السنة الثالثة والعشرون – العدد 6582
في هذا العدد:
■ من مطبخ فيتغنشتاين أو الاجرام بالكلام، خالد النجار
■ مخيم جنين: يؤكد من جديد خيار المقاومة، رشاد أبوشاور
■ تمرد مجموعة “فاغنر”: أميركا تنفي دورها وتراهن على إضعاف بوتين، د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
✺ ✺ ✺
من مطبخ فيتغنشتاين
أو
الاجرام بالكلام
خالد النجار
هنا نص عن عنف اللغة والمصطلح الاجرامي وفن التحكم في الوعي وإعادة صياغته وهندسته عن طريق صوغ المصطلح ذو الدلالة المحددة… هي محاولة أولى، ولابد من يأتي ليصلح ويشذب ويطور؛ ثمة قاموس كامل لتفكيك كلماته…
يقول الفيلسوف اليهودي النمساوي لودفيغ فيتغنشتاين: كل ما لا يمكن التعبير عنه هو غير موجود. هذا التعريف يتضمن إمكانية خلق واقع بواسطة كلمات نبتدعها؛ بمعنى تخليق واقعا عن طريق إيجاد كلمات تستقر في الوعي وتحوله لوعي مزيف. بما أن حقيقة الواقع هي الوعي به، ولا وعي بالواقع خارج اللغة، خارج الكلمات.
لأن اللغة لا تكذب الانسان هو الذي يكذب.
وفي معركة تشكيل وعي الجماهير يصير تنظيم الكلام والسيطرة عليه أداة تحكم أساسية. من أمثلة ذلك
محرم ذكر اسم فلسطين وللتعبير عن ذاك القطر تم وضع أسماء بديلة في الاعلام؛ فهي تسمى بشكل مجزّأ:
القطاع والضفة الغربية وأراضي 1948 وغزة.
نحن نقول جنوب لبنان، وألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية ونادرا ما نقول شمال أو جنوب فلسطين أو غزة الفلسطينية.
في النصوص القانونية، وفي المعاهدات ووثائق تحديد المناطق الفلسطينية استنبطوا حيلة لغوية حتى لا يذكر فلسطين يتجنبون التراكيب التي تثبت هوية الأرض فتراهم يقولون أراض هكذا غير معرفة، أو مناطق يطلقون عليها أحرفا باء وجيم… مثال ذلك يقولون الضفة الغربية، وهو تعريف جغرافي حيادي غامض. والقارئ العادي في العالم لا يدري ماذا تعني هذه التسمية؛ فالعالم كله ضفاف شرقية وغربية. لخلق الغموض وهو سلاح فاعل في الرأي العام.
لقد جهدوا في اقناع العالم بسرديتهم مع التعتيم والتغطية على فحشهم في قتل الفلسطيني لأنه لو كشف إجرامهم فسيكون من المستحيل الدفاع عنه.
حرب المصطلح حرب اللغة
هكذا نحتوا مصطلحات وتعابير وصيغ وتراكيب لغوية تفضي إلى مفاهيم من شأنها أن توحي أو حتى تحدد لدى المتلقي القناعات التي يريدونه أن يصل إليها. هذه الصيغ والتعابير والمصطلحات تزيف الواقع، وتتسرب إلى لاوعي المتلقي قارئا أو مستمعا، وفي غفلة منه تدفعه إلى استخلاص استنتاجات يظنها من إبداعه وهي في حقيقتها كامنة في تسمية الأشياء. ما يعني أن البروبغندا اليوم تجاوزت لديهم مفهوم الدعاية الفجة مثل الدعاية إلى كوكاكولا. لقد تخلوا عن هذا الاسلوب الذي أتقنه النظام العربي نظام دولة الاستقلال المنتهية الصلاحية، وانتقلوا إلى أسلوب أكثر تعقيدا يتمثل في إعادة بناء التصورات والمفاهيم لدى المتلقي للتحكم في وعيه؛ بما أن لدى هذا المتلقي قابلية الاستجابة السريعة، كما أوضحت عديد التجارب. ففي فرنسا حيث رأي عام مستنير تم انتخاب شاب نكرة بلا تجربة سياسية كما يفصح تاريخه، إذ كل خبرته قبل توليه رئاسة فرنسا شهر من العمل السياسي. وكذلك الرئيس التونسي المنتخب، كل الناس تسأل من أين خرج؟
إضافة إلى التحكم في الوعي عن طريق وضع مصطلحات مزيفة أو ما أسميه الاجرام بالكلام، ثمة الجرعات الأخرى المساعدة التي يتكفل بها الاعلام عن طريق التكرار، والاستعانة ببعض الأكاذيب المتقنة وأخطرها تلك التي تمرر من خلال الحقائق، وصنع المشاهد التلفزيونية بوسائل المغالطة السينمائية وتقنيات الايهام المرئي الهوليوودي، إلخ.
