وحدة الساحات والجبهات:
هناك عدة عوامل تحكم وحدة الساحات وبالتالي الجبهات في مطلق ساحة في العالم. وفي هذا المستوى فإن أداء الثورة المضادة هو “نموذجي” في وحدة الساحات والجبهات. وهذا لا نكتبه للمثقف والمحلل المنشبك، فهذا حالة ميؤوس منها وخطيرة، بل نكتبه للجيل العروبي الشاب.
حين انطلقت الثورة البلشفية 1917 توحدت الإمبريالية بل الغرب ضدها وغزت الدولة الاشتراكية بمليون ونصف جندي إضافة إلى جيش الجنرالات البيض في روسيا القيصرية.
وفي الحرب الإمبريالية الأولى (1914-1918) انقسمت الثورة المضادة ضد بعضها ولكن توحدت ساحات كل واحدة ضد الأخرى، وانقسمت قوى الثورة بين:
· شيوعية ثورية بقيادة لينين
· وتحريفية بقيادة كاوتسكي حيث انضم هذا الجناح لصالح سادته البرجوازيين.
وفي الحرب الإمبريالية الثانية (1939-1945) ايضاً توحدت ساحة الحلفاء ولم تقف مع السوفييت بل كانت اساساً في وحدة مع النازي.
ودون إطالة حينما حرر العراق الكويت يوم 2 آب 1990، توحدت الساحات والجبهات ضده من 33 دولة بينها عرب ولا اقول دول إسلامية لأنني لا أؤمن بالوهم المسمى كذباً “أمة إسلامية”. هناك دين إسلامي نعم. ومن يومها تم إرساء أخطر ما حصل في تاريخ العرب ضد القومية العربية، وهو قيام دولة عربية بالعدوان ضد دولة عربية في ذيل جيوش الإمبريالية باسم عضوية كيان الكويت المصطنع في الأمم المتحدة “ضدنا” وهو تصنيع إمبريالي يسمى الكويت. وبعدها صار عدوان دول عربية ضد أخريات أمراً عاديا ونيابة عن الإمبريالية وانظروا الحال اليوم.
وهو ما نراه حتى اليوم ضد سوريا حيث حصلت وحدة الجبهات على صعيد معولم.
ولعل وحدة الساحات والجبهات ضد روسيا اليوم أيضاً أمر يشرح نفسه رغم أن هؤلاء لصوص إلا أن اللصوص كما قال ماركس “يتآخون أحياناً”. وعلينا اليوم متابعة وحدة الساحات للثورة المضادة في الهجوم الإيديولوجي الجنساني لصالح المثليين! حيث يقوم راس المال بإحلال: ميشيل فوكو محل كارل ماركس والشذوذ محل الصراع الطبقي. وإذا كان ماركس قد نقد “البغاء العلني للبرجوازية” فإن الأمر أخطر اليوم.
واليوم، لقد اتضحت وحدة الساحات والجبهات في دعم الغرب وخاصة أمريكا للكيان في العدوان ضد جنين.
وللمقارنة وحسب، فإن حتى الأنظمة القطرية قد مارست درجة من وحدة الساحات حيث كانت وحدة ساحات الأنظمة الرجعية عام 1948، رغم عدم وحدة النوايا وغياب الإمكانيات.
وبالمقابل كانت وحدة ساحات الأنظمة الجمهورية القومية في حرب 1973 أي جيوش مصر وسوريا وكذلك الجزائر والعراق وليبيا وهزمت الكيان كما تدوس على البسكويت لولا أن شاركت امريكا لإنقاذه
شاهد اعتراف كيسنجر
وهذا يؤكد أننا نحارب النظام الرأسمالي العالمي وليس الكيان وحده. وللأسف تسمع أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي يهزأ بالجيوش العربية على قناة الميادين (19 حزيران 2023 حيث رددتُ عليه) متزلفاً ضد العروبة! وفي هذا الصدد أذكر ترجمة قام بها الصديق مصطفى ابو مبدَّا من شمال فلسطين، لصالح جمعية الدراسات العربية حيث قال ضابط صهيوني شارك حرب 1973 بما معناه، كانت الدبابات السورية تقتحم دباباتنا بجرأة جنونية كما دبابات البانزر الألمانية في الحرب العالمية الثانية وكلما أبدنا موجة أتت أعنف منها كما اقتحم الفدائيون الفلسطينيون مواقعنا في جبل الشيخ لا مبالين بالموت ويطاردوننا كالأشباح.
