عبرةصمود جنين (الحلقة 6): وحدة جبهات الثورة المضادة في الحرب والنهب والشذوذ … فماذا عن وحدة ساحات المحور! د. عادل سماره

مصير الكيان

لست وحدي من كتب مقتنعا بأن هذا الكيان حالة انتحارية ومثابة تجمع عملاء للإمبريالية من حارس بسيط وحتى رئيس الوزراء، وبأنه تاريخياً إلى زوال. وهذا يعني أمر يرفضه كثير ممن استدخلوا الهزيمة وهو أن إزالة هذا الكيان هو بالنضال العروبي فلن يقاتل بالدم هنا سوى العروبيين/ات. قد يساعدنا كثيرون بالمال والسلاح، حتى لو بدون أي هدف استثماري إيديولوجي أو قومي أو تصدير ثورة الدين السياسي، ولكن يبقى القتال في الميدان هو الأساس.

لا يستطيع قادة الكيان اليوم الدفاع عن أن الكيان هو الأكثر أمناً ليهود العالم، وكلما مر يوم أو اشتباك كلما تأكد زيف هذه المقولة. لكن هذا لا يعني أن الكيان سوف يتفكك من داخله أو يهز كتفيه في استسلام، بل سيعتدي ويقاتل وهذا يعني أن لا نتفاخر بعدد من يُستشهدوا دون سبب ودون إلحاق الأذى بالعدو. فليست الحقيقة الوحيدة: “أن تقتل أو تموت” بل أن تقتل ولا تموت.

نعم، علينا الانتباه إلى أن الكيان يعاني من رحيل مستوطنين، ولكن ايضاً يجب ان لا نعتبر أنهم سيرحلوا جميعا طوعا وبنعومة، او أن الكيان سيموت وحده في عمر الثمانين كما ردَّد ذلك مثقفون وساسة ومشايخ …الخ.

بمعزل عن الاستيطان حتى عام 1948 وعن فترة تفكك الاتحاد السوفييتي حيث تدفق اليهود السوفييت وكثير منهم نصارى فإن الاستيطان في تراجع حيث: “…لم يزد عدد المستوطنين الجدد سنوياً من 2004 حتى 2012 عن 20 الفا وانتهى الى 16 ألفاً “.

أنظر: Statistical Abstract of Israel , No 64, 2013

“… كما كشفت وزارة الاستيعاب في الكيان عام 2003 بأن الهجرة اليهودية المعاكسة بلغت 750 الفا من اليهود الإسرائيليين الين خرجوا للعيش في الخارج وانه من بين 993 الف مستوطن اتوا من الاتحاد السوفييتي هناك 72  ألفاً عادوا الى روسيا واوكرانيا  وقدرت بعض الأوساط  الاسرائيلية عام 2011  بان نحو  200 الف روسي  ممن استوطنوا الكيان عادوا الى روسيا “.  Lamb, Franklin , 2011, p, 5.  . انظر لتفصيل أكثر كتاب جورج كرزم: الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود اليهودي في فلسطين، منشورات الرعاة، 2018.

لقد اكدت معركة جنين أن نقل العدو القتال خارج الوطن المحتل لم يعد خيارا سهلاً له حيث صار قتالا داخل الوطن المحتل نفسه. وفي سياق القتال داخل الضفة الغربية تحديداً لم يعد سهلاً على الكيان تنفيذ جدار هرتسل الذي دعا إلى تحويل الكيان إلى “جيتو” يهودي صِرف طالما قذف في الضفة الغربية قرابة مليون مستوطن ليس صحيحاً أنهم المتطرفون، فكل مستوطن متطرف أو هو عدو حقيقي مؤدلج ومسلح ومُتخم معاً.

ليست الضفة مثل غزة التي تتبادل مع الكيان الصواريخ مقابل قذائفه بالمدفعية وغارات الطائرات المقاتلة.

وإذا كان هناك من يفضلون الحرب الأهلية لإزالة السلطة في الضفة الغربية لتكرار تجربة غزة، فإن العدو إذا فُرض عليه هذا سيُغلق الضفة ولن يكون هناك من يجلب شيئا، فجارنا النظام الأردني ليس حتى مصر مبارك والسيسي وليس لنا من البحر جاراً!

قد يقول البعض ولكن تجويع الشعب يحرك العالم ضد الكيان، وأقول لهم نفس هذا العالم هو الذي كرس نكبة 1948 كما حصلت أمس عملية اجتثاث ملايين السوريين خارج الوطن وبقي معظم العالم يعوي ضد النظام السوري واليوم يرفض العالم الذي تعشقون وتتوسلون عودتهم لسوريا!

هل يلجأ الكيان إلى سياسة الضغط الاقتصادي بإغلاق المنافذ معه وطرد العمال الذين توفر تحويلاتهم ما يسد العجز في الميزان التجاري للضفة الغربية؟ 

هذا ربما يحصل رغم أنه أمر صعب على الأقل من باب حاجته لقوة العمل رخيصة الأجر.

قد يقول البعض بأن بوسع الاحتلال استجلاب عمال من الخارج للحلول محل العمال الفلسطينيين، ولكن لهذا تبعاته. فالعامل الفلسطيني يُنهي يوم العمل ويعود إلى بيته، بينما العامل الأوروبي سوف يقطن ويبني عائلة في المحتل 1948 وهذا مع الوقت والعدد سوف يشكل قوة اجتماعية غريبة تخرق اليهودية “الخالصة” للكيان.

لعل المؤشر الهام الآخر على تفكك الكيان بل هزيمته هو تغيرات في النظام العالمي وبدء حلول بريكس محله أو موازيا له. وهذا ما تنبه له الكيان وبنى علاقة قوية مع الصين وحتى مع الهند.

هل ستصبح الصين وروسيا حاضنتين للكيان كما أمريكا؟ لا نعتقد ذلك. ولكن لن تكونا في جانبنا كما كانت صين ماوتسي تونغ. ولعل تبني الصين “للمبادرة العربية” مؤشر واضح في هذا المجال. ومع ذلك فإن تراخي قبضة الإمبريالية وتراجعها عن الصف الأول  عالميا هو مؤشر جيد.

إن تآكل الصهيونية مؤشر خطير آخر على الكيان حيث يتكاثر عدد اليهود الذين يغادرون الكيان حتى دون حرب، كما أن الكثير من اليهود في العالم الذين يرفضون سياسات الكيان، وإن كانوا لا يرفضون اغتصاب فلسطين، ولكن الجانب الأهم هنا عدم مجيئهم للاستيطان في فلسطين، ومن هنا أهمية المقاومة للتأثير على رغبة المستوطنين في القدوم إلى فلسطين وخاصة يهود الولايات المتحدة بما هي مثابة “إسرائيل” الثانية من حيث عدد اليهود فيها وإمكانياتهم المالية بالطبع.

وهذا يفتح على أمر هام له معنىً: لماذا لا يأتي اليهود للكيان بينما يقاتل اللاجئون الفلسطينيون للعودة؟

نختم بأن الصراع على السلطة بين:

·       يهود دولة النصف دين سياسي والنصف علماني بقيادة برجوازية أشكنازية

·       ويهود دولة دينية أيضاً بقيادة برجوازية أشكنازية،

لن يقود إلى صراع دموي ومصير، لكنه يسهم في خلخلة الإيديولوجيا والتجمع الاستيطاني ويساهم في تجفيف ولو نسبي لمنابع استجلاب المستوطنين.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….