كل هذا لإعادة البرمجة النفسية والفكرية لشعوبنا وخلق وعي مزيف لديها يقبل السردية الصهيونية مزيلا عن العدو صفة العدو أو ما يسمونه إزالة الجدار النفسي وهو التعبير الذي لقنوه للسادات إبان رحلته الكارثية إلى الكيان الصهيوني. لأن سقوط الجدار النفسي يحولهم لدى العربي إلى دولة عادية ممكن ربط العلاقة معها. وقد نجحوا في مسعاهم هذا إلى حد كبير وبخاصة لدى بعض أشباه المثقفين من الإعلاميين العرب وأشباه المثقفين هؤلاء هم أخطر من الأميين. وهكذا تجد كثيرا من مصطلحات السردية الصهيونية متفشية إلى حد كبير في لغة الاعلام العربي.
وما الهرولة نحو الكيان الصهيوني وربط العلائق معه إلا أحد نتائج هذا العمل الذي جعل كثيرا من أشباه الساسة والمحسوبين على النخبة العربية يحجون للكيان. وقد رأيت الشاعر والروائي والمثقف التونسي من زبانية بورقيبة يدافع عن الكيان واحة الديمقراطية والحداثة. بل صرح لي أحدهم أنه يكره الفلسطينيين!!! هكذا! أجل!!! لأنهم ليسوا حداثيين كما ينبغي.
هنا أسوق بعض الأمثلة من المصطلحات والتعابير الاجرامية:
التطهير بالقتل المنهجي للفلسطيني
العالم يدري أن هناك عملية تطهير عرقي ممتد منذ قرن في فلسطين، عملية حذف شعب وإحلال آخر مكانه. وهو نفس الأسلوب الاستعماري الذي مارسه الرجل الأبيض منذ القرن السادس عشر في القارة الأميركية وفي استراليا وغيرها. وما التفاوض مع الفلسطينيين سوى ضحك على الذقون. فالأيديولوجيا الصهيونية والأفكار التي قامت عليها من أيام هرتزل تنفي على الاطلاق وجود شعب فلسطيني هدفها المعلن تطهير فلسطين من الفلسطينيين، بل نفي وجود الشعب الفلسطيني؛ وظلت غولدا مائير تردد حتى وفاتها لا يوجد شعب فلسطيني. وشعارهم القديم المتجدد فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ما يزال يتردد. هذه بديهة يعرفها كل الناس. وما يتم فوق الأرض ليس احتلالا وتوغلا كما هو متداول في الاعلام العربي وإنما تطهير عرقي محض.
مجيء المحتلين يسمونه هجرة
المفارقة أنه تم استعمار فلسطين في أوج لحظة تصفية الاستعمار في العالم فكان لابد من إخراج لغوي لهذا الاستعمار الصهيوني، هكذا ابتدعوا قاموسا متكاملا لتمرير عملية استعمارية دون أن تتنبه لهم قوى التحرر من الاستعمار في العالم
فأطلقوا على عملية الاحتلال هجرة، وأطلقوا على تاريخ انشاء الدولة الاستعمارية استقلالا، وأشاعوا هذا المصطلح في العالم.
