولولا المهانة التي لحقت العرب ولولا خطيئة الانقسام الفلسطيني المدمر وتناحر الإخوة الأعداء لما أقدمت سلطات الاحتلال على ما تقوم به من تطاول يومي على هيبة العدالة الدولية المتداعية واستخفاف بالقوى الإقليمية والدولية التي يبدو أنها أصيبت بعمى الألوان واستكانت للمخططات الإسرائيلية..

 ندرك جيدا أن القلوب الرهيفة لأصحاب القرار في العالم العربي والإسلامي كما في ما يوصف بالعالم الحر لا تحتمل وقع التفاصيل الدقيقة لإرهاب الدولة الذي يمارسه الجيش النظامي الإسرائيلي…، نعم لسنا نكشف سرا إذا اعتبرنا أن أقصى ما يمكن للمجتمع الدولي القيام به في مواجهة هذا الانحراف والتعنت الإسرائيلي لا يتجاوز في أفضل الحالات بعض بيانات الإدانة الخجولة للامتناع عن العنف والمساواة المفضوحة بين الضحية والجلاد..

…لسنا نكشف سرا إذا اعتبرنا أن الصمت المريب إزاء ما يحدث يرقى إلى المشاركة في الجريمة..، المصيبة فعلا أنه عندما يتحول كيان الاحتلال إلى صاحب أفضال على من اختاروا التطبيع ويوفر لهم احتياجاتهم من السلاح الذي لن يحتاجوه في شيء لكنه سيضخم أرصدة إسرائيل من المال، فان الكيد أن كل ما سبق يصبح بلا معنى في ظل مشهد عربي لامس الحضيض واستعصى على أمهر الخبراء والمحللين للخروج من دائرة السقوط والانهيار والرهانات الخاسرة.. لا خلاف أن الرسالة التي يتعين على الفلسطينيين التقاطها على وقع ما يواجهونه من تنكر وخذلان من الأقربين قبل غيرهم أن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد الصفوف فعلا لا قولا، وإضفاء دماء جديدة على قيادات الصفوف الأمامية وحده سيمنح الفلسطينيين قوة الإرادة ويدفع الاحتلال لإعادة حساباته وأولوياته..

كاتبة تونسية

:::::

“رأي اليوم”

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/