نشرة “كنعان”، 12 يوليو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6587

في هذا العدد:

عبرة صمود جنين (الحلقة 2): وحدة جبهات الثورة المضادة في الحرب والنهب والشذوذ … فماذا عن وحدة ساحات المحور! د. عادل سماره

متابعات | روسيا بعد تمرد فاغنر: إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

  • فقاعة فاغنر
  • مرة أخرى حول تمرد فاغنر
  • لقد حان الوقت كي نصحو

لبنان الطائفة أو لبنان الوطن؟ صفية أنطون سعادة

✺ ✺ ✺

عبرة صمود جنين:

وحدة جبهات الثورة المضادة في الحرب والنهب والشذوذ

فماذا عن وحدة ساحات المحور!

الحلقة 2

د. عادل سماره

وحدة الساحات والجبهات:

هناك عدة عوامل تحكم وحدة الساحات وبالتالي الجبهات في مطلق ساحة في العالم.  وفي هذا المستوى فإن أداء الثورة المضادة هو “نموذجي” في وحدة الساحات والجبهات. وهذا لا نكتبه للمثقف والمحلل المنشبك، فهذا حالة ميؤوس منها وخطيرة، بل نكتبه للجيل العروبي الشاب.

حين انطلقت الثورة البلشفية 1917 توحدت الإمبريالية بل الغرب ضدها وغزت الدولة الاشتراكية بمليون ونصف جندي إضافة إلى جيش الجنرالات البيض في روسيا القيصرية.

وفي الحرب الإمبريالية الأولى (1914-1918) انقسمت الثورة المضادة ضد بعضها ولكن توحدت ساحات كل واحدة ضد الأخرى، وانقسمت قوى الثورة بين:

·       شيوعية ثورية بقيادة لينين

·       وتحريفية بقيادة كاوتسكي حيث انضم هذا الجناح لصالح سادته البرجوازيين.

وفي الحرب الإمبريالية الثانية (1939-1945) ايضاً توحدت ساحة الحلفاء ولم تقف مع السوفييت بل كانت اساساً في وحدة مع النازي.

ودون إطالة حينما حرر العراق الكويت يوم 2 آب 1990، توحدت الساحات والجبهات ضده من 33 دولة بينها عرب ولا اقول دول إسلامية لأنني لا أؤمن بالوهم المسمى كذباً “أمة إسلامية”. هناك دين إسلامي نعم. ومن يومها تم إرساء أخطر ما حصل في تاريخ العرب ضد القومية العربية، وهو قيام دولة عربية بالعدوان ضد دولة عربية في ذيل جيوش الإمبريالية باسم عضوية كيان الكويت المصطنع في الأمم المتحدة “ضدنا” وهو تصنيع إمبريالي يسمى الكويت. وبعدها صار عدوان دول عربية ضد أخريات أمراً عاديا ونيابة عن الإمبريالية وانظروا الحال اليوم.

وهو ما نراه حتى اليوم ضد سوريا حيث حصلت وحدة الجبهات على صعيد معولم.

ولعل وحدة الساحات والجبهات ضد روسيا اليوم أيضاً أمر يشرح نفسه رغم أن هؤلاء لصوص إلا أن اللصوص كما قال ماركس “يتآخون أحياناً”. وعلينا اليوم متابعة وحدة الساحات للثورة المضادة في الهجوم الإيديولوجي الجنساني لصالح المثليين! حيث يقوم راس المال بإحلال: ميشيل فوكو محل كارل ماركس والشذوذ محل الصراع الطبقي. وإذا كان ماركس قد نقد “البغاء العلني للبرجوازية” فإن الأمر أخطر اليوم.

واليوم، لقد اتضحت وحدة الساحات والجبهات في دعم الغرب وخاصة أمريكا للكيان في العدوان ضد جنين.

وللمقارنة وحسب، فإن حتى الأنظمة القطرية قد مارست درجة من وحدة الساحات حيث كانت وحدة ساحات الأنظمة الرجعية عام 1948، رغم عدم وحدة النوايا وغياب الإمكانيات.

وبالمقابل كانت وحدة ساحات الأنظمة الجمهورية القومية في حرب 1973 أي جيوش مصر وسوريا وكذلك الجزائر والعراق وليبيا وهزمت الكيان كما تدوس على البسكويت لولا أن شاركت امريكا لإنقاذه

شاهد اعتراف كيسنجر 

وهذا يؤكد أننا نحارب النظام الرأسمالي العالمي وليس الكيان وحده. وللأسف تسمع أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي يهزأ بالجيوش العربية على قناة الميادين (19 حزيران 2023 حيث رددتُ عليه) متزلفاً ضد العروبة! وفي هذا الصدد أذكر ترجمة قام بها الصديق مصطفى ابو مبدَّا من شمال فلسطين، لصالح جمعية الدراسات العربية حيث قال ضابط صهيوني شارك حرب 1973 بما معناه، كانت الدبابات السورية تقتحم دباباتنا بجرأة جنونية كما دبابات البانزر الألمانية في الحرب العالمية الثانية وكلما أبدنا موجة أتت أعنف منها كما اقتحم الفدائيون الفلسطينيون مواقعنا في جبل الشيخ لا مبالين بالموت ويطاردوننا كالأشباح.