بيد أن هناك قسم من النخب الغربية المتضامنة مع الفلسطينيين تدري ما معنى الاستعمار الاستيطاني، وما معنى التطهير العرقي، لأنها خبرته في تجربتها التاريخية، فهي تنتمي لدول ومجتمعات مارست التطهير العرقي في العالم منذ أواسط القرن الخامس عشر عصر بداية الرحلات الاستكشافية الكبرى. لذلك لا تجد هذه النخب تستعمل كلاما أدبيا من نوع توغل واحتلال كما هو في لغة الصحافة العربية.
مصطلح الصراع العربي الإسرائيلي كبديل لمصطلح حرب التحرير
تدري أن ما يدور في فلسطين ليس كما يصفه الصهاينة بذاك التعبير الحيادي والإجرامي الذي يسوي بين المجرم والضحية والمتمثل في كلمة صراع. وتراهم يرددون صراعا فلسطينيا إسرائيليا أو عربيا إسرائيليا زيادة في المغالطة. (يتساوق هذا التعبير الأخير ويتوافق مع الصورة الأبدية لليهودي الضحية، وأنهم شعب صغير يتكالب عليه العرب كثيرو العدد.) ودون فحص يتلقف الاعلام العربي هذا المصطلح /الطعم الإعلامي صراع والذي يضفي مزيدا من الغموض والتعمية حول حقيقة استعمار فلسطين. ثمة صراع هكذا مبني للمجهول يعني انتفاء الفعل الاستعماري وفعل المقاومة.
القضية الفلسطينية بدل الاستعمار الصهيوني لفلسطين
ليس هناك قضية ثمة استعمار. كنا نقول الاستعمار الفرنسي للجزائر، لم نقل الاستعمار الصهيوني لفلسطين. ما يتم على الأرض الواقع هو استعمار غابت كلمة الاستعمار الصهيوني لفلسطين؛ الاستعمار تعبير خارج التداول على الاطلاق، لا في الاعلام العربي ولا في غيره…
والناس تدري أن فلسفة الحركة الصهيونية كوكتيل من دين وإيديولوجيا قومية فاشية هدفها الاستراتيجي كما جاء في كل أدبياتهم تطهير الأرض المقدسة التي وعدهم الله بها من العرب الأنجاس. هذا ما تقوله سرديتهم.
. والحال أن الإنسان لا يستطيع التمتع بحقوق المواطنة في الدولة التي بعثوها إذا لم تكن أمّه يهوديّة؛ بما يعني أنها دولة عنصرية دينية وتسوق نفسها للعالم كدولة لايكية ديمقراطية، وينطلي ذلك على كثير من النخب العربية خاصة في المستعمرات الفرنسية السابقة حيث يكثر نموذج المثقف الكولونيالي الفرنكوفوني المستلب، والذي يتماهى مع السردية الفرنسية المتصهينة بدورها. ولا ننسى أن فرنسا أحد الداعمين الكبار للكيان منذ نشأته، وهي التي قدمت له أكبر انجاز استراتيجي: مفاعله النووي.
يقولون الاسلام السياسي ولا يقولون يهودية سياسية
وهم في الاعلام الصهيوني والغربي عامّة لا يسمون شاس وبقية الأحزاب الدينية الاسرائيلية بأسمائها وإنما يقولون أحزاب أقصى اليمين أو يمين الوسط وتتماثل وتتشاكل هذه الأحزاب بالتالي في وعي الغربيين بأحزابهم اليمينية اللايكية؛ مما يخفي صبغتها الدينية. كما لا يطلقون عليها اليهودية السياسية. كما هو الأمر في الغرب لا يطلقون على الأحزاب ذات الخلفية المسيحية مثل الديمقراطيين المسيحيين صفة المسيحية السياسية.