لكن ساحات المحور وجبهاته أغمضت جفونها في معركة جنين الأخيرة:
· عدم إطلاق رصاصة واحدة من خارج الحدود ولا نقول الصاروخ رقم (40) كي لا يقفز من مقعده المثقف او شبه المثقف المنشبك أو الطائفي.
· صمت الأنظمة العربية حتى إعلامياً
· التهويل الإعلامي بقدرة جنين المخيم والمدينة لإعفاء الأنظمة العربية وما يسمى المسلمين من بعض الواجب وكأن جنين دولة عظمى تواجه العدوان الصهيمريكي!
· حصول العدوان في نفس الفترة التي أُطلقت فيها بالونات “المبادرة العربية” اي التطبيع المعمم لأن كل نظام وافق عليها، حتى لو اصر على إضافة حق العودة، هو تطبيعي لأنه لا عودة بلا تحرير فالمسالة ليست مسألة رجل متخلف صفع زوجته وأعادها والدها المتخلف إلى بيتها لسيطرة الرجل نفسه.
فهناك المصالحة السعودية الإ يرانية /سنة وشيعة والتي توافقت على “المبادرة العربية، وهناك المبادرة الصينية في حل الدولتين، ومبادرة بلنكن بن سلمان في نفس الاتجاه. وهنا استغل نتنياهو اللحظة ليقوم بعدوانين معاً:
o إعلان أن لا دولة فلسطينية قط ويجب ان نضرب الفلسطينيين حتى يتوقفوا عن اية م.ق.ا.و.م.ة، فهو اعتبر موجة المبادرات مثابة إعلان بأن لن يقف مع الفلسطينيين أحد.
o والعدوان على جنين.
يبالغ كثيرون بأن هذ العدوان والعدوان الذي سبقه ضد مجاهدي الجهاد الإسلامي وشهدائها كانا غالباً كي يُنقذ نتنياهو نفسه من حبل الفساد، وهذا صحيح ولكنه عارض. بالمناسبة في العدوان على الجهاد في غزة نامت الساحات واشتكت الجهاد وعلى ألسنة قادتها، لكن محترفي الترقيع والطبطبة ومراقص الفضائيات ترجموا الإستنامة بلغة ومعانٍ أخرى! وهكذا فعلت وتفعل الأنظمة.
وهنا، لا بد من السؤال: هل هناك حقاً وحدة وتماسك ونقاء الساحات والجبهات؟
أُجيب على هذا فقط بقولين في الشهر الماضي مثبتين بالفيديو لمن أراد فليبحث:
· تصريح موسى ابو مرزوق بأن حماس ليست في أي محور.
· وتصريح رئيس وزراء العراق السوداني بأن العراق ليس في أي محور وبأنه في تحالف ستراتيجي مع أمريكا. طبعاً هناك فيديوهات لهذا الرجل يعانق هو نفسه الجنود الأمريكيين.
قام وسيقوم كثيرون بتفسير وإعادة تفسير وحدة الجبهات من طراز: المحور كان جاهزا وانتظر ان تطب جنين ذلك. وقد طلبت جنين ذلك فعلاً ومن رأى وسمع الأخبار هو خير شاهد. أو أن جنين قد هزمت العدو وحدها، أو: ليس كل حدث يتطلب مشاركة الجميع…الخ.
