قد يكون مصطلحا غريباً “المركزانية القطرية” وخاصة لأن المركزانية منسوبة دائماً للغرب الأوروبي على ضخامته وقوته وبالتالي إصراره على اعتبار نفسه الأفضل في كل شيء وعلى الآخرين تقليده ومن خلال هذا يُبرر دوره في الاستعمار وقتل البشر كالذباب ونهب الثروات وحتى اليوم. والمفارقة أن هذا الغرب وهو يدعو الناس لتقليده يؤكد أنهم لن يصلوا إلى مستواه بمعنى أن الآخرين سيعيشون أبداً في رفع صخرة سيزيف إلى الجبل وسقوطها دوما إلى الوادي.
( أنظرعادل سماره BEYOND DELINKING: DEVELOPMENT BY POPULAR PROTECTION VS DEVELOPMENT BY STATE , PP 61-81, 2005.
وهكذا تقضي أمم كثيرة عقودا في محاولة اللحاق بالغرب ويقضي الغرب نفس العقود في احتجاز تطورها وخاصة لأنها تستجديه وتقلده بدل ان تعيد إعادة ترتيب بناها الداخلية الذاتية.
من دروس تمرد فاجنر:
كشف هذا التمرد عن حقيقة معولمة في هذه الفترة من عدم الاستقرارالسياسي الاجتماعي الداخلي الدولي. فتمرد أتباع ترامب وهجومهم على البيت الأبيض لا يقل خطورة كدرس عن تمرد شركة فاجنر لأن تمرد جماعة ترامب هو تمرد من داخل “قصر من كان رئيسا وسيترشح ” بينما فاجنر ضد قصر الرئيس أي من خارجه. لكن المهم أن هذا وذاك: ينمان عن عدم استقرار وعن احتمال ما هو أكثر.
ولكن هذا وذاك كانا في بلدين كبيرين بوسع معدة كل منهما هضمه رغم عسر هضمه أي لو يقودا إلى فوضى أوسقوط النظام.
لقد راهن كثيرون على أن روسيا ستفشل في ابتلاع ذلك أو حرَّضوا بشكل ينم عن موقف سياسي خفيف كما فعلت بريطانيا التي قادها التوتر والحقد السياسي ضد روسيا. وربما شجعتهم على هذا سلسلة التحولات في روسيا منذ اربعين عاماً، ولكن تمرير الأزمة أوضحت ما اشرنا إليه في المقال أمس بأن التوجه الحرياتي للسلطة الروسية أثبت نفسه بمعنى القدرة على استيعاب معارضة وحتى مسلحة وهذا درس للغرب وضد أكاذيبه.
ومع أن الإعلام الغربي كان سعيدا بما يجري إلا أنه تريث في القفز إلى استنتاجات نهائية و “حاسمة” وهذا ليس لخبرته في الصدق بل لخبرته في تقنين الكذب.
وبالمقابل سقط الكثير من الإعلام العربي في ورطة الكذب التي انكشفت خلال ساعات. وهذا ينم عن عدم وجود احترام للذات وبأن هكذا إعلام هو أداة تخريب وإرهاب في خدمة الإمبريالية وبرضى الأنظمة الحاكمة في بلدانه. هو إذن إعلام متخارج وبالتالي يفتقر للقاعدة الوطنية والمهنية والأخلاقية.
في القطرية والمركزاية القطرية:
الدولة القطرية ، وبغض النظر عن توليدها سفاحا غربياً، سواء 1916 في المشرق و 1956 في المغارب العربية و 1970 في الجزيرة والخليج هي دولة ضعيفة بمختلف المعايير لأنها مجتزئة ، إذا توفر شرط غابت شروطا لتكون دولة حقيقية.
لذا، كان سهلاً أن يتمكن ضابط طموح للزعامه الفردية أن يرتب الأمر مع مجموعة من الضباط وخاصة من سلاح المدرعات وربما الطيران ويقوم بانقلاب “ناجح” وذلك لأن الدولة القطرية هشة البنيان فهي:
· ولاءات عشائرية
· ولاءات جهوية
· ولاءات طائفية
· ولاءات حزبية
· وفي اوسع الأحوال التنسيق مع محور رسمي عربي ضدآخر
· مصالح شرائح طبقية سواء لدعم الانقلاب أو فك الوحدة
هي بنية التناقض فيها أدنى من طبقي، والطموحات السياسية اقل من قومية. ولا شك أن لهذا علاقة أو هو متاثر بالبنية الاقتصادية أو مستوى التطور الاقتصادي الاجتماعي حيث لا طبقة عاملة حقيقية بينما الفلاحين مبعثرين وبلا بنى تنظيمية لهم لا قطاعيا ولا طبقياً.