ولكنهم يقولون الإسلام السياسي، وهو تعبير غربي محض. تعبير عدائي ترانا نكرره بلا فحص، بل بزهو.
الأسماء العربية للشيطنة
وفي المقابل تراهم في الاعلام الصهيوني يرطنون أسماء المنظمات الفلسطينية مثل حماس والجهاد بتهجئتها العربية كذلك كلمات الانتفاضة والفدائيين وفتح بنفس التهجئة والتلفظ العربيين فيقولون INTIFADA والناس في الغرب لا تعرف المصطلح العربي مما يضفي على هذه التنظيمات المقاومة غموضا يبعث الخوف لدى القارئ الغربي وبالتالي تسهل شيطنة هذه المنظمات الغامضة ويسهل وضعها على قائمة الإرهاب الذي ابتدعوه.
لأنهم لو نقلوا كلمات جهاد ومقاومة وفدائيين إلى لغاتهم فقالوا resistance and resistant باللغة الإنكليزية لتعاطف مع الفلسطينيين قسم كبير من الرأي العام الغربي لأن كلمة مقاومةRESISTANCE توحي لدى الأوربي بمعاني شرعية، وهي تستعمل تحديدا في أوروبا الغربية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية بمعنى المقاومة ضد الاحتلال النّازي : RESISTANCE كلمة تشرعن حرب التحرير الفلسطينية لدى الراي العام الغربي. لذلك تجد كل الإعلام في الغرب وخاصة مؤسساته الكبرى مثل البي بي سي والسي آن آن يحتال على الموضوعية التي يدعيها بوضع هذه الأسماء والنعوت التي توحي بالشيطنة.
جيل دولوز هناك نظامان DEUX REGIMES
عندما يتحدث مثقف فرنسي ولو كان مواليا للقضية الفلسطينية مثل الفيلسوف اليهودي الفرنسي جيل دولوز عن نظامين DEUX REGIMES ويعني بهما دولة إسرائيل والفلسطينيين يكون قد وقع في المحظور وقع في الفخ اللغوي. فهو يوحي للقارئ أن هناك نظامان أي دولتان متساويتان وبالتالي لا يوجد مستعمر ولا مستعمر بفتح الميم.
عن التطبيع
في هذا السياق سياق اسقاط الجدار النفسي عملوا على ربط علاقات بالدول العربية ولسان حالهم يقول للعالم لو كان ما يذاع عن اجرامنا صحيحا ما كانت العرب لتبني علاقات دبلوماسية معنا. ويسمون ربط العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية تطبيعا بما يعني رفض العلاقة مع هذا الكيان أمر غير طبيعي.
أكبر المغالطات
الواقع في فلسطين ما يتم توصيفه هكذا استعمار لكامل فلسطين والعمل الدائب على إزاحة شعبها وحذفه من الوجود أي تصفيته الفيزيقية والمعنوية، حذف هويته. ومحو ثقافته، والاستيلاء على تراثه: هدم المعالم التاريخية، سرقة التراث الشعبي عامة من لباس وموسيقى وطبخ.
أتذكر ذات سنة كنت أتجول في شوارع هامبورغ مع كاتبة ألمانية صديقة عاشت في منطقتنا العربية.
قالت: انظر إلى هذا المطعم وأشارت إلى واجهته
وأكملت صاحب هذا المطعم إسرائيلي يقدم أطباقا فلسطينية ويطلق عليها المطبخ الإسرائيلي.
بعد هذه الحادثة بسنوات صرت أرى كتب طبخ فلسطيني كثيرة يطلق عليها الطبخ الإسرائيلي.