لكن ساحات المحور وجبهاته أغمضت جفونها في معركة جنين الأخيرة:

·       عدم إطلاق رصاصة واحدة من خارج الحدود ولا نقول الصاروخ رقم (40) كي لا يقفز من مقعده المثقف او شبه المثقف المنشبك أو الطائفي.

·       صمت الأنظمة العربية حتى إعلامياً

·       التهويل الإعلامي بقدرة جنين المخيم والمدينة لإعفاء الأنظمة العربية وما يسمى المسلمين من بعض الواجب وكأن جنين دولة عظمى تواجه العدوان الصهيمريكي!

·       حصول العدوان في نفس الفترة التي أُطلقت فيها بالونات “المبادرة العربية” اي التطبيع المعمم لأن كل نظام وافق عليها، حتى لو اصر على إضافة حق العودة، هو تطبيعي لأنه لا عودة بلا تحرير فالمسالة ليست مسألة رجل متخلف صفع زوجته وأعادها والدها المتخلف إلى بيتها لسيطرة الرجل نفسه.

فهناك المصالحة السعودية الإ يرانية /سنة وشيعة والتي توافقت على “المبادرة العربية، وهناك المبادرة الصينية في حل الدولتين، ومبادرة بلنكن بن سلمان في نفس الاتجاه. وهنا استغل نتنياهو اللحظة ليقوم بعدوانين معاً:

o     إعلان أن لا دولة فلسطينية قط ويجب ان نضرب الفلسطينيين حتى يتوقفوا عن اية م.ق.ا.و.م.ة، فهو اعتبر موجة المبادرات مثابة إعلان بأن لن يقف مع الفلسطينيين أحد.

o     والعدوان على جنين.

يبالغ كثيرون بأن هذ العدوان والعدوان الذي سبقه ضد مجاهدي الجهاد الإسلامي وشهدائها كانا غالباً كي يُنقذ نتنياهو نفسه من حبل الفساد، وهذا صحيح ولكنه عارض. بالمناسبة في العدوان على الجهاد في غزة نامت الساحات واشتكت الجهاد وعلى ألسنة قادتها، لكن محترفي الترقيع والطبطبة ومراقص الفضائيات ترجموا الإستنامة بلغة ومعانٍ أخرى! وهكذا فعلت وتفعل الأنظمة.

وهنا، لا بد من السؤال: هل هناك حقاً وحدة وتماسك ونقاء الساحات والجبهات؟

أُجيب على هذا فقط بقولين في الشهر الماضي مثبتين بالفيديو لمن أراد فليبحث:

·       تصريح موسى ابو مرزوق بأن حماس ليست في أي محور.

·       وتصريح رئيس وزراء العراق السوداني بأن العراق ليس في أي محور وبأنه في تحالف ستراتيجي مع أمريكا. طبعاً هناك فيديوهات لهذا الرجل يعانق هو نفسه الجنود الأمريكيين.

قام وسيقوم كثيرون بتفسير وإعادة تفسير وحدة الجبهات من طراز: المحور كان جاهزا وانتظر ان تطب جنين ذلك. وقد طلبت جنين ذلك فعلاً ومن رأى وسمع الأخبار هو خير شاهد. أو أن جنين قد هزمت العدو وحدها، أو: ليس كل حدث يتطلب مشاركة الجميع…الخ.

جنين صمدت نعم ونعم. ولكن هذا لا يعني أن الجبهات توحدت. لم يخفى على الشارع الفلسطيني أن لا أحد من خارج الحدود شارك قتالاً، ولا اقصد حتى الإمداد بالسلاح، بل بالمقابل، فإن بعض عناصر الأمن الفلسطيني شارك وأمد بالرصاص على الأقل.

وحين أركز على عدم المشاركة فذلك لأن هذا اشعر الشارع العر بي أن الفلسطينيين وحدهم سيحرروا فلسطين، فيا ايها العرب شعبا وحكومات انبعجوا أكلا وشربا وتمططوا أمام الشاشات ثم ناموا وتناسلوا.

مرة أخرى الخطر في اقتلاع القضية من عمقها العربي، وأخطر منه الخطاب الذي يقود قصدا إلى “انفلاشها من مفردة Inflation بالإنجليزية ” من عربية إلى إسلامية مغفلا عروبتها، واضح موقف الدول الإسلامية من المعركة.  ولعل مما يأخذك إلى الضحك المر أن اضخم مظاهرة شعبية لدعم جنين كانت في اليمن، ولكن الخطاب لم يذكر العروبة قطعا حيث تحول إلى وهم “الأمة الإسلامية” لم يكن اليمن هكذا قبل 2015! ولست أدري لماذا يهدد اليمن بضرب الكيان بالصواريخ ولم يفعل!أم أن تدمير مخيم جنين ليس أكثر من انحراف سيارة صغيرة عن الطريق بسبب حصوة تحت إحدى عجلاتها. أتمنى على اليمن أن لا تتورط في خطاب النفخ والعنتريات والصواريخ التي تُطال جهنم!