جنين صمدت نعم ونعم. ولكن هذا لا يعني أن الجبهات توحدت. لم يخفى على الشارع الفلسطيني أن لا أحد من خارج الحدود شارك قتالاً، ولا اقصد حتى الإمداد بالسلاح، بل بالمقابل، فإن بعض عناصر الأمن الفلسطيني شارك وأمد بالرصاص على الأقل.
وحين أركز على عدم المشاركة فذلك لأن هذا اشعر الشارع العر بي أن الفلسطينيين وحدهم سيحرروا فلسطين، فيا ايها العرب شعبا وحكومات انبعجوا أكلا وشربا وتمططوا أمام الشاشات ثم ناموا وتناسلوا.
مرة أخرى الخطر في اقتلاع القضية من عمقها العربي، وأخطر منه الخطاب الذي يقود قصدا إلى “انفلاشها من مفردة Inflation بالإنجليزية ” من عربية إلى إسلامية مغفلا عروبتها، واضح موقف الدول الإسلامية من المعركة. ولعل مما يأخذك إلى الضحك المر أن اضخم مظاهرة شعبية لدعم جنين كانت في اليمن، ولكن الخطاب لم يذكر العروبة قطعا حيث تحول إلى وهم “الأمة الإسلامية” لم يكن اليمن هكذا قبل 2015! ولست أدري لماذا يهدد اليمن بضرب الكيان بالصواريخ ولم يفعل!أم أن تدمير مخيم جنين ليس أكثر من انحراف سيارة صغيرة عن الطريق بسبب حصوة تحت إحدى عجلاتها. أتمنى على اليمن أن لا تتورط في خطاب النفخ والعنتريات والصواريخ التي تُطال جهنم!
هذا إضافة إلى العامل النفسي الذي لله الحمد لم يؤثر على معنويات النضال الفلسطيني، وهذا العامل أراه كما يلي: طالما ان المحور ليس جاهزاً للاشتباك ولاحتى للمهارشة، أو ليس متفقاً على هذه أو تلك، فحبذا لو يوقف الضخ الإعلامي بأن لديه قدرات كذا وكذا. فالمواطن لديه الحد الأدنى من التحليل والنقد بمعنى: طالما لديكم هذا فما الذي يمنعكم من إسعافنا بحفنة رصاص! وهذا يقوله الناس ومن سار في الشارع من المؤكد سمع الناس العاديين يردون هذا التساؤل.
سيكون من قبيل الصدمة إذا كان المقصود بوحدة الساحات والجبهات حصرها في الفلسطينيين! وهذا أمر طريف حيث اكتشف البعض هذا في معركة سيف القدس وفوجؤوا! أمر مضحك! فالفلسطيني كأي شعب في العالم تجمعه وطنيته أي المشترك الوطني السياسي وإن فرقه الشتات وتحطيم بنيته الجغرافية والسكانية والاقتصادية والطبقية منذ 1948.
اذكر ما كتبته في هذا الصدد (ربما عام 1982) رداً على الراحل بشير البرغوثي أمين عام الشيوعي الفلسطيني الأسبق ورفيقه د. تيسير العاروري في مجلة الكاتب حيث رأى ان لا وحدة بين الطبقة العاملة الفلسطينية نظراً للشتات الجغرافي/الأنظماتي وردت عليه في جريدة الميثاق في أوائل الثمانينات بأن الشتات لا يعني تحول الطبقة العاملة الفلسطينية واندماجها في أماكن الشتات حيث يجمعها دوما المشروع الوطني السياسي.
قد يكن لمحور المقاومة عذراً إذا كان يقصد ان تجسيد وحدة الساحات والجبهات هو عربي عام وبأن التنفيذ منوط بمعركة التحرير، وحبذا لو يُقال هذا وهو كافٍ ومقنع ويقول للفلسطينيين: واصلوا صمودكم وناوشوا العدو لتبقى القضية حية إلى يوم المعركة الكبرى. وهذا ينقلنا إلى طبيعة الأداء الفلسطيني الحالي.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/