✺ ✺ ✺
مخيم جنين
يؤكد من جديد خيار المقاومة
رشاد أبوشاور
مخيم جنين الذي يمكن وصفه ب(الفدائي) منذ معركته البطولية عام 2002، والتي أُثخن فيها بالجراح ثُمّ قام من الموت، وها هو يتجلى حيّا ممتشقا ما تيسّر من السلاح ويواجه الآلة العسكريّة المُدمّرة التي يملكها العدو الصهيوني..حتى اللحظة من اليوم الثاني للعدوان عليه بكل صنوف السلاح أرضا وجوّا، ويصمد ويتصدى لا منتظر بيانات الاحتجاجات الرخوة، والإدانات المبتذلة المكرورة العبارات الكاذبة التي خبرها شعبنا في كل معاركه.
المخيم الفدائي، مخيم جنين البطولة العريقة، وهو مثخن بالجراح يثبت في الميدان ويطلب من أهل القضية وقد عرفوا بأنهم أُخذوا في الطريق الخطاء، وضللوا بالسيّر منومين وراء أوهام (سلام الشجعان)..أن يستيقظوا بعد ثلاثين عاما من(الخداع) الأمريكي، ومواصلة الكيان الصهيوني للاستحواذ على ماتبقى من أرض الفلسطينيين، ووضع الفلسطيني أمام خيار: كل واشرب ما نيسره لك..أو السجن والموت وهدم بيتك إن أنت قاومت!
المخيم الفدائي، مخيم جنين البطل، يشّق أمام الفلسطينيين مخرجا من المأزق الذي أدخلت فيه القضيّة الفلسطينيّة، ويمضي على طريق التحرير ودمه ينزف بكبرياء، موجها اللطمات للكيان الصهيوني ومستوطنيه، باثا الثقة في قلوب الفلسطينيين الذي ما عاد ينطلي عليهم خطاب التضليل، ووهم الرهان على تحقيق دولة فلسطينيّة، فثلاثة عقود من الكذب والوهم والتضليل تكفي، وهي عقود من السجون، والاغتيالات، ونهب الأرض والماء ودفع فاتورة الاحتلال بإراحته من تكاليفه، بحيث وصف بأنه احتلال خمس نجوم مُريح ومُربح، بينما شعبنا يخسر، وقضيتنا تخسر…
نتنياهو منذ البداية كان ضد أوسلو، وهو عندما يعلن أنه يجب اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية من رأس أي فلسطيني فهو لا يأتي بجديد، وهو ليس وحده من يحمل هذه القناعات فكّل قادة الكيان الصهيوني ضد دولة للفلسطينيين مستقلة وكاملة السيادة، ولكن بعض الفلسطينيين ما زالوا يسيرون نياما لقصر نظر، أو لمصالح، أو لعجز عن السير بخيار مخيم جنين الفدائي، وهو الخيار الذي لم ينخرط في مسيرة أوسلو، ومنذ البداية أعلن: طريقنا يمضي مباشرة إلى فلسطين، ولن نشارك في سلطة موهومة، ولن نثق بأمريكا فهي عدو لنا وليست وسيطا، ولن نصغي لنصائح أخوة السوء الذين يدفعون بمن يصغون لهم للسقوط في حفرة ما لها قرار!
من جديد مخيم جنين الفدائي الذي لا يساوم، والذي ينهض من الموت، يتقدم ودمه على صدره، وقد تماهى هو وطريق فلسطين المستقيم غير المتعرّج، والذي لا تغطي أهدافه عتمة تخفي الوجوه والحقائق، يمضي مؤمنا، متمسكا بهدفه: تحرير فلسطين من النهر إلى البحر…
أمّا نتنياهو الذي يريد اجتثاث شعبنا، وقضيتنا، ويعتبر أن إيماننا بفلسطين واحدة كاملة حُرّة فهو من سيُجتث لأنه طارئ على أرضنا، ولا جذور له عندنا ولذا بالمقاومة سيتّم اقتلاعه وسيكون خياره الوحيد عودته إلى البلاد التي جاء منها ليغرس في فلسطيننا.