هذا إضافة إلى العامل النفسي الذي لله الحمد لم يؤثر على معنويات النضال الفلسطيني، وهذا العامل أراه كما يلي: طالما ان المحور ليس جاهزاً للاشتباك ولاحتى للمهارشة، أو ليس متفقاً على هذه أو تلك، فحبذا لو يوقف الضخ الإعلامي بأن لديه قدرات كذا وكذا. فالمواطن لديه الحد الأدنى من التحليل والنقد بمعنى: طالما لديكم هذا فما الذي يمنعكم من إسعافنا بحفنة رصاص! وهذا يقوله الناس ومن سار في الشارع من المؤكد سمع الناس العاديين يردون هذا التساؤل.

سيكون من قبيل الصدمة إذا كان المقصود بوحدة الساحات والجبهات حصرها في الفلسطينيين! وهذا أمر طريف حيث اكتشف البعض هذا في معركة سيف القدس وفوجؤوا! أمر مضحك! فالفلسطيني كأي شعب في العالم تجمعه وطنيته أي المشترك الوطني السياسي وإن فرقه الشتات وتحطيم بنيته الجغرافية والسكانية والاقتصادية والطبقية منذ 1948.

 اذكر ما كتبته في هذا الصدد (ربما عام 1982) رداً على الراحل بشير البرغوثي أمين عام الشيوعي الفلسطيني الأسبق ورفيقه د. تيسير العاروري في مجلة الكاتب حيث رأى ان لا وحدة بين الطبقة العاملة الفلسطينية نظراً للشتات الجغرافي/الأنظماتي وردت عليه في جريدة الميثاق في أوائل الثمانينات بأن الشتات لا يعني تحول الطبقة العاملة الفلسطينية واندماجها في أماكن الشتات حيث يجمعها دوما المشروع الوطني السياسي.

قد يكن لمحور المقاومة عذراً إذا كان يقصد ان تجسيد وحدة الساحات والجبهات هو عربي عام وبأن التنفيذ منوط بمعركة التحرير، وحبذا لو يُقال هذا وهو كافٍ ومقنع ويقول للفلسطينيين: واصلوا صمودكم وناوشوا العدو لتبقى القضية حية إلى يوم المعركة الكبرى. وهذا ينقلنا إلى طبيعة الأداء الفلسطيني الحالي.

✺ ✺ ✺

نافذة على الصحافة الروسية نطل منها على أهم الأحداث في روسيا والوطن العربي والعالم

إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

  • فقاعة فاغنر
  • مرة أخرى حول تمرد فاغنر
  • لقد حان الوقت كي نصحو

✺ ✺ ✺

فقاعة فاغنر

ألكسندر بروخانوف، كاتب روائي روسي مخضرم وناشط سياسي واجتماعي

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 27 يونيو 2023

في قاع المستنقعات يحدث التعفن باستمرار.  الطحالب والكائنات الميتة تتعفن، ونتيجة ذلك تتشكل الغازات.  تتراكم الغازات في الطبقات السفلية، وتندمج في فقاعات.  تطفو فقاعة الغاز على السطح وتنفجر، وتصدر صوتًا خافتًا وتملأ الهواء برائحة كريهة. (غاز المستنقعات – كبريتيد الهيدروجين غاز ذو رائحة كريهة كرائحة البيض الفاسد، بسبب ارتباط هذا المركب السام بالتحلل البكتيري للمادة العضوية بالمستنقعات والمجاري، في غياب الأكسجين – المترجم).

 كان تمرد بريغوجين العسكري عبارة عن فقاعة غاز نشأت نتيجة لتعفن المجتمع والدولة.  هذه الفقاعة، التي ارتفعت إلى السطح، لم تنفجر، ولم تتحول إلى شعلة نارية وحشية.  لقد أصدرت صوت قرقرة وسممت الهواء.

مر يومان مروعان عندما تحركت طوابير من المتمردين في دبابات، مشاة على مركبات القتال، مسلحة بأنظمة صواريخ بانتسير المضادة للطائرات، وأسقطت مروحيات وطائرات، وألقت عوائق هشة وعابرة، باتجاه موسكو.  وبدا أن العام الرهيب 1991 كان يعيد نفسه، ومرة أخرى كانت الدولة الروسية مستعدة للسقوط، وسيترتب على السقوط كوارث لا حصر لها، وفقدان الأراضي، وفقدان السيادة، وفوضى عالمية بين المحيطات الثلاثة.

