نشرة “كنعان”، 1 يوليو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6577

في هذا العدد:

تغطية الكيان صهينة مخفية: هل كوبا وسويسرا أمة واحدة! عادل سماره

نائل أضحية العيد مجدداً …فكيف ترد الجزائر، د. عادل سماره

في التنوير وأزمة التنويريين العرب (الجزء الأول): لمحة عن التنوير ونشوء الاتجاهات التنويرية في البلاد العربية وتطورها، ذ. أحمد الديين

✺ ✺ ✺

تغطية الكيان صهينة مخفية

هل كوبا وسويسرا أمة واحدة!

عادل سماره

حسب إذاعة كان الصهيونية ورد:

“…عقدت لجنة السياسة الخارجية والأمن في الكنيست جلسة مغلقة حضرها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، وأجاب فيها عن الأسئلة التي وجّهها إليه أعضاء هذه اللجنة. وقد كشفت إذاعة “كان” العبرية، يوم الاثنين الماضي 26/6/2023، عن بعض ما دار في هذه الجلسة حول مسألتين على جانب كبير من الأهمية: موقف الكيان من الدولة الفلسطينية من ناحية، وموقفها من السلطة الفلسطينية من ناحية أخرى.

في إجابته عن سؤال الدولة الفلسطينية، قال نتنياهو: “على “إسرائيل” استئصال فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة من أساسها، وعليها أن تعمل بلا كلل أو ملل على قمع طموح الفلسطينيين في إقامة هذه الدولة، وأن تغلق الطريق تماماً أمام هذا الطموح”.

لعل أول ما يخطر في نفسك، لماذا هذه العنجهية من فرعون الكيان!

معذرة أو لا معذرة من الجميع، لأن هذا لم يردَّه أحد بعد! ولا نستثني أحداً، فلا حزب ولا نظام عربي، ولا نقابة ولا جمعية ولا إتحاد فتح فمه. فليس المطلوب فقط من محور ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة أن يرد، بل هذا فرض عين، لكن يبدو أن العين مفقوئه حتى حينه! نعم، إسمحوا لنا أن نغضب أو نشعر بالخزي أو كليهما معاً وبالطبعن قبل أن يطردونا من مقابرنا أن نقول كلمة حق لا كلمة مرتزق مأجور وفي أحسن الأحوال كلمة مثقف منشبك.

وحدها قراءة قادة الكيان هي التي لا تسمح بالتلطي والمناورة لأنهم في وضوحهم لم يتركوا ، ويصرون على عدم ترك، اي تفسير غير قولهم وهو “لا لدولة فلسطينية ولو على سنتيمتر مربع واحد. يا للهول، وهل سيعطوا دُعاة الدولة الواحدة وخاصة مع المستوطنين شيء؟ متى يفهم ثرثاروا السياسة أن ما هو قائم ويصر عليه الكيان منذ مساء 5 حزيران 1967 هي دولة واحدة في كل الوطن الفلسطيني ولكن فقط للمستوطنين”. وأنا نفسي كنت هنا ذلك اليوم وفهمت الدرس من حينه ولم أتغير ولن أُجامل وليكرروا Stone head.

وللتدقيق، هذا يعني أن كل من يطالب بحل الدولتين قد سلَّم بأن المحتل 1948 هو للكيان بالمطلق. لذا، فإن اي محلل يتناول حديث نتنياهو ويحصره في مسألة حل الدولتين يقع شاء أم ابى في التطبيع الذي هو الاعتراف بالكيان/إستدخال الهزيمة.فمن يستمرىء الهزيمة هذا شأنه، أما نحن فقول لأبنائنا لسنا امة العرب التي تسقط في هذا البحر من الغائط لأن هذه خيانة للوعي الجمعي العربي وحتى للعالم.

هذا يعني أن أي تحليل للصراع العربي الصهيوني يجب أن يبدأ من اغتصاب فلسطين 1948 لأن هذا يتضمن حقيقتين:

الأولى: أن هذا وطن الشعب العربي الفلسطيني

والثانية: أن اقوال قادة الكيان واضحة وتتحدى الجميع بكل صلف ووقاحة.

