نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في روسيا والوطن العربي والعالم
إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
- التغيير السياسي المطلوب في روسيا بعد تمرد بريغوجين
- هل اصيب بريغوجين بالـبونابرتية
✺ ✺ ✺
التغيير السياسي المطلوب في روسيا بعد تمرد بريغوجين
سيرجي ماركوف، مدير معهد الدراسات السياسية
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
26 يونيو 2023
إن تمرد يفغيني بريغوجين ، الزحف إلى موسكو ، التسوية القسرية مع زعيم المتمردين تظهر أن نظام الدولة الروسية في أزمة ، ومن الضروري طرح الأسئلة وإعطاء الإجابات عليها واستخلاص النتائج ، وتغيير السياسات في عدة مجالات. إذن ما الذي يجب ان يتغير؟
أولاً ، أصبح من الواضح أنه لا يمكن السماح للجيوش “الخاصة” بالتطور دون سيطرة كافية. الأمر لا يخص فقط شركة فاغنر ، بل إن العديد من الشركات العسكرية الخاصة الأخرى تتطور بناءً على نجاح فاغنر. علاوة على ذلك ، تُبذل الآن محاولات لتطوير أجهزة استخبارات خاصة .
من الواضح اليوم أنه سيتم إيقاف هذه المشاريع وتقليصها ، أو أنها ستخضع لرقابة صارمة للغاية. أي أن القيادة الموحدة ضرورية ، كما قال الرئيس في وقت سابق.
هذه ، بالمناسبة ، كانت الشرارة التي أشعلت التمرد الذي قاده بريغوجين .
ولكن هل يمكن طرح السؤال بمعنى أوسع؟ في نظام “السيطرة والتحكم” ، تعتبر حالة بريغوجين و فاغنر هي الأكثر إشراقًا. جوهر النظام هو أن ممثلي الدائرة الداخلية يتم انتخابهم ، ويتم منحهم سلطة تنفيذ سياسة الدولة في مجالات معينة. يحصلون على الميزانيات ، ويخضع هؤلاء الأشخاص بإخلاص للشخص الأول أو من ينوب عنه. تم تشكيل مثل هذا النظام في العقد الاول من القرن الحالي ، عندما كانت مؤسسات الدولة ضعيفة ، ولكن- في الوقت نفسه – كان لابد من حل المشاكل. وقد تم حلها في سياق الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وفي كثير من الأحيان تم حلها بشكل فعال. لكن قضية فاغنر أظهرت أن مثل هذا النموذج ضمن “وكالات الامن” بدأ ينذر بالفشل. هل سيكون هناك رهان على الاستبدال التدريجي لهذا النظام شبه الإقطاعي بنظام يخضع لمنطق الدولة البيروقراطية؟
من الممكن أن تؤدي قضية فاغنر ليس فقط إلى تصحيح العلاقة بين بيروقراطية الدولة والشركات الخاصة في بيئة الشركات العسكرية الخاصة، ولكن أيضًا إلى تغيير العلاقة بشكل عام في نظام الإدارة العامة للدولة في المجالات الرئيسية الاخرى ، على سبيل المثال ، قد يتغير نظام إدارة وسائل الإعلام.
من الواضح أن التمرد نشأ بسبب حقيقة أن روسيا في الواقع تخوض حربين في نفس الوقت .
الاولى هي العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا ضد النظام الأوكراني النازي و الثانية هي حرب كبرى “هجينة” ضد تحالف ضخم من 52 دولة من الغرب الجماعي.
أليس من الصعب خوض هاتين الحربين ، و هل هذا ممكن؟
لربما نحاول وقف واحدة على الأقل من هذه الحروب. ولكن كيف نفعل ذلك؟
هناك طريقتان.
الأولى – هي الموافقة على شروط تشبه الاستسلام التي يطرحها الغرب ومحاولة تجميد الحرب. من وجهة نظري ، هذا مستحيل ، لأن أي محاولات من قبل الكرملين لتقديم تنازلات للغرب ستُعتبر علامات ضعف. نتيجة لذلك ، لن تؤدي بالغرب إلا إلى زيادة جهوده لهزيمة روسيا وإزاحة فلاديمير بوتين وفرض سيطرته على بلدنا بالكامل وسلب موارده. غني عن القول ان هناك عدد كبير من أفراد النخبة الروسية ينصحون فلاديمير بوتين بتقديم تنازلات للغرب.؟!
الطريقة الثانية – هي كسب الحرب. لهذا ، من الضروري تحويل العملية العسكرية الخاصة إلى حرب حقيقية. في الواقع ، كان هذا هو مطلب بريغوجين إلى حد كبير وذلك الجزء من المجتمع الذي ، رغم عدم دعمه لتمرد بريغوجين ، فهو يدعم انتقاده لبيروقراطية الدولة الروسية.
