- حذار من استبدال التبعية للغرب بتبعية لأنظمة دين سياسي في الشرق
ومن منّا لم يكن معجباً بعظمة روسيا وثورتها البلشفية وبالاتحاد السوفييتي العظيم ودوره الحاسم في انتصار البشرية والقضاء على النازية في الحرب العالمية الثانية؟
و من لم تفتنه و تسحره روائع الأدب الروسي العظيم في القصة و الشعر و بوشكين ودوستويفسكي إلخ.. ؟
ولكن قيادة وسياسة السوفييت وتوابعهم من بقية انظمة أوروبة الشرقية والاشتراكية لم تكن بالنسبة لنا حكمة كاملة و لا خيراً مطلقاً حتى نقدّسهم و نجعل من نقدهم أمراً مستحيلا.
لكن ولأسباب عديدة “تستحق الدراسة بشكل منفصل” فإن بعض العرب والمتمثل بغالبية الأحزاب العربية التي تحمل تسمية الشيوعية أو التحول إليها كانت تنظر لقادة أوروبا الشرقية بوصفهم مقدسين ومعصومين وبطريقة ربما أقوى من معصومية الانبياء والبابا وبعض المرجعيات وبالتالي يقومون بتجريم من ينتقدهم أو يحمل رأياً مختلفاً. تجسد ذلك عملياً في اعتماد اعتراف متصهيني وشيوعيي اوروبة الشرقية بالكيان الصهيوني والتماهي معه وكانوا يتلقون اوامرهم من السوفييت و لم يكن لهم سياسة خاصة بهم أصلاً.
مع تفكك الإتحاد السوفييتي تفككت أحزاب العرب الشيوعية الولائية تلك بحيث فقدت “شيوعيتها”، وتخلت هكذا بسرعة عن سلاحها النظري، وهذا يطرح حق التساؤل:
هل كانت شيوعية حقاً؟ أم هي كما ورد في القرآن:
“بل لم تؤمنوا و لم يدخل الإيمان قلوبكم”!
ولأن هذه الأحزاب، بل لنقل قياداتها اعتادت على وجود رأس خارج جسدها يُعلمها كما يرى وليس كما ترى، كان لا بد لها أن تبحث عن ولاء جديد، ولكنه هذا المرة، لامريكا أو للأنجزة او لتنسيقيات قطر والخليج ومجالاتهم الإعلامية والسياسية البديلة..
. أعرف رئيس دائرة أيديولوجية لفصيل فلسطيني، انتقل للعمل كبوق لتنسيقيات الناتو السورية.. وكانت كل طرقهم تقود لخدمة مصالح الغرب والكيان في النهاية.
ثوار في خدمة الثورة المضادة. إنها جذور عُقدة الدونية واحتقار الذات وحب التبعية لدى هؤلاء والتي لها جذور عميقة في مجتمعنا.
وإلا كيف نفسر خنوع أنظمة ونُخب/قشور العرب وقبولهم بالاستعباد ولمدة قرون لخدمة الناهب العثماني و بإسم الدين. علماً بأن سلاطين آل عثمان لم يصل اياً منها مكة للحج إطلاقاً! ناهيك عن أن الخلافة لدين عربي يجب أن تكون في عربي و حتى قُرشي من آل البيت!.
وهذا الاتجاه مازال حاضراً وقوياً جداً لدى جماعات الدين السياسي العربية اللاعروبية
واللاقومية والولائية للغريب…
في حين أن الدين الإيماني وحتى الدين السياسي في روسيا وامريكا وتركيا وإيران إلخ.. هو دين وطني ويعمل لصالح امته. إلا الدين السياسي عند العرب فهو تدمير للمجتمع العربي وقيمه العروبية وعميل وخادم للأجنبي (بإستثناءات قليلة).
قام إسلامنا السياسي طبعة الدين السياسي بتدمير وسرقة ونهب ليبيا وتونس وسورية لأجل خدمة تركيا وأمريكا والكيان. وبصورة مشابهة تقوم مليشيات الدين السياسي في العراق بنهب وتدمير اقتصاد وعروبة البلد لإلحاقه وتتبيعه لإيران وامريكا وتركيا والكيان.. البعض يصاب بهستيريا وجنون ونوبة عصبية كلما ذكرنا دور إيران وسياستها (وكأنها دولة خارجة عن قوانين الكون والبشرية) وهي نفس نوبات الهستيريا والصرع التي كانت تصيب التوابع من الشيوعيين الولائيين حين ننتقد موقف السوفييت من الكيان. وهنا لا بد من توضيح ضروري بشأن إيران والعلاقة معها:
إيران مجتمع أو دولة ذات تاريخ طويل وحافل بإنجازات حضارية لها آثارها الواضحة على البشرية. ولذلك تستحق منا الإعجاب والاحترام. وهي دولة جارة و شريكة لنا في الجغرافية
والتاريخ والعادات إلخ.. لذلك يجب النظر لإيران وللشعب الإيراني كأصدقاء وحلفاء وشركاء في المصير والكرامة الإنسانية التي نناضل لأجلها ضد العدو الغربي الاستغلالي وضد الصهيونية. لكن نرفض اي شكل من أشكال الهيمنة وتحت أية ايديولوجيا وأية شعارات وإلا فإننا ذاهبون إلى نير عبوديتنا بكامل رغبتنا أو بتقاعسنا وهو ما حصل ويحصل مع تركيا
وأردوغان..