من هنا وجوب انتباه القارىء أو المشاهد لأي حديث عن حل الدولتين معزولاً عن المحتل 1948 هو خطير وبقصد ووعي فاحذروا حديث أية فضائية التي بهذا إعماء لا إعلاماً!

كما أن أي تحليل يصف أقوال نتنياهو بأنها تقوم على اساس ديني ويميني هو تبرئة لقادة الكيان وحتى قادة الصهيونية وكأن من كان يُدعى علماني أو “‘شتراكي أو يساري صهيوني” مختلف عن نتنياهو، وهذا تدليس فالجميع تحدث واعتدى وقاتل من أجل اغتصاب كل فلسطين.

صحيح أن نتنياهو يقود حركة وسلطة دين سياسي بالعلن ولكن الصهيونية المسماة علمانية هي ايضا اخبث حيث لها وجهين استخدمت كل واحد منها في موضع أنسب لاستخدامه:

• وجه دين سياسي حيث ترتكز على ما يسمى أرض الميعاد وتزعم أنه كان لليهود دولة في فلسطين حتى ولو بعد الكنعانيين، وتزعم ان ما تسمى “إسرائيل” ممتدة منذ ثلاثة آلاف سنة. في ثلاثة آلاف سنة تذوب الجبال وتتحول إلى صحارى، لكن “العرق الرباني” ثابت ، يا للكذب على الجغرافيا والتاريخ والعقل، ويا لنذالة من يصمت فما بالك من يُصفِّق ومن يُداري!

• ووجه علماني للكذب على العالم.

من هنا، فإن على العرب خاصة الحذر من كل الإيديولوجيات التي تنادي بدولة دينية أو أمة دينية لأن هذا يؤثر على العقل الجمعي العربي وخاصة الجيل الشاب ليعتقد بأن لليهود حق في فلسطين او حتى الحق في كل فلسطين.

دعك من زعم أمة إسلامية كإيديولوجيا بلا أرضية، خذ روسيا وأوربا:هل تجمعهما المسيحية في أمة! وهل تجمع معها كوبا؟ ما الذي يجمع كوبا المحاصرة من جميع الدول التي تزعم أنها مسيحية ؟ بل ما الذي يجمع كوبا المحاصرة بالدولار مع سويسرا التي هي لص العالم المالي هي الدولة التي تتقىء مالاً بل دم الشعوب وتزعم انها حمامة سلام؟ هي أكثر دولة خدمها الاستعمار والإمبريالية حيث القى فيها كل قاذوراته المالية. ثم ترمي فتاتاً لمؤسسات نسوية في الأرض المحتلة تنسق مع نظيراتها في الكيان الصهيوني ولنا في هذا حديث وحديث قادمين.

يبقى أن نشير إلى أن الانقسام السياسي في الكيان اليوم ليس على خلاف ديني، بل سياسي طبقي معسكراتي ورأسمالي طبعاً.

ملاحظة: نشرنافي كنعان عشر مقالات عن ذلك.

✺ ✺ ✺

نائل أضحية العيد مجدداً …فكيف ترد الجزائر

د. عادل سماره

مع عيد الأضحى قُتل الشاب الجزائري في باريس هكذا بمتعة وحقد بناء على تربية عنصرية  لها تاريخ. ويبدو أن كل اضحى سيكون ضحيته عربي آخر، هكذا كان الشهيد صدام حسين أول اضحية قررتها أمريكا ونفذها طائفيون أدوات لها ضد عروبة العراق.

لكن الجزائر هي بلد آخر تاريخها يقول ما لا يمكن لغيرها قوله وحدها التي كسرت أنف الإمبريالية جميعها وليس فرنسا وحدها. وبوسع الجزائر الرد، ولكن ليس فقط بغضب الشباب العربي في فرنسا. فكم غضب سبقه ومن ثم انتهى وجرى قمع المحتجين بطرق عدة. فالنظام الذي اغتال بن بركة قادر على تنويع القتل غير المرئي.