لهذا من الضروري إعلان التعبئة ، وربما أكثر من مرة بالإضافة إلى القيام بتعبئة الاقتصاد (او تحويله إلى الإقتصاد الحربي-المترجم) ، وربما حتى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية من أجل الانتصار في هذه الحرب بسرعة ، وبغض النظر عن أي معوقات، والوصول إلى استعادة السلام المفقود .
بالتأكيد ستطرح هذه الأسئلة بشكل حاد. لأن اللحظة حاسمة . ولا يتعلق الأمر ببريغوجين . الحقيقة هي أن ظاهرة بريغوجين استفحلت بسبب هاتين الحربين.
أهم إنجازات بوتين – هو الاستقرار السياسي والأمن. لكن عندما تتحرك أربعة طوابير عسكرية باتجاه موسكو وتتوقف على بعد 200 كيلومتر منها – فهذا بالتأكيد ليس استقرارًا سياسيًا.
يتمتع بوتين بدعم هائل من الشعب والنخب. أعتقد أن الرئيس اليوم لديه تفويض كامل للمضي قدما في إحداث التغيير الجذري المطلوب.
(2)
هل اصيب بريغوجين بالـبونابرتية
إيغور كاراؤلوف، شاعر وكاتب صحفي روسي
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
24 يونيو 2023
لماذا كان على بريغوجين أن يضحي بحياة “رجاله” في باخموت؟ من أجل انتصار روسيا أم من أجل الحصول على سلطة تسمح له بأن يصبح نابليون؟ بين عشية وضحاها تسبب بريغوجين نفسه في التشكيك بإنجازات رفاقه !؟.
اشتكى الشاعر الروسي بوشكين (1799-1837) : كلنا نحلم ان نكون مثل نابليون ومع ذلك ، فإن روسيا بلد يعتبر فيه النظر في هذا الاتجاه غير واعد. بغض النظر عمن كان يُتوقع أن يكون بونابرت في بلدنا ، فقد فشل الجميع ، أو لم يكن لديهم حتى الوقت لإلقاء حجر النرد لمعرفة حظهم القاتل. خلال القرن العشرين فقط مر علينا كورنيلوف ، ماخنو ، توخاتشيفسكي ، بيريا و ليبيد. والآن – تمرد يفغيني بريغوجين كأوضح مثال للبونابرتية الروسية. أنا متأكد من أن هذا الشخص الطموح لن يرى النجاح أيضًا.
بسرعة أصبح واضحا أن بريغوجين مصابًا بالبونابرتية . لذلك ، بدا لي أنه سيتم إبعاده عن السباق أو دفعه إلى الظل قبل أدائده العلني و قد يرسلونه إلى إفريقيا ، على سبيل المثال. في كل تصرفاته ، كان هناك شعور باليأس. على الأقل ، كان الحديث عن “مسيرته إلى موسكو” مستمراً منذ وقت طويل.
ازدهرت طموحات بريغوجين في ظروف البيت “الدفيئة” ، ولم تاخذ حظها من الإهتمام ، وكان محبوب الشعب ، ولكن في النهاية ، أدى غروره المبالغ فيه إلى كارثة – للخيانة والخيانة. فقط ، والآن يحاول جر البلد كله معه.
كان بريغوجين قائدا عسكريًا موهوبًا ، وحقق فريقه “فاغنر” ، الذي يسميه بفخر “أفضل جنود مشاة في العالم” ، انتصارًا رائعًا في باخموت . ولكن ، وفقًا لاعترافه ، قدم 20 ألف روح من أجل هذا النجاح.
والآن تبرز الفكرة: لماذا كان على بريغوجين أن يضحي بهذه الأرواح حقًا؟ من أجل انتصار روسيا أم من أجل الحصول على سلطة تسمح له بأن يصبح نابليون ، لتبرير خيانته؟ أي أن بريغوجين نفسه شكك في إنجازات رفاقه بين عشية وضحاها.
هناك ملاحظة يهتم بها القليل من الناس: بريغوجين ليس فقط رجلا عسكريًا ، ولكنه أيضًا – وربما في المقام الأول – خبير في حرب المعلومات وهو ماهر جدا في البروباغاندا . إنه مقنع ويعرف كيف يتكلم ، ويبدو ظاهريًا أنه باحث عن الحقيقة مباشر وصادق و محب للحقيقة.
لكن بعد كل شيء ، لا يمكننا التحقق من معلوماته بنفس الطريقة مثل معلومات أولئك الذين يحاول إدانتهم بالكذب.