ومن يتذكر تلك المرحلة كيف كانت برقيات التأييد تتدفق من العشائر على الانقلابيين. ولم تنحصر الانقلابات في الجمهوريات بل في الممالك ايضاً سواء مصر انقلاب/ثورة عبد الناصر، انقلاب عارف قاسم في العراق انقلابات أبو نوار والحياري والروسان في الأردن، محمد المدبوح و أوفقير في المغرب ، السلال في اليمن، بن سعيد ضد ابيه في عمان…الخ.
ما أردت تثيبته هنا هو أن هشاشة الدولة القطرية يجعلها عاجزة عن التماسك ضد الانقلابات مما يُبقي على الدولة في حالة عدم استقرار ويدفع السلطة للتركيز على الأجهزة الأمنية للدفاع عن السلطة وذلك على حساب التطور. ويترتب على هذا بالطبع :
· تجويف الوعي الجمعي بالقمع
· وتوظيف تجويف الوعي في تسهيل تجريف الثروة نتيجة لذلك.
وهذا بدوره يقود إلى تقاطع سياسات الدولة القطرية مع مشروع المركز الراسمالي الإمبريالي في احتجاز تطور هذه البلدان . وهذا يصب في مصلحة الدولة القطرية على المدى الطويل لأنها ضمن النظام العربي حيث الدولة عدو الأمة اي :
· إرتباط كل دولة قطرية عربية فرديا بعلاقات إقليمية غير عربية
· وارتباط كل دولة قطرية عربية فردياً بعلاقات بالسوق العالمي.
· توازياً مع ضعف العلاقات العربية البينية.
وهذا يخدم النظام القطري في عدم بناء اي تكامل اقتصادي عربي وبالتالي عدم خلق قاعدة إقتصادية إنتاجية للتبادل بين الأقطار وخلق سوق عربية وهذا يعني تبلور مصالح طبقية لشرائح وطبقات إجتماعية لها مصلحة مادية حياتية في الوحدة.
من هنا نصل إلى فهم دوافع وخطورة الأنظمة والقوى القطرية في البلدان العربية حيث تصر على ما يسمى هذا القطر اولاً. وفي حقيقة الأمر لا هو أولا ولا أخيراً بل تركيز الهشاشة والفكاك عن اي مشترك عربي.
وحين تصل القطرية لتصبح إيديولوجيا قطاعات شعبية وخاصة ثقافية يقع هؤلاء في أُحبولة الأنظمة فيحصرون العالم في القطر الذي يعيشون فيه.
ولعل أخطرحالة هي الحالة الفلسطينية فأهمية القضية وتكتل كل العالم الرسمي ضد الفلسطينيين في القرن الماضي وها هو يتجدد في القرن الحالي وكمون القضية في الوعي الجمعي الشعبي العربي أوصل فلسطينيين كثيرين إلى رؤية العالم فقط من خلال هذا القطر، وهذا نموذج على المركزانية القطرية أو القطر خاصتي أولاً.
لذا، لا يقلق هولاء مثلا على مذابح ليبيا، العراق سوريا… ولا يعترضون على الأنظمة في هذا البلد أو ذاك حيث يريدون جهد كل الناس لفلسطين!
وهنا تظهر النظرة القاصرة التي تفتقر إلى أمرين:
· البعد العروبي
· والبعد العالمي
لا يدرك هؤلاء بأن القضية عربية أولا وأخيراً وبأن فصلها عن الواقع العربي وعدم حتى تعاطفهم مع ماساة قطر أو آخر ولو على صفحات الفيس بوك هو خطير على فلسطين نفسها لأن الفلسطينيين لن يحرووا وطنهم لوحدهم ولأن الاستهداف ضد كل الوطن الكبير لن التحرير قومي بلا شك، ولينتظر هذه الحقيقة قصار النفس.
إذن، فإن القطرية والمركزانية القطرية أو التحلُّق القطري على الذات هو ضد القضية.
وكل تحلق قطري عربي يُبقي البلد هشا، ولذا إسقاط النظام ببضع دبابات يبقى ممكنا.
وهذا الفارق بين دولة كبرى متماسكة وبين قطريات هشة.
بقي أن نقارن بين قوات الدعم السريع في السودان وبين فاجنر حيث قائد كلتي القوتين ليس عسكريا بالمعنى النظامي وليس من كادر الجيش. لكن الفارق الأساس هو أن ظاهرة حميدتي بقيت على مدار عشر سنوات ولم تتمكن السلطة من ضمها للجيش وقاد الاستعصاء إلى تغولها حتى حاولت إسقاط السلطة بيدها وقد يؤدي ذلك إلى تقسيم مجدد للسودان وبالطبع دُعمت من اعداء للسودان عربا وغير عرب بينما نفس الظاهرة تمت عملية احتوائها في ساعات في روسيا.
ملاحظة: هذا المقال موجه بشكل خاص لمن لا يدركون أهمية بلد عربي موحد وكبير وقوي مقارنة مع كيانات مع وجوب التنبه إلى أن ارتباط اي قطر عربي مغ عير عربي هو طعنة للقضية العروبية.

_________
ملاحظة من “كنعان”: “
إحتلال كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.