الجزائر بلد واسع وغني وبوسعها إستعادة الجزائريين من فرنسا في مبادرة تاريخية لمختلف بلدان المحيط وهذا تحدٍ لسلطتها، وهذا قرار وطني وليس إشتراكي كي لا تُحرج السلطة البرجوازية هناك. لتكن بداية مشروع الاستعادة:

1-   لا بد من سحب قوة العمل الجزائرية من ذلك المجتمع العجوز،

2-   ولتعاني فرنسا من ندرة قوة العمل البشري

3-   ولتنتقل إلى حلول الروبوط محل البشر أو الذكاء الإصطناعي

4-   الشيخ العراقي الخزعلي “العبقري”  دعى الشباب المسلم  وبلدان الإسلام لتبني الذكاء الإصطناعي!

5-   والجزائر لديها الأرض والموارد لاستيعاب كل من هم في فرنسا.

6-   بالتحديد، على الجزائر سحب قوة العمل البشرية ولتكن بادرة لمختلف بلدان المحيط بل تحدي بدل أن يستمر تدفق المهاجرين إلى أوروبا حيث يُغرق ولا يغرق معظمهم ولتغرق القارة العجوز في التناسل تكنولوجياً!

7-   وعلى الجزائر تبني أطروحة الراحل أنور عبد الملك في المطالبة بما اسماه  “فائض القيمة التاريخي” اي ما جرى تقشيطه ونهبه من بلدان المحيط على يد الغرب الإمبريالي.

8-   ومن حق الجزائر المطالبة بالقيمة الزائدة التي امتصها الفرنسي من جهد  أكثر من ثمانية أجيال من الجزائريين خاصة

9-   وبوسع الجزائر استيعاب كل العرب من فرنسا، وهذه مقدمة لفرض وحدة مغاربية  كخطوة على طريق وحدة عربية.

10-   ولاحقاً بوسع الجزائر تنسيق ذلك مع تونس وليبيا وإن عارضت الحكومات أن تحرك الشعب ولو بخطوة بسماركية.

11-   فبوسع الجزائر وليبيا استعاب عشرات الملايين من العرب.

رد الشباب الإنفعالي لا يكفي، كما أن النهب مرفوض تماماً. التحدي ضخم ويحتاج  ردأ حققياً لا عاطفياً.

✺ ✺ ✺

في التنوير وأزمة التنويريين العرب

ذ.أحمد الديين/الكويت

 

المحور الأول:

لمحة عن التنوير ونشوء الاتجاهات التنويرية في البلاد العربية وتطورها

لقد سرنا و شرفنا في موقع الفينيق الالتفاتة الطيبة و الرمزية التي خصنا بها الأستاذ أحمد الديين بنشر محاضرته القيمة على منبر “حوار التنوير” يوم لأربعاء 31 مايو/ أيار 2023 تحث عنوان: في التنوير وأزمة التنويريين العرب. نظرا لأهمية الموضوع و راهنيته و عمق مضمونه الثقافي،الفكري و السياسي سنعمل على نشرها على عدة محاور متتالية حتى تعم الفائدة و يتفاعل فيها النقاش و القراءة.

 قبل أن نمر الى مضمون المحاضرة و هيكلتها،  ارتأينا اعترافا بجميل هذا المعلم المثقف العضوي أن نعطي و لو نبذة قصيرة و متواضعة عنه.

 أحمد الديين (ولد 14 يناير 1950 في شرق، الكويت)، هو الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية وأحد مؤسسيها، وهو وسياسي وصحفي ومعلم كويتي، عمل كمعلم في وزارة التربية في دولة الكويت، وله امتداد طويل في عالم الصحافة حيث بدأ العمل الصحفي في عام 1966 عبر جريدة الهدف، ومن ثم توالت الصحف التي عمل لها، كما أنه كان مديرًا عامًا لدار الطليعة للنشر، وأحد مؤسسي المنبر الديمقراطي الكويتي وأمينًا عامًا سابقًا له وأحد مؤسسي اللقاء اليساري العربي في بيروت عام 2010.