مخيم جنين يضع كل فلسطيني أمام خيار المقاومة، ولا يرضى بالمبررات التي تدّعي العقلانية التي تفضحها دبابات وجرّافات ومسيرات العدو، وعمله الإجرامي على احتثاث مخيم جنين وتشريد أهله بترانسفير اختباري يمكن أن ينفذه على كل مدينة ومخيم وقرية فلسطينية إذا ما مرّ مخططه الإجرامي..وما هو بالمفاجئ فهو في صلب عقيدته الصهيونيّة، وهو (الحل) الذي لا يخفيه الصهاينة للقضيّة الفلسطينيّة، وللشعب العربي الفلسطيني…
مخيم جنين الفدائي يمنح فرصة لكل الفلسطينيين ليتحدوا في الميدان، وليقاوموا بكل ما لديهم من سلاح، موحدي الصفوف، ويعتمدوا على الله وأنفسهم والشرفاء من أمتهم وفي العالم.
مخيم جنين قام من الموت ويقاوم، ومن ولدوا بعد تدمير المخيم عام 2002 كبروا وهاهم يقاومون ببسالة تُذهل العدو وتفرح قلب الصديق..وهو لا يثق بالبيانات التافهة لدول التطبيع، ولحكّام التبعية، وهو يرسم الطريق لكل أبناء شعب فلسطين لينخرطوا في المقاومة، كلهم..وحيثما كانوا، ففلسطين لا تقبل منهم ولا ترضى لهم أن يصدروا البيانات، أو يسفحوا دموع الحزن..فلسطين تريدهم أن يقاوموا كأهلهم في مخيم جنين.
وفلسطين، مخيم جنين، لا يرضيان من أي عربي ومسلم أقل من الانحياز لخيار المقاومة.
إذا هدم العدو بيوت مخيم جنين فلن يستطيع هدم عقول ونفوس وأرواح المقاومين في كل فلسطين، فما دامت فلسطين محتلة فنار المقاومة ستبقى متأججة، وخيارها سيبقى خيار مخيم جنين…
✺ ✺ ✺
تمرد مجموعة “فاغنر”: أميركا تنفي
دورها وتراهن على إضعاف بوتين
د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
بعد صمت قصير، سارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى “نفي أي علاقة” لبلاده في تمرد رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين في روسيا، تلاه نفي مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز.
مسار نفي جاء من أعلى الهيئات الرسمية الأميركية أرفقه مدير الاستخبارات بمبادرته الاتصال بنظيره الروسي، سيرغي ناريشكين، لطمأنته وإيصال رسالة مفادها أنّ “الولايات المتحدة ليس لها أيّ دور في الفوضى الداخلية في روسيا”، مشدداً على أن ما جرى هو “مسألة روسية داخلية” (صحيفة “وول ستريت جورنال”، 30 حزيران/يونيو )2023.
لكن مسلسل “النفي” لم يصمد طويلاً، وسرعان ما ناقض مدير الاستخبارات المركزية إعلانه السابق، بعد حرصه على نشر أقواله في كبريات وسائل الإعلام الأميركية، عملاً بمقولة: “يكاد المريب أن يقول خذوني”.
في 2 تموز/يوليو الجاري، حطّ بيرنز في لندن مخاطباً جمهور النخب الفكرية والسياسية البريطانية في مؤسّسة “ديتشلي”، قائلاً إن حالة “الاستياء من الحرب ستظل تهُدّ في القيادة الروسية. هذا الاستياء يخلق فرصة لا تأتي إلا مرّة في كل جيل لنا في “السي آي أيه”، ولن نهدر هذه الفرصة”، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام إشارة إلى دور وكالة الاستخبارات المركزية في تجنيد عُملاء لها في أوراسيا تحديداً.
ومضى بيرنز مسترسلاً للحطّ من مكانة روسيا وقدرتها، لافتاً إلى أن “حرب بوتين باءت بفشل استراتيجي، وكشفت عن نقاط ضعف في جيشه”. وأضاف: “من دون أوكرانيا، يتعذّر على روسيا أن تكون قوة عظمى”، وامتداداً “يتعذر على الرئيس بوتين أن يكون زعيماً عظيماً”.