 “صحن أزرق تحطم في الكرملين

 وسقط الجرس من البرج.

أضاءت ثريات الثورة فوق روسيا.

وبدأ اللعب بالكرة الروسية.”

هذا لم يحدث.  اندلع التمرد بعواء في معبد الدولة الروسية وتلاشى واختفى مثل السراب.

المحللون من جميع الأطياف يتساءلون عما كان عليه الأمر.  ما هي القوى الاقتصادية والسياسية المشاركة.  ما دور الغرب في التمرد.  لماذا كان بريغوجين على الهواء، أمام روسيا بأكملها، يستعد لهذا التمرد، ولم يخرسه أحد.  ما هي الدوافع الحقيقية لبريغوجين.  ماذا كان مضمون المفاوضات التي أعادت بريغوجين إلى الزجاجة التي خرج منها مثل الجني.  سيتم كتابة نصوص حول هذا الموضوع وسيتم عرض المسلسلات، إن لم يكن في هذا الجيل، فعندئذ في التالي.

سيتم تضمين الحدث في الكتب المدرسية للتاريخ الروسي ووراء هذا الحدث تقف القوة الغامضة للزمن الروسي.

لقد عانت السلطة الروسية من أضرار جسيمة.  اهتزت قدسية سلطة الدولة.  تم اكتشاف “تجاويف” في جسم الدولة والمجتمع الروسيين.  يجب صيانة هذه التجاويف حتى لا تظهر فقاعة جديدة ولا نسمع فرقعة في البداية، ثم لا نرى توهجًا في السماء.

بعد أن شعرت السلطات بتقصيرها خلال الحرب، فإنها تقوم بالفعل بتصليح هذه التجاويف والاضطرابات بالسرعة التي تسمح بها الحرب والتسارع الذاتي للسلطات نفسها، غير المتجانسة والمليئة بالتناقضات.

بعد الانتصار في الحملة الأوكرانية، روسيا، المنهكة من الحرب، بعد أن صدت عدوًا خارجيًا، ودافعت عن مكانتها في التاريخ في هذه المعركة المميتة، ستشرع في مشروع ضخم، اسمه – التطهير.

سيتم تطهير الأيديولوجية من الاورام السامة التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.  سيتم تطهير النخب من “أعمدة الدولة” التي أنشأها تشوبايس من خلال إطعام المليارديرات الروس، كما يتم تسمين الخنازير بسرعة في المزارع. اليوم، نمت أجنحة لهذه الحيوانات، والحقوا بروسيا جروحا رهيبة، ثم طاروا بعيدًا.

سيتم تطهير المجتمع من كارهي روسيا السريين والظاهرين، الذين بنوا أعشاشهم في الثقافة والسياسة والاقتصاد.  سيتم تنظيف نماذج التنمية الاقتصادية، والتي تعمل منذ ثلاثين عامًا، ودفعت الاقتصاد الروسي إلى طريق مسدود.  سيتم تنقية الكتب المدرسية ومقالب القمامة في الغابات وضواحي المدن، وسيتم تصويب إيديولوجية الانسان، حيث سيحتل مركز الصدارة فيها مرة أخرى – عشق الوطن الأم، التضحية من أجله بلا مقابل، النظر لروسيا كظاهرة رائعة في تاريخ العالم، ثمينة للبشرية جمعاء.

تم إخماد التمرد في مرحلته المفتوحة المخيفة.  لكن سمومه تتدفق عبر جميع شرايين الحياة الروسية.  هذه السموم تسبب تسمم الدم.  روسيا بحاجة إلى تغذية في الوريد، تحتاج إلى تطهير الدم من السموم.

✺ ✺ ✺

مرة أخرى حول تمرد فاغنر

ألكسندر دوغين، فيلسوف روسي معاصر

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

 30 يونيو 2023

الجميع يحاول فهم معنى التمرد العسكري في 23-24 يونيو 2023.  إن خطورة الأحداث واضحة للجميع، حتى أولئك الذين يحاولون المزاح أو إغراق كل شيء بالتفاصيل.

 كادت روسيا أن تموت، وهذه المرة ليس بسبب مؤامرة الليبراليين وأجهزة المخابرات الغربية (التي ماتت بسببها بالفعل في أوائل التسعينيات وبصعوبة كبيرة، بفضل جهود بوتين المذهلة، بدأت تدريجيًا في الخروج من تحت الرماد)، ولكن من تصادم اثنين من الميول الوطنية مختلفة الجهد.  لقد كان نوعًا من ماس كهربائي في الجانب الوطني، صراع ليس في التوجهات والأهداف بقدر ما يتعلق بالسرعة والأساليب.