 بدأ أحمد علي ديين آل بن علي العمل الصحفي عام 1966، حيث استلم تحرير الصفحة الطلابية في صحيفة الهدف الأسبوعية، كما أنه قام بإنشاء صحيفة حائطية طلابية وكانت تتناول قضايا الطلبة وهمومهم واحتياجاتهم، وفي عام 1968 انتقل للعمل في صحيفة الطليعة كمحرر لصفحتها الطلابية، ومن ثم انتقل للعمل في صحيفة الرائد ومنها إلى جريدة السياسة، وتقلد فيها رئاسة قسم المحليات كما أنه زامل فيها رسام الكاركتير الشهيد ناجي العلي، وفيها تشكل الثلاثي الشهير; ثلاثي الديين والربعي الدعيج، وبعد اضراب عمال الصحيفة قدم استقالته وأصر عليها.

 تقلد عدة مناصب منها:

1- نائب مدير تحرير مجلة «العامل» التي يصدرها الاتحاد العام لعمال الكويت 1975.

2- نائب رئيس تحرير صحيفة «الوطن» 1991- أبريل 1992.

3- مدير تحرير صحيفة «الطليعة» الأسبوعية 1992-1994.

4- كاتب بجريدة «الرأي العام»، التي تحولت إلى «الراي» منذ 1996 إلى 2006.

5- كاتب صحافي في جريدة «عالم اليوم» منذ مايو 2007 إلى أكتوبر 2012.

وله مقالات منشورة في العديد من الصحف الخليجية والعربية.

***

 لمحة عن التنوير ونشوء الاتجاهات التنويرية في البلاد العربية وتطورها:

 غالباً ما يتم تعريف “التنوير” بالقول إنه حركة فلسفية، فيما تتفاوت بداياتها في أوروبا عند المؤرخين بين القرن السادس عشر والنصف الثاني من القرن السابع عشر، وتُربط عادةً بعصر النهضة، وإن كان الرأي الشائع أنّ القرن الثامن عشر هو عصر التنوير، عندما مارس التنوير تأثيره الكبير على تكوين النظرة الاجتماعية… ويتكرر التأكيد على أنّ التنوير ظاهرة أوروبية على وجه العموم، وفرنسية على وجه التخصيص.

ويُشتَهر عند الحديث عن التنوير ما كتبه كانت في مقاله المنشور عام 1784 بعنوان “جواب عن سؤال: ما التنوير؟”، وتحديداً قوله: “كن جريئاً في إعمال عقلك. هذا هو شعار التنوير”… وإنّه يعني “لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه” (مراد وهبة، المعجم الفلسفي، 2007، دار قباء الحديثة، القاهرة).

ولئن كان هناك كثيرون يطلقون على باريس اسم عاصمة التنوير، إلا أنّ هناك مَنْ يحدد هولندا في القرن السابع عشر كمركز لانطلاقة التنوير، حيث كانت أكثر دول أوروبا ليبرالية حينذاك، وكانت ملجأً للمفكرين الأحرار… وفي المقابل هناك مَنْ يرى أنّ بداية عصر التنوير ارتبطت بالثورة الانجليزية المجيدة في العام 1688، التي أطلقت “وثيقة الحقوق” وكذلك “قانون التسامح” في 1689.

ولكني أظن أنّ غالبية تعريفات مصطلح التنوير وتحديد نطاقه الزمني، تعاني من قصور يجب الانتباه إليه.

 أول نقاط القصور تتمثّل في أنّ التنوير ليس مجرد حركة فلسفية، وإنما هو كذلك اتجاه سياسي اجتماعي ينطوي على قيم واخلاقيات وسلوك وأنماط حياة وأساليب في الحكم، حاول ممثلوه أن يعالجوا بها نواقص المجتمع وشروره، وذلك عبر نشر أفكار الخير والعدالة والمعرفة العلمية.

 وثاني نقاط قصور هذه المحاولات لتعريف التنوير، أنها تنطلق من نزعة مثالية تركّز بالأساس على الدور المقرر للوعي في تطور المجتمع، وكأنه هو المعطى الأول، من دون ربط ذلك الوعي بالواقع وحركته وبأنه نتاج ما شهدته المجتمعات الأوروبية حينذاك من تحولات كبرى بالانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية… فالتنوير وكذلك الحداثة هما محصلة التحديث الرأسمالي، ولم يتشكلا بمعزل عنه، أي أنّ عصر التنوير يمثّل المرحلة الانتقالية من الإقطاع إلى الرأسمالية بقيادة البرجوازية الأوروبية، وهذا هو الأساس الموضوعي لتشكّل حركة التنوير وتطورها… إنّ نضال التنويريين أو المنورين كان موجهاً بالأساس ضد الأنظمة الإقطاعية وبالتبعية ضد ركائزها الدينية ممثلة في الكنيسة والجمود الديني، وموجهاً كذلك ضد التقاليد الاجتماعية السائدة، عبر نشر المعارف وإقامة “مملكة العقل”.