في السياق نفسه، أشارت وسائل الإعلام الغربية إلى قيام مدير الاستخبارات المركزية بزيارة “سرّية” إلى أوكرانيا، قبل تمرد فاغنر المعلن بساعات معدودة، ولقائه “الرئيس فولوديمير زيلينسكي ونظرائه في أجهزة الاستخبارات”.
وأشارت شبكة “سي أن أن” الأميركية إلى أن “الاستخبارات الأميركية كانت تعلم بهذا التمرّد”، لكنها فضلت عدم التحدث به في مراهنتها على “نجاحه”، وحافظت على سرّية ما توصلت إليه من “صورة دقيقة وبالغة التفاصيل لخطط زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين”، وشاركت مجموعة ضيّقة من حلفائها بتلك المعلومات، “من بينهم كبار المسؤولين في بريطانيا” (27 حزيران / يونيو 2023).
يذكر أيضاً أن وكالة الاستخبارات المركزية “دشّنت مؤخراً حملة” تجنيد عبر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً تلغرام، تستهدف مواطني روسيا، “وتعرض عليهم توجيهات لكيفية التواصل معها” عبر اتصال آمن على شبكة الإنترنت.
ربما يكون تبنّي حكم بالجزم أو النفي لدور الولايات المتحدة سابقاً لأوانه بناء على ما تقدم من معطيات، لكن توارد التصريحات من مختلف المراتب السياسية والعسكرية الأميركية يندرج في إطار الاستراتيجية الأميركية العليا لتهميش روسيا و”إلحاق هزيمة استراتيجية بها”، بحسب تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن.
كما أننا لا نزعم معرفة خلفية التمرّد إن كان “منسقاً” أو جزءاً من خطة الرئيس بوتين للإيقاع بخصومه وكشف مديات الدعم الداخلي والدولي لعناصر المجموعة، كما يتردّد بقوّة بين النخب السياسية والفكرية الأميركية، أو استغلال الجانب الأوكراني لما توفّر له من معلومات بشأن التحرك لتحقيق بعض الإنجازات الميدانية.
أما مستقبل مجموعة فاغنر وزعيمها المنفي في بيلاروسيا فهو منوط بالقرار الروسي حصراً، ولا ينبغي الاسترسال في عدد من الاحتمالات التي لا تستند الى وقائع.
ما يجري راهناً من تطورات هيكلية في الجيشين الأميركي والروسي هو أمر لافت بكل المقاييس. في الشأن الأميركي، أجمعت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة على أن “القوات المسلحة الأميركية تواجه تحديات تجنيد كبيرة في صفوفها تكاد تصل إلى أزمة”. وفي التفاصيل، أخفقت جهود التجنيد الدورية في تحقيق الحد الأدنى المطلوب لأفرع القوات المسلحة المختلفة، ولم تتجاوز نسبة نجاح القوات البرية 52% خلال العام الحالي.
وأفادت شبكة “سي أن أن”، عشية احتفال البلاد بعيد الاستقلال، بأن أفراد وحدات الدفاع الجوي الأميركي مرهقة نتيجة ضغوط المهمة، فيما تعمل القيادة العسكرية على تنفيذ تغييرات لتخفيف بعض الضغط، من بينها تقديم مكافآت مالية لجذب مزيد من المجندين إلى وظائف معينة في سلاح الدفاع الجوي، بما في ذلك تشغيل بطاريات صواريخ باتريوت، ونشر متخصصين في الصحة العقلية لمعالجة أفراد تلك الوحدات من الإرهاق الذي يتعرضون له.
وحذّر القادة العسكريون الأميركيون من أن وحدات الدفاع الصاروخي في الخطوط الأمامية في البلاد استفذت، وهي منهكة للغاية (شبكة”سي أن أن”، 3 تموز/يوليو 2023).