الدول والمجتمعات محكومة باقتصاداتها بالدرجة الاولى وبشكل وعلاقات الإنتاج وملكيته
و الأسواق و رأس المال..
إيران مثل حال غالبية دول العالم. هي دولة رأسمالية و محكومة بقوانين راس المال و آلياته. أي أنها تسعى للربح و مراكمة راس المال و التوسع بالأسواق.. و لكن هل يوجد سوق أكثر ربحية بالنسبة لتجار إيران أو البازار أفضل من مزرعة العراق في ظل سيطرة فئة فاسدة جداً
و تابعة جداً ؟؟
بسبب الدعاية ذات الرؤية النفقية و الدوغماتية الإيرانية تحديداً و التي تسمي نفسها إعلام مقاومة، فإن الغالبية من جمهور المقاومة لا تعرف حقيقة أن القوة الأكبر و الحاكم الفعلي في إيران هو رأس المال أو البازار و لكن بعباءة دينية بزعامة الولي الفقيه و هو منصب سياسي (و ليس ديني) مستحدث على يد زعيم الثورة الإيرانية السيد آية الله الخميني و إن كانت ظهرت كتابات عن ذلك قبلها بقرن و نصف.
الحرس الثوري نفسه هو أحد أكبر المستثمرين و التجار و أصحاب المشاريع في إيران
و بواسطته يتم إنجاز صفقات كبرى مع المليشيات الولائية التابعة له مباشرة في العراق !
هذا الطرح يزعج كثيراً من المهووسيين و المسكونيين و الممسوسين بإيران و لكن اتحداهم أن ينكروه!!
هذا الحديث، لتثبيت ذلك و ليس للنقاش في إيمان البعض بمعصومية الولي الفقيه
و شرعيتها.. أو مدى تطابقها مع منطق التفكير السليم، فالعصمة للأنبياء. وإذا قررت قيادة طائفية معصومية أحد رجالها فذلك ليس إلا لإضفاء طابع قداسي على أطروحاتها لتجنيد البسطاء بشكل أعمى يُبعدهم عن الرؤية الاجتماعية وخاصة وضعية الطبقات الشعبية كما يبعدهم عن الانتماء القومي.
دعوني اشير فقط بأن مرجع المقاومة اللبنانية والعربية و ليس الإسلامية فقط في لبنان آية الله محمد حسين فضل الله كان يرفض مفهوم ولاية الفقيه و يعتبرها شأناً إيرانياً داخلياً
و عليه لا يحق للقيادة أو المرجعية الإيرانية ممارسة سلطة سياسية على من هم ليسوا إيرانيين. كما أن المرجع فضل الله رفض الإحتلال الأمريكي للعراق و دعا لمقاومته و بعكس مرجعيات أخرى و خاصة السيد علي السيستاني الذي لاذ بالصمت، فلم يرفض العدوان الأمريكي و قبل بأن يُعالج في بريطانيا في ذروة إحتلالها للعراق.
والحقيقة لو حصل هذا لتحدث الناطق بإسمه، و خاصة حين يكون المجال مصير الوطن، هذا إلا إذا صح اعتقادنا بأن الوطن لدى قوى الدين السياسي ليس هو الأولوية بل الأولوية هي لاقتناص السلطة و من ثم الثروة.
مقابل السيد فضل الله، فإن المرجعيات الدينية أي قيادة الشيعة العرب العراقيين رحبت بالاحتلال، و قيادات العراق السياسية أتت معه على الدبابات من الغرب ناهيك عمن كانوا في إيران و كانوا يقاتلون بلدهم.
مرجعيات العراق رحبت بالاحتلال و ببريمر و دستوره و اصدرت الفتاوى و التهديدات لرعاياها بالتصويت له و المشاركة بإنتخابات تقسيم العراق و إنتخاب المليشيات الإجرامية التي أحضرها الإحتلال حصراً و بالإسم !!
و حتى اليوم يسمون يوم 9 نيسان 2003 يوم النصر !!
لعل من حقنا السؤال:
أتحدى أي بلد في العالم اعتبر بعض أهله احتلال البلد يوم نصر! و إن حصل كيف لم يُحاكموا ؟!
بإختصار:
نحن مع أقصى درجات الصداقة و التحالف و التعاون مع إيران و الشعب الإيراني و لكن نرفض التدخل و تصدير ما تسميه ثورة بواسطة مليشياتها الولائية في العراق و التي تلعب نفس الدور الذي يلعبه اليهود الصهاينة و العثمانيين و أذنابهم من الإخوان المسلمين بتدمير مجتمعنا و عروبتنا و نهب ثرواتنا.
إيران في العراق في تنسيق و تفاهم معين مع الامريكي و هما مستفيدان رئيسيان من وضعنا المتردي هذا. من السذاجة أن ننتظر من إيران العمل ضد طموحاتها و مصالحها الإقتصادية في العراق و بأنها ستسمح بمهاجمة الإحتلال الأمريكي هناك.
مليشيات العراق هي لحماية مصالح من زرعها !
الشعب العراقي و خصوصاً الشيعة اصبحوا يعرفون ذلك تماماّ ..
و اذا أردنا الحرية و الكرامة فعلاً..:
بدل لوم تركيا و إيران و امريكا و الكيان علينا مواجهة أدوات و أجهزة و أبواق ومثقفي تركيا
و إيران و أمريكا و الكيان !.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….