 وثالث نقاط قصور تلك المحاولات لتعريف التنوير، أنها لا تشير إلى تراجع تأثير التنوير على التفكير الاجتماعي في عصرنا الحاضر، وذلك لكون التنوير بالأساس يمثّل محطة انتقال أوروبا من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، وهي محطة تم تجاوزها هناك، بينما لما نبلغها نحن بعد في ظل التبعية من جهة، وفي ظل التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي من جهة أخرى، وفي ظل استمرار وجود أو استمرار تأثير البنى التقليدية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية… وبتعبير آخر فإن أوروبا والمراكز الإمبريالية والرأسمالية المتقدمة تجاوزت التنوير وهي تشهد اليوم عصر ما بعد الحداثة،  بينما لا نزال نحن نرزح في عصر ما قبل الحداثة.

وإذا انتقلنا إلى نشوء الاتجاهات التنويرية في بلادنا العربية، وتحديداً المشرق، في أواخر القرن التاسع عشر وتطورها وصولاً إلى انحسارها في أواخر القرن العشرين، فقد يكون أوضح من حدد المراحل التي مرّت بها حركة التنوير في البلاد العربية هو د. عبدالله حنا في مؤلفه الهام (أعلام العقلانية والتنوير ومجابهة الاستبداد، نون 4 للنشر والطباعة والتوزيع، حلب، ط1، 2010) ، حيث قسّمها إلى أربع مراحل:

المرحلة الأولى: تبدأ مع التنظيمات (حركة الإصلاح) في منتصف القرن التاسع عشر وتنتهي مع انهيار الدولة العثمانية عام 1918، وقد سادت في تلك المرحلة فترة مظلمة تمثلت بحكم السلطان عبدالحميد، الذي استهل حكمه بالقيام بثورة مضادة لحركة الإصلاح.

المرحلة الثانية: تمتد بين الحربين العالميتين وتتميز: بتكوين الوعي الوطني… وانتشار أفكار التنوير والعقلانية… ورفع راية النضال الوطني المناهض للإمبريالية … ووضع أسس المجتمع المدني.

 المرحلة الثالثة:مرحلة نيل الاستقلال الوطني بعد الحرب العالمية الثانية، ومن سماتها في الدول العربية، التي وصفها بالمتقدمة: التصنيع، الإصلاح الزراعي، التأميمات، تعاظم دور الدولة، وتضاؤل الولاءات العشائرية والمذهبية والطائفية والعائلية، مع رجحان كفة العقلانية وتقلص دائرة المحرمات.

 المرحلة الرابعة:تمثلت في الربع الأخير من القرن العشرين، التي تميزت بتراجع أفكار النهضة وانتعاش أفكار ما قبل النهضة وقيمها المتمثلة بعودة الطائفية والعشائرية… وخفوت وهج العقلانية… واحتلال التيارات الدينية المتشددة المساحة الأوسع في النشاط الفكري والعمل السياسي، وعودة الفكر الغيبي، وهيمنة الدولة الأمنية بالتزامن مع انتهاء دور أوروبا البرجوازية المناهضة للإقطاع واختفاء دور أوروبا الاشتراكية، وبروز الرأسمالية البربرية الأميركية، وبروز التيارات الدينية. (عبدالله حنا ص ص 7-9).

  العوامل التي ساهمت في تشكل الاتجاهات التنويرية في البلاد العربية:

ـ تفسخ واضمحلال التشكيلة الاجتماعية الإقطاعية في تركيا مركز الدولة العثمانية وما شهدته من تطور رأسمالي محدود وبطيئ، وارتباط مركز الدولة العثمانية بأوروبا وفتح الباب أمام الرأسمال الأجنبي.