 من الواضح أن رئيس روسيا هو من بدأ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وكان هذا هو الحل الوحيد الممكن في تلك الظروف لإنقاذ روسيا والحفاظ على سيادتها وتعزيزها، وهو الأمر الذي شككت فيه الإستراتيجية العدوانية للعولمة وقيادة الناتو..  يقودنا بوتين إلى النصر، وقد صرح مرارًا وتكرارًا أن الحرب ستستمر حتى تتحقق أهدافها بالكامل.  وهذا يتطلب سيطرة كاملة على الفضاء السياسي لأوكرانيا.  نعم، اتضح أن الطريق إلى النصر أصعب مما كنا نأمل جميعًا، لكن روسيا شرعت فيه بشكل لا رجعة فيه.  لا يجسد بوتين فقط السلطة الشرعية والدولة والنظام السياسي.  فهو أيضا شخصية تاريخية، فقد جعل منصبه والنظام السياسي نفسه شرعيين على وجه التحديد بسبب الخطوات التي اتخذها لإنقاذ روسيا.  أي أن بوتين أكثر من رئيس.

 بطبيعة الحال، فإن التمرد المسلح ضد أي زعيم دولة – هو أمر غير عادي.  لكن حتى أحد منظري القيصرية مثل القديس الروسي جوزيف فولوتسكي في صحيفة “بروسفتيتل” يشير إلى أن القيصر، الذي يجب أن يطاع ضمنيًا بشكل دائم وفي كل شيء، يفقد الشرعية إذا خان الله.  حتى المكانة المقدسة للمسيح لا تنقذ الموقف عندما يتعلق الأمر بالمثل العليا للشعب والمجتمع.  بوتين – هو منقذ روسيا، ولهذا فهو مصون، وسلطته لا تتزعزع – وقبل كل شيء في نظر الوطنيين.  هذا ليس إجراء شكلي، بل الحقيقة الأعمق.

 لذلك، فإن أي محاولة لاغتياله، ومعارضة إرادته وتحديه، يضع تلقائيًا الشخص الذي يسعى وراء ذلك، ليس فقط خارج القانون، ولكن خارج منطق التاريخ الروسي.  ولا يهم ما إذا كانت مطالب المتمردين عادلة أم لا.  حقيقة الانتفاضة بحد ذاتها غير عادلة بالفعل.

ومع ذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن جنود فاغنر في الخطوط الأمامية هم أبطال حقيقيون ووطنيون روس حقيقيون.  هذا ما اعترف به الرئيس نفسه وأكده في جميع مراحل الصراع، قبل التمرد وبعده.  من الواضح أن الأشخاص الذين سالت دماؤهم في ميدان المعارك الشرسة، والذين حققوا انتصارات ساطعة، وعززوا الروح المعنوية للشعب كله، وأصبحوا نموذجًا للبطولة في الجبهة والداخل، قد أرادوا “الأفضل”.

 خلال الحرب الأكثر صعوبة، كان لديهم شعور مرير بأن العديد من القادة العسكريين والمديرين لم يتعاملوا بنجاح مع واجباتهم المباشرة، مما أعاق النصر.

 والنخب الخاملة في المدن الحضرية تبقي الحرب بعيدة عنها، فهم يستمتعون ويسمنون، كما لو أن شيئًا لم يحدث، كما لو أن الحرب لم تبدأ حتى.  بدا لهم، وبالمناسبة، بالنسبة للكثيرين في مجتمعنا، أن الهوة بين الجبهة والداخل آخذة في الاتساع.  يتناقض موت و تضحية البعض بشكل حاد مع اللامبالاة والوقاحة من الآخرين.  أضف إلى ذلك التغيير الحتمي في نفسية ووعي الأشخاص الذين يتعاملون ليل نهار مع العنف والموت ورعب الحرب الشرسة، وتكتسب أفعالهم منطقًا معينًا.  لكن ليس عذرا.  وفقط لأن بوتين فهم هذا المنطق وقبله، تم تجنب الحرب الأهلية.  لم يسلك الرئيس طريق شيطنة المتمردين، بل انغمس في حالتهم.  بعد كل شيء، هو أيضًا محارب ومقاتل وبطل.  بعد كل شيء، هو من بدأ كل شيء – ويتحمل المسؤولية الكاملة.

 طبعا كان من المستحيل والخطأ التعامل مع الابتزاز عن طريق تلبية مطالب المتمردين.  لا أحد سيفعل ذلك.  لكن بوتين كان قادرًا على حل الصراع القاتل، الذي اتضح أن حبّه للوطن الأم، الذي اتضح أن مسؤوليته وإرادته للنصر أعمق وأكمل وأكثر جوهرية.

 كما لعب رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو دورًا هائلاً ومنقذا بالفعل في حل النزاع شبه المميت.  إنه يرفض بكل تواضع أن يتم الاعتراف به كبطل، لكنه بالضبط كذلك.  في لحظة صعبة بالنسبة لروسيا، تبين أنه الصديق الصدوق، والركيزة الداعمة لدولتنا.  تكريم له على هذا والحمد.