وفي الشأن الروسي، أفادت وكالات الأنباء الغربية بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفع رواتب قوات الجيش بنسبة 10.5% “بعد أيام من فشل التمرّد المسلّح (30 حزيران/يونيو 2023).
تقييم القادة العسكريين الأميركيين لأداء الجيش الروسي، قبل فشل حالة التمرّد وبعده، أبقى على ارتفاع منسوب ازدراء الخصم الروسي، لكن “استتاب الأوضاع هناك هي حالة ملحّة، وخصوصاً في ظل امتلاكه ترسانة هائلة من الأسلحة النووية”.
وأضاف ضابط الاستخبارات السابق ومسؤول القسم الروسي فيها جون سايفر “نلمس حالة من الخلل الوظيفي في القوات (الروسية) في أوكرانيا، تضاف إلى حالة الخلل العامة وعدم الكفاءة على المستوى الداخلي” (مقابلة أجراها مع شبكة “أن بي آر” للراديو، 28 حزيران/يونيو 2023).
أما تقييم المستويات السياسية الأميركية، فيتطابق في تشاؤمه حيال مستقبل روسيا ووحدة اراضيها. ونشرت يومية “نيويورك تايمز” مقالاً بعنوان ساخر: “بوتين يعتقد أنه لا يزال يسيطر، لكنه بخلاف ذلك”، وأوضحت أن “المتشددين، ومعظمهم يؤيدون بريغوجين، ينشطون بشكل كبير على تطبيق تلغرام، وباستطاعتهم انتقاد السلطة (السياسية) من دون الخشية من أي عواقب، لكن حالة التمرّد أضعفت سيطرة الرئيس بوتين بشكل كبير” (“نيويورك تايمز”، 30 حزيران/يونيو 2023).
بعد التسليم الغربي بفشل “التحدّي غير المسبوق لسلطة الرئيس بوتين”، تشير آفاق المرحلة المقبلة، من وجهة نظر أميركا وحلفائها عبر الأطلسي، إلى مضاعفة جهود الإمدادات العسكرية لأوكرانيا لحثها على مواصلة الحرب لفترة أطول، لعلّها تفضي إلى بعض الانجازات الميدانية، مهما كانت متواضعة، من أجل تنشيط مرحلة المفاوضات الحتمية.
الثابت أيضاً في تلك القراءة ما كان ينتظر روسيا من مخططات لإطاحة الرئيس بوتين، أفصحت عنها وزيرة الخارجية البريطانية السابقة ليز تراس أمام مجلس العموم قائلة: ” نحن وحلفاؤنا، بمن فيهم الأوكرانيون والبولنديون ودول البلطيق، بحاجة إلى التأكد من أن لدينا خطة (جاهزة) في حالة انهيار روسيا” (26 حزيران/يونيو 2023).
ويشاطرها الطرف الأميركي في انتهاز ما أفضت إليه الأزمة من “اهتزاز حكم بوتين. وعلى المدى القصير، قد يبدو الأمر كما لو أن بوتين نجا من محاولة الانقلاب العرضية لبريغوجين فإن شيئا ما قد تغيّر في روسيا”. لكنّ نخبها الفكرية المؤثّرة “لا تعتقد أن الرئيس بوتين ضعف بشكل كبير”، لعدم انضمام أي من التشكيلات العسكرية إلى حملة التمرّد أو انشقاقها.
وطالبت مجلة “فورين أفيرز” النافذة الولايات المتحدة وحلفاءها “بالتحلّي باليقظة والاستعداد لمواجهة جميع السيناريوهات” وخصوصاً إذا ترافقت أجراءات الرئيس الروسي المقبلة مع بعض مظاهر عدم الاستقرار”، ومراقبة ما يجري بحذر شديد ، و”ليس هناك مصلحة للغرب في الإطاحة المفاجأة بحكم بوتين” (مجلة “فورين أفيرز”، 27 حزيران/يونيو 2023).
:::::
مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن
الموقع الإلكتروني:
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
https://www.facebook.com/kanaanonline/
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org