 ـ تأثيرات التطورات التي شهدتها الدولة العثمانية في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على البلاد العربية بحكم خضوعها لها، حيث لا يمكن فصل تشكّل الاتجاهات التنويرية فيها، خصوصاً على مستوى الأفكار والبنى السياسية والثقافية، عما شهدته الدولة العثمانية نفسها حينذاك من تطورات وأحداث وصراعات تعبيراً عن نمو البرجوزاية التركية الناشئة، واحتدام التناقضات داخل الدولة العثمانية ذات التكوين ما قبل الرأسمالي، التي كانت في طور التفكك والانهيار، وبالترابط مع الضغوط الاستعمارية الغربية التي ترافقت مع انتقال الرأسمالية الأوروبية إلى طورها الإمبريالي وسعيها لاقتسام الدولة العثمانية.

 وهنا نتوقف أمام تأثيرات حركة إصلاح النظم الإدارية وأساليب الحكم في الدولة العثمانية وفق مصالح البرجوازية التركية الناشئة على الأوضاع في البلاد العربية التابعة، من خلال ما عرف باسم “عهد التنظيمات” بين 1838 وصولاً إلى إعلان دستور “المشروطية” في 1876، وذلك قبل أن يتم الانقضاض عليها في عهد السلطان عبدالحميد سنة 1878، وكانت تلك الحركة الإصلاحية والدستورية تعبيراً عن محاولة البرجوازية التركية إزاحة السطوة الإقطاعية وتحقيق الثورة البرجوازية الديمقراطية بتأثير مما حدث في أوروبا، ومنها امتدت تأثيراتها إلى البلاد العربية التابعة للدولة العثمانية… ثم تكررت حركة الإصلاح عبر انقلاب عسكري فوقي في العام 1909 بإزاحة السلطان عبدالحميد وعودة الدستور وقيام الأحزاب وإطلاق الحرية النسبية للصحافة، إلى أن انهارت الدولة العثمانية في 1918 ما مهد الطريق أمام بروز حركة الاستقلال والتحرر الوطني العربية.

 ـ تأثير الإصلاحات المحلية التي جرت في البلاد العربية التابعة للدولة العثمانية، مثل إصلاحات محمد علي في مصر الشبيهة بإصلاحات بطرس الأول في روسيا بالاعتماد على دور الدولة وليس البرجوزاية المحلية الضعيفة، بدءاً من الإصلاح الزراعي واستئصال المماليك وامتلاك الدولة المصرية لمعظم الأراضي الزراعية، مروراً بإصلاحاته العسكرية عبر بناء جيش نظامي تحت إشراف مدربين أوروبيين، وصولاً إلى تطوير الصناعة عبر إنشاء مصانع الحديد والبرادة والبارود ودار بناء السفن في الاسكندرية ومعامل حلج القطن وغزله، واحتكار الدولة للتجارة الخارجية حيث كانت هي المورّد والمصدّر الوحيد للبضائع من وإلى الخارج، وإعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة مستعيناً بالكوادر الفرنسية، ناهيك عن افتتاح المدارس النظامية غير الدينية، وإيفاد البعثات التعليمية إلى الخارج، وإنشاء أول دار لطباعة الكتب باللغات العربية والتركية والفارسية… وعلى نحو مشابه جزئياً قام بشير الثاني في لبنان بدءاً من 1795 بتصفية نفوذ الإقطاع، ونفّذ إبراهيم باشا إصلاحات في سوريا وفلسطين بين 1831 و1840 ضد الإقطاع تمثلت في تحديد الضرائب، وتوطين البدو، وتطوير التجارة والأعمال الحرفية، وتأمين القوافل، وإنشاء دار طباعة في لبنان عام 1834، وافتتاح المدارس في دمشق وحلب وانطاكية، وكذلك  إصلاحات داوود باشا في العراق (1817-1831) عبر تصفية نظام الامتيازات الذي كان يثقل كاهل التجار المحليين، وإغلاق مؤسسات شركة الهند الشرقية البريطانية، وبعدها إصلاحات مدحت باشا، الذي بدأ مشروع السكة الحديد، وقام بإصلاحات إدارية وثقافية وقضائية وأسس البلديات وفتح مدارس جديدة، وفي عهده صدرت أول جريدة في بغداد، قبل نقله منها إلى أدرنة في العام 1871، مع ملاحظة أنّ خلفاءه من الولاة العثمانيين لم يكملوا ما كان قد بدأه وخطط له.

 ـ تشكّل نواتات البرجوازيات العربية الوليدة والضعيفة في بلدان المشرق العربي، وما نتج عنه من بروز لمجموعة من رواد التنوير العرب، وأهمهم: بطرس البستاني، الذي كان يجيد عدة لغات، وقد أنشأ في بيروت أول مدرسة عربية وطنية في 1863، ونشر باللغة العربية بين عامي 1860 و1870 مجلتين اسبوعيتين هما “نفير سوريا” و”الجنان”، وصنفّ معجماً ضخماً باللغة العربية وسبعة أجزاء من الموسوعة العربية “دائرة المعارف”، التي واصل إصدارها بعد وفاته قريبه سليمان البستاني… وناصيف اليازجي، الذي أسهم في بعث اللغة العربية والأدب العربي، وتصدى للتعصب الديني… والشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في مصر بعد عودته من باريس في سياق النموذج النهضوي المصري الأول بقيادة محمد علي… والشيخ الأزهري محمد عبده، الذي تصدى لرجال الدين المحافظين وحاول تكييف الإسلام وفق المنظور البرجوازي العصري وأكد على عدم تعارض العلم مع الدين… والبرجوازي الحلبي المستنير فرنسيس مراشن… والطبيب العلماني اللبناني المهاجر إلى مصر مروراً بباريس شبلي شميّل وكتاباته في مجلة المقتطف، وبينها سلسلة مقالاته حول نظرية داروين… والمثقف الطرابلسي فرح أنطون ذو الميل الاشتراكي، الذي أصدر في مصر عام 1899 مجلة “الجامعة” وترأس تحرير النسخة الاسكندرية من صحيفة الاهرام…  والنائب المقدسي في مجلس “المبعوثان” محمد روحي بك الخالدي، الذي هاجم الاستبداد وربطه بالتأخر والانحطاط… ورجل الدين الحلبي المستنير عبدالرحمن الكواكبي صاحب كتاب “طبائع الاستبداد”… والصحافي والمناضل الزحلاوي رفيق جبور، الذي كان أحد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري في العشرينات…  والصحافي الدمشقي محمد كرد علي صاحب صحيفة “المقتبس”… والطبيب عبدالرحمن الشهبندر الذي ناضل ضد الاستبداد العثماني والانتداب الفرنسي وكان يمثّل أحد رموز التيار اليساري في حركة اليقظة القومية وقد دفع حياته ثمناً لذلك في العام 1940… والمثقف والصحافي والكاتب الموسوعي الاشتراكي الفابي سلامة موسى بمؤلفاته العديدة… بالإضافة إلى تأسيس “المنتدى الأدبي” العربي و”الجمعية القحطانية” ذات التوجهات الاستقلالية في العام 1909، وتبعهما إنشاء “الجمعية الإصلاحية البيروتية” و”النادي الوطني العلمي” البغدادي و”الجمعية الإصلاحية” في البصرة، وعقد “المؤتمر القومي العربي الاول” بباريس في يونيو/ حزيران من العام 1913.

 ـ تأثيرات الاستعمار الأوروبي المباشرة على المشرق العربي بدءاً من الحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، رغم فشلها العسكري الذريع… مروراً بشق قناة السويس في أواسط القرن التاسع عشر والاحتكاك بأوروبا على نحو غير مسبوق، خصوصاً في عهدي الخديويين سعيد وإسماعيل… والتدخل الفرنسي المباشر في لبنان بحجة حماية الموارنة في 1860… وصولاً إلى الاحتلال البريطاني لمصر في 1882… وانتهاء باتفاقية سايكس بيكو وتقسيم البلاد العربية المشرقية كمناطق نفوذ بين الإمبرياليتين الفرنسية والبريطانية.

بما يمهد الطريق نحو التحديث وتطوير قوى الانتاج وبناء الدولة المدنية الحديثة، وصولاً إلى الحداثة… وهنا ربما يمكننا تجاوز أزمة التنويريين العرب.

:::::

موقع “الفينيق ميديا”، 9 يونيو 2023

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org