عبرةصمود جنين (الحلقة 3): وحدة جبهات الثورة المضادة في الحرب والنهب والشذوذ … فماذا عن وحدة ساحات المحور! د. عادل سماره

الأداء الفلسطيني في الحقبة الحالية:

كنت كتبت مراتٍ عن الداء الذي أولجه مناحيم بيجن في الحركة الوطنية الفلسطينية حيث نقلها من السر إلى العلن فابتلع معظمها الطُعُم، وكان ما كان من استسهال كشف الذات فرديا وجماعياً وكأننا في ارض محررة. وللحقيقة، فإن التهام طُعم بيجن حصل باكراً قبل اتفاقات اوسلو.

ولكن، قبل تحليل الحالة النضالية الفلسطينية الحالية، أود قول بعض الأمور التي تعتبر لدى كثيرين اسساً فُضلى لحرب الغوار. وهي في جوهرها شروط متشددة في الحرب ضد أنظمة حكم في البلد الواحد أو ضد الاستعمار ما يعني أنها يجب ان تكون اكثر تشدداً في بلد تحت احتلال استيطاني اقتلاعي مدعوم من النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي متمفصل عنه ومنسجم معه احتلال تمويلي من نفس الغرب لمنظمات الأنجزة العاملة في اوساط الشعب الفلسطيني وهي ما اسميتها “قواعد للآخر”.

يمكن للقارئ استثمار ما يلي في فهم الحالة الفلسطينية، وليس شرطاً أن يتفق مع ما نشير إليه وله أن يعقد مقارنة على الأقل.

مجمل ما يلي هو موازنة بين الحرب الجبهية وبين العمل السري البؤري /الجيفاري في كوبا خاصة وأمريكا اللاتينية عموما في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد اتخذت الحرب الجبهية في العديد من بلدان امريكا اللاتينية طريق الدفاع الذاتي المسلح Armed Self-Defense بدل الغوارية البؤرية. أنظر هذه المقتطفات في كتاب:

Regis Debray: Revolution in the Revolution? … A Primer for Marxist Insurrection in Latin America”- Newsweek, Monthly Review Publications, 1967

 وحرب الدفاع الذاتي المسلح ترتكز على تسليح الشعب وتحريكه في مواجهة النظام الحاكم بجيشه وإمكاناته وهو نهج/اسلوب التروتسكية انتهى إلى الفشل وبالطبع الخسائر البشرية الهائلة في المواطنين الذين لا شك كان بينهم تروتسكيين متحمسين ومخلصين ولكنهم كانوا أميل إلى المغامرة او كما يصفهم ريجيس دوبريه :”…  قروسطيين ميتافيزيقيين يفكرون ببعد رتيب واحد حيث يعملون في كل موقع ومرحلة بالطريقة اياها “يكافح بروميثيوس بلا توقف ضد زيوس بألف طريقة تنكرية لسرقة نار التحرير منه وإبقائها مشتعلة” ( ص 39)

“… لقد قامت الزمرة العسكرية الحاكمة (يقصد في بوليفيا.ع س) باستفزاز العمال  بدم بارد واعتقلت  قائدهم النقابي العريق  لوشين. بينما تقرر الاضراب غير المحدود من قبل التروتسكيين في ايار 1965.  فقام فيلق من الجيش مزودا بالمظليين ووحدات كلاسيكية بتطويق المناجم وشنت هجوما جبهيا ضد ميليشيا العمال وقصفت طائراتها منجما قرب لاباز واطلق الحرس النار ونتج عن ذلك مآت الضحايا من العمال وعشرات من الجنود  وتم احتلال المناجم  من قبل الجيش وتم تحطيم البوابات  من الجيش الذي اطلق الرشاشات  الآلية دون تمييز  وتم اعتبار قادة المناجم خارجين على القانون  واعتقلوا وقتلوا (ص ص 33-34)

” في الخلفية الأيديولوجية للدفاع المسلح عن النفس، توجد أيديولوجيات وصفها لينين مرارًا بأنها فطرية للطبقة العاملة (أي بدائية ما قبل الوعي السياسي الطبقي-ع.س)  والتي قال إنها ستظهر مرارًا وتكراراً على الناصية فكلما خفف الماركسيون والشيوعيون من حذرهم/دقتهم فإنها تظهر في : “الاقتصادوية” و “” العفوية “. الاقتصادونية هي الدفاع الحصري/المحصور/المحدود من قبل النقابات العمالية عن المصالح الوظيفية للعمال ضد تجاوزات سلطة الإدارة. منذ الهجوم على السلطة السياسية لأرباب العمل، استُبعدت/أُستثنيت الدولة البرجوازية من الهجوم، فإن مثل هذا الدفاع في جوهره كي يضمن ما يقاتلون من أجله. فليس من قبيل المصادفة أنه في بوليفيا، حيث يوجد أقدم تقليد نقابي أناركي بين العمال، اتخذ النضال، منذ ثورة 1952، شكل الدفاع عن النفس… مصطلح الدفاع عن النفس ليس هو الأكثر ملاءمة. إنه يقترح نهجًا سلبيًا وخجولًا، لكن هذا ليس صحيحًا دائمًا “.( ص 27 – 28)

 

الحرب البؤرية وحرب الفلاحين:

في الجانب الآخر هناك مدرسة وتجربة حرب الغوار سواء البؤرية في كوبا أو حرب الفلاحين في الصين وكوريا والجزائر وفيتنام واليمن الحنوبي…الخ.