لذلك، لم يكن الصراع صراعًا بين الأيديولوجيات، بل كان صدامًا بين سرعتين – انفجر “المتطرفون” في الجبهة في مواجهة سياسة أكثر اعتدالًا ومرونة للمركز موجهة، مع ذلك، إلى نفس الهدف.

 أود أن ألفت الانتباه إلى ما يلي: لأول مرة في العقود الثلاثة الماضية، غاب هذه المرة الليبراليون الذين حكموا روسيا في التسعينيات ولعبوا دورًا رئيسيًا في معارضة بوتين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.  إنهم مستبعدون تمامًا من الحياة الأيديولوجية للدولة والمجتمع، كونهم يمثلون شبحًا مثيرًا للاشمئزاز ولكنه ضعيف للماضي القريب.  لا مكان لهم في المسار الوطني لبوتين، وهم مجرد أهداف مباشرة “للجبهة”، حتى لو لم يعلنوا عن أنفسهم بصوت عالٍ.  ليس من قبيل المصادفة أن مسيرة فاغنر أقيمت تحت شعار العدالة وكانت موجهة اسميا ضد الأوليغارشية والفساد، وهما استمرار مباشر للتسعينيات المخزية، والتي لم يتم القضاء عليها بالكامل في روسيا الحديثة، ولكنها لا تشغل أي مواقف سياسية فيها.

 لقد انتقلت المنطقة الأيديولوجية في روسيا اليوم بشكل لا رجعة فيه إلى جانب “الوطنيين”.  والآن، ليس أنصار روسيا وخصومها (الليبراليون والغربيون) هم الذين يصطدمون مع بعضهم البعض، لكن الوطنيين حصريًا – وإن كان من نطاقات مختلفة، وسرعات مختلفة.

 انتهى التمرد.  لقد صمدت روسيا وعززت موقفها، بعد أن اجتازت مثل هذا الاختبار الجاد.  لم يكن بوتين هو من انتصر فحسب، بل هو الفائز بالفعل، وفي الواقع، لم يشكك أحد في سلطته.  فاز التوجه الوطني.

من الواضح أن المطالب الرسمية للمتمردين لن يتم تلبيتها.  لكن الكرملين لا يسعه إلا أن يستخلص العبر مما حدث.  لن يبقى قديم على قدمه، وأخطر التغييرات في النظام قادمة لا محالة.  علاوة على ذلك، سيكون كل منها بالتأكيد يهدف لتحقيق النصر.  لا يمكن استعمال القوة لتحقيق العدالة، مع تعريض وجود الدولة ذاته للخطر – لإسعاد أسوأ أعدائنا.

 إن التمرد على بلد وشعب يشن حربًا مميتة ضد أقوى عدو، الغرب الجماعي، يعد أمرًا إجراميًا بشكل خاص. لكن من الواضح أيضًا أنه ليس لدينا حقًا ما يكفي من العدالة، وبشكل حاسم.

بوتين، بعد أن فاز بالحملة الشيشانية الثانية الصعبة، حول خصوم الأمس إلى أتباع مخلصين، أظهروا أنفسهم أيضًا كأبطال في الحرب، ضحوا بحياتهم وسالت دماؤهم من أجل روسيا العظيمة.

 وبالطبع، رجالنا – بالمعنى الأعمق – هم محاربو فاغنر وجميع أولئك الذين يسعون لتحقيق النصر بكل قلوبهم وأرواحهم.  إذا ارتفعت درجة العدالة في مجتمعنا، خاصة عندما، في ظل وقوع كارثة وشيكة، أظهرت بعض الشخصيات رفيعة المستوى (خاصة من بين الأوليغارشية) أنفسهم بشكل مثير للاشمئزاز، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز موقف رئيسنا وأبطال الجبهة ويجعلهم الحارس الأمين، ونواة نخبة حقيقية جديدة – تحدث عنها الرئيس بنفسه مباشرة في اجتماع مع المراسلين الحربيين.

 لا شك أن البلد والدولة ستخرجان من هذه الأزمة الرهيبة متجددة وقوية وبفهم أوضح للطريق الذي سيكون فيه النصر حليفنا.

 عبثًا ابتهج الأعداء وهم يشاهدون فاغنر يتحرك نحو موسكو.  لقد انتهى الأمر، وستكون كل مسيراتنا اعتبارا من الآن في الاتجاه المعاكس.

✺ ✺ ✺

لقد حان الوقت كي نصحو

ألكسندر دوغين، فيلسوف روسي معاصر

تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

2 يوليو 2023

الوضع، بعد أن هدأت الأمور، بدأ يسخن مرة أخرى.  بما أنه لا أحد يستخلص العبر من مسيرة العدالة (تمرد فاغنر وزحفه نحو موسكو – المترجم)، تبدأ الغيوم في التجمع مرة أخرى. لا يزال من الصعب تحديد نوع الإعصار الذي سينتج عن ذلك.

أولاً، في الأيام القليلة المقبلة، ربما الساعات، سيبدأ العدو في الضغط بكامل قوته – أعتقد في منطقة خيرسون، من أجل قطع الطريق البري مع شبه جزيرة القرم. إنهم بحاجة إلى ذلك من أجل قمة الناتو يومي 11 و12 يوليو / تموز. الرعاف (النزف من الأنف-المترجم) يحتاجونه كحجة. ولكن من أجل صد خطط العدو وتعطيلها، نحتاج نحن أنفسنا إلى نوع من العمل الرمزي – دافع جديد وآمال جديدة.

 للجميع – للجيش والمجتمع، فهذه الأشياء مرتبطة ارتباطًا وثيقًا أكثر مما يبدو. أكثر ما نحتاجه هو شخص يلجأ للصراخ “إلى الأمام!  من اجل الوطن الام! من اجل ستالين! “ثم يرمي نفسه أمام فوهة المدفع (ولا يختبىء بين الأشجار).

ثانيًا، لا تزال السلطات ترفض حقيقة أننا بالفعل في حالة طوارئ (Ernstfall)، وهذه شروط جديدة – بما في ذلك قانونية – للوجود السياسي.  ذكرنا بريغوجين بذلك بقسوة.  وهذه الرسالة الخاصة بمطالبه (وليست مطالبه الرسمية وغير العملية سواء في الجوهر أو الشكل) كان لا بد من قراءتها وفهمها والتفاعل معها بطريقة ما.  طرح بريغوجين السؤال، وتوقع كل الشعب الإجابة.  هذا الجواب ليس كذلك.  لكن عدم وجود إجابة – هو أيضًا إجابة.  في رأيي، من وجهة نظر تاريخية وسياسية، هذا خطأ.

تُظهِر الأحداث – التي وقعت خلال الحرب وابان التمرد الأخير – أن إعادة هيكلة نظامنا السياسي أمر ضروري.  اتضح أنها كانت كافية بشكل جزئيً، وهذا هو السبب في أنها كانت قادرة على تحمل مثل هذه الضربات، وفي جزء منها لا، لأن هذه الضربات حدثت بالفعل وكان لا بد من صدها.

الطبقة الحاكمة تعيد تنظيم نفسها باتجاه الحل العسكري – ولكن ببطء شديد وبدون خطة مناسبة.

من ناحية أخرى، تأخذ الدعاية طريقها الخاصة، وهي ليست عديمة الجدوى، ولكنها غالبًا ما تكون بلا هدف، في الفراغ.

رابعًا، كل ما نقوم به (وغالبًا ما يكون صحيحًا جدًا ومعقولًا)، نقوم به بالضرورة مع تأخير كبير.  إذا ركبنا القطار، يكون ذلك عندما يبدأ في التحرك وعلينا أن نركض للحاق بآخر عربة والمجازفة بالقفز إليه من الرصيف مع فقدان أمتعتنا.

والحروب الحديثة – تدور في الأساس حول السرعة.  كل من مبادراتنا وردود الفعل كذلك.  هناك فلسفة كاملة للسرعة – درومولوغيا.  تدرس، من بين أمور أخرى، ظاهرة الدروموقراطيا – السلطة القائمة على السرعة (P. Virillo).

لطالما كان هذا جزءًا من الاستراتيجية والتكتيك في حلف الناتو.  وهنا لا يتعلق الأمر بعمر الأشخاص الذين يتخذون القرارات (أحيانًا يكون هذا العامل مهمًا، لكنه ليس العامل الرئيسي)، ولكن يتعلق بالمزاج والعاطفة.

 يمكنك أن تقول: اي شيء تقوم به، افعله بسرعة.  حتى إذا أخطأت، فسيكون عندك متسع من الوقت لتصحيح الخطأ. اخطأت بسرعة، وسرعان ما يتم تصحيح الخطأ. ولكن إذا فكرت لفترة طويلة، وقمت بمعاينة الامور، وقررت، ثم أخطأت – فسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للتعافي من هذا.  إذا واظبنا على التأخير والتسويف والتردد، فإننا سنكون غير سعداء.

هناك طريقة: انظر إلى ما تؤجله لوقت لاحق – ليوم غد، ليوم بعد غد، لـ “بعد الانتخابات” – وافعل ذلك الآن على الفور. إنه مثل القفز من طائرة – مخيف، يشعرك بالدوار، ولكن بعد ذلك تحلق في الهواء، مثل طائر سماوي.  لنفعل كل شيء اليوم.  وما ليس لدينا وقت للقيام به، ربما لم يكن علينا فعله.

كل شيء يقود، في النهاية، إلى لحظة الصحوة.  ما زلنا نصف نائمين.  هكذا نعيش ونحكم ونقاتل.

 لقد حان وقت الاستيقاظ.

✺ ✺ ✺

لبنان الطائفة أو لبنان الوطن؟

صفية أنطون سعادة *

الغالبية الساحقة من الكتّاب اللبنانيين تعتقد أن التفاهم المسيحي – الإسلامي يؤدي إلى وحدة وطنية، وأن الاستقلال الذي أُنجز عام 1943 حين اتفق رئيس الجمهورية الماروني بشارة الخوري، ورئيس الوزراء السنّي رياض الصلح، حافظ على الكيان الذي لم يكن موجوداً قبل عام 1920 حين اخترعه الفرنسيون عبر تقسيمات سايكس – بيكو. وسُمّيَ هذا الاتفاق السنّي – الماروني «الوفاق الوطني».

لا تزال هذه التركيبة الطائفية سارية حتى يومنا هذا باسم الوطنية، بالرغم من اللامنطق الذي يشوبها، ذلك أن الإيمان بأن هذه المعادلة تؤمّن «الوطنية»، كالقول بأننا إذا أضفنا تفاحة حمراء إلى جانب تفاحة صفراء نحصل على بطيخة! والحقيقة هي أن لا علاقة للدين بالمبدأ الوطني، فالدين له مفاهيمه، والوطنية لها أسس ومفاهيم مغايرة تماماً، وخلط الاثنين لا يؤدي إلا إلى المآسي التي مرّ بها لبنان منذ نشأته. ولفت نظري العديد من المقالات التي صدرت الأسبوع الماضي، والتي لا تزال تؤكد أن التوافق الطائفي/ الديني هو مرادف للوطن.

ففي مقالة للصحافي سامي كليب، بعنوان «كيف يفكر جهاد أزعور؟» («أساس ميديا»، 18 حزيران 2023) يقول: «يعتقد البعض أن الثنائي [الشيعي] يحتاج في نهاية الأمر إلى تفاهم أو اختراق لضمان غطاء مسيحي، والإبقاء على الشراكة الوطنية». فيما أيمن جزيني يرى أن «الراجح من أمر الجلسة البرلمانية أننا أمام أزمة إدارة سياسية متمادية، لا أمام أزمة نظام. المشكلة الفعلية أن هذا النظام، بما هو عقد وطني، دستوري، وُضع منذ البداية تحت احتلالين، الأول سوري، والآخر إيراني» («أساس ميديا»، 18 حزيران 2023). بينما يشبّه الكاتب محمد السماك صخرة لبنان الوطنية، بصخرة سيزيف الذي لا يفتأ يصعد بها إلى رأس التلة، إلا أنها تتدحرج عائدة إلى مكانها الأصلي! («أساس ميديا»، «أسطورة الوحدة الوطنية في لبنان»، 18 حزيران 2023). وربما السماك لامس الواقع في قوله إنها «أسطورة»، ذلك أن واقع الدولة الوطنية في العالم نشأ في البداية في أوروبا، خلال القرن السابع عشر، وتمحور حول الأرض، وحقوق شعب محدد على أرضه. فالدين لا صلة له بالأرض، بل بإيمان الفرد الذي يستطيع أن يحتفظ بإيمانه أينما ذهب، بينما المواطن الذي يغادر بلده إلى غير رجعة يخسر هويته الأصلية، كما يحصل أولاده وأحفاده على هوية البلد الذي يقيمون فيه.

البراهين والأدلة كثيرة بأن لبنان ليس وطناً، ومنها أن لا حقوق مواطنة لنا، لا في الترشح للانتخابات، ولا في التصويت على مرشحين، إذ إننا نقوم بهذه المهمة كـ«رعايا» كما تظهر البطاقات الرسمية للدخول والخروج، كما يبرز ذلك في القيد الشخصي الطائفي الذي على أساسه يتم تقاسم السلطة. ومرجعية المؤسسات الخاصة، كما العامة، في لبنان هي طائفية، وتتدخل الدول الغربية إجمالاً في تقرير الشؤون اللبنانية عبر مساندة هذه الطائفة أو تلك، وليس أدلّ من ذلك الضغوط الحاصلة اليوم من قبل الدول الغربية لانتخاب رئيس للجمهورية، فترسل مبعوثاً من هنا، وسفيراً من هناك في تدخّل سافر في الشؤون اللبنانية، دون أن يمتعض أحد، أو يعترض، بل الكل ينتظر القرار الخارجي دعماً لسيادة لبنان واستقلاله! وحتى المؤسسات الخاصة هي إمّا طائفية أو أجنبية داعمة لطائفة معينة، من مدارس وجامعات، إلى مصارف ومستشفيات.

في المحصلة، لبنان تم اختراعه على أساس أنه «لا وطن»، وجرى استعمال كلمة وطن للتغطية على اتفاق طائفي ماروني – سنّي لاقتطاع أجزاء من بلاد الشام مع نهاية الحرب العالمية الأولى، من أجل إعطاء المسيحيين الأفضلية في تبوّئهم للسلطة، وبالتالي ديمومة مرجعيتهم للغرب الذي اخترع لهم هذه المعادلة.

* أستاذة جامعية

:::::

جريدة “الأخبار” اللبنانية، 20 يونيو 2023

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org