يجب أن نتذكر أن الكثير مما يقوله قد يتبين أنه ديماغوجي ومزيف ، وأن المواد المتعلقة بـ “الضربة الصاروخية” على معسكر فاغنر ” كاذبة، مثل الاستفزاز النازي في غليفيتشي ، كذريعة لاندلاع الحرب العالمية الثانية. كانت هناك حاجة إلى ذريعة للتمرد ، وقد تم اختلاقها.
في الوقت نفسه ، من الضروري الانتباه إلى الخلفية المعلوماتية التي سبقت التمرد. خلال الأيام القليلة الماضية ، دأبت بعض قنوات تيليغرام السياسية الفردية على بث النبوءات القاتمة بأن “وقت الاضطرابات يقترب” ونشرت ملاحظات مدروسة مثل “لدينا عام 1916 في التقويم”. من الواضح أن بريغوجين وجه باستمرار نوع من الاتهامات ضد قيادة منطقة موسكو ، وقد رأى الجميع ذلك ، لكن يبدو لي أنه بالنسبة لمثل هذه النبوءات ، كان من الضروري معرفة شيء آخر ، شيء محدد للغاية. إما أن بريغوجين نفسه سرب معلومات حول التمرد القادم ، أو لديه بعض الحلفاء الفضوليين الذين لا نعرف عنهم.
إذا كان من الممكن اعتبار أوراق بريغوجين الرابحة تحسن سمعته العسكرية ، اكتسبها مقابل عشرات الآلاف من حياة الآخرين ، والقدرة على التحدث بشكل مقنع ، فإن ضعفه يكمن في غياب أي فكرة واضحة.
لماذا يدعم شخص عادي او مواطن بسيط بريغوجين؟ من اجل عزل وزير ورئيس هيئة الاركان؟ لكن ماذا بعد ذلك؟ إذا كنت تتحدى السلطة العليا ، فعن مصالح من تدافع؟ لا يقدم بريغوجين إجابات على هذه الأسئلة ، ويطلق شعارات شعبوية ، مثل “نافالني” ، عمادها التحريض على المسؤولين والبيروقراطيين الفاسدين.
كانت فرصة بريغوجين الوحيدة هي الإتفاق مع أحد الجنرالات – و العمل على التحرك معًا. هكذا حدث في أمريكا اللاتينية وليس فقط: اجتمع قادة العديد من أفرع القوات المسلحة واتفقوا فيما بينهم وشكلوا مجلسًا عسكريًا. ولكن ، على ما يبدو ، لم يرغب أحد في الانضمام إلى نفس المجلس العسكري مع بريغوجين. لم يدعمه لا الجيش ولا السياسيون ولا حكام الأقاليم .
ربما كان يراهن على دعم الرئيس ، الذي في ظل حكمه اعتبر أن شركته العسكرية الخاصة هي الحرس الإمبراطوري؟ لكن الرئيس صرح بوضوح: أمامنا متمرد وخائن .
وعلى أي حال ، فإن هذا يحكم على بريغوجين بهزيمة سياسية لأنه ليس لديه مكان يلجأ إليه.
لكن الخيار الذي يتم فيه تدمير “افضل جنود مشاة في العالم” ، والذين أرسلهم بريغوجين وأضاع اتجاههم على طول الطريق السريع M-4 ليتم القضاء عليهم من الجو ، لن يجلب أيضًا أي خير للبلاد. لا أدري كيف سنتعايش جميعًا ، الذين دعموا القائد الأعلى للقوات المسلحة دون قيد أو شرط. نعم ، سننجو ، لكن الأمر سيكون صعبًا للغاية.
الطريقة الوحيدة المستحقة للخروج من هذا الكابوس: يجب أن يستسلم بريغوجين ويأمر جنوده بإلقاء أسلحتهم. أذكركم أنه ليس لدينا عقوبة الإعدام. إن التضحية بحريتك أفضل من تدمير حياة الأبرياء من أجل سعادة العدو.
اليوم ، عندما تخوض الدولة أصعب صراع مع عدو خارجي ، فإن الضربة التي نتعرض لها في عمق بلدنا – هي أكبر إهانة . من هذه اللحظة فصاعدًا ، يصبح من غير المجدي مناقشة آراء بريغوجين ، او لتقييم ما هو على صواب وما هو خطأ. ما فعله وما زال يفعله سيكون سيئًا للجميع: لمقاتليه وجنوده في الجبهة والمدنيين والرئيس والدولة ككل. ما يحدث يجب أن يتوقف في أسرع وقت ممكن وبأي ثمن.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….