يمكن تلخيص هذه المدرسة في التالي:

“…كان كاسترو يهتم باصغر التفاصيل منذ بداية الحرب حتى نهايتها، لم يبذخ باي شيء كان يعد الرصاص على المقاتلين. كان من الدقة بمكان بحيث يشك في كل غواري لمجرد مغادرته الموقع باعتباره حالة خيانة محتملة إما قصدا او قسرا لذا يكون الموقع معرض للانتقال السريع وخاصة في المرحلة الاولى. لم يكن يركن لأي يقين”.

يكفي هنا أن نتذكر بذخ إطلاق الرصاص في الأعراس والجنازات واستعراض المسلحين أيضاً في الأرض المحتلة.

يضيف ريجيس دوبريه “… فيما يخص إقامة الغواريين قواعد ثابتة لهم كان كاسترو قد إتبع النهج الماوي في وجوب أن تتوفر للقاعدة مساحة ممتدة اي أن تكون في منطقة واسعة، تنقص السلطة فيها مرافق الاتصالات، وأن تكون نائية وبها:

–         كثافة واسعة من السكان الفلاحين

–        وجود حدود مشتركة مع بلد صديق. (هكذا كانت الصين لفيتنام وسوريا للبنان -ع.س)

–        عدم وجود أو توفر سهولة حركة قوات مجوقلة للعدو بها

–        عدد قوات العدو فيها قليلة

في تجربتها، لم تخض قوات الشيوعيين الصينيين حرب موقع مع العدو الإمبريالي الياباني للدفاع عن قواعد هامة ثابتة.

كانت ترى أن إقامة قواعد للغواريين في المناطق الضيقة يُفقدهم ميزتهم في التحرك والانتقال المرن لأن الأماكن الضيقة تسمح للعدو بتطبيق استخدام اسلحته الفعالة الفتاكة. كان الغواريون يختارون المناطق الممتدة التي يفقد فيها العدو فعالية تسهيلات الاتصالات بما هي نائية.

اقام جيفارا قاعدة واقام فيها فرن ومشفى ومحل تصليح الاحذية وآلة نسخ الرسائل واخذ يصدر نشرة باسم “تحرير كوبا” وكما قال بأنه أخذ يجهز لإقامة محطة كهربائية صغيرة على النهر. لكن، وبعد بضعة اسابيع هوجمت القاعدة من قبل النظام واضطر الغواريون للانتقال وجرح تشي في قدمه”. فقد اختار المكان غير المناسب ولا المضمون.

لم تكن إقامة قاعدة هي الأولوية لدى الكوبيين. فرغم اهميتها لم يكن الهدف السياسي والاجتماعي رقم واحد.  بل كان تدمير قوات العدو والحصول على السلاح هو الأساس.

لذا إعتمدوا كما الماويون:

1-    قتل عشرة جنود مقابل غواري واحد

2-    عدم زج الجماهير كضحايا كما كان نهج التروتسكيين وهو الدفاع الذاتي المسلح. تصبح مثل هذه القاعدة ممكنة فقط بعد المرحلة الأولى في الريف والترسيخ البطيء لقوات الغواريين في منطقة عمليات مواتية بشكل خاص

 خلال ذلك الوقت فان قاعدة الغوار طبقا لتعبير فيديل كاسترو، هي المنطقة التي تتنقل مع الغواري اينما انتقل تذهب اين يذهب. و في المرحلة الأولى فإن قاعدة الدعم للغواري هي في حقيبة ظهره”.(من عدة صفحات من كتاب ريجيس دوبريه ما بين ( 27-67)

“… واليوم فان الدفاع الذاتي كنظام وكواقع قد تمت تصفيته في سياق الاحداث (ص 27)

ان فشل الدفاع الذاتي المسلح للجماهير مطابق للمستوى المسلح للفشل في الاصلاحية في المستوى السياسي” ص ص (27-28).

منطقة الدفاع الذاتي المسلح اذا لم تكن نتيجة هزيمة جزئية او كلية للعدو ولا محمية بجبهة الغواريين في وضعية الهجوم فهي ليست سوى غوص قدمي تمثال ضخم في الوحل… كما أن  من ضمن  نظريتها اضراب عام لا محدود”.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….https://kanaanonline.org/2022/10/27